العظة على الجبل أمثال الرّبّ يسوع الوصايا

2019 أبريل 16

العظة على الجبل

التطويبات (متى 5: 3-12)

الملح والنور (متى 5: 13-16)

الناموس (متى 5: 17-20)

الغضب (متى 5: 21-26)

الزنا (متى 5: 27-30)

الطلاق (متى 5: 31-32)

النذور (متى 5: 33-37)

عين بعينٍ (متى 5: 38-42)

محبّة الأعداء (متى 5: 43-48)

تعليمات حول العطاء (متى 6: 1-4)

الصلاة (متى 6: 5-8)

أمثال الرّبّ يسوع

مثل الزارع (متى 13: 1-9)

مثل الزوان (متى 13: 24-30)

مثل حبّة الخردل (متى 13: 31-32)

مثل الخميرة (متى 13: 33)

شرح مثل الزوان (متى 13: 36-43)

مثل الكنز (متى 13: 44)

مثل اللؤلؤة (متى 13: 45-46)

مثل الشبكة (متى 13: 47-50)

الوصايا

(متى 22: 37-39) "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى. وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ".

لننظر أوّلاً إلى كلّ جزءٍ من الأجزاء المختلفة من "العظة على الجبل". ما الذي تلمسه كل تلك الأجزاء؟ يمكن القول بالتأكيد إن محتوى هذه الأجزاء المختلفة كلّها أكثر سموًّا وأكثر واقعيّة وأقرب إلى حياة الناس من قواعد عصر الناموس. وبالتحدّث بعباراتٍ حديثة، فإن هذه الأشياء أكثر ملاءمة لممارسة الناس الفعليّة.

دعونا نقرأ عن المحتوى المُحدّد التالي: كيف يجب أن تَفْهمَ التطويبات؟ ماذا يجب أن تعرف عن الناموس؟ كيف يجب تعريف الغضب؟ كيف يجب التعامل مع الزناة؟ كيف يتم الحديث عن الطلاق، وما نوع القواعد الموجودة حوله؟ مَنْ بإمكانه الحصول على الطلاق، ومن ليس بإمكانه الحصول على الطلاق؟ ماذا عن النذور، والعين بالعين، ومحبّة الأعداء، والعطاء؟ وما إلى ذلك. تتعلق جميع هذه الأشياء بكلّ جانبٍ من جوانب ممارسة إيمان الإنسان بالله، وباتّباعه الله. لا تزال بعض هذه الممارسات قابلة للتطبيق اليوم، على الرغم من أنها أكثر ضحالة من المتطلّبات الحاليّة للناس – إنها حقائقٌ أوّليّة إلى حدٍّ ما يصادفها الناس في إيمانهم بالله. منذ أن بدأ الرّبّ يسوع عمله، كان يبدأ بالفعل في تنفيذ العمل على تدبير حياة البشر، ولكن كانت هذه الجوانب من عمله تستند إلى أساس الناموس. هل كانت للقواعد وطرق الحديث عن هذه الموضوعات أيّة علاقةٍ بالحقيقة؟ نعم بالطبع! كانت جميع اللوائح والمبادئ السابقة وكذلك هذه العظات في عصر النعمة مرتبطةٌ بشخصيّة الله وبما لديه ومَنْ هو، وبالطبع كانت مرتبطةٌ بالحقّ. بغضّ النظر عمّا يُعبّر عنه الله، وبغض النظر عن أي أسلوب في التعبير أو أي لغة يستخدم، فللأشياء التي يعبر عنها أساسها وأصلها ونقطة انطلاقها في مبادئ شخصيّته وما لديه ومَنْ هو. هذا صحيح تمامًا. ولذلك مع أن هذه الأشياء تبدو سطحيّة إلى حدٍّ ما الآن، فإنه ما زال بعدم إمكانك القول إنها ليست الحقّ، لأنها كانت أشياءٌ لا غنى عنها للناس في عصر النعمة لإرضاء مشيئة الله ولتحقيق تغيير في تدبير حياتهم. هل يمكنك أن تقول إن أيًّا من هذه العظات لا يتماشى مع الحقّ؟ كلا، لا يمكنك! كلّ شيءٍ فيها هو الحقّ لأنها كانت كلّها متطلّبات الله للبشريّة؛ كانت كلّها مبادئ ونطاقًا أعطاه الله ليرينا كيف ينبغي للمرء تدبير نفسه، وهي تُمثّل شخصيّة الله. ومع ذلك، واستنادًا إلى مستوى نموهم في الحياة في ذلك الوقت، كانت هذه فقط هي الأشياء التي تمكنوا من قبولها وفهمها. فلأن خطيّة البشريّة لم تكن قد حُلّت بعد، كانت هذه هي الكلمات الوحيدة التي تمكن الرّبّ يسوع من أن ينطق بها وأن يستخدم التعاليم البسيطة المتضمنة في هذا النوع من النطاق لإخبار الناس في ذلك الوقت بكيفيّة التصرّف وبما يجب عليهم فعله وبمبادئ ونطاق وجوب عمل الأشياء وبكيفّية الإيمان بالله واستيفاء متطلّباته. تحدّد هذا كلّه على أساس قامة البشريّة في ذلك الوقت. لم يكن من السهل على الأشخاص الذين يعيشون تحت الناموس أن يقبلوا هذه التعاليم، ولذلك فإن ما علّمه الرّبّ يسوع كان ينبغي أن يبقى في سياق هذا المجال.

دعونا بعد ذلك نلقي نظرةً على محتويات "أمثال الرّبّ يسوع" العديدة.

المثل الأوّل هو مثل الزارع. وهذا مثلٌ مثير للاهتمام للغاية؛ فزرع البذار حدثٌ شائع في حياة الناس. والمثل الثاني هو مثل الزوان. أيّ شخصٍ زرع محاصيل وبالتأكيد كل الكبار يعرفون ما هو "الزوان". والمثل الثالث هو مثل حبّة الخردل. جميعكم يعرف الخردل، أليس كذلك؟ إذا كنتم لا تعرفون، فيمكنكم إلقاء نظرةٍ على الكتاب المُقدّس. والمثل الرابع هو مثل الخميرة. الآن، يعرف معظم الناس أن الخميرة تُستخدم للتخمير، وأنها شيءٌ يستخدمه الناس في حياتهم اليوميّة. الأمثال الأخرى، بما في ذلك المثل السادس، أي مثل الكنز؛ والمثل السابع، أي مثل اللؤلؤة؛ والمثل الثامن، أي مثل الشبكة، كانت مستمدّةٌ ومأخوذة من حياة الناس الحقيقيّة. ما نوع الصورة التي ترسمها هذه الأمثال؟ إنها صورة الله الذي يصير شخصًا عاديًّا ويعيش جنبًا إلى جنبٍ مع البشر مستخدمًا لغة الحياة ولغةً بشريّة للتواصل مع البشر ولتزويدهم بما يحتاجون إليه. عندما صار الله جسدًا وعاش بين البشر لوقتٍ طويل، وبعد أن اختبر وشهد أنماط الحياة المختلفة للناس، أصبحت هذه الاختبارات مادته التعليمية التي حوّل من خلالها لغته الإلهيّة إلى لغةٍ بشريّة. وبالطبع، فإن هذه الأشياء التي رآها وسمعها في الحياة أثْرَتْ أيضًا الخبرة البشريّة لابن الإنسان. عندما أراد أن يفهم الناس بعض الحقائق وفهم جانبًا من مشيئة الله، عندها كان يستخدم أمثالاً مشابهة لتلك المذكورة أعلاه لإخبار الناس بمشيئة الله ومتطلّباته من البشر. كانت هذه الأمثال كلّها مرتبطةٌ بحياة الناس؛ لم يكن واحدٌ منها غير متّصلٍ بحياة البشر. عندما عاش الرّبّ يسوع مع البشر، كان يرى المزارعين يعتنون بحقولهم، وكان يعرف الزوان والخميرة؛ كان يفهم أن البشر يحبّون الاحتفاظ بالأشياء ولذلك استخدم استعارات الكنز واللؤلؤة. في الحياة، كثيرًا ما كان يرى الصيّادين يلقون شباكهم؛ وكان الرّبّ يسوع يرى هذه الأنشطة وغيرها المرتبطة بحياة البشر، كما اختبر ذلك النوع من الحياة. مثل أيّ كائن حي عاديّ آخر، اختبر روتين البشر اليومي وتناولهم ثلاث وجباتٍ يوميًّا. اختبر بشخصه حياة شخصٍ عاديّ ولاحظ حياة الآخرين. عندما كان يلاحظ ويختبر هذا كلّه، لم يكن يُفكّر في أن تكون له حياةٌ جيّدة أو أن يتمكّن من العيش بمقدارٍ أكبر من الحريّة والراحة. بدلًا من ذلك، من خلال اختبار الرّبّ يسوع للحياةً البشريّة الحقيقيّة، كان يرى المشقّة في حياة الناس. كان يرى مصاعب الناس وبؤسهم وحزنهم، حيث كانوا يعيشون تحت نفوذ الشيطان، ويعيشون حياة الخطيّة في ظل فساد الشيطان. بينما كان يختبر بشخصه الحياة البشريّة، اختبر أيضًا حال الناس البائسين الذين كانوا يعيشون بين الفساد، ورأى واختبر الأحوال البائسة للبشر الذين عاشوا في الخطيّة وفقدوا التوجيه تمامًا وسط العذاب الذي عرضهم له الشيطان والشر. عندما رأى الرّبّ يسوع هذه الأشياء، هل رآها بألوهيّته أم ببشريّته؟ كانت بشريّته موجودةٌ فعلاً ونابضةٌ بالحياة؛ تمكّن من أن يختبر هذا كلّه ويراه. ولكن بالطبع رأى هذه الأمور في جوهره، وهو ألوهيّته. وهذا يعني أن المسيح نفسه، أي الرّبّ يسوع الذي كان إنسانًا رأى هذا وأن كلّ ما رآه جعله يشعر بأهميّة وضرورة العمل الذي اضطلع به في أثناء هذا الوقت الذي عاشه في الجسد. مع أنه هو نفسه كان يعلم أن المسؤوليّة التي كان عليه أن يضطلع بها في الجسد كانت هائلة للغاية، وكان يعرف مدى قسوة الألم الذي كان سيواجهه، إلّا أنه عندما رأى البشريّة عاجزة في الخطيّة، وعندما رأى بؤس حياتهم وصراعاتهم الواهنة تحت الناموس، شعر بالمزيد والمزيد من الحزن، وأصبح أكثر فأكثر تصميمًا على خلاص البشريّة التي كانت تعيش في الخطيّة. بغضّ النظر عن نوع الصعوبات التي كان سيواجهها أو نوع الألم الذي كان سيعاني منه، أصبح أكثر فأكثر عزمًا على خلاص البشريّة التي تعيش في الخطيّة. خلال هذه العمليّة، يمكن القول إن الرّبّ يسوع بدأ يفهم أكثر فأكثر العمل الذي كان عليه أن يعمله وما كان قد عُهِدَ إليه. كما أنه أصبح متشوّقًا بدرجة متزايدة إلى إنجاز العمل الذي كان سيعمله – أي أن يحمل جميع خطايا البشر ويُكفّر عن البشر لئلا يعيشوا فيما بعد في الخطيّة، وفي الوقت ذاته، سوف يتمكّن الله من غفران خطايا الإنسان بسبب ذبيحة الخطيّة، مما يسمح للرّبّ يسوع بالاستمرار في مواصلة عمله في خلاص البشريّة. يمكن القول إن الرّبّ يسوع كان على استعدادٍ في قلبه لتقديم نفسه عن البشر وللتضحية بنفسه. كان أيضًا مستعدًا ليكون ذبيحة خطيّةٍ وليكون مُسمّرًا على الصليب، وكان بالفعل حريصًا على إكمال هذا العمل. عندما رأى الظروف البائسة لحياة الإنسان، أراد أكثر أن يُكمِل مهمّته في أسرع وقتٍ ممكن، دون تأخيرٍ لدقيقةٍ واحدة أو لثانيةٍ واحدة. عند هذا الشعور بالإلحاح، لم يُفكّر على الإطلاق في مدى شدّة آلامه، ولم يساوره أي قلق بشأن مدى الإذلال الذي سيكون عليه أن يتحمّله. لم يكن يحمل في قلبه سوى قناعة واحدة: طالما أنه قدّم نفسه، وطالما أنه سُمّر على الصليب كذبيحة خطيّةٍ، عندئذ سوف تُنفّذ مشيئة الله وسوف يتمكّن الله من بدء عملٍ جديد. سوف تتحول تمامًا حياة البشر وحالة وجودهم في الخطيّة. كانت قناعته وعزمه على عمل ما أراد يتعلّقان بخلاص الإنسان، ولم يكن لديه سوى هدفٍ واحدٍ، وهو فعل مشيئة الله حتى يتمكّن الله من أن يبدأ المرحلة التالية من عمله بنجاح. كان هذا هو ما يدور في عقل الرّبّ يسوع في ذلك الوقت.

عندما كان الله المُتجسّد يعيش في الجسد، كان يلبس هيئةً بشريّة عاديّة؛ كانت لديه مشاعر ومنطق شخصٍ عاديّ. كان يعرف معنى السعادة ومعنى الألم وعندما كان يرى البشريّة تعيش هذا النوع من الحياة كان يشعر شعورًا عميقًا بأن مُجرّد إعطاء الناس بعض التعاليم أو تزويدهم بشيءٍ أو تعليمهم شيئًا لن يكون كافيًا لأن يخرجهم من الخطيّة. كما أن مُجرّد مطالبتهم بطاعة الوصايا لم تتمكّن من أن تفديهم من الخطيّة – ولكن عندما حمل على نفسه خطيّة البشر وصار في شبه جسد الخطية، استطاع أن يفوز بحريّة البشر وغفران الله للبشريّة في المقابل. وهكذا، بعد أن اختبر الرّبّ يسوع وشهد حياة الناس في الخطيّة، ظهرت رغبةٌ شديدة في قلبه للسماح للبشر بتخليص أنفسهم من حياة بتحرير أنفسهم من حياة الصراع في الخطيّة. وقد جعلته هذه الرغبة يشعر أكثر فأكثر بأنه يتعيّن عليه أن يذهب إلى الصليب ويأخذ على نفسه خطايا البشر في أقرب وأسرع وقتٍ ممكن. كانت هذه هي أفكار الرّبّ يسوع في ذلك الوقت، بعد أن عاش مع الناس ورأى بؤس حياتهم في الخطيّة وسمعه وشعر به. أن يكون لدى الله المُتجسّد هذا النوع من المشيئة من نحو البشريّة، وأن يستطيع التعبير عن هذا النوع من الشخصيّة – فهل كان هذا شيئًا يمكن لشخص عاديّ أن يمتلكه؟ ماذا يرى الشخص العاديّ الذي يعيش في هذا النوع من البيئة؟ كيف يُفكّر؟ إذا واجه الشخص العاديّ هذا كلّه، فهل سينظر إلى المشاكل من منظورٍ عال؟ كلا بالطبع! مع أن مظهر الله المُتجسّد الخارجي يشبه تمامًا مظهر الإنسان، وبرغم أنه يتعلّم المعرفة البشريّة ويتحدّث اللغة البشريّة، وفي بعض الأحيان يُعبّر عن أفكاره من خلال طرق الإنسان أو أساليبه في الكلام، إلّا أن الطريقة التي يرى بها البشر ويرى جوهر الأشياء تختلف تمام الاختلاف عن الطريقة التي يرى بها الفاسدون البشر وجوهر الأشياء. فوجهة نظره والمكانة العالية التي يحتلها شيءٌ بعيد المنال عن شخصٍ فاسد. وهذا لأن الله هو الحقّ، لأن الجسد الذي يلبسه يملك أيضًا جوهر الله، كما أن أفكاره وما تُعبّر عنه بشريّته هي أيضًا الحقّ. أمّا للفاسدين، فإن ما يُعبّر عنه في الجسد هو أحكام الحقّ والحياة. هذه الأحكام ليست لشخصٍ واحد فقط ولكنها للبشر جميعًا. لا يوجد في قلب أيّ شخصٍ فاسد سوى أولئك الأشخاص القليلون الذين يرتبطون به. إنه لا يهتم أو ينشغل سوى بأولئك الأشخاص القليلون. عندما تلوح كارثةٌ في الأفق، فإنه يُفكّر أوّلاً بأولاده أو شريك حياته أو والديه، ويكون أقصى ما يُفكّر به الشخص الأكثر تعاطفًا أن يولي القليل من الاهتمام لبعض الأقارب أو الأصدقاء الجيّدين؛ ولكن هل يزيد اهتمام ذلك الشخص المتعاطف عن هذا؟ لا، على الإطلاق! لأن البشر هم بشرٌ على أيّة حالٍ، ولا يمكنهم النظر إلى كلّ شيءٍ سوى من منظور الإنسان المرتفع ومن مكانتهم. ومع ذلك، فإن الله المُتجسّد يختلف تمام الاختلاف عن الإنسان الفاسد. بغض النظر عن مدى كون جسد الله المُتجسّد عاديًّا ومألوفًا وبسيطًا، أو حتى مدى ما في النظرة الدونية التي تبناها الناس تجاهه من احتقار، إلّا إن أفكاره وموقفه تجاه البشر هي أشياءٌ لا يمكن لأحدٍ أن يملكها، ولا يمكن لأحدٍ أن يُقلّدها. سوف يلاحظ البشر دائمًا من منظور الألوهيّة، ومن علوّ مكانته باعتباره الخالق. سوف يرى البشر دائمًا من خلال جوهر الله وعقليته. لا يمكن أن يرى البشر على الإطلاق من مكانة الشخصٍ العاديّ المنحطة أو من منظور شخصٍ فاسد. عندما ينظر الناس إلى البشريّة، فإنهم يفعلون ذلك برؤيةٍ بشريّة ويستخدمون أشياءً مثل المعرفة البشريّة والقواعد والنظريّات البشرية كمقياسٍهم. هذا في نطاق ما يمكن أن يراه الأشخاص بأعينهم؛ ونطاق ما يمكن أن يُحقّقه الفاسدون. أمّا عندما ينظر الله إلى البشر، فإنه ينظر برؤيةٍ إلهيّة ويستخدم جوهره وما لديه ومَنْ هو كمقياسٍ. يشمل هذا النطاق أشياءً لا يستطيع الناس رؤيتها، وهذا مكمن الاختلاف التامّ بين الله المُتجسّد والبشر. وهذا الاختلاف يُقرّره الجوهران المختلفان للبشر والله – وهذان الجوهران المختلفان هما اللذان يُحدّدان هويّتهما ومكانتهما وكذلك المنظور والعلوّ اللذان يريان منهما الأشياء. هل ترون تعبير الله نفسه واستعلانه في الرّبّ يسوع؟ يمكنكم القول إن ما عمله الرّبّ يسوع وقاله كان مرتبطًا بخدمته وبعمل تدبير الله، وأنه كان كلّه تعبيرًا وكشفًا عن جوهر الله. مع أنه كان له مظهرٌ بشريّ، إلّا أنه لا يمكن إنكار جوهره الإلهيّ واستعلان لاهوته. هل كان هذا المظهر البشريّ مظهرًا للبشريّة حقًّا؟ كان مظهره البشريّ، في جوهره، مختلفًا تمامًا عن المظهر البشريّ للفاسدين. كان الرّبّ يسوع هو الله المُتجسّد. إذا كان حقًّا واحدًا من الفاسدين العادييّن، فهل كان يمكنه أن يرى حياة البشر في الخطيّة من منظورٍ إلهيّ؟ كلا بالطبع! هذا هو الفرق بين ابن الإنسان والناس العاديّين. فالناس الفاسدون كلّهم يعيشون في الخطيّة، وعندما يرى أيّ شخصٍ الخطيّة لا يكون لديه أيّ شعورٍ خاص بها؛ إنهم جميعًا الشيء نفسه، مثل خنزيرٍ يعيش في الوحل ولا يشعر بالانزعاج أو بالاتّساخ – بل على العكس، فهو يأكل جيّدًا وينام نومًا عميقًا. وإذا نظفّه أحدٌ سيشعر الخنزير بعدم الراحة ولن يبقى نظيفًا. سرعان ما يتمرّغ مرّةً أخرى في الوحل ويشعر بالراحة التامّة لأنه مخلوقٌ قذر. يرى البشر أن الخنازير قذرة، وإذا نظفت مكان معيشة الخنزير، لا يشعر بأي تحسن – ولهذا السبب لا يحتفظ الناس بخنزيرٍ في منازلهم. سوف تكون نظرة البشر للخنازير مختلفة دائمًا عمّا تشعر به الخنازير، لأن البشر والخنازير ليسوا من النوع نفسه. ولأن ابن الإنسان المُتجسّد ليس من نوعيّة البشر الفاسدين نفسها، فإن الله المُتجسّد وحده يمكن أن يقف من منظورٍ إلهيّ ويقف من علوّ الله من حيث يرى البشر ويرى كلّ شيءٍ.

ماذا عن المعاناة التي يختبرها الله عندما يصير جسدًا ويعيش بين البشر؟ ما هذه المعاناة؟ هل أيّ أحدٍ يفهم حقًّا؟ يقول بعض الناس إن الله يعاني كثيرًا، ومع أنه هو الله نفسه، فإن الناس لا يفهمون جوهره ويميلون إلى معاملته دائمًا باعتباره شخصًا، ممّا يجعله يشعر بالظلم والإساءة – يقولون إنه لهذه الأسباب معاناة الله هائلةٌ حقًّا. ويقول آخرون إن الله بريءٌ وبدون خطيّةٍ، لكنه يعاني بنفس الطريقة التي يعاني بها البشر، وأنه يعاني من الاضطهاد والافتراء والإذلال مع البشر؛ يقولون إنه يتحمّل أيضًا سوء فهم أتباعه وعصيانهم – وعليه يقولون إنه لا يمكن قياس معاناة الله حقًّا. الآن، يبدو أنكم لا تفهمون الله حقًّا. في الواقع، هذه المعاناة التي تتحدّثون عنها لا تعتبر معاناة حقيقيّة لله، لأنه توجد معاناة أكبر من ذلك. ما المعاناة الحقيقيّة لله نفسه إذًا؟ ما المعاناة الحقيقيّة لجسد الله المُتجسّد؟ يعتبر الله أن عدم فهم البشر له لا يُحسب معاناة، وكذلك سوء فهم الأشخاص له وعدم رؤيتهم إياه باعتباره الله لا يُحسب معاناة. ومع ذلك، يشعر الناس غالبًا أن الله لا بدّ وأنه عانى من ظلمٍ كبير، وأنه في أثناء الوقت الذي قضاه الله في الجسد، لا يمكن أن يُظهِر شخصه للبشر ويسمح للناس برؤية عظمته، وأن الله يحتجب بتواضع في جسدٍ عاديّ، وأن ذلك لا بدّ وأنه مصدر عذابٍ هائل له. يأخذ الناس على محمل الجدّ ما يمكنهم فهمه ورؤيته من معاناة الله، ويعرضون كلّ أنواع التعاطف على الله، وغالبًا يُقدّمون حتّى القليل من الثناء على معاناته. في الواقع، يوجد فرقٌ: توجد فجوةٌ بين ما يفهمه الناس من معاناة الله وما يشعر به الله حقًا. إني أقول لكم الحقيقة – فبالنسبة لله، بغضّ النظر عمّا إذا كان روح الله أو جسد الله المُتجسّد، فإن تلك المعاناة الموصوفة سابقًا ليست معاناة حقيقيّة. ما الذي يعاني منه الله إذًا؟ دعونا نتحدّث عن معاناة الله من منظور الله المُتجسّد فقط.

عندما يصير الله جسدًا فيتحول إلى شخص عادي وطبيعي يعيش بين البشر جنبًا إلى جنبٍ مع الناس، ألا يستطيع أن يرى ويشعر بطرق الناس وقوانينهم وفلسفاتهم في العيش؟ كيف تجعله طرق العيش وقوانينه هذه يشعر؟ هل يشعر بالمقت في قلبه؟ لماذا يشعر بالمقت؟ ما طرق البشر وقوانينهم في العيش؟ ما المبادئ التي ترتكز عليها؟ ما الذي تستند عليه؟ طرق البشر وقوانينهم، وما إلى ذلك، وعلاقتها بطريقة العيش – كلّها تنشأ بناءً على منطق الشيطان ومعرفته وفلسفته. فالبشر الذين يعيشون تحت هذه الأنواع من القوانين ليست لديهم إنسانيّة ولا حقيقة – إنهم جميعًا يتحدّون الحقيقة؛ ويعادون الله. إذا ألقينا نظرةً على جوهر الله، فإننا نرى أن جوهره هو العكس تمامًا من منطق الشيطان ومعرفته وفلسفته. جوهره مملوءٌ بالبرّ والحقّ والقداسة والحقائق الأخرى لجميع الأشياء الإيجابيّة. ما الذي يشعر به الله، الذي يملك هذا الجوهر ويعيش بين البشر؟ ما الذي يشعر به في قلبه؟ ألا يمتلئ بالألم؟ ألم لا يمكن لأيّ شخصٍ أن يفهمه أو يختبره. هذا بسبب أن كلّ ما يواجهه ويقابله ويسمعه ويراه ويختبره هو فساد البشر وشرّهم وتمرّدهم ومقاومتهم للحقّ. جميع ما يأتي من البشر هو مصدر معاناته. وهذا يعني أنه لأن جوهره ليس هو نفسه جوهر البشر الفاسدين، فإن فساد البشر يصبح مصدر معاناته الكبرى. عندما يصير الله جسدًا، هل يستطيع أن يجد من يتواصل معه بلغةٍ مشتركة؟ لا يمكن إيجاد مثل هذا الشخص بين البشر. لا يمكن إيجاد أيّ شخصٍ يمكنه التواصل أو يتحاور بمثل هذا الحوار مع الله – أيّ شعور يمكن أن يكون عند الله تجاه هذا بحسب وصفك؟ الأشياء التي يناقشها الناس والتي يحبّونها والتي يتطلّعون ويشتاقون إليها جميعها ترتبط بالخطيّة والميول الشريرة. عندما يواجه الله هذا كلّه، ألا يكون مثل سكينٍ في قلبه؟ في مواجهة هذه الأشياء، هل يمكن أن يشعر بالفرح في قلبه؟ هل يمكن أن يجد عزاءً؟ أولئك الذين يعيشون معه بشرٌ يمتلئون بالتمرّد والشرّ – فكيف لا يعاني قلبه؟ يا لشدّة هذه المعاناة حقًّا، ومَنَ يهتمّ بها؟ مَنَ يبالي؟ ومَنْ يقدر أن يُدرِكها؟ لا يملك الناس طريقة لفهم قلب الله. فمعاناته شيءٌ لا يستطيع الناس على نحوٍ خاص أن يُدرِكوها، وفتور البشر وفقدانهم للحسّ يعمقان معاناة الله أكثر.

يتعاطف بعض الناس مع محنة المسيح لأنه ترد آيةٌ في الكتاب المُقدّس تقول: "لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَللِطُيُورِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ". عندما يسمع الناس هذا، يأخذون الأمر على محمل الجدّ ويؤمنون أن هذه أشدّ معاناةٍ يحتملها الله وأشدّ معاناةٍ يحتملها المسيح. والآن، بالنظر إلى ذلك من منظور الحقائق، هل هذه هي الحقيقة؟ كلا، لا يعتقد الله أن هذه الصعوبات معاناة. لم يسبق له أن صرخ ضدّ الظلم بسبب صعوبات الجسد، ولم يجعل البشر يدفعون له أو يكافئونه بأيّ شيءٍ مطلقًا. ومع ذلك، عندما يشهد كلّ شيءٍ يخص البشر وحياتهم الفاسدة وشرّ البشر الفاسدون، وعندما يشهد أن البشر في قبضة الشيطان وأسرى لدى الشيطان ولا يمكنهم الإفلات، وأن الناس الذين يعيشون في الخطيّة لا يعرفون الحقّ، فإنه لا يستطيع تحمّل كل هذه الخطايا. فمقته للبشر يزداد يومًا بعد يومٍ، ولكن عليه أن يتحمّل هذا كلّه. هذه معاناة الله الكبرى. لا يستطيع الله التعبير تعبيرًا كاملاً حتّى عن صوت قلبه أو مشاعره بين أتباعه، ولا يمكن لأحدٍ من أتباعه أن يفهم حقًّا معاناته. لا أحد يحاول حتّى أن يفهم قلبه أو يُعزّيه – فقلبه يتحمّل هذه المعاناة يومًا بعد يومٍ وسنة بعد سنةٍ مرارًا وتكرارًا. ماذا ترون في هذا كلّه؟ لا يتطلّب الله أيّ شيءٍ من البشر مقابل ما أعطاه، ولكن بسبب جوهر الله فإنه لا يستطيع أن يتحمّل على الإطلاق شرّ البشر وفسادهم وخطيّتهم، ولكنه يشعر بالمقت والكراهية الشديدة، وهذا ما يجعل قلب الله وجسده يتحملّان معاناةً لا تنتهي. هل رأيتم هذا؟ على الأرجح، لا أحد منكم يمكنه أن يرى هذا، لأنه لا أحد منكم يمكنه أن يفهم الله حقًّا. بمرور الوقت ينبغي أن تختبروا ذلك تدريجيًّا بأنفسكم.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (3)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

يسوع يصنع المعجزات

1. يسوع يُطعم الخمسة آلافٍ (يوحنا 6: 8-13) "قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ: "هُنَا...