العظة على الجبل أمثال الرّبّ يسوع الوصايا
العظة على الجبل التطويبات (متى 5: 3-12) الملح والنور (متى 5: 13-16) الناموس (متى 5: 17-20) الغضب (متى 5: 21-26) الزنا (متى 5: 27-30)...
نرحّب بكل الساعين المشتاقين إلى ظهور الله!
(يوحنا 6: 8-13) "قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ: "هُنَا غُلَامٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلَكِنْ مَا هَذَا لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ؟". فَقَالَ يَسُوعُ: "ٱجْعَلُوا ٱلنَّاسَ يَتَّكِئُونَ". وَكَانَ فِي ٱلْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَٱتَّكَأَ ٱلرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلَافٍ. وَأَخَذَ يَسُوعُ ٱلْأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى ٱلتَّلَامِيذِ، وَٱلتَّلَامِيذُ أَعْطَوْا ٱلْمُتَّكِئِينَ. وَكَذَلِكَ مِنَ ٱلسَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا. فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: "ٱجْمَعُوا ٱلْكِسَرَ ٱلْفَاضِلَةَ لِكَيْ لَا يَضِيعَ شَيْءٌ". فَجَمَعُوا وَمَلَأُوا ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ ٱلْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ ٱلشَّعِيرِ، ٱلَّتِي فَضَلَتْ عَنِ ٱلْآكِلِينَ".
(يوحنا 11: 43-44) "وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ".
من بين المعجزات التي صنعها الرّبّ يسوع اخترنا هاتين المعجزتين فقط لأنهما كافيتان لإثبات ما أودّ أن أتحدّث عنه هنا. هاتان المعجزتان مذهلتان حقًا وتُمثّلان تمامًا المعجزات التي أجراها الرّبّ يسوع في عصر النعمة.
أوّلًا، دعونا نلقي نظرةً على المقطع الأوّل: يسوع يُطعم الخمسة آلافٍ.
ما فكرة "خمس خبزات وسمكتين"؟ في المعتاد، كم عدد الأشخاص الذين يمكن إطعامهم بشكل كاف بخمس خبزات وسمكتان؟ إذا قستم بناءً على شهيّة الشخص العاديّ، فسوف يكون ذلك كافيًا لشخصين فقط. هذه هي فكرة "خمس خبزات وسمكتين" في أساسها. ومع ذلك، في هذا المقطع، ما عدد الناس الذين أُطعموا بخمس خبزات وسمكتين؟ يُسجّل الكتاب المُقدّس ما يلي: "وَكَانَ فِي ٱلْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَٱتَّكَأَ ٱلرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلَافٍ". بالمقارنة مع خمس خبزات وسمكتين، هل خمسة آلافٍ من الناس عددٌ كبير؟ ما الذي يشير له أن هذا العدد كبيرٌ جدًّا؟ من منظورٍ بشريّ، سوف يكون من المستحيل تقسيم خمس خبزات وسمكتين على خمسة آلاف شخصٍ، لأن الفرق بين عدد الناس وبين الطعام كبير للغاية. وحتّى لو أخذ كلّ شخصٍ قضمةً صغيرة فقط، فإنه لا يزال غير كافٍ لخمسة آلاف شخصٍ. ولكن الرّبّ يسوع صنع معجزةً هنا – فهو لم يكتفِ بأن تيقن من أن خمسة آلاف شخصٍ يأكلوا ويشبعوا وحسب، ولكن فضل عنهم الطعام أيضًا. يقول الكتاب المُقدّس: "فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: "ٱجْمَعُوا ٱلْكِسَرَ ٱلْفَاضِلَةَ لِكَيْ لَا يَضِيعَ شَيْءٌ". فَجَمَعُوا وَمَلَأُوا ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ ٱلْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ ٱلشَّعِيرِ، ٱلَّتِي فَضَلَتْ عَنِ ٱلْآكِلِينَ". مكنت هذه المعجزة الناس من رؤية هويّة الرّبّ يسوع ومكانته، وبأن يروا أنه لا شيء يستحيل على الله – لقد رأوا بهذه الطريقة حقيقة قدرة الله الكليّة. كانت خمسة أرغفةٍ وسمكتان كافية لإطعام خمسة آلافٍ، ولكن إذا لم يوجد أيّ طعام، فهل كان بإمكان الله إطعام خمسة آلاف شخصٍ؟ بالطبع كان بإمكانه! كانت هذه معجزةٌ، ولذلك شعر الناس حتمًا بأن هذا كان أمرًا غير مفهومٍ، ولا يُصدّق وغامض، ولكن عمل مثل هذا الشيء بالنسبة إلى الله كان في منتهى البساطة. وبما أن هذا كان شيئًا عاديًّا في نظر الله، فلماذا يُفرد الآن للتفسير؟ لأن ما يكمن وراء هذه المعجزة مشيئة الرّبّ يسوع التي لم ترها البشريّة مطلقًا من قبل.
لنحاول أوّلاً فهم نوعيّة الناس الذين شكّلوا هؤلاء الخمسة آلافٍ. هل كانوا أتباعًا للرّبّ يسوع؟ نعرف من الكتاب المُقدّس أنهم لم يكونوا أتباعًا له. هل عرفوا مَنْ هو الرّبّ يسوع؟ كلا بالتأكيد! فعلى أقلّ تقديرٍ، لم يعرفوا أن الشخص الواقف أمامهم هو المسيح، أو ربّما عرف بعض الناس مُجرّد اسمه وعرفوا أو سمعوا شيئًا ما عن الأشياء التي قد صنعها. كان يتملّكهم الفضول حول الرّبّ يسوع عندما سمعوا عنه القصص، ولكن لا يمكنكم بالتأكيد القول بأنهم تبعوه، فضلاً عن أنهم لم يكونوا يفهمونه. عندما رأى الرّبّ يسوع الخمسة آلاف شخصٍ هؤلاء، كانوا جائعين ولم يُفكّروا سوى في ملء بطونهم، ولذلك كانت تلبية الرّبّ يسوع لرغباتهم في هذا السياق. عندما لبى رغباتهم، ماذا كان في قلبه؟ ماذا كان موقفه تجاه هؤلاء الناس الذين لم يريدوا سوى إشباع جوعهم؟ في هذا الوقت، كانت أفكار الرّبّ يسوع وموقفه يرتبطان بشخصيّة الله وجوهره. في مواجهة هؤلاء الخمسة آلافٍ من الناس الذين كانت بطونهم فارغة ولم يريدوا سوى تناول وجبة كاملة، وفي مواجهة هؤلاء الناس الذين تملّكهم الفضول والأمل عنه، لم يُفكّر الرّبّ يسوع سوى باستخدام هذه المعجزة لمنحهم نعمة. ومع ذلك، لم يرفع من سقف آماله في أن يصبحوا أتباعه، لأنه عرف أنهم أرادوا المرح والأكل حتى الشبع فحسب، ولذلك صنع أفضل ما كان لديه واستخدم خمسة أرغفةٍ من الخبز وسمكتين لإطعام خمسة آلاف شخصٍ. فتح أعين هؤلاء الناس الذين استمتعوا برؤية أشياء مثيرة، وأرادوا رؤية المعجزات ورأوا بأعينهم الأشياء التي كان يمكن أن يُتمّمها الله المُتجسّد. مع أن الرّبّ يسوع استخدم شيئًا ملموسًا لإرضاء فضولهم، إلّا أنه كان يعرف بالفعل في قلبه أن هؤلاء الخمسة آلاف شخصٍ لا يريدون سوى تناول وجبة جيّدة، ولذلك لم يعظهم أو يقل أيّ شيءٍ على الإطلاق – فقد سمح لهم فقط بأن يروا هذه المعجزة كما حدثت. لم يقدر أن يعامل هؤلاء الناس مطلقًا كما تعامل مع تلاميذه الذين اتّبعوه حقًّا، ولكن في قلب الله، جميع المخلوقات تحت حكمه، وكان يسمح لجميع المخلوقات في عينيه بالاستمتاع بنعمة الله عند الضرورة. مع أن هؤلاء الناس لم يعرفوا من كان ولم يفهموه ولم يكن لديهم أيّ انطباعٍ خاص عنه أو تقديرٍ له حتّى بعد أن أكلوا الأرغفة والسمكتين، إلّا إن الله لم يعترض على هذا – فقد منح هؤلاء الناس فرصةً رائعة للاستمتاع بنعمة الله. يقول بعض الناس إن الله يتبع المبادئ فيما يعمله وأنه لا يراقب أو يحمي ضعيفي الإيمان ولا يسمح لهم على الأخصّ بالاستمتاع بنعمته. هل هذا هو الحال فعلًا؟ يعتبر الله أنه طالما أنهم كائنات حيّة خلقها، فسوف يدبرهم ويهتمّ بهم؛ وسوف يعاملهم ويُخطّط لهم ويحكمهم بطرقٍ مختلفة. هذه هي أفكار الله وموقفه تجاه جميع الأشياء.
مع أن الخمسة آلاف شخصٍ الذين أكلوا الخبزات والسمكتين لم يُخطّطوا لاتّباع الرّبّ يسوع، إلّا أنه لم يطلب منهم مطالب قاسية؛ فعندما أكلوا وشبعوا، هل تعرفون ما فعله الرّبّ يسوع؟ هل وعظهم على الإطلاقٍ؟ أين ذهب بعد أن عمل ذلك؟ لا يُسجّل الكتاب المُقدّس أن الرّبّ يسوع قال لهم أيّ شيءٍ، فقط أنه غادر بهدوءٍ عندما أكمل معجزته. هل طالب هؤلاء الناس بأيّ شيءٍ إذًا؟ هل كانت توجد أيّة كراهيةٍ؟ كلا، لم يوجد أيٌّ من هذه. لم يعد يريد أن يعير هؤلاء الناس الذين لم يتمكّنوا من اتّباعه اهتمامًا، وفي هذا الوقت كان قلبه يعاني من الألم. فلأنه رأى فساد البشر وشعر برفض البشر له، وعندما رأى هؤلاء الناس أو عندما كان معهم، جعلته بلادة البشر وجهلهم حزينًا وتألم قلبه، ولم يرد سوى أن يغادر هؤلاء الناس في أسرع وقتٍ ممكن. لم تكن لدى الرّبّ في قلبه أيّة متطلّباتٍ منهم، ولم يرد أن يعيرهم أي اهتمامٍ، ولم يرد خصيصًا أن ينفق طاقته عليهم، وبالأكثر لم يرد أن يهدر طاقته عليهم. كان يعلم أنه لا يمكنهم اتّباعه، ومع هذا كلّه، كان موقفه تجاههم واضحًا جدًّا. أراد أن يعاملهم بلطفٍ وأن يسبغ عليهم بالنعمة، وقد كان هذا موقف الله من كلّ مخلوقٍ تحت حكمه – أن يعامل كلّ مخلوقٍ بلطفٍ ويعوله ويُغذّيه. وبسبب أن الرّبّ يسوع كان الله المُتجسّد، فقد كشف بطريقة طبيعيّة عن جوهر الله نفسه وتعامل مع هؤلاء الناس بلطفٍ. تعامل معهم بقلب الرحمة والتسامح. وبمثل هذا القلب أظهر لهم اللطف. وبغضّ النظر عن نظرة هؤلاء الناس للرّبّ يسوع، وبغضّ النظر عن العاقبة المُتوقّعة، فإنه عامل كلّ مخلوقٍ على أساس هويته كرّبّ الخليقة كلّها. وقد كان كل ما كشفه، بدون استثناءٍ، شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو. صنع الرّبّ يسوع هذا الشيء بهدوءٍ ثم غادر بهدوءٍ – فأيّ جانبٍ من جوانب شخصيّة الله هذا؟ هل يمكنكم القول بأنه إحسان الله؟ هل يمكنكم القول إن هذا عدم أنانيّة الله؟ هل هذا شيء يمكن لشخصٍ عاديّ أن يفعله؟ كلا بالطبع! في الأساس، مَنْ كان هؤلاء الخمسة آلاف شخصٍ الذين أشبعهم الرّبّ يسوع بخمسة أرغفةٍ وسمكتين؟ هل يمكنكم القول إنهم كانوا متوافقين معه؟ هل يمكنكم القول إنهم كانوا جميعًا معادين لله؟ يمكن القول بكلّ تأكيدٍ إنهم لم يكونوا متوافقين مع الرّبّ، وإن جوهرهم كان معاديًا تمامًا لله. ولكن كيف تعامل معهم الله؟ استخدم طريقةً لنزع فتيل عداء الناس تجاه الله – وهذه الطريقة تُسمّى "اللطف". وهذا يعني أنه مع أن الرّبّ يسوع رأى هؤلاء الناس خطاة، إلّا أنهم في نظر الله كانوا خليقته، ولذلك كان لا يزال يعامل هؤلاء الخطاة بلطفٍ. هذا هو تسامح الله، وهذا التسامح تُحدّده هويّة الله وجوهره. ولذلك، فإن هذا شيء لا يقدر أيّ إنسانٍ خلقه الله أن يفعله – ولا يمكن سوى لله أن يفعله.
عندما يمكنك أن تفهم حقًا أفكار الله وموقفه تجاه البشر، وعندما يمكنك أن تفهم حقًا مشاعر الله واهتمامه تجاه كلّ كائن في الخليقة، سوف يمكنك أن تفهم التفاني والحبّ الموجّهين إلى كلّ واحدٍ من الأشخاص الذين خلقهم الخالق. وعندما يحدث هذا، سوف تستخدم كلمتين لوصف محبّة الله. ما هاتان الكلمتان؟ بعض الناس يقولون "مُضحّية"، وبعض الناس يقولون "خيريّة". من هاتين الكلمتين تُعدّ كلمة "خيريّة" الأقلّ ملائمة لوصف محبّة الله. هذه كلمةٌ يستخدمها الناس لوصف الشخص الكريم أو واسع الأفق. إنني أبغض هذه الكلمة، لأنها تشير إلى توزيع الصدقة عشوائيًّا، ودون تمييزٍ، دون اعتبار للمبادئ. إنه تعبيرٌ عاطفيّ مفرط، وهو معتاد للأشخاص الحمقى والمرتبكين. عندما تُستخدم هذه الكلمة لوصف محبّة الله، هناك حتمًا دلالة ضمنية على التجديف. لديَّ كلمتان أكثر ملائمة لوصف محبّة الله. ما هما؟ الكلمة الأولى "شاسعة". أليست هذه الكلمة مُعبّرة جدًّا؟ والكلمة الثانية "واسعة". هناك معنى حقيقيّ وراء هاتين الكلمتين اللتين أستخدمهما لوصف محبّة الله. بحسب الاستخدام الحرفيّ، فإن كلمة "شاسعة" تصف حجم الشيء أو سعته، ولكن بغض الظر عن ضخامة هذا الشيء – فهو شيءٌ يمكن أن يلمسه الناس ويروه. يعود السبب في هذا إلى أنه موجودٌ – إنه ليس كائنًا مُجرّدًا، ولكنه شيء يمكنه أن يعطي الناس أفكارًا دقيقة وعملية بدرجةٍ نسبيّة. لا يهمٌ ما إذا كنت تنظر إليه من زاويةٍ ثنائية أو ثلاثيّة الأبعاد؛ لست بحاجةٍ لتخيّل وجوده لأنه شيءٌ موجود بشكل واقعي. ومع أن استخدام كلمة "شاسعة" لوصف محبّة الله يمكن أن يبدو وكأنه محاولة لتحديد مقدار محبّته، إلّا أنه يوحي أيضًا بأن محبّته غير قابلةٍ للقياس. أقول إن محبّة الله يمكن تحديد مقدارها لأن محبّته ليست خاوية، ولا تنبع من أيّة أسطورةٍ. ولكنها بدلاً من ذلك شيءٌ تشارك فيه جميع الأشياء تحت حكم الله، وهي شيءٌ تتمتّع به جميع المخلوقات بدرجاتٍ متفاوتة ومن وجهات نظرٍ مختلفة. على الرغم من أن الناس لا يستطيعون رؤيتها أو لمسها، إلّا إن هذه المحبّة تجلب العيش والحياة لجميع الأشياء بقدر ما تنكشف شيئًا فشيئًا في حياتهم، كما تتزايد وتشهد على محبّة الله التي يتمتّعون بها في كلّ لحظةٍ. أقول إن محبّة الله غير قابلةٍ للقياس لأن سرّ الله الذي يعيل ويُغذّي جميع الأشياء شيءٌ يصعب على البشر فهمه، وكذلك أفكار الله لجميع الأشياء، وخصوصًا أفكاره للبشر. وهذا يعني أن أحدًا لا يعرف مقدار الدم والدموع الذي سكبها الخالق من أجل البشر. لا أحد يستطيع أن يستوعب، ولا أحد يستطيع أن يفهم عمق أو وزن المحبّة التي يكنها الخالق للبشر الذين خلقهم بيديه. يهدف وصف محبّة الله بأنها شاسعة لمساعدة الناس على استيعاب وفهم اتّساعها وحقيقة وجودها. كما يهدف لمساعدة الناس على فهم المعنى الحقيقيّ لكلمة "الخالق" فهمًا أعمق، ومساعدة الناس على أن يكتسبوا فهمًا أعمق للمعنى الحقيقيّ لتسمية "الخلق". ما الذي تصفه عادةً كلمة "واسعة"؟ إنها تُستخدم بوجه عام لوصف المحيط أو الكون، مثل: "الكون الواسع" أو "المحيط الواسع". إن اتّساع الكون وعمقه الهادئ أبعد من الفهم البشريّ؛ أنه شيءٌ يأسر تصوّرات الإنسان، ويشعر نحوه بالإعجاب الشديد. فغموض الكون وعمقه موجودان على مدى الرؤية ولكنهما بعيدا المنال. عندما تُفكّر في المحيط، فأنت تُفكّر في عرضه إذ يبدو بلا حدودٍ، ويمكنك أن تشعر بغموضه وقدرته الهائلة على حمل الأشياء. ولهذا السبب استخدمتُ كلمة "واسعة" لوصف محبّة الله، لمساعدة الناس على الشعور بمدى القيمة النفيسة للشعور بعمق جمال محبة الله، وبأن قوّة محبّة الله غير محدودةٍ وشاملة. استخدمت هذه الكلمة لمساعدة الناس على الشعور بقداسة محبّته وكرامة الله وعدم قابليّته للإساءة كما ينكشف من محبّته. هل تعتقدون الآن أن كلمة "واسعة" كلمةً ملائمة لوصف محبّة الله؟ هل يمكن لمحبّة الله أن ترقى إلى هاتين الكلمتين: "شاسعة" و"واسعة"؟ بالطبع! في اللغة البشريّة، هاتان الكلمتان فقط ملائمتان نوعًا ما وقريبتان نسبيًّا من وصف محبّة الله. ألا تعتقدون ذلك؟ إذا طلبت منكم وصف محبّة الله، فهل ستستخدمون هاتين الكلمتين؟ على الأرجح أنكم لن تفعلوا ذلك لأن فهمكم وإدراككم لمحبّة الله يقتصر على منظورٍ ثنائي البعد ولم يسمُ إلى علوّ الفضاء الثلاثيّ الأبعاد. ولذلك إذا طلبت منكم وصف محبّة الله، فسوف تشعرون أنكم تفتقرون إلى الكلمات أو ربما تكونون حتّى عاجزين عن الكلام. قد يكون من الصعب عليكم فهم الكلمتين اللتين تحدّثت عنهما اليوم، أو ربّما لا توافقون ببساطةٍ. لا يشير هذا سوى إلى أن تقديركم وفهمكم لمحبّة الله سطحيّان وقاصران على نطاقٍ ضيّق. قلت سابقًا إن الله غير أنانيّ؛ وأنتم تتذكّرون كلمة "غير أنانيّ". هل يمكن ألا توصف محبّة الله سوى أنها غير أنانيّةٍ؟ أليس هذا نطاقًا ضيّقًا للغاية؟ يجب عليكم التأمّل في هذه المسألة أكثر من أجل اكتساب شيءٍ منها.
ما ورد أعلاه هو ما رأيناه من شخصيّة الله وجوهره من المعجزة الأولى. ومع أنها قصةٌ ظل الناس يقرأونها منذ عدّة آلافٍ من السنين، إلّا أن لها حبكة بسيطة، وتسمح للناس برؤية ظاهرة بسيطة، ولكن في هذه الحبكة البسيطة يمكننا أن نرى شيئًا أكثر قيمة، وهو شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو. وهذه الأشياء التي تُمثّل ما لديه ومَنْ هو تُمثّل الله نفسه، وهي تعبيرٌ عن أفكار الله الخاصة. عندما يُعبّر الله عن أفكاره، فهو تعبيرٌ عن صوت قلبه. إنه يأمل أن يكون هناك أناسٌ يمكنهم أن يفهموه ويعرفوه ويفهموا مشيئته، ويمكنهم سماع صوت قلبه وسوف يتمكّنوا من التعاون النشط لإرضاء مشيئته. وهذه الأشياء التي فعلها الرّبّ يسوع كانت تعبيرًا صامتًا عن الله.
دعونا بعد ذلك ننظر إلى المقطع التالي: قيامة لعازر تُمجّد الله.
ما انطباعاتكم بعد قراءة هذا المقطع؟ كانت أهميّة هذه المعجزة التي صنعها الرّبّ يسوع أكبر بكثيرٍ من السابقة، لأنه لا توجد معجزةٌ أكثر مدعاة للإعجاب من إقامة رجلٍ ميت من القبر. في ذلك العصر، كان من الأهمية بمكان أن يصنع الرب يسوع شيئًا كهذا. فلأن الله صار جسدًا، لم يكن بوسع الناس سوى أن يروا ظهوره بالجسد وجانبه العمليّ وجانبه الذي لا يُمثّل أهميّة. وحتّى إذا كان بعض الناس قد رأوا جانبًا من شخصيّته أو بعض نقاط قوّته التي كان يبدو أنه يملكها وفهموها، لم يكن أحدٌ يعرف من أين جاء الرّبّ يسوع ومن كان حقًا في جوهره وما الأشياء الأخرى التي كان يمكنه أن يفعلها. كان هذا كلّه غير معروفٍ للبشر. وقد طلب أناسٌ كثيرون جدًّا دليلاً للإجابة عن هذه الأسئلة عن الرب يسوع، ومعرفة الحقيقة. هل يمكن أن يصنع الله شيئًا لإثبات هويّته؟ كان هذا الأمر في نظر الله في منتهى السهولة. كان بإمكانه أن يصنع شيئًا في أيّ مكانٍ وفي أيّ وقتٍ لإثبات هويّته وجوهره، ولكن الله كان يصنع الأشياء بطريقته – بخطّةٍ وبخطواتٍ. لم يكن يصنع الأشياء دون تمييزٍ؛ ولكنه كان يبحث عن الوقت المناسب والفرصة المناسبة لصنع شيءٍ يسمح للبشر برؤيته، شيء له معنى حقيقي. وهكذا أثبت سلطانه وهويّته. هل استطاعت قيامة لعازر إثبات هويّة الرّبّ يسوع إذًا؟ دعونا ننظر إلى المقطع التالي من الكتاب المُقدّس: "وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ...". عندما عمل الرّبّ يسوع هذا، لم يقل سوى شيئًا واحدًا: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فخرج لعازر من قبره – وقد تحقّق ذلك بسبب بضع كلمات نطق بها الرّبّ. خلال هذا الوقت، لم يبنِ الرّبّ يسوع مذبحًا، ولم يصنع أيّة أعمالٍ أخرى. لم يقل سوى شيئًا واحدًا. هل يمكن تسمية ذلك بمعجزةٍ أم بأمرٍ؟ أم هل كان نوعًا من السحر؟ يبدو من الناحية الظاهريّة أنه يمكن تسميته معجزة. ولكن بالطبع لا يزال بإمكانكم تسميته بأنه معجزةٌ. ومع ذلك، من المُؤكّد أنه لا يمكن تسميته سحرًا من النوع الذي من المفترض أن يستدعي روحٍ من بين الأموات، وبالطبع ليس شعوذة من أي نوع. من الصواب القول بأن هذه المعجزة كانت الإظهار الأدنى والأكثر طبيعيّة لسلطان الخالق. هذا هو سلطان الله وقدرته. فالله يملك السلطان بأن يجعل المرء يموت ويجعل روحه تفارق جسده وتعود إلى الهاوية، أو إلى المكان الذي يجب أن تذهب إليه. يُقرّر الله الوقت الذي يموت فيه شخصٌ ما والمكان الذي يذهب إليه بعد الموت. يمكنه أن يتخذ هذه القرارات في أيّ وقتٍ وفي أيّ مكانٍ، غير مقيَّدٍ من البشر أو الأحداث أو الكائنات أو الفضاء أو المكان. إذا أراد أن يفعل ذلك فيمكنه فعله لأن جميع الأشياء والكائنات الحيّة تحت حكمه، وجميع الأشياء تولد وتعيش وتهلك بكلمته وبسلطانه. يمكنه إقامة رجلٍ ميت، وهذا أيضًا شيءٌ يمكنه أن يفعله في أيّ زمانٍ ومكانٍ. هذا هو السلطان الذي لا يملكه سوى الخالق.
عندما فعل الرّبّ يسوع شيئًا مثل إقامة لعازر من الموت، كان هدفه هو أن يُقدّم دليلاً يراه البشر والشيطان وأن يدع البشر والشيطان يعرفون أن كلّ شيءٍ يرتبط بالبشر، أي حياة البشر وموتهم، يُقرّره الله، وأنه على الرغم من أنه صار جسدًا، إلّا أنه لا يزال يحكم العالم الماديّ الذي يمكن رؤيته بالإضافة إلى العالم الروحيّ الذي لا يستطيع البشر رؤيته. كان الهدف من هذا السماح للبشر والشيطان بأن يعرفوا أن الشيطان لا يحكم كلّ ما يخص البشرية. كان هذا كشفًا وإظهارًا لسلطان الله، وكان أيضًا وسيلةً يرسل بها الله رسالة إلى جميع الأشياء، بأن حياة البشر وموتهم بيد الله. كانت طريقة إقامة الرّبّ يسوع للعازر إحدى الطرق التي يُعلّم بها الله البشريّة ويُوجّهها. كان عملاً ملموسًا استخدم فيه قوته وسلطانه لتوجيه البشريّة وإعالتها. كانت طريقةً بدون استخدام كلمات سمح بها الخالق للبشر برؤية حقيقة أنه يسود على جميع الأشياء. وكانت طريقةً يخبر بها البشريّة من خلال أفعالٍ عمليّة أنه لا يوجد خلاصٌ إلّا من خلاله. هذه الطريقة الصامتة التي استخدمها لتوجيهه البشريّة تدوم إلى الأبد، ولا تُمحى، وقد أحدثت صدمة وتنويرًا في قلوب البشر لا يمكن أن يتلاشى أبدًا. قيامة لعازر مجدّت الله – وهذا له تأثيرٌ عميق على كلّ واحدٍ من أتباع الله. إنه يثبت بقوّةٍ في كلّ شخصٍ يفهم هذا الحدث بحسب الفهم والرؤية بأن الله وحده هو من يحكم حياة البشر وموتهم. مع أن الله يملك هذا النوع من السلطان، ومع أنه أرسل رسالةً حول سيادته على حياة البشر وموتهم من خلال قيامة لعازر، إلّا إن هذا لم يكن عمله الأساسيّ. فالله لا يفعل شيئًا بدون معنى. كلّ شيءٍ يفعله له قيمةٌ كبيرة، وهو جوهرة فائقة القيمة في مستودع للكنوز. لن يجعل بالتأكيد "مسألة جعل شخصٍ يخرج من قبره" الهدف الأساسيّ أو الهدف أو البند الوحيد في عمله. لا يفعل الله أيّ شيءٍ بدون معنى. قيامةٌ لعازر كحدث وحيد كافيةٌ لإظهار سلطان الله، وإثبات هويّة الرّبّ يسوع. ولهذا السبب لم يُكرّر الرّبّ يسوع هذا النوع من المعجزات. يصنع الله الأشياء وفقًا لمبادئه الخاصة. وبلغة البشر، يمكن القول بأن الله لا يشغل عقله سوى بالأمور الجادة. وهذا يعني أنه عندما يصنع الله الأشياء، فإنه لا ينحرف عن هدف عمله. إنه يعرف العمل الذي يريد أن يُحقّقه في هذه المرحلة، وما يريد أن ينجزه، وسوف يعمل بدقّةٍ وفقًا لخطّته. إذا كان شخصٌ فاسد يملك هذا النوع من القدرة، فسوف يُفكّر في طرقٍ للكشف عن قدرته حتّى يعرف الآخرون مدى قدرته حتّى ينحنون أمامه وحتّى يتمكّن من السيطرة عليهم وابتلاعهم. هذا هو الشرّ الذي يأتي من الشيطان – وهو ما يُسمّى بالفساد. ليس لدى الله مثل هذه الشخصيّة وليس لديه مثل هذا الجوهر. إن هدفه من صنع الأشياء ليس إظهار نفسه بل تزويد البشريّة بالمزيد من الوحي والإرشاد، ولهذا السبب يرى الناس أمثلةً قليلة جدًّا في الكتاب المُقدّس من هذا النوع من الأحداث. ليس المقصود بهذا أن قوى الرّبّ يسوع كانت محدودة، أو أنه كان غير قادر على هذه الأشياء. ولكنه يعني ببساطةٍ أن الله لم يرد أن يفعله، لأن إقامة الرّبّ يسوع للعازر كانت لها أهميّةٌ عمليّة كبيرة، وأيضًا لأن العمل الأساسيّ بصيرورة الله جسدًا لم يكن إقامة الناس من الموت، لكنه كان عمل الفداء للبشريّة. ولذلك، فإن مقدارًا كبيرًا من العمل الذي أكمله الرّبّ يسوع كان تعليم الناس وتدبيرهم ومساعدتهم، والأحداث مثل إقامة لعازر فكانت مُجرّد جزء صغير من الخدمة التي أتمّها الرّبّ يسوع. والأكثر من ذلك، يمكنكم القول بأن "الاستعراض" ليس جزءًا من جوهر الله، ومن ثمّ لم يكن الرب يسوع يمارس ضبط النفس عمدًا من خلال عدم إظهار المزيد من المعجزات، ولم يكن بسبب القيود البيئيّة، ولم يكن بالتأكيد بسبب نقص القدرة.
عندما أقام الرّبّ يسوع لعازر من الموت استخدم هذه الكلمات القليلة: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". لم يقل شيئًا غير هذا. إذن، ماذا تظهر هذه الكلمات؟ إنها تظهر أن الله يمكنه إنجاز أيّ شيءٍ بالتحدّث، بما في ذلك إقامة رجلٍ ميت. عندما خلق الله جميع الأشياء، عندما خلق العالم، فإنه صنع ذلك بالكلمات: أوامر منطوقة، وكلمات تحمل السلطان، وهكذا خُلقت كل الأشياء وعليه تحققت. هذه الكلمات القليلة التي تكلّم بها الرّبّ يسوع كانت مثل الكلمات التي تكلّم بها الله عندما خلق السماوات والأرض وجميع الأشياء؛ فهي بالشكل ذاته كانت تحمل سلطان الله وقدرة الخالق. تشكّلت جميع الأشياء وثبتت بسبب الكلمات الخارجة من فم الله، وبالطريقة نفسها، خرج لعازر من قبره بسبب الكلمات من فم الرّبّ يسوع. كان هذا سلطان الله، الظاهر والمُدرَك في جسده المُتجسّد. وكان هذا النوع من السلطان والقدرة يخصّ الخالق ويخصّ ابن الإنسان الذي أُدْرِكَ فيه الخالق. هذا هو الفهم الذي علّمه الله للبشر بإقامة لعازر من الموت. سننهي الآن مناقشتنا لهذا الموضوع.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (3)
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.
العظة على الجبل التطويبات (متى 5: 3-12) الملح والنور (متى 5: 13-16) الناموس (متى 5: 17-20) الغضب (متى 5: 21-26) الزنا (متى 5: 27-30)...
(متى 18: 12-14) "مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لِإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلَا يَتْرُكُ ٱلتِّسْعَةَ...
يسوع يأكل خبزًا ويشرح الكتب بعد قيامته (لوقا 24: 30-32) "فَلَمَّا ٱتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا،...
دعونا بعد ذلك نلقي نظرةً على الجملة الأخيرة في هذا المقطع: "فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضًا". هل يوجد جانبٌ عمليّ...