كلمات يسوع لتلاميذه بعد قيامته

2019 أبريل 16

(يوحنا 20: 26-29) "وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلَامِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلًا وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَٱلْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسْطِ وَقَالَ: "سَلَامٌ لَكُمْ!". ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: "هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا". أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: "رَبِّي وَإِلَهِي!". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا".

(يوحنا 21: 16-17) "قَالَ لَهُ أَيْضًا ثَانِيَةً: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". قَالَ لَهُ: "نَعَمْ يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ: "ٱرْعَ غَنَمِي". قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". فَحَزِنَ بُطْرُسُ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: "يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "ٱرْعَ غَنَمِي".

تروي هذه المقاطع أشياء معينة فعلها الرّبّ يسوع وقالها لتلاميذه بعد قيامته. أوّلاً، دعونا نلقي نظرةً على أيّة اختلافاتٍ قد تكون في الرّبّ يسوع قبل القيامة وبعدها. هل كان لا يزال الرّبّ يسوع هو نفسه الذي كان في الأيّام الماضية؟ يحتوي الكتاب المُقدّس على السطر التالي الذي يصف الرّبّ يسوع بعد القيامة: "فَجَاءَ يَسُوعُ وَٱلْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسْطِ وَقَالَ: "سَلَامٌ لَكُمْ!". من الواضح جدًّا أن الرّبّ يسوع في ذلك الوقت لم يعد يلبس جسدًا، بل أصبح الآن جسدًا روحانيًّا. وكان السبب في ذلك هو أنه تجاوز حدود الجسد، وبرغم أن الباب كان مغلقًا، كان لا يزال بإمكانه أن يأتي إلى وسط الناس ويسمح لهم برؤيته. وهذا هو الاختلاف الأكبر بين الرّبّ يسوع بعد القيامة والرّبّ يسوع المسيح الذي كان يعيش في الجسد قبل القيامة. على الرغم من عدم وجود اختلافٍ بين مظهر الجسد الروحانيّ في تلك اللحظة ومظهر الرّبّ يسوع قبل ذلك، فقد أصبح الرب يسوع في تلك اللحظة يبدو غريبًا للناس، لأنه أصبح جسدًا روحانيًّا بعد قيامته من بين الأموات، وبالمقارنة بجسده السابق، كان هذا الجسد الروحانيّ أكثر تحييرًا وإرباكًا للناس. كما تسبّب في اتساع المسافةٍ بين الرّبّ يسوع والناس، وشعر الناس في قلوبهم أن الرّبّ يسوع في تلك اللحظة أصبح أكثر غموضًا. وهذه المفاهيم والمشاعر لدى الناس أعادتهم فجأةً إلى عصر الإيمان بالله الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه. ولذلك، فإن أوّل شيءٍ فعله الرّبّ يسوع بعد قيامته هو سماحه للجميع برؤيته والتأكيد على وجوده والتأكيد على حقيقة قيامته. بالإضافة إلى ذلك، أعاد هذا العمل علاقته بالناس إلى ما كانت عليه عندما كان يعمل في الجسد، حين كان المسيح الذي استطاعوا رؤيته ولمسه. إحدى النتائج هي أن الناس لم يكن لديهم أدنى شكٍّ في أن الرّبّ يسوع قام من الموت بعد أن سُمّر على الصليب، ولم يكن لديهم شكٌّ كذلك في عمل الرّبّ يسوع لفداء البشريّة. والنتيجة الثانية هي أن حقيقة ظهور الرّبّ يسوع للناس بعد قيامته والسماح للناس برؤيته ولمسه أمنّت البشريّة تأمينًا قوّيًا في عصر النعمة، مما يضمن أنه من هذا الوقت فصاعدًا، لن يستطيع الناس العودة إلى العصر السابق، عصر الناموس، بناء على القاعدة المزعومة بـ"اختفاء" الرّبّ يسوع أو "مغادرته دون كلمة". وبالتالي تيقن من أن يواصلوا إلى الأمام تابعين تعاليم الرّبّ يسوع والعمل الذي أتمّه. وهكذا، فُتِحتْ رسميًا مرحلةٌ جديدة من العمل في عصر النعمة، ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا، الناس الذين كانوا تحت الناموس خرجوا رسميًّا من الناموس منذ ذلك الحين ودخلوا في عهدٍ جديد ببدايةٍ جديدة. هذه هي المعاني المُتعدّدة لظهور الرّبّ يسوع للبشر بعد القيامة.

بما أن الرب يسوع كان يلبس الآن جسدًا روحانيًّا، كيف كان يمكن أن يلمسه الناس ويروه؟ يتعلّق هذا السؤال بأهميّة ظهور الرّبّ يسوع للبشر. هل لاحظتم أيّ شيءٍ في المقاطع الكتابية التي قرأناها توًا؟ عمومًا، لا يمكن رؤية الأجساد الروحيّة أو لمسها، وبعد القيامة، كان العمل الذي اضطلع به الرّبّ يسوع قد اكتمل بالفعل. ولذلك، من الناحية النظريّة، لم يكن بحاجةٍ على الإطلاق للعودة إلى وسط الناس في صورته الأصليّة كي يلتقي بهم، ولكن ظهور الرّبّ يسوع بجسده الروحانيّ لأشخاصٍ مثل توما جعل أهميّة ظهوره أكثر واقعيّة، بحيث اخترق قلوب الناس بعمقٍ أكبر. عندما جاء إلى توما الشكّاك سمح له بأن يلمس يده، وقال له: "وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا". لم تكن هذه الكلمات وهذه الأعمال أشياءً أراد الرّبّ يسوع أن يقولها ويفعلها فقط بعد أن قام من الموت، لكنها كانت في الواقع أشياء أراد أن يقولها ويفعلها قبل أن يُسمّر على الصليب، لأن شكوك توما لم تبدأ حينها فقط، ولكنها كانت تساوره طوال الوقت لذي كان يتبع فيه الرب يسوع. من الواضح أن الرّبّ يسوع قبل أن يُسمّر على الصليب كان يفهم بالفعل أشخاصًا مثل توما. فما الذي يمكننا رؤيته من هذا إذًا؟ كان لا يزال الرّبّ يسوع نفسه بعد قيامته. لم يتغيّر جوهره. ولكنه كان الرّبّ يسوع الذي قام من الموت وعاد من العالم الروحيّ بصورته الأصليّة وبشخصيّته الأصليّة وفهمه للبشريّة من وقت وجوده في الجسد، ولذلك ذهب إلى توما أوّلاً وسمح له بأن يلمس جنبه ويسمح له ليس فقط بأن يرى جسده الروحانيّ بعد القيامة، بل بأن يجعل توما يلمس ويشعر بموضع جسده الروحانيّ، وبأن يُودّع شكوكه تمامًا. قبل أن يُسمّر الرّبّ يسوع على الصليب، كان توما يشكّ دائمًا في أنه المسيح، ولم يكن قادرًا على تصديق الأمر. لم يكن إيمانه بالله مُؤسّسًا سوى على ما يمكن أن يراه بعينيه وما يمكن أن يلمسه بيديه. كان الرّبّ يسوع يفهم جيّدًا إيمان مثل هؤلاء الأشخاص. كانوا لا يؤمنون سوى بالله في السماء ولا يؤمنون على الإطلاق أو يقبلون ذاك الذي أرسله الله أو المسيح في الجسد. ولكي يعترف توما ويؤمن بوجود الرّبّ يسوع وأنه كان حقًا الله المُتجسّد، فقد سمح له بأن يمدّ يده ويلمس جنبه. هل كان شكّ توما يختلف في أيّ شيءٍ قبل قيامة الرّبّ يسوع وبعدها؟ كان يشكّ دائمًا، ولولا الجسد الروحانيّ للرّبّ يسوع الذي ظهر له شخصيًّا وعن السماح لتوما بأن يلمس آثار المسامير على جسده، لم يستطع أحدٌ أن يحلّ شكوكه وأن يُخلّصه منها. ولذلك، منذ أن سمح الرّبّ يسوع لتوما بأن يلمس جنبه ويجعله يشعر حقًّا بوجود آثار المسامير، اختفى شكّ توما وعرف حقًّا أن الرّبّ يسوع قام من الموت، واعترف وآمن بأن الرّبّ يسوع كان هو المسيح الحقيقيّ والله المُتجسّد. ومع أن توما لم يعد يشكّ في ذلك الوقت، إلّا أنه فقد إلى الأبد فرصة الالتقاء بالمسيح. خسر إلى الأبد فرصة أن يكون معه ويتبعه ويعرفه. خسر فرصة أن يُكمّله المسيح. أتاح ظهور الرّبّ يسوع وكلماته نتيجة وحُكمًا على إيمان أولئك الذين كانت تملأهم الشكوك. استخدم كلماته وأفعاله الحقيقيّة ليُخبِر المُتشكّكين ويُخبِر أولئك الذين لم يؤمنوا سوى بالله الذي في السماء ولكنهم لم يؤمنوا بالمسيح: لم يمدح الله إيمانهم كما أنه لم يمدحهم لاتّباعهم له بينما يشكون به. كان اليوم الذي آمنوا فيه تمامًا بالله وبالمسيح هو وحده اليوم الذي أكمل فيه الله عمله العظيم. وبالطبع، كان ذلك اليوم هو اليوم الذي صدر فيه حكمٌ على شكّهم. فموقفهم من المسيح حدّد مصيرهم، وكان شكّهم العنيد يعني أن إيمانهم لم ينتج لهم أيّة ثمار، وكانت قساوتهم تعني أن آمالهم دون جدوى. ولأن إيمانهم بالله في السماء كان يستند على الأوهام وشكّهم في المسيح كان في الواقع موقفهم الحقيقيّ تجاه الله، مع أنهم لمسوا آثار المسامير على جسد الرّبّ يسوع، كان إيمانهم لا يزال عديم الفائدة ولم يكن بالإمكان وصف عاقبتهم إلا بأنها تشبه اغتراف الماء بسلة من الخيزران – كلها بلا طائل. كان ما قاله الرّبّ يسوع لتوما طريقته الواضحة في إخبار كلّ شخصٍ: الرّبّ يسوع القائم هو الرّبّ يسوع الذي قضى ثلاث وثلاثين سنةً ونصف يعمل بين البشر. ومع أنه كان مُسمّرًا على الصليب واجتاز وادي ظلّ الموت وبرغم أنه اختبر القيامة، لم يخضع لأي تغيير في أيّ جانبٍ. ومع أن آثار المسامير كانت تبدو على جسده، ومع أنه قام وخرج من القبر، إلّا إن شخصيّته وفهمه للبشر ومقاصده للبشر لم تتغيّر على الإطلاق. إضافة إلى ذلك، كان يُخبِر الناس أنه نزل من على الصليب وانتصر على الخطية وقهر المصاعب. لم تكن آثار المسامير سوى دليل انتصاره على الشيطان، والدليل على أنه ذبيحة الخطيّة لفداء البشريّة جمعاء. كان يُخبِر الناس أنه أخذ على نفسه بالفعل خطايا البشريّة وأنه أكمل عمله الفدائي. وعندما عاد لرؤية تلاميذه أخبرهم بهذه الرسالة من خلال ظهوره: "ما زلت حيًّا، ما زلت موجودًا؛ اليوم أقف حقًّا أمامكم بحيث يمكنكم أن تروني وتلمسوني. سوف أكون معكم دائمًا". أراد الرّبّ يسوع أيضًا أن يستخدم قضية توما كتحذيرٍ للناس في المستقبل: فمع أنك لا يمكنك أن ترى الرب يسوع أو تلمسه في إيمانك به، فأنت مبارك بإيمانك الحقيقيّ ويمكنك أن ترى الرّبّ يسوع بإيمانك الحقيقيّ؛ ومثل هذا الإنسان مباركٌ.

هذه الكلمات المُسجّلة في الكتاب المُقدّس التي تكلّم بها الرّبّ يسوع عندما ظهر لتوما مساعدةٌ عظيمة لجميع الناس في عصر النعمة. فقد كان لظهوره وكلامه لتوما تأثيرٌ عميق على الأجيال التالية، إذ يمثلان أهميّة دائمة. يُمثّل توما أولئك الأشخاص الذين يؤمنون بالله ولكنهم يشكّون في الله. إنهم يحملون طبيعةً شكّاكة ولهم قلوبٌ شريرة وهم خائنون ولا يؤمنون بالأشياء التي يستطيع الله إنجازها. إنهم لا يؤمنون بكليّة قدرة الله وسيادته، ولا يؤمنون بالله المُتجسّد. ومع ذلك، كانت قيامة الرّبّ يسوع طعنة موجهة لصفاتهم، كما وفرّت لهم فرصةً لاكتشاف شكّهم والاعتراف بشكّهم والاعتراف بخيانتهم، ومن ثمّ الإيمان الحقيقيّ بوجود الرّبّ يسوع وقيامته. كان ما حدث مع توما تحذيرًا وإنذارًا للأجيال اللاحقة حتّى يتمكّن عددٌ أكبر من الناس من تحذير أنفسهم من أن يشكوا مثل توما، وإذا كان الشكّ يتملكّهم فسوف يغوصون في الظلام. إذا كنت تتبع الله ولكنك كنت مثل توما تريد دائمًا أن تلمس جنب الرّبّ وتشعر بآثار المسامير للتأكّد والتحقّق والتفكّر فيما إذا كان الله موجودًا أم لا، فإن الله سوف يتخلى عنك. ولذلك، يطلب الرّبّ يسوع من الناس ألّا يكونوا مثل توما، أي ألّا يؤمنوا سوى بما يمكنهم أن يروه بأعينهم، بل أن يكونوا أنقياء نزهاء، وألّا تساورهم شكوكٌ تجاه الله بل أن يؤمنوا به ويتبعوه وحسب. مثل هؤلاء الناس مباركون. هذا مطلبٌ بسيط جدًّا للرّبّ يسوع من الناس، وتحذيرٌ لأتباعه.

ما سبق هو موقف الرّبّ يسوع تجاه أولئك الذين تملأهم الشكوك. ماذا قال الرّبّ يسوع وفعل لأولئك القادرين على الإيمان به واتّباعه بصدقٍ؟ هذا ما سننظر إليه لاحقًا، من خلال حوار بين الرّبّ يسوع وبطرس.

في هذه المحادثة سأل الرّبّ يسوع بطرس عن شيءٍ واحد مرارًا: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". هذا مستوى أعلى تطلّبه الرّبّ يسوع من أشخاصٍ مثل بطرس بعد قيامته، الناس الذين يؤمنون بالمسيح حقًّا ويسعون لمحبّة الرّبّ. كان هذا السؤال أشبه بتحقيقٍ واستجوابٍ، بل أكثر من ذلك، كان مطلبًا وتوقّعًا من أشخاصٍ مثل بطرس. استخدم الرب يسوع طريقة الاستجواب هذه حتى يتمكّن الناس من التأمّل والتفكر في أنفسهم وطرح السؤال: ما متطلّبات الرّبّ يسوع من الناس؟ هل أُحبّ الرّبّ؟ هل أنا شخصٌ يحبّ الله؟ كيف يجب أن أُحبّ الله؟ مع أن الرّبّ يسوع سأل بطرس وحده هذا السؤال، إلّا إن الحقيقة هي أنه في قلبه بسؤال بطرس هذه الأسئلة أراد أن يستغلّ هذه الفرصة ليطرح هذا السؤال نفسه على أناسٍ أكثر يسعون إلى محبّة الله. لم يكن الأمر سوى أن بطرس تبارك بأن يكون مُمثّلاً عن هذا النوع من الأشخاص وأن يتلقّى السؤال من فم الرّبّ يسوع نفسه.

بالمقارنة مع الكلمات التي قالها الرّبّ يسوع لتوما بعد قيامته: "وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا" فإن سؤاله لبطرس ثلاث مرّاتٍ: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". يسمح للناس بأن يشعروا أكثر بصرامة موقف الرّبّ يسوع وبالإلحاح الذي كان يراوده أثناء السؤال شعورًا أفضل. أمّا بالنسبة لتوما الشكّاك بطبيعته الماكرة الخادعة، فقد سمح له الرّبّ يسوع بأن يمدّ يده ويلمس آثار المسامير في جسده، وقد جعله هذا يؤمن بأن الرّبّ يسوع كان ابن الإنسان القائم ويعترف بهويّة الرّبّ يسوع بأنه المسيح. ومع أن الرّبّ يسوع لم يُوبّخ توما بصرامةٍ، ولم يُعبّر عن أيّة دينونةٍ واضحه له، فقد أخبره أنه كان يفهمه من خلال الأفعال العمليّة، بينما كان أيضًا يُظهِر موقفه وتصميمه تجاه هذا النوع من الأشخاص. لا يمكن رؤية متطلّبات الرّبّ يسوع وتوقعاته من هذا النوع من الأشخاص ممّا قاله، فالناس مثل توما ليس لديهم ببساطةٍ ذرة من الإيمان الحقيقيّ. لم تصل متطلّبات الرّبّ يسوع منهم سوى إلى هذا، ولكن الموقف الذي أظهره تجاه أشخاصٍ مثل بطرس مختلفٌ تمامًا. لم يطلب من بطرس أن يمدّ يده ويلمس آثار المسامير، ولم يقل لبطرس: "وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا". ولكنه بدلاً من ذلك سأل بطرس السؤال نفسه مرارًا. كان السؤال مثيرًا للتفكير ومُعبّرًا لا يسعه سوى أن يؤدي بكلّ تابعٍ من أتباع المسيح إلى أن يشعر بالندم والخوف، ولكنه يكشف أيضًا عن مزاج الرّبّ يسوع المنزعج الحزين. وعندما يكونون في ألمٍ شديد ومعاناة، فهم أكثر قدرة على فهم اهتمام الرّب يسوع المسيح ورعايته؛ ويُدرِكون تعليمه الجاد ومتطلّباته الصارمة من الناس الأنقياء الصادقين. سؤال الرّبّ يسوع يسمح للناس بأن يشعروا أن توقّعات الرّبّ من الناس التي تنكشف في هذه الكلمات البسيطة ليست أن تؤمن به وتتبعه وحسب، بل أن تبلغ المحبّة وتحبّ ربّك وإلهك. هذا النوع من المحبّة ينطوي على الاهتمام والطاعة. ومعناه أن يعيش الناس من أجل الله ويموتوا من أجل الله ويُكرّسوا كلّ شيءٍ لله وينفقوا ويعطوا كلّ شيءٍ من أجل الله. هذا النوع من المحبّة أيضًا يمنح الله الراحة ممّا يجعله أن يُسرّ بالشهادة ويمنحه الراحة. إنه تعويض البشر لله ومسؤولية الإنسان وواجبه والتزامه، وهو طريقةٌ ينبغي أن يتبعها البشر طوال حياتهم. كانت هذه الأسئلة الثلاثة مطلبًا ونصحًا من الرّبّ يسوع لبطرس وجميع الناس الذين يريدون أن يكونوا كاملين. وقد كانت هذه الأسئلة الثلاثة هي التي قادت بطرس وحفّزته لإكمال طريقه في الحياة حتى النهاية، وكانت تلك الأسئلة عند فراق الرّبّ يسوع التي قادت بطرس ليبدأ طريق الكمال، والتي قادته، بفضل محبّته للرّبّ، للاهتمام بقلب الرّبّ، وطاعة الرّبّ، وتقديم راحة للرّبّ، وتقديم حياته كلّها وكيانه كلّه بفضل هذه المحبّة.

خلال عصر النعمة، كان عمل الله أساسًا لنوعين من الناس. كان النوع الأوّل أولئك الأشخاص الذين كانوا يؤمنون به ويتبعونه ويمكنهم حفظ وصاياه وحمل الصليب ويمكنهم التمسّك بطريق عصر النعمة. كان هذا النوع من الأشخاص ينال بركة الله وينعم بنعمة الله. والنوع الثاني من الأشخاص كان مثل بطرس، وهو شخصٌ يمكن جعله كاملًا. ولذلك، بعد أن قام الرّبّ يسوع، عمل أوّلاً هذين الشيئين الأكثر أهمية. الأوّل مع توما والآخر مع بطرس. ماذا يُمثّل هذان الشيئان؟ هل يُمثّلان مقاصد الله الحقيقيّة لخلاص البشر؟ هل يُمثّلان أمانة الله مع البشر؟ كان العمل الذي عمله مع توما لتحذير الناس من أن يتشككوا ولكن أن يؤمنوا فحسب. وكان العمل الذي عمله مع بطرس هو لتعزيز إيمان الناس مثل بطرس وتوضيح متطلّباته من هذا النوع من الأشخاص، وإظهار الأهداف التي يجب عليهم السعي إليها.

بعد قيامة الرّبّ يسوع من الموت، ظهر للأشخاص الذين شعر بضرورة ظهوره لهم وتكلّم معهم وعرض عليهم متطلّباته، تاركًا وراءه نواياه للناس وتوقّعاته منهم. وهذا يعني أن اهتمام الله المُتجسّد بالبشرية ومتطلباته من الناس لم تتغير قط: فقد ظلت كما هي عندما كان في الجسد وعندما كان في الجسد الروحانيّ بعد أن سُمّر على الصليب وقام. كان يهتمّ بهؤلاء التلاميذ قبل صعوده على الصليب؛ وفي قلبه كان واضحًا بخصوص حالة كلّ فردٍ وكان يفهم نقائص كلّ شخصٍ، وبالطبع كان فهمه لكلّ شخصٍ بعد أن مات وقام وصار جسدًا روحانيًّا هو الفهم نفسه كما كان عندما كان في الجسد. كان يعلم أن الناس لم يكونوا مُتأكّدين تمامًا من هويّته بصفته المسيح، ولكن خلال وقت تجسّده لم يكن يطالب الناس بمطالب صارمة. ولكن بعد أن قام ظهر لهم وجعلهم على يقينٍ تامّ بأن الرّبّ يسوع جاء من عند الله وأنه كان الله المُتجسّد، واستخدم حقيقة ظهوره وقيامته كأكبر رؤيةٍ وحافز لمسعى البشريّة المستمرّ مدى الحياة. وقيامته من الموت لم تُقوِّ فحسب جميع الذين تبعوه، ولكنها أيضًا نفذت تمامًا عمله في عصر النعمة بين البشر، وهكذا انتشر إنجيل خلاص الرّبّ يسوع في عصر النعمة تدريجيًّا إلى كلّ ركنٍ من أركان البشرية. هل يمكنك القول إن ظهور الرّبّ يسوع بعد قيامته كانت له أيّة أهميّةٍ؟ إذا كنت توما أو بطرس في ذلك الوقت وواجهت هذا الشيء الوحيد في حياتك الذي كان يحمل معنى، فما نوع تأثيره عليك؟ هل كنت سترى أن هذا أفضل وأعظم رؤيةٍ لحياتك في الإيمان بالله؟ هل كنت سترى هذا كقوّةٍ دافعة لاتّباعك الله وجهادك لإرضائه وسعيك إلى محبّة الله في حياتك؟ هل كنت ستبذل مجهودًا مدى الحياة لنشر أعظم الرؤى هذه؟ هل كنت ستقبل نشر خلاص الرّبّ يسوع كتكليف من الله؟ مع أنكم لم تختبروا هذا، إلّا إن مثلي توما وبطرس كافيان بالفعل ليكون لدى الناس في الزمان الحاضر فهمٌ واضح لله ولمشيئته. يمكن القول إنه بعد أن صار الله جسدًا، وبعد أن اختبر الحياة بين البشر واختبر بنفسه الحياة البشريّة، وبعد أن رأى فساد البشر وحالة الحياة البشريّة في ذلك الوقت، شعر الله في الجسد بمدى عجز البشر وحزنهم وبؤسهم ومدعاتهم للشفقة بشكل أعمق. اكتسب الله بينما كان يعيش في الجسد تعاطفًا أكثر مع الحالة البشرية بسبب طبيعيته البشرية، وبسبب غرائزه الجسدية. وقد دفعه هذا ليحمل المزيد من الاهتمام بأتباعه. ربّما تكون هذه أشياءٌ لا يمكنكم فهمها، ولكن يمكنني أن أصف اهتمام الله ورعايته في الجسد لكلّ واحدٍ من أتباعه باستخدام هاتين الكلمتين: "الاهتمام الشديد". مع أن هذا المصطلح يأتي من اللغة البشريّة، ومع أنه بشري جدًّا، إلّا أنه يُعبّر حقًّا عن مشاعر الله تجاه أتباعه ويصفها. أمّا من جهة اهتمام الله الشديد بالبشر، فسوف تشعرون بالتدريج على مدار اختباراتكم بهذا الشعور وتذوقونه. ومع ذلك، لا يمكنكم تحقيق ذلك إلّا من خلال الفهم التدريجيّ لشخصيّة الله على أساس السعي لحدوث تغييرٍ في شخصيّتكم. عند ظهور الرّبّ يسوع أدى ذلك إلى بلورة اهتمامه الشديد بأتباعه في البشريّة ونقله إلى جسده الروحانيّ، أو يمكنكم القول إنه نقله إلى لاهوته. كما أن ظهوره سمح للناس بأن يكون لديهم اختبارٌ وشعورٌ آخر باهتمام الله ورعايته مع الإثبات الدامغ بأن الله هو مَنْ يفتح عصرًا ويُطوّر عصرًا وينهي عصرًا. بظهوره شدّد إيمان جميع الناس، وأثبت للعالم حقيقة أنه الله نفسه. وقد قدّم هذا لأتباعه تأكيدًا أبديًّا، وبظهوره أطلق أيضًا مرحلةً من عمله في العصر الجديد.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (3)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

قد أعُلِن َسرُّ الآية من إنجيل متَّى 24 "وَأَمَّا ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ"

هناك أناس على الإنترنت يقدّمون شهادة أن الرَّب يسوع قد عاد بالفعل. لكن الكتاب المقدَّس يقول: "وَأَمَّا ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ". كيف لهم أن يعرفوا أن الرَّب يسوع قد عاد؟ هذا المقال سيعلن سرَّ إنجيل متَّى 24: 36 ويساعدك على إيجاد طريق الترحيب بعودة الرَّب يسوع. اقرأ الآن.