12. عَقدان من المشقة
صرت مسيحيًّا في عام 1991، وبعد ذلك ببضعة أعوام أصبحت واعظًا كنسيًّا. وفي عام 1995، احتجزتني الشرطة في قسم الأمن السياسي التابع لمكتب الأمن العام بالمقاطعة، وطالبت بمعرفة المكان الذي كنت أعظ فيه واسم قائدي. وعندما لم أرد، لكموني وركلوني وعذبوني لمدة أربع أو خمس ساعات، وتركوني مصابًا بكدمات. ثم حبسوني في معتقل المقاطعة. عذبتني الشرطة والسجناء الآخرون لمدة 42 يومًا، فكنت على وشك الموت. وفي وقت لاحق، استعانت زوجتي ببعض المعارف ودفعت غرامة قدرها 10,000 يوان صيني لإطلاق سراحي. لم أفهم الأمر. فبصفتنا مؤمنين نشارك الإنجيل، كنا نوجه الآخرين ليتبعوا تعاليم الرب، ويكونوا أناسًا صالحين، ويكونوا متسامحين، ويحبوا الآخرين كأنفسهم. لماذا يضطهدنا الحزب الشيوعي بمنتهى الوحشية؟ بعد أن ربحت الإيمان بالله القدير، من خلال الإعلان في كلام الله واختباري الشخصي، ربحت التمييز بخصوص الجوهر الشيطاني للحزب الشيوعي الصيني المتمثل في كراهية الحق ومقاومة الله.
في أحد أيام شهر ديسمبر من عام 1999 بينما كنت أتناول الإفطار مع زوجتي، اقتحم ثلاثة ضباط المكان. كان أحدهم ضابطًا سبق واعتقلني بسبب إيماني بالرب. تفحصني بعينه عدة مرَّات وقال بصرامة: "لقد أُبلِغَ عن إيمانك بالله القدير والوعظ بالإنجيل. إنك لم تتعلم الدرس حقًّا!" وبعد ذلك، فتشوا المكان كله رأسًا على عقب، باذلين قصارى جهدهم للعثور على أي شيء. استمر هذا لمدة ساعة تقريبًا، وتركوا منزلي في حالة فوضى عارمة، لكنهم لم يجدوا أي كتب أو مواد عن الإيمان. ثم وضعوني في سيارة لنقلي إلى مركز الشرطة. وفي الطريق، برز في ذهني فجأة مشهد بعد الآخر من المرَّة الأولى التي اُعتُقلت فيها وعُذبت. شعرت بالخوف الشديد. فأولئك الشياطين يكرهون المؤمنين خصيصًا ولم أكن أعرف كيف سيعذبونني. صلَّيت إلى الله بصمت وتذكرت شيئًا قاله: "كل مَن أُنعِم عليه بمجدي ينبغي أن يشهد لي ويقدِّم حياته من أجلي، فهذا قد تعيَّن مسبقًا منذ زمن طويل من قبلي" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. ماذا تعرف عن الإيمان؟). هذا صحيح – فاعتقالي في ذلك اليوم كان بإذن من الله، وكانت مسألة مقدار معاناتي وإن كنت سأعيش أو أموت بيديِّ الله. وكان عليَّ أن أشهد. فمنحني كلام الله الإيمان والقوة، وشعرت بمزيد من الهدوء.
نقلوني في البداية إلى مركز الشرطة لتفتيشي واستجوابي، ولكنهم نقلوني إلى مكتب الأمن العام في المقاطعة بعد أن رأوا أنني لم أتكلم. وهناك، أحاط بي عدد من الضباط الذين لكموني وركلوني، واستخدم بعضهم هراوات الشرطة. سقطت على الأرض بسبب ضربهم. كنت أنزف من أنفي وفمي، وتمزقت ملابسي، وشعرت بالدوار في رأسي لدرجة أنني عجزت عن الوقوف. ثم أمسكني كبير الضباط من رقبتي، وقال: "إن لم أكشف لك حقيقة الأمر، لن تعرف مَن الذي تضايقه! تكلم! مَن قائدك؟ ومَن الذين وعظتهم؟" كنت أشعر بالتوتر الشديد. إن لم أتحدث، سوف يواصلون ضربي بالتأكيد، وإن استمر ذلك، سأصاب بالعجز أو سأموت. صلَّيت إلى الله في قلبي، طالبًا منه الحماية والإرشاد. ثم تأملت في هذه الكلمات من الله: "إذا كانت لدى الإنسان أفكار جُبن وخوف، فلأن الشيطان قد خدعه؛ إذ يخشى الشيطان أن نعبر جسر الإيمان للوصول إلى الله" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل السادس). أدركت أن توجسي وخوفي كان منبعهما الشيطان، ومهما كانت شراسة الشرطة، فلم يكن بوسعها إلا أن تفتك بجسدي وتعذبه، لكنها لا يمكن أن تمس نفسي. وحتى لو ضربوني حتى الموت في ذلك اليوم، فسوف تكون نفسي بين يديِّ الله. منحني هذا الفكر الإيمان والقوة، ولم أكن على استعداد لخيانة الله أو لخيانة إخوتي وأخواتي، حتى لو كان ذلك يعني الموت. أمسكت عليَّ لساني ولم أنطق بكلمة واحدة. لم أرد بعد أن سألوني عدة مرَّات، فركلوني أرضًا ثم أحضروا هراوة شرطة ووضعوها على الأرضية الخرسانية وجعلوا شخصين يضغطا عليَّ ويجبروني على الجثو عليها. تسبَّب الضغط على عظام قصبة ساقيَّ بألم مبرح وكانت الدموع تتساقط من عينيَّ. داس أحد الضباط بوحشية على باطن ساقيَّ عدة مرَّات، ما تسبب في ألم شديد لدرجة أنني صرخت وسقطت على الأرض وانزويت جانبًا. صرخ الضابط: "انهض!"؛ لكنني لم أتمكن من تحريك ساقيَّ - ولم أملك القوة على الوقوف. وفيما شعرت بالبؤس الشديد، صلَّيت إلى الله: "إلهي، لا أستطيع تحمُّل هذا بعد الآن، ولا أعرف كيف سيعذبونني بخلاف ذلك. إلهي، لا أريد أن أخونك - أرجو أن تمنحني الإيمان والقوة". وعندئذٍ تأملت بعضًا من كلام الله: "هل قبلتم من قبلُ البركات التي مُنحت لكم؟ هل سعيتم يومًا وراء الوعود التي قطعتها لكم؟ بالتأكيد، في ظل إرشاد نوري، ستخترقون معقل قوى الظُّلمة. وبالتأكيد، في وسط الظلمة، لن تخسروا النور الذي يرشدكم. بالتأكيد ستكونون أسياد الخليقة، وبالتأكيد ستكونون غالبين أمام الشيطان، وبالتأكيد، عند سقوط مملكة التنين العظيم الأحمر، ستقفون وسط عدد لا يُحصى من الحشود تقدمون شهادة عن نصري. بالتأكيد ستقفون صامدين ولن تتزعزعوا في أرض سينيم. من خلال المعاناة التي تتحمَّلونها، سترثون بركاتي، وسوف تُشِعّون بالتأكيد مجدي في سائر أنحاء الكون" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كلام الله إلى الكون بأسره، الفصل التاسع عشر). دعم كلام الله إيماني وقوتي. كان عليَّ أن أتكل فعلًا على الله، وبإرشاد كلامه يمكنني بالتأكيد أن أنتصر على الشيطان وأتمسك بشهادتي. ضُربت ضربًا متكررًا بعد ست أو سبع ساعات من التعذيب الفظيع، وتحطمت عظمة ساقي الأيسر. نقلتني الشرطة إلى معتقل بسبب امتناعي عن الكلام. ورأى الموظفون هناك مدى خطورة إصابتي ولم يرغبوا في إدخالي، ولم يوافقوا أخيرًا على إدخالي إلا بعد أن تفاوضت الشرطة معهم لفترة من الوقت.
أخذوني إلى زنزانة شممت فيها رائحة كريهة. كانت مساحة صغيرة تبلغ حوالي 10 أمتار مربعة بها بعض البطانيات القذرة كريهة الرائحة مع مرحاض. كان بها خمسة عشر أو ستة عشر شخصًا يأكلون ويشربون وينامون ويقضون حاجتهم هناك، فكان المكان رطبًا وفوضويًّا. نظر إليَّ السجناء الآخرون نظرةً متجهمة. فشعرت بالتوتر الشديد وكنت أُصلِّي إلى الله بلا انقطاع. تذكرت شيئًا قاله: "لا تخف؛ لأن يديَّ تساندانك، وسوف أحفظك بالتأكيد من كل فاعلي الشر" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل الثامن والعشرون). منحني كلام الله المواساة والإيمان، ولم أعد أشعر بالتوتر. وفي اليوم التالي، افتعل رئيس الزنزانة شجارًا وجعل الآخرين يضربونني؛ ما تسبَّب في دحرجتي على الأرض. فانتهى بي الحال منزويًا جانبًا بسبب الألم وعاجزًا عن الحركة. وبعد ذلك، كانت الشرطة تستجوبني من وقت لآخر، وتطالبني بأن أخون الكنيسة، ثم تنتقل إلى أساليب ملتوية عندما لا تتمكن من انتزاع أي كلام مني. في إحدى المرَّات، جاء عم زوجتي المدعو لي لاستجوابي. كان يشغل منصب مدير العتاد في قسم الأمن السياسي بمكتب الأمن العام. سألني متظاهرًا بالاهتمام: "هل يوجد أي سجناء يضربونك؟ هل تحصل على ما يكفي من الطعام؟"؛ ثم طلب من ضابط آخر أن يذهب ليشتري لي بعض الكعك على البخار وبعض علب السجائر. تنهد وقال بنظرة تنُم عن الاهتمام: "إن لم تعترف، فسوف يُحكَم عليك بعقوبة في السجن على الأرجح، ولن أتمكن من مساعدتك. وإن اعترفت، فقد تتمكن من العودة إلى المنزل في الوقت المناسب للعام الجديد. فكر في الأمر!". عندما قال ذلك، كنت أفكر في أن والديَّ في السبعينيات من العمر وأن زوجتي تعتني بثلاثة أطفال صغار بمفردها. كيف سيتدبرون أمرهم إن دخلت السجن لمدة ثلاثة إلى خمسة أعوام؟ فسجون الحزب الشيوعي كالجحيم، ومن الممكن أن تُعذب فيها حتى الموت في أي وقت. ماذا سيفعلون إن مِتُّ؟ شعرت بمزيد من الحزن كلما فكرت في الأمر، ولذلك صلَّيت طالبًا من الله أن يحرسني. وتأملت في هذا الاقتباس من كلام الله: "في كل وقت يجب أن يحترس شعبي من خطط الشيطان الماكرة، ويحرسوا لي بوابة بيتي، وينبغي أن يكونوا قادرين على أن يدعم بعضهم بعضًا، ويعيل بعضهم بعضًا، بحيث تتفادوا السقوط في فخ الشيطان، الذي لو حدث سيكون قد فات أوان الندم" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كلام الله إلى الكون بأسره، الفصل الثالث). أيقظني كلام الله. لقد أرادت الشرطة استخدام مشاعري تجاه عائلتي ومواطن ضعفي الجسدية لأخون الله. يا لخبثها! كنت على وشك الانخداع بذلك. لقد منحني الله حياتي، وكانت مسألة أن أعيش أو أموت متروكة له. كان مصير والديَّ وزوجتي أيضًا في يديِّ الله – فقد كان له القول الفصل. إن حُكِم عليَّ بالسجن، فسوف يكون ذلك بإذن من الله. كان عليَّ أن أثبت على موقفي حتى لو كان ذلك ثمنه حياتي! ولذلك، أخبرته: "لقد قلت كل ما يجب أن أقوله، ولا أعرف أي شيء آخر". فحدَّق في وجهي قليلًا عندما لم تنفع حيلته الصغيرة ثم غادر هو يستشيط غضبًا.
كان حراس السجن يطلبون دائمًا من السجناء الآخرين تعذيبي بعدة طُرق؛ مثل "أكل الزلابية"، "والنظر في المرآة"، "وأكل الكوع"، وتسميع قواعد السجن. كانت طريقة "أكل الزلابية" هي أن يلفُّوني في أغطية الفراش ثم يطالبوا الآخرين بلكمي وركلي، مما يسبب لي الدوار والتشوش. وكانت طريقة "النظر في المرآة" هي وضع رأسي في مرحاض به بول وبراز، وكان من الممكن أن أختنق بسبب ذلك لو لم أكن حريصًا. وكانت طريقة "أكل الكوع" هي ضربي بالكوع في ظهري. كانوا يجبرونني أيضًا على تسميع قواعد السجن، وإن أخطأت في كلمة واحدة، كانوا يخلعون سروالي ويستخدمون حذاءً بنعل بلاستيكي لضربي حتى أصاب ببثور دامية على مؤخرتي. وفوق ذلك، كان حراس السجن يجعلونني كثيرًا أعمل ليلًا ونهارًا. كنت أعمل ببطء نظرًا لإصابتي بجروح، وظل السجناء الآخرون يكلفونني بالمزيد من المهام. وكنت أُضرَب إن لم أكملها. كانت مواجهة هذا النوع من التعذيب مؤلمة ومحبطة حقًّا بالنسبة لي. فأحيانًا كنت أشعر بالضعف لدرجة أنني أردت الموت لأضع حدًّا لتلك المعاناة. كنت أُصلِّي دائمًا إلى الله، وأطلب منه أن يحرس قلبي. فكَّرت فجأةً ذات يوم في صلب الرب يسوع. الله عظيم وقدوس وبلا خطية، وقد تجسد بنفسه وجاء للعمل لخلاص البشرية، لكنه سُمِّرَ على الصليب. والآن صار الله جسدًا مرَّة أخرى آتيًا للعمل في الصين، وبالطريقة نفسها، يعاني رفض البشرية والافتراء والإدانة والتجديف. كما أن الحزب الشيوعي يطارده. لكنه لا يزال يُعبِّر عن الحقائق لخلاص البشرية. فمحبة الله للإنسان عظيمة جدًّا! وأنا مؤمن أسعى للخلاص – فما مقدار هذه المعاناة الضئيلة؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن المعاناة هي أن يكون لك نصيب في ملكوت المسيح وفي ضيقته. إنه شيء مجيد ينطوي على القيمة والمعنى. بإدراك هذا، تجدَّد إيماني وقوتي ولم أعد أشعر بالبؤس مهما كان تعذيب السجناء لي.
ذات يوم بعد الإفطار، اقتادني عدد قليل من ضباط الشرطة إلى سوق على مسافة حوالي 5.5 أميال من منزلي، ثم وضعوني مع عشرات السجناء الآخرين أو نحو ذلك على منصة. أدركت أنهم كانوا ينفذون استعراض تنديد. جلس صف من كوادر مكتب الأمن العام بالمقاطعة على خشبة المسرح، مع حشد كبير من الناس في الأسفل. كان كثيرون منهم يتهامسون لبعضهم البعض ويشيرون إليَّ. تعرَّق وجهي وخفق قلبي بوتيرة أسرع ولم أجرؤ على رفع رأسي. كنت أفكر في أن عددًا قليلًا من أقاربي وأصدقائي ومعارفي كانوا في تلك المنطقة، بالإضافة إلى زملائي في العمل من طائفتي السابقة. ماذا سيظنون بي عندما يرونني قيد المحاكمة بلافتة حول رقبتي مع السجناء الآخرين؟ كيف كان يمكنني رفع رأسي بعد ذلك؟ شعرت بالاستياء كلما فكرت في الأمر، فصلَّيت وطلبت من الله أن يمنحني القوة. تأملت في بعض من كلام الله: "أرجو أن يحمل الناس شهادة قوية ومدوية لي أمام التنين الأحمر العظيم، بحيث يمكنهم أن يهبوا أنفسهم لي للمرة الأخيرة، وأن يفوا بمتطلباتي مرة أخيرة. أيمكنكم حقاً أن تفعلوا هذا؟" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كلام الله إلى الكون بأسره، الفصل الرابع والثلاثون). منحني كلام الله الإيمان والقوة. بصفتنا مؤمنين، نحن نسير على المسار الصحيح. نحن لا نخالف القوانين أو نرتكب الأخطاء، ولذلك لا يوجد ما نخجل منه. كان الإذلال الذي واجهته هو الاضطهاد من أجل البر. ويجب أن أشعر بالفخر. شعرت بالهدوء عندما فكَّرت بهذه الطريقة. انتهى بهم الأمر باتهامي "بالإيمان غير المشروع" و"الإخلال بالنظام الاجتماعي"، وحكموا عليَّ بثلاثة أعوام من إعادة التأهيل من خلال الشغل. عندما رأيت جميع تلك الوجوه المتظاهرة بالورع والرضا عن الذات على خشبة المسرح، كرهت تلك الشياطين بكل ذرة من كياني، وأقسمت بأنه حتى لو حكموا عليَّ بالسجن لمدة 30 عامًا، وليس ثلاثة أعوام فقط، لن أخون الله أبدًا، ولن أذعن للشيطان بتاتًا!
نُقلتُ إلى معسكر شغل بعد يومين من استعراض التنديد. كُلفتُ هناك في موقع بناء بحفر الخنادق واضُطُررت إلى نقل الأسمنت والرمل في عربة يدوية. تعيَّن عليَّ أداء ذلك النوع من العمل الشاق كل يوم لمدة اثنتي عشرة ساعة أو أكثر كل يوم. وأحيانًا كنت أعمل ببطء لأن باطن ساقي كان مصابًا بجروح، فكان ضابط الإصلاحية يضربني عندما يلاحظ ذلك. شعرت بشيء من الضعف عند التفكير في أنني سوف أضطر إلى البقاء هناك لمدة ثلاثة أعوام. ولم أعرف كيفية تجاوز ذلك أو ما إذا كنت سأخرج على قيد الحياة. كنت خلال ذلك الوقت أُصلِّي إلى الله كثيرًا وأفكِّر في محبته. تأثرت بالفعل عند التفكير في الألم والإذلال اللذين عانى منهما لخلاصنا - نحن البشر الفاسدين. وقد جعلني ذلك مستعدًّا للخضوع، وأردت أن أتبع الله إلى النهاية مهما كانت معاناتي.
بعد فترة عرفت أنه كان يوجد سجين اسمه شانغ جين وكان مؤمنًا بالرب. وبما أننا كنا مسيحيين، فقد كنا نتحدث عن إيماننا كلما سنحت الفرصة. رأيت أن الأخ شانغ جين كان يتمتع بإنسانية جيدة ويتوق لعودة الرب، ولذلك أردت مشاركته بعمل الله في الأيام الأخيرة. لكن عقوبته كانت قد انتهت وأُطلق سراحه قبل أن تسنح لي الفرصة. شعرت بالخزي الشديد، وصلَّيت إلى الله طالبًا منه أن يهيئ لي طريقًا كي تسنح لي الفرصة لمشاركة شانغ جين بالإنجيل. وبعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه، كنت أشتغل في موقع العمل كالمعتاد. وذات يوم، شعرت بألم في بطني واضُطُررت إلى الذهاب إلى المرحاض أكثر من المعتاد. لاحظت أن جدار المرحاض لم يكن كثير الارتفاع وكان يوجد مصنع كبير على الجانب الآخر منه. عندما كنت في المرحاض، كان يوجد حارس بالخارج يقرأ إحدى الجرائد. صلَّيت حيث لم أكن متأكدًا مما إذا كان الله يهيئ لي طريقًا. وبعد الصلاة، تيقنت في قلبي أن الله كان يُقدِّم لي مخرجًا، ولذا قفزت فوق الجدار وذهبت إلى المصنع بينما كان الحارس غير منتبه. خلعت زي السجن بسرعة وعلقته على كتفي وخرجت من المدخل الرئيسي. لم أكن لأحلم قط أنني أستطيع الهروب في ظل مثل هذه الإجراءات الأمنية المشددة. فشعرت بالامتنان الشديد لله.
ولكن سرعان ما سمعت صفارات الإنذار من ورائي. أسرعت للاختباء في بستان من الأشجار وكنت أُصلِّي بلا انقطاع. انتظرت لحين حلول الظلام، ثم خرجت بحذر شديد من البستان. سلكت طريقًا ريفيًّا قصيرًا وسألت عن الطريق المتجه نحو منزل شانغ جين. وفي عتمة الليل، رأيت بعض ضباط الشرطة أمامي يحرسون نقطة تفتيش بعد فترة وجيزة من وصولي إلى الطريق السريع الذي يؤدي إلى منزله، فشعرت بالخوف الشديد. ماذا لو كشفوني؟ لن يتركوني إن أمسكوا بي. صلَّيت إلى الله في قلبي. رأيت كومة من التبن وهرعت للاختباء فيها وبقيت هناك لأكثر من ساعة. لم أبرح مكاني بحذر شديد إلا بعدما رأيت سيارة الشرطة تغادر، ثم واصلت التوجه إلى منزل شانغ جين بصعوبة. ولم أبتعد كثيرًا حتى شعرت بألم مبرح في باطن ساقي لدرجة أنني لم أعد أستطيع المشي، ولذلك جلست واسترحت ثم بدأت المشي من جديد. وأثناء سيري كنت أدندن ترنيمة "أتمنى أن أرى يوم مجد الله":
1 أقبل اليوم دينونة الله، وغدًا سأتلقَّى بركاته. أنا مستعد لبذل شبابي وتقديم حياتي لرؤية يوم مجد الله. إنه يعمل ويعبِّر عن الحق، مانحًا الإنسان طريق الحياة. كلام الله ومحبة الله قد فتنا قلبي. أنا مستعد لأن أتجرَّع كأس المرارة بأكملها، وأعاني لأربح الحق. سأتحمَّل المهانة دون شكوى، وأتمنى أن أقضي حياتي في ردِّ جميل نعمة الله.
2 بائتمان الله في قلبي، لن أجثو للشيطان أبدًا. رغم أن رؤوسنا قد تتطاير ودماءنا قد تُراق، فلا يمكن أن تنحني هامة شعب الله. سأقدم شهادة مدوية لله، وأذِلُّ الأبالسة والشيطان. الله قدَّر الألم والمصاعب مسبقًا، وسأكون مخلصًا وأخضع له حتى الموت. لن أتسبب مرة أخرى أبدًا في بكاء الله، ولن أتسبب في قلقه مرةً أخرى أبدًا. سأقدِّم محبتي وإخلاصي لله، وأُتمِّم إرساليتي لتمجيد الله.
– اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة
شعرت بنمو إيماني عند ترنيمها. وصلت أخيرًا إلى منزل شانغ جين في ظهيرة اليوم التالي تقريبًا. وبمجرد أن رأى أحدنا الآخر ذرفنا دموع الفرح. وتحسبًا من مجيء الشرطة، طلب من شخص آخر استضافتي. وكما كان متوقعًا، توجهت الشرطة إلى منزل شانغ جين في ظهيرة اليوم الثالث تقريبًا. لم يجدوني، فغادروا في سخط. شاركت شانغ جين بإنجيل الله في الأيام الأخيرة بعد ذلك. وبإرشاد من الله، قَبِلَ الله القدير أكثر من مائة من الإخوة والأخوات من طائفته.
أصبحت مجرمًا مطلوبًا لدى الشرطة بعد هروبي من معسكر الشغل. كنت أتنقل لمشاركة الإنجيل، ولم أجرؤ على العودة إلى المنزل. مرت عشرة أعوام في لمح البصر، وفي شهر سبتمبر من عام 2010 تسللت مرَّة أخرى إلى مدينتي وذهبت إلى منزل أختي. رأيت زوجتي هناك، وأخبرتني بأن الشرطة توجهت إلى منزلنا وفتشت منزلنا ومنازل أقاربنا أيضًا بعد هروبي من معسكر الشغل. بل وحاولوا إقناع زوجتي ووالديَّ وأقاربي الآخرين تحت التهديد ليكشفوا عن مكاني. كما كانت الشرطة تراقب المنطقة المحيطة بمنزلي سرًّا لبضعة أيام. لم تتوقف الشرطة عن مطاردتي طوال تلك الأعوام. وفي العام الجديد وعيد ميلاد والديَّ، كانوا يسألون عني دائمًا ويستفسرون عما إن كنت قد عدت إلى المنزل. اُعتقلت زوجتي في عام 2002 بسبب إيمانها، واضطرت عائلتنا إلى إنفاق أكثر من 2,000 يوان صيني والاستعانة بالمعارف لإطلاق سراحها. ساءت الأمور على عائلتنا بسبب اعتقالي أنا وزوجتي وتغريمنا. كما أُجبِرَ أطفالنا على ترك المدرسة قبل الانتهاء من المدرسة الابتدائية والإعدادية، واضُطروا إلى مغادرة المنطقة للعمل من أجل لقمة العيش. شعرت بالاستياء الشديد عند سماع ذلك. جاء والداي إلى منزل أختي لرؤيتي عندما سمعا بعودتي. بدآ يبكيان في اللحظة التي رأياني فيها دون أن ينطقا بكلمة واحدة، لكنهما لم يبكيا بصوت عالٍ لئلا يسمعهما أي شخص آخر. قالا إنهما كانا يحلمان بي طوال الوقت ويبكيان دون انقطاع. لم أستطع حبس دموعي عندما رأيت مدى ضعف والديَّ. بعد بضعة أيام، سقط والدي عن طريق الخطأ وكُسِرَ عظم فخذه بينما كان يقود دراجته إلى منزل أختي لرؤيتي. شعرت بالقلق الشديد عليه عندما سمعت بالأمر، وخاطرت بالذهاب لرؤيته في المنزل عند منتصف الليل. بدأ والدي يجهش بالبكاء عندما رآني وقال: "أفاد الطبيب بأنه لا يستطيع تثبيت عظم فخذي. ولا يسعني إلا انتظار الموت. ربما تكون هذه هي المرَّة الأخيرة التي نلتقي فيها". فطمأنته وأنا أغالب دموعي. لم أجرؤ على البقاء طويلًا خوفًا من الاعتقال، فغادرت بعد ساعة أو نحو ذلك. كنت هاربًا لأكثر من عقد من الزمن بسبب اعتقال الحزب الشيوعي لي، ولم أستطع العودة إلى المنزل، ولم أتمكن من رؤية عائلتي أو تحمُّل المسؤولية تجاه والديَّ أو إتمام مسؤولياتي كزوج وأب تجاه زوجتي وأولادي الثلاثة، والآن والدي مريض ولم أستطع الاعتناء به ليوم واحد. شعرت بأنني سوف أخذل والديَّ بالفعل، وغالبني وجع القلب. مثلت بسرعة أمام الله في الصلاة، طالبًا منه أن يرشدني ويمنحني الإيمان والقوة. وبعد الصلاة قرأت كلام الله الذي يقول: "إن شعوري المستمر هو أن الطريق الذي يرشدنا فيه الله لا يسير بشكل مستقيم، بل هو طريق متعرج مملوء بالحفر. يقول الله، إضافة إلى ذلك، إنه كلما زادت وعورة الطريق يمكنه أن يكشف المحبة التي في قلوبنا أكثر. ومع ذلك، لا يستطيع أي منا أن يفتح مثل هذا المسار. في اختباري، مشيت في العديد من المسارات الوعرة والغادرة وتحملت الكثير من المعاناة، بل إنني في بعض الأحيان كنت حزينًا للغاية لدرجة أنني كنت أرغب في الصراخ، لكنني سلكت هذا الطريق حتى يومنا هذا. أومن أن هذا هو الطريق الذي يقوده الله، لذلك أتحمل عذاب كل المعاناة وأمضي قدمًا. لأن هذا ما رسمه الله، فمَن يفلت منه؟ لا أطلب الحصول على أي بركات. كل ما أطلبه هو أن أقدر على السير في الطريق الذي يجب أن أسير فيه بحسب مشيئة الله. لا أسعى إلى تقليد الآخرين، والسير في الطريق الذي يسلكونه، بل إن كل ما أطمح إليه هو أن أحقق ما كرست نفسي له، وهو السير في طريقي المرسوم حتى النهاية. … هذا لأنني كنت أؤمن دائمًا أن القدر الذي يجب أن يعانيه الفرد من المعاناة والمسافة التي يجب أن يقطعها في الطريق قد رسمهما الله، وأنه لا يمكن لأحد حقيقةً أن يساعد أي شخص آخر في هذا "(الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. الطريق... (6)). "إنّ ما ورثتموه اليوم يفوق ما ورثه جميع الرسل والأنبياء عبر العصور، بل هو أعظم مما كان لموسى وبطرس. لا يمكن الحصول على البركات في غضون يوم أو يومين، إنما يجب اكتسابها من خلال تضحية عظيمة. بمعنى أنه يجب أنكم يجب أن تمتلكوا محبة قد خضعت للتنقية، وتمتلكوا إيمانًا عظيمًا، ويجب أن تكون لديكم الحقائق الكثيرة التي يطلب منكم الله إدراكها، وعلاوة على ذلك، ويجب أن تتجهوا نحو العدل دون خوفٍ أو مراوغة، ويجب أن تتحلوا بمحبة مستمرة لله حتى الموت. يجب أن تتحلوا بالتصميم، ويجب أن تحدث تغييرات في شخصيتكم الحياتية، كما يجب معالجة فسادكم، وأن تقبلوا كل ترتيبات الله بدون تذمّر، وأن تكونوا مطيعين حتى الموت. هذا ما يجب أن تحققوه، هذا هو الهدف النهائي لعمل الله، ومطالب الله من هذه الجماعة من الناس" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. هل عملُ الله بالبساطة التي يتصورها الإنسان؟). منحتني قراءة كلام الله الاستنارة. لقد حدد الله مسبقًا مقدار معاناة المرء في حياته. كان عليَّ أن أترك والديَّ بين يديِّ الله وأخضع لسيادته وترتيباته. فكَّرت أيضًا في القديسين على مر العصور الذين قدَّموا شهادة مدوية لله من خلال الاضطهاد والمشقة. قبلت عمل الله في الأيام الأخيرة وتمتعت بالحقائق التي عبَّر عنها. ربحت أكثر بكثير من جميع أولئك الرسل والأنبياء، ولكن عندما واجهت الاضطهاد، كنت بائسًا وضعيفًا - وكانت قامتي ضئيلة جدًّا. قررت حينها أن أتبع قيادة القديسين، وأثبت في إيماني وأتبع الله!
أحضر لي أخ خطابًا في عام 2011 مفاده أن الشرطة عادت إلى منزلي لتسأل زوجتي عن مكاني. ولم أنتواصل أنا وزوجتي منذ ذلك الحين.
في أحد أيام شهر ديسمبر من عام 2012، خرجت مع عدد قليل من الإخوة والأخوات تحت المطر لمشاركة الإنجيل مع إحدى العائلات. ظهر أربعة ضباط ونزلوا من سيارة وأمسكوا بي. هربت أختان على دراجتين كهربائيتين، فطاردهما ثلاثة ضباط في سيارتهم. ركض أحد الضباط وأمسك بي، وكافحت للإفلات منه. أمسكت أخت أكبر مني بالضابط لحمايتي، ما سمح لي بالهروب. ولكن ما إن ركضت حوالي عشرة أمتار أو نحو ذلك حتى لحق بي الضابط وأمسك بي، ثم جاءت أختان وأعاقتاه، ما سمح لي بالهروب. ظل قلبي يخفق بعد أن وصلت إلى المنزل ولم أستطع التوقف عن التفكير فيما حدث للتو. لم أهرب إلا لأن هاتين الأختين أعاقتا الضابط لحمايتي. لم أعرف ما إن كانتا قد اُعتُقلتا، وما إن كانتا ستُعذَّبان، وما إن كان الإخوة والأخوات الآخرون قد اُعتُقلوا أم لا. فكرت في آخر مرَّتين تم فيهما اعتقالي وتعذيبي. شعرت أن نشر الإنجيل في الصين خطير للغاية؛ حيث إنه يمكن اعتقالك وسجنك في أي وقت وفي أي مكان. كنت أشعر بالإحباط الشديد، ولذلك مثلت أمام الله وصلَّيت. وبعد الصلاة، فتحت كتاب كلام الله ورأيت هذا: "تُعد التنقية لكل الناس موجعة وصعبة القبول للغاية، ومع ذلك يكشف الله أثناء التنقية عن شخصيته البارة للإنسان، ويعلن عن متطلباته من الإنسان، ويقدم المزيد من الاستنارة والمزيد من التهذيب والمعاملة الفعليين. من خلال المقارنة بين الوقائع والحق، يعطي الله الإنسان معرفة أكبر عن النفس وعن الحق، ويعطي الإنسان فهمًا أكبر لمشيئته، وبذلك يسمح للإنسان أن يقتني محبة أصدق وأنقى نحوه. هذه هي أهداف الله من إجراء التنقية" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. لا يمكن للإنسان أن يتمتع بمحبة حقيقية إلا من خلال اختبار التنقية). "أثناء هذه الأيام الأخيرة يجب أن تحملوا الشهادة لله. بغض النظر عن مدى حجم معاناتكم، عليكم أن تستمروا حتى النهاية، وحتى مع أنفاسكم الأخيرة، يجب أن تظلوا مخلصين لله، وتحت رحمته. فهذه وحدها هي المحبة الحقيقية لله، وهذه وحدها هي الشهادة القوية والمدوّية" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. اختبار التجارب المؤلمة هو السبيل الوحيد لكي تعرف روعة الله). بدأت أتأمل في نفسي بعد قراءة كلام الله. رأيت أن محبتي لله زائفة، وأنني لم أكن أخضع له بصدق. ففي آخر مرَّتين شهدتا اعتقالي، لم أستسلم للشيطان عندما عُذِّبت وتمسكت بشهادتي، ولذلك اعتقدت أنني كنت أتمتع بالقامة وبقدر من الإيمان والخضوع لله. ولكن بعد أن اختبرني الشيطان وهاجمني مرَّةً تلو الأخرى، انكشفت قامتي الحقيقية. لم تكن قدرتي السابقة على الثبات بسبب قامتي الفعلية، بل بسبب الإيمان والشجاعة اللذين منحني إياهما كلام الله. وفي هذه المرَّة رأيت أن حكمة الله تظهر بالفعل بناءً على حيلة الشيطان. لقد استخدم الشيطان جميع أنواع الحيل كي يعتقلني ويُعذِّبني ويهزمني تمامًا ويدفعني لخيانة الله، لكن الله استخدم تلك المواقف لمساعدتي في رؤية أخطائي وفهم نقائصي، فتكمَّل إيماني وخضوعي الصادقين من خلال تلك الشدائد طويلة الأمد. لم أشعر بالسلبية أو البؤس بعد فهم مقاصد الله المخلصة، وعزمت على أن أتبع مثال بطرس، وأتبع ترتيبات الله في كل شيء، وأؤدي واجبي، وأشارك الإنجيل، وأتمسك بالشهادة مهما كانت الاضطهادات والمشاق التي أواجهها.
لقد تعرضت للاعتقال والاضطهاد والتعذيب بوحشية من الحزب الشيوعي على مدى عقدين من الزمن، وأُجبرت على الهروب من منزلي ومعاينة تفكك عائلتي، وشعرت بالضعف أحيانًا. كان كلام الله يمنحني القوة مرَّةً تلو الأخرى، وسمح لي بالبقاء إلى يومنا هذا. اختبرت قدرًا من المعاناة الجسدية من خلال هذه الاضطهادات والشدائد، لكنني صرت أقرب من الله. كما ربحت بعض الفهم العملي لحكمة الله وقدرته ومحبته وخلاصه. رأيت بوضوح أن الحزب الشيوعي شيطان شرير مُعادٍ لله. فأهملته تمامًا ونبذته وعزمت على اتباع الله. إنني أُعبِّر عن امتناني الخالص لله على ترتيب هذا كله من أجلي، ما جعلني أربح أثمن الكنوز في الحياة.