النّجاة من المضايق الرهيبة

2022 أغسطس 1

في أحد أيّام شهر مايو 2003، ذهبنا، أنا وأختٌ لي، لِنَعظ بالإنجيل شخصًا ينتمي إلى طائفة دينيّة. رفض قبول الأمر، وضَرَبَنا بقسوة، وأبلغ الشرطة عنّا. أتت الشرطة واقتادتنا إلى مُجَمَّعِ دائرة الأمن العام، وعندما وصلنا، قاموا بجرّنا من السيّارة، وألقوا بنا على الأرض. بعد ذلك، انهالت عليّ الشرطة بالأسئلة: "من أين أنتِ؟ من هو قائدك؟". لم أُجِب. ظلّوا يضربوني على نحوٍ متقطّع لمدّة ساعة تقريبًا، شَعَرت بعدها بالدُوار والتقرّح. عندئذ، أحْضَرت الشرطة الأخت التي اعتقولها معي. وعندما رأيت أنها تَعْرَجُ وأنها مغطّاةٌ بالجُروح، لم أستطع تمالك نفسي عن البكاء. أدركتُ أنّهم إذا كانوا قد عذّبونا هكذا فور اعتقالنا، فلا يمكن التكهّن بألوان التعذيب التي سيستخدمونها معنا تاليًا، أو ما إذا كنت سأتمكّن من تحمّلها، لذلك صلّيت إلى الله، وطلبت منه أن يمنحني الإيمان والقوة. بعد أن صلّيت، تراءى لي مقطع من كلمة الله: "قد يبدو الذين في السلطة أشرارًا من الخارج، لكن لا تخافوا؛ لأن هذا سببه أن إيمانكم ضئيل. ما دام إيمانكم ينمو، فلن يستعصي عليكم أمرٌ" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل الخامس والسبعون). حقًّا، وبصرف النظر عن مدى التهديد الذي كانت تشكّله الشرطة، فلا شكّ أنّ يديّ الله تتحكّمان بهم. إنْ لم يسمح الله بذلك، فلن يكون باستطاعتهم أن يُزهقوا روحي. إنّ التفكير في ذلك منحني الإيمان والقوّة، وعَزمت على أن أصمد وأشهد لله حتّى وإنْ كلّفني ذلك حياتي. ربطت الشرطة بسيّارة أيدينا المقيّدة بالأصفاد، وتُركنا في وضعيّة نصف قَرْفَصاء لمدّة ثلاث ساعات تقريبًا. في حوالي الساعة الثانية من بعد الظهر، قَدِمَ أربعة رجال ضِخام، يحملون جميعًا هراوات كهربائية، وجرّونا من أذرعنا إلى الطابق العُلويّ. صرَخَ أحدُهم: "لا تظنّان بأننا سنتساهل معكما! إن رفضتما الكلام، ستتلقّيان ضرب الهراوات". وعند انتهائه من الحديث، صفعني على فمي بالهراوة. بدأ أنفي وفمي ينزفان، ثم فقدت الوعي. بعد أن استيقظت، شَعَرت بِدُوار. كان شرطيّان يمسكان بذراعيّ، ورأيت أن الأخت كانت في وضع مماثل لي. أومأت لها بعينيّ إلى أننا ينبغي أن نتمسّك بالشهادة. ورغم أننا لم يكن في استطاعتنا الكلام، فَهِمَت كلّ واحدة منّا ما الذي ينبغي القيام به.

قامت الشرطة بجرّ الأخت إلى حجرة الاستجواب في الطابق الثاني، بينما جرّوني إلى الطابق الثالث ثمّ أَلقوا بي على الأرض. حدّق في وجهي ضابط شرطة يرتدي نظارات وقال: "من أين أنتِ؟ أين منزلُكِ؟ من هو قائدك؟". لم أُجِبْ. سار باتّجاهي، ثُمّ قال وهو يَرْكُلُني ويدوس عليّ: "تكلّمي وإلا ضربتُك حتّى الموت!". بعد ضربي لمُدّة ساعةٍ تقريبًا، ورؤية أنّني ما زلت أرفض الكلام، غَضِبَ بشدّة لدرجة أنه انتزع الهراوة الكهربائية وصفعني بها على فمي مرّتين، ثمّ لكمني وركلني من جديد. كنت أشعر بالألم في كلّ أنحاء جسدي، وجعلني الألم أصرخ، وابْتَهَلت إلى الله مرارًا وتكرارًا في قلبي: "يا الله، إنّ جسدي ضعيفٌ جدًا. لا أريد أن أصبح مثل يهوذا، لذا أرجوك أن تحمي قلبي وتساعدني على تجاوز هذه الصعوبة". بعد أن صلّيت، فكّرت في مقطع من كلمة الله: "عندما يكون الناسُ مُستعدين لأن يضحّوا بحياتهم يصبح كلُّ شيء تافهاً، ولا يمكن لأيٍّ كان أن ينتصر عليهم. ما الذي يُمكِنُ أن يكون أكثر أهمية من الحياة؟ وبذلك يصبح الشيطان عاجزاً عن إحداث مزيد من التأثير في الناس؛ إذ لن يكون هناك ما يمكنه فعله مع الإنسان" ("الفصل السادس والثلاثون" في "تفسيرات أسرار كلام الله إلى الكون بأسره" في "الكلمة يظهر في الجسد"). منحتني كلمة الله القوّة. كنت أعرف أنّه لا ينبغي عليّ أنْ أكّون طمّاعة في الحياةِ وأخشى الموت، بل يتعيّن عليّ أن أجازف بحياتي لأتمسّك بالشهادة لله وأُذِلَّ الشيطان. ضربني ضابط الشرطة بقسوة، ولكنّني لم أَقُلْ شيئًا، فاستخدَمَ الحذاء الجِلديّ الذي كان يرتديه في قدمه للدوس بشدّة على وجهي وسحق أنفي وفمي، واستمرّ في توجيه الشتائم إليّ. جعلني الألم أتلوَّى على الأرض ذهابًا وإيابًا. في تلك اللحظة، سَمِعْتُ صرخات أختي المنبعثة من الطابق السفليّ، فشعرت بِغمٍّ مُضاعف.

بعد برهة، دخل ضابطا شرطة وقالا لي: "إنّ المرأة في الأسفل أطلعتنا بالفعل على كلّ شيء، ولذا فَنَحن نعرف ذلك حتّى وإنْ لم تقولي شيئًا. الآن اعترفي، وإلا فستزداد الأمور سوءًا بالنسبة إليك!". فكّرت: "ما أكثر خِدعكم أيّها الشياطين. أتظنّون أنني لم يكن في وسعي سماع أختي وهي تبكي وتصرخ؟ لو أنها اعترفت حقًّا، هل كنتم لِتواصلون تعذيبها؟ عزمت على ألا أخون الله حتى وإنْ كلّفني ذلك حياتي، ولذلك لن تحصلوا منّي على أيّ معلومات!". عند رؤية أنني ما زلت أرفض الكلام، عَمَدَ ضابط الشرطة الذي يرتدي نظّارات إلى شدّي من ملابسي بغضب وجرّني إلى فوق قائلًا: "يبدو أنّك ما زلت تحتاجين إلى المزيد من الضرب المبرّح. إن لم ننتزع منك الكلام عُنْوةً، فلن تعترفي من تلقاء نفسك". كان يستمرّ في ركلي والدوس عليّ أثناء كلامه. كان الألم شديدًا لدرجة أنني لم يعُد في وسعي الحفاظ على توازني، فانهَرْتُ ساقطةً على الأرض. تورّم فمي كثيرًا لدرجة أنه نتأ إلى أبعد من أنفي، وأنني استمررت في الدُّعاء إلى الله في قلبي: "يا الله، لقد بلغت من الاحتمال الحدّ الأقصى، ولا أعرف ما الذي ستفعله بي الشرطة تاليًا. أطلب منك أن ترشدني حتّى أتمكّن من الصمود في تقديم شهادتي". بعد أن صلّيت، فكّرت في هذا المقطعٍ من كلمة الله: "أثناء هذه الأيام الأخيرة يجب أن تحملوا الشهادة لله. بغض النظر عن مدى حجم معاناتكم، عليكم أن تستمروا حتى النهاية، وحتى مع أنفاسكم الأخيرة، يجب أن تظلوا مخلصين لله، وتحت رحمته. فهذه وحدها هي المحبة الحقيقية لله، وهذه وحدها هي الشهادة القوية والمدوّية" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. اختبار التجارب المؤلمة هو السبيل الوحيد لكي تعرف روعة الله). بينما كنت أفكّر في كلمات الله، وجدت الإيمان والقوّة. سواءً متُّ أم عشت، سأظلُّ أتمسّك بالشهادة وأُذِلّ الشيطان. عندما أصبحت مصمّمة على وضع حياتي على المحكّ، أصبحت لا آبه بكيفيّة لَكَمهم لي أو رَكلي، لأنّ ذلك لم يَعُدْ يؤلمَني. شعرتُ كما لو أنني كنت نائمة.

بعد مرور فترة غير محدّدة من الوقت، استيقظت على صوت القَهْقَهاتِ المرتفعة الصادرة من بضعة ضبّاط شرطة. سمعت واحدًا منهم يقول: "انظر إلى تلك الكائنة في الغرفة... إنّ سروالها الداخلي مشقوقٌ". في تلك اللحظة، أدركت أنّ سروالي الداخلي ممزّقٌ من فخذيّ إلى ركبتيّ وأنّ ملابسي الداخليّة الحراريّة قد ظهرت. عند سَماع قهقهاتهم، شَعَرت بإهانة حقيقيّة. كرهت هؤلاء الشياطين من أعماق قلبي. حوالي الساعة 5:30 من بعد ظهر ذلك اليوم، اقتادتنا الشرطة، أختي وأنا، إلى المستشفى لإجراء فحصٍ للّياقة البدنيّة. بينما كانت الجروح تغطّي أجسامنا، كان وجهي وفمي متورّمين، وكان سِروالي الدّاخليّ مُمَزّقًا إلى أشلاء من شدّة الضّرب، وكانت بُقَعُ الدّماء تغطّي ملابسي. وبينما كنّا، كِلانا، نظْلَعُ في سيرِنا صوب غرفة العيادات الخارجية، كان المرضى الآخرون يوجّهون إلينا نظرات تنمّ عن الرعب، ويهمِسون: "ما الجريمة التي ارتكبتاها لكي تتعرّضا للضرب هكذا؟ لا يمكن احتمال النظر إليهما". إنّ التّفكير بأنّنا آمنّا بالله ووَعظنا بالإنجيل فحسب، ومع ذلك تعرّض لنا الحزب الشيوعي بمثل هذا الإذلال والاضطهاد، وأنّه في المقابل، كان يُسمح للقتلة والمخرّبين والّلصوص والسّارقين بأن يسرحوا ويمرحوا، جعلني أشعر بالاستياء الشديد. في تلك اللحظة، فكّرت في مقطع من كلمة الله وَرَدَ في [فصل] "العمل والدخول (8)." "أعجوبة صغيرة إذًا أن يبقى الله المتجسد مختفيًا بالكامل: في مجتمع مظلم مثل هذا، فيه الشياطين قساةٌ ومتوحشون، كيف يمكن لملك الشياطين، الذي يقتل الناس دون أن يطرف له جفن، أن يتسامح مع وجود إله جميل وطيب وأيضًا قدوس؟ كيف يمكنه أن يهتف ويبتهج بوصول الله؟ هؤلاء الأذناب! إنهم يقابلون اللطف بالكراهية، وقد ازدروا الله طويلًا، ويسيئون إليه، إنهم وحشيون بصورة مفرطة، ولا يظهرون أدنى احترام لله، إنهم ينهبون ويسلبون، وليس لهم ضمير على الإطلاق، ويخالفون كل ما يمليه الضمير، ويغرون البريئين بالحماقة. الآباء الأقدمون؟ القادة الأحباء؟ كلّهم يعارضون الله! ترك تطفّلهم كل شيء تحت السماء في حالة من الظلمة والفوضى! الحرية الدينية؟ حقوق المواطنين المشروعة ومصالحهم؟ كلها حيلٌ للتستّر على الخطية!" ("الكلمة يظهر في الجسد"). بينما يرفع الحزب الشيوعي في الظاهر راية حرية المعتقد الدينيّ، فإنّه يَضطهدُ المسيحيّين بشكل وحشيّ في الخفاء. إنهم يحاولون دَفْعَ جميع الذين يؤمنون بالله إلى الموت وإرباك عمل الله وتدميره. إنّ الحزب الشيوعي ليس سوى مجموعة من الأرواح الشريرة والشياطين الذين يقاومون الله. عذّبتني الشرطة وسعت إلى إيذائي باستخدام جميع الوسائل المُتاحة أمامهم لإرغامي على خيانة الله، لكنني لم أكن لأدع مؤامراتهم تنجح.

عند المساء، أرسلتنا الشرطة إلى مكان الاحتجاز. هناك، اقتادتنا شرطيّة إلى غرفة وطلبت منا نزع ملابسنا لأغراض التفتيش، كما قامت بقطع جميع أزرار ملابسنا وأحزمتنا، ثم اقتادتنا إلى زنزانتنا. في تلك الليلة، نمنا، كِلتانا، على سرير مصنوع من الخرسانة المسلّحة. ولأنني لم أكن قد تناولت أيّ طعام على مدار يوم كامل، وبسبب الألم الذي كنت أشعر به في جميع أنحاء جسدي، لم يكن باستطاعتي أن أغفو وأنا مُستلقيةٌ على ظهري، كما لم أكن أجرؤ على الاستلقاء على أردافي. كل ما كان يمكنني القيام به هو التكوّر على جانبي. شعرت بالبؤس الشديد، وبدا كلّ شيء وكأنه لا يطاق. لم أكن أعرف ما هي التّهمة الجرميّة التي سيوجهّها إلينا الحزب الشيوعي. لَكنْ إذا حُكم عليّ بدخول السّجن لمدّة تتراوح بين 8 و 10 سنوات، ألن يعني ذلك أنّني سأقضي بقيّة حياتي في السّجن؟ وبالتالي لن يكون في وسعي إطلاقًا رؤية عائلتي أو إخوتي وأخواتي في الكنيسة من جديد. شعرت بأنني ضعيفة جدًّا، فصلّيت إلى الله: "يا الله، أتوسّل إليك أن تمنحني الإيمان والقوّة، وأن ترشدَني إلى فهم مشيئتك". بعد أن صلّيت، فكّرت في مقطع من كلمة الله ورد في [فصل] "هل عملُ الله بالبساطة التي يتصورها الإنسان؟": "إنَّ التنين العظيم الأحمر يضطهِدُ اللهَ وهو عدوّه، ولذلك يتعرّضُ المؤمنون بالله في هذه الأرض إلى الإذلال والاضطهاد... ولأنه يتم في أرضٍ تُعارضه، فإن عمل الله كله يواجه عقبات هائلة، كما أن تحقيق الكثير من كلماته يستغرق وقتًا، ومن ثمَّ تتم تنقية الناس كنتيجة لكلمات الله، وهذا أيضًا أحد جوانب المعاناة. إنه لأمرٌ شاقٌ للغاية أنْ يقوم الله بتنفيذ عمله في أرض التنين العظيم الأحمر، لكنه يُتَمِّمَ من خلال هذه المعاناة مرحلةً واحدةً من عمله ليُظهِرَ حكمته وأعماله العجيبة، وينتهزُ هذه الفرصة ليُكَمِّلَ هذه الجماعة من الناس" ("الكلمة يظهر في الجسد"). فَهِمْتُ من كلمات الله أنّ الحزبَ الشّيوعي يَكْرَهُ الله والحقّ، لأنَّه عدوّ الله، وبالتالي فهو يفعل كلّ ما في وسعِه لمنعنا من الإيمان بالله ويستخدم جميع أنواع التعذيب لحمْلِنا على خيانة الله. عندما نؤمن بالله في بلد التنّين العظيم الأحمر، فمن المُحتّم علينا أن نعاني هذا الاضطهاد، ولكنّ احتمال هذه المعاناة يقدّم لنا الفرصة لكي نشهد لله، وبالتالي، فإنّ ذلك كان بالنسبة لي بمثابة نعمة، وأمرًا مجيدًا. عند العودة بالتفكير إلى تجربتي منذ اعتقالي، رأيت أن الله كان ينيرني ويرشدني بكلماته لكي أتمكّن من التغلّب على عذابات الشيطان ومضايقاته. رأيت أن الله كان يقف دائمًا إلى جانبي ليحميني، وشعرت أنّني، وبصرف النظر عمّا إذا كان سيتمّ الحُكمُ عليّ بالسّجن أم لا، مستعدّة لإطاعة تنظيمات الله والاتّكال عليه في التمسّك بالشهادة! بمجرّد أن فَهِمت ذلك، لم أعد أشعر بأنّ الأمور صعبَةٌ للغاية بالنسبة لي.

ولأنّ الضرب أدّى إلى تطاير أسناني، وتورّم فمي بشكل مفرط، كان فمي يؤلمني بشدّة لدرجة أنني لم أكن أستطيع فتحه أو تناول الطعام. بعد ثلاثة أيّام على عدم تناول أيّ طعام، أصابني الجوع الشديد لدرجة أنّني شَعَرت بأنني ضعيفة ودائخة. إنّ كلّ ما كان يمكنني القيام به هو تفتيت كعكة البخار إلى قطع، كلٍّ منها بحجم ظُفُر الإصبع، وإدخالها إلى فمي رُويدًا رُويدًا، ولم أكن أجرؤ على مضغها، لذا كنت أُضْطَرّ إلى ابتلاعها بواسطة شرب الماء. وحتّى في هذه الحال، رفض الحرّاس أن يدعوني وشأني. كانوا يتناوبون على مراقبتنا بشكل منتظم، وأسندوا إلينا مهامّ إضافيّة لجعلنا نبقى مستيقظين طوال الليل. وبسبب ضعفي الجسديّ وأعباء العمل الثقيلة، أغمي عليّ مرّتين بسبب عدم قدرتي على تحمّل ذلك. في المرّة الثالثة التي أغمي فيها عليّ، قال الطبيب المتواجد هناك للشرطة: "لن تعيش لفترة طويلة، كما أن حياتها ستكون في خطر إذا لم تطلقوا سراحها". خَشِيَت الشّرطة أن أموت هناك، وأنّهم سيتحمّلون مسؤوليّة ذلك، لذا قرّروا أن يُبعِدوني. في حوالي الساعة 3 من بعد ظهر ذلك اليوم، قال لي ضابطا شرطة بنبرةٍ متوعّدة: "ادخلي إلى صندوق السيارة. سنجرّب عقوبة أكثر شدّة لنرى ما إذا كنت ستتكلّمين أم لا!". تسلّقت إلى داخل السيّارة بصعوبة، وأقفل ضابطا الشّرطة صندوق السيّارة عليّ. تكوّرت داخل الصندوق وأصابني صداع رهيب، كما عانيتُ من صعوبة في التنفّس لدرجة أنني كدت أختنق. كنت أتألّم بشدّة وكنت مُحطّمة الفؤاد، وشعرت وكأنّني على وشك أن أموت، لذلك دَعَوْتُ الله بشكل متكرّر في قلبي. في تلك اللّحظة، أدركت أن الله سمح للتنّين العظيم الأحمر أن يَضْطَهِدَني كوسيلة للسّماح لي بتقديم الشهادة أمام الشّيطان، لتكميل إيماني وطاعتي، والسّماح لي بأن أرى بوضوح الجوهر الشرّير للتنين العظيم الأحمر بحيث لا أعاني بعدئذ من خداعه وعبوديّته. كانت هذه محبّة الله لي. إنّ التفكير في هذا الأمر حرّك مشاعري ومنحني الإيمان أيضًا. شعرت بأنني مستعدّة للاتّكال على الله لمواجهة ما سيأتي. في تلك اللحظة، شعرت بأنّ رأسي ما عاد يؤلمني، وبأنني لم أعد متعبة، وما عدت أشعر بأنني بائسة.

لا أعرف كم هي المسافة التي قطعوها، لكن سرعان ما مرّت السيّارة على جسر. قال الشرطيّان عبارات غير مفهومة لشخص ما على الجسر، ثم واصلا القيادة. لم يمضِ وقتٌ طويل حتّى توقّفت السّيارة. نظرت حولي. بدا وكأننا في منطقة سياحية، وكانت هناك مقابر قريبة. وبّخني ضابط الشرطة الذي يرتدي نظّارات، قائلًا: "لقد تسبّبت لنا بالكثير من المتاعب، ولم نَحْصل على أيّ شيء في المقابل. حتّى أننا أنفقنا مالًا عليك". بعدئذ سألني مرة أخرى عمّن هم قادة كنيستي، لكنني هَزَزْتُ رأسي بِحَزْمٍ ولم أُفصِح له عن أيّ شيء. من جرّاء غضبه، ضربني بالهراوة الكهربائية وقال: "أنت على عَتَبَةِ الموت، وما زلت ترفضين الكلام؟". طَرَحتني الضّربة أرضًا. أشار ضابط الشّرطة إلى المَقْبَرة الّتي أمامنا وأجبرني على السير نحوها. مشيت في ذلك الاتّجاه لمَسافَةِ 200 متر تقريبًا، ثُمّ اتَجهت جنوبًا. عندما رأى ضابط الشّرطة ذلك، قال: "إيّاك أن تذهبي جنوبًا. توجّهي إلى الغرب مباشرةً!". لم يكن من خيارٍ أمامي سوى مواصلة السّير غربًا. ظلّت الشّرطة تراقبني لمدّة نصف ساعة، ثُمّ انصرفوا بسيّارتهم. سِرْتُ حوالي 50 مترًا أخرى وأنا أجُرّ جسدي المرهق والضعيف، ورأيت بعدئذ مزارعًا عجوزًا يعمل في حقل. أخبرني أنّ هناك سدًّا نهريًّا كبيرًا أمامنا، وأنه لا يوجد مَنفذٌ من هناك. قال أيضًا إنني لا يمكنني البقاء هناك، لأنّه منذ بضعة أيّام ماتت امرأة في ذلك المكان. وقتئذ، شَعَرت بالرّعب، وسيطر القلق والخوف على قلبي. كان جسدي على وشك الانهيار، ولم أكن أعرف ما إذا كنت سأتمكّن من تجاوز ذلك والبقاء على قيد الحياة. إذا متُّ هناك، لن تعرف عائلتي وإخوتي وأخواتي في الكنيسة بذلك أبدًا. هل كان يُرادُ لي في الحقيقة أن أموت هنا ظلمًا؟ وقتئذ، فكّرت في كلمات الله: "لا تخف، سيكون الله القدير رب الجنود بلا ريب معك؛ هو يحمي ظهركم وهو دِرعكم" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل السادس والعشرون). منحتني كلمات الله الإيمان والقوّة. كان الله سَنَدًا لي، فَمِمّ أخاف؟ سِرتُ بحيويّة لمسافة 2.5 أو 3 كيلومترات عائدة على نفس الطريق التي وصلت من خلالها. عندما وصلت إلى الجسر، رأيت 4 أو 5 أشخاص يديرون نقطة تفتيش عن المصابين بمتلازمة الالتهاب التنفّسي الحادّ (السارس) على الجسر. صرخ واحدٌ من الرّجال في وجهي: "عودي من حيث أتيت! لا يمكنك عبور الجسر! تحرّكي، وإلا جَعَلْناك تغادرين!". قلت بِوهنٍ: "هل أنتم قساة القلوب لدرجة أنكّم لا تبالون بموت النّاس هنا؟". قال الرجل بشراسة: "هل تريدين منّا أن نقتلك؟ انصرفي! هل تعتقدين أنّك لم تعاني بما يكفي؟ هل تريدين أن تعاني المزيد؟" عندما سمعت ذلك، أدركت فجأة سبب ترجّل الشّرطة من السّيارة للتحدّث إلى أحَدِهم في الطريق إلى هنا. كانوا يتآمرون فيما بينهم لإبقائي محاصرة في المقابر. لكنّني فكّرت كيف أن الله يسود على كلّ شيء، وأنّه من يتحكّم في حياتي وموتي وليس الشّيطان، وبالتالي صرت مستعدّة للاتّكال على الله في اختبار كل ما قد يأتي بعد ذلك. لذلك، اختبأت في رقعة صغيرة من الغابة بالقرب من ضَفّة النهر. كان البعوض والحشرات تطنّ في أذنيّ ولم تكن تكفّ عن لَسْعي، كما كنت أحتكّ بأغصان الأشجار الشائكة، ما كان يسبّب لي الألم ويصيبني بالحكّة. بعد أن كافحت من أجل الانتظار حتى حلول الظلام، قررت أن أعود إلى مكان مألوف. ولأنّ هناك أفرادًا من الشرطة كانوا يراقبون الجسر، كان السبّيل الوحيد للخروج من هناك يتمثّل في السّعي إلى عبور النهر على مسافة 100 متر من الجسر. كان عرض النّهر يبلغ حوالي خمسين مترًا. اندفعت ببطء إلى الأمام عبر النّهر، واضعةً إحدى القدمين أمام الأخرى. كان قاع النهر يعجّ بالمخلّفات، بما فيها الزجاج وقطع الآجرّ والحجارة، ولذلك كان عليّ القيام بكل خطوة بحذر شديد، حتّى تمكّنت أخيرًا من العبور إلى الجانب الآخر من النهر. كنت متحمّسة للغاية لدرجة أنّني ذَرَفت الدّموع وجَثوت على الأرض لتقديم الشّكر وتسبيح الله.

بعدئذ، واصلت المضيّ قدمًا. رأيت دوريّة للشرطة، وكانت الأنوار المنبعثة من مصابيحهم الأماميّة تصل إلى مسافة بعيدة. وخشيت أن يتمّ اكتشافي، ولذلك كنت أتقدّم بحذر، مارّةً عبر رقع من الأراضي المزروعة بالقمح. وسرعان ما اكتشفت أن هناك نهرًا آخر يقطع طريق تقدمي إلى الأمام. سِرتُ حوالي 3 إلى 4 أمتار داخل النّهر ولاحظت أن الماء كان قد وصل بالفعل إلى خصري، ولذا عدت أدراجي بسرعة. على ضفّة النّهر، وجدت شجرة يافعة يزيد ارتفاعها عن مترين بقليل، فَقُمت بِلَوي أغصان الشجرة ووضعها في الماء لاختبار عمق النّهر، فاكتشفت أن المياه أكثر عمقًا مما كنت أظنّ. أدركت أنني لن أستطيع عبور النّهر. وكلّ ما يسعُني القيام به هو العودة إلى الضفّة. بعد ذلك، سرت مباشرة على طول السدّ النّهري الوَعِر، ولم أكن أعرف ما إذا كنت سأنجو بحياتي، لذا صلّيت إلى الله، ثُمّ فكّرت في كلمة الله: "فقلب الإنسان وروحه تمسكهما يد الله، وكل حياة الإنسان تلحظها عينا الله. وبغض النظر عمّا إذا كنت تصدق ذلك أم لا، فإن أي شيء وكل شيء، حيًا كان أو ميتًا، سيتحوَّل ويتغيَّر ويتجدَّد ويختفي وفقًا لأفكار الله. هذه هي الطريقة التي يسود بها الله على كل شيء" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. الله مصدر حياة الإنسان). حقًا، إنّ الله هو مصدر الحياة البشرية. كل ما كان ينبغي عليّ القيام به هو الاتّكال على الله، والله هو من سيهديني الله ويقودني! وقتئذ، لم أكن قد تناولت الطعام منذ ثلاثة أيّام، لكنني لم أشعر بالجوع والعطش آنئذ، ولا شَعَرت بالتعب. عند رؤية أن الله كان دائمًا يقف إلى جانبي ويحميني، عادت إليّ قوّتي، وتابعت المُضِيّ قُدُمًا. بعد مَشْيٍ تخلّلته فترات راحة متكرّرة، توقّفت أخيرًا عن المسير في حوالي الساعة الثالثة صباحًا، لكنني وصلت بمحاذاة نقطة تفتيش أخرى عن المصابين بمتلازمة سارس. لم أكن أعرف ما إذا كان قد تمّ تحذير الأفراد المتواجدين في تلك النّقطة منّي وما إذا كانوا سيعيدونني أدراجي. كنت قلقة للغاية، لذا لم يكن في وسعي سوى التراجع. بسبب مرضي في مكان الاحتجاز والسّير طوال الليل، شَعَرت بأنّني جائعة وعطشى كما شَعَرت بالوَهن والضّعف. كنت عاجزة تمامًا عن التقدّم إلى أبعد من ذلك. كلّما سرت بضع خطوات، كنت أضطرّ إلى التوقّف لأخذ قسط من الراحة. شعرت أن الله هو الوحيد الذي يمكنني الاتّكال عليه، ودعوت الله في قلبي مرارًا وتكرارًا: "يا الله، ليس لديّ مكانٌ أذهب إليه الآن، ولا أعرف ما الذي ينبغي القيام به تاليًا. أرجو أن ترشدني وتساعدني". بعد أن صلّيت، تبلورت الفكرة في ذهني ومفادها أنه مهما حصل، لا يمكنني التراجع، بل فقط المضي قدمًا إلى الأمام. لذا، ارتحت قليلًا، وعند الفجر، تناولت سلّة خيزران من على جانب الطريق وتظاهرت بأنّني بائعة خضار تريد ركوب سيّارة بغية تجاوز نقطة التفتيش. انتظرت قرابة السّاعتين، ولكن لم تأتِ أيّ سيّارة. واصلت الصلاة، سائلةً الله أن يتيح لي مخرجًا. عندئذ، رأى رجل عجوز يقوم بأعمال زراعيّة أنني لم يكن في استطاعتي إيقاف مركبة للصعود إليها، فَقام بإيقاف عربة من أجلي. دخلت إليها، وتمكّنت بنجاح من اجتياز نقطة التفتيش عن المصابين بمتلازمة السارس. كان الوقت ظهرًا عندما دخلت إلى البَلدة. لم أكن قد تناولت أيّ طعام منذ أربعة أيام، وشعرت بأنني عاجزة عن السّير أكثر من ذلك. ذهبت إلى مطعم وطلبت طعامًا أتناوله، وصبّ لي صاحب المطعم ماء في وعاء. في تلك اللحظة، رأيت العديد من الأشخاص الذين يقفون حول محطة للحافلات على الجانب الآخر من الطريق. قال لي صاحب المطعم: "إنّهم يفتّشون جميع المركبات، أيًّا يكن المكان الذي تأتين منه. كل من كان آتيًا من ناحية بكين ومقاطعة خبي، يتعرّض للتوقيف ويتم احتجازه في غرفة صغيرة". وقتئذ، أدركت أنّ حقيقة أنني لم أتمكّن سابقًا من إيقاف سيّارة لركوبها، كانت بفضل مقاصد الله الحسنة. لو أنني ركبت سيّارة آنذاك، لكانت الشرطة قد تمكّنت من العثور عليّ. رأيت أن الله كان يقف دائمًا إلى جانبي، وأنّه كان دائمًا يراقبني ويحفظني، لذلك شعرت بمزيد من الثقة بشأن ما سيأتي.

بعد يوم وليلة من الفرار، وصلت أخيرًا إلى أمان منزل أخي وأختي في الكنيسة. عندما رأى أخي وأختي، اللذين كانا يكبرانني سنًّا، حالتي، لم يتمكّنا من حَبْسِ دموعهما. أعدت لي الأخت طعامًا بسرعة، ثم غلت حوضًا كبيرًا من الماء لكي أتمّكن من الاغتسال وأخذ قسط من الراحة باكرًا. عندما خلعت جواربي، كانت قدمايَ ملطّختين بالدماء. التصقت جواربي ولحم قدميّ أحدهما بالآخر، وانسلخت أربعة أظافر من قدميّ مع جواربي، ما جعلني أصرخ من الألم. بعد أخذ فترة من النّقاهة، تعافى جسدي، فذهبت إلى منطقة أخرى لأداء واجباتي.

بعد أن اختبرت هذا الاضطهاد وتلك المشقّة، ورغم أنني عانيت بعض الشيء، لكن عندما أعود بالتفكير إلى كلّ ما حدث، أعلم أنه بدون رعاية الله وحمايته، وبدون الإيمان والقوة اللذين وجدتهما في كلمة الله، كنت سأتعرّض للتعذيب حتى الموت من جانب الشرطة، أو كنت سأموت في مقبرة مقفرة. وبفضل محبة الله ورحمته، نَجَوت من المحنة ورأيت إخوتي وأخواتي من جديد، وامتلأ قلبي بالشّكر لله. شعرت أن الله هو أكثر من يحبّ الناس، وأنّه وحده قادر على تخليصهم، ما مَنَحني المزيد من الإيمان لاتّباع الله. الآن، آمل فقط أن أسعى إلى الحقّ وأقوم بواجباتي لردّ الجميل لمحبّة الله.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

قوة الحياة التي لا يمكن أن تنطفئ

بقلم دونغ ماي، مقاطعة خنان أنا إنسانة عادية عشت حياة تقليدية للغاية. مثل كثيرين ممن يتوقون للضوء، جربت الكثير من الطرق للبحث عن المعنى...

يومٌ لا يُنسى أبدًا

حدث ذلك في أحد أيّام شهر ديسمبر 2012. في حوالي الساعة التاسعة من صباح ذلك اليوم، كنت أنشر الإنجيل مع بعض الإخوة والأخوات عندما توقفّت فجأة...

اترك رد