بعد مقاومة سدوم وعدائها المتكررين لله، يمحوها الله تمامًا من الوجود

2019 مارس 12

والآن إذ لدينا فهمٌ عامٌّ لشخصية الله البارة، ربما نعيد اهتمامنا إلى مدينة سدوم، المكان الذي اعتبره الله مدينة الخطايا. من خلال فهم حقيقة هذه المدينة، يمكننا أن نفهم لماذا أراد الله تدميرها ولماذا أهلكها بالكامل. من هذا، يمكننا معرفة شخصية الله البارة.

من منظور إنساني، كانت سدوم مدينة يمكن أن ترضي رغبات الإنسان وشروره؛ فقد أدى الرخاء فيها المصحوب بالإغراء والسحر، مع الموسيقى والرقص ليلة بعد ليلة، إلى افتتان أهلها وجنونهم، وختمت الشرور على قلوب الناس وأغرتهم بالفساد. لقد كانت مدينة خرجت فيها الأرواح النجسة والشريرة عن السيطرة، وكانت تعج بالخطيئة والقتل، ويمتلئ هواؤها برائحة دموية نتنة. لقد كانت مدينة أرعبت الناس، مدينة تجعل المرء ينكفئ من الرعب. لم يسعَ أحد في هذه المدينة – رجلاً كان أو امرأة، صغيرًا أو كبيرًا – إلى الطريق الصحيح. لم يكن أحد منهم يتوق إلى النور أو تهفو نفسه إلى الابتعاد عن الخطيئة، بل كانوا يعيشون تحت سيطرة الشيطان وتحت فساد الشيطان وخداعه. لقد فقدوا إنسانيتهم، وفقدوا حواسهم، كما فقدوا الهدف الحقيقي للإنسان من الوجود. لقد ارتكبوا أفعالًا شريرة لا تعد ولا تحصى من معاندة حكم الله، كما رفضوا توجيهه وعارضوا إرادته، فكانت أفعالهم الشريرة هي التي حملت هؤلاء الناس، والمدينة وكل شيء حي داخلها، خطوة خطوة، على طريق الهلاك.

بعد مقاومة سدوم المتكررة والعداء لله، محاها الله تمامًا من الوجود

مع أن هذين المقطعين لا يسجلان كل التفاصيل المتعلقة بمدى فساد أهل سدوم، ويسجلان – بدلًا من ذلك – سلوكهم تجاه عبدين من عباد الله بعد وصولهما إلى المدينة، توجد حقيقة بسيطة تكشف إلى أي مدى كان أهل سدوم فاسدين وأشراراً وأنهم عادوا الله، وبذلك تم كشف الوجه والجوهر الحقيقي لأهل المدينة أيضًا. لم يقتصر الأمر على رفض هؤلاء الناس قبول تحذيرات الله، بل تمادوا أيضًا فلم يخشوا عقابه، وإنما على العكس من ذلك، استهزأوا بغضب الله، وعاندوا الله بشكل أعمى، وبغض النظر عمّا فعله الله أو كيف فعله، لم يكن منهم إلا أن تزايدت حدة طباعهم الأثيمة، وعارضوا الله مرارًا وتكرارا. كان شعب سدوم معاديًا لوجود الله ومجيئه وعقابه بل وتحذيراته. لقد كانوا متعجرفين للغاية. لقد أضروا وألحقوا الأذى بجميع الناس الذين يمكنهم الإضرار بهم وإيذاؤهم، ولم تختلف معاملتهم مع الشخصين. فيما يتعلق بجميع الأفعال الشريرة التي ارتكبها أهل سدوم، لم يكن إلحاق الأذى بعباد الله سوى غيض من فيض، كما لم تكن طبيعتهم الشريرة التي كشف عنها هذا في الواقع سوى قطرة في بحر شاسع. لذلك، اختار الله أن يدمرهم بالنار، فلم يستخدم الله طوفانًا، ولم يستخدم إعصارًا أو زلزالًا أو تسونامي أو أي طريقة أخرى لتدمير المدينة. ماذا يعني استخدام الله للنار لتدمير هذه المدينة؟ كان يعني هلاك المدينة الكامل، كان ذلك يعني محو المدينة بالكامل من الأرض ومن الوجود. لا يشير "التدمير" هنا إلى اختفاء شكل المدينة وهيكلها أو مظهرها الخارجي فحسب، بل يعني أيضًا أن نفوس الناس داخل المدينة لم تعد موجودة، بعد أن تم القضاء عليها تمامًا. ببساطة، دُمِّر جميع الناس والأحداث والأشياء المرتبطة بالمدينة، ولن تكون هناك حياة أخرى لهم أو تجسد لشعب تلك المدينة؛ لقد استأصلهم الله من الإنسانية، ومن خليقته، إلى الأبد. إن "استخدام النار" يدل على نهاية الخطيئة في هذا المكان، وأن الخطيئة قد كفَّت هناك؛ هذه الخطيئة سوف تتوقف عن الوجود وعن الانتشار. كان ذلك يعني أن شر الشيطان قد فقد تربة احتضانه، فضلًا عن المقبرة التي منحته مكانًا للإقامة والبقاء. في الحرب بين الله والشيطان، يعدّ استخدام الله للنار علامة لانتصاره الذي وصم به الشيطان. إن هلاك سدوم يمثل كبوة كبرى في طموح الشيطان لمعارضة الله عن طريق إفساد الناس وتعريضهم للهلاك، وهو كذلك علامة مهينة على زمن ضمن تطور البشرية عندما رفض الإنسان إرشاد الله واستسلم للرذيلة، كما أنه، علاوة على ذلك، سجل لإعلان حقيقي عن شخصية الله البارة.

عندما أدت النّار التي أرسلها الله من السماء إلى تحويل سدوم إلى شيء دون الرماد، كان ذلك يعني أن المدينة التي سميت "سدوم" محيت من الوجود منذ ذلك الوقت فصاعدًا، وكذلك كل شيء داخل المدينة. لقد دمرها غضب الله، واختفت وسط غضب الله وجلاله. وبسبب شخصية الله البارة، حصلت سدوم على عقوبتها العادلة، ونهايتها العادلة. كانت نهاية وجود سدوم نتيجة شرها، وكانت أيضًا بسبب رغبة الله في عدم رؤية هذه المدينة مرة أخرى، أو أي من الأشخاص الذين عاشوا فيها أو أي من الكائنات الحية التي نمت داخل المدينة. إن "رغبة الله في عدم رؤية المدينة مرة أخرى" تمثل غضبه، وكذلك جلاله. لقد أحرق الله المدينة لأن شرها وخطيئتها جعلته يشعر بالغضب والاشمئزاز والبغض تجاهها، وجعلته لا يرغب في رؤيتها أو رؤية أي من الأشخاص أو الكائنات الحية داخلها مرة أخرى. وبمجرد أن انتهى حرق المدينة، تاركًا وراءه الرماد فقط، فقد توقفت حقًا عن الوجود في نظر الله، اختفت حتى ذكراه عنها، ومُحيت. هذا يعني أن النيران المرسلة من السماء لم تدمر مدينة سدوم بأكملها فحسب، ولم تدمر الأشخاص الذين كانوا في المدينة وكانوا مملوئين بالخطيئة فحسب، ولم تدمر كل الأشياء داخل المدينة التي كانت ملطخة بالخطيئة فقط، بل ما هو أبعد من كل هذه الأشياء، دمرت هذه النيران ذكرى شر البشرية ومقاومتها لله، كان هذا هدف الله من حرق المدينة.

بعد مقاومة سدوم المتكررة والعداء لله، محاها الله تمامًا من الوجود

لقد وصلت هذه البشرية إلى ذروة الفساد، لم يعرف هؤلاء الناس مَن هو الله أو من أين أتوا هم أنفسهم. إن ذكرت الله لهم، فإنهم يعادون ويفترون ويجدفون. حتى عندما جاء خادما الله لإبلاغ تحذيره، لم يكتفِ هؤلاء الأشخاص الفاسدون بعدم إبداء أي علامات على التوبة، أو التخلي عن سلوكهم الشرير، بل على العكس، لقد أضروا بوقاحة بخادمي الله. وكان ما أعربوا وكشفوا عنه يمثل جوهر طبيعتهم شديد العداء تجاه الله، حيث يمكننا أن نرى أن عداء هؤلاء الفاسدين تجاه الله كان أكثر من مجرد كشف عن تصرفهم الفاسد، فقد كان فعلًا أكثر من مجرد مثال على الافتراء أو السخرية النابعين ببساطة من عدم فهم الحق. فلم يكن الغباء أو الجهل سببًا في سلوكهم الشرير؛ فقد سلكوا بهذه الطريقة ليس بسبب أنهم قد خُدعوا، ومن المؤكد أنه لم يكن لأنهم ضُلِّلوا. وصل سلوكهم إلى مستوى من العداء والوقاحة بشكل صارخ والمعارضة والتذمر تجاه الله. مما لا شك فيه أن هذا النوع من السلوك البشري يثير غضب الله، كما يغضب شخصيته التي يجب ألا يساء إليها. لذلك، أطلق الله مباشرة وصراحة غضبه وجلاله، وهذا إعلان حقيقي عن شخصيته البارة. في مواجهة مدينة تفيض بالخطيئة، أراد الله أن يدمرها بأسرع ما يمكن ليقضي على الناس داخلها وعلى ذنوبهم كلها بأتم السبل، لمحو أهل هذه المدينة من الوجود ومنع الخطيئة في هذا المكان من التكاثر. الطريقة الأسرع والأتم للقيام بذلك هي حرقها بالنار. لم يكن موقف الله تجاه أهل سدوم نوعًا من الهجر أو التجاهل؛ بل بالأحرى، استخدم غضبه وجلاله وسلطانه لمعاقبة هؤلاء الناس وضربهم وتدميرهم بالكامل. لم يكن موقف الله تجاههم متعلقًا فقط بالدمار المادي، بل كان يتعلق أيضًا بتدمير النفس، أي الاستئصال الأبدي. هذا هو المعنى الحقيقي المتضمن في كلمات الله "محوهم من الوجود".

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (2)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة