31. الالتزام بواجبي

كنت أشعر بحسد كبير عندما أرى إخوةً وأخوات يؤدّون عروضًا وينشدون ويرقصون تسبيحًا لله. حلمت بيوم أقف فيه على المسرح لأنشد وأقدّم الشهادة لله. ظننت أنّ هذا سيكون شرفًا عظيمًا! حلّ ذلك اليوم بسرعة أكبر مما توقّعت.

في مايو 2018، انضممت إلى تدريبات "نشيد الملكوت" وهو عرض تقدمه الجوقة. لم أكن قد درست الإنشاد أو الرقص قط، فكانت التدريبات صعبةً جدًا عليّ في البداية. كنت أتوتر جدًا عندما أُنشد وكنت عابسة الملامح، وكان رقصي دائمًا غير متزامن مع الآخرين. لكن، مع هذا لم أفقد أملي بالنجاح. كنت أعتبر "نشيد الملكوت" شهادةً لكل البشرية عن مجيء الله، فأشعر فورًا بإلهام كبير وأتابع الصلاة. كنت مصممةً على بذل قصارى جهودي في الإنشاد والرقص جيدًا. فقادني الله شيئًا فشيئًا، وبعد بضعة أشهر، بدأت أشعر براحة أكبر في التدريبات. كنت أيضًا أقود إخوةً وأخوات في ممارسة تعابيرهم. بدأت أشعر بسرور كبير بنفسي وأفكّر: "تعابيري وحركاتي ممتازة الآن. بالتـأكيد سيضعوني في الصف الأمامي عند التصوير، وعندما يراني فيه الإخوة والأخوات من منطقتي، سيتحمّسون ويفرحون كثيرًا. أراهن على أنّهم سيحسدونني أيضًا ويقدّرونني". كان ينتابني شعور رائع كلما فكّرت في هذا وكانت لديَّ طاقة لا تنضب لأداء واجبي. حتى عندما كنَّا نتمرن حتى أتصبَّبُ عرقًا ويغلبني الألم، لم أكُن أسترِح رغم ذلك. خشيت من أنّني لو تهاونت، فلن يضعوني في المقدِّمة فتضعف فرصتي في إظهار نفسي. كنتُ أعرف أنه يجب أن أبذُل قصارى جهدي؛ مهما كان التدريب صعبًا ومنهكًا. كان المخرج يُحدِّد مراكزنا على المسرح مع اقتراب موعد التصوير. فتحت لائحة المؤدّين متحمسةً وبحثت عن اسمي، ثم رأيت أنّني في الصف السابع. للحظة، لم أصدّق ما رأيته. لماذا وُضعت في هذا الصف الخلفي؟ هل أخطأ المخرج؟ كانت تعابيري وحركاتي مثاليةً، حتى أنّني كنت أساعد إخوةً وأخوات ليتدرّبوا. ظننت أنّني ينبغي أن أكون في الصفوف الأمامية. كيف لي أن أكون في الخلف؟ إن لم أظهر على الشاشة، إن لم تكن هناك لقطات لي، فلن يراني الآخرون حتى. التفكير في هذا الأمر أشعرني بالسخط. في التدريبات اللاحقة، لم أستطع إبداء أي فرح في إنشادي أو طاقة في رقصي. كنت دائمًا متجهّمةً، خصوصًا عندما رأيت أنّ تعابير بعض الأخوات وحركاتهنّ لم تكن مميزةً بتاتًا، لكنهنّ كنّ في الصفوف الثلاثة الأمامية. لم أفهم هذا فعلًا. كيف اعتُبرن أفضل منّي؟ لماذا وُضعن في الطليعة بينما أنا علقت في الخلف؟ ملأتني الغيرة ولم أستطع تقبّل هذا. رأيت أنّ بعض الإخوة والأخوات الذين كانوا عمومًا أفضل منّي في التدريب وُضعوا حتى في صفوف خلفي، لكنّهم بدوا مرتاحين تمامًا خلال التدريبات وكأنّ ذلك لم يؤثّر فيهم إطلاقًا. كنت متحيّرةً: حتى في الخلف، كانوا مطيعين وأدّوا واجبهم بنشاط، فلماذا كان الأمر صعبًا جدًا عليّ، ولماذا عجزت عن الخضوع؟ هل كنت فعلًا غير عقلانية؟ شعرت حقًا ببعض اللوم الذاتي حينئذٍ، لكن مع هذا، لم أسعَ إلى الحق أو أتأمّل في نفسي. لم أستطع أن أتخطّى مركزي بين الصفوف.

بعد بضعة أيام، أجرى المخرج عدة تغييرات في الصفوف. ثارت فيّ بهجة سريّة وتساءلت عمّا إن كنت سأُنقَل إلى الأمام. لكن عندما رأيت التغيير، أردت فعلًا البكاء. وُضعت في الصف الأخير وعند الطرف حيث بالكاد تستطيع الكاميرا التقاطي. ما فاق تصديقي أكثر هو أنّ بعض الأخوات اللواتي لم يبدأن التدريبات منذ وقت طويل قد وُضعن أمامي. كنت في اضطراب هائل وشعرت بأنّني أصبحت متزعزعةً. لقد عملت بجهد كبير على تدريب تعبيراتي وحركاتي كي أكون في الفيلم، فلماذا استُبعدت إلى زاوية يصعب رؤيتها من دون أدنى فرصة بأن أُظهر وجهي؟ سأكون مجرد دعامة! ما الجدوى حتى من مشاركتي في العرض؟ لو عرفت سابقًا، لما عملت بهذا الجهد في التدريبات. شعرت وكأنّني أنهار ولم أستطع تقبّل هذا الواقع. حسنًا، في أيام التدريب القليلة التالية، انتهى بي المطاف إلى ليّ كاحلي. ففكّرت: "أستطيع الآن أن أستريح بما أنّني لويت كاحلي، ولا داعي لإنهاك نفسي كل يوم. أنا في الخلف حيث لا يستطيع أحد أن يراني على أي حال. فما الداعي أن أجهد نفسي في العمل؟" بدأت أصل متأخرةً وأغادر مبكرةً، وعندما اشتدّت التدريبات، كنت أستريح في الجناحين الجانبيين. عندما رأت بعض الأخوات هذا، ذكّرنني قائلات: "نحن على وشك التصوير. إن لم تُمْضِي هذه الأيام في التدريب، فسيكون رقصك غير متزامن مع كل الباقين. لا يمكننا أن نتوانى". استأت قليلًا عند سماع هذا وانتابني شعورًا سلبيًا بعض الشيء. عرفت أنّ التصوير سيبدأ بعد عشرين يومًا فقط، فإن لم أنهمك في التدريبات، قد يتأخّر المشروع كله. سأتسبّب بتشويش. انتابني إحساسٌ مفاجئ بالخوف. كيف أمكنني أن أكون منحرفةً لهذه الدرجة؟ فقط عبر التأمل أدركت أنّني كنت أختلق الحجج وأقاوم، وأنّني فقدت دافعي لواجبي منذ أن وُضعت في الخلف حيث لن أحظى بفرصة التباهي. كنت أقوم بالحد الأدنى ليس إلا، من دون إعارة التدريبات أي اهتمام. كنت أقاوم الله وأتصرّف بعدوانية. كان كاحلي الملتوي يزداد أيلامًا، ما أمكن أن يكون تأديب الله لي. إن استمررت بالمقاومة لهذا الحد، بغضّ النظر عمّا إن استطعت التباهي أم لا، فقد لا أتمكّن من الصعود إلى المسرح، وآنذاك، قد أخسر حتى واجبي. في ألمي ولومي لذاتي، ركعت وصلّيت إلى الله تلك الليلة. "يا الله، لقد كنت مستاءةً جدًا منذ أن رأيت أنّني وُضعت في الخلف وعجزت عن الخضوع، وامتلأت بالشكاوى، وكنت أؤدّي واجبي بشكل رديء، وأهملت دوري. أرى كم أنا متمردة وكم خيّبت أملك. يا الله، أرجوك أن تُخرجني من هذه الحالة".

ثم قرأت كلام الله هذا: "حالما تتعلّق هذه الموهبة بالمنصب أو الصيت أو السمعة، تقفز قلوب الجميع تلهفًا، ويريد كلّ منكم دائمًا أن يبرز ويشتهر ويتلقّى التقدير. لا أحد مستعد للإذعان، بل يتمنّون دائمًا المزاحمة – مع أنّ المزاحمة محرجة وغير مسموح بها في بيت الله. لكن من دون مزاحمة، ما زلتَ غير راضٍ. عندما ترى شخصًا يَبرُز، تشعر بالغيرة والكراهية وبأنّ ما حصل غير عادل. "لماذا لا أستطيع أن أَبرز؟ لماذا هذا الشخص دائمًا هو من يبرز ولا يحين دوري أنا أبدًا؟" ثم تشعر ببعض الامتعاض. تحاول كبته، لكنّك تعجز، فتصلّي لله وتشعر بتحسن لبعض الوقت، لكنك حالما تصادف هذا النوع من المواقف بعد ذلك من جديد، تعجز عن التغلب عليها. ألا يكشف هذا عن قامة غير ناضجة؟ أليس سقوط شخص في حالات كهذه فخًا؟ هذه هي قيود طبيعة الشيطان الفاسدة التي تأسر البشر. إذا تخلَّى الشخص عن هذه الطباع الفاسدة، أفلا يكون عندئذٍ حرًّا طليقًا؟ فكِّر في هذا: ما أنواع التغييرات التي ينبغي على الشخص إجراؤها إذا أراد أن يمتنع عن الوقوع في فخّ هذه الظروف، وأن يكون قادرًا على إنقاذ نفسه منها، وأن يتحرَّر من مضايقات هذه الأشياء وعبوديَّتها؟ ما الذي ينبغي أن يحصل عليه الشخص قبل أن يتمكَّن حقًّا من الحريَّة والتحرُّر؟ من ناحيةٍ، ينبغي أن يستشفّ الأشياء: فالشهرة والثروة والمناصب ما هي سوى أدواتٍ وأساليب يستخدمها الشيطان لإفساد الناس ولإيقاعهم في الفخّ ولإلحاق الأذى بهم وللتسبُّب في فسادهم. ينبغي عليك أوَّلًا من الناحية النظريَّة فهم هذا الأمر فهمًا واضحًا. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تتعلَّم التخلّي عن هذه الأشياء وتجنُّبها. ... وإلّا، فكلّما أمعنتَ في الكفاح، سيحيط بك المزيد من الظلام، وستشعر بالمزيد من الغيرة والكراهية، وستزداد رغبتك في كسب الأشياء. كلّما زادت رغبتك في كسب الأشياء، قلّت قدرتك على كسبها، وحينما تكسب أشياء أقلّ، ستزداد كراهيتك، وحين تزداد كراهيتك، ستصبح داكنًا أكثر من داخلك، وكلّما أصبحت داكنًا أكثر من داخلك، ستؤدّي واجبك بشكل أكثر رداءة، وكلّما أدّيت واجبك بشكل أشد رداءة، قلّت فائدتك. هذه حلقة مفرغة مترابطة. إذا كان لا يمكنك تأدية واجبك جيدًا، سيتمّ استبعادك تدريجيًا" (من "هَبْ قلبك الصادق لله ليمكنك كسب الحق" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). أيقظني هذا قليلًا. كشف كلام الله عن حالتي بدقة. بعد أن انضممت إلى الجوقة ورأيت أنّني ألِفت الرقصات أكثر وأنّني كنت أقود الآخرين ليتدرّبوا على تعبيراتهم، بدأت أشعر بأنّني أؤدّي أفضل منهم وسأكون في المقدمة خلال التصوير. كنت مفعمةً بالطاقة لأداء واجبي عندما اعتقدت أنّني سأظهر في اللقطات وأنّني سأتمكّن من التباهي. كنت سعيدةً بالعمل باجتهاد وبإنهاك نفسي، ولم أركّز سوى على التدرّب على تعبيراتي وحركاتي. لكن عندما وُضعت في آخِر الصفوف، انهارت آمالي بالتباهي. كنت أقاوم ترتيبات المخرج ورفضت قبول الذين كانوا أمامي. شعرت بالغيرة منهم. أسأت الفهم واشتكيت وشعرت بأنّ هذا لم يكن عادلًا، حاولت أن أجادل الله وأنافسه، وأصبحت سلبيةً وتهاونت في واجبي. حتى أنّني ندمت على الجهود التي بذلتها في التدريب. عندما تأمّلت دوافعي وسلوكي، رأيت أنّني لم أكن أقوم بواجبي بدافع مراعاة مشيئة الله أو لتأدية الشهادة له. بل أردت تلك الفرصة كي أبرز وكي يقدّرني الآخرون. ألم أكن أكافح فقط لأجل سمعتي ومكانتي؟ كنت أنانيةً وحقيرةً جدًا! كانت فرصة الانضمام إلى الجوقة عبارة عن رفع الله لي، لكن بما أنّني بلا ضمير أو عقل، لم أفكّر في كيفية القيام بواجبي جيدًا لإرضاء الله، بل سعيت إلى التباهي ليس إلا. استأت واشتكيت عندما عجزت عن التباهي. فسقطت في حالة أكثر فأكثر ظلامًا. انتهى بي المطاف إلى القيام بواجبي بشكل رديء، مما أثار استياء الله. ألم أسقط في شبكة الشيطان؟ فكّرت في كل الإخوة والأخوات الذين قاموا بواجبهم في الكواليس ولم يظهروا على المسرح، لكنّهم عملوا بجهد من دون تذمّر، والتزموا بواجباتهم وحافظوا على تواضعهم. كنتُ أنا لا شيء بالنسبة لهم. شعرت بأنّني لم أستطع التمييز بين الخير والشر، وبأنّني أدين كثيرًا لله. لم أرِد الاستمرار في تمردي وأردت التوبة لله.

بعد ذلك، قرأت هذا الكلام من الله: "يجب أن تتعلّم أن تترك هذه الأمور وتضعها جانبًا، وأن تزكّي الآخرين وتسمح لهم بالبروز. لا تكافح بغضب أو تسرع لاستغلال فرصة لحظةٍ تصادفها كي تبرز أو كي تكسب المجد. يجب أن تتعلّم أن تتراجع، لكن لا يجب أن تؤجّل تأدية واجبك. كن شخصًا يعمل في خمول ذكر وصمت، ولا يتباهى أمام الآخرين بينما تؤدي واجبك بإخلاص. كلّما تخليت عن مكانتك ووضعك، وتخليت عن مصالحك، ستنعم بسلام أكبر، وسيُفتح مكان أكبر في قلبك، وستتحسّن حالتك. كلّما كافحت وتنافست أكثر، أصبحَت حالتك داكنةً أكثر. إن كنت لا تصدّق، فجرّب وسترى! إن أردت أن تغيّر هذا النوع من الحالات وألّا تسيطر عليك هذه الأمور، فيجب أولًا أن تضعها جانبًا وتتخلّى عنها" (من "هَبْ قلبك الصادق لله ليمكنك كسب الحق" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). أعطاني كلام الله طريقًا للممارسة. كلما أردت التباهي من جديد، كان عليّ أن أصلّي لله وأنبذ ذاتي، وأتخلّى عن رغباتي وأفكّر أكثر في كيفية القيام بواجبي بانسجام مع متطلبات الله، وتأدية حركاتي بشكل صحيح والإنشاد جيدًا. كان هذا ما احتجت إلى فعله. أدركت أنّ فرصتي في المشاركة في "نشيد الملكوت" كانت قيامي بواجبي ككائن مخلوق، سواء وقفت في المقدمة أو في المؤخرة. لا يقرّر الله ما إن كان الناس مخلصين في واجبهم بحسب مركزهم بين الصفوف، بل بحسب الصدق وما إن كانوا يمارسون الحق ويخضعون لله. شعرت براحة أكبر بكثير بعد فهم مشيئة الله، وتلوت هذه الصلاة: "يا الله، لا أريد أن أتمرّد عليك بعد الآن. أينما كان مكاني، حتى لو كان الصف الأخير حيث لا يستطيع أحد رؤيتي، أريد القيام بواجبي جيدًا لإرضائك!"

في التدريبات اللاحقة، كنت دائمًا في الصفين الأخيرين. أحيانًا، خطر لي أنّني لن أظهر قط في لقطة بهذه الطريقة، وأنّ أحدًا لن يقدّرني، فكنت أشعر بالقليل من خيبة الأمل. لكن في تلك الأحيان، صلّيت لله بسرعة وطلبت منه أن يهدّئ قلبي، وفكّرت في كيفية التعبير عمّا يتطلّبه الله مع كل جملة أنشدتها، وكيفية الرقص بحيوية بحسب تصميم الرقص. عندما بدأت أقوم بهذه الأمور بشغف، شعرت بأنّني قريبة جدًا من الله ولم أكترث لمكاني. من المذهل أنّنا عندما اقتربنا أكثر من موعد التصوير، استمرّ نقلي إلى الأمام وأُعطيتُ بعض المشاهد القصيرة كي أصوّرها أيضًا. شكرت الله على إعطائي تلك الفرصة للممارسة. خلال أيام تصوير المشاهد تلك، تمسّكت بحسّ الامتنان. مع كل لقطة، ركّزت على العمل بشغف، لئلا أندم في واجبي. في اللقطة الأخيرة، وُضعت في الصف الأول وكانت الكاميرا قريبةً جدًا منّي. ببساطة لم أصدّق هذا. شعرت بأنّ هذا شرف عظيم. شكرت الله مرارًا وصمّمت على القيام بعمل جيد. بينما كنت أمشي بفرح إلى الصف الأمامي، كانت كل تلك الأضواء مسلّطةً عليّ والكاميرات موجّهةً نحوي. هرعَت أخت كي تسوّي ملابسي وتحسّن تبرّجي وترتّب شعري. انتابني فجأةً شعور كأنّني مركز الاهتمام، وأنّ الجميع ينظر إليّ، وعجزت عن كبت حماسي. حتى في أحلامي، لم أتخيّل قط أن أكون في الصف الأول. إن كانت اللقطة موفّقةً، توقّعت أن يراني الكثير من الناس وأن أشتهر فعلًا. كانت الفكرة تنمو فعلًا داخلي. كان هذا الشعور لا يوصَف. عند تلك الفكرة، أدركت فجأةً أنّني لم أكن في الحالة المناسبة وأنّني رغبت في التباهي من جديد. لم أهدر أي وقت في الصلاة لله ونبذ ذاتي، لكن مع هذا، لم أستطع أن أحدّ من تفكيري الخاطئ ولم أستطع أن أهدأ. قمنا بلقطتين أو ثلاث، الواحدة تلو الأخرى، لكنّني لم أقُم بأداء جيد. ثم ذكّرَنا المخرج بأن نكون في الحالة الذهنية المناسبة. بدأت أقلق من أنّ يكون المخرج رأى أنّ تعبيراتي خاطئة وأنّه سيعيدني إلى الخلف. قلقت من أن أخسر تلك الفرصة بالتباهي. لكن أدركت أنّني لا أستطيع التفكير دائمًا في مصالحي الخاصة، وكان عليّ التركيز على كيفية ضبط حالتي لأقوم بواجبي جيدًا. ثارت لدي معركة داخلية بين رغبتي في أداء واجبي جيدًا والقلق من خسارة فرصتي بالتباهي. مما أدّى إلى شعوري بتوتر هائل. قمنا بخمس لقطات متتالية، لكنّني لم أؤدِّ جيدًا وبدوت عابسةً جدًا. رأيت كل الأخوات الأخريات يتكلّمن بحماس عّما تعلّمنه بعد التصوير، وتأثّرَت بعضهنّ جدًا لدرجة البكاء، لكنّني عجزت عن تحسين مزاجي. شعرت باكتئاب شديد وخرجت من المسرح بسرعة.

في طريق العودة، شعرت بذنب كبير حيال أدائي الرديء في التصوير. قدّم كل الآخرين قلوبهم الصادقة وابتساماتهم البريئة لله، لكنّني كنت مهووسةً بالتباهي. لم يكن أدائي جيدًا بما يكفي لأقدّم الشهادة لله على الإطلاق، وما أمكن لله أن يرضى عن واجبي. آنذاك، أردت فعلًا أن أبكي بشدة. فقلت لله: "يا الله، أندم على هذه اللقطة الأخيرة. صدقًا، لم أعُد أريد التباهي بعد الآن، وأودّ أن أكون في مؤخرة المسرح، في زاوية لا يستطيع أحد أن يراني فيها، ولا حتى الكاميرا. طالما لديّ قلب بسيط وصادق كي أنشد لك بإخلاص، فسأشعر بسعادة وسلام، ولن أشعر من جديد بذنب كبير كهذا أبدًا. لكنّ الأوان قد فات، ولا أستطيع سداد ديني". كلما فكّرت في الأمر، زاد استيائي، وشعرت بندم هائل حيال كيفية أدائي لواجبي.

هدّأت قلبي وبدأت أفكّر بعناية. لماذا كانت رغبتي في التباهي والبروز قويةً جدًا لدرجة أصبح معها إهمال الجسد والممارسة بهذه الصعوبة؟ قرأت هذا في كلام الله: "ما تحبّه وما تركّز عليه وما تعبده وما تشتهيه وما تفكّر فيه في قلبك كل يوم كلها أمور تمثّل طبيعتك. يكفي أن تثبت أنّ طبيعتك تهوى الإثم، وأنّها شريرة وغير قابلة للشفاء في المواقف الجدية. يجب أن تحلّل طبيعتك بهذه الطريقة؛ أي أن تتفحّص ما تهواه وما أهملته في حياتك. قد تتصرّف بطيبة مع أحد لفترة من الوقت، لكنّ هذا لا يثبت أنّك تهوى هذا الشخص. ما تهواه فعلًا هو تحديدًا ما يوجد في طبيعتك؛ حتى لو كانت عظامك مكسّرةً، فمع هذا ستستمتع به ولن تستطيع إهماله أبدًا. فلا يسهل تغيير هذا" (من "ما يجب عليك معرفته عن تحوُّل شخصيتك" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). "بالإضافة إلى الكشف عن الأمور التي يتعلق بها الناس بحكم طبائعهم، من الضروري أيضًا كشف جوانب أخرى تتعلق بطبائعهم. على سبيل المثال، وجهات نظر الناس بشأن الأشياء، وأساليب الناس وأهدافهم في الحياة، وقيم حياة الناس ووجهات نظرهم حول الحياة، وكذلك وجهات نظرهم بشأن جميع الأمور المتعلقة بالحق. هذه هي كل الأشياء في أعماق نفوس الناس والتي لها علاقة مباشرة بتحوّل الشخصية" ( من "ما يجب عليك معرفته عن تحوُّل شخصيتك" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). ساعدني كلام الله على فهم أنّ التفكير البشري والتفضيلات والمساعي تنبع كلها من طبيعتنا، وتسيطر عليها طبيعتنا أيضًا. ثم سألت نفسي: ما الذي ركّزت فعلًا عليه وسعيت إليه طوال ذلك الوقت في واجبي؟ عندما استمرّ مكاني على المسرح بالتقدم تدريجيًا وأصبحت أظهر أكثر فأكثر في اللقطات، أكثر ما فكّرت فيه كان فرصة أن أقف في الطليعة أخيرًا، وأتباهى وأكون مركز حسد الآخرين واحترامهم. تحديدًا للّقطة الأخيرة التي وُضعت فيها في الطليعة، شعرت بأنّني نجمة ما. بدا هذا كأنّه إنجاز عظيم لدرجة عجزت عن السيطرة على رغبتي في التباهي، وإظهار نفسي بأفضل حلّة أمام الكاميرا، وتقديم مفاجأة سارّة للإخوة والأخوات الذين يعرفونني، ومنح نفسي ذكرى رائعة تدوم إلى الأبد. رأيت كم قيّمتُ السمعة والمكانة، وأنّهما توغّلتا عميقًا جدًا في قلبي وأصبحتا طبيعتي ذاتها. بعد ذلك، قرأت هذا المقطع في كلام الله: "الشخصيَّة الشيطانيَّة الفاسدة متجذِّرةٌ للغاية في الناس إذ تصبح حياتهم. ما الذي يسعى إليه الناس بالضبط ويرغبون في ربحه؟ وما مُثُل الناس وآمالهم وطموحاتهم وأهدافهم واتّجاهاتهم في الحياة في ظلّ القوَّة الدافعة للشخصيَّة الشيطانيَّة الفاسدة؟ ألا تتعارض مع الأشياء الإيجابيَّة؟ أوَّلًا، يريد الناس دائمًا أن يكون لهم صيتُ أو أن يكونوا مشهورين. ويرغبون في اكتساب شهرةٍ ومكانةٍ كبيرتين وفي تكريم أسلافهم. هل هذه أشياء إيجابيَّة؟ إنها لا تتماشى على الإطلاق مع الأشياء الإيجابيَّة؛ وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تتعارض مع قانون سيادة الله على مصير البشريَّة. لماذا أقول ذلك؟ أيّ نوعٍ من الأشخاص يريده الله؟ هل يريد شخصًا عظيمًا أو مشهورًا أو نبيلًا أو مُؤثِّرًا؟ (لا). أيّ نوعٍ من الأشخاص يريده الله إذًا؟ إنه يريد شخصًا قدماه راسختان على الأرض يسعى أن يكون مخلوقًا لائقًا عند الله ويمكنه أن يفي بواجب المخلوق وأن يحافظ على مكانة الإنسان" (من "لا يمكن حلّ مشكلة الشخصيَّة الفاسدة سوى بطلب الحقّ والاتّكال على الله" في "تسجيلات لأحاديث المسيح")." إنك دائمًا ما تسعى إلى العظمة والنُبل والكرامة ودائمًا ما تبحث عن التمجيد. فكيف يشعر الله عندما يرى ذلك؟ إنه يمقته ولا يريد أن ينظر إليه. كلَّما سعيت وراء أشياء مثل العظمة والنُبل والتفوُّق على الآخرين والتميُّز والبروز والجدارة بالاهتمام، وجدك الله أكثر مدعاةً للنفور. لا تكن شخصًا يراه الله مثيرًا للاشمئزاز! كيف يمكن تحقيق ذلك إذًا؟ من خلال أداء الأشياء بطريقةٍ واقعيَّة بينما يبقى المرء في مكانته. لا تتقبَّل أحلامك الباطلة، ولا تبحث عن الشهرة أو تنفرد عن أقرانك. وبالإضافة إلى ذلك، لا تحاول أن تكون شخصًا عظيمًا يفوق الآخرين جميعًا ويتفوَّق بين الناس ويجعل الآخرين يُبجِّلونه. فهذا هو الطريق الذي يسلكه الشيطان، أمَّا الله فلا يريد مثل هذه الكائنات المخلوقة. إذا كان لا يزال يوجد أشخاصٌ يطلبون هذه الأشياء عند اكتمال عمل الله كلّه في النهاية، فلا توجد سوى عاقبة واحدة فقط لهم: أن يتم إقصاؤهم" (من "الأداء الصحيح للواجب يتطلّب تعاونًا منسجمًا" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). كان كلام الله جرس إنذار حقيقيًا لي. تأمّلت في سبب محبتي الكبيرة للتباهي وسبب غروري الشديد. يعود هذا كله إلى تعليم الشيطان وإفساده لي. سمومه مثل "يميِّز المرء نفسه ويجلب الشرف لأجداده" و"الإنسان يُكافح للصعود؛ والماء يتدفَّق للنزول" قد تسرّبَت فعلًا فيّ، وأعطتني المنظور الخاطئ عن الحياة. اعتبرت السعي إلى السمعة والمكانة والعيش بشكل أفضل من الآخرين أمورًا إيجابيةً. اعتمدتها كأهداف حياتية. مهما كنت أفعل، أردت أن أتباهى، وأن يقدّرني الآخرون ويحسدوني. شعرت بأنّي هكذا سأعيش أفضل من الآخرين، وسأنال الرفعة. لقد صارت تلك المحبة للسمعة والمكانة طبيعتي الذاتية. فكّرت في كيف أنّني لطالما أردت أن أتفوّق من قبل في المدرسة وفي تفاعلي مع الآخرين. أردت أن أكون متقدّمةً على الآخرين وأكون تحت الأضواء. كلما كان أحدهم يبدأ بملاحظتي، كنت أشعر بسرور هائل. عندما مررت مرور الكرام أو لم أكن مهمةً في أي مجموعة من الناس، لم أستطع تحمّل هذا. أردت أن أكافح لأجل مكان معين، واستأت عندما فشلت في هذا. كنت أحيا دائمًا بحسب هذه السموم الشيطانية، وأردت دائمًا أن يقدّرني الآخرون. كانت هذه الأشياء كأصفاد تقيّدني وتسيطر على أفكاري، وجعلتني أرى ظهوري في فيلم لتقديم شهادة لله كمسرحي الخاص لعرض نفسي. كنت أتعاطى مع واجبي كأنّه منطلق لإرضاء رغباتي. لم يوجد في قلبي سوى كيفية البروز والتألق. لم أفكّر في كيفية تأدية واجبي جيدًا أو إرضاء الله. رأيت أنّه من دون حل سمومي وشخصياتي الشيطانية، لم يستحِل عليّ أن أؤدّي واجبي جيدًا وأرضي الله فحسب، بل في النهاية، سيقصيني الله لأنّني تمرّدت عليه وقاومته.

لاحقًا، قرأت هذا المقطع في كلام الله: "لا يطلب الله من الناس القدرة على إكمال عددٍ مُعيَّن من المهام أو إنجاز أيَّة تعهُّداتٍ عظيمة، ولا يريد أن تكون لهم الريادة في أيَّة تعهُّداتٍ عظيمة. ما يريده الله هو أن يتمكَّن الناس من فعل كلّ ما بإمكانهم بطريقة واقعية والعيش بحسب كلامه. لا يحتاج الله منك أن تكون عظيمًا أو نبيلًا، ولا يريدك أن تصنع أيَّة معجزاتٍ، ولا يريد أن يرى أيَّة مفاجآتٍ سارَّة فيك. إنه ليس بحاجةٍ إلى مثل هذه الأشياء. فكلّ ما يحتاجه الله هو أن تستمع إلى كلامه، وبمجرَّد أن تسمعه تقبله في قلبك وتحفظه فيما تُطبِّقه تطبيقًا واقعيًّا حتَّى يصبح كلام الله هو ما تعيشه ويصبح حياتك. وهكذا، يكون الله راضيًا "(من "الأداء الصحيح للواجب يتطلّب تعاونًا منسجمًا" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). رأيت أنّ مشيئة الله تقضي بأن نتابع الحق وأن نكون أشخاصًا صادقين بالكامل، وأن نخضع لحُكمه وترتيباته، ونصبّ كل جهودنا في واجباتنا. سيرضيه عملنا نحو هذه الأهداف. لم أفهم مشيئة الله من قبل قط، بل لاحقت السمعة والمكانة بتفانٍ ليس إلا. نتيجةً لهذا، عجزت عن تأدية واجبي جيدًا، ما خيّب أمل الله. كنت فاسدةً جدًا، ومع هذا، لم يتخلَّ عنّي. كشف عن منظوراتي الخاطئة للسعي عبر تعديل مكاني على المسرح مرةً تلو الأخرى كي أرى شخصيتي الشيطانية الفاسدة وأبدّل مساري وأتغيّر. أثّرَت محبة الله فيّ فعلًا. فتلوت له هذه الصلاة: "يا الله، لم أعُد أريد السعي إلى البروز أو تقدير الناس لي. لا تجلب لي هذه المساعي سوى الألم، وتجعلني غير قادرة على إرضائك في واجبي، ما يُشعرني بذنب كبير. من الآن فصاعدًا، لا أتمنّى سوى الممارسة بحسب كلامك. مهما كان منصبي، وما إن استطعت التباهي أم لا، كل ما أريده هو الإنشاد تسبيحًا لك بقلب صادق وخاضع لك، وتأدية واجبي لإرضائك." في اللقطات المُعادَة بعد ذلك، نُقلت أحيانًا إلى الخلف، وأحيانًا أخرى إلى الأمام، وأحيانًا احتاجوا إليّ في التدريبات ولكن ليس في التصوير. لقد أثّر فيّ هذا عاطفيًا، لكنّني تمكّنت من التخلي عن رغباتي عبر الصلاة لله وقراءة كلامه لإدارة عقليّتي. أحيانًا رأيت بعض الأخوات اللواتي تأثّرن بتغيير مكانهنّ فلم يؤدّين واجبهنّ جيدًا. تمكّنت من إيجاد كلمات ذات صلة من كلام الله في الوقت المناسب وربطتها بتجربتي كي أساعدهنّ. أراحني فعلًا القيام بواجبي بهذه الطريقة وكان مُجديًا! لاحقًا، طلب منّي المخرج أن أعود إلى الصف الأمامي، لكنّني لم أكن أحاول التباهي كالسابق. شعرت ببساطة بأنّ توجيه الكاميرا نحوي كان مسؤوليةً وشهادةً. ركّزت على الإنشاد جيدًا والقيام بواجبي كما يجدر بي. أتذكّر عندما كنت في الصف الأخير خلال أحد المشاهد، أنشدنا هذه الكلمات من كلام الله: "ارفعي راية نصرك للاحتفاء بي! غني أغنيتك المظفرة للنصر، لتنشري اسمي القدوس!" فكّرت في كم أنّ الشيطان قد أفسدني بعمق، فسعيت إلى السمعة والمكانة، لدرجة أنّني فشلت في تأدية واجبي جيدًا لإرضاء الله، وكم أسأتُ إلى الله فعلًا. ذلك اليوم، شعرت بأنّه كان عليّ تسبيح الله من قلبي، وتقديم أفضل إنشادي له كي يشعر الشيطان بالعار ويُهزَم! عندما كنت أنشد تسبيحًا لله على المسرح مع ذلك النوع من السلوك، شعرت بسلام ومتعة لم أختبرهما من قبل. انتابني أيضًا حسّ كبير بالفخر والعدالة!

سرعان ما نُشر "نشيد الملكوت" على الإنترنت، وهو عمل جوقة واسع النطاق. شاهد كل الإخوة والأخوات بيننا الفيديو بحماس. إنّ رؤية الكثير من مختاري الله يقفون أمام جبل الزيتون وينشدون بفخر "الجموع تهتف لله، الجموع تسبِّح الله" قد هزّتني فعلًا، وتأثّرت جدًا فلم يسعني سوى أن أذرف دموع الامتنان. أتذكّر كل ما حصل، من تأثّري المفرط بمكاني في البداية لدرجة أنّني عجزت عن بذل الجهد في واجبي، إلى عدم تأثّري بالسمعة والمكانة في النهاية ما إن كان مكاني في الأمام أو الخلف، بل مجرد أخذ مكان كائن مخلوق ينشد ويقدّم الشهادة لله بحرية، فكان كل هذا ثمرة عمل الله فيّ. الشكر لله!

السابق: 30. التخلي عن المكانة لم يكن سهلًا

التالي: 32. تحررت روحي

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب