81. الآلام هي بركات الله

بقلم وانغ غانغ، الصين

في عصر أحد أيام الشتاء لعام 2008، وبينما كنتُ أشهد مع اثنتين من الأخوات لعمل الله في الأيَّام الأخيرة لأحد أهداف الإنجيل، أبلغ عنَّا بعض الأشرار. تذرَّع ستَّةٌ من رجال الشرطة بضرورة التحقُّق من تصاريح إقامتنا لاقتحام منزل هدف التبشير. وبمُجرَّد أن دخلوا من الباب صاحوا قائلين: "لا تتحرَّكوا!" بدا اثنان من رجال الشرطة في حالة هياجٍ تامّ عند انقضاضهما عليَّ؛ فقد أمسك أحدهما بملابسي من ناحية صدري وأمسك الآخر بذراعي واستخدم كُلّ قُواه ليوثِّقهما من خلفي ثم سأل بخشونةٍ: "ماذا تفعل؟ ما اسمك؟ من أين أنت؟" فسألتُ ردًّا عليه: "ماذا تفعل؟ لماذا تقبض عليَّ؟" وعندما سمعوني أقول هذا استشاطوا غضبًا وقالوا بعدوانيَّةٍ: "لا يهمّ السبب، فأنت من نبحث عنه وأنت قادمٌ معنا!" بعد ذلك، أخذني رجال الشرطة مع الأختين ودفعونا إلى داخل سيَّارة الشرطة.

وبعد أن وصلنا إلى مكتب الأمن العام، حبسني ضباط الشرطة في غرفةٍ صغيرة؛ أمروني بالجثوم على الأرض وكلَّفوا أربعة أفرادٍ منهم مراقبتي. ونظرًا لجلوسي القرفصاء لفترةٍ طويلة، أصبحتُ مرهقًا لدرجة أنني لم أستطع تحمُّل الأمر. وفي اللحظة التي حاولتُ فيها الوقوف انطلقوا مسرعين وضغطوا على رأسي للأسفل لمنعي من الوقوف. سمعتُ بعد فترةٍ وجيزة صراخًا مُروعًا من شخصٍ يتعرَّض للتعذيب في الغرفة المجاورة فشعرتُ بالخوف الشديد في تلك اللحظة: لا أعرفُ أنواع التعذيب سيمارسونه عليَّ لاحقًا! بدأتُ في الصلاة بتعجُّلٍ إلى الله في قلبي: "يا الله القدير، أنا خائفٌ جدًّا الآن، أرجوك أن تهبني الإيمان والقوَّة وأن تجعلني ثابتًا وشجاعًا. إني على استعدادٍ للشهادة لك. ولو لم أستطع تحمُّل تعذيبهم القاسي، فإني أُفضِّل الانتحار بقضم لساني على أن أخونك مثل يهوذا!" وبعد الصلاة شعرت بقوة تتصاعد في داخلي، وبخوفي يتلاشى.

بعد الساعة السابعة مساء في ذلك المساء، قيدوا ذراعيّ خلف ظهري، وأخذوني إلى غرفة الاستجواب في الطابق العلوي. كان هناك جميع أنواع أدوات التعذيب؛ مثل الحبال والعصيّ الخشبية والهراوات والسياط وغير ذلك. أمسك أحد رجال الشرطة بهراوةٍ كهربائيَّة في يديه كانت تصدر أصوات "خبطٍ وفرقعة" مُدويَّة، وراح يُهدِّدني للحصول على معلوماتٍ: "كم عدد الناس في كنيستكم؟ أين موقع اجتماعكم؟ من المسؤول؟ كم عدد الناس في المنطقة يُبشِّرون بالإنجيل؟ تكلَّم! وإلَّا فسوف ينالك ما هو قادمٌ!" نظرتُ إلى الخطر الوشيك للهراوة الكهربائيَّة ونظرتُ مرَّةً أخرى إلى الغرفة المليئة بأدوات التعذيب؛ لم يسعني سوى الشعور بالتوتُّر والخوف. لم أعرف ما إذا كنتُ سأتمكَّن من التغلُّب على هذا التعذيب؛ ولذلك واصلت دعاء الله. عندما رأى رجل الشرطة أنني لم أقل شيئًا اضطرب ولكمني لكمةً عنيفة على الجانب الأيسر من صدري بهراوةٍ كهربائيَّة. صعقني لما يقرب من دقيقةٍ. شعرتُ على الفور أن الدم في جسمي كان يغلي؛ شعرتُ بألمٍ لا يُحتمل من قمَّة الرأس إلى أخمص القدم وتدحرجتُ على الأرض بينما كنتُ أصرخ بلا انقطاعٍ. ومع ذلك لم يكن ليتركني، وبدأ فجأةً يسحبني إلى الأعلى، واستخدم هراوة لرفع رأسي بها بوضعها تحت ذقني، وهو يصرخ قائلًا: "تكلم! لن تعترف بأي شيء؟" في مواجهة التعذيب الشرس لهؤلاء الشياطين، لم أكن أخاف سوى من عدم تمكُّني من تحمُّل تعذيبهم وبالتالي أن أخون الله، ولهذا صلَّيتُ بلجاجةٍ إلى الله في قلبي. وفي هذا الوقت فكَّرتُ في كلمات الله: "قد يبدو الذين في السلطة أشرارًا من الخارج، لكن لا تخافوا؛ لأن هذا سببه أن إيمانكم ضئيل. ما دام إيمانكم ينمو، فلن يستعصي عليكم أمر" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل الخامس والسبعون). منحتني كلمات الله الإيمان والقوَّة من جديدٍ، وأدركتُ أنه بالرغم من هياج رجال الشرطة الأشرار أمامي وانفلاتهم، فقد كانوا مُرتَّبين بيد الله. لم يكن بإمكانهم أن يقتلوني إلا بإذن من الله. فطالما كنتُ أستند إلى الإيمان وأتكل على الله ولم أستسلم لهم سوف يفشلون حتمًا في إذلالٍ. عندما فكَّرتُ في هذا استجمعتُ كُلّ قوَّةٍ في جسدي وأجبتُ بصوتٍ عال: "لماذا أحضرتموني إلى هنا؟ ولماذا تصعقونني بالهراوة الكهربائيَّة؟ ما الجريمة التي ارتكبتها؟" ارتبك رجل الشرطة الشرِّير فجأةً وهدأ بفعل ضميره الذي شعر بالذنب. تلعثم ولم يستطع أن يقول شيئًا. ثم غادروا مجرجرين خيبتهم. لمَّا رأيتُ الموقف المُخزي لمعضلة الشيطان، سالت دموعي. اختبرتُ في هذا المأزق بالفعل قوَّة كلام الله القدير وسلطانه. ما دمت أضع كلمة الله موضع التطبيق فسأرى أفعاله. جاء ضابطان من الشرطة بعد ذلك بخمس أو ست دقائق، ولكنهم في هذه المرة جربوا وسيلة أخرى. قال ضابط نحيل لي بحرارة حقًّا: "تصرف بلطف معي لبعض الوقت. أجب عن أسئلتي، وإلّا فلن يكون بإمكاننا إخلاء سبيلك". لم أنطق بكلمة، وبالتالي أحضر لي ورقة لأوقع عليها. ولما رأيت هذه الكلمات مكتوبة عليها "إعادة التأهيل بواسطة الأشغال الشاقة" رفضت التوقيع؛ فقام الضابط الآخر بصفعي بوحشية على أذني اليسرى، وكادت الصفعة من شدتها تطرحني إلى الأرض. سبّب ذلك رنينًا في أذني لبعض الوقت ولم أستعد القدرة على السمع بوضوح إلا بعد وقت ليس بالقليل. أعادوا تكبيل يديّ وحبسوني في تلك الغرفة الصغيرة.

كنتُ بعد عودتي إلى الغرفة الصغيرة قد تعرَّضتُ للكدمات والضرب، وكان الألم لا يُطاق. فأصبحتُ سقيم القلب وضعيفًا: كنتُ أبشِّر بالإنجيل بنوايا حسنة وأُظهِر للناس أن المُخلِّص جاء وأن عليهم أن يسرعوا ويطلبوا الحقّ وينالوا الخلاص، بيد أني قد عانيتُ من هذا الاضطهاد بشكلٍ غير مُتوقَّع. عندما فكَّرتُ في هذا زاد شعوري بأني تعرَّضتُ للظلم. دعوت الله في الصلاة وأنا في معاناتي قائلًا: "يا الله، قامتي صغيرة للغاية وضعفي شديد. يا الله، أريد أن أتّكل عليك وأتمسك بالشهادة لك. أرجوك أن ترشدني". فيما بعد خطرت ببالي ترنيمة من كلام الله: "لا تيأس ولا تضعف، فسوف أكشف لك. إن الطريق إلى الملكوت ليس ممهدًا بتلك الصورة، ولا هو بتلك البساطة! أنت تريد أن تأتي البركات بسهولة. سيكون على كل واحد اليوم مواجهة تجارب مُرَّة، وإلا فإن قلبكم المُحبّ لي لن يقوى، ولن يكون لكم حب صادق نحوي. حتى وإن كانت مجرد ظروف بسيطة، فلا بُدَّ أن يمرّ كل واحد بها، إنها فحسب تتفاوت في الدرجة. التجارب بركة مني، وكم منكم يأتي كثيرًا أمامي ويتوسَّل جاثيًا على ركبتيه من أجل نيل بركاتي؟ تعتقدون دائمًا أن بعض الكلمات الميمونة تُعتبَرُ بركة مني، لكنكم لا تدركون أن المرارة هي إحدى بركاتي" (من "ألم التجارب بركة من الله" في "اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). فهمت من كلام الله أن تعرضي لهذا الاضطهاد والمحنة هو من أجل أن يتمكن من تكميل إيماني ومحبتي. كانت تلك البيئة بركة من الله. كيف لي أن أشكو وأضع اللوم على الله؟ لقد تم اعتقالي وتعذيبي، ولكن طوال المحنة بكاملها كان الله يرشدني بكلامه. كانت تلك محبة الله. ترنمت بترتيلة في قلبي، وكلما أطلت الترنم بها أشعرتني بمزيد من القوة، كما أعادت إلي إيماني أيضًا، وأقسمت لله بقولي: "يا الله، مهما عذبتني الشرطة فإنني أتمنى أن أتمسك بالشهادة وألّا أخونك. أنا مصمم على اتباعك حتى النهاية".

واصل رجال الشرطة في مركز الاحتجاز استخدام جميع أصناف التعذيب معي وكثيرًا ما كانوا يُحرِّضون السجناء على ضربي. كانوا يأمرون السجناء في برد الشتاء القارص بأن يسكبوا دِلاءً من الماء البارد عليَّ، ويجبروني على الاستحمام بالماء البارد. كنتُ أرتعش من البرد من قمَّة الرأس إلى أخمص القدمين. وفي الوقت الذي كنت أعاني فيه خفقان القلب والعرق الشديد، أصاب الألم قلبي إلى درجة أنني شعرت بألم شديد في ظهري. كان السجناء هناك آلات تجني المال للحزب الشيوعيّ الصينيّ ولم تكن لديهم أيَّة حقوقٍ قانونيَّة. لم يكن أمامهم خيارٌ آخر سوى تحمُّل الضغط الواقع عليهم وتعرُّضهم للاستغلال مثل العبيد. أجبرني حُرَّاس السجن خلال اليوم على طباعة نقودٍ ورقيَّة مستخدمة كتقدماتٍ للموتى. وضعوا في البداية قاعدةً تجبرني على طباعة 1000 قطعةٍ من الورق يوميًّا ثم رفعوها إلى 1800 قطعةٍ يوميًّا وأخيرًا إلى 3000 قطعةٍ. كان يستحيل على شخصٍ ذا خبرة إتمام كُلّ هذا الكمّ، فما بالك بشخصٍ عديم الخبرة مثلي. في الواقع، لقد فعلوا هذا عن قصدٍ حتَّى لا أتمكَّن من إكمال المطلوب كُلّه فيكون لديهم مُبرِّرٌ لتعذيبي والفتك بي. وطالما لم أتمكَّن من أداء المطلوب كان رجال الشرطة الأشرار يضعون قيودًا حول ساقيَّ وزنها أكثر من 5 كيلوغراماتٍ ويُقيِّدون يديَّ وقدميَّ بالأصفاد. لم أستطع سوى الجلوس وإحناء رأسي وظهري دون القدرة على الحركة. وكان الأمر الأكثر حقارةً هو أن رجال الشرطة هؤلاء الذين يفتقرون إلى الإنسانيَّة والشعور لم يسألوا أو يهتمَّوا بضروريَّاتي الأساسيَّة. فمع أن المرحاض كان في زنزانة السجن، لم أكن قادرًا مطلقًا من السير واستخدامه؛ ولم يكن أمامي سوى أن ألتمس من زملائي في الزنزانة ليرفعوني على المرحاض. وفي حال كانوا مساجين أفضل حالًا قليلاً كانوا يرفعونني؛ وفي حال لم يساعدني أحد،ٌ لم يكن لديَّ خيارٌ آخر سوى أن أمسك نفسي. كان أكثر الأوقات ألمًا هو وقت تناول الطعام، لأن يديّ وقدميّ كانت مُقيَّدة ببعضهما. لم يكن بإمكاني سوى أن أميل برأسي بكُلّ قوَّتي وأرفع يديّ وقدميّ. كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها وضع كعكة مطهوَّة على البخار في فمي. كنتُ أبذل مقدارًا هائلاً من الطاقة في كُلّ قضمةٍ. كانت الأصفاد تحتكّ بيديّ وقدميّ فتُسبِّب ألمًا مُبرِّحًا. ومع مرور الوقت، ظهرت على معصماي وكاحليّ ندباتٍ صلبة داكنة وواضحة. لم أستطع في كثيرٍ من الأحيان تناول الطعام عندما كنتُ مُقيَّدًا، وفي مناسباتٍ نادرة كان السجناء يعطونني كعكتين صغيرين مطهوَّتين على البخار. كانوا في معظم المرَّات يأكلون حصَّتي من الطعام فأبقى جائعًا. كنتُ أتلقَّى حتَّى مقدارًا أقلّ للشرب؛ كان كُلّ واحدٍ في المعتاد يحصل على قِدرين من الماء في اليوم الواحد، ولكنني كنتُ مُقيَّدًا ولم أستطع التحرُّك وبالتالي كنتُ نادرًا ما أتمكَّن من شرب الماء. تعرضت لذلك النوع من العذاب اللاإنساني أربع مرّات، واستمر على مدى عشرة أيام. وحتى في تلك الحالات، كان الضباط يجبرونني على العمل في المناوبة الليلية. أمضيت مدة طويلة دون أن أتمكن من تناول ما يشبع معدتي من الطعام، وكان الجوع يسبب لي غالبًأ خفقان القلب والغثيان وضيق الصدر. وتحولت أيضًا إلى كيس من العظام، وعندما بلغ جوعي مرحلة لم أعد في الواقع أتحملها، فكرت بشيء قاله الرب يسوع ردًّا على الشيطان في خضم الإغواء: "لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱللهِ". منحني هذا شعورًا بالارتياح، وأحسست بالاستعداد لاختبار كلمات الله تلك شخصيًا في اضطهاد الشيطان إيّاي. هدّأت من روعي أمام الله لأصلي وأتأمل كلامه، وما دريت إلا وقد تلاشى الألم والجوع. ذات مرة قال لي أحد السجناء: "كان هناك من قبلُ شخص قُيِّد بالأغلال وجاع حتى الموت بهذا الشكل. وقد لاحظت أنك لم تأكل كثيرًا على مدى عدة أيام، ولا تزال في مثل هذه المعنويات العالية". عند سماعي كلامه شكرت الله بصمت، وأحسست في أعماقي أن هذه كانت قوة الحياة في كلام الله تمدني بالدعم. هذه في الحقيقة أثمن ثروةٍ للحياة منحني إيَّاها الله، كما أنها عطيَّتي الفريدة. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن من الممكن على الإطلاق حصولي على هذا في بيئةٍ لم أكن لأقلق فيها بشأن المأكل أو الملبس. والآن، صار لمعاناتي معنى وقيمة كبيرين!

أسهم هذا التعرض للاضطهاد والتعذيب في مفاقمة الكراهية في قلبي للحزب الشيوعي؛ فقد اعتُقلت وتعرضت لجميع أنواع التعذيب بلا سبب سوى الإيمان بالله. كان ذلك سوء معاملة همجية، وشرًّا محضًا! خطر في بالي نص من كلام الله كنت قد قرأته من قبل: "وجه البحر فوضوي ومظلم، بينما يعاني عامة الناس مثل هذه المصيبة ويصرخون إلى السماء ويشتكون إلى الأرض. متى سيكون الإنسان قادرًا على رفع رأسه عاليًا؟ الإنسان هزيل وضعيف، كيف يمكن له أن يناضل مع هذا الشيطان الاستبدادي العنيف؟ لماذا لا يسلم حياته لله بأسرع ما يمكن؟ لماذا لا يزال مترددًا؟ متى يمكنه أن يكمل عمل الله؟ لذلك تضيع حياته في النهاية كلها هباءً إذ يُرهب ويُضطهد بلا هدف؛ لماذا هو في مثل هذه العجلة لكي يصل، وهذا الاندفاع لكي يغادر؟ لماذا لا يحتفظ بشيء ذي قيمة ليقدمه لله؟ هل نسي آلاف السنين من الكراهية؟" [الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. العمل والدخول (8)]. أوضحت لي هذه التجربة الجوهر الحقيقي للحزب الشيوعي كعدو للشعب، وعدو للحق، وقوّت من عزيمتي على التمسك بالشهادة لله.

بعد شهرٍ واحد، أصدرت شرطة الحزب الشيوعيّ الصينيّ بحقّي التهمة غير المُبرَّرة بـ "الإخلال بنظام المجتمع وتعطيل تطبيق القانون"، وحُكِمَ عليَّ بسنة إصلاحٍ عبر الأشغال. وبمجرد دخولي معسكر الأشغال، أجبرني ضباط الشرطة على العمل كل يوم. بينما كنتُ في الورشة أعدّ الأكياس كنتُ أعدّ 100 كيسٍ ثم أربطها معًا. كان السجناء دائمًا ما يأتون عن قصدٍ ويأخذون كيسًا أو عدَّة أكياسٍ ممَّا كنتُ أعده ثم يقولون إنني أخطأتُ في العدّ ويأخذون ذلك ذريعةً ليلكموني ويركلوني. عندما رآني قائد الفريق أتعرَّض للضرب كان يأتي ويسألني برياءٍ عمَّا كان يجري، فكان السجناء يُقدِّمون أدلَّةً كاذبة بأنني لم أكن أعدّ ما يكفي من الأكياس. عندها كان عليَّ تحمُّل وابلٍ من التعنيف من قائد الفريق. وكلما شعرت بالظلم والألم، كنت أترنم بترتيلة من كلام الله وأنا أعمل:

وحالما كنت أمضي في ترنمي بالترتيلة، بدأت أشعر بالتأثر والإيحاء، ولم أملك أن أوقف تدفق الدموع التي سالت على وجنتيّ. وعزمت على التمسك بالشهادة مهما كان حجم معاناتي. كان هناك أخ آخر في مثل سنّي تقريبًا صادف أن كان محتجزًا معي في ذلك الوقت. لم يكن يُسمح لنا بالحديث بينما كنا نعما خلال النهار، أما في الليل فكنّا نكتب سرًّا مقاطع من كلام الله والترانيم التي كنا قد حفظناها، ونتبادلها فيما بيننا، وبعد مدة تم تكليفنا معاً بعمل، ولذلك كنا نعقد شركة بهدوء تام، ويساعد بعضنا البعض الآخر ويشجعه. لقد ساعد ذلك حقًا على تخفيف المعاناة.

بالإضافة إلى ذلك، أُجبرت على حفظ "قواعد السلوك" في كُلّ صباحٍ، وإن لم أحفظها تعرَّضتُ للضرب؛ أجبروني أيضًا على غناء أغنياتٍ تشيد بالحزب الشيوعيّ. وإن رأوا أنني لم أكن أغني أو أن شفتيّ لم تتحرَّكا فلا بدّ أن أتعرَّض للضرب في الليل. كانوا أيضًا يعاقبونني بإجباري على مسح الأرضيَّة، وإن لم أمسحها بحسب توقُّعاتهم تعرَّضتُ للضرب العنيف. في إحدى المرَّات بدأ بعض السجناء فجأةً في ضربي وركلي. وبعد أن ضربوني سألوني: "أيها الشاب، هل تعرف لماذا تتعرَّض للضرب؟ لأنك لم تقف وتُرحِّب بحارس السجن عندما جاء". وبعد كُلّ مرَّةٍ تعرَّضتُ فيها للضرب كنتُ أشعر بالغضب، ولكني لم أكن أجرؤ على قول أيّ شيءٍ. لم يكن يسعني سوى البكاء والصلاة الصامتة إلى الله وإخباره عن الاستياء والشعور بالظلم في قلبي. في هذا المكان الذي لا يحكمه عقلٌ ولا قانون، لم تكن توجد عقلانيَّةٌ هنا بل مُجرَّد عنفٍ. لم يكن ثمة بشرٌ هنا، وإنما مُجرَّد شياطين مجنونة! شعرتُ بالكثير من الألم والضغط بالعيش في هذه المحنة كُلّ يومٍ؛ ولم أكن على استعدادٍ للبقاء دقيقةً أخرى. وفي كُلّ مرَّةٍ كانت تنتابني فيها حالة ضعفٍ وألم، كنتُ أفكِّر في كلمات الله القدير: "هل قبلتم من قبل البركات التي أعطيتكم إياها؟ هل سعيتم وراء الوعود التي قطعتها لكم؟ بالتأكيد، تحت إرشاد نوري، ستخترقون حصن قوى الظلمة. بالتأكيد، في وسط الظلمة، لن تخسروا النور الذي يرشدكم. بالتأكيد ستكونون أسياد الخليقة. بالتأكيد ستكونون غالبين أمام إبليس. بالتأكيد، عند سقوط مملكة التنين العظيم الأحمر، ستقفون وسط عدد لا يُحصى من الحشود تقدمون شهادة عن نصري. بالتأكيد ستكونون صامدين ولن تتزعزعوا في أرض سينيم. من خلال المعاناة التي تتحمَّلونها، سترثون البركة التي تأتي مني، وبالتأكيد ستشعون داخل الكون بأسره بمجدي" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كلام الله إلى الكون بأسره، الفصل التاسع عشر). شجَّعتني كلمات الله. فهمتُ أن كل ما فعله الله فيّ كان الهدف منه رعايتي وخلاصي؛ كان الهدف هو وضع الحقّ في نفسي وجعله حياتي. سمح الله بأن أختبر الاضطهاد والضيقة، ومع أنني عانيتُ معاناةً جسديَّة أليمة، فقد سمحت لي أن أرى بوضوح الجوهر الشرير للتنين العظيم الأحمر المتمثل في مقاومة الله وكرهه، وأن أبغضه وأنبذه، وأن أنجو تمامًا من نفوذ الشيطان، وأتجه بكليّتي إلى الله، ليجعلني غالبًا. كذلك مكَّنتني المعاناة أيضًا من الإحساس حقًّا بأن الله معي؛ وجعلتني أتمتَّع حقًّا بأن يصبح كلام الله خبزًا لحياتي وسراجًا لرجليَّ ونورًا لسبيلي، يقودني خطوةً بخطوةٍ عبر ثقب الجحيم المظلم هذا. هذه هي مَحبَّة الله وحمايته اللتان نعمتُ بهما ونلتهما أثناء الاضطهاد والضيقة. تمكَّنتُ في هذا الوقت من إدراك أنني كنتُ أعمى للغاية. في إيماني بالله، عرفتُ فقط كيفيَّة التمتُّع بنعمة الله وبركته ولم أسع وراء الحقّ والحياة بأدنى درجةٍ. بمُجرَّد أن عاني جسدي مشقَّةً طفيفة كنتُ أنتحب باستمرارٍ؛ لم أكن أفهم ببساطةٍ مشيئة الله ولم أسع لفهم عمل الله. كنتُ أجعل الله يشعر دائمًا بالحزن والألم بسببي. كنتُ حقًّا منعدم الضمير! عند شعوري بالندم واللوم، صلَّيتُ إلى الله صامتًا: "أيُّها الله القدير، يمكنني أن أرى أن كُلّ شيءٍ تفعله هو لكي تُخلِّصني وتقتنيني. ولكنني أكره تمامًا كوني هكذا مُتمرِّدًا وأعمى. لطالما أخطأتُ فهمك ولم أكن مراعيًا لمشيئتك. يا الله، لقد أيقظت اليوم كلمتك قلبي وروحي المُتبلِّدين وجعلتني أفهم مشيئتك. لم أعد أرغب في الحصول على رغباتي ومُتطلِّباتي الخاصَّة؛ سوف أخضع لترتيباتك وحسب. ومهما كان علي أن أتحمل من معاناة، فسوف أقدم شهادات لك طوال اضطهادات الشيطان". فهمتُ بعد الصلاة مقاصد الله الحسنة وعرفتُ أن كُلّ بيئةٍ سمح لي الله باختبارها كانت أعظم ما لدى الله من مَحبَّةٍ وخلاص لي. وبذلك لم أعد أُفكِّر في أن أُخيِّب أمل الله أو أسيء فهمه. رغم أن الوضع كان لا يزال كما هو، إلَّا أن قلبي كان مليئًا بالفرح والمسرَّة حقًّا؛ شعرتُ أنه من الشرف أن أكون قادرًا على تحمُّل المشاقّ والاضطهاد بسبب إيماني بالله، وكانت هذه عطيَّةٌ فريدة لي أنا الفاسد؛ كانت نعمة الله وبركته الخاصَّتان لي.

بعد أن اختبرتُ سنةً من المشقَّة في السجن أرى أن قامتي ضئيلة للغاية وأنني أفتقر إلى مقدارٍ كبير من الحقّ. لقد عوَّضني الله القدير بحقٍّ عن عيوبي من خلال هذه البيئة الفريدة وسمح لي بالنموّ. وفي شدَّتي؛ مكَّنني من الحصول على أثمن ثروةٍ في الحياة، وهي أن أفهم العديد من الحقائق التي لم أفهمها في الماضي وأن أرى بوضوحٍ الجرائم الشنيعة التي يرتكبها الحزب الشيوعيّ الصينيّ باضطهاد الله وتعذيب المسيحيّين. أدركتُ المظهر البغيض لإبليس، أي الشيطان، والجوهر الرجعيّ لمقاومته لله. اختبرتُ باجتهادٍ الخلاص والرحمة العظيمين من الله القدير لي أنا الفاسد، وشعرتُ أن القوَّة والحياة في كلام الله القدير يمكنهما أن تجلبا لي النور وأن تكونا حياتي وتجعلاني أغلب إبليس وأخرج من وادي ظلال الموت بصلابة.

السابق: 80. قضاء ريعان الشباب في السجن

التالي: 82. تعذيب في غرفة التحقيقات

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

6. اسمعوا! من هذا الذي يتكلم؟

بقلم تشو لي – الصينبصفتي واعظة في الكنيسة، ليس هناك ما هو أكثر صعوبة من الفقر الروحي ومن ألا يكون لديَّ شيء أُبشِّرُ به. كنت أشعرُ بالعجزِ...

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب