يتعيّن على الله تدمير سدوم

2019 مارس 12

(التكوين 18: 26) فَقَالَ يَهْوَه الرب: "إِنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ بَارًّا فِي ٱلْمَدِينَةِ، فَإِنِّي أَصْفَحُ عَنِ ٱلْمَكَانِ كُلِّهِ مِنْ أَجْلِهِمْ".

التكوين (18: 29) "فَعَادَ يُكَلِّمُهُ أَيْضًا وَقَالَ: "عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ أَرْبَعُونَ". فَقَالَ: "لَا أَفْعَلُ مِنْ أَجْلِ ٱلْأَرْبَعِينَ".

(التكوين 18: 30) فَقَالَ: "لَا يَسْخَطِ ٱلْمَوْلَى فَأَتَكَلَّمَ. عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ ثَلَاثُونَ". فَقَالَ: "لَا أَفْعَلُ إِنْ وَجَدْتُ هُنَاكَ ثَلَاثِينَ".

(التكوين 18: 31) فَقَالَ: "إِنِّي قَدْ شَرَعْتُ أُكَلِّمُ ٱلْمَوْلَى. عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ عِشْرُونَ". فَقَالَ: "لَا أُهْلِكُ مِنْ أَجْلِ ٱلْعِشْرِينَ".

(التكوين 18: 32) فقال: "عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ عَشْرَةٌ". فَقَالَ: "لَا أُهْلِكُ مِنْ أَجْلِ ٱلْعَشْرَةِ".

هذه بعض المقتطفات التي اخترتها من الكتاب المُقدّس. إنها ليست الروايات الكاملة والأصليّة. إذا رغبتم في الاطّلاع على تلك الكاملة، فيمكنكم البحث عنها في الكتاب المُقدّس بأنفسكم. لتوفير الوقت، حذفت جزءًا من المحتوى الأصليّ. لم اختر إلا بعض العبارات والجمل الرئيسيّة وتركت عدة عباراتٍ لا تُؤثّر على مشاركتنا اليوم. في جميع العبارات والمحتويات التي نتشارك حولها، يتجاوز تركيزنا عن تفاصيل القصص وسلوك الإنسان في القصص؛ وبدلاً من ذلك، لا نتحدّث إلا عن أفكار الله وآرائه في ذلك الوقت. في أفكار الله وآرائه، سوف نرى شخصيّة الله، ومن كل ما عمله الله سوف نرى الإله الحقيقيّ نفسه – وفي هذا سوف نُحقّق هدفنا.

لا يهتمّ الله سوى بمَنْ يستطيعون طاعة كلامه واتّباع وصاياه

يتعيّن على الله تدمير سدوم

تحتوي الفقرات أعلاه على عدة كلماتٍ رئيسيّة: الأرقام. أولًا، قال يهوه إنه إذا وجد خمسين بارًا في المدينة فسوف يَصفَح عن المكان، أي لن يُهلِك المدينة. فهل وُجد، في الواقع، خمسون بارًا في سدوم؟ كلا، لم يُوجد. بعد فترةٍ وجيزة، ماذا قال إبراهيم لله؟ قال: "عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ أَرْبَعُونَ". فأجاب الله: "لاَ أَفْعَلُ مِنْ أَجْلِ الأَرْبَعِينَ". ثم قال إبراهيم: "عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ ثَلاَثُونَ". فأجاب الله: "لاَ أَفْعَلُ إِنْ وَجَدْتُ هُنَاكَ ثَلاَثِينَ". ثم قال إبراهيم: "عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ عِشْرُونَ". فأجاب الله: "لاَ أُهْلِكُ مِنْ أَجْلِ الْعِشْرِينَ". ثم قال إبراهيم: "عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ عَشَرَةٌ". فأجاب الله: "لاَ أُهْلِكُ مِنْ أَجْلِ الْعَشَرَةِ". هل وُجد في الواقع عشرة أبرارٍ في المدينة؟ لم يوجد هناك عشرة، ولكن وُجد واحدٌ فقط. ومَنْ كان هذا الشخص؟ كان لوط. لم يُوجد في ذلك الوقت سوى شخص واحد بار في سدوم، ولكن هل كان الله صارمًا جدًّا أو قاسيًا عندما وصل الأمر إلى هذا العدد؟ كلا، لم يكن كذلك! وهكذا عندما ظلّ الإنسان يسأل: "أربعون"، "ثلاثون"، وصولًا إلى "عشرة"، أجاب الله بما معناه: "حتّى إذا وُجد هناك عشرة فقط فلن أهلِك المدينة ولكني أصفح عنها وأغفر للناس الآخرين إلى جانب هؤلاء العشرة". كان من الممكن أن يكون العدد عشرة قليلًا بما فيه الكفاية، ولكن اتّضح أنه، في الواقع، لم يكن يُوجد حتّى هذا العدد من الأبرار في سدوم. ترى، إذًا، أنه في نظر الله، لم تترك خطيّة شعب المدينة وشرّه لله سوى خيار إهلاكهم. ماذا قصد الله عندما قال إنه لن يُهلِك المدينة إذا وُجد خمسون بارًا؟ لم تكن هذه الأعداد مهمّة لله. كان المهمّ هو ما إذا كانت المدينة يسكن بها البار الذي كان يريده أم لا. إذا لم يكن في المدينة سوى بار واحد، فلن يسمح له الله بالضرر بسبب إهلاكه للمدينة. وهذا يعني أنه، بغضّ النظر عمّا إذا كان الله سوف يُهلِك المدينة أم لا، وبغضّ النظر عن عدد الأبرار في المدينة، كانت هذه المدينة الخاطئة في نظر الله ملعونة ومقيتة ويجب إهلاكها وإخفائها من عينيّ الله، في حين ينبغي الحفاظ على الأبرار. بغضّ النظر عن العصر، وبغضّ النظر عن مرحلة تطوّر الجنس البشريّ، لا يتغيّر موقف الله: إنه يكره الشرّ، ويهتمّ بالبار في نظره. هذا الموقف الواضح من الله هو أيضًا الإعلان الحقيقيّ عن جوهر الله. لم يعد الله يتردّد بسبب وجود بار واحد فقط في المدينة. كانت النتيجة النهائيّة هي دمار سدوم حتمًا. ماذا ترون في هذا؟ في ذلك العصر، لم يكن الله ليُهلِك مدينة إذا كان فيها خمسون بارًا، ولا إذا كان فيها عشرة، ممّا يعني أن الله سوف يُقرّر أن يغفر للجنس البشريّ ويسامحه أو يُؤدّي عمل الإرشاد بسبب عددٍ قليل من الناس القادرين على اتقائه وعبادته. يولي الله قدرًا هائلًا من الأهمّيّة لأعمال الإنسان البارة، وبأولئك القادرين على عبادته، وبأولئك القادرين على فعل الخير أمامه.

منذ الأزمنة الأولى وحتّى اليوم، هل قرأتم في الكتاب المُقدّس عن أن الله ينقل الحقّ أو يتحدّث عن طريق الله إلى أيّ شخصٍ؟ كلا. كان كلام الله للإنسان الذي نقرأه يُخبِر الناس بما يجب أن يفعلوه وحسب. تحرّك البعض وأطاعه، والبعض لم يطيعوه؛ البعض آمنوا والبعض لم يؤمنوا. هذا كل ما في الأمر. وهكذا، فإن الأبرار في ذلك الزمان – أي أولئك الذين كانوا أبرارًا في نظر الله – كانوا هم مَنْ يسمعون كلمات الله ويتبعون أوامره. كانوا خُدامًا يُنفّذون كلام الله بين البشر. هل يمكن أن نُسمّي أولئك الناس بأنهم مَنْ يعرفون الله؟ هل يمكن أن نُسمّيهم أشخاصًا قد كمّلهم الله؟ كلا، لا يمكننا أن ندعوهم هكذا. ومن ثمَّ، وبغضّ النظر عن عددهم، في نظر الله، هل كان هؤلاء الأبرار يستحقّون تسميتهم بأنهم مُقرّبون عند الله؟ هل يمكن تسميتهم بأنهم شهود لله؟ كلا بالتأكيد! لم يكونوا بالتأكيد يستحقّون تسميتهم بأنهم مُقرّبون عند الله أو شهود لله. ماذا أطلق الله على هؤلاء الناس إذًا؟ في الكتاب المُقدّس، وصولًا إلى الفقرات الكتابيّة التي قرأناها للتوّ، توجد العديد من الأمثلة التي يُطلِق فيها الله على كل واحدٍ منهم اسم "عبدي". وهذا يعني، في ذلك الوقت، أن هؤلاء الناس الأبرار كانوا في نظر الله عبيدًا لله، أي أنهم كانوا يخدمونه على الأرض. وكيف فكّر الله في هذه التسمية؟ لماذا دعاهم هكذا؟ هل الله لديه معايير لتسمية الناس في قلبه؟ بالتأكيد، الله لديه معايير، بغضّ النظر عمّا إذا كان يدعو الناس أبرارًا أو كاملين أو مستقيمين أو عبيدًا. عندما يدعو شخصًا ما بأنه عبده، فهو يؤمن إيمانًا راسخًا بأن هذا الشخص قادرٌ على استقبال رسله واتّباع وصاياه، ويمكنه تنفيذ ما يوصي به الرسل. وماذا يُنفّذ هذا الشخص؟ إنه يُنفّذ ما يوصي الله بعمله وتنفيذه على الأرض. في ذلك الوقت، هل يمكن تسمية ما كان الله يطلب من الإنسان عمله وتنفيذه على الأرض بأنه طريق الله؟ كلا، لا يمكن. لأن الله في ذلك الوقت لم يكن يطلب من الإنسان سوى أن يعمل بعض الأشياء البسيطة. كان يُصدِر بعض الوصايا البسيطة التي تقول للإنسان بأن يفعل هذا أو ذاك، ولا شيء أكثر من ذلك. كان الله يعمل وفق خطّته، لأنه في ذلك الوقت لم تتوفر الكثير من الشروط ولم يكن الوقت قد حان بعد، وكان من الصعب على البشريّة أن تتحمّل طريق الله، وهكذا لم يكن طريق الله قد خرج للعلن بعد من قلب الله. اعتبر الله الناس الأبرار الذين تكلّم عنهم، والذين نراهم هنا – سواء كانوا ثلاثين أو عشرين – خُدّامًا له. عندما جاء رسل الله إلى هؤلاء الخُدّام، استطاعوا استقبالهم واتّباع وصاياهم والتصرّف وفقًا لكلماتهم. كان هذا بالضبط ما يجب على أولئك الذين كانوا خُدَّامًا عمله وتحقيقه في نظر الله. الله حكيمٌ في تسمياته للناس. دعاهم خُدّامَه – ليس لأنهم كانوا كما أنتم عليه اليوم: أي ليس لأنهم سمعوا كثيرًا من الوعظ، وعرفوا ما كان الله سيفعله، وفهموا كثيرًا من مشيئة الله، واستوعبوا خطة تدبيره – وإنّما لأنّهم كانوا صادقين في إنسانيتهم، وقادرين على الامتثال لكلام الله. فعندما أوصاهم الله، استطاعوا وضع ما كانوا يفعلونه جانبًا وتنفيذ ما أوصى به الله. وهكذا، يرى الله أن الطبقة الأخرى من المعنى المتضمّن في لقب خادم هي أنهم تعاونوا مع عمله على الأرض، ومع أنهم لم يكونوا رسلًا لله، إلا أنهم كانوا المُنفّذين والمُتمّمين لكلمات الله على الأرض. ترون، إذًا، أن هؤلاء الخُدّام أو الأبرار كانت لهم مكانةٌ كبيرة في قلب الله. كان العمل الذي سيبدأه الله على الأرض لا يمكن إتمامه دون أن يتعاون معه أشخاصٌ، وكان الدور الذي أدّاه خُدّام الله لا يمكن أن يُؤدّيه رسل الله. كل مهمّةٍ أوصى بها الله هؤلاء الخُدّام كانت تحمل أهمّيّة كبيرة له، وهكذا لم يستطع أن يخسرهم. بدون تعاون هؤلاء الخُدّام مع الله، لوصل عمله بين البشر إلى طريقٍ مسدود، ولترتب على ذلك أن ذهبت خطّة تدبير الله وآماله سدى.

الله كثير المراحم تجاه من يهتمّ بهم، وشديد الغضب على من يمقتهم ويرفضهم

في رواية الكتاب المُقدّس، هل وُجد عشرة خُدّامٍ لله في سدوم؟ كلا، لم يُوجد! هل كانت المدينة تستحق أن يصفح عنها الله؟ لم يستقبل رسل الله سوى شخص واحد في المدينة – وهو لوط. ومعنى ذلك أنه لم يُوجد سوى خادم واحد في المدينة، ومن ثمَّ لم يكن لدى الله خيار سوى إنقاذ لوط وإهلاك مدينة سدوم. قد تبدو هذه الحوارات بين إبراهيم والله بسيطة، لكنها تُوضّح شيئًا عميقًا جدًّا: تُوجد مبادئ لأفعال الله، وقبل أن يتّخذ الله القرار يقضي وقتًا طويلاً في المراقبة والمشاورة؛ وقبل الوقت المناسب لن يتّخذ أيّ قراراتٍ بالتأكيد أو يتوصّل إلى أيّة استنتاجات. تُبيّن لنا الحوارات بين إبراهيم والله أن قرار الله بإهلاك سدوم لم يكن قرارًا خاطئًا بأيّة درجةٍ، لأن الله كان يعلم بالفعل أنه لم يُوجد في المدينة أربعون بارًا أو ثلاثون أو عشرون. ولم يُوجد عشرة حتّى. كان الشخص الوحيد البار في المدينة هو لوط. كان الله يلاحظ كل ما يحدث في سدوم وملابساته، وكان على درايةٍ كاملة بها. ومن ثمَّ، لم يكن ممكنًا أن يكون قراره خاطئًا. على النقيض من ذلك، بالمقارنة مع قدرة الله، فإن الإنسان متبلد الحسّ للغاية وأحمق وجاهل وقصير النظر. هذا ما نراه في الحوارات بين إبراهيم والله. ظلّ الله يُظهِر شخصيّته من البداية حتّى اليوم. وهنا، بالمثل، تُوجد شخصيّة الله التي يجب أن نراها. الأرقام بسيطة ولا تُبيّن أيّ شيءٍ، ولكن يوجد هنا تعبيرٌ مهمّ جدًّا عن شخصيّة الله. لن يُهلِك الله المدينة من أجل خمسين بارًا. هل هذا يرجع لرحمة الله؟ هل يرجع لمحبّته وتسامحه؟ هل سبق ورأيتم هذا الجانب من شخصيّة الله؟ حتّى إذا لم يُوجد سوى عشرة أبرارٍ، لما كان الله قد أهلك المدينة من أجل هؤلاء الأبرار العشرة. هل هذا تسامح الله ومحبّته أم لا؟ بسبب رحمة الله وتسامحه واهتمامه تجاه هؤلاء الأبرار، لما أهلك المدينة. هذا هو تسامح الله. في النهاية، ما النتيجة التي نراها؟ عندما قال إبراهيم: "عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ عَشْرَةٌ"، قال الله: "لَا أُهْلِكُ مِنْ أَجْلِ ٱلْعَشْرَةِ". وبعد ذلك صمت إبراهيم، لأن سدوم لم يكن بها الأبرار العشرة الذين ذكرهم فلم يعد لديه ما يقوله، وفي ذلك الوقت فهم سبب قرار الله بإهلاك سدوم. ما شخصيّة الله التي ترونها في هذا؟ ما نوع القرار الذي اتّخذه الله؟ أي إذا لم يكن في هذه المدينة عشرة أبرارٍ لما سمح الله بوجودها ولأهلكها حتمًا. أليس هذا غضب الله؟ هل يُمثّل هذا الغضب شخصيّة الله؟ هل هذه الشخصيّة هي الإعلان عن جوهر الله المُقدّس؟ هل هي الإعلان عن جوهر الله البار، الذي ينبغي على الإنسان عدم الإساءة إليه؟ بعد تأكيد الله على أنه لم يُوجد عشرة أبرارٍ في سدوم، أصرّ الله على إهلاك المدينة ومعاقبة شعبها بشدّةٍ لأنهم قاوموا الله، ولأنهم كانوا دنسين وفاسدين.

لماذا حلّلنا هذه المقاطع بهذه الطريقة؟ لأن هذه العبارات البسيطة القليلة تُقدّم تعبيرًا كاملًا عن شخصيّة الله برحمته الوفيرة وغضبه الشديد. في الوقت نفسه الذي يُقدّر فيه الله الأبرار مترائفاً بهم ومسامحًا إياهم ومهتمًّا بهم، كَنَّ الله في قلبه كراهيةً مقيتة تجاه جميع الفاسدين الذين كانوا في سدوم. هل كان هذا رحمةً وفيرة وغضبًا شديدًا، أم لم يكن؟ بأيّة وسيلةٍ أهلك الله المدينة؟ بالنار. ولماذا أهلكها بالنار؟ عندما ترى شيئًا يحترق بالنار، أو عندما تكون على وشك إحراق شيءٍ، ماذا تكون مشاعرك تجاهه؟ لماذا تريد إحراقه؟ هل تشعر بأنك لم تعد بحاجةٍ إليه، وأنك لم تعد ترغب في النظر إليه؟ هل تريد التخلّي عنه؟ إن استخدام الله للنار يعني التخلّي والكراهية، وأنه لم يعد يرغب في رؤية سدوم. كانت هذه هي العاطفة التي جعلت الله يُهلِك سدوم بالنار. يُمثّل استخدام النار مدى غضب الله. إن رحمة الله وتسامحه موجودان بالفعل، ولكن قداسة الله وبرّه عندما يُعلِن غضبه يُظهِران للإنسان جانب الله الذي لا يحتمل أيّة إساءةٍ. عندما يكون الإنسان قادرًا تمامًا على طاعة وصايا الله والتصرّف وفقًا لمتطلّباته، يكون الله كثير المراحم تجاه الإنسان. وعندما يكون الإنسان مملوءًا بالفساد والكراهية والعداء ضده، يكون الله غاضبًا جدًّا. وإلى أيّ مدى يكون غضبه شديدًا؟ سوف يستمرّ غضبه حتّى لا يرى الله مقاومة الإنسان وأعماله الشريرة، وحتّى لا تكون أمام عينيه. عندها فقط سيختفي غضب الله. وهذا يعني أنه بغضّ النظر عن طبيعة الشخص، إذا ابتعد قلبه بعيدًا عن الله وحاد عن الله ولم يرجع قط، فبغضّ النظر عن الكيفيّة التي يريد بها عبادة الله واتّباعه وطاعته في جسده أو في فكره، فيما يتعلّق بجميع مظاهره أو من حيث رغباته الذاتيّة، فبمُجرّد أن يبتعد قلبه عن الله سوف يُعلِن الله عن غضبه دون توقّفٍ. وعندما يُعلِن الله غضبه الشديد، بعد أن يكون قد منح الإنسان فرصًا كثيرة، فبمُجرّد إعلان الغضب لن توجد طريقةٌ لصدّ غضبه، ولن يكون متسامحًا أو متساهلًا مع ذلك الشخص مرةً أخرى. هذا جانبٌ من جوانب شخصيّة الله لا يحتمل أيّة إساءةٍ. هنا، يبدو من الطبيعيّ للناس أن يُهلِك الله مدينة، لأنه في نظر الله لا يمكن لمدينةٍ ملآنة بالخطيّة أن توجد وتستمرّ في البقاء، وكان من المنطقيّ أن يُهلِكها الله. ولكن في الأحداث التي وقعت قبل إهلاك سدوم وبعده نرى شخصيّة الله بأكملها. إنه متسامحٌ ورحوم تجاه الأشياء اللطيفة والجميلة والجيّدة، ولكنه شديد الغضب تجاه الأشياء الشريرة والخاطئة والفاسدة، وكأن غضبه لا يتوقّف. هذان هما الجانبان الرئيسيّان البارزان في شخصيّة الله، إضافة إلى أنهما الجانبان اللذان كشف عنهما الله من البداية إلى النهاية: الرحمة الوفيرة والغضب الشديد. لقد اختبر معظمكم ملمحًا من ملامح رحمة الله، ولكن قليلين جدًّا منكم هم مَنْ قدّروا غضب الله. يمكن رؤية رحمه الله وإحسانه في كل شخصٍ؛ أيّ أن الله رحيمٌ للغاية تجاه كل شخصٍ. ومع ذلك فإنه من النادر جدًّا – أو يمكن القول إنه لم يحدث قط – أن يكون الله قد غضب بشدّةٍ تجاه أيّ فردٍ أو أيّة مجموعةٍ من الناس بينكم. اِسترخوا! عاجلاً أو آجلًا سوف يعاين كل شخصٍ غضب الله ويختبره، ولكن الوقت لم يحن بعد. ولماذا هذا؟ لأنه عندما يكون الله غاضبًا دومًا تجاه شخصٍ ما، أي عندما يصبّ جام غضبه عليه، فإن هذا يعني أنه قد مرّ زمانٌ طويل منذ أن مقت الله ذلك الشخص ورفضه، وأنه يحتقر وجوده ولا يحتمل وجوده؛ وبمُجرّد أن يأتي غضبه عليه، فسوف يختفي. واليوم، لم يبلغ عمل الله بعد هذه النقطة. لن يستطيع أيٌ منكم الاحتمال عندما يُعلن الله غضبه الشديد. ترون إذًا أن الله في هذا الوقت وافر الرحمة تجاهكم جميعًا، وأنكم لم تعاينوا غضبه الشديد. إذا وُجد من لم يقتنع بعد، فبإمكانكم أن تطلبوا أن ينصبّ غضب الله عليكم حتّى تختبروا ما إذا كان غضب الله وشخصيّته التي لا تقبل الإساءة موجودَيْن تجاه الإنسان بالفعل أم لا. هل تجرؤون على ذلك؟

شعب الأيام الأخيرة لا يرى غضب الله إلا في كلماته، ولكنه لا يختبر حقًّا غضب الله

هل جانبا شخصيّة الله في هذه المقاطع الكتابيّة جديريْن بالمشاركة؟ بعد أن سمعتم هذه القصة، هل لديكم فهمٌ مُتجدّد لله؟ أيّ نوعٍ من الفهم؟ يمكن القول إنه منذ وقت الخلق وحتّى اليوم، لم تتمتّع أيّة مجموعةٍ بمقدار نعمة الله أو رحمته وإحسانه مثل هذه المجموعة الأخيرة. مع أن الله، في المرحلة الأخيرة، قد أدّى عمل الدينونة والتوبيخ، وأدّى عمله بالجلال والغضب، إلا أنه في معظم الأوقات لا يستخدم سوى الكلمات لإنجاز عمله. إنه يستخدم كلمات للتعليم والسقي والإعالة والتغذية. وفي الوقت نفسه، ظلّ غضب الله مختبئًا دائمًا، وبصرف النظر عن اختبار شخصيّة الله الغاضبة في كلماته، لم يختبر إلا عدد قليل من الناس غضبه اختبارًا شخصيًّا. وهذا يعني أنه أثناء عمل الله في الدينونة والتوبيخ، مع أن الغضب المُعلن في كلمات الله يسمح للناس باختبار جلال الله وعدم تهاونه مع الإساءة، فإن هذا الغضب لا يتجاوز كلماته. وهذا يعني أن الله يستخدم الكلمات لانتهار الإنسان، وكشفه، ودينونته، وتوبيخه، بل وحتّى إدانته، لكن الله لم يغضب بعد بشدّةٍ من الإنسان، وبالكاد أطلق العنان لغضبه على الإنسان خارج كلماته. وهكذا، فإن رحمة الله وإحسانه اللذيْن اختبرهما الإنسان في هذا العصر هما الإعلان عن شخصيّة الله الحقيقيّة، في حين أن غضب الله الذي يختبره الإنسان ما هو إلا مُجرّد تأثير نبرة أقواله وحسّها. يأخذ كثيرون من الناس هذا التأثير على نحوٍ خاطئ على أنه الاختبار الحقيقيّ والمعرفة الحقيقيّة لغضب الله. ونتيجةً لذلك، يؤمن معظم الناس أنهم رأوا رحمة الله وإحسانه في كلماته، وأنهم عاينوا أيضًا عدم تساهل الله مع إساءة الإنسان، بل إن معظمهم وصل لمرحلة تقدير رحمة الله وتسامحه تجاه الإنسان. ولكن بغضّ النظر عن مدى سوء سلوك الإنسان، أو مدى فساد شخصيّته، كان الله يتحمّل دائمًا. وهدفه من تحمّله هو انتظار الكلمات التي تكلّم بها، والجهود التي بذلها، والثمن الذي دفعه لتحقيق تأثيرٍ في أولئك الذين يود ربحهم. إن انتظار نتيجة مثل هذه يستغرق وقتًا، ويتطلّب إنشاء بيئاتٍ مختلفة للإنسان، بالطريقة نفسها التي لا يصل بها الأشخاص مرحلة البلوغ بمُجرّد ولادتهم؛ فهذا يستغرق ثمانية عشر أو تسعة عشر عامًا، ويحتاج بعض الأشخاص إلى عشرين أو ثلاثين عامًا قبل أن يصلوا إلى مرحلة البلوغ الحقيقيّة. ينتظر الله استكمال هذه العمليّة، ومجيء مثل هذا الوقت، والوصول إلى هذه النتيجة. وطوال وقت انتظاره يكون وافر المراحم. ومع ذلك، خلال فترة عمل الله، يُجازى عددٌ قليل للغاية من الناس، ويُعاقَب بعضهم بسبب معارضتهم الشديدة لله. مثل هذه الأمثلة دليلٌ أكبر على شخصيّة الله التي لا تتهاون مع إساءة الإنسان، وتُؤكّد تمامًا الوجود الحقيقيّ لتسامح الله وتحملّه تجاه المختارين. بالطبع، في هذه الأمثلة النمطيّة، لا يُؤثّر الكشف عن جزءٍ من شخصيّة الله داخل هؤلاء الناس في خطّة تدبير الله الشاملة. في الواقع، في هذه المرحلة النهائيّة من عمل الله، تحمّل الله طوال فترة انتظاره، ودفع تحمّله وحياته ثمنًا من أجل خلاص من يتبعونه. هل ترون هذا؟ الله لا يُحبِط خطّته بلا سببٍ. يمكنه أن يُطلِق غضبه، ويمكن أن يكون رحومًا أيضًا؛ هذا هو الإعلان عن الجزأين الرئيسيّين من شخصيّة الله. هل هذا واضحٌ جدًّا أم لا؟ أي أنه عندما يتعلّق الأمر بالله، وبالصواب والخطأ، وبالعدل والظلم، وبالإيجابيّ والسلبيّ – فهذا كله يظهر بوضوحٍ للإنسان. أمّا ما سوف يفعله، وما يحبّه، وما يكرهه فيمكن أن ينعكس كله مباشرةً في شخصيّته. يمكن أن تكون مثل هذه الأمور أيضًا واضحة جدًّا وجليّة في عمل الله، وهي ليست مبهمة أو عامة، بل إنها تسمح لجميع الناس بأن ينظروا شخصيّة الله وما لديه وما هو عليه بطريقةٍ ملموسة وصحيحة وعمليّة على نحو خاص. هذا هو الإله الحقيقيّ نفسه.

شخصيّة الله لم تُخفَ قط عن الإنسان – لكن قلب الإنسان ضلّ عن الله

إذا لم أشارك هذه الأمور، فلن يتمكّن أيّ واحدٍ منكم من رؤية شخصيّة الله الحقيقيّة في قصص الكتاب المُقدّس. هذه حقيقة. والسبب في ذلك هو أنه مع أن هذه القصص الكتابيّة سجلّت بعض الأشياء التي فعلها الله، إلا أن الله لم يتكلّم سوى بالقليل من الكلمات، ولم يُقدّم شخصيّته مباشرةً أو يكشف عن إرادته بوضوحٍ للإنسان. لم تعتبر الأجيال اللاحقة هذه الروايات أكثر من كونها قصصًا، ولذا يبدو للناس أن الله يُخفي نفسه عن الإنسان وأنه ليس شخص الله هو المخفيّ عن الإنسان، بل شخصيّته وإرادته. بعد مشاركتي اليوم، هل ما زلتم تشعرون بأن الله مخفيٌ بالكامل عن الإنسان؟ هل ما زلتم تعتقدون أن شخصيّة الله مخفيّة عن الإنسان؟

منذ زمن الخلق، كانت شخصيّة الله متوافقة مع عمله. لم تُخفَ قط عن الإنسان، ولكنها أُعلنت تمامًا وانكشفت للإنسان. ولكن مع مرور الوقت، بات قلب الإنسان أكثر بعدًا عن الله، ومع ازدياد فساد الإنسان، تزايد الانفصال بين الإنسان والله. اختفى الإنسان من أمام عينيّ الله ببطءٍ ولكن بتأكيدٍ. أصبح الإنسان غير قادرٍ على "رؤية" الله، وهذا ما حال بينه وبين الحصول على أيّة "أخبارٍ" عن الله. ومن ثمَّ، فإنه لا يعرف ما إذا كان الله موجودًا، بل إنه يتمادى إلى حدّ إنكار وجود الله تمامًا. وعليه، فإن عدم فهم الإنسان لشخصيّة الله وما لديه وماهيته لا يرجع لأن الله مخفيّ عن الإنسان، بل لأن قلب الإنسان ابتعد عن الله. مع أن الإنسان يؤمن بالله، إلا أن قلب الإنسان يخلو من الله، وهو جاهلٌ بكيفيّة محبّة الله، ولا يريد أن يحبّ الله، لأن قلبه لا يقترب أبدًا من الله، كما أنه دائمًا ما يتجنّب الله. ونتيجةً لذلك، فإن قلب الإنسان بعيدٌ عن الله. أين قلبه إذًا؟ في الواقع، لم يذهب قلب الإنسان إلى أيّ مكانٍ: فبدلًا من أن يُسلّم الإنسان قلبه لله أو يكشفه لله، احتفظ به لنفسه. وهذا مع كون حقيقة أن البعض يصلّون في كثيرٍ من الأحيان إلى الله قائلين: "يا الله، انظر إلى قلبي – أنت تعرف كل ما أفكّر به"، والبعض يُقسِمون حتّى ويسمحون لله أن ينظر إلى قلوبهم، وقد يتعرّضون للعقاب إذا خالفوا قسمهم. مع أن الإنسان يسمح لله بأن ينظر إلى داخل قلبه، فإن هذا لا يعني أنه قادرٌ على طاعة تنظيمات الله وترتيباته، ولا أنه ترك مصيره وتطلعاته وكل ما له لتحكّم الله. وهكذا، بغضّ النظر عن القسم الذي تُقدّمه لله أو ما تعلنه أمامه، فإن قلبك في نظر الله لا يزال مغلقًا أمامه، لأنك تسمح لله بأن ينظر قلبك فقط ولكنك لا تسمح له بالتحكّم فيه. وهذا يعني أنك لم تُسلّم الله قلبك مطلقًا، ولا تتحدّث سوى بكلماتٍ لطيفة كي يسمعها الله؛ أمّا نواياك المخادعة المختلفة، مع مكائدك ومُخطّطاتك وخططك، فتخفيها عن الله، وتتشبّث بآمالك ومصيرك بين يديك، خائفًا على الدوام من أن يُبعدها الله عنك. وهكذا، فإن الله لا ينظر صدق الإنسان تجاهه أبدًا. ومع أن الله يراقب أعماق قلب الإنسان، ويمكنه أن يرى ما يفكّر فيه الإنسان وما يريد أن يفعله في قلبه، ويمكنه أن يرى ما يحتفظ به داخل قلبه، إلا أن قلب الإنسان لا ينتمي إلى الله، فالإنسان لم يُسلّمه ليكون تحت تحكّم الله. وهذا يعني أن الله له الحقّ في الاطلاع، ولكن ليس له الحقّ في التحكّم. في الوعي الذاتيّ للإنسان، لا يريد الإنسان ولا ينوي أن يترك نفسه لترتيب الله. فالإنسان لم يغلق نفسه عن الله وحسب، بل يُوجد أناسٌ يُفكّرون حتّى في طرقٍ لتغطية قلوبهم، باستخدام الكلام الناعم والإطراء لخلق انطباعٍ خاطئ وكسب ثقة الله، وإخفاء وجههم الحقيقيّ بعيدًا عن أنظار الله. هدفهم من عدم السماح لله بأن يرى هو عدم السماح له بأن يدرك ما هم عليه حقًا. إنهم لا يريدون تسليم قلوبهم لله، ولكن الاحتفاظ بها لأنفسهم. والمعنى الضمنيّ لهذا هو أن ما يفعله الإنسان وما يريده خطّط له الإنسان وحسبه وقرّره بنفسه؛ إنه لا يتطلّب مشاركة الله أو تدخّله، ولا يحتاج إلى تنظيمات الله وترتيباته. وهكذا، سواء فيما يتعلّق بوصايا الله أو تكليفه أو المتطلّبات التي يطلبها الله من الإنسان، تستند قرارات الإنسان إلى نواياه ومصالحه وحالته وظروفه الخاصة في ذلك الوقت. أن يستخدم الإنسان دائمًا المعرفة والأفكار التي يعرفها وعقله للحكم واختيار المسار الذي يجب أن يتّخذه، ولا يسمح بتدخّل الله أو تحكّمه. هذا هو قلب الإنسان الذي يراه الله.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (2)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

اترك رد