العذاب الأبدي

2021 يناير 22

"إن جميع الأرواح التي أفسدها الشيطان هي رهن العبودية في حوزة الشيطان. ولكن أولئك الذين يؤمنون بالمسيح هم وحدهم مَنْ قد انفصلوا، وأُنقذوا من معسكر الشيطان، وجيء بهم إلى ملكوت اليوم. لم يعد هؤلاء الناس يعيشون تحت تأثير الشيطان. ومع ذلك، فإن طبيعة الإنسان لا تزال متجذّرة في جسد الإنسان. وهذا يعني أنه حتى مع خلاص أرواحكم، فإن طبيعتكم لا تزال في كما كانت عليه من قبل، وتبقى فرصة خيانتكم لي قائمة بنسبة مائة بالمائة. هذا هو السبب في أن عملي طويل الأمد؛ لأن طبيعتكم عنيدة. والآن تتحملون جميعًا المشاقّ قدر المستطاع وأنتم تؤدون واجباتكم، ولكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن: كل واحد منكم قادر على خداعي والعودة إلى مُلك الشيطان، وإلى معسكره، والعودة إلى حياتكم القديمة. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، وفي ذلك الوقت لن تتمكنوا من إبداء ذرة من الإنسانية أو الظهور كبشر مثلما تفعلون الآن. في الحالات الخطيرة، سوف تُهلكون ويُقضى عليكم إلى الأبد، ولن تتخذوا أجسادًا مرة أخرى أبدًا، بل تُعاقبون عقابًا شديدًا. هذه هي المشكلة المطروحة أمامكم" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. مُشكلة خطيرة جدًا: الخيانة (2)). كنت أفكر في أنه قد مضى على إيماني بالله عقد من الزمن وأنني قادر على التخلي عن كل شيء لكي أتبع الله والتألم من أجل واجبي، وأنني لم أجبن بمواجهة اضطهاد الحزب الشيوعي الصيني، فتصوّرت أنني مخلص لله وأنني لن أخونه يومًا. ولم أتصور قط أنني لدى توقيفي وتعذيبي بوحشية على يد شرطة الحزب الشيوعي الصيني، سأخسر كرامتي وأستسلم للشيطان. فقد انكشفت طبيعتي الخائنة لله بالكامل. إن التفكير في تلك الهزيمة النكراء مؤلم للغاية، وسيلاحقني هذا الندم طيلة حياتي.

كان ذلك في عام 2008 حين استهل الحزب الشيوعي الصيني جولة أخرى من الاضطهاد واسع النطاق وعمليات توقيف المسيحيين في البلاد كلها. أذكر ذات يوم في شهر أغسطس حين بُلِّغتُ بأن العديد من قادة الكنيسة والإخوة والأخوات في العديد من المواقع قد أوقفوا. فسارعت إلى الاتصال ببعض الإخوة والأخوات لأعالج تبعات المسألة ونقل أملاك الكنيسة. استغرق تنظيم أمور الكنيسة كافة أكثر من أسبوعين. وكنت راضيًا جدًا عن نفسي في ذلك الحين، ففي حين أن الحزب الشيوعي الصيني يستميت في توقيف الناس، اعتبرت أن بوسعي مواجهته بشجاعة ودعم عمل الكنيسة، وأنني في قمة الإخلاص لله ومراعاة مشيئته. وحين سمعت بأن بعض الموقوفين قد وشوا بالآخرين، فخانوا الله وغدروا بالإخوة والأخوات، شعرت باحتقار شديد لهم وعقدت العزم في سرّي: "إذا جاء يوم يتم فيه توقيفي أنا أيضًا، فسأفضل الموت على الخيانة!" ظننتني أتتمتع بإيمان عظيم حقًا. وفوجئت؛ بُعيْد عيد رأس السنة للعام 2009 بأن الحزب الشيوعي الصيني قد أطلق عملية توقيفات أخرى على نطاق الدولة تحت تسمية "العاصفة 3" تستهدف كنيسة الله القدير. ذات يوم بينما كنت مجتمعًا ببعض الإخوة والأخوات، اقتحم أكثر من 30 شرطيًا المكان فجأة. واقتادونا إلى محطة الشرطة البلدية وفصلوا الواحد منّا عن الآخر لاستجوابنا. طالبونا بمعرفة أمرين: أسماء القادة والزملاء وعناوينهم، وكم من المال يوجد بحوزة الكنيسة وفي أي منزل تم إخفاؤه. وقالوا مهددين: "إن لم تتكلموا سينتهي أمركم!" في تلك اللحظة لم أخف كثيرًا. شعرت بأنني سبق أن نلت قسطي من العذاب منذ صغري، فحتى لو عذبوني، سأتمكن من تحمل ذلك. وفي كل حال، فأنا قد قمت بواجبي وكنت وفيًا لله ولذا فهو سيحميني طبعًا. حين رأى الشرطيون أنني أرفض الكلام، أحضروا أشرطة وصورًا من كاميرات المراقبة أظهر فيها داخلاً وخارجًا من منازل مضيفيّ وعدّدوا لي الأمكنة التي زرتها في الأشهر القليلة الماضية ثم طلبوا مني الاعتراف. حين رأيت تلك الأدلة الدامغة، شعرت بالقلق. فحتى لو أنكرت ذلك، لن يصدقوني في كل الأحوال، لذا صليت لله وطلبت منه أن يمنعني من الخيانة. وحين رأوني مثابرًا في صمتي، قال أحد الشرطيين حانقًا: "يبدو أنك ستجبرنا على معاملتك بقسوة!" فيما دفع الكرسي الحديدي الذي كنت مقيدًا إليه، فوقعت على ظهري. ثم أحضروا حقنة فيها مزيج من زيت الخردل ومياه الفجل الحار وبدأوا يحقنون أنفي بها ويفركونها على عينيّ. شعرت بوخز شديد وبأنني عاجز عن التنفس. كانت عيناي تؤلماني جدًا فعجزت عن فتحهما وشعرت بمعدتي تلتهب. ومن ثم عرّوني حتى خصري، وقيّدوا يديّ خلف ظهري وقاموا بليّهما بالقوة إلى الأعلى. وحين تعبوا من ذلك، استخدموا جارورًا لدعم وضعيتهما إلى الأعلى. تحمّلت الألم ولم أنبس بكلمة. وحين أدركوا أن وسيلتهم لم تنفع، جربوا طريقة وحشية أخرى. فكبّلوني بالأغلال إلى الكرسي الحديدي مجددًا ووجدوا سلكين كهربائيين، فربطوا أحد الأطراف بإصبعي رجليّ الكبيرين فيما ربطوا الآخر بجهاز صعق، ثم بدأوا يرشونني بمياه باردة مع صعقي المرة تلو المرة. فتشنّج جسمي بالكامل جراء الصعق بالكهرباء وشعرت بقلبي يرتعد. شعرت حقًا بأنني على شفير الموت. واصلوا تعذيبي حتى الثانية فجرًا.

وفي اليوم التالي، أخذتني الشرطة إلى موقع سري للاستجواب. لحظة دخلت إليه رأيت بقع دم في كل أنحاء المكان. كان المنظر مريعًا. شعرت بخوف كبير وتساءلت عما إذا كانوا سيضربونني حتى الموت هنا. وفي تلك اللحظة، قام شرطي، بدون أن ينطق بكلمة، بشد ذراعيّ فجعلني أعانق الكرسي الحديدي، ثم دفعني أنا والكرسي أرضًا. كنت أعاني أصلا من جروحٍ عميقة في معصميّ عند موضع الأصفاد وكانت تنضح دمًا وكانت يداي منتفختين ككرتين. وتلك اللحظة التي دفعت فيها على الأرض كانت مؤلمة بشكل لا يُحتمل، وكل ما كان بوسعي فعله هو الصلاة لله مرارًا وتكرارًا. ثم بدأ الشرطيون يسردون جملة من الأكاذيب والافتراءات بحق الكنيسة. جعلني سماع تلك الأكاذيب أشعر بالغثيان وبالسخط. وحين رأوني مصرًا على عدم الكلام، التقط أحدهم جهازًا للصعق غاضبًا فراح يصعقني على كامل جسدي ووجهي وحتى فمي. رأيت نورًا أزرق يومض فلم أجرؤ على فتح عينيّ، ولكنني سمعت فرقعة جهاز الصعق وشممت رائحة لحمي المحترق. وعندها، بدا أحد الشرطيين وكأنه فقد عقله. فالتقط كيسًا بلاستيكيًا ووضعه على رأسي، وراح ينزعه فقط كلما أوشكت على الاختناق. وشرع آخر يسدّد ركلات إلى أسفل جسمي بوحشية فيما تناول آخر هراوة خشبية سمكها حوالي 4 سنتمترات وبدأ يضربني، صارخًا بغضب طيلة الوقت: "لدينا أكثر من 100 أداة للتعذيب هنا وسنستعملها عليك واحدةً واحدة. أي شخص يموت هنا، يرمى في حفرة بكل بساطة! إن لم تنطق ستسجن بين 8 و 10 سنوات، وحتى لو ضربناك حتى الشلل، فلا مفر من سجنك. وحين ستخرج من السجن، لن تكون بقية حياتك تستحق العيش!" شعرت بقلق كبير حين سمعت ذلك ففكرت: "إذا صرِتُ مقعدًا تبعًا لضربهم المُبرِّح، فكيف سأواصل حياتي؟ قال الشرطي إنهم حصلوا على جميع البيانات من حاسوبي، إذا امتنعت عن الكلام، فسيخبرون من سيوقفونهم غيري بأني وشيتُ بهم. سيكرهني جميع من في الكنيسة وسأخجل من مواجهتهم". حين توقف الشرطيون لبعض الوقت شعرتُ بتورُّم حاد في وجهي كله. كانت عيناي شبه مغلقتين من شدة الورم وبالكاد استطعت رؤية أي شيء. كان معصماي ينزفان وكانت الحروق تكسو جسدي كله. شعرت بقلبي ينقبض وكنتُ أتنفس بصعوبة. شعرت بأنني على شفير الموت. ثم سمعت شرطيًا يقول إن خبير المعلوماتية قد جاء وإنهم تمكنوا من الاطلاع على كل شيء في حاسوبي. اعتراني الخوف فجأة. ففكرت: "انتهى الأمر. هناك معلومات بشأن القادة والزملاء في الحاسوب، بالإضافة إلى قائمة بأعضاء الكنيسة والدفاتر المحاسبية للكنيسة". انتابني الذعر فحرت في ما أفعله بعد ذلك. في تلك الأمسية، وضع الشرطيون منصبًا ثلاثي القوائم في الغرفة وقيّدوا ذراعيّ بإحكام خلف ظهري وعلّقوني على المنصب. تدلّيت على ارتفاع قدمين من الأرض وراحوا يؤرجحوني جيئةً وذهابًا. وكلما فعلوا ذلك، شعرت بألم رهيب في ذراعيّ وراحت قطرات عرق ضخمة تنساب على واجهي. عندها فكرت في ما قاله ذلك الشرطي، بأن لا مانع لديهم من ضربي حتى الموت وسيُحكم عليَّ بالسجن حتى ولو صرتُ مقعدًا. فبدأت أشعر بأن الأمر يفوق تحمّلي وتساءلت: "ماذا لو متّ هنا؟ عمري ثلاثين عامًا لا أكثر. إن ضربوني حتى الموت، فأي خسارة! إن أُقعِدت وعجزتُ عن العمل، فكيف أتدبّر أموري؟ طالما حصلوا على كل بيانات حاسوبي على أي حال؛ فاعترافي لن يُحدِث فرقًا. إن أخبرتهم القليل من الأمور فقد يدعوني أعيش". ولكنني فكرت: "لا، لا يمكنني أن أفعل ذلك. ألن يجعلني ذلك خائنًا؟" بقيت هذه المعركة مستعرة بداخلي. ومع أنني صليت لله وقلت إنني أفضل الموت على الخيانة، راح الألم يتفاقم مع الوقت، وفي الساعة الثانية أو الثالثة تلك الليلة ما عدت قادرًا على تحمّل تعذيب الشرطة وانهرت تمامًا. فوافقت على الإفصاح عن معلومات بشأن الكنيسة. عندها أنزلوني أرضًا أخيرًا. وحين فعلوا ذلك، بقيت مستلقيًا وعاجزًا عن الحراك مع انعدام أي إحساس في ذراعيّ. طلب منّي الشرطيون أن أؤكد أرقام الطابقين والشقتين اللتين يقيم فيهما المضيفان، فرضخت. في اللحظة التي خنت فيها إخوتي وأخواتي، كان ذهني خاويًا تمامًا. كنت ضحية الذعر وشعرت بأن أمرًا رهيبًا على وشك الحدوث. فخطر كلام الله التالي في ذهني: "كل مَنْ يكسر قلبي لن ينال مني رأفة مرة ثانية" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أَعْدِدْ ما يكفي من الأعمال الصالحة من أجل غايتك). كنتُ أعي بوضوح أنني خنت الله وأثمتُ إلى شخصيته، وأنه لن يغفر لي مرة أخرى. شعرت بألم حقيقي وكرهت نفسي كرهًا شديدًا. وفكرت: "لماذا وشيت بهم؟" كان الذنب والندم يملآنني. بعد ذلك، رفضت أن أنبس ولو بكلمة، مهما قامت الشرطة من محاولات. فيما بعد، كلما فكرت في خيانة الله وإخوتي وأخواتي وسلوكي مسلك يهوذا، وارتكاب هذا التصرف الذي لا يغتفر كنت أشعر بالعذاب. شعرت بأن مسيرتي الإيمانية قد بلغت نهايتها، وكأن حكم عليَّ بالإعدام وقد أموت في السجن في أي لحظة.

ثم حدث أمر غير متوقع. فبُعيد الخامسة مساء في اليوم الرابع لتوقيفي بينما كان الشرطيون الذين يراقبونني يغطون في نوم عميق، تمكنت بكل هدوء من فك الحبل الذي كان يربطني وقفزتُ من النافذة. وبعد الكثير من الصعوبات، تمكنت من بلوغ بيت أحد الإخوة فسارعت إلى كتابة رسالة لأبلّغ قائد الكنيسة بوشايتي لهذيْن للمُضيفيْن وأخبرتهم أن عليهما اتخاذ تدابير احتياطية فورًا. فدبّر القائد استضافتي في مكان آمن. شعرت بذنب شديد حين رأيت عضوًا آخر من الكنيسة مستعدًا للمخاطرة من أجل استضافتي. لقد خنت الله ووشيت بالإخوة والأخوات. كنت خائنًا. كنت غير مستحق على الإطلاق لأن يستضيفني أحد ولم أستطع أن أواجه الإخوة والأخوات، فقرأت كلام الله هذا: "لن أمنح مزيدًا من الرحمة لأولئك الذين لم يظهروا لي أي ذرة من الولاء في أوقات الشدة، لأن رحمتي تسع هذا فحسب. علاوة على ذلك، ليس لديَّ أي ود لأي أحد سبق وأن خانني، ولا أحب مطلقاً أن أخالط الذين يخونون مصالح أصدقائهم. هذه هي شخصيتي، بغض النظر عمّن يكون الشخص. يجب عليَّ أن أخبركم بهذا: كل مَنْ يكسر قلبي لن ينال مني رأفة مرة ثانية، وكل مَنْ آمن بي سيبقى إلى الأبد في قلبي" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أَعْدِدْ ما يكفي من الأعمال الصالحة من أجل غايتك). هزّ هذا الكلام أعماقي. كانت كل كلمة أشبه بضربة موجعة. ذلك الشخص عديم الولاء لله خلال الصعاب هو أنا. ذلك الشخص الذي خان الله ووشى بمصالح اصدقائه هو أنا. ذلك الشخص الذي آلم قلب الله هو أنا. كنت جبانًا وخنت الله ووشيت بالإخوة والأخوات، وآثمتُ إلى شخصية الله بشدة لن أنال رحمة الله بعد اليوم وسأكون موضع عقابه. كلما فكرت في ذلك، زاد استيائي ولم أعد قادرًا على حبس دموعي.

وبعد أيام قليلة، سمعت أن أختًا مسنّة في أحد البيتين اللذين وشيت بهما قد أوقفت وأن بيتها خضع للتفتيش. خاطَرَت باستضافتي وبالاهتمام بي ولكنني وشيت بها. كنت أعي تمامًا مدى قسوة الحزب الشيوعي الصيني تجاه المسيحيين، وأنا نفسي عانيت ذلك التعذيب، ولكنني كي أنقذ حياتي، سلمتها إلى أيادي الشياطين. ما أشرّ تصرّفي! لطمت وجهي بقوّة مرات عدة وسجدت أمام الله مصليًا: "يا الله! لقد خنتك ووشيت بالإخوة والأخوات، أنا لست بشريًا حتى، ولا أستحق العيش. يجب أن تلعنني وتعاقبني. حتى موتي هو تعبير عن برّك". لم أستطع أن أجد السلام على الإطلاق وشعرت بعذاب دائم. وكثيرًا ما أيقظتني الكوابيس ليلاً ورحت أفكر، "كيف استطعت خيانة الله والغدر كيهوذا؟ خلال سنوات إيماني تخليت عن عائلتي ومهنتي لأجل الله، وأبيت الاستسلام مهما بلغ واجبي من خطورة. كيف استطعت خيانة الله والتحول ليهوذا بين ليلة وضحاها؟ لماذا فعلت ذلك؟" بعيد توقيفي أردت أن أقدم بالشهادة، ولكن حين خضعت للتعذيب القاسي وتعرضت حياتي للخطر، تقوقعت خوفًا، وعندما سمعت الشرطيين يقولون إنهم يستطيعون قتل المؤمنين بالله القدير بدون عقاب وإنهم سيحكمون علي بالسجن حتى ولو صرتُ مُقعدًا، قلقت من عيش حياتي كشخص معوّق. كنت أبلغ الثلاثين من العمر فقط، فأي خسارة أن أقتل بهذا العمر! حين قالوا إنهم اكتشفوا كلمة المرور الخاصة بحاسوبي وإن لديهم جميع معلومات الكنيسة المسجلة به، استسلمت في قرارة نفسي، وشعرت بأنه لا فرق إن اعترفت أم لم أعترف، وبأنني ربما أنقذ حياتي عبر منحهم بعض المعلومات. خسرت كرامتي وأصبحت خائنًا. رأيت أن السبب الرئيسي خلف خيانتي لله هي رغبتي في إنقاذ حياتي وحسب، وأن حياتي عزيزة جدًا عليّ. كنت أظنني قادرًا على تحمل العذاب وأنني مخلص لله، وأنني أنا من بين جميع الناس لن أخون الله أبدًا. ولكنني لحظة توقيفي وتعذيبي، ظهرت على حقيقتي. ثم أدركت أنني أفتقد تمامًا إلى واقع الحقيقة وأنني لست مؤمنًا بالله حقًا. عند مواجهة التجارب والمشقّات، وتعرض حياتي للخطر، كنت مستعدًا لمقاومة الله وخيانته في أي لحظة. قرأت ما يلي: "مَنْ من بين كل البشر لا يحظى بعناية في عيني القدير؟ مَنْ ذا الذي لا يعيش وسط ما سبق القدير فعيَّنه؟ هل تحدث حياة الإنسان ومماته باختياره؟ هل يتحكَّم الإنسان في مصيره؟ كثيرون من البشر يصرخون طلبًا للموت، ولكنه يبقى بعيداً عنهم جدًا؛ وكثيرون من الناس يريدون أن يكونوا أقوياء في الحياة ويخافون من الموت، ومع أن يوم موتهم يكون مجهولًا بالنسبة لهم، إلّا أنه يقترب ليُلقي بهم في هاوية الموت" ("الفصل الحادي عشر" "كلام الله إلى الكون بأسره" في "الكلمة يظهر في الجسد"). "عندما يكون الناسُ مُستعدين لأن يضحّوا بحياتهم يصبح كلُّ شيء تافهاً، ولا يمكن لأيٍّ كان أن ينتصر عليهم. ما الذي يُمكِنُ أن يكون أكثر أهمية من الحياة؟ وبذلك يصبح الشيطان عاجزاً عن إحداث مزيد من التأثير في الناس؛ إذ لن يكون هناك ما يمكنه فعله مع الإنسان. على الرغم من أنه في تعريف "الجسد" يقال إن الجسد يفسده الشيطان، إن وهب الناس أنفسهم لله بالفعل، ولم يحركهم الشيطان، لن يستطيع أحد أن ينتصر عليهم..." ("الفصل السادس والثلاثون" في "تفسيرات أسرار كلام الله إلى الكون بأسره" في "الكلمة يظهر في الجسد"). جعلني كلام الله أدرك أن جميع الأمور رهن يديه، بما في ذلك حياتنا وموتنا. حين أموت، سواء أتعرضت للضرب أم للإعاقة، ومهما كان شكل حياتي، فكل شيء مقدّر من قبل الله. كل شيء ينبثق عن الله وسواء أعشت أم مت فعلي التسليم بتدابير الله. حتى وإن عذبني الشيطان حتى الموت، إن استطعتُ أن أشهد لله، فسيكون موتي مستحقًا للعناء وسيكون له مغزى. وتذكرت ما قاله الرب يسوع. "فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهَذَا يُخَلِّصُهَا" (لوقا 9: 24). فكّرت في رسل الرب يسوع وتلاميذه وأن العديد منهم قد استشهدوا لينشروا إنجيل الله ويعملوا بمشيئته. وقد أحيا الله ذكرى وفاتهم. ومع أنهم قد ماتوا بالجسد إلا أن أرواحهم لم تفن. ولكنني حين خنت الله ووشيت بالآخرين وسلكتُ كيهوذا، فقد وُصِمتُ بعار أبدي. كنت أشبه بميت حي، كجثة تمشي بدون روح. فكرت في تلك اللحظة التي اعتبرت فيها أنه طالما لدى الشرطة معلومات عن الكنيسة لن يغيّر اعترافي شيئًا. ولكنني كنت مخطئًا تمامًا. فبينما كنت أتعرض للتعذيب على يد التنين العظيم الأحمر نظر الله إلى سلوكي وما إذا كنت أشهد له أمام الشيطان. سواء أكانوا يمتلكون تلك المعلومات حقًا أم لا، كان يجب ألا أتكلم. إفصاحي بالمعلومات للشرطة كان بمثابة إذعان للشيطان ووصمة عار. كرهتُ أنني لم أسع إلى الحقيقة ولم أكن مؤمنًا بالله حقًا. كرهت طمعي بالحياة وقلة كرامتي وانعدام نزاهتي. والأكثر من ذلك هو أنني كرهت ذلك الشيطان، التنين العظيم الأحمر فهو يكره الله والحقيقة إلى أقصى حد، ويعتقل مختاريه ويضطهدهم بشكل جنوني. وهو يدفع الناس إلى إنكار الله وخيانته ويدمر فرصهم بالخلاص. قررت أن أقطع بالكامل كل ما يربطني بالتنين العظيم الأحمر وأن أنذر حياتي لاتباع الله.

ذات مرة، قرأت مقالات حول شهادات عن تجارب الغالبين ورأيت أنهم حين تعرضوا للتعذيب من قبل التنين العظيم الأحمر اتكلوا جميعهم على كلام الله ليغلبوا الشيطان ويشهدوا لله. فزاد خجلي. كانوا مؤمنين مضطهدين مثلي أنا، إذًا كيف استطاعوا تحمل الألم وتقديم الشهادة؟ لماذا كنت أنانيًا وكريهًا وطامعًا بالحياة إلى درجة تحولتُ إلى يهوذا الخائن؟ فكرت في أن وشايتي بالآخرين قد أصبحت أضحوكة للشيطان فطعن ذلك قلبي كالسكين. كان أمرًأ مؤلمًا للغاية ولم أستطع أن أسامح نفسي. راودتني مشاعر سلبية للغاية. وفي تلك اللحظة قرأت كلام الله هذا: "اقترفت غالبية الناس تعدّيات. مثلًا، قاوم البعض الله دومًا، وتمرّد البعض عليه، وتذمّر البعض منه، أو ارتكب آخرون أفعالًا تعارض الكنيسة أو قاموا بأشياء سبّبت خسائر لأسرة الله. كيف يجب معاملة هؤلاء الناس؟ ستحدَّد آخرتهم بحسب طبيعتهم وسلوكهم الدائم. ... يتعامل الله مع كل شخص بحسب البيئة والسياق في وقت معين، والوضع الفعلي، وأفعال الناس، وسلوكهم وتعابيرهم. لن يخطئ الله بحق أحد أبدًا، وهذا برّه" ("أساس معاملة الله للإنسان" في "أحاديث مسيح الأيام الأخيرة"). وبعد ذلك، قرأت هذا المقطع من إحدى العظات: "هناك بعض الناس الذين بسبب ضعفهم، يشون بغيرهم قليلاً بعد توقيفهم. إلا أنهم لا يسدون خدمة للشيطان، وهم في قلوبهم لا يزالون مؤمنين بالله ويستمرون في الصلاة له. أما سبب وشايتهم المجتزأة فهو لأن قامتهم غير ناضجة ولأن عودهم طري. ولكنهم لا يشون بكل شيء كما لا يسدون خدمة للشيطان؛ وهذا يوازي شهادتهم لله. أما أولئك الذين يقومون بوشاية كاملة بالكنيسة وإخوتهم وأخواتهم حالما يتم توقيفهم، والذين يتعاونون مع التنين العظيم الأحمر ليراقبوا إخوتهم وأخواتهم ويوقفوهم، والذين يوقعون حتى على تعهدات بعدم الإيمان بالله مطلقًا...أولئك الأشخاص سيقصون بالكامل وسوف يلعنهم الله. ... في الماضي، قام إخوة وأخوات ببعض الوشاية جراء ضعفهم لدى احتجازهم في السجن. وبعد ذلك، نظرًا لوخز الضمير، شعروا بالندم وبدأوا بالنحيب واحتقار الذات. فقاموا بنذور أمام لله لكي يعاقبهم ورجوه لكي يسمح لهم بمواجهة الظروف العسيرة مجددًا كي ينالوا فرصةً لتقديم شهادة جميلة ترضي الله. وبتلك الطريقة راحوا يصلون مرارًا لله إلى أن أصبحوا أخيرًا قادرين على اتباع الحقيقة وأداء واجباتهم كالعادة وقد تمكنوا حتى من امتلاك عمل الروح القدس. هؤلاء الأشخاص قد تابوا بالفعل وهم صادقون. والله سيرحمهم" ("عظات وشركات عن الدخول إلى الحياة"). هذا الكلام أثر فيّ حقًا ولم أستطع التوقف عن البكاء. إن قرار الله بشأن الشخص يستند إلى خلفيته ودرجة انتهاكاته وما إذا كان قد تاب فعلا. وهو لا يحدد مصيره بناء على انتهاك واحد. رأيت كم أن شخصية الله بارة، وأن بره ينطوي على الدينونة كما على الرحمة للبشر. ارتكبت انتهاكًا بمثل فداحة خيانة الله والوشاية بالإخوة والأخوات، ولكن الله لم يقصني. بل منحني فرصةً للتوبة. نوّرني وأرشدني وسمح لي بفهم مشيئته. قدَّرْتُ حقًا أن الله يمنح كل شخص منا خلاصًا عظيمًا، ومدى خيره الكبير. زاد ندمي وذنبي وشعرت بأنني مدين لله. فقررت في داخلي: "إن أوقفني الحزب الشيوعي الصيني ثانية؛ فسأكون مستعدًا للتضحية بحياتي. حتى لو عذبتني الشرطة حتى الموت. سأشهد لله وأُخْزي الشيطان!"

بعد أشهر، رتبت الكنيسة أن أقوم بواجب آخر. فشعرت بتأثر شديد. كانت خيانتي لله مؤلمة جدًا له، ولكن بفضل تسامحه ورحمته العظيمين، منحني فرصةً للتوبة. علمت أن عليّ تقدير تلك الفرصة وبذل كل جهدي في واجبي لأرد له محبته.

حل شهر ديسمبر 2012 في لمح البصر، وبدأ الحزب الشيوعي الصيني عملية أخرى واسعة النطاق لتوقيف كنيسة الله القدير وقمعها. استعانوا بالتنصت على الهواتف وتعقب الأشخاص لتوقيف الكثير من الإخوة والأخوات. وفي 18 ديسمبر تعرضت أختان تقومان بواجباتهما معي إلى التوقيف وتم التنصت على هاتفيهما، ثم جرى توقيف قائدين أخرين عقب ذلك. وحين سمعت بالأمر، بدأت أشعر بتوتر شديد. كنت مدركًا أنه من المرجح جدًا أن أكون تحت مراقبة الحزب الشيوعي الصيني مع إمكانية توقيفي في أي لحظة. كان من المستحيل أن أعرف ما إذا كنت سأصمد لو أوقفت مجددًا. وتلك الفكرة جعلتني في خوف شديد، ولكنني علمت أيضًا أن كل شيء يحصل بإذن الله. تلوت صلاة لله قلت فيها إنني لم أعد أريد مراعاة الخطر الجسدي الشخصي، وأنني أردت فقط التعاطي مع الأزمة وتنفيذ واجبي على أفضل وجه. حتى ولو تم توقيفي فسأقدم الشهادة لأخزي الشيطان حتى ولو كان ذلك على حساب حياتي. شعرت بهدوء وراحة أكبر بعد هذه الصلاة، ثم بدأت بترتيب عمل الكنيسة. والحمد لله، بعد شهر ونيف عاد عمل الكنيسة إلى طبيعته. ومن خلال هذه التجربة رأيت أن الناس حين لا يعيشون لأجل مصالحهم الشخصية وإنما يؤدون واجبهم، يشعرون بسلام فعلي وتجد نفوسهم السكينة وترتاح ضمائرهم.

كلما فكرت في خيانتي المخجلة لله، شعرت باستياء عارم. ولكن فشلي وكشفي بهذه الطريقة جعلاني أفهم شخصية الله البارة وزرعا فيّ مخافة الله. رأيت كم أن الله حكيم. ورأيت أن الله استخدم بتوقيفات التنين العظيم الأحمر واضطهاده لكشف أخطائي، وحينذاك عرفتُ ذاتي وكرهتها، وبدأت أسعى فعلا للحقيقة. ورأيت مدى فعالية عمل الله في خلاص البشرية! الحمد لله!

التالي: معجزات الحياة

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

الله قوّتي في الحياة

بقلم شاو– هي – مقاطعة خنان اتّبعت الله القدير لأربع عشرة سنة، مرّت وكأنها في طرفة عين. خلال هذه السنوات، اختبرت تقلبات الزمان، وكانت...

الإفلات من فكي الموت

يقول الله القدير، "لا يغيب الله مطلقًا عن قلب الإنسان، بل إنه موجود معه على الدوام. إنه القوة التي تغذي حياة الإنسان، وكُنه الوجود البشري،...

اترك رد