تمتّعت بوليمةٍ غنيَّةٍ
الخامس والعشرون والسادس والعشرون من شهر يونيو 2013، يومان لا يُنسيان؛ فقد شهدت مقاطعتنا حدثًا ضخمًا، حيث اعتقل التنين الأحمر العظيم مُعظم قادة المقاطعة والعاملين بها. ولم يهرب دون أذى سوى عدد قليل منَّا، ولمَّا كانت قلوبنا مُفعمة بالامتنان، قطعنا هذا العهد السري مع الله: أن نتعاون تعاونًا جيدًا في العمل المُقبِل. فيما بعد، بدأنا العمل المحموم للتعامل مع آثار ما بعد الحادث. وبعد شهر تقريبًا، كانت الترتيبات على وشك الاكتمال. كان ذلك الشهر شهرًا حارًا، ولكن كانت قلوبنا مبتهجة برغم معاناتنا الجسدية، حيث كان عملنا يسير بسلاسة تحت سمع التنين الأحمر العظيم وبصره. عندما اكتمل إنجاز العمل، وجدت نفسي ـ من دون قصدٍ ـ في حالة من الرضا عن النفس، حيث كنت أفكّر: كم كنت ذكيةً بتنظيمي للعمل بهذه الروعة. كم أنا ماهرة في العمل! وكان في ذلك الحين أن الله أفتقدني بتوبيخه ودينونته...
في إحدى الأمسيات كنا كمجموعة من الأخوات نتحدث فيما بيننا، واقترحت إحداهن أن أكتب إلى فلان وفلان، وأسندت لي بعض المهام، وأضافت جملة أخيرة: "لا تشغلن أنفسكن بالأمور الخارجية، إنه وقت الاختباء والقيام بالخلوات الروحية. اعكفن على الخلوات الروحية والدخول إلى الحياة". ما أن سمعت هذه الكلمات حتى رفضها قلبي: يجب أن أكتب خطابات، يجب أن أعمل. أين هو الوقت للخلوات الروحية؟ إنكِ وافدة، أمّا أنا فمن العاملات المحليَّات، فأنا أحميكِ عندما لا أجعلكِ تخرجين وتعملين، وأنتِ تنتقديني؟ إذا جلستُ في البيت للقيام بالخلوات الروحية طوال اليوم كما تفعلين أنتِ، فمَن الذي سيذهب ويقوم بالعمل؟ يجب أن يؤخذ حجم العمل بعين الاعتبار عند إسناد المهام؛ ويجب مراعاة الموقف قبل تهذيبي. ... في صباح اليوم التالي كان الجميع يتناولون كلمات الله، ويرتوون بها، ويتواصلون بشأنها، لكنني كنت مُشتتة، ولم أكن أتمتّع بتناول كلمات الله والارتواء بها. كانت جميع الأخوات يتحدثن عن فهمهن لكلمات الله، بينما ظللت صامتةً. ثم سألتني تلك الأخت ذاتها: "لماذا لا تتحدَّثين؟" فأجبتها بغضبٍ: "ليس لدي أي فهم". ثم أكمَلَتْ الأخت: "أرى أنكِ لستِ في حالة جيدة". فأجبتها من دون تفكير: "لم أُلاحِظ أي مشكلةٍ". ولكن في الواقع كانت أفكاري على وشك الانفجار من داخلي. وفي النهاية لم أستطع احتوائها أكثر من ذلك، وأخبرتها بما كان يضايقني. وقد أصغت لي تلك الأخت، وأقرَّت على الفور بأنها كانت صلِفة، ولم يكن ينبغي أن تُستنِد لي المهام كما شاءت. لكن هذا لم يكن كافيًا بالنسبة لي كي أُنحّي مقاومتي جانبًا، بل على العكس، شعرت أن عملي كله خلال هذه الفترة كان وضع الحق في حَيِّز التنفيذ، ولم يكن ينبغي عليها أن تقول إنني لم أكن في حالة جيدة. ماذا سيظن قادة المقاطعات الذين بجوارنا؟ ثم استأنفت الأخت حديثها: "إنني قلقةً لربما كنتِ تعملين فحسب من دون إعطاء أي وقت لدخولك الشخصي إلى الحياة، فتصبحين في تراجعٍ". كلما تحدَّثت أكثر، زاد اعتراضي عليها، وكنت أفكِّر: تقولين إنني أتراجع؟ أعتقد أنني في حالة جيدة جدًا، لن أتراجع! لم أكن ببساطة أتَّفِق مع كلماتها. بعد وجبة الإفطار خرجت إلى العمل، وكنت أشعر بالضيق وأُفكِّر: سأستقيل من عملي كقائدة، وسوف أقوم ببعض المهام الروتينية وأكتفي بذلك. إذا قالت إنني أتراجع ولا أدخل إلى الحياة، فكيف يمكنني أن أقود الآخرين على أية حال؟ كلَّما فكّرت في هذا، زادت روحي سقوطًا، حيث أخذت أفكّر: عندما تنتهي هذه المهام، سوف أستقيل. ثم شعرت بالضعف في جميع أنحاء جسدي، كما لو كنت مريضةً، فأدركت أنني كنت في حالةٍ سيئة. عند عودتي إلى البيت، وقفت أمام الله وصلَّيت: "يا الله القدير، لقد كنت مُتكَبِّرةً وعنيدةً للغاية، لم أحب الحق، ولم أستطع قبول توبيخك ودينونتك، وتعاملك معي، وتهذيبك ليّ. أرجوك أن تساعدني، وأن تحمي قلبي وروحي، وتجعلني قادرةً على الخضوع لعملك، وأن أفحص نفسي بإخلاصٍ، وأن يكون لدي فهمٌ حقيقي لنفسي". قرأت فيما بعد الكلمات التالية: "مفتاح التأمُّل في الذات ومعرفة نفسك هو: كلَّما شعرت بأنك أدَّيت عملاً جيِّدًا في جوانب مُعيَّنة أو فعلت الشيء الصحيح، وكلَّما اعتقدت أنك استطعت إرضاء مشيئة الله أو استحقَّقت التباهي في جوانب معيَّنة، فعندها يستحقّ الأمر أن تعرف نفسك في تلك الجوانب، ويستحقّ أن تتعمَّق في فحصها لمعرفة الشوائب الموجودة لديك وكذلك الأشياء التي فيك التي لا يمكنها إرضاء مشيئة الله. ... تُعدّ هذه القصَّة عن بولس مثل تحذيرٍ لكلّ من يؤمن بالله، وهو أنه كلَّما شعرنا بأننا أدَّينا عملاً جيِّدًا على نحو خاصّ أو نعتقد بأننا موهوبون على نحو خاصّ في بعض النواحي أو نعتقد بأننا لسنا بحاجةٍ إلى التغيير أو التعامل في بعض النواحي، فيجب أن نسعى إلى تأمل أنفسنا ومعرفةً أنفسنا على نحو أفضل في هذا الشأن. هذا أمر هام. يرجع السبب في ذلك إلى أنك لم تكتشف بالتأكيد جوانب نفسك التي تعتقد أنها صالحة أو تنتبه إليها أو تفحصها، لمعرفة ما إذا كانت تحتوي بالفعل على أيّ شيءٍ يقاوم الله أم لا" ("لا يمكنك أن تعرف نفسك إلّا من خلال إدراك وجهات نظرك المُضلَّلة" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). لقد أظهَرَتْ كلمات الله قلبي كانعكاسٍ في مرآةٍ واضحة. إن الله يطلب منَّا أن نفهم أنفسنا من خلال فهمنا للمواضع التي نرى أننا نبرع فيها، المواضع التي نرى أننا نحسن التصرف فيها، وأن نكون أكثر إدراكًا لأنفسنا في تلك الجوانب التي نعتقد أننا لسنا بحاجة للتعامل معها. عندما أفكِّر في تلك الفترة، أرى أنني كنت أحمل عبئًا. كان عملي يُظهِرُ نتائجًا، وكنت أتعامل مع العديد من المهام الرئيسية بشكلٍ جيد. لقد ظننت أنني كنت أضع الحق في حيِّز التنفيذ، وأن هذه كلها كانت مداخل إيجابية ونشطة، وأن حالتي كانت جيدة للغاية – لذلك لم أَمْثُل أمام الله ولم أفحص ذاتي. اليوم، وبفضل استنارة كلمات الله، أُدرِك أنني كنت في ذلك الحين أؤدي عملي بشكلٍ جيد، ولكن كانت طبيعتي المتكبِّرة قد تفاقمت. ظننت أن نتائج عملي كانت بفضل جهودي، وأنني كنت عاملة مقتدرة. كنت راضية عن نفسي تمام الرضا. في الواقع، عندما أُعاود التأمُّل في تلك الفترة، أُدرِك الآن أنني كنت أعمل فحسب، فقد كنت أقوم بما أستطيع القيام به تحت قيادة الروح القدس وحمايته، ولكنني لم أسعَ إلى الحق أثناء قيامي بالعمل. لم يكن لدي أي مدخل إلى الحياة، ولم يكن لدي، حينها، أي إدراك لذاتي، ولم أفهم الله قَط، ولم أكتسب من خبرتي في عمل الله فهمًا أوضح لأي جانب من جوانب الحق. بل على النقيض من ذلك، أصبحت متكبِّرةً حتى أنني لم أكن أستمع إلى أي أحدٍ، وسلبت مجد الله مقابل قيامي بجزءٍ بسيط من عمله العظيم. ومن ثمّ فقد كانت الشخصية الشيطانية التي أظهرتها أمام الله كافية لأن يدعوني خاطئةً! ولكن من خلال تلك الأخت، ذكَّرني الله اليوم كيما أعكف على الخلوات الروحية، حتى أتجنَّب التراجع. ومع ذلك، لم أكن قد قبلت ذلك بعد. لم أكن حقًا أُميِّز بين الصواب والخطأ، وكنت أجهل ذاتي كل الجهل. وفي نفس الوقت شعرت بأنني كنت في حالة مُرعبة. لو لم يكن الله قد حرَّك هذا الأخت لكي توضِّح ليّ حالتي وتجعلني أعود بسرعةٍ إلى الله، لكُنت قد عشت في تدهورٍ، غير مدركةٍ أنني قد فقدت عمل الروح القدس، ولكنت في النهاية قد ارتكبت إساءة بالغة ضد الله. خشيتُ أن يكون الوقت حينها قد فات على التوبة. وقد رأيت حينئذٍ كم كنت في حاجةٍ ماسة لدينونة الله ولكي يتعامل معي الله كي ما يحميني في الطريق الذي أمامي. وبالرغم من أنه عند اقتراب الدينونة والتوبيخ، والتهذيب والتعامل معي، قد شعرت بأنني فقدت كرامتي، وأن هذه كانت مشقَّةً، فقد كان هذا خلاص الله؛ وكنت على استعداد لقبول المزيد من هذا النوع من العمل من قِبَل الله.
بعد أن اختبرت هذا التوبيخ وهذه الدينونة تغيَّرَت حالتي. وقد أصبح سلوكي وتصرّفي أكثر تواضعًا، وفهمت القليل عن عمل الله – عمل لا يتماشى مع تصوّرات الإنسان. ولكن، بفضل إعلان آخر من قِبَل الله، سرعان ما رأيت مرةً أخرى أن فهمي كان ضحلًا للغاية.
في أوائل أغسطس تمت ترقيتي للعمل على مستوى المنطقة. وكنت في ذلك الحين في حالةٍ معنويةٍ مرتفعة وقطعت عهدًا سِرًا: يا إلهي، أشكرك من أجل أنك رفعتني وأعطيتني هذه المُهمَّة العظيمة. لا أريد أن أخذِل ثقتك بيّ، وأرغب أن أفعل كل ما في وسعي، وأرجو أن ترشدني وتقودني. وهكذا انكببت في جدول أعمال مزدحم. وكنت كل يومٍ أواجه كل المشكلات التي يعانيها الإخوة والأخوات، وكان عليَّ الرد لتقديم الإرشاد لكل منهم. وكنت في أحيانٍ كثيرة أظل ساهرة لوقتٍ متأخر، لكنني كنت سعيدة بهذا العمل. كنت في بعض الأحيان أواجه موقفًا لم أفهمه أو لم يكن واضحًا، وكنت أصلّي إلى الله وأرى إرشاده وتوجيهه، وكان العمل يسير بسلاسةٍ. وبدون أن أقصد أصبحت متكبِّرةً مرةً أخرى، أذكِّر ذاتي: كم أنا ماهرة، وعاملة ذات كفاءة. وفي أحد الأيام صادفت عدة مصاعب. لذلك صلَّيت وفكَّرت مليًا كيف أُصفّي ذهني، وبعدها وضحت تدريجيًا في ذهني كيفية ترتيب هذا العمل وإدارته. وبناءً عليه كتبت إلى قائدي لأطرح عليه هذا الاقتراح، وأسأله إن كان مُمكنًا أم لا. وبينما كنت أكتب الخطاب، كنت أعتقد أن القائد بالتأكيد سوف يرى أنني أتحمّل المسؤولية، وأنني عاملة مُقتدرة. كنت في انتظار الرد، على أمل أن أنال الثناء. وبعد بضعة أيام كنت سعيدةً بتلقّي الرد، ولكن ما أن فتحته وقرأته حتى انتابني الذهول. فلم أتلق أي مدحٍ من القائد، وليس هذا فحسب، بل كان الرد مليئًا بالتعنيف والتهذيب، قائلًا: "ليست لديك سلطة القيام بذلك، وإذا تماديتِ في هذا المسلك، فسوف تعطّلين عمل الله! إذا كان القادة الأساسيون قادرين على تدبير أعمالهم، فدعيهم يعملون، وإذا لم يكونوا كذلك، فنحيه جانبًا. يجب عليكِ القيام عاجلًا بخلوات روحية وكتابة المقالات ...". إن كنت مصرة على هذا، فستعطلين عمل اللهكانت فكرة الصواب والخطأ تستبدّ بيّ في ذلك الحين، وشعرت بأنه قد أُسيئت مُعاملتي: "أي نوعٍ من القادة هذا الذي لا يحلّ مشاكل المرؤوسين؟ يعاني الإخوة والأخوات من مصاعب ولكنهم لا يفعلون أي شيء لحلها. لقد وقع حادث في منطقتنا، وقد صارت جميع أعمالنا في فوضى عارٍمة: ألسنا في حاجة إلى بعض التنظيم؟ في حالة قيام القادة الأساسيين بتدبير أعمالهم بأنفسهم، فما الذي سيحدث لكل هذه الرسائل؟ لقد أخفقت تمامًا في فحص ذاتي وكنت مستاءةً جدًا حتى أني شكوت لأختي المضيفة، بل وفكَّرت هكذا: سوف أستقيل؛ إن كنت لا أستقيل فإنني مصدر للتعطيل. لقد كنت أعمل بكل اجتهاد، وها أنا مع ذلك مصدر للتعطيل" فما الفائدة؟
في اليوم التالي أتيتُ أمام الله، وفحصت ما كنت قد أظهرته، وكنت أفكِّر فيما يُقال في العظات عن أن رفض المرء للتهذيب والتعامل معه يُظهِر إخفاقه في محبة الحق، وأن الأشخاص الذين لا يحبّون الحق يتّسمون بطبيعة سيئة. لذلك تصفّحت بإمعانٍ "مبدأ قبول التهذيب والتعامل". وقد رأيت أن كلمات الله تقول: "يصبح بعض الناس سلبيّين بعد تهذيبهم والتعامل معهم؛ إذ لا تبقى لديهم طاقة لأداء واجباتهم، وينتهي بهم المطاف بفقدان ولائهم كذلك. لماذا؟ يرجع ذلك جزئيًّا إلى افتقارهم إلى الوعي بجوهر أفعالهم، وهذا يُؤدِّي إلى عدم قدرتهم على تقبُّل أن يتم تهذيبهم والتعامل معهم. هذا تحدده طبيعتهم المتعجرفة المغرورة، التي لا تحب الحق. ويرجع ذلك جزئيًّا أيضًا إلى عدم فهمهم لأهميَّة تهذيبهم والتعامل معهم. يؤمن الناس جميعًا أن تهذيبهم والتعامل معهم معناه أنه قد تحدد مآلهم. ونتيجةً لذلك، يعتقدون خطأً أنه إذا كانوا يملكون بعض الولاء لله، فإنه يجب عدم التعامل معهم وتهذيبهم، وأنهم إذا تمّ التعامل معهم فإن هذا لا يدل على محبَّة الله وبرَّه. يجعل مثل هذا السوء في الفهم العديدَ من الناس لا يجرؤون على أن يكونوا "مخلصين" لله. والواقع أنه عندما يُقال هذا كلّه ويتم فعله، فذلك لأن الناس مغرورون بشدة؛ فهم لا يريدون أن يعانوا المشقَّة، ولا يريدون سوى الحصول على البركات بالطريقة السهلة. لا يدرك الناسُ بِرَّ الله. ليست المسألة أن الله لم يفعل شيئًا بارًّا، أو أنه لا يفعل أي شيء بارّ؛ بل إن الناس ببساطةٍ لا يؤمنون أبدًا بأن ما يفعله الله بارّ. يرى البشر أنه إذا كان عمل الله لا يتوافق مع الرغبات البشريَّة، أو إذا كان لا يتماشى مع ما توقَّعوه، فلا بدّ أنه ليس بارًا. لكن الناس لا يعلمون أبدًا أن أفعالهم غير ملائمة ولا تتَّفق مع الحقّ، ولا يدركون أن أعمالهم تمثل مقاومة لله" ("المعنى وراء تحديد الله لعواقب الناس بناءً على أدائهم" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). لقد كشفت كلمات الله حقيقتي الداخلية. لم أقبل الخضوع للتهذيب والتعامل لأنني لم أكن أفهم طبيعة ما فعلته. لقد ظننت أنه لم يكن هناك ثمة خطأ فيما فعلته، لكن عملي وقيامي بواجباتي قد ابتعدا منذ فترة طويلة عن ترتيبات العمل؛ ومع ذلك فقد ظننت أنني كنت أُبدي إخلاص كامل. تذكرت ما قيل في ترتيبات العمل أنه على القادة والعمًال أن يتولوا العمل الأساسي والحيوي.. كان رأيي أن جميع المسائل التي كان يتم إرسالها من المستوى الأدنى كان لابد أن تلقى التوجيهات والإجابات بغض النظر عن مدى حجم المشكلة. ولم يكن يمكنني أن أهدأ، وأن أقوم بخلواتي الروحيَّة، إلّا إذا تم التعامل مع المشاكل. وعندما واجهتُ الوقائع رأيت أنني لم أخضع بشكل مطلق وغير مشروط لترتيبات العمل. كان لدي كم هائل من المخاوف لم أستطع التحرر منها، وكنت متكبّرةً لدرجةٍ فقدت معها تعقّلي. كان الله يستخدم القائد للتعامل مع أمورٍ بداخلي، والتي لم تكن تتوافق مع مشيئة الله، حتى أُدرِك طبيعتي التي كانت تقاوم وتخون الله ومشيئته: في ظل الظروف العاسرة حاليًا، ينبغي عليّ إعطاء الأولوية للخلوات الروحية وفحص الذات، ولا ينبغي أن يَنْصَبُّ كل تركيزي على العمل وحده. لكنني لم أكن أدرك أن طبيعة أفعالي كانت تقاوم متطلبات ترتيبات العمل، وكانت تعارِض الله وتقاومه. كانت فكرة الصواب والخطأ تستبدّ بيّ، وقد أخفقت في فهم الروح، وفشلت في إدراك عمل الله. ثم تَذَكَّرتُ مرةً أخرى هذه الكلمات التي وردت في عظة: "لا يهمّ أيّ شخصٍ، أو أيّ قائدٍ، أو أيّ عاملٍ يُهذِّبني ويتعامل معي، ولا يهمّ إذا كان ذلك يتَّفق تمامًا مع الحقائق. فطالما أن الأمر يتَّفق جزئيَّا مع الحقائق، فإنني أقبله وأطيعه؛ طالما أنه يتَّفق جزئيَّا مع الحقائق، فإنني أقبله تمامًا. لا أُقدِّم أعذارًا للآخرين أو أقول إنني أقبل بعضًا منه ولكن دون أن أقبله كاملاً، وأنا لا ألتمس الأعذار. هذه تعبيرات الشخص الذي يخضع لعمل الله. إذا لم تخضع بهذه الطريقة لكلام الله ولعمله، فسوف يكون من الصعب عليك أن تكتسب الحقّ، وسوف يكون من الصعب عليك أن تدخل في واقع كلام الله" ("عظات وشركات عن الدخول إلى الحياة"). نعم، حتى لو لم تتطابق كلمات القائد بشكل كامل مع وضعي، ينبغي عليّ أن أخضع لها وأقبلها. وعلى أية حال، فإن أدائي لواجباتي كان يتعارض لفترةٍ طويلةٍ مع ترتيبات العمل. ألم يكن ينبغي عليّ أن أُسرِع في الخضوع، والقبول، والتغيير؟ فيما بعد، عندما تحسَّنتُ قليلًا وهدأت للاشتراك في الخلوات الروحيَّة وممارسة كتابة المقالات، رأيت أن الله نفسه كان يحمي عمله، وأن العمل كان يسير كالمعتاد من دون تأخير.
كانت هاتان المناسبتان من التوبيخ والدينونة، والتهذيب والتعامل، تنطوي على مشقّاتٍ، لكنهما جعلتاني أكثر إدراكًا لذاتي، وسرعان ما تغيّرت حالتي. وقد رأيت في فيما بعد أن كلمات الله تقول: "لأن جوهره صالحٌ. إنه التعبير عن كل الجمال والصلاح، وكذلك كل المحبة" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. جوهر المسيح هو الطاعة لمشيئة الآب السماوي). "هو يلعنك لكي تحبه، ويكون باستطاعتك أن تعرف جوهر الجسد؛ هو يوبِّخك لكي يوقظك، لكي يسمح لك أن تعرف أوجه قصورك وأن تعرف عدم جدارة الإنسان التامة. ومن ثمَّ، فإن لعنات الله ودينونته وجلاله ونقمته – جميعها من أجل جعل الإنسان كاملًا. فكل ما يفعله الله اليوم، الشخصية البارة التي يظهرها بوضوح بينكم – هي جميعًا من أجل جعل الإنسان كاملًا، وهذه هي محبة الله" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. اختبار التجارب المؤلمة هو السبيل الوحيد لكي تعرف روعة الله). لم يسعني إلا أن أتنفَّس الصعداء: نعم، إن الله هو التعبير عن كل جمالٍ وخير، وجوهره هو الجمال والخير، ومضمونه هو المحبة. فلذلك كل ما يأتي من الله هو جيد وجميل، سواء كان دينونةً، أو توبيخًا، أو إذا ما تم استخدام الأشخاص، والأحداث، والأشياء المحيطة بنا لتهذيبنا والتعامل معنا – قد يبدو ذلك كمشقةٍ أو هجومٍ على جسد الإنسان، ولكن ما يفعله الله مفيد لحياتنا، إنه كل الخلاص والمحبة. لكنني لم أُدرك الله أو عمله، ولم أكن أرى مقاصِده الخيِّرة. عندما واجهت الدينونة والتوبيخ، وكذلك تهذيبي والتعامل معي، قاومت من خلال التهديد بترك عملي، فلم تكن لدي القدرة على قبول ذلك من الله، وكأن الناس كانوا يسببون لي المتاعب. ولكن من خلال الإعلانين اللذين كشفهما لي الله، رأيت أنه على الرغم من تناولي لكلمة الله والارتواء بها لسنوات عديدة، والاستماع إلى الكثير من العظات، كانت نزعتي للتمرّد قويةً عندما واجهت الدينونة والتوبيخ، والتهذيب والتعامل، فقد رفضت ذلك كل الرفض. لقد استطعت أن أرى أنه بالرغم من إيماني بالله كل هذه الفترة إلّا أن شخصيتي لم تتغيَّر، فقد كانت طبيعة الشيطان متأصّلة في داخلي، وهي طبيعة مقاومة لله وخائنة له. وفجأةً أدركت أنني كنت بحاجةٍ إلى الدينونة والتوبيخ، والتهذيب والتعامل. ولولا هذا النوع من العمل الذي يقوم به الله، لما رأيتُ وجهي الحقيقي، ولما أصبح لديّ فهم حقيقي لذاتي، ناهيك عن إدراكي لعمق ترسّخ طبيعة الشيطان في داخلي. الآن فقط أدرك لماذا يقول الله إن الإنسانية الساقطة هي عدوه، وأننا نسل الشيطان. ... ومن خلال التأمّل في كلمات الله، استنار قلبي. أرى كيف يرتب الله لي بعنايةٍ حتى أختبر عمله، وحتى أدخل إلى يقين الحق، حيث يقودني إلى الطريق الحقيقي للحياة. ها هو الله يرفعني، ويعاملني بلطفٍ. وقد أدركت أيضًا أن كل ما يفعله الله للإنسان هو محبة. فدينونة الله وتوبيخه وتهذيبه وتعامله هم أعظم ما يحتاجه الإنسان، وهم أفضل خلاص له.
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.