البند العاشر: يحتقرون الحقَّ، ويسخرون بالمبادئ علنًا، ويتجاهلون ترتيبات بيت الله (الجزء الرابع)

ثانيًا: احتقار الجسد الذي يتجسد الله فيه

في الشركة الأخيرة، تحدثنا عن الموضوع الفرعي الثاني من المظهر العاشر لأضداد المسيح – احتقار الجسد الذي يتجسد الله فيه. أين توقّفنا في شركتنا؟ (تعتمد كيفية معاملة أضداد المسيح مع المسيح على مزاجهم). وصلنا إلى بند: "تعتمد كيفية معاملتهم مع المسيح على مزاجهم". دعونا أولًا نُراجع الجوانب التي عقدنا شركة عنها. كم حالة تم تشريحها بخصوص "حسب مزاجهم"؟ (كانت خمس حالات: سلوكهم عند مواجهتهم بالتهذيب، وسلوكهم تجاه المسيح عندما كان مُطارَدًا، وعندما يولِّدون مفاهيم عن الله المتجسِّد، وعند ترقيتهم أو إعفائهم، وعندما يُواجَهون ببيئات مختلفة). هذه هي تقريبًا. عندما تستمعون إلى محتوى هذه الجوانب، هل تسمعون فحسب عن الأحداث التي بداخلها، أم تقيسونها على أنفسكم فتربحوا الحق وتفهموه من خلالها؟ من أي منظور تستمعون؟ (عندما يكشف الله هذه الحالات والمظاهر ويُشرحها، أستطيع مطابقتها على نفسي. أحيانًا، قد لا يكون سلوكي مطابقًا تمامًا لمظاهر أضداد المسيح، لكن الشخصية وجوهر الطبيعة المُستعلنان هما الشيء نفسه). الحالات والمظاهر والجواهر المكشوفة موجودة في كلّ شخص بدرجات متفاوتة. عندما يبدأ الناس في الإيمان بالله، يصعب عليهم أن يلاحظوا مظاهر هذه الشخصيات الفاسدة في أنفسهم، ولكن مع تعمّق خبرتهم في الإيمان بالله تدريجيًا، يُدرِكون بدون وعي بعض الشخصيات والسلوكيات. لذلك، سواء كانت المظاهر المحدّدة التي يتناولها محتوى شركتنا حاليًا تنطبق عليك أم لا، أو سواء كنت قد مارست مثل هذه السلوكيات في الماضي أم لا، فهذا لا يعني أن هذه الأمور لا تعنيك؛ ولا يعني أنك لن تفعل مثل هذه الأمور في المستقبل، كما لا يعني أنك لا تمتلك مثل هذه الشخصيات والسلوكيات. الآن نكون قد أمضينا أكثر من عام في عقد شركة عن مختلف مظاهر أضداد المسيح وكشفها. بقضائنا لأكثر من عام في عقد الشركة حول موضوع ما بدون أن نبلغ نهايته، هل تظنّون أن ما نتناوله في شركتنا محدَّد وشامل؟ (إنه شامل). إنه محدَّد وشامل للغاية! على الرغم من بلوغ الشركة هذا المستوى، فإن كثيرين لا يزالون يُظهرون سلوكياتهم الأصلية، دون أن يطرأ عليهم أي تغيير يُذكَر. بمعنى أن ما قيل من كلام، وما كُشف من حالات وشخصيات وجواهر، لم يُفِدهم ولو قليلًا. وخلال هذه الفترة، لا يزال البعض يواصلون التصرّف بتهوّر وبدون ضمير، ويتصرفون بتعسف واستبداد، ويُبدون عنادًا وتقلبًا. إنهم يظلون كما كانوا من قبل، أو يتمادون أكثر بعد حصولهم على مكانة، فيكشفون عن أنفسهم بشكل أعمق. بالإضافة إلى ذلك، ثمة أشخاص دائمًا يُستبدَلون ويُخرجون – ما الذي يجري هنا؟ (ذلك لأن هؤلاء الأشخاص لم يقبلوا الحقّ قط؛ فقد استمعوا إلى العديد من العظات، لكنها لم تَمسّ قلوبهم). أحد الأسباب هو أن هؤلاء الأشخاص لا يقبلون الحق أبدًا؛ إنهم ينفرون من الحق، ولا يحبّون الأشياء الإيجابية. وسبب آخر هو أنهم بفطرتهم يملكون جوهر أضداد المسيح، فلا يستطيعون قبول الحق أو الأشياء الإيجابية. ولذلك، رغم أنني عقدت شركة عن جواهر ومظاهر أضداد المسيح المتعددة وكشفتها بهذه الدرجة من التحديد، لا يزال هؤلاء الأشخاص من أضداد المسيح والأشرار يتصرّفون بجموح وبدون خوف، ويفعلون ما يحلو لهم. أليس هذا مُحدَّدًا بجوهرهم؟ من المستحيل فعلًا أن يغير هؤلاء الأشخاص طبيعتهم؛ فهم لا يتأثرون بالعظات مهما سمعوا منها، ولا يُبدون أي توبة. من خلال النظر في حياتهم اليومية، وموقفهم من أداء واجباتهم، والطريقة التي يؤدّونها بها، يتّضح أنهم لا يقبلون الحق إطلاقًا، ولم يطرأ على شخصياتهم أي تغيير يُذكر؛ فكلمات كهذه أشبه بالوعظ لمن لا يسمع – لا تأثير لها إطلاقًا. هذه الكلمات لا تؤثّر في أضداد المسيح، لكن هل كان لها تأثير رادع بدرجة ما فيكم؟ هل ساهمت هذه الكلمات في كبح بعض السلوكيات والارتقاء بمعايير ضميركم وأخلاقكم؟ (إلى حدٍّ ما). إن لم تُحدِث هذه الكلمات تأثيرًا في أحدهم، فهل لا يزال إنسانًا؟ إنه ليس كذلك؛ بل هو إبليس. بالطبع، بعد سماع هذه الكلمات، اكتسب معظم الناس شيئًا من التمييز تجاه مختلف جواهر شخصيات أضداد المسيح، ونشأ في داخلهم كُره لشخصيات أضداد المسيح من أعماق قلوبهم، كما ربحوا شيئًا من الفهم والمعرفة لجواهر شخصياتهم الفاسدة. هذه علامة طيبة، وأمر طيب. لكن، هل ثمة أشخاص يزدادون سلبية كلما استمعوا أكثر؟ عند سماع هذه الكلمات، يفكرون: "انتهى الأمر. في كل مرة تُكشف فيها مظاهر أضداد المسيح، وحالاتهم، وشخصياتهم، أجد أنها تنطبق تمامًا عليّ. لم يحدث ولو لمرة واحدة أن كانت تلك الأمور غير مرتبطة بي. متى يحين الوقت الذي أتحرّر فيه كليًا من شخصية أضداد المسيح؟ متى سأتمكن من إظهار بعض من مظاهر شعب الله، ومن مظاهر أبناء الله المحبوبين؟" كلما استمعوا أكثر، ازدادوا سلبية، وازداد شعورهم بأنه لا طريق أمامهم ليسلكوه. هل هذا ردّ فعل طبيعي؟ (كلا). هل تشعرون بالسلبية؟ (كلا). في كل مرة تسمعونني أكشف مظاهر أضداد المسيح وأحداثهم، هل يوجِعكم ذلك أو يُشعركم بالانزعاج؟ هل تشعرون بالخزي؟ (إنه يوجعنا، ونشعر بالخزي). مهما كانت المشاعر التي تنتابكم، فإن كونكم لم تسقطوا في السلبية يُعدّ أمرًا جيدًا؛ لقد وقفتم بثبات. ومع ذلك، فإن عدم السلبية لا يكفي؛ فهو لا يُحقّق القصد، وليس هو الهدف النهائي. عليكم أن تصلوا إلى معرفة أنفسكم من خلال هذه الكلمات. الأمر لا يتعلّق بفهم جانب من السلوك، بل بمعرفة شخصيتك وجوهرك. ينبغي لهذا الفهم أن يمكّنك من إيجاد طريق للممارسة في الحياة وفي أثناء أداء واجبك، لتعرف ما الأفعال التي توافق سلوك أضداد المسيح، وما الأفعال التي تستعلن شخصية أضداد المسيح، وما الأفعال التي تستند إلى المبادئ. إذا تمكنت من بلوغ هذا، فأنت لم تسمع هذه الكلمات عبثًا؛ لقد تركت أثرًا فيك. سنُتابع فيما يلي الشركة عن المظهر الرابع من مظاهر كيفية معاملة أضداد المسيح لله المتجسِّد – الاستماع إلى ما يقوله المسيح فحسب دون طاعة ولا خضوع.

د. الاستماع إلى ما يقوله المسيح فحسب دون طاعة ولا خضوع

أضداد المسيح يستمعون إلى ما يقوله المسيح فحسب دون طاعة ولا خضوع؛ إذًا، كيف يستمعون؟ هذه العبارة توجز في جوهرها الموقف الذي يستمعون به: لا وجود لامتثال، ولا لخضوع حقيقي؛ إنهم لا يقبلون من القلب، بل يكتفون بالاستماع بآذانهم، دون أن يصغوا أو يدركوا بقلوبهم. بالنظر إلى الأمر حرفيًا، فإن سلوك أضداد المسيح وشخصيتهم في هذا الجانب يتلخّص في هذه العناصر الأساسية. من منظور جوهر شخصية أضداد المسيح، فإن مثل هؤلاء الأشخاص لا يطيعون أي شيء يأتي من الله، ولا يخضعون له، ولا لأي شيء يعتبره الله أو البشر أمرًا صالحًا وإيجابيًا، ولا حتى لما يتفق مع قوانين الطبيعة؛ بل يستهينون بهذه الأمور، وتكون لهم منظوراتهم وآرائهم الخاصة. هل تتوافق منظوراتهم مع قواعد الأمور الإيجابية وقوانينها؟ كلا. تنحصر منظوراتهم في جانبين: أحدهما هو قوانين الشيطان، والآخر يتوافق مع مصالح الشيطان وجوهر طبيعته. لذا، فيما يخصّ الجسد الذي يتجسّد الله فيه، فإن منظورات أضداد المسيح ومواقفهم تنحصر بشكل أساسي في أمرين: أحدهما هو منطق الشيطان وقوانينه، والآخر هو جوهر شخصية الشيطان. المسيح هو المتحدّث باسم الله أثناء أدائه مرحلة من العمل على الأرض، وهو تعبير الله وتجسّده أثناء أدائه لمرحلة من العمل على الأرض. بالنسبة إلى مثل هذا الدور، فإن أضداد المسيح، بخلاف فضولهم، وحبّهم للتمحيص، وتعاملهم معه كما يتعاملون مع شخص ذي مكانة يتزلفون إليه ويتملّقونه، فإنهم لا يملكون في قلوبهم إيمانًا حقيقيًا أو اتباعًا صادقًا، فضلًا عن أن تكون لديهم محبة أو خضوع حقيقيين. بالنسبة إلى المسيح، ذلك الشخص الذي يبدو غير مهم في نظر البشرية الفاسدة، فإن مظهره عادي وطبيعي؛ وكلامه وسلوكه وهيئته، وكذلك جميع جوانب إنسانيته، هي أيضًا عادية وطبيعية. بل وأكثر من ذلك، فإن شكل العمل الذي يقوم به، وأسلوبه، وطريقته، تبدو في نظر الجميع عادية وطبيعية وعملية للغاية، فهي ليست خارقة للطبيعة، ولا جوفاء، ولا مبهمة، ولا منفصلة عن الحياة الواقعية. باختصار، لا يبدو المسيح من الظاهر مهيبًا، إذ لا يتسم حديثه ولا أفعاله ولا هيئته بالعمق أو التجريد. وحين يُنظر إليه بعيون البشر، لا تُرى فيه أسرار، ولا ما يستعصي على الفهم؛ بل هو عمليّ وعاديّ للغاية. قبل أن نناقش جوهر كل العمل الذي يضطلع به الله المتجسد وطبيعته، دعونا نفكر في كل ما هو ظاهر للناس عن دور الله المتجسد هذا: حديثه، وسلوكه، وهيئته، وروتينه اليومي، وطبعه، واهتماماته، ومستواه التعليمي، والأمور التي يهتم بها ويناقشها، وطريقته في معاملة الناس والتفاعل معهم، بالإضافة إلى الأمور التي يُفصح عن معرفته بها، وغير ذلك. كل هذه الأمور من منظور الإنسان، ليست خارقة للطبيعة، أو مهيبة، أو جوفاء، بل هي عملية بدرجة كبيرة. كل هذه الجوانب هي اختبار لكل من يتبع المسيح؛ لكن بالنسبة إلى من يؤمنون بالله حقًا، ولديهم ضمير وعقل، بمجرد أن يفهموا بعض الحقائق، يلخصون كل هذه المظاهر العادية والعملية في المسيح على أنها تعبير عن الله المتجسّد، لكي يفهموا ويستوعبوا ويخضعوا. غير أن أضداد المسيح لا يفعلون ذلك؛ فهم لا يقدرون عليه. في أعماق قلوبهم، يبدو لهم أن شخصًا عاديًا للغاية مثل المسيح ينقصه شيء ما. ما الذي ينقصه بالضبط؟ يشعر أضداد المسيح في أعماقهم في كثير من الأحيان أن مثل هذا الشخص العادي لا يبدو وكأنه الله تمامًا. كما أنهم كثيرًا ما يطالبون بأن يتكلّم هذا الشخص العادي، ويتصرّف، ويسلك بطريقة تليق – في نظرهم – بالله الحقيقي، المسيح الذي يتصوّرونه في خيالهم. لذلك، عند التعمق في قلوب أضداد المسيح، نجد أنهم لا يرغبون في قبول شخص عادي كهذا ربًّا وإلهًا لهم. فكلّما ازداد أحد جوانب المسيح اتّصافًا بالطبيعية والعملية والاعتيادية، ازداد أضداد المسيح له ازدراءً واحتقارًا، بل وعداءً. وهكذا، فيما يتعلّق بأي جانب من جوانب سلوك المسيح، بما في ذلك كلامه، فإن أضداد المسيح لا يستطيعون في أعماقهم قبوله، بل إنهم يقاومونه.

ما الذي يتضمنه حديث المسيح؟ أحيانًا يتعلّق بوضع ترتيبات للعمل، وأحيانًا بالإشارة إلى نقائص أحدهم، وأحيانًا بكشف الجوهر الفاسد لنوع معيّن من الأشخاص، وأحيانًا بتحليل جوهر مسألة معيّنة وكشف تفاصيلها لتشريح المشكلات الكامنة فيها، وأحيانًا بالحكم على صواب أمر أو خطئه، وأحيانًا بتحديد عاقبة نوع معيّن من الأشخاص، وأحيانًا بترقية بعض الأشخاص، وأحيانًا بإعفاء بعضهم، وأحيانًا بتهذيب بعضهم، وأحيانًا بمواساتهم أو بوعظهم. بالطبع، إلى جانب الحقائق المتعلّقة بشخصية الناس الحياتية التي يتحدّث عنها المسيح أثناء عمله، كثيرًا ما يتطرّق أيضًا إلى شتّى الأمور، وإلى بعض المواضيع المرتبطة بالمعرفة الإنسانية ومجالات مهنية متنوعة. المسيح شخص عادي وعملي؛ فهو لا يعيش في فراغ، ولديه أفكار ووجهات نظر حول كل الأمور المتعلّقة بالوجود الإنساني والحياة، ويتعامل مع هذه الأمور بالمبادئ. إذا كانت هذه المبادئ تتعلّق بموضوعات بقاء الناس على قيد الحياة، ودخولهم إلى الحياة، وعبادتهم لله، فهل يمكن القول إنها جميعًا حقائق؟ (نعم). الكلمات التي يتحدّث بها المسيح بخصوص المعرفة البشرية، والفلسفة، وبعض الأمور المهنية لا يمكن أن يُطلق عليها مباشرة الحق، لكنها تختلف في وجهة النظر والموقف والمبدأ عمّا يعرفه البشر حول هذه المواضيع. فعلى سبيل المثال، قد يتبنى البشر موقفًا تقديسيًا تجاه معرفة ما، ويعيشون بحسبها، بينما يستطيع المسيح تشريح شتّى أنواع المعرفة وتمييزها والتعامل معها بشكل صحيح. فلتأخذوا على سبيل المثال خبرتكم في مهنة معيّنة، وإتقانكم للمعرفة المرتبطة بها. ما الذي يمكنكم تحقيقه من خلال تطبيقكم لهذه المعرفة؟ كيف تطبّقون هذه المعرفة أثناء أداء واجبكم؟ هل ينطوي الأمر على أي مبادئ حق؟ إن كنت لا تفهم الحق، فلن تكون ثمة مبادئ، وستعتمد على المعرفة فحسب في أداء واجبك. رغم أنني قد لا أكون خبيرًا في تلك المهنة، ولا أمتلك فهمًا عميقًا لتلك المعرفة، بل أُدرك الفكرة العامة وأعرف بعض الأساسيات فحسب، إلا أنني أعلم كيف أُطبّق هذه المعرفة بطريقة وبمبادئ تُمكّنها من خدمة عمل الله بفاعلية. وهنا يكمن الفارق. لأن أضداد المسيح لا يقبلون الحق، فلن يروا هذه النقطة أبدًا، ولن يفهموا أبدًا ما هي حقيقة جوهر المسيح. المسيح يملك جوهر الله – فأين يتحقق ويتجلّى هذا فعليًا، وكيف ينبغي للناس أن يتعاملوا معه، وما الفوائد والمكاسب التي ينالونها منه؟ أضداد المسيح لن يروا هذا الجانب أبدًا. ما السبب؟ ثمة سبب في غاية الأهمية: مهما كانت نظرة أضداد المسيح إلى الجسد الذي يتجسّد الله فيه، فإنهم لا يرون فيه سوى شخص عادي. إنهم يقيسون من منظور بشري، ويستخدمون المعرفة البشرية، والاختبار، والفكر، وتدبير المكائد، والخداع في طريقتهم في النظر؛ ولكن مهما نظروا، لا يرون في هذا الشخص شيئًا مميزًا، ولا يستطيعون تمييز أنه يتمتع بجوهر الله. أخبروني، هل يمكنهم رؤيته بالعين المجرّدة؟ (كلا). وماذا لو استخدموا مجهرًا أو أشعة سينية؟ حينها سيكون من غير المرجّح بدرجة أكبر أن يروه. يتساءل بعض الأشخاص: "إذا تعذر رؤيته بالعين المجرّدة أو بالمجهر، فهل يمكن لأولئك الذين على تواصل مع العالم الروحي أن يروه؟" (كلا). أولئك الذين على تواصل مع العالم الروحي يستطيعون أن يروا ما في ذلك العالم ويُدركوا الأرواح، فلماذا لا يستطيعون تمييز الله المتجسّد؟ هل تظنون أن الشيطان يستطيع رؤية الله في العالم الروحي؟ (نعم). الشيطان، شأنه شأن الله، موجود في العالم الروحي، لكن هل يعترف بالله على أنه الله؟ (كلا). هل يتبع الله أو يؤمن به؟ (كلا). يمكن للشيطان أن يرى الله كل يوم، ومع ذلك لا يؤمن به ولا يتبعه. إذًا، حتى لو استطاع أولئك الذين على تواصل مع العالم الروحي رؤية روح الله، فهل كانوا سيعترفون بهذا الروح على أنه الله؟ (كلا). هل يُعالج هذا الشرح المسألة من جذرها؟ (نعم). ما هو جذر المسألة هنا؟ (إنهم لا يعترفون بالله ولا يتقونه). في أعماقهم، لا يعترف أضداد المسيح بالله. بل إن أسلافهم، وجذورهم ذاتها، لم يعترفوا بالله. حتى مع وجود الله أمام أعينهم، فإنهم لا يعترفون به ولا يعبدونه. فكيف يمكنهم إذًا أن يعبدوا الله المتجسّد، الذي يبدو عاديًا وغير مهم للغاية؟ من غير الممكن إطلاقًا أن يفعلوا ذلك. لذلك، مهما كانت الوسائل التي يستخدمها أضداد المسيح للرؤية، فإنها عديمة الجدوى. منذ أن بدأ الله عمله وحتى الآن، تكلّم بكلام كثير، وقام بعمل عظيم. أفلا يُعدّ هذا أعظم الآيات والعجائب في عالم البشر؟ لو كان أضداد المسيح قادرين على الاعتراف بذلك، لكانوا قد آمنوا منذ زمن بعيد، ولَمَا انتظروا حتى الآن. هل يظنّ بعض الناس هذا: "أضداد المسيح لم يروا بعد ما يكفي من أعمال الله الفعلية، لذلك ما زالوا غير مقتنعين؛ فلو أظهر الله بعض الآيات والعجائب، وتركهم يرون كيف يبدو العالم الروحي حقًا، ولو رأوا شخص الله الحقيقي، وأن كل كلامه قد تحقق، كانوا حينها سيعترفون بالله ويتبعونه؟" أهكذا الأمر؟ بعد أن صارع أضداد المسيح الله في العالم الروحي لسنوات عديدة دون أن يقتنعوا، هل يُعقل أن يخضعوا فجأة في غضون بضع سنوات؟ ذلك أمر غير وارد؛ فجوهر طبيعتهم غير قابل للتغيير. لقد أدى الله المتجسّد هذا القدر الكبير من العمل، وتكلّم بهذا الكمّ من الكلام، ومع ذلك لم يُخضعهم شيء من ذلك، ولا استطاعوا أن يعترفوا بهويّة الله وجوهره. هذه هي طبيعتهم الفطرية. ما الذي تشير إليه هذه الطبيعة؟ هذا يعني أن أناسًا مثل أضداد المسيح سيظلون إلى الأبد يشنون حربًا ضد الله، والحق، وكل ما هو إيجابي، ويحاربون حتى النهاية المرّة، دون أن يتوقّفوا إلى أن يطويهم الموت. أليسوا هم الأهداف المستحقّة للهلاك؟ ما معنى عبارة "دون أن يتوقّفوا إلى أن يطويهم الموت"؟ يعني ذلك أنهم يفضّلون الموت على أن يعترفوا بكلام الله على أنه الحق، ويفضّلون الموت على أن يخضعوا لله. هذا يستوجب الموت.

حين يتعلّق الأمر بالمسيح، هذا الشخص العادي، فإن أضداد المسيح لا يكتفون بتمحيصه من الخارج، بل يمحّصونه أيضًا من الداخل. وهكذا، حين يتكلّم المسيح ويتصرّف، يُظهر أضداد المسيح أنواعًا متعدّدة من السلوكيات. دعونا نكشف جوهر طبيعة أضداد المسيح من خلال المظاهر المختلفة التي يبدونها ردًّا على كلام المسيح وأفعاله. فمثلًا، عندما يعقد المسيح شركة مع الناس عن العمل ومبادئ الحق، فإنه يذكر بعض الممارسات المحددة. وهذه تتضمن الكيفية التي ينبغي للأشخاص على وجه التحديد أن يُنفّذوا بها مهمة ما ويطبقوها أثناء أداء واجبهم. بوجه عام، ما من مهمة تتعلق فحسب بمناقشة النظريات، وترديد الشعارات، وإشعال حماسة الجميع، ثم جعلهم يؤدون قسمًا وينتهي الأمر؛ فكل مهمة مرتبطة بالواجب معقّدة وتنطوي على تفاصيل معيّنة. على سبيل المثال: كيفية اختيار الشخص المناسب؛ وكيفية التعامل مع الحالات المختلفة للعديد من الناس ومعالجتها؛ وكيفية معالجة المشكلات المتنوعة التي تظهر أثناء أداء الواجب بحسب المبادئ؛ وكيفية تحقيق التعاون المتناغم بين الناس دون التصرف بتعسف أو استبداد، أو بعناد وتقلب؛ وغير ذلك من المواضيع المختلفة. عندما يحتاج الناس إلى تنفيذ عمل محدد عقد المسيح شركة عنه، وإلى تولّي مسؤولية مشاريع بعينها، فقد يواجهون صعوبات. إن الهتاف بالشعارات والوعظ بالتعاليم أمر سهل، لكن التنفيذ الفعلي ليس بهذه البساطة. على أقل تقدير، يحتاج الناس إلى بذل جهد، ودفع ثمن، وتخصيص وقت للمضيّ قدمًا في تنفيذ هذه المهام فعليًا. وهذا يشمل، من جهة، إيجاد الأشخاص المناسبين، ومن جهة أخرى، التعرّف إلى المهنة المعنية، والبحث في المعارف العامة والنظريات المرتبطة بمختلف الجوانب المهنية، وكذلك في الأساليب والطرق المحددة للتنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجهون بعض المسائل التي تطرح تحديًا. بوجه عام، يشعر الأشخاص العاديون بشيء من التخوُّف عند سماعهم عن هذه الصعوبات، ويشعرون ببعض الضغط، لكنّ أولئك الأوفياء والخاضعين لله، عندما يواجهون صعوبات ويشعرون بالضغط، يصلّون في قلوبهم بصمت، طالبين من الله الإرشاد، وزيادة إيمانهم، والاستنارة والمعونة، كما يطلبون الحماية من ارتكاب الأخطاء، لكي يُتمُّوا ولاءَهم ويبذلوا أقصى ما لديهم من جهد ليحظوا براحة ضمير. غير أن أناسًا مثل أضداد المسيح ليسوا كذلك. عندما يسمعون من المسيح عن ترتيبات عمل محدّدة عليهم تنفيذها، وأن في العمل بعض الصعوبات، يبدؤون بالشعور بالمقاومة داخليًا، ويصبحون مُحجمين عن المضي قدمًا. فكيف يبدو هذا الإحجام؟ إنهم يقولون: "لماذا لا يكون لي نصيب في الأمور الحسنة؟" لماذا لا يُلقى إليّ سوى المتاعب والمطالب دائمًا؟ هل أُعامَل كأنني بلا فائدة، أو كعبد يُؤمر فيطيع؟ التلاعب بي ليس بهذه السهولة! أنت تقول ذلك باستخفاف شديد، لمَ لا تحاول القيام بذلك بنفسك! هل هذا خضوع؟ هل هذا موقف قبول؟ ماذا يفعلون؟ (يُقاوِمون، ويُعارِضون). كيف تنشأ هذه المقاومة وهذه المعارضة؟ على سبيل المثال، إذا قيل له: "اشتر عدة أرطال من اللحم واطبخ وجبة من لحم الخنزير المطهو على نار هادئة للجميع"، فهل سيُعارض هذا؟ (كلا). ولكن إن قيل له: "اذهب اليوم واحرث تلك الأرض، وأثناء الحرث عليك أن تُنهي أولًا إزالة الحجارة قبل أن تتمكن من تناول وجبتك"، فسيفقد الرغبة. ما إن ينطوي الأمر على مشقّة جسدية، أو صعوبة، أو ضغط، يظهر استياؤهم، ويصبحون غير راغبين في الاستمرار؛ ويبدؤون بالمقاومة والتذمر: "لماذا لا تحدث لي أمور حسنة؟ عندما يحين وقت المهام السهلة أو الخفيفة، لماذا يُتغاضى عني؟ لماذا يقع الاختيار عليّ للأعمال الشاقة أو المُتعبة أو المُقزّزة؟ هل السبب أنني أبدو ساذجًا ويسهل التحكم بي؟ هنا تبدأ المقاومة الداخلية. لماذا هم مُقاوِِمون إلى هذا الحد؟ أيّ عمل هذا الذي يُعدّ "مقززًا ومتعبًا"؟ ما "الصعوبات"؟ أليس كل هذا جزءًا من واجبهم؟ أيًّا كان مَن أُسنِد إليه الأمر، فينبغي له أن يُنجزه؛ فما الذي يدعو للانتقاء أو المفاضلة؟ هل الأمر يتعلّق بتعمّد تصعيب الأمور عليهم؟ (كلا). لكنهم يعتقدون أن الأمر فيه تعمُّد لتصعيب الأمور عليهم، ووضعهم في موقف حرج، فلا يقبلون هذا الواجب من الله، ولا يرغبون في قبوله. ما الذي يجري هنا؟ هل الأمر أنه عندما يواجهون صعوبات، ويضطرّون لتحمّل مشقّة جسدية، ولم يَعُد بإمكانهم العيش براحة، يُبدون مقاومة؟ هل هذا خضوع غير مشروط وخالٍ من التذمّر؟ إنهم يصبحون غير راغبين عند مواجهتهم لمشقّة ولو يسيرة. أيّ شيء لا يرغبون في فعله، وأيّ عمل يرونه صعبًا، أو غير مرغوب فيه، أو مُهينًا، أو مُحتقرًا من الآخرين، يُقاومونه بشدّة، ويعترضون عليه، ويرفضونه، دون أن يُظهروا أدنى قدر من الخضوع. أوّل ردّ فعل لأضداد المسيح حين يواجهون كلام المسيح، أو أوامره، أو المبادئ التي يعقد شركة عنها، هو المقاومة والرفض، وذلك ما إن تُسبّب لهم صعوبات، أو تتطلّب منهم أن يعانوا أو يدفعوا ثمنًا، فيشعرون بالنفور في قلوبهم. لكن عندما يتعلّق الأمر بأشياء يرغبون في فعلها أو تعود عليهم بالنفع، فإن موقفهم يختلف. يَرغب أضداد المسيح في الاستمتاع بالراحة وأن يتميزوا، لكن هل هم مسرورون ومستعدون بسرور لقبول معاناة الجسد، أو الحاجة إلى دفع ثمن، أو حتى المجازفة بالإساءة إلى الآخرين؟ هل يمكنهم تحقيق خضوعٍ مطلق حينئذ؟ ولا بأدنى قدر؛ فموقفهم كلّه عصيان وتمرد. حين يُواجَه أشخاص مثل أضداد المسيح بأمور لا يرغبون في فعلها، أو لا تتماشى مع تفضيلاتهم، أو أذواقهم، أو مصالحهم الذاتية، يصبح موقفهم من كلام المسيح هو الرفضٍ والمقاومة المطلقين، دون أثر للخضوع.

بعض الناس، في أثناء استماعهم إلى حديث المسيح، يبدؤون بتكوين أفكار: "لماذا يقول المسيح هذا؟ كيف أمكنه أن يتناول هذا الأمر من هذا المنظور؟ كيف أمكنه أن يحمل مثل هذا الرأي، وكيف تسنّى له أن يحدد شيئًا بهذه الطريقة؟ هل هذا أيضًا هو الحقّ؟ هل هذا أيضًا كلام الله؟ لا أظنّ ذلك. الطريقة التي يتحدّث بها الله في الكتاب المقدّس مسجّلة بصورة مختلفة، وبنوع من العقلانية، دون الخوض في مثل هذه الأمور التفصيلية أو التافهة. لماذا يتحدّث المسيح بهذه الطريقة؟ الأمر يتعلّق دائمًا بالتفاصيل وتشريحها؛ فهل يُعقَل أن يتكلّم الله بهذه الطريقة؟" لا تساورهم مفاهيم في كلّ مرة يقرؤون فيها كلام الله، وما يخطر ببالهم هو: "هذا هو كلام الله؛ يجب عليّ أن أعتمد عليه لأحصل على الحياة، والخلاص، والبركات". ولكن عندما يتفاعلون مع المسيح بالفعل، يبدؤون بتكوين آراء حول وجهات نظره، وتعليقاته، ومواقفه من بعض الأمور، وكذلك حول أساليبه في التعامل مع بعض الأشخاص، ويمكن اعتبار هذه الآراء بمثابة مفاهيم بشرية. عندما يُنشئ أضداد المسيح مفاهيم في قلوبهم، هل سيصلّون إلى الله لتهذيب مفاهيمهم؟ قطعًا لا. إنهم يقيسون كلام المسيح بمفاهيمهم الخاصة باستمرار، بدون أدنى أثر لقلب خاضع. وهكذا، عندما تنشأ لديهم مفاهيم عن المسيح، يبدؤون بالشعور بالمقاومة في داخلهم، ويصبحون تدريجيًا مُعادين للمسيح. عندما ينشأ مثل هذ العداء، هل لا يزال أضداد المسيح ينوون الخضوع؟ هل لا يزالون ينوون القبول؟ إنهم يبدؤون في قلوبهم بالمقاومة، ويفكّرون: "حسنًا، الآن صار لديّ وسيلة ضغط عليك. أليس من المفترض أن تكون أنت الله؟ أليس كلّ كلامك هو الحقّ؟ تبيّن أنك أيضًا تُعمل المنطق عندما تقوم بالأشياء، وتحكم عليها بناءً على ما تراه بعينيك. إن أفعالك لا تنسجم مع جوهر الإله!" يبدأ لديهم الشعور بالعصيان. عندما ينشأ هذا العصيان، يظهر إلى العلن. قد يقولون: "يبدو أن ما تقوله صحيح، لكنني بحاجة إلى التحقق من كلام الإله لأرى ما الذي يقوله في هذا الشأن. إنني أحتاج إلى أن أصلّي إلى الإله لأرى كيف سيرشدني. أحتاج إلى أن أَنتظر وأطلب، لأرى كيف سيرشدني الإله وينيرني. أما ما قلتَه، فلم يعُد في دائرة اعتباري، ولا يمكن أن يكون أساسًا لأفعالي". أي مظهر هذا؟ (إنكار المسيح). إنهم يُنكرون المسيح، لكن لماذا لا يزالون يقرؤون كتاب الكلمة يظهر في الجسد؟ (يا الله، أظنّ أنهم لا يعترفون إلا بالله المبهم في السماء، وينكرون صراحةً المسيح على الأرض). يعيش أضداد المسيح دومًا في الكلمات والتعاليم الجوفاء، ويُجلّون إلهًا ساميًا غير منظور. ولذلك، يُجِلّون ويُعظّمون الكلام المكتوب الذي هو أقوال المسيح المسجّلة، بينما ينظرون إلى المسيح، الذي يبدو عاديًا للغاية، على أنه بلا مكانة في قلوبهم على الإطلاق. أليس هذا تناقضًا؟ عندما تُساورهم مفاهيم عن المسيح، يقولون: "أحتاج أن أصلّي وأطلب لأرى ما تقوله كلمات الإله". من هم هؤلاء الذين يعترفون بكلام الله فحسب دون المسيح؟ (أضداد المسيح). مهما بلغت مفاهيمهم حول كلام المسيح من أهمية أو عمق، فما إن يُطبَع هذا الكلام حتى تتلاشى تلك المفاهيم. ما إن يتحوّل الكلام إلى نصّ، حتى يعبدونه كأنه الله. أليس هذا هو الخطأ ذاته الذي ارتكبه الفريسيون وأهل الدوائر الدينية؟ إن العجز عن فهم الحقّ يجعل من السهل أن تنشأ هذه المظاهر وهذه المفاهيم. بعد أن تتكوّن لدى أضداد المسيح مفاهيم، لا تعود قلوبهم قادرة على الخضوع؛ فليس ثمة خضوع، بل مقاومة فحسب.

في ظل أي ظروف يكوِّن الأشخاص العاديون مفاهيم، أو أي نوع من الأشخاص يميلون إلى تكوين مفاهيم؟ أحد الأنواع هو أولئك الذين لا يفهمون كلام الله، والنوع الآخر هو أولئك الذين لا يملكون فَهمًا روحيًا ولا يقبلون الحق؛ فهؤلاء يميلون إلى تكوين مفاهيم. وما إن تنشأ لديهم مفاهيم، حتى يبدأوا في المقاومة في قلوبهم. على سبيل المثال، قد أطلب من الأشخاص أن يفعلوا شيئًا ما بطريقة معيّنة، بناءً على الخلفية والبيئة والاحتياجات البشرية في ذلك الوقت. لاحقًا، ومع مرور الوقت وتغير الأحوال، قد تتغير أيضًا طريقة وأسلوب التعامل مع الأمر. غير أن هذا التغيّر يمنح أضداد المسيح فرصة لتكوين مفاهيم: "لقد قلتَ هذا سابقًا، وصرّحتَ بأنه الحقّ، وطلبتَ من الناس أن يمارسوه على هذا النحو. وقد فهمنا أخيرًا، وتمكّنّا من ممارسته والتمسّك به، ظانين أن لنا رجاء في البركات، والآن تقول لنا أن نفعله بطريقة مختلفة، فما معنى هذا؟ ألسْتَ تُعذّبنا؟ ألسْتَ تُعاملنا على أنّنا أقلّ من بشر؟ ما هي بالضبط الطريقة الصحيحة لفعل ذلك؟" أيّ تغيير في الطريقة أو الأسلوب أو التعبير قد يُثير غضب بعض الأشخاص – وهؤلاء هم الذين لا يفهمون الحقّ إطلاقًا، ولا قدرة لهم على استيعابه. إنهم يقيسون كلّ ما يفعله الله بوجهات نظر قديمة، ونظريات قديمة، وبعض المعايير الأخلاقية البشرية، ومعايير الضمير، بل وحتى بعض التفكير المنطقي والمعرفة البشرية. وحين يتعارض كلّ هذا مع ما قاله المسيح، أو تظهر التناقضات في أثناء ذلك، لا يعرفون كيف يتعاملون مع الأمر. عندما لا يكون الأشخاص العاديون متأكّدين من كيفية المضيّ قُدمًا، ينبغي أن يتمكّنوا من التروّي والقبول أولًا، ثم السعي تدريجيًا إلى الفهم. غير أن أضداد المسيح ليسوا كذلك. إنهم يقاومون أولًا، ثم يُصلّون إلى الله المبهم، فيبدون وكأنهم يمارسون الحق ويحبّون الله كثيرًا. ما الهدف من صلاتهم؟ إنها لأجل إيجاد ما يكفي من الحجج لإنكار كلام المسيح، وإدانة ما قاله وانتقاده، من أجل الوصول إلى راحة البال. بهذه الطريقة يعالجون مفاهيمهم. هل يمكن لهذا أن يعالج مفاهيمهم؟ (كلا). لمَ لا؟ (لأنهم لا يقبلون الحق. إنهم لا يطلبون الحقّ من كلام الله، بل يحاولون إنكار الله). بالضبط، إنهم لا يعالجون مفاهيمهم بموقف قبول الحق أو بطريقة تقبل الحق. فلا تُنحَّى مفاهيمهم جانبًا؛ بل تظل راسخة في قلوبهم. ولذلك، فإن مثل هذه الطريقة لن تُعالج مفاهيمهم أبدًا، ولن تُمكّنهم من التخلّي عنها. بل إن هذه المفاهيم تتراكم مع الوقت؛ فكلّما مضى الزمن، وازدادت سنوات إيمانهم بالله، ازدادت معها مفاهيمهم وتصوّراتهم. وبالتالي، فإن موقفهم تجاه المسيح، تجاه هذا الشخص العادي، يصبح حتمًا مثقلًا على نحو متزايد بالمفاهيم. وفي الوقت نفسه، يزداد الحاجز في قلوبهم تجاه المسيح، وتنمو مشاعر الاستياء منه. إنهم يحملون هذه الحواجز والمفاهيم أثناء أداء واجباتهم، وحضور الاجتماعات، وأكل كلام الله وشربه، فماذا يمكنهم أن يربحوا في نهاية المطاف؟ بخلاف ازدياد رغباتهم في نيل البركات يومًا بعد يوم، فإنهم لا يربحون شيئًا.

هل لديكم أي مفاهيم عن المسيح؟ مطالب الناس من الله تشكل مفاهيمهم عن المسيح. من أين تأتي هذه المطالب؟ إنها تنشأ من طموحات الناس، ورغباتهم، ومفاهيمهم، وتصوراتهم. فما نوع المفاهيم التي يُكوِّنها الناس؟ إنهم يعتقدون أن على المسيح قول هذا أو ذاك، وأن عليه أن يتكلّم ويتصرّف بطرق معيّنة. على سبيل المثال، عندما يشعر أحدهم بالسلبية والضعف، فقد يفكّر: "أليس الله محبة؟ الله مثل أمّ مُحِبَّة، مثل أبٍ رحيم؛ ينبغي لله أن يمنح الناس الراحة. انسوا أمر الله الذي في السماء؛ فلا يمكن الوصول إليه. الآن بعدما جاء الله إلى الأرض، أصبح للناس هذا الوصول الميسَّر. بما أنني أشعر بالسلبية، فأنا بحاجة إلى أن أمثل أمام الله وأبوح بمكنون قلبي". وبينما يبوحون بمكنون قلوبهم، يذرفون الدموع، ويتحدّثون عن صعوباتهم وضعفهم، ويناقشون بصراحة فساد شخصيتهم. ما الذي يطلبه الناس حقًّا في قلوبهم؟ إنهم يريدون أن يُواسَوا، وأن يسمعوا كلمات لطيفة، ويريدون من الله أن يقول كلامًا يُخفّف من حزنهم، ويُبهجهم، ويمنحهم الراحة، ويوقف شعورهم بالسلبية. أليس الأمر كذلك؟ خاصةً لدى نوع معيّن من الأشخاص، فإنهم يضمرون هذا التصوّر: "بالنسبة إلى البشر، فإن الضعف والسلبية هما كذلك فحسب، لكن بالنسبة إلى الله، فإن جملة واحدة فقط يمكن أن تجدد نشاط النفس لدى الشخص، وتُبدّد كل المتاعب والأحزان في قلبه على الفور". سوف يتبدّد الضعف والسلبية مثل الدخان، ويمكنهم أن يكونوا أقوياء في مواجهة أي خطب، وألّا يعودوا ضعفاء أو غارقين في السلبية، بل يتمسكون بشهادتهم. حسنًا إذًا، دعوا المسيح يتكلّم!" أخبروني، ماذا ينبغي أن أقول عندما أواجه موقفًا كهذا؟ من جهة، أحتاج إلى أن أكتشف سبب شعور هذا الشخص بالسلبية، وما هو الواجب الذي يقوم به؛ ومن جهة أخرى، يجب أن أعقد شركة عن المبادئ التي ينبغي للمرء الالتزام بها أثناء أداء واجبه. أليس في هذا توضيح للأمر؟ بالنسبة إلى بعض الأشخاص ممّن يتّصفون بالحمق والعناد ولا يقبلون الحق، من الضروري قول شيء تأديبي لتحفيزهم وتشجيعهم. في الوقت نفسه، من الضروري أيضًا كشف جوهر طبيعة هذا النوع من الأشخاص، حتى يفهموا معنى كونهم سلبيين دائمًا ولماذا يستمرّون في سلبيتهم. إذا قلت إن أولئك الذين يتسمون بالسلبية دائمًا هم أشخاص لا يقبلون الحق، ولا يحبون الحق، فهل يمكنهم أن يجدوا الراحة بعد سماع هذا؟ (كلا). افترض أنني قلت هذا: "من الطبيعي أن يكون المرء سلبيًّا على الدوام. إنه مظهر طفولي؛ أشبه بطفل يتحمّل أعباء الكبار، فيصبح سلبيًّا على الدوام تحت وطأة ما يحمل. أنت صغير القامة، في مقتبل العمر، ولم تختبر الكثير، لذا تحتاج إلى أن تتعلّم تدريجيًا. علاوة على ذلك، فإن لوالديك أيضًا مسؤولية؛ إنهما لم يُحسنا تعليمك، لذا فالخطأ ليس خطأك". قد يسأل عندها: "إذًا ما هي هذه الشخصية الفاسدة التي أمتلكها؟" "هذه ليست شخصية فاسدة؛ كل ما في الأمر أنك صغير للغاية وتنحدر من بيئة أسرية جيدة؛ أنت مدلل ومرفَّه. بعد عامين، ومع نضوجك، سيتحسّن الأمر". هل سيشعر بالراحة عند سماع هذا؟ لو أضفت عناقًا كبيرًا وبعثت بعض الطاقة الإيجابية، ألن يشعرا بالدفء في داخله؟ بهذه الطريقة، سوف يشعرن بأنه قد اختبر محبة الله ودفئه. لكن المسيح عادةً لا يتصرّف بهذه الطريقة. قد يفعل ذلك في الواقع مع الأطفال الأكبر سنًا كنوع من جلب الراحة، لكنه لن يتصرف بهذه الطريقة مع كل شخص بالغ؛ فهذا يُسمى خداعًا لأحمق. بدلًا من ذلك، سيتحدّث في صميم الموضوع، ويُريك طريق ما، ويوضّح لك ما يجري فعليًا، ويترك لك حرية الاختيار. نوع الشخص الذي أنت عليه هو ما يُحدّد الطريق الذي تسلكه. عند النظر إلى جوهر كل ما يفعله المسيح، يتّضح أنه لا يخدع الناس ولا يتلاعب بهم، لكنهم لا يستطيعون تقبّل ذلك. إنهم لا يواجهون الحقائق، ومع ذلك فهذا هو صميم جوهر المسيح؛ لا يمكنه إلا أن يتصرّف بهذه الطريقة. إذا لم يتمكّن الناس من تقبّل هذا، ألن يُوجِد ذلك صراعًا بين الناس والله؟ إذا لم يستطيعوا تحقيق هدفهم ولم يقبلوا الحق أيضًا، ألن يخلق ذلك حاجزًا؟ (بلى). هذا يترسّخ في قلوب الناس. اعتقد الناس في الأصل أن الله كان مملوءًا بالمحبّة، لطيفًا كأم أو جدة. لكنهم الآن، إذ يرون أن الأمور ليست على هذا النحو، ولا يشعرون ولو بقليل من الدفء، يصيبهم الإحباط. هل يمكن أن يتحقّق تصوّرهم بأن "جملة واحدة فحسب من المسيح يمكن أن تُخرجني من السلبية"؟ "ما دام المسيح سيأتي ليحلّ مشكلاتي، أضمن أنني سأشعر بالدفء الداخلي على الفور، ولن أكون سلبيًّا أبدًا بعد ذلك؛ بل سيصبح كلّ شيء واضحًا، وسيُفتح لي طريق". هل هذا التصور واقعي؟ هل يمكن تحقيق هذا الهدف؟ (كلا). ولذلك، في هذه المسألة إذا اعتمد الناس دائمًا على مفاهيمهم وتصوراتهم فلن ينجح الأمر؛ بل عليهم أن يطلبوا الحق لحل المشكلة.

بعض الأشخاص يقترفون أفعالًا معينة في الخفاء، وعندما يقابلونني يقولون لي: "لقد ارتكبت الفاحشة عندما كنت في سن المراهقة". فأقول: "رجاءً لا تخبرني بهذا. صلِّ بإخلاص في خلوتك وتُبْ توبة صادقة، حينها ستُحلّ المشكلة، ولن يتذكّرها الله. أنت لا تحتاج إلى أن تخبرني بذلك وجهًا لوجه؛ فأنا لا أخوض في مثل هذه الأمور". ما إن أقطع عليه الحديث حتى تراوده أفكار: "هل أنت حقًا الله؟ قلبي مخلص للغاية، إنه قلب يتّقد، وأنت سكبت عليه دلْوًا من الماء البارد. أردت فحسب أن أتحدث معك من القلب إلى القلب، لماذا لا تستمع إليّ؟ سيكون من الجيد لو انصتّ إليّ؛ فما زال لديّ المزيد من التفاصيل لأبوح بها". فأقول له: "الغاية النهائية من الاعتراف بخطاياك هي التوبة، وليس سرد الكثير من التفاصيل. إذا كنت قد تبت بصدق في أعماق قلبك، فالشكليات لا تهم؛ والمرور بهذا الإجراء لا يجدي نفعًا. فتوضيحك لكافة التفاصيل والظروف لي لا يعني أنك قد تبت. إذا كنت قد تبت توبة حقيقية، فقد تحقّقت التوبة حتى لو لم تقل شيئًا. وإن لم تكن قد تبت، فلن يُجدي نفعًا حتى لو تحدّثت عن الأمر". بعض الناس لا يفهمون، ويظنّون أنني أريد سماع كل شيء، مثل أنهم كانوا غير عفيفين، أو كانوا يسرقون، أو يدينون الآخرين ويلفِّقون لهم التهم قبل أن يؤمنوا بالله. يظنّون أنني على استعداد للاستماع إلى كل هذه الأمور الشخصية، وأنني أتوق لأن أعرف وأدرك أعمق أفكار كل شخص وكافة أفعاله، خيرًا كانت أم شرًّا. أليس هذا مفهومًا بشريًا؟ لقد جانبهم الصواب. أحتاج فحسب إلى أن أعرف عن شخصيات الناس الفاسدة، وجوهرهم، والطريق الذي يسلكونه؛ فهذا كافٍ لمعالجة المسألة المهمة المتعلقة بخلاصهم. لا حاجة إلى معرفة حياة كل شخص الحالية أو المستقبلية؛ فلا حاجة لمثل هذه التفاصيل. يفترض الناس: "أنت أيضًا طبيعي وعملي. ثمة أشياء لا تعرفها، لذلك ربما تريد أن تفهم الخلفية الأسرية لكل شخص، والبيئة التي نشأ فيها، وتلك الاختبارات الخاصة خلال نشأته، كي تعرفه معرفة تامة لأغراض العمل، لكي تحصل على وسيلة تُمكّنك من دينونته وكشفه". أهكذا هو الأمر؟ (كلا). بعض الناس، وهم يحملون هذه المفاهيم والتصوّرات، يريدون دائمًا أن يشاركوا معي أفعالهم الماضية حين يقابلونني، قائلين: "آه، أنت لا تعرف، كانت عائلتي في السابق على هذا النحو..." أقول: "لا تتحدّث عن أمورك العائلية؛ شارك بعض الاختبارات عن الإيمان بالله". يقول آخرون: "أوه، أنت لا تعرف، لقد كان لي كثير من الشركاء من قبل"، أو: "أنت لا تعرف من الذين لفّقت لهم التهم سابقًا". هل من المفيد قول مثل هذه الأمور؟ (كلا). يظنّون أن الله المتجسّد يرغب حقًا في معرفة هذه الأمور، وأنه متلهف لفهم كل السلوكيات المُخزية بين الناس، وتفاصيل مختلف جوانب حياة الإنسان الساقطة. عندما ألتقي بأشخاص كهؤلاء، أقول لهم: "إذا كنتَ تريد الاعتراف والتوبة، فصلِّ أمام الله في خلوتك، ولا تخبرني. أنا مسؤول فقط عن تعليمك كيف تؤدّي واجبك جيدًا، وكيف تعبد الله في الحياة الواقعية، لمساعدتك على نَيْل الخلاص. يمكننا التحدّث عن أي شيء يتعلّق بهذه الأمور عندما نلتقي، لكن من الأفضل عدم ذكر أمور غير ذات صلة". عند سماع هذا، يبدأ بعض الأشخاص بالتفكير: "الله يفتقر حقًا إلى المحبة، إنه غير متسامح" من وجهة نظرهم، أي نوع من الأشخاص يمتلك المحبة؟ مدير لجنة الحيّ، شخص يتولى على وجه التحديد الشؤون اليومية البسيطة للناس. هل من المفترض أن أتعامل مع مثل هذه الأمور؟ أنا لا أهتم بتلك الأمور على الإطلاق! لا شأن لي بكيفية عيشك، أو بما تأكله وتلبسه، أو بكيفية كسبك للمال، أو بوضعك الاقتصادي، أو بعلاقاتك مع جيرانك أنا لا أتدخل في أي من ذلك. هذا هو موقف الناس تجاه المسيح عندما يُضمرون مفاهيم. إن أضداد المسيح، وخاصةً عندما يُكوّنون مفاهيم تجاه كلام المسيح، أو عندما تتعارض كلماته كليًا مع مفاهيمهم الخاصة، لا يتخلّون عن مفاهيمهم ولا يقبلون الحق، ولا يُشرِّحون مفاهيمهم ولا يطلبون الحق؛ بل يتمسّكون بها ويدينون أقوال المسيح في قلوبهم سرًا.

في هذه الفترة السابقة، يُجري الله عمل الدينونة في الأيام الأخيرة. مع انتشار إنجيل الله الخاص بالملكوت، ظهرت في بيت الله العديد من مهام العمل المرتبطة بمهن متنوّعة، مثل ما يتعلّق بالموسيقى، والكتابة، والسينما، وما إلى ذلك. خلال تنفيذ مهام العمل هذه، شارك المسيح أيضًا في بعض المهام المتعلّقة بهذه المهن، وبالطبع كان ذلك بشكل أساسي من خلال تقديم الإرشاد وتحديد اتجاه مختلف المهام؛ فهو يعمل ضمن هذا النطاق. من المحتمّ ألا يكون المسيح على دراية ببعض المعارف أو المعلومات العامة المرتبطة بهذه المجالات، وقد تكون ثمة أمور لا يفهمها. أليس هذا طبيعيًا للغاية؟ بالنسبة إلى معظم الناس، يبدو هذا أمرًا طبيعيًا تمامًا ولا يُعدّ مشكلة كبيرة، لأن الجميع في طور التعلّم، وتحت إرشاد الله، لا يمكن لجميع أنواع العمل إلا أن تتحسّن على نحو متزايد، مع إنتاج المزيد من المنتجات النهائية والمخرجات عالية الجودة. لكن بالنسبة إلى أضداد المسيح، فهذا ليس بالأمر الهين. يقولون، "أنت غير ملم بتاتًا بمجال معين، بل جاهل حتى. بأي حق تتدخل لتوجهنا وترشدنا؟ لماذا يجب أن تكون كلمتك هي الكلمة الأخيرة؟ لماذا ينبغي لنا جميعًا أن نستمع إليك؟ هل الاستماع إليك هو بالضرورة أمر صحيح؟ ألن نسلك الطريق الخطأ أو نرتكب الأخطاء في عملنا إذا استمعنا إليك؟ لستُ واثقًا من ذلك تمامًا". عندما يقدّم المسيح إرشادًا في العمل، يتعامل بعض الأشخاص مع ذلك بموقف من الشك: "دعونا أولًا نرى ما إذا كان ما يقوله منطقيًا وضمن نطاق الخبرة المناسبة، وما إذا كان متفوّقًا على أفكارنا الخاصة. إن كان كذلك، فسنقبله ونتّبع إرشاده؛ وإن لم يكن، فسنختار خيارًا آخر، ونبحث عن طريق آخر". إلا أن أضداد المسيح يُضمرون بداخلهم عقلية من العصيان التام فيقولون: "نحن محترفون، بعد أن عملنا في هذا المجال لسنوات عديدة. يمكننا إنجاز هذه المهمة بسهولة تامة. اتباع إرشاداتك لن يكون إلا أداءً أجوفًا، أليس كذلك؟ لماذا ينبغي أن نستمع إليك؟ أليست اقتراحاتك مجرد كلام رسمي؟ إذا استمعنا إليك، ألن يجعلنا ذلك نبدو غير أكفاء؟ لكن الجميع يستمعون الآن، ولا يمكنني الوقوف والاعتراض عليك، فقد يؤدي ذلك إلى معاملتي كضدّ للمسيح. إذًا، سأتظاهر لبعض الوقت، وأدَّعي أني أُصغي، وأؤدي أداءً أجوفًا، ثم أواصل لاحقًا كالمعتاد دون أن يتأثر أي شيء". لذا، مهما عقد المسيح شركة عن مبادئ الحق، ومهما شرح الأمور بوضوح، يظل أضداد المسيح متمسكين بأفكارهم الخاصة، ويظنون دائمًا أنهم يفهمون المهنة، وأنهم خبراء في المجال، ولذلك يعجزون عن فهم ماهية مبادئ الحق التي يعقد المسيح شركة عنها. كلما قدّم المسيح إرشادًا يتعلق بالعمل المرتبط بمهنهم، يستغل أضداد المسيح ذلك لمقارنة قدراتهم ومواهبهم بالمسيح. والأدهى من ذلك، أن أضداد المسيح يرون أحيانًا، حين يتحدث المسيح عن أمور تتعلق بمهنهم، أنه يجهل ما يقول، فيسخرون منه سرًّا ويحتقرونه، ويشعرون رغمًا عنهم بمزيد من المقاومة والنفور من إرشاده في عملهم. إنهم غير مقتنعين بتاتًا في قلوبهم، ويقولون: "أنت تطلب منّا أن نفعل هذا وذاك، لكن ماذا تعرف أنت؟ هل تفهم حتى مختلف الخطوات المتضمَّنة في هذه المجالات؟ هل تعرف التفاصيل المحددة لكيفية عملها؟ حين تُرشدنا في صناعة الأفلام، هل تعرف كيف نُمثّل بشكل حقيقي أو كيف تسجّل الصوت؟ عندما يواجه أضداد المسيح هذه الأمور، فإنهم لا يستمعون بجدية في قلوبهم إلى مبادئ الحق التي تنطوي عليها كل مهنة. بدلًا من ذلك، يتحدُّون المسيح سرًّا في داخلهم، بل يقفون أحيانًا كمتفرجين للسخرية من المسيح والتهكم عليه، وقلوبهم ممتلئة بالعصيان. وعندما يباشرون عملهم، فإنهم يؤدّونه بشكل سطحي، فيراجعون أولًا ملاحظات شركة الله ليروا ما قاله، ثم يبدؤون العمل مباشرة، وينفذون الأمور بالطريقة القديمة نفسها. قد يقول البعض: "الله لم يقل هذا، فلماذا تفعلونه بهذه الطريقة؟" فيجيبون: "صحيح أن الله لم يقل ذلك، لكن هل يعلم الله الوضع الفعلي؟ ألسنا نحن من ينبغي علينا تنفيذ الأمر فعليًا؟ ماذا يعرف الله؟ لقد قدم الله مبدأً فحسب، لكن علينا أن نتعامل معه وفقًا للوضع الفعلي. حتى لو كان الله هنا، فسوف نضطر إلى التعامل مع الأمر بهذه الطريقة. إننا نُصغي إلى كلام الله حين ينطوي على الحق، أما إذا كان الأمر متعلقًا بعمل مهني ولا ينطوي على الحق، فنحن من يقرّر. لقد استمعوا إلى مبادئ الحق التي عقد الله شركة عنها، ودوّنوا ملاحظات، وقد انخرط الجميع في العملية، وراجعوا الملاحظات، لكن عندما يتعلق الأمر بكيفية تنفيذ الأمور، من يكون له القول الفصل؟ في حالتهم، ليس الحق هو من يملك السلطة، ولا علاقة للأمر بامتلاك المسيح للسلطة. فمن يملك السلطة إذًا؟ ضدّ المسيح هو من يملك السلطة؛ القول الفصل لإنسان. في نظرهم، الحق أشبه بالهواء، مجرد تعاليم وشعارات تُذكر عرضًا ثم تُطوى صفحتها – فالناس ما زالوا يفعلون ما يحتاجون إلى فعله، بالطريقة التي يريدونها. في ذلك الوقت، وافقوا بلطف شديد، وبدا موقفهم في غاية الصدق، لكن ما إن يتعلق الأمر بالحياة الواقعية، يتغيّر كل شيء؛ فالأمر ليس كما بدا.

إن أضداد المسيح، لأنهم يُضمرون باستمرار مفاهيم ومقاومة تجاه الله المُتجسِّد، ولا يقتنعون به في داخلهم، فإنهم بالأساس لا يعترفون بالله المُتجسِّد في قلوبهم؛ إنما يؤمنون فقط بالله الذي في السماء. إنهم تمامًا مثل بولس: لم يكن بولس مقتنعًا بيسوع المُتجسِّد اقتناعًا حقيقيًا، بل كان ممتلئًا بالمفاهيم. لهذا، لم يشهد بولس في أي من الرسائل التي كتبها ليسوع، ولم يشهد لكلام يسوع باعتباره الحق، ولم يتحدث أبدًا عمّا إذا كانت لديه محبّة ليسوع. هذه أمور يمكن للناس أن يروها؛ بولس هو ضدّ مسيح حقيقي. الآن يمكنكم جميعًا أن تدركوا أن بولس مثال تقليدي لضدّ المسيح. حتى لو أقرّ الذين ينتمون إلى فئة أضداد المسيح بأن الكلمات التي عبّر عنها الله هي الحق، فهل يمكنهم أن يقبلوا الحق؟ هل يمكنهم أن يخضعوا للمسيح؟ هل يمكنهم أن يشهدوا للمسيح؟ هذه مسألة مختلفة. هل يمكنهم أن يخضعوا لكل ما يفعله المسيح؟ إذا رتّب المسيح العمل أو عهد به، مع إرشاد الناس إلى كيفية تنفيذه، فهل يستطيع أضداد المسيح أن يطيعوا؟ هذا الأمر يكشف الناس بأوضح صورة. لا يمكن لأضداد المسيح أن يطيعوا؛ وهم يتجاهلون كلام المسيح ويستخفّون به. لذلك، مهما قدّم المسيح من توجيهات محددة أو أسند من مهام في أي عمل، فلن ينفّذها أضداد المسيح أبدًا. إن أضداد المسيح ببساطة غير راغبين في الخضوع للمسيح. أيًّا كانت كيفية ترتيب المسيح للعمل، فإنهم غير راغبين في تنفيذه، إذ يعتقدون دائمًا أن أفكارهم أكثر حكمة، ويرون أن من الأفضل اتّباع خططهم الخاصة. إذا قلتَ لهم: "عندما تواجهون مواقف، ينبغي أن تتعاونوا مع ثلاثة أو أربعة آخرين، وأن تتشاوروا معًا، وتعقدوا مزيدًا من الشركة عن مبادئ الحق، وأن تتصرّفوا بحسب تلك المبادئ دون أن تنتهكوها"، فهل سيُصغون؟ إنهم لا يُصغون على الإطلاق؛ فقد طرحوا هذه الكلمات جانبًا منذ زمن، ويريدون أن يكون لهم القول الفصل. تقول لهم: "إذا وُجدت مسألة لا يمكن حلّها، يمكنكم الطلب من الأعلى"، ولكن حين تظهر مشكلة فعلًا ويفكّر الجميع في الطلب من الأعلى، يقول أضداد المسيح: "لماذا السؤال عن أمر تافه كهذا؟ هذا لن يسبّب إلا إزعاجًا للأعلى. نستطيع التعامل مع الأمر بأنفسنا، لا حاجة للسؤال! أنا من له القول الفصل، وسأتحمّل العواقب إن حدث أي خلل! ما أروع وقع هذه الكلمات، لكن هل يمكنهم حقًا تحمّل العواقب عندما يحدث خلل ما بالفعل؟ إذا تضرّر عمل الكنيسة، فهل يمكنهم تحمّل تبعات ذلك؟ على سبيل المثال، إذا تعرّض الإخوة والأخوات للاعتقال أثناء أحد الاجتماعات بسبب إهمال القادة والعاملين في ترتيب الاجتماعات، مما أدى إلى أن يصبح بعضهم سلبيين وضعفاء وأن يتعثّروا، فمن يمكنه تحمّل مثل هذه المسؤولية؟ هل أضداد المسيح مسؤولون في أقوالهم؟ إنهم غير مسؤولين على الإطلاق! هذا هو موقف أضداد المسيح من العمل. أخبرني، هل يمكن لأضداد المسيح أن يقبلوا حقًا كلام المسيح الذي ينطق به ويخضعوا له؟ (كلا). موقف أضداد المسيح في قلوبهم من ممارسة الحق والخضوع للمسيح؟ كلمة واحدة: المعارضة. إنهم يواصلون المعارضة. وما هي الشخصية المتضمنة في هذه المعارضة؟ ما الذي يؤدي إلى ظهورها؟ العصيان هو الذي يؤدي إلى ظهورها. فمن ناحية الشخصية، هذه عبارة عن نفور من الحق، ووجود عصيان في قلوبهم، وعدم رغبتهم في الخضوع. إذًا، ما الذي يعتقده أضداد المسيح في قلوبهم عندما يطلب بيت الله أن يتعلم القادة والعاملون العمل معًا في وئام، بدلًا من أن يكون شخص واحد هو الآمر الناهي، وأن يتعلموا كيفية المناقشة مع الآخرين؟ "من المتعب للغاية مناقشة كل شيء مع الناس! يمكنني اتخاذ القرارات بشأن هذه الأشياء. يا له من جبن وإحراجٍ العمل مع الآخرين ومناقشة الأمور معهم وفعل الأشياء وفقًا للمبدأ!" يعتقد أضداد المسيح أنهم يفهمون الحق وأن كل شيء واضح لهم وأن لديهم رؤاهم الخاصة وطرقهم في فعل الأشياء، ولذلك لا يمكنهم التعاون مع الآخرين، ولا يناقشون أي شيء مع الناس، بل يفعلون كل شيء بطريقتهم الخاصة، ولا يستسلمون لأي شخص آخر! على الرغم من أن أضداد المسيح يعلنون بأفواههم إنهم على استعداد للخضوع والتعاون مع الآخرين، فمهما كانت دماثة ردودهم من الخارج ومدى كياسة كلامهم، فإنهم غير قادرين على تغيير حالتهم المتمردة ولا يمكنهم تغيير شخصياتهم الشيطانية. أمّا في الداخل فهم معارضون بشدة – إلى أي مدى؟ إذا شُرِحَ هذا بلغة المعرفة، فهذه ظاهرة تحدث عند الجمع بين شيئين من طبيعتين مختلفتين: النفور، الذي يمكننا تفسيره على أنه "معارضة". هذه هي بالضبط شخصية أضداد المسيح: معارضة الأعلى. إنهم يحبون معارضة الأعلى ولا يطيعون أحدًا.

أضداد المسيح، عندما يواجهون كلام المسيح، لا يملكون سوى موقف واحد: العصيان؛ ولا يتبعون سوى نهج واحد: المعارضة. على سبيل المثال، أقول: "ساحتنا كبيرة جدًا وتفتقر إلى الظل. في الشتاء، تسطع الشمس في كل أرجاء الساحة، مما يتيح للناس الاستمتاع بأشعتها، لكن في الصيف تشتد الحرارة بعض الشي. دعونا نَشترِي بعض الأشجار، التي تنمو بسرعة وتُضفي ظلًا وافرًا في المستقبل، وتتميز نسبيًا بالنظافة وجمال المنظر. كم عدد المبادئ الموجودة هنا؟ (ثلاثة). أحد المبادئ هو أن الأشجار تنمو بسرعة، والثاني هي أنها نظيفة وذات مظهر جيد نسبيًا، والثالث هو أنها ستُوفّر ظلًا وافرًا في المستقبل، أي يجب أن تكون كثيفة الأغصان والأوراق. ما على الناس سوى تنفيذ هذه المبادئ الثلاثة؛ أما عدد الأشجار التي يجب شراؤها، وأين تُزرع، وما نوعها، فقد أخبرتهم بذلك أيضًا. هل من السهل تنفيذ هذه المهمة؟ (نعم). هل تُعد هذه مهمة صعبة؟ (كلا). ليست مهمة صعبة. لماذا ليست صعبة؟ توجد أماكن تبيع الأشجار، وبيت الله يوفّر التمويل، وكافة الشروط الأساسية لشراء الأشجار متوفّرة. لم يبقَ سوى أن ينفّذ الناس الأمر؛ فليس في هذه المهمة ما يُعدّ صعبًا. لكن بالنسبة إلى ضدّ المسيح، فثمّة صعوبة: "ماذا؟ شراء أشجار؟ إنفاق المال من أجل الظل وجعل البيئة أجمل فحسب؟ أليس في ذلك انغماس في الراحة الجسدية؟ ذلك المال تقدمة لله، فهل يمكن إنفاقه بهذا القدر من اللامبالاة؟ وما الضير في بعض الحرارة؟ الشمس خَلقها الله؛ فهل سَتَهلك إن تعرضت لحرّها؟ هذا يُسمّى التعرّض لأشعة الشمس والاستمتاع بالمطر. إذا لم تُرِد التعرّض للشمس، فابقَ في الداخل. والآن تريد إنفاق المال لأجل هذه الراحة – لا بد أنك واهم!" يفكر مليًا: "ليس لي القول الفصل في هذا الأمر وحدي؛ وإن عارضته مباشرة، فلن يكون ذلك جيدًا. قد أُدان، وقد لا يوافقني الآخرون على ذلك. لذا، سأرفع الأمر إلى مجموعة اتخاذ القرار. وقد يكون من المناسب أيضًا السماح للإخوة والأخوات بالتعبير عن آرائهم. إذا وافقت مجموعة اتخاذ القرار، فسنشتري الأشجار؛ وإذا لم توافق، فلن نشتريها، حتى لو وافق الإخوة والأخوات". إنه يجمع الكل، ويطرح المسألة، ثم يترك للجميع حرية النقاش وإبداء الآراء. يقول الجميع: "إن شراء الأشجار أمر جيد؛ فالكل يستفيد منه". يسمع ضدّ المسيح هذا ويقول: "وكيف يكون ذلك أمرًا جيّدًا؟ هل يكون الأمر مقبولًا لمجرد أن الكل يستفيد؟ من مال مَن يستفيد الجميع؟ هذا إنفاق لمال الله؛ أليس في ذلك تبذير للتقدمات؟ هل يتفق هذا مع المبادئ؟" يفكّر الجميع مليًا: "تبذير التقدمات من أجل استفادة الجميع، ومن أجل مصالح الناس، يبدو أمرًا غير مناسب إلى حدّ ما". بعد النقاشٍ أخذًا وردًا، جاء القرار النهائي بعدم شراء الأشجار. يجب توفير المال؛ وأيًا كان مَن أصدر الأمر، فلا يمكن تنفيذ ذلك. بعد مثل هذا النقاش، يتمّ التوصّل إلى نتيجة. ما النتيجة؟ "فيما يخصّ أمر المسيح هذه المرّة، قرارنا النهائي هو معارضته؛ فلن ننفق التقدمات، ولن نضيّع سِنتًا واحدًا من مال بيت الله. وبالحديث بشكل محدّد، هذا يعني أننا لن نشتري الأشجار، ولن نقوم بتخضير الساحة". هذا هو القرار الذي تم اتخاذه. بعد بضعة أيام، ألاحظ أن الأشجار لم تُشترَ بعد، فأسأل: "لماذا لم تشتر الأشجار؟" "آه، سأفعل ذلك قريبًا". عندما يحلّ الموسم وتكون أشجار الآخرين قد أورقت، لماذا لم يشتروا شيئًا بعد؟ حين سألت، تبيّن لي أنهم بعد النقاش، لم يوافقوا على شراء الأشجار؛ وكأن كل ما قلته قد ضاع سدى. بعد التشاور والنقاش والتحليل، قرّر الكل مجتمعين رفض أمري، بما يُفهم منه: "نحن من نُقرّر هنا. تنحَّ أنت جانبًا. هذا بيتنا، ولا علاقة لك به". أي نوع من النهج هذا؟ أليست هذه معارضة؟ إلى أي مدى يبلغ اعتراضهم؟ إنهم يستندون على أساس، إذ يدّعون أنهم لا يريدون تبديد بنس واحد من مال بيت الله، ولا إنفاق تقدمات الله. ما رأيكم في هذا المبرّر؟ هل هذه الكلمات صحيحة؟ (كلا). غالبًا ما يكون أولئك الذين يبدّدون ويُسيئون استخدام التقدمات هم أضداد المسيح أنفسهم. إنهم يريدون أن يكون لهم القول الفصل، لذلك يختلقون هذه المجموعة من النظريات ليُضلّوا بها الحمقى والجهلة ومن يفتقرون إلى التمييز. وبالفعل، ينخدع بعض الناس بذلك ويتصرّفون بحسب كلامهم، بينما يعطل أضداد المسيح كلام المسيح ويُقوَّضونه عمدًا، مما يؤدّي إلى تأخّر تنفيذه. ما أصل هذه المشكلة؟ يكمن الأمر في أن شعب الله المختار لا يدرك نفاق أضداد المسيح، وينخدع دائمًا بالمظاهر السطحية، ويفشل في إدراك جوهر الأمور. يضع أضداد المسيح العراقيل على نحو استبدادي بين هؤلاء الناس، مما يجعلهم غالبًا ما يضللون مَن يفتقرون إلى التمييز من شعب الله المختار ويسيطرون عليهم.

في كل ترتيب عمل وأمر معين يحدده المسيح في الكنيسة، إن لم يكن ثمة أضدادٌ للمسيح يُحدِثون اضطرابات، فيمكن تنفيذها بسرعة. لكن ما إن يتدخّل ضدٌّ للمسيح، حتى تتأخّر المهمة ولا يمكن تنفيذها. أحيانًا، تُقابَل الترتيبات والأوامر التي يريد المسيح للناس أن ينفّذوها بالرفض التام من قِبَل أضداد المسيح بذريعة ما. وبذلك، يتبنون شكلًا من أشكال اتخاذ القرار الجماعي، قائلين: "لقد أُقِرَّ هذا من خلال تصويت الإخوة والأخوات؛ إنه نتيجة قرار جماعي، وليس رأيي وحدي". ما الذي يعنيه هذا؟ هذا يُعطي انطباعًا بأن قرارات الإخوة والأخوات تتماشى مع الحق، وأنه حين تنشأ مشكلة ما، فإن القرار الجماعي للإخوة والأخوات يعني أن الحق هو الذي يمسك بزمام الأمور. لكن عندما يعارض أحد أضداد المسيح، وهو في موقع سُّلطة، ما يقوله المسيح، فهل الحق هو الذي يمسك بزمام الأمور؟ من الواضح أن من يمسك بزمام الأمور في هذه الحالة هو ضدّ المسيح. أليس من الحماقة والخداع أن نقول إن الحق هو الذي يمسك بزمام الأمور بينما ضدّ المسيح هو من يُسيطر على الوضع برمّته؟ حقًا، إن أضداد المسيح بارعون في التخفِّي! عندما يطلب المسيح منهم تنفيذ أمرٍ ما، ويُعلَن للجميع أن هذا من عمل الله، وأنه يتصرّف بمراعاة للجميع، ويُبدي الجميع امتنانهم لنعمة الله، فإن هذا يُثير استياء وضيق أضداد المسيح، فيُجهدون عقولهم بحثًا عن وسائل للإزعاج والتخريب. لكن إذا كانت المبادرة منهم وانتهت بشعور الجميع بالامتنان والتقدير العميقَين لهم، فإنهم ينفّذونها بنشاط يفوق الجميع، ويكونون على استعداد لاحتمال أي معاناة. أليس أشخاص مثل أضداد المسيح مثيرين للاشمئزاز؟ (بلى). أي نوع من الشخصيات هذه؟ (شخصية شريرة). أضداد المسيح قادرون على التخفِّي، ويتظاهرون بأنهم أناس صالحون ليُضلّوا الآخرين ويجتذبونهم، بل ويَدَّعون أنهم يمارسون الحق. هذا شر. أيّ حقٍّ تُمارِسُه؟ أنت ترفض كلام المسيح وأوامره، وأنت غير قادر على الخضوع وتنفيذ كلامه. أين الحق الذي تزعم أنك تمارسه؟ هل أنت مؤمن بالله؟ هل تعامل الله على أنه الله؟ الله الذي تؤمن به ليس زميلك، ولا شريكك في العمل، ولا صديقك؛ إنَّه المسيح، إنَّه الله! ألا تُدرك هذا؟ بتحليلك وتمحيصك الدائم لكلام المسيح، محاولًا تمييز مدى صحّته، والموازنة بين محاسنه ومساوئه – ألست بذلك تتخذ مقامًا خطأ؟ أضداد المسيح بارعون في تمحيص كلام الناس وتحليله، وينتهي بهم الأمر إلى تطبيق هذا التمحيص المستمر على المسيح. هل يُعَدّون أتباعًا لله بتمحيصهم للمسيح وتعاملهم معه بهذه الطريقة؟ أليسوا مجرد عديمي الإيمان؟ إنهم دائمًا يُمَحِّصون المسيح، لكن هل يستطيعون فهم جوهره الإلهي؟ كلما ازدادوا تمحيصًا للمسيح، ازداد شكّهم، وفي نهاية المطاف يعتبرونه شخصًا عاديًا. هل تبقّى فيهم أي إيمان حقيقي أو خضوع؟ مطلقًا. في قلب ضدّ المسيح، يُعتبَر المسيح شخص عادي فحسب. يبدو لهم أنه من الطبيعي أن يتعاملوا مع المسيح كإنسان، لذلك يشعرون بأن بإمكانهم تجاهل كلماته وأوامره، ولا يلقون لها بالًا، بل يكتفون بطرحها للنقاش والتمحيص خلال الاجتماعات. وفي نهاية المطاف، من يُقرِّر كيف تُنجَز الأمور هو ضدّ المسيح، وليس الله. إلى أي منزلة حطّوا من قدر المسيح؟ إنهم يرونه المسيحقائدًا عاديًا فحسب، ولا يعاملونه على أنه الله إطلاقًا. أليس هذا نفس طبيعة إيمان بولس بالله؟ بولس لم يُعامل الرب يسوع قط على أنه الله، ولم يأكل كلامه ويشربه قط، ولم يطلب الخضوع له. كان يظن دائمًا أن الحياة بالنسبة إليه هي المسيح، محاولًا أن يحلّ محلّ الرب يسوع، ونتيجة لذلك نال عقوبة الله. بما أنك قد قبلت أن المسيح هو الله المتجسِّد، فينبغي لك أن تخضع للمسيح. مهما قال المسيح، عليك أن تقبل وتخضع، لا أن تمحّص وتناقش ما إذا كان كلام الله صحيحًا أو متّسقًا مع الحق. كلام الله لم يُعطَ لك لتُحلّله وتُمَحّصه، بل لتخضع له وتُنفّذه. أما كيفية إنجاز الأمور وتحديد خطوات التنفيذ – فهذا هو نطاق شركتكم ونقاشكم. نظرًا لأن أضداد المسيح يشككون دائمًا في قلوبهم في الجوهر الإلهي للمسيح، ولديهم دائمًا شخصية غير مطيعة، فإنهم عندما يطلب منهم المسيح فعل أشياء، يقومون دائمًا بفحصها ومناقشتها ويطلبون من الناس تحديد ما إذا كانت صحيحة أم خاطئة. هل هذه مشكلة جسيمة؟ (نعم). إنهم لا يتعاملون مع هذه الأشياء من منظور الخضوع للحق؛ ولكنهم بدلًا من ذلك يتعاملون معها بمعارضة الله. هذه هي شخصية أضداد المسيح. عندما يسمعون وصايا المسيح وترتيبات عمله، فإنهم لا يقبلونها أو يخضعون لها، لكنهم يبدأون في النقاش. وما الذي يناقشونه؟ هل يناقشون كيفية ممارسة الخضوع؟ (كلا). يناقشون ما إذا كانت وصايا المسيح وأوامره صحيحة أم خاطئة، ويفحصون ما إذا كان ينبغي تنفيذها أم لا. هل موقفهم هو الرغبة بالفعل في تنفيذ هذه الأشياء؟ لا، فهم يريدون تشجيع المزيد من الناس ليكونوا مثلهم، ولعدم فعل هذه الأشياء. وهل عدم فعلها هو ممارسة حقيقة الخضوع؟ بالطبع لا. ماذا يفعلون إذًا؟ (إنهم يعارضون). إنهم لا يعارضون الله بأنفسهم فحسب، بل يبحثون عن المعارضة الجماعية أيضًا. هذه هي طبيعة أفعالهم، أليست كذلك؟ التمرد الجماعي: أن يجعلوا الجميع مثلهم، ويجعلوا الجميع يفكرون مثلهم ويقولون مثلهم ويقررون مثلهم ويعارضون بشكل جماعي قرار المسيح ووصاياه. هذه هي طريقة عمل أضداد المسيح. فاعتقاد أضداد المسيح هو أنها "ليست جريمة إذا فعلها الجميع"، ولذلك يحثون الآخرين على معارضة الله معهم، معتقدين أنه في ظل هذه الحالة لن يكون هناك شيء يمكن أن يفعله بيت الله بهم. أليس هذا غباءً؟ إن قدرة أضداد المسيح على معارضة الله محدودة للغاية، فهم وحدهم تمامًا؛ ولذلك، فإنهم يحاولون تجنيد الناس لمعارضة الله بشكل جماعي، مفكرين في قلوبهم: "سوف أضلل مجموعة من الناس وأجعلهم يفكرون ويتصرفون بالطريقة نفسها التي أفكر وأتصرف بها. ومعًا، سوف نرفض كلام المسيح ونعيق كلام الله ونمنعه من أن يؤتي ثماره. وعندما يأتي شخص للتحقق من عملي، سوف أقول إن الجميع قرر فعله بهذه الطريقة. وبعد ذلك سوف نرى كيف تتعامل مع ذلك. لن أفعل ذلك من أجلك ولن أقوم به، وسوف نرى ما ستفعله بي!" إنهم يظنون أنهم يمتلكون السُلطة، وأن بيت الله لا يستطيع أن يفعل أي شيء للتعامل معهم، ولا المسيح أيضًا. ما رأيكم، هل من السهل التعامل مع شخص كهذا؟ كيف ينبغي التعامل مع هذا النوع من الأشخاص؟ أبسط طريقة هي إعفائهم والتحري عنهم. ما إن يكشف إبليس عن نفسه، يُستبعد فورًا بحزمٍ قاطع، وتنتهي المسألة. بيت الله يسمح لك بأن تكون قائدًا، لكنك لا تخضع، بل تجرؤ حتى على معارضة الله؛ ألستَ إبليسًا؟ يُقِيمك بيت الله قائدًا لكي تقوم بعمل فعلي، ولتخضع لترتيبات العمل في بيت الله، ولكي تحسن أداء واجبك. ينبغي لك أن تقبل كلام الله وتخضع له؛ ومهما قال الله، ينبغي أن تقبل كلامه وتُنفّذه، لا أن تعارضه. لقد جعلت من معارضة الله واجبًا لك – حسنًا إذًا، مع الأسف، إعفاءك هو أبسط حل. لبيت الله السُلطة في أن يستخدمك، وله السُلطة أيضًا في إعفائك. يقول بعض الأشخاص: "كنت أقوم بعملي كقائد على نحو جيد، فلماذا تم إعفائي؟ أليس هذا أشبه بقتل الحمار بعد أن ينتهي من طحن الحبوب؟ هل كنتَ حقًا تؤدي عملك على نحو جيد حين تم إعفاؤك؟ الحمار الذي يركل ويعضّ بعشوائية، ولا يركّز على المهام المطلوبة مهما دُرِّب، سيُقتَل فعلًا عندما "ينتهي من طحن الحبوب". أما وقت قتله، فيعتمد على أدائه. أخبرني، هل سيتخلص أحد طوعًا من حمار جيد؟ أثناء الطحن، يكون الحمار هو المساعد الأهم والأساسي. هل سيكون أي شخص من الحماقة بحيث يقتل الحمار عندما تكون الحاجة ماسة إليه، ويوقف الطحن، ويقبل بالبقاء دون حبوب؟ هل يفعل ذلك أي شخص؟ (كلا). ثمة حالة واحدة فحسب قد يحدث فيها هذا: عدم انصياع الحمار للتدريب، ومواصلته الركل والعضّ بعنف، مما يجعل من المستحيل طحن أي شيء. في تلك الحالة، سيكون عليك إيقاف الطحن وقتل الحمار، أليس كذلك؟ (بلى). يمكن لذوي التمييز في هذا الأمر أن يروه بوضوح. فكيف ينبغي إذًا التعامل مع أضداد المسيح الذين هم عصاة، متمرّدون، ويخفقون في تنفيذ أي عمل؟ أبسط طريقة هي أن يتم إعفائهم أولًا من مناصبهم. يسأل بعض الناس: "هل الإعفاء هو نهاية الأمر؟" لم العَجَلة؟ راقب سلوكهم. إذا ما تم إعفاؤهم وفقدوا سلطتهم، فإن استطاعوا الاستمرار في العمل في بيت الله، فلن يُطرَدوا. ولكن إن لم يعملوا، وبدلًا من ذلك زادوا الطين بلّة بنشر مفاهيم، وارتكاب الشر، وإثارة الاضطرابات في كل مكان، فعندئذ، وِفقًا للمبادئ، لا بد من طردهم. بوجه عام، أليست هذه الأشياء التي تظهر في أضداد المسيح بغيضة؟ (إنها بغيضة للغاية). وما الذي يجعلها بغيضة؟ يرغب أضداد المسيح هؤلاء في الاستيلاء على السلطة في بيت الله، ولا يمكنهم تنفيذ كلام المسيح، فهم لا يُنفِّذونه. وبالطبع، من الممكن أن يوجد نوع آخر من المواقف عندما لا يتمكن الناس من الخضوع لكلام المسيح. بعض الناس ذوو مقدرة ضئيلة، ولا يمكنهم فهم كلام الله عندما يسمعونه، ولا يعرفون كيفية تنفيذه. وحتى لو علمتهم كيفية عمل ذلك، فإنهم لا يزالون غير قادرين. وهذه مسألة مختلفة. إن الموضوع الذي نقيم شركة بخصوصه الآن هو جوهر أضداد المسيح، وهو لا يرتبط بما إذا كان بإمكان الناس فعل الأشياء أو بصفة مقدرتهم، بل يرتبط بشخصية أضداد المسيح وجوهرهم. إنهم يعارضون المسيح تمامًا، ويعارضون ترتيبات عمل بيت الله ومبادئ الحق. وهم يفتقرون إلى الخضوع وليس لديهم إلا المعارضة. هذا هو الحال مع ضد المسيح.

فكر وميّز تحت أيٍّ من مظاهر أضداد المسيح المذكورة سابقًا تندرج الحالة التالية. كان ثمة قائد يعمل كل يوم من الفجر حتى الغسق، ويبدو عليه قدر كبير من المسؤولية. ومع ذلك، نادرًا ما كان يُرى، مما أعطى انطباعًا بأنه مشغول للغاية بالعمل، ومن المفترض أنه لم يكن عاطلًا عن العمل، ويبدو أنه كان يدفع الثمن للقيام بواجبه. لاحقًا، حين وُجد عمل ينبغي إنجازه في أماكن معيشتهم وساحتهم، رتبنا أن يرافقهم أحد الأشخاص ليرشدهم في العمل. عند غيابنا، كان ينبغي عليه أن يتقدّم للمساعدة في الإرشاد ويتحمّل مسؤولية العمل؛ فكان عليه أن يبادر من تلقاء نفسه. أليس هذا منطقيًّا ومناسبًا؟ هل ينبغي أن أتواجد دائمًا للإشراف على هذه الأعمال والمهام المنزلية؟ (كلا). في أغلب الأحيان، هذه الأنواع من المهام الشاقّة لا تمسّ الحق فعليًّا. ما على الناس سوى العمل بجد، وعدم الانخراط في الأعمال الهدامة، والامتثال، وتنفيذ ما يُطلب منهم – الأمر بسيط وسهل الإنجاز. لاحقًا، عندما اكتملت المهام في تلك المنطقة بشكل أساسي، لكن كان التدبير المستمر لا يزال مطلوبًا، سلّمتُ المسؤولية إلى هذا القائد، وأخبرته أن يحافظ على نظافة المنطقة، مع التأكد من أن كل ما يحتاج إلى صيانة قد تم الاعتناء به جيدًا. كان ثمة أمران رئيسيان: أولًا، الحفاظ على نظافة وترتيب كافة المساحات والغرف المحددة في الداخل والخارج. ثانيًا، العناية الجيدة بالنباتات؛ مثل ري المزروع حديثًا منها حتى لا تموت، وتشذيبها حسب الحاجة وفقًا للفصل ونموّها، وتسميدها عند الحاجة. هاتان المهمتان فحسب – هل تظنون أن هذا كثير؟ هل يمكن أن يكون ذلك مُتعبًا؟ (كلا). هاتان المهمتان ليستا بالأمر الكبير؛ ويمكن للمرء إنجازهما خلال نزهة قصيرة بعد تناول الطعام. ثم، أليس عليك أيضًا أن تعتني ببيئتك المعيشية الخاصة؟ هذه هي طريقة العيش كبشر؛ هذه الأنواع من المهام ضرورية للحياة البشرية العادية. عليك أن تُدير بيئتك المعيشية بنفسك، وإن لم تفعل، فلا فرق بينك وبين الحيوانات. فهل يَصْلُح بعد ذلك أن تُدعَى بشرًا؟ الحيوانات لا تُدير البيئات المحيطة بها؛ وليس لديها أماكن مخصصة لقضاء حاجتها الجسدية، ولا أماكن ثابتة للأكل والنوم. يتفوق البشر على الحيوانات في هذا الصدد؛ فالبشر يدبرون بيئتهم ويهتمون بالنظافة ولديهم معايير لبيئاتهم المحيطة. إذًا، لم يكن طلبي هذا منه مبالغًا فيه، أليس كذلك؟ (صحيح). بعد أن أَوْكلتُ هذه المهام، غادرتُ إلى مكان آخر، وكان من المفترض أن يتولى القائد تنفيذ العمل المحدد. ذات يوم، ذهبتُ لأتفقد كيفية إدارة البيئة، وأثناء الطريق شعرتُ بغُصَّة، وسُخط، وغضب! ماذا تظنّون قد حدث؟ ما الذي قد يسبّب هذه المشاعر؟ (لم ينفّذ أوامر الله وترتيباته). بالضبط، لا يمكن وصف الأمر سوى هكذا – لم يُنفّذها. خلال فترة غيابي، لم يكن الطقس جافًّا على نحو خاص، لكن كثيرًا من الشتلات المزروعة حديثًا كانت أوراقها قد اصفرّت، وبعضها تساقطت أوراقه. ما كان مثيرًا للغضب هو أن أوراق شجرتين مزهرتين مشهورتين قد تحوّلت من الأخضر النضر إلى الأحمر المُرجاني، وكادت تصفرّ. هل يغضبكم ما سمعتم؟ والأكثر إثارة للغضب هو أن المنصة الإسمنتية النظيفة عند المدخل كانت مغطاة بالسلال والأكياس البلاستيكية والقمامة ونشارة الخشب من الأعمال المنتهية، والمسامير والأدوات – كل شيء كان مبعثرًا في كل مكان، مما أحدث فوضى عارمة وقذرة! من لن يتملكه الغضب عند رؤية مشهد كهذا؟ ثمة نوع واحد فقط من الأشخاص لن يتملّكه الغضب – أولئك الذين يبلغون مستوى الحيوانات، ممن لا معايير لديهم ولا حساسية تجاه ما يحيط بهم، لا يبالون بالرائحة، أو النظافة، أو الراحة، ولا يدركون بتاتًا ما هو حسن وما هو قبيح. أيّ شخص يتمتع بإنسانية طبيعية، ولديه معايير لبيئته، ويملك القدرة على التفكير، لا بد أن يغضب عند رؤية مثل هذا الوضع. كان عدد كبير من الأشخاص يعيشون في ذلك المكان، ومع ذلك لم يتمكّنوا من التعامل حتى مع هذه المهمة البسيطة. أي نوع من الأشخاص هم؟ بعد أن أعطيتُ التعليمات، هكذا تعامَلوا مع المكان، وهكذا فعلوا به. تدبير البيئة هنا والعناية بهذه الأمور القليلة ليست مرهقة، أليس كذلك؟ هذا لا يُعيق أيًّا من أنشطتك، أليس كذلك؟ هذا لا يؤثّر على اجتماعاتك أو صلواتك أو قراءتك لكلام الله، أليس كذلك؟ فلماذا لا يمكن القيام بذلك؟ عندما أتواجد وأُشرف وأراقب، يقوم هؤلاء الأشخاص ببعض العمل، ولكن ما إن أغادر حتى يتوقفوا؛ ولا يتحمّل أحد المسؤولية. ما الذي يجري هنا؟ هل يعتبرون هذا المكان بيتهم؟ (كلا). لا يزالون يقولون إن ملكوت المسيح هو بيتهم الدافئ، لكن هل هذا ما يعتقدونه حقًا؟ هل هذا حقًا هو أسلوب تصرّفهم؟ كلا. إنهم حتى لا يدبرون البيئة التي يعيشون فيها. وحتى بعد أن أعطيتهم التعليمات، لا أحد يتحمّل المسؤولية، ولا أحد يُبالي. عندما يُطلب منهم العمل، فإنهم يعملون قليلًا، لكن بعد الانتهاء، يرمون الأدوات بإهمال، وهم يفكّرون: "من يهتم فليتولَّى الأمر، هذا ليس من شأني. طالما عندي الطعام والمأوى، فأنا بخير". أي نوع من الإنسانية هذا؟ أي نوع من الأخلاق؟ هل يمتلك مثل هذا الشخص ذرة من الإنسانية الطبيعية؟ الإيمان بالله لسنوات عديدة دون أي تغيير أمر لا يمكن تصوره حقًا! لقد بذلتُ جهدًا كبيرًا في عمل هذه الأمور من أجلكم، ورتّبت كل شيء بعناية فائقة. أنا لا أعيش هنا، ولا أستمتع بأي من ذلك – كل ذلك من أجلكم. لا حاجة لأن تكونوا ممتنّين؛ دبّروا بيئتكم المعيشية فحسب، وهذا يكفي – لماذا يصعب فعل ذلك؟ أدركتُ لاحقًا أن هناك سببًا لهذا السلوك. الناس يأتون إلى بيت الله، سواء تركوا عائلاتهم ووظائفهم، أو تخلّوا عن دراستهم وآفاقهم المستقبلية، لكي يؤدّوا واجبهم، لا ليكونوا عاملين على المدى الطويل لديّ. لماذا؟ إنهم لا يتقاضون بنسًا واحدًا، فلماذا ينبغي أن يستمعوا إليّ؟ لماذا ينبغي عليهم تدبير البيئة من أجلي؟ لماذا ينبغي أن يبذلوا هذا الجهد من أجلي؟ هذه هي الطريقة التي يفكرون بها. إنهم يشعرون أن أداء عملهم الخاص على نحو جيد وتتميمهم لواجباتهم كافٍ، وأن الاهتمام بالأمور التي تقع ضمن نطاق عملهم يُكمِّل مسؤولياتهم. أي شيء آخر أطلبه، ما دام يخص واجباتهم ومهنهم، قد يفكرون فيه، أما الباقي فعليّ أن أجد شخصًا آخر ليقوم به. والرسالة الضمنية هي: "نحن أهل الملكوت؛ فكيف نقوم بمثل هذه الأعمال القذرة والمتعبة؟ نحن بشر أسمى؛ وإجبارنا دائمًا على القيام بأعمال وضيعة ومهينة يضر بصورتنا! نحن أناس ذوو هوية معيّنة، فلماذا تستمر في تعقيد الأمور علينا؟ بعد أن فهمت هذا، استطعت إدراك سبب نفور أغلب الناس من العمل، ومقاومتهم له، وعدم رغبتهم في أدائه، ولماذا يُقارنون أنفسهم بالآخرين ويلجؤون إلى الخداع للتملُّص من واجباتهم عندما يؤدون العمل – ذلك لأنّ معظمهم لا يسعون إلى الحق. عدم السعي إلى الحق مقولة شائعة، لكن في الواقع، كثير من الناس يميلون بطبيعتهم إلى حب الراحة واحتقار العمل. بالإضافة إلى أن عقلية الاكتفاء بالحدّ الأدنى تسيطر عليهم، فإنهم يظنون أن السعي إلى الحق يعني الجلوس معًا للحديث والنقاش، تمامًا كما في أمة التنين العظيم الأحمر، حيث يقضي الناس وقتهم في الاجتماعات، وقراءة الصحف، واحتساء الشاي – ويظنون أن هذا هو الإيمان بالله وأداء واجبهم. ما إن يُطرَح موضوع العمل والكدّ كالمزارعين، حتى يظنّ كثيرون أن العيش بهذه الطريقة لا علاقة له بنا نحن المسيحيين. إن حياة المسيحي هي حياة خالية من "الملذّات الوضيعة". إنهم يعتقدون ضمنيًّا بأنهم أسمى من المهام الدنيوية العادية، فالتنظيف، ومكافحة الآفات، والزراعة، والتشذيب، وزراعة الزهور، وما إلى ذلك، كلّها لا علاقة لهم بها؛ إذ إنهم قد تجاوزوا منذ زمن مثل هذه الأساليب الوضيعة في الحياة. أليس هذا هو حال معظم الناس؟ (بلى). هل من السهل إصلاح حالٍ كهذا؟ بعض الناس، عندما يُطلَب منهم تعلُّم تشغيل الآلات، لا يأخذون الأمر على محمل الجد، بل ويتعمدون إساءة استخدامها، فيتسبّبون في إتلافها في غضون أيام قليلة. تتعطل الآلات المشتراة حديثًا، وتكلفة إصلاحها ليست رخيصة. إنهم يفكرون: "ألم تطلب مني أن أتعلّم؟ الآن بعد أن عطلت الآلة ولم تَعُد هناك آلة، لديّ عذر للراحة، أليس كذلك؟ لم يَعُد عليّ أن أعمل بعد الآن، أليس كذلك؟ ظللت تطلب مني أن أتعلم، وهذه هي النتيجة. هل هذا ما أردت رؤيته؟" إن تكلفة إصلاح بعض الآلات تعادل تقريبًا تكلفة شراء آلات جديدة. بعض الأشخاص لا يشعرون بالضيق أو الذنب على الإطلاق بعد ارتكاب مثل هذه الأخطاء. عندما تُقارن بين هذا وبين المفهوم المذكور سابقًا: "عدم إنفاق سنت واحد من مال بيت الله، لأنه تقدمة لله"، فأي القولين هو القول الصادق، وأيّ السلوكَين هو الواقع؟ إنهم يُتلفون الآلات، وتكلفة إصلاحين تكفي لشراء آلة جديدة. هذا السلوك التبذيري هو الواقع، أما القول بعدم تبذير التقدمات فهو كاذب ومخادع ومضلِّل. بالإشارة إلى المثال الذي نوقش آنفًا، إذا أردنا تصنيفه ضمن شخصية أحد أضداد المسيح أو جوهره، فأي جانب من نقاش اليوم سيتعلّق به؟ تحت أي جانب سيُدرَج هذا السلوك؟ يقول: "أنا هنا لأؤدّي واجبي، لا لأكون عاملًا لديك على المدى الطويل". هل هذا القول صحيح؟ أنت هنا لأداء واجبك، ولكن من الذي حدد ما يستلزمه هذا الواجب وما لا يستلزمه؟ أليست هذه المهام جزءًا مما ينبغي عليك القيام به؟ تمامًا كما في الحياة اليومية، الخروج لكسب المال لإعالة أسرتك هو مسؤوليتك. إذا أردت خضروات وقررت زراعتها بنفسك، فهذا اختيارك، لكن هل يعني ذلك أن المهام المنزلية الأخرى ليست من مسؤوليتك؟ القول بأنك هنا لأداء واجبك صحيح، لكن القول إنك لست هنا لتكون عاملًا على المدى الطويل أمر إشكالي. ماذا تعني عبارة "عامل على المدى الطويل"؟ من يعاملك على هذا النحو؟ لا أحد يعتبرك عاملًا على المدى الطويل، وأداء هذه المهام أو بذل القليل من الجهد لا يجعلك كذلك. أنا لا أعتبرك عاملًا على المدى الطويل، ولا بيت الله يستخدمك كذلك. أنت تؤدي العمل الذي هو من مسؤوليتك؛ فكل هذه الأمور تندرج ضمن نطاق واجبك. على نطاق ضيق، يتعلق الأمر بالحفاظ على حياتك اليومية، وضمان صحتك الجسدية ووظائفك الفسيولوجية الطبيعية، وضمان أن تعيش بشكل جيد. وعلى نطاق أوسع، فإن كل مهمة مرتبطة باتساع عمل الله. فلماذا أنت مستعد لأداء بعض هذه المهام ولست مستعدًا لأداء الأخرى؟ لماذا تختار وتنتقي؟ لماذا تعتبر بذل قليل من الجهد، أو القيام ببعض التنظيف، أو تدبير البيئة من أعمال عامل على المدى الطويل، أو أنه عمل وضيع؟ هنا يكمن أحد الأسباب: عندما يتعلق الأمر بأوامر المسيح وكل متطلباته، يعتبر الناس المهام التي يرغبون في أدائها جزءًا من واجبهم، بينما تلك التي لا يرغبون فيها أو يقاومون أدائها تعتبر مهام عامل على المدى الطويل. أليس هذا تحريفًا للحقائق؟ إنه يمثل فهمًا متحيزًا. ما الذي يؤدي إلى هذا الفهم المتحيز؟ إنها تفضيلات الناس. وما الذي تميل إليه هذه التفضيلات؟ إنها تعتمد على ما إذا كان الجسد يعاني. إذا لم يستطع الجسد التمتّع بالراحة، وإذا احتمل المشقة أو التعب، يصبح الناس مقاومين. المهام التي يرغبون في أدائها، تلك المهام البراقة المحترمة، يقبلونها على مضض ويعتبرونها أداءً لواجبهم. هل يمكن تصنيف هذا الموقف على أنه معارضة للمسيح؟ الناس يعارضون بشدة ويرفضون أداء المهام التي لا يرغبون في القيام بها؛ فمهما جادلتهم، يرفضون ويعارضون ببساطة. هل هذه الحالات ومشكلات الناس سهلة الحل؟ كل هذا يعتمد على مدى محبة الشخص للحق. إذا كان الشخص لا يحب الحق على الإطلاق وينفر منه، فلن يتغير أبدًا. لكن إذا كانت لديك إرادة المعاناة، وتستطيع التمرّد على الجسد، وتملك خضوعًا حقيقيًا وموقفًا خاضعًا، فبوسعك تجاوز هذه المشكلات بسهولة، أهذا صحيح؟ (نعم صحيح). في حياة المرء، لا وجود لشيء اسمه عدم القيام بأي عمل. يقول بعض الناس: "الأباطرة في الماضي لم يكونوا يقومون بأي عمل". هل هذا صحيح حقًا؟ معظم الأباطرة لم يقضوا كل أيامهم في التمتّع بحياة القصر. بعضهم بدأ دراسة الشعر والأدب في سنٍ مبكرة، وكان يعمل من الفجر حتى الغسق. وبعد اعتلائهم العرش، كانوا يخرجون متخفين في زيارات لفهم معاناة الشعب، بل إن بعضهم كان يتوجّه إلى ساحة المعركة في أوقات الأزمات الوطنية. على الرغم من قلّة الأباطرة الذين كانوا على هذا النحو، كان لبعضهم وجود بالفعل. حتى وإن وُجد أباطرة لم يفعلوا شيئًا يُذكر، كما يقول بعض الناس، فإنهم كانوا قلّة قليلة. الشخص الذي لا ينخرط في أي نشاط مفيد ومع ذلك يحلم بالتمتّع بالأفضل هو مجرد حالِم.

يعتقد الكثير من الأشخاص دائمًا أن إجهاد أنفسهم في العمل اليدوي أمر يُحط بالكَرامة. هل هذا الرأي صحيح؟ كذلك يوجد أولئك الذين يرون أن مثل هذا الجهد هو عمل، ويعتقدون أن القادة والعمال الذين يقومون بعمل الكنيسة هم فقط الذين يؤدون واجبًا، فهل هذا النوع من الفهم صحيح؟ (كلا). يجب عليك فهم هذه المسألة بالطريقة التالية: مطلوب من الناس أن يفعلوا كل ما يتطلب الله من الناس فعله، وجميع أنواع الأعمال المختلفة في بيت الله، كل هذه الأشياء تُعدُّ واجبات على الناس. مهما يَكُن العمل الذي يقوم به الناس، فهذا هو الواجب الذي يجب عليهم القيام به. تغطي الواجبات نطاقًا واسعًا جدًّا، وتشمل العديد من المجالات، ولكن مهما كان الواجب الذي تؤديه، فهو ببساطة التزامك وشيء ينبغي لك القيام به. وما دمت تجاهِد لتؤديه بإخلاص، فسيستحسنك الله، وسيعترف بك كشخص يؤمن بالله حقًا. مهما كانت هويتك، إذا كنت تحاول دائمًا تجنُّب واجبك أو الاختباء منه، فهناك مشكلة. بعبارة معتدلة، أنت كسول للغاية، ومخادع للغاية، وخامل للغاية، وتحب الترفيه وتكره العمل. وبعبارة أكثر جدية، أنت غير راغب في أداء واجبك، وليس لديك إخلاص أو خضوع. إذا كنت لا تستطيع حتى بذل الجهد الجسدي للقيام بهذا العمل القليل، فماذا يمكنك أن تفعل؟ ما الذي يمكنك القيام به بشكل صحيح؟ إذا كان الشخص يتمتع حقًّا بالإخلاص ولديه إحساس بالمسؤولية تجاه واجبه، فما دام الله يطلب ذلك، وما دام بيت الله يحتاج ذلك، فإنه سيفعل أي شيء يطلبانه، دون اختيار ما يريدون. أليس من مبادئ أداء الواجب القيام بأي شيء يقدر عليه ويجب عليه القيام به وإجادته؟ (نعم). يعترض بَعض من يقومون بالأعمال اليدوية بالخارج ويقولون: "إنكم تقضون اليوم كله في أداء واجبكم في غرفكم، محتجبين عن الرياح والشمس. لا توجد مشقةٌ في ذلك على الإطلاق؛ فواجبكم أكثر راحة من واجبنا. ضعوا أنفسكم مكاننا، ولْنَرَ ما إذا كان بإمكانكم تحمل العمل لعدة ساعات في الخارج في الرياح والمطر". في الواقع، ينطوي كل واجب على بعض المشقَّة. يشتمل العمل البدني على المشقَّة الجسدية، والعمل العقلي يشتمل على مشقَّة ذهنية؛ وكلٌ له صعوباته. كل شيء في القول أسهل منه في الفعل. عندما يضطلع الناس بعمل فعلًا، فالأمر الحيوي، من جهةٍ، هو خلقهم، ومن جهةٍ أخرى، إذا كانوا يحبُّون الحقَّ أم لا. دعونا نتحدث أولًا عن الخُلُق. إذا كان الشخص ذا شخصية صالحة، فإنه يرى الجانب الإيجابي من كل شيء، ويكون قادرًا على قبول الأشياء واستيعابها من منظور إيجابي، وعلى أساس الحق؛ أي أن قلبه وشخصيته وروحه مستقيمة، وهذا من منظور الخُلُق. بعد ذلك دعونا نتحدث عن جانب آخر، ما إذا كان المرء يحب الحقَّ أم لا. تشير محبة الحق إلى القدرة على قبول الحق، وهذا يعني أنك إذا كنت لا تزال قادرًا على قبول الحق من الله، وكنتَ مطيعًا وصادقًا – بغض النظر عما إذا كنت تفهم كلام الله أم لا، وما إذا كنت تفهم مقصد الله أم لا، وما إذا كانت وجهة نظرك، ورأيك، ومنظورك تجاه الوظيفة، وتجاه الواجب الذي من المفترض أن تقوم به تتماشى مع الحق، وكنت لا تزال قادرًا على قبوله من الله، وإذا كنت خاضعًا ومخلصًا فعندما تقوم بمهمة ما، لن تكون لامباليًا، ولن تتراخى بشكل مخادع، بل ستؤديها من كل قلبك وبكل قوتك. إن كانت الحالة الداخلية للشخص خاطئة، ونشأت فيه السلبية، وفقد دافعه وأراد أن يكون لامباليًا، فهو يعرف في قلبه جيدًا أن حالته ليست صحيحة، ومع ذلك يظل لا يحاول إصلاح هذا من خلال طلب الحق. مثل هؤلاء الأشخاص لا يحبون الحق، ولا توجد لديهم سوى رغبة ضعيفة في أداء واجبهم، كما أنهم غير راغبين في بذل أي جهد أو تحمل المشقَّة، وهم يحاولون دائمًا أن يتراخوا بشكل مخادع. في الواقع، لقد محّص الله كل هذا بالفعل، فلماذا لا يولي اهتمامًا لهؤلاء الناس؟ إن الله ينتظر فقط أن يستيقظ شعبه المختار ويميز مثل هؤلاء الناس ويكشفهم ويستبعدهم. ومع ذلك، لا يزال مثل هؤلاء الناس يقولون في أنفسهم: "انظروا كم أنا ذكي. نحن نأكل الطعام نفسه، لكنكم مرهَقون تمامًا بعد العمل، أما أنا فلست متعبًا على الإطلاق. أنا الذكي، لا أرهق نفسي في العمل، وأي شخص يرهق نفسه في العمل فهو أحمق". هل من الصواب أن ينظروا إلى الصادقين بهذه الطريقة؟ لا. في الواقع، الأشخاص الذين يرهقون أنفسهم في العمل عندما يؤدون واجبهم يمارسون الحق ويُرضون الله؛ ولذا فهم أذكى الناس على الإطلاق. ما الذي يجعلهم أذكياء؟ إنهم يقولون: "أنا لا أفعل أي شيء لا يطلب مني الله أن أفعله، وأفعل كل ما يطلبه مني بالفعل. أفعل كل ما يطلبه، وأؤديه بتفانٍ وبكل جهدي، ولا أؤدي شكليًا على الإطلاق. أنا لا أفعل هذا من أجل أي شخص، فأنا أفعله من أجل الله. الله يحبني كثيرًا، وينبغي أن أفعل ذلك لإرضاء الله". هذه هي الحالة الذهنية الصحيحة. ونتيجة ذلك، عندما تطهر الكنيسة الناس، فإن أولئك المراوغين في أداء واجبهم سيُستبعدون جميعًا، بينما يبقى الأشخاص الصادقون الذين يقبَلون تمحيص الله. إن حالة هؤلاء الصادقين تتحسن باطراد، وهم في حماية الله في كل ما يصيبهم. وما الذي يُكسبهم هذه الحماية؟ لأنهم صادقون في قلوبهم. إنهم لا يخشون المشقَّة أو الإرهاق عند أدائهم لواجبهم، وليسوا انتقائيين بشأن أي شيء يُعطى لهم، لا يَسألون لماذا، بل يفعلون كما يؤمرون فحسب، ويطيعون دون إجراء أي تحريات أو تحليل، ودون أخذ أي شيء آخر في الاعتبار. ليس لديهم حسابات، وهم قادرون على الطاعة في كل شيء. إن حالتهم الداخلية طبيعية جدًا دائمًا. وعندما يواجههم الخطر يحميهم الله، وعندما يصيبهم المرض أو الوباء، يحميهم الله أيضًا، ومستقبلًا سيستمتعون فقط بالبركات. لا يمكن لبعض الناس إدراك حقيقة هذا الأمر. عندما يرون الأشخاص الصادقين يتحملون المشقة والإرهاق طواعية في أداء واجبهم، يظنون أن هؤلاء الأشخاص الصادقين حمقى. أخبرني، هل هذه حماقة؟ هذا هو الإخلاص، هذا هو الإيمان الحقيقي. من دون الإيمان الحقيقي، ثمة أمور عديدة لا يستطيع المرء فهمها أو تفسيرها حقًا. وحدهم أولئك الذين يفهمون الحق، والذين يعيشون دائمًا أمام الله ولهم تعاملات طبيعية معه، والذين يخضعون حقًا ويتقون الله بصدق، هم من يعرفون في قلوبهم بوضوح ما يحدث حقًا. لماذا يعرفون بينما لا يعرف الآخرون؟ يأتي ذلك من اكتسابهم الاختبار من خلال ممارسة الحق وكونهم أناسًا صادقين. لا يمكن لأي شخص أن يمنح هذا الاختبار، ولا يمكن لأحد سلبه أو أخذه. أليست هذه بركة؟ لا يمكن للأشخاص العاديين نيل مثل هذه البركة. ولماذا الأمر كذلك؟ ذلك لأن الناس كثيرو الخداع والشر؛ إنهم يفتقرون إلى الصدق، ولا يستطيعون أن يكونوا من أهل الصدق، وتنقصهم قلوب صادقة، لذا فإن ما يحصلون عليه محدود. أما بالنسبة إلى أضداد المسيح، فلا حاجة حتى لذكرهم. بناءً على مواقفهم تجاه مختلف الأمور، بالإضافة إلى جوهر طبيعتهم، وخاصةً بناءً على موقفهم تجاه المسيح، فإن أشخاصًا مثل أضداد المسيح لن ينالوا هذه البركة أبدًا. ما السبب في ذلك؟ ذلك لأن قلوبهم شريرة وماكرة للغاية! إنهم يعاملون الناس بشكل مختلف حسب الشخص، يغيرون ألوانهم مثل الحرباء، وأفكارهم دائمًا في حالة حركة، يتحينون الفرصة المناسبة قبل أن يتحركوا، لا يكونون صادقين مع الله، ولا يخضعون له، ويقتصرون فقط على إجراء المعاملات معه. ما هي عاقبة مثل هذه المواقف والجوهر؟ إنهم، في أي أمر من الأمور، غير قادرين على إدراك حقيقة جوهر مختلف الأشخاص والمواقف أو فهمه، وكذلك الحقائق التي تنطوي عليها هذه المواقف. إن كلام الله مطروح أمامهم، وهم متعلمون ويعرفون القراءة والتحليل، ولديهم فكر ويعرفون كيف يمحِّصون، فلماذا لا يستطيعون أن يفهموا؟ مهما بلغ عمرهم، حتى لو وصل إلى 80 عامًا، فلن يفهموا. لماذا لن يفهموا؟ السبب الأهم هو أن أعينهم كانت معصوبة. بعض الناس يقولون: "لكننا لم نرَ أعينهم مغطاة". إن قلوبهم هي التي غُطَّيت. ما المقصود بأن تُغطى؟ يعني أن قلوبهم غير مستنيرة؛ فهي محجوبة على الدوام. قيل سابقًا إن: "قلوب الناس أصبحت قاسية". إذًا، من الذي قسَّى قلوب أضداد المسيح؟ في الواقع، إنه الله الذي لم ينِرهم. إنه لا ينوي أن يجعلهم كاملين أو يخلصهم. إنه يتدخل فحسب في الأوقات المناسبة، في اللحظات الحرجة والمهمة، ليكبح جماحهم قليلًا ويمنع مصالح بيت الله من أن تتضرر. لكن في معظم الأحيان، عندما يتعلق الأمر بمسائل كلام الله والحق والخضوع له، ومعرفة أنفسهم ومعرفته، فإنه لا ينيرهم أبدًا. قد يقول البعض: "هذا ليس صحيحًا". كيف يمكنك أن تقول إنه لا ينيرهم؟ بعض الذين صُنِّفوا على أنهم أضداد المسيح هم أذكياء للغاية. بعد سماع عظة، إذا تكلمت أنت لمدة ثلاث ساعات، فيمكنهم أن يتكلموا لست ساعات. أليست تلك استنارة؟ أيًا كان عدد الساعات التي يمكنهم التحدث خلالها، حتى وإن كانت 30 ساعة، فهي مجموعة من الكلمات والتعاليم فحسب. هل كان بوسع الفريسيين والكتبة أن يتحدثوا أفضل من هؤلاء الناس؟ كان كل واحد منهم خبيرًا في الوعظ، وكان كل منهم يتحدث ببلاغة، ولكن فيما نفع ذلك؟ عندما جاء الله، ظلوا يقاومونه ويدينونه. ماذا جلب لهم ذلك؟ جلب لهم الدمار والهلاك والكارثة الكبرى. ظاهريًا، يبدو أن كل شخص في بيت الله يؤدي واجبه، حيث يتناول كل شخص ثلاث وجبات في اليوم، ويؤدي واجباته خلال النهار، ويستريح في الليل. إلا أنه بعد عدة سنوات، تصبح الفروق بين مختلف أنواع الناس كبيرة، وتظهر عواقب الأنواع المختلفة من الناس وتتميز. بعض الناس يعلنون شفهيًا أنهم يؤمنون بالله، ولكنهم لا يتبعون الطريق الصحيح، بل يسرعون نحو الجحيم. وآخرون يحبون الحق ويجاهدون من أجله باستمرار، وبالتالي يدخلون تدريجيًا إلى واقع الحق. وبعض الأشخاص يريدون أن يعيشوا دائمًا حياة مريحة، ويصبحون أكثر مكرًا في أداء واجباتهم، وفي نهاية المطاف يتم استبعادهم. يمكن للبعض أن يقبلوا الحق، ويصبحوا أكثر صدقًا في قلوبهم، ويختبروا تغييرًا في شخصيتهم الحياتية، ويصبحوا محبوبين من كل من الله والناس. بعضهم يركزون دائمًا على وعظ الكلام والتعاليم، وبعد كل وعظهم يزدريهم الله، وبالتالي يهلكون. والبعض يفتقر إلى الفهم الروحي، وكلما استمعوا إلى العظات، زاد ارتباكهم، وأصبحوا أقل اهتمامًا بالحق وأقل خضوعًا، ويريدون التصرف بعناد وتقلب، ويسعون دائمًا لإشباع رغباتهم الخاصة، ويطمحون إلى الشهرة والربح والمكانة – وهذا أمر خطير. بعض الناس يتبعون الله لعدة سنوات، وبعد أن يأكلوا ويشربوا كلام الله ويختبروا العديد من الأمور، يصلون إلى فهم العديد من الحقائق، ويزداد إيمانهم بالله أكثر فأكثر، وينالون استحسانه. جميع هؤلاء الأشخاص يؤمنون بالله، ويعيشون حياة الكنيسة، ويؤدون واجباتهم، فكيف، بعد ثماني أو عشر سنوات، تختلف نتائجهم، كل حسب نوعه؟ ما الذي يوضحه هذا الأمر؟ ألا توجد اختلافات في جوهر طبيعة الأشخاص؟ (بلى).

إليكم مسألة أخرى لتستمعوا إليها وتفكروا في الفئة التي تنتمي إليها من بين مظاهر أضداد المسيح التي ناقشناها. في بعض الكنائس، من الواضح أن ثمة أشخاص أشرار يتصرفون بشكل مستبد وغير عقلاني. إنهم لا يستطيعون القيام بأي عمل ملموس، ومع ذلك يريدون دائمًا التمسك بالسلطة. في أي عمل يقومون به يخلقون الاضطرابات والدمار ولا يلتزمون بالمبادئ، وفي أي شيء يفعلونه لا يريدون أن يدفعوا الثمن أبدًا، ولكنهم يريدون دائمًا أن يستمع إليهم الآخرون. باختصار، طالما أن مثل هذا الشخص موجود في الكنيسة، فإن كثيرين آخرين سوف ينزعجون منه، وسوف يتأثر عمل بيت الله ونظام الكنيسة ويتضرر. مع أن مثل هؤلاء الأشخاص لم يرتكبوا أي أفعال شر جسيمة ظاهرة، أو يؤذوا الإخوة والأخوات، إلا أنك عندما تنظر إلى إنسانيتهم وجوهرهم ووجهات نظرهم في مختلف الأمور، وكذلك مواقفهم تجاه الإخوة والأخوات، وعمل بيت الله وواجباتهم الخاصة، تراهم ينتمون تمامًا إلى مصافّ الأشرار. كيف ينبغي لي أن أتعامل مع مثل هذا الشخص إن صادفته قبل أن يلاحظه الإخوة والأخوات؟ هل ينبغي لي أن أنتظر حتى يرتكب خطأً فادحًا أو يتسبّب في كارثة كبيرة لأُخرجه، وأُبعده عندما "يُحدث ضجّة كبيرة"؟ هل ذلك ضروري؟ (كلا). إذًا ماذا ينبغي لي أن أفعل؟ على أقل تقدير، يجب أن أعفيه من واجبه. بعد ذلك، يجب أن أعزله أو أخرجه، مانعًا إياه من القيام بواجبه لتجنب التأثير على الآخرين. لا يُسمح بوجود مثل هؤلاء الأشرار في العمل الحيوي لبيت الله، فهل هذا المبدأ صحيح؟ إن لم يُستعلن أمرهم، فليكن، ولكن متى كُشِفوا، ورُؤوا بوضوح، وصُنِّفوا على أنهم أشرار، فهل من الصواب تطهير بيت الله منهم؟ (نعم). قد يقول بعض الأشخاص: "لن ينجح ذلك. أنت أدركت حقيقتهم، لكن الآخرين لم يدركوها. وتطهير الكنيسة منهم سيؤثّر على الآخرين. إذا طهّرت الكنيسة منهم لأنك أدركت حقيقتهم فحسب، ألن يعني ذلك أنك تتّخذ القرار بمفردك؟ هل هذا يعني حقًا السماح للحق بأن يتولى زمام السلطة؟ ينبغي أن نجتمع ونعقد شركة مع الإخوة والأخوات، ونُشرِّح معهم، ونؤدي عملًا عقائديًا معهم، ونجمع المواد ونحصل على استحسان الجميع قبل المضي قدمًا. عليكَ أن تلتزم بالإجراءات، وإن لم تفعل، أفلا تنتهك بذلك ترتيبات عمل الكنيسة؟ ألن يكون هذا خطأً؟ ينبغي لكَ أنتَ أولًا أن تلتزم بترتيبات عمل الكنيسة؛ فلا يجوز لك تخريبها. وعلاوة على ذلك، ألا يتم كل شيء، أيًّا كان، من منطلق مراعاة الإخوة والأخوات؟ ما دام الأمر كذلك، فعليكَ أن تُحيط الإخوة والأخوات علمًا بهذا الأمر وتوضّح لهم هذا الجانب من الحق. لا يمكنك أن تتركهم في حيرة؛ فينبغي لك أن تُمكِّن جميع الإخوة والأخوات من التمييز". إن لم تُتَّبع هذه الإجراءات وقلتُ بإخراج أحدهم، فكيف ستُباشرون الأمر؟ ستكونون في حيرة من أمركم، أليس كذلك؟ أن تجدوا أنفسكم في مأزق فهذا يُثبت أن مثل هذه الآراء موجودة بينكم. ما أتحدث عنه قد حدث. في موقع عمل حيوي، كان ثمة إبليس ذو إنسانية سيئة، كان أثناء قيامه بواجبه يتراخى بخداع، محاولًا التهرّب من المشقّة والتعب. كان يُعطّل عمل الكنيسة ويُزعجه في كل خطوة، وعندما جرى تهذيبه، أصبح عنيدًا، ورافضًا للحق تمامًا. لقد أراد دومًا أن يتولى المنصب ويتخذ القرارات، بينما يأمر الآخرين، ولم يضع في اعتباره قطّ مصالح الكنيسة أو يلتزم بالمبادئ، بل كان يتصرّف وفقًا لتفضيلاته. وأثناء تولّيه مسؤولية العمل، تجاهل أمور عدّة أوصيتُه بها، وتعامل مع كلامي كأنه بلا وزن. وإلى جانب عدم إنجازه لمهامه، تسبّب في إحداث اضطرابات. الكنيسة مكان عمل مهمّ لأداء المرء لواجباته – فإن كان يظنّ أنه جاء لا ليؤدّي واجبه، بل ليعيش عيشة الأمراء أو يتمتّع بتقاعد مبكّر، فهو مخطئ. بيت الله ليس مؤسسة خيرية ولا ملجأً. مثل هؤلاء الحثالة من أمثال هذا الرجل لا خير فيهم أينما ذهبوا؛ إنهم لا يخلصون في أي من واجباتهم، ودائمًا ما يكونون غير مبالين وينساقون بلا هدف. لذا، قلتُ بإخراجه على الفور. هل كان من السهل تنفيذ ذلك؟ (نعم). غير أنه بالنسبة إلى نوع معين من الأشخاص، حتى هذه المسألة البسيطة يصعب تنفيذها. مرّت ثلاثة أشهر بعد أن تحدّثتُ حتى جرى في نهاية المطاف إخراج هذا الشرير بالقوة. ماذا كان سبب ذلك؟ بعد أن أصدرتُ الأمر بإخراج هذا الرجل، بدأ قائد تلك الكنيسة في "تنفيذ" المهمّة. كيف نفّذها؟ دعى إلى عقد اجتماع ليصوّت الجميع على القرار. وبعد نقاش مطوّل، وافقَت الأغلبية أخيرًا على إخراجه، لكن بسبب صوتٍ واحدٍ معارض، أُوقِف الأمر. قال هذا القائد إنهم يحتاجون إلى العمل على الشخص الذي لم يوافق، ومناقشته وطلب موافقته. في هذه الأثناء، سألتُ مرتين إن كان الرجل قد أُخرج، فأجاب القائد بأنه لم يُخرَج بعد، وأنهم ما زالوا يجمعون المواد ويلخصونها. وقالوا أيضًا من وراء ظهري: "طالما أن شخصًا واحدًا لا يوافق، فلا يمكننا إخراجه". كان قصدهم من قول هذا إنهم لا يريدون إخراج هذا الرجل، فاختلقوا هذا السبب السخيف. في اواقع الأمر، كانوا يخدعون الآخرين؛ كانوا يخشون الإساءة إلى هذا الرجل ولم يجرؤوا على إخراجه. وأخيرًا، جاء إنذار نهائي من الأعلى: "لا بدّ من إخراج هذا الرجل. إن لم يرحل هو، فعليكَ أنتَ أن ترحل. على أحدكما أن يرحل؛ فاختر أنت!" عندما سمع ذلك، فكر: لا يمكنني الرحيل؛ فأنا لم أستمتع بمنصبي بما فيه الكفاية!" حينها فقط أخرج هذا الإبليس. أخبرني، لماذا حمى هذا القائد الإبليس؟ أليس هذا نهج أحد أضداد المسيح؟ هذا بالضبط سلوك أحد أضداد المسيح.

بعض الأشخاص يعلنون باستمرار إيمانهم بالله، ولكن عندما تصيبهم الأحداث، يطلبون رأي كل أخ وأخت بينما لا يطلبون رأي المسيح أبدًا. إنهم لا يستفسرون عمّا يقوله المسيح، أو ماذا يستخلص، أو لماذا يريد أن يفعل هذا الأمر، أو كيف ينبغي للناس أن يخضعوا. لقد طلبوا رأي كل أخ وأخت، وهم قادرون على احترام كل آرائهم وأفكارهم، لكنهم لا يقبلون جملة واحدة قالها المسيح، ولا يظهرون أي نية للخضوع. ما طبيعة ذلك؟ أليسوا أضداد المسيح؟ (بلى). ما الذي يحدث في هذا الوضع؟ لماذا لا ينفذون هذا الأمر؟ لماذا يصعب عليهم تنفيذ هذا الأمر؟ ثمة سبب لذلك. إنهم يظنون هذا: "المسيح يمتلك الحق وجوهر الله، لكن كل هذا كلام رسمي فحسب، مجرد تعاليم وشعارات. وحين يتعلّق الأمر بالمسائل الحقيقية، لا تستطيع أن تدرك حقيقة أحد على الإطلاق. كلامك يُقال لنا كي نسمعه فحسب، ويُطبع في الكتب، ولا علاقة له إطلاقًا بقدراتكَ الحقيقية. لذلك، إن حكمتَ على أحد بأنه شخص شرير أو أنه من أضداد المسيح، فقد لا يكون حكمك دقيقًا. لماذا لم ألاحظ أنه شرير أو أنه أحد أضداد المسيح؟ لماذا لا أفهم هذا الأمر؟" أليست هذه هي طريقة تفكيرهم؟ إنهم يعتقدون: "لم تقابل هذا الشخص سوى مرتين فحسب، ورأيته يقول بضع كلمات ويفعل شيئًا واحدًا، ثم عرّفته على أنه شرير. الإخوة والأخوات لا يظنون ذلك؛ فكيف يمكنك أنت؟ ولماذا ينبغي أن يكون لكلامكَ هذا الوزن الكبير؟ لم أرَ أي أفعال شريرة من هذا الشخص، ولا أعلم ما الأمور السيئة التي فعلها، لذا لا أستطيع أن أقول "آمين" على ما تقول. لديّ مفاهيم وتحفّظات بشأن ما تفعله. لكن، رغم أن لديّ مفاهيم، لا يمكنني التعبير عنها صراحة، لذا أضطرّ إلى اللجوء لطرق غير مباشرة: سأدع الإخوة والأخوات يقرّرون هذا الأمر من خلال التصويت. إذا لم يوافق الإخوة والأخوات، فلا يمكن فعل شيء – هل يمكنك حقًا أن تهذّبهم جميعًا أيضًا؟ بالإضافة إلى ذلك، أنت لم تتعامل مع هذا الشخص إلا مرات قليلة، ثم عرّفته على أنه شرير. لماذا لا تمنحه فرصة بسيطة؟ انظر إلى مدى تسامح الإخوة والأخوات ومحبتهم. لا يمكنني أن أكون الشخص السيئ؛ يجب أن أكون أنا أيضًا مُحبًّا وأمنح الناس فُرصًا – وليس مثلكَ، متسرعًا جدًا في اتخاذ قراراتك بشأن الناس. إن إخراج أحدهم ليس بالأمر الهيّن – ماذا لو أصبح ذلك الشخص ضعيفًا بعد ذلك؟ عند مواجهة مشكلات، يجب على المسيح أن يحمي الإخوة والأخوات. يجب عليه أن يتسامح مع أي حماقة أو تمرد أو جهل من الإخوة والأخوات وألا يكون حاسمًا وغير مُحِب هكذا. أليس من المفترض أن يكون الله واسع الرحمة؟ أين ذهبت تلك الرحمة؟ إن تعريفك لأي شخص لا يعجبك على أنه شرير ورغبتك في إبعاده لا يتوافق مع القواعد على الإطلاق!" هذه مفاهيم، أليس كذلك؟ (بلى). عندما يفعل المسيح شيئًا ما أو يتخذ قرارًا، إذا لم يوافقوا عليه، يصبح من الصعب تنفيذه. إنهم يتلكؤون، ويتذرعون بأعذار ويستخدمون أساليب مختلفة للمعارضة، إنهم يرفضون ببساطة التنفيذ أو الطاعة. نيّتهم هي: "إن لم أُنفّذ هذا، فلن تُنجَزَ مهمتك!" سأخبرك، إذا لم تُنفّذ، فسوف أجد شخصًا يمكنه القيام بذلك ليكون قائدًا، ويمكنك أن تعود من حيث أتيت! ألا ينبغي التعامل مع هذه المسألة بهذه الطريقة؟ (بلى). لقد أبعدتُهم هكذا، بشكل مباشر وبكفاءة – دون حاجة للتشاور مع أحد.

بعض الأشخاص لا يفهمون الحق أبدًا، ويظلّ الشكّ يساورهم دائمًا في كلام الله. يقولون: "هل تولّي الحق زمام السلطة هو نفسه تولّي المسيح زمام السلطة؟ كلام المسيح ليس بالضرورة صائبًا دائمًا، لأن له جانبًا إنسانيًا". إنهم لا يستطيعون قبول أن يتولّى المسيح زمام السُّلطة. لو كان روح الله هو من يتولّى زمام السُّلطة، لما كانت لديهم أي مفاهيم. ما المشكلة هنا؟ مثل هؤلاء الأشخاص لا يساورهم أدنى شكّ في الله الذي في السماء، لكنهم دائمًا يرتابون في الله المتجسِّد. لقد عبّر المسيح عن الكثير من الحق، ومع ذلك لا يعترفون به على أنه الله المتجسِّد، إذًا هل يمكنهم أن يعترفوا بأن المسيح هو الحق والطريق والحياة؟ من الصعب قول ذلك. حتى وإن تبع هؤلاء الأشخاص المسيح، فهل يمكنهم أن يشهدوا له؟ هل هم متوافقون مع المسيح؟ لا توجد إجابة قاطعة على هذه الأسئلة، كما أنه من غير المؤكَّد ما إذا كان بإمكان مثل هؤلاء الأشخاص المتابعة إلى نهاية الطريق. بعض الأشخاص يُقرّون في قلوبهم تمامًا بأن الحق هو الذي يتولى زمام السُّلطة في بيت الله. ولكن كيف يفهمون تولي الحق لزمام السلطة؟ إنهم يعتقدون أنه مهما كان العمل المُنجَز، طالما يتعلّق ببيت الله، يجب على الجميع أن يتناقشوا ويقرروا معًا. وطالما تمّ التوصّل إلى إجماع، ينبغي تنفيذ القرار مهما كان. وهذا، كما يعتقدون، هو ما يعنيه أن يتولى الحق زمام السلطة. هل هذا الرأي صحيح؟ هذه مغالطة جسيمة؛ بل هي من أكثر الأقوال سخافة ومنافاة للعقل. من أين يأتي الحق؟ يعبّر عنه المسيح. وحده المسيح هو الحق، في حين أن البشرية الفاسدة لا تمتلك أي حق على الإطلاق، فكيف يمكن للناس إذًا أن يستنبطوا الحق من خلال المداولات؟ إذا أمكن للناس أن يستنبطوا الحق من خلال المداولات، فإن هذا سيعني أن البشرية الفاسدة تمتلك الحق. أليست هذه أقصى درجات السخافة؟ لذا، فإن تولّي الحق زمام السلطة يعني تولّي المسيح زمام السلطة، ويعني أن كلام الله يتولى زمام السلطة، لا أن تكون السلطة أو القرار للجميع. الاجتماع معًا لعقد شركة عن الحق وكلام الله أمر صحيح؛ هذه هي حياة الكنيسة. لكن ما تأثير الممارسة على هذا النحو؟ إنها لتمكين الجميع من فهم الحق ومعرفة كلام الله، حتى يُصبحوا قادرين على الخضوع لكلام الله والعمل بموجبه. يجتمع الناس لعقد شركة عن الحق تحديدًا لأنهم لا يفهمونه. لو أنهم فهموا الحق، لاستطاعوا أن يخضعوا مباشرةً للمسيح ولكلام الله؛ وسيكون هذا هو الخضوع الحقيقي. إذا فهم كلُّ شعبِ اللهِ المختار الحقَّ ذات يوم، وأمكنهم جميعًا الخضوع مباشرةً للمسيح وتمجيده والشهادة له، فسيكون ذلك علامةً على أن شعب الله المختار قد تكمّلوا. بل أكثر من ذلك، سيكون هذا شهادة على أن بيت الله محكوم بالحق، أي بالمسيح. مثل هذه الحقائق والشهادات وحدها هي التي تُثبت أن الله قد حكم كملك على الأرض، وأن ملكوت المسيح قد ظهر. ولكن كيف يفهم بعض أضداد المسيح والقادة الزائفين تولي الحق زمام السلطة؟ في تطبيقهم، تولّي الحق زمام السلطة يعني أن الإخوة والأخوات هم مَن يتولَّون زمام السلطة. أيًا كان العمل الذي يقومون به، إن كانوا قادرين على فهمه تمامًا، ينفذونه وفقًا لإرادتهم؛ وإن لم يقدروا، فإنهم يعقدون شركة مع بضعة أشخاص ويتركون المجموعة تتّخذ القرار. هل يمكن أن يُثبت هذا أن الحق يُمارَس؟ هل يتوافق قرار المجموعة بالضرورة مع مقاصد الله؟ هل يمكن لمثل هذه الممارسة أن تُفضي إلى تولّي الحق زمام السلطة؟ هل يمكنها أن تشهد أن المسيح يتولّى السلطة في بيت الله؟ إنهم يعتبرون السماح للإخوة والأخوات بالتعبير عن آرائهم، ومناقشة وجهات نظرهم، ثم التوصّل في نهاية المطاف إلى إجماع واتخاذ قرارات، بمثابة تولّي الحق زمام السلطة، فيُفهَم من ذلك أن الإخوة والأخوات هم الناطقون باسم الحق، بل مرادفون للحق نفسه. هل فهم الأمر على هذا النحو صحيح؟ من الواضح أنه ليس كذلك، لكن بعض أضداد المسيح والقادة الزائفين يتصرّفون فعلًا بهذه الطريقة ويُنفّذونه على هذا النحو. إنهم يعتقدون أنهم بذلك يمارسون الديمقراطية، ويتّخذون قرارًا ديمقراطيًا، وأنه ينبغي القيام بالأمر على هذا النحو سواء وافق الحق أم لم يوافقه. ما جوهر التصرّف على هذا النحو؟ هل الأمور التي يُبتّ فيها بطريقة ديمقراطية تتوافق تلقائيًا مع الحق؟ هل تُمثّل هذه الأمور الله تلقائيًا؟ لو كانت الديمقراطية هي الحق، لما كانت ثمة حاجة لأن يعبّر الله عن الحق؛ ألن يكون كافيًا أن تُترك الديمقراطية لتحكم؟ أيًّا كانت طريقة ممارسة البشرية الفاسدة للديمقراطية، فإنها لا تستطيع أن تستنبط الحق من خلال ممارستها للديمقراطية، فالحق يأتي من الله، من تعبيرات المسيح. أيًّا كان مدى توافق الأسلوب البشري مع الأفكار أو الأذواق البشرية، فلا يمكن أن يمثل الحق. هذه حقيقة. إن جوهر أساليب القادة الزائفين وأضداد المسيح، تحت غطاء تولّي الحق زمام السلطة، هو تهميش المسيح بالكامل، واستبدال المسيح بالديمقراطية، واستبدال حكم المسيح بأسلوب الشركة الجماعية والحكم الديمقراطي. هل يسهل تمييز طبيعة هذا الأمر وعواقبه؟ ينبغي للأشخاص الفطنين أن يكونوا قادرين على رؤيتها. القادة الزائفون وأضداد المسيح ليسوا أولئك الذين يخضعون للمسيح، بل أولئك الذين ينكرونه ويتحدّونه. أيًّا كانت الشركة التي يعقدها المسيح في الكنيسة، حتى وإن أنصت الناس وفهموا، فإنهم لا يعيرونها اهتمامًا، ولا يرغبون في تنفيذها. بل إنهم يُصغون لما يقوله القادة الزائفون وأضداد المسيح؛ وفي نهاية المطاف، تكون كلمتهم هي التي يُعتدّ بها. تعتمد قدرة الناس على الممارسة وفقًا لكلام المسيح على قرارات هؤلاء القادة الزائفين وأضداد المسيح، وغالبية الناس تميل إلى اتّباعهم. يفرض أضداد المسيح رقابة محكمة على عمل الكنيسة، ولا يجيزون اتخاذ القرارات إلا لأنفسهم، ولا يسمحون لله بأن يكون له رأي أو سلطة. إنهم يعتقدون: "المسيح موجود هنا فحسب ليتفقّد العمل. يمكنك أن تقول ما لديك وتُرتب العمل، أما كيفية تنفيذه فهي أمر يعود إلينا. لا تتدخل في عملنا". أليس هذا ما يفعله أضداد المسيح؟ دائمًا ما يقول أضداد المسيح: "لقد عقد جميع الإخوة والأخوات شركة" أو "لقد توصّل جميع الإخوة والأخوات إلى إجماع" – فهل الذين يقولون مثل هذه الأمور يفهمون الحق فعلًا؟ من هم الإخوة والأخوات؟ أليسوا سوى مجموعة من الناس قد أفسدهم الشيطان إفسادًا عميقًا؟ كم من الحق يفهمون، وكم من واقع الحق يملكون؟ هل يمكنهم أن يُمثّلوا المسيح؟ هل هم تجسيد للحق؟ هل يمكن أن يكونوا المتحدثين باسم الحق؟ هل لهم أي علاقة بالحق؟ (كلا). طالما أنه لا توجد علاقة، فلماذا أولئك الذين يقولون مثل هذه الأمور يعتبرون الإخوة والأخوات دائمًا الأسمى؟ لماذا لا يمجدون الله ويشهدون له؟ لماذا لا يتحدثون ويتصرفون وفقًا للحق؟ أليس الذين يتكلّمون بهذه الطريقة أناسًا سخيفين؟ بعد قراءة كلام الله والاستماع إلى العظات لسنوات عديدة، فإنهم لا يفهمون أيّ حق، ولا يستطيعون إدراك من هم الإخوة والأخوات الحقيقيون. أليسوا عمياناً؟ الآن، قد صُنِّفوا جميعًا حسب نوعهم؛ فقد كشف الكثير منهم عن خُلُقهم الحقيقي، إنهم جميعًا من جنس الشيطان، إنهم جميعًا محض بهائم. ألا ترون هذا بوضوح؟ أنتم لا تملكون أي حق على الإطلاق! بعض الناس لا يرغبون في الاستماع إليَّ وأنا أشرِّح أضداد المسيح. يقولون: "آه، لا تتحدث دائمًا عن أمر تافه مثل أضداد المسيح؛ إنه أمر محرج. لماذا دائمًا تشَرِّح أضداد المسيح؟" هل سيكون عدم تشريحهم مقبولًا؟ لا بد من تشريحهم بهذه الطريقة لتعليم الناس كيفية التمييز. وإلّا فما إن يظهر أضداد المسيح، سيطلقون العنان للعديد من البدع والمغالطات، ويُضلّون كثيرين، بل وحتى يسيطرون على الكنيسة ويُقيمون مملكتهم المستقلة. هل ترون بوضوح مدى خطورة عواقب هذا الأمر؟ لقد عقدنا للتَوًّ شركة عن معنى تولّي الحق زمام السلطة. من خلال الشركة، رأى الناس أساليب أضداد المسيح السخيفة وآراءهم المنافية للعقل. أضداد المسيح يريدون دائمًا أن يتولوا زمام السلطة بأنفسهم، ولا يريدون أن يتولّى المسيح زمام السلطة، لذلك يحوّلون حكم الحق إلى شكل ديمقراطي، ويزعمون أن تشاور الجميع معًا في الأمور هو ما يعني أن الحق يتولّى زمام السلطة. أليس في هذا خداع من الشيطان؟ هل الحق أمر يمكن للجميع الوصول إليه من خلال المداولات؟ الحق يعبّر عنه الله ومصدره الله. لماذا لا تستطيعون ممارسة كلام الله مباشرةً، والخضوع لله مباشرةً، والخضوع مباشرةً لترتيبات الله؟ لماذا يجب أن تُحدَّد أوامر المسيح من خلال مداولات الجميع؟ أليس هذا تآمر من الشيطان؟ غالبًا ما يُطلق أضداد المسيح العنان لمجموعة من النظريات لتضليل الناس، ومهما كانت مهمة العمل التي ينفذونها، فإن القول الفصل لهم، مخالفين بذلك مبادئ الحق تمامًا. بالنظر إلى ذلك من خلال مظاهر أضداد المسيح، ما هي شخصيتهم بالضبط؟ هل هم أناس يحبّون الأمور الإيجابية ويحبّون الحق؟ هل لديهم خضوع حقيقي لله؟ (كلا). فجوهرهم هو النفور من الحق ومقته. وفوق ذلك، فإنهم متغطرسون لدرجة أنهم يفقدون كل عقلانية، بل ويفتقرون حتى إلى الضمير والعقل الأساسين اللذين ينبغي أن يتحلّى بهما الناس. مثل هؤلاء الأشخاص لا يستحقون أن يُطلق عليهم بشر. لا يمكن وصفهم إلا بأنهم من جنس الشيطان؛ إنهم أبالسة. كل من لا يقبل الحق ولو بأقل القليل هو إبليس – ولا شك في ذلك إطلاقًا.

يوجد أيضًا بعض الأشخاص الذين يتبنون موقفًا لا هو بالمتواضع ولا بالمتكبر تجاه كلام المسيح. إنهم لا يُعبرون عن قبول كامل، ولا يعارضون أيضًا. عندما يتكلّم المسيح، أو يعقد شركة عن الحق، أو يميّز فردًا، أو يكلّف أحدهم بمهمة عمل، يبدو ظاهريًا أنهم يستمعون ويُدوّنون الملاحظات، ويُظهرون الجدية والتعاون. إنهم يدوّنون ملاحظات دقيقة عن كل شيء، ويُسجّلون علامات متعدّدة، ويبدون في غاية الاهتمام بالحق ويُقدّرون للغاية ما يقوله المسيح، كما لو كانوا يحبون الحق بشدة، ومخلصون للمسيح إخلاصًا لا يتزعزع. ولكن هل يمكن رؤية موقف مثل هؤلاء الأشخاص من الحق، وشخصيتهم، وجوهرهم، من ظواهر سطحية كهذه؟ لا يمكن ذلك. يبدو مثل هؤلاء الأشخاص وهم يدوّنون الملاحظات ويُصغون ظاهريًا، لكن ما الذي يفكرون فيه حقًا في قلوبهم؟ حين ينظرون إلى ما دوّنوه، يفكرون: "ما كل هذا؟ لا يوجد سطر واحد مفيد، ولا شيء يبدو مهيبًا أو متوافقًا مع الحق، ولا أي شيء يبدو لي منطقيًا. ربما كان من الأفضل أن أمزقه!" أليس هذا نوعًا من المواقف؟ لقد رأيت كثيرين يومئون برؤوسهم وتظهر على وجوههم تعبيرات مختلفة أثناء استماعهم إلى العظات، ويدوّنون الملاحظات في الوقت نفسه أيضًا، لكنهم بعد ذلك لا يأخذون الأمر على محمل الجد إطلاقًا. إنهم لا يتذكرون ما يجب عليهم تنفيذه، ولا يحفظونه في قلوبهم ولا يعملون به. أما بالنسبة إلى ممارسة ما ينبغي لهم ممارسته، فذلك أبعد احتمالًا أن يحدث. يتعلق ما ينبغي عليهم تنفيذه بعمل بيت الله وواجبهم، وما ينبغي أن يدخلوا فيه يتعلق بدخولهم الشخصي. إنهم لا ينفذون ما يجب عليهم تنفيذه، بل إنهم لا يأخذون دخولهم الشخصي على محمل الجد. يقولون: "لقد قيل إن كل جملة ينطق بها المسيح ويُعبّر عنها هي الحق، وهي ما ينبغي للناس الدخول فيه، وإنها كلها الحق، والطريق، والحياة؛ لكنني لا أرى أي حق أو طريق فيما أدوّنه في كل مرة، ولا أشعر بأنها حياة. فكيف يتحقق القول بأن للمسيح جوهر الله؟ كيف يمكن تحقيقه؟ كيف يمكن أن يتطابق مع ما أراه؟ إنه لا يتطابق بسهولة". يقول بعض الناس: "إذا كان هذا هو موقفهم بعد الاستماع، فلماذا دونوا الملاحظات أصلًا؟ لقد بدا أن موقفهم كان سليمًا وجادًا ويتّسم بالمسؤولية؛ فما الذي يحدث؟" يوجد سبب واحد فحسب. إذا كان شخص لا يحبّ الحق وينفر منه بشدة يبدو جادًّا ومنتبهًا بشكل لافت عندما يتكلّم المسيح، فإن قصده الوحيد لا يتعدّى أداءً سطحيًا فاترًا، لا قبولًا حقيقيًا. في كلّ مرّة يقرأ فيها كلام الله أو يتواصل مع المسيح ويتحدّث معه، لا يرى ما يُسمّى سمو الله، أو عدم إمكان سبر أغواره، أو عجائبه، بل يَرَى واقعيّته، وطبيعته العاديّة، وقلّة شأنه. لذا، من وجهة نظره وموقفه، يستحيل عليه أن يربط كلام هذا الشخص العادي بالحق، أو الطريق، أو الحياة. أيًّا كانت نظرته إلى هذا الشخص، فإنه لا يرى فيه سوى إنسان، ولا يستطيع أن يعتبره الله أو المسيح. لذا لا يمكنه مطلقًا أن يتعامل مع هذا الكلام العادي للغاية على أنه الحقّ الذي ينبغي الالتزام به، وممارسته، واتخاذه دليلًا للعيش، وهدفًا للوجود، وما إلى ذلك؛ بل يجد الأمر مؤلمًا. يقول: "كيف لا أستطيع أن أرى أي حقّ في هذا الكلام العادي؟ كيف يمكنكم جميعًا رؤيته؟ أليس هذا مجرد كلام عادي؟ إنها لغة بشرية، ونص بشري، وقواعد نحوية بشرية، بل إنه يستخدم بعض العبارات والمفردات البشرية، ويُشرِّح بعض الأمثال البشرية وجوانب من الثقافة. كيف يمكن أن يحتوي هذ الكلام على الحق؟ لماذا لا أستطيع رؤيته؟ ما دمتُم تقولون جميعًا إنه الحق، فسوف أُسايركم وأُردّد كالببغاء ما تقولونه؛ سأدوّن الملاحظات لأن هذا ما يفعله الجميع، لكن بينما تَرَونه جميعًا الحق، فأنا بالتأكيد لا أراه كذلك. "الحق" كلمة مقدّسة للغاية، ولا بدّ أن يكون شيئًا ساميًا للغاية! عندما يتعلّق الأمر بالحقّ، فإنه يتعلّق بالله، وما دام الأمر يتعلّق بالله، فلا يمكن أن يكون عاديًا إلى هذا الحد، أو بالغ الضآلة، أو شائعًا إلى هذه الدرجة. لذا، مهما محصّتُ وحلّلت، لا أستطيع أن أجد فيه أدنى لمحة من الله. وإن لم يكن فيه أدنى لمحة من الله، فكيف له أن يُخلّصنا؟ هذا مستحيل. وإذا لم يكن لكلامه القدرة على أن يخلّصنا أو يفيدنا، فلماذا ينبغي أن نتبعه؟ لماذا ينبغي أن نُطبّق كلامه؟ لماذا ينبغي أن نحيا بكلامه؟" لقد أظهروا الآن حقيقتهم بصفتهم أضدادًا للمسيح، أليس كذلك؟ من البداية إلى النهاية، كان موقفهم تجاه الجسد الذي يتجسَّد الله فيه موقف تمحيص. لا وجود لقبول أو خضوع في طريقة تعاملهم مع كلام الله، فضلًا عن ممارسته أو الانخراط فيه أو اختباره. وبدلًا من ذلك، يتعاملون مع كلام الله بموقف المقاومة، والمعارضة، والرفض. إنهم يدوّنون بعض الملاحظات على مضض حين يتحدّث المسيح إلى الناس، لكنهم في أعماقهم لا يقبلون شيئًا منها. بعد التفاعل مع المسيح، يقول بعض الأشخاص: "إن الحديث والشركة مع الله وجهًا لوجه أمر ممتع حقًا". يقول ضدّ المسيح: "سأجرّب أنا أيضًا. سأتحدّث وجهًا لوجه مع المسيح، وأرى كيف تكون تعابير وجهه، وأفعاله، وكلامه حين يتحدّث إلى الناس. سأرى ما يمكن للمرء أن يربحه أو يكتشفه من ذلك، وما إذا كان نافعًا للناس في أن يضعوا أساسًا ويؤكّدوا إيمانهم به بوصفه الله الحق. بمثل هذا الموقف من المسيح وكلامه، هل يمكن أن يكون لديهم أيّ ممارسة حقيقية أو تطبيق؟ كلا، لا يمكنهم. إنهم ليسوا أكثر من متفرّجين جاؤوا لمشاهدة الإثارة، وليس لطلب الحقّ على الإطلاق. هل تظنّون أن الموقف الذي يتعامل به هؤلاء الأشخاص مع المسيح ويتحدّثون إليه يشبه إلى حدّ ما مجموعة من نساء الحيّ يتحدّثن على عتبة الدار، حيث لا حاجة إلى الجدّية، ويقول كلٌّ ما يشاء؟ هؤلاء الناس يعاملون المسيح بالطريقة نفسها: "أنتَ تُعبّر عن آرائك، وأنا سأتمسّك بآرائي. دعنا نتفق على ألا نتفق، فأنت لا تتوقع أن تقنعني، وأنا بالتأكيد لن أقبل ما تقوله". أليس هذا هو ذلك النوع من المواقف؟ ما هذا الموقف؟ (ازدراء وافتقار إلى التوقير). هؤلاء الناس غريبون. ما دمت لا تعترف بالمسيح بصفته الجسد الذي يتجسَّد الله فيه، فلماذا إذًا تؤمن به وتتبعه؟ إذا كنت لا تؤمن، فلماذا لا ترحل وتنتهي من الأمر؟ من يجبرك على الإيمان؟ لا أحد يجبرك على الإيمان بالله؛ إنه اختيارك.

عندما يستمع بعض الناس إلى شركتي في مسألة ما، سرعان ما تتكوّن لديهم آراء مختلفة: "أنت تفكر في الأمر بتلك الطريقة، لكنني أفكر فيه بهذه الطريقة. لك أفكارك في كل مسألة، ولي أفكاري؛ فلكلٍّ أفكاره الخاصة. أي نوع من المخلوقات قد يقول هذا؟ عندما يمد الله الناس بالحق، هل يكون ذلك نوعًا من الجدل؟ هل كلام الله نظريّة أكاديمية؟ (كلا). إذًا، ماذا يكون؟ (إنه الحق). كن أكثر تحديدًا. (إنه المبادئ والتوجيه للسلوك الإنساني، وضروريات حياة الناس). لماذا نقول إن الله يمد الناس بالحق؟ هل قيل يومًا إنّه يمد الناس بالمعرفة؟ (كلا). فلماذا نقول إنّ كلام الله هو ليأكله الناس ويشربوه؟ كلام الله مثل طعام الإنسان؛ يمكنه أن يحفظ جسدك ويُمكّنك من الحياة، بل ويُمكّنك من أن تحيا حياةً جيدة، وأن تحيا بشبه الإنسان. إنه للشخص حياة! كلام الله ليس شكلًا من أشكال المعرفة، ولا جدالًا، ولا قولًا. لا يمكن للمعرفة والجدال والثقافة التقليدية البشرية إلا أن تفسد الناس. يمكن للناس أن يعيشوا بها أو بدونها، لكن إن أراد المرء أن يحيا ويصير كائنًا مخلوقًا مؤهّلًا يرقى إلى المستوى المطلوب، فلا يمكنه ذلك بدون الحقّ. إذًا ما هو الحق بالضبط؟ (إنه معيار السلوك، والفعل، وعبادة الله). صحيح، هذا أكثر تحديدًا. هل يرى أضداد المسيح الأمر على هذا النحو؟ إنهم لا يقبلون هذه الحقيقة. إنهم يعترضون على هذه الحقيقة، ويقاومونها، ويدينونها، لذلك لا يمكنهم ربح الحقّ. يفكّرون في أفكارهم وآرائهم: "أنتَ مجرّد شخص عادي. أنت تقول شيئًا ويذهب الآخرون ليُمارسوه بحسب كلامك، فلماذا لا يمكنني أنا أن أقول شيئًا صحيحًا ويذهب الناس ليُمارسوه أيضًا؟ لماذا يكون ما تقوله دائمًا صحيحًا، وما أقوله أنا دائمًا خطأ؟ لماذا يُعتَبَر كلامك هو الحقّ، بينما يُعتبَر كلامي معرفة وتعاليم؟" الأمر لا يستند إلى أي شيء – إنها حقيقة، وهذا يُحدَّده الجوهر. المسيح هو الجسد الذي يتجسَّد الله فيه، وجوهره هو الله. لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك؛ وحتى إن رفض أضداد المسيح الإقرار به أو قبوله، فلا يستطيعون إنكاره. اللحظة التي يُعرِض فيها الإنسان عن المسيح ويرفضه، هي لحظة هلاك الإنسان. لا يمكن لأحد أن يُخلَّص بدون المسيح وكلامه. أليست هذه حقيقة؟ (بلى). أيّ نوع من التنوير يمكن أن تجلبه كلمات أضداد المسيح ونظرياتهم للناس؟ إن لم يقبلها الناس، فهل سيتعرّضون لأي خسارة؟ كلا، لن تقع أيّ خسارة. ليس لكلمات أضداد المسيح تأثير إيجابي على أي شخص، بل لها العديد من التأثيرات السلبية. لو لم يقل المسيح جملة واحدة، وجاء ليعيش حياةً عاديّة فحسب لأي عدد من السنوات قبل أن يغادر، فماذا كانت البشريّة ستربح؟ بالإضافة إلى حمل الصليب، ما الذي كان يمكن للبشريّة أن تربحه أيضًا؟ كانوا سيظلّون يعيشون في الخطيئة، ويعترفون ويتوبون، عالقين فيها بلا فِكاك، ويزدادون فسادًا، وفي نهاية المطاف، حين ينتهي عمل الله، سيهلكون جميعًا. هذا ما ستؤول إليه البشريّة. لكن المسيح جاء، وعبّر عن كلّ ما قصد الله أن يقوله للإنسان، وأمدَّه بكلّ ما يحتاج إليه من الحقّ، وكشف له ما لدى الله ومن هو الله. ألم يُفضِ هذا إلى نقطة تحوّل للإنسان؟ بعبارة أخرى، ألم يخلق كلام المسيح نقطة تحول للإنسان؟ (بلى). ما هي نقطة التحول هذه؟ بصورة أساسية، هي التحول من مواجهة البشر للإدانة والهلاك إلى حصولهم على فرصة ورجاء في الخلاص. أليست تلك نقطة تحوّل؟ لقد حلّ رجاء الناس؛ إنهم يرون الفجر ولديهم رجاء في الخلاص والنجاة. عندما يُهلك الله البشر ويعاقبهم، يمكنهم أن يتجنّبوا الهلاك والعقاب. لذلك، بالنسبة إلى مثل هؤلاء البشر الذين يمكنهم النجاة، هل المسيح وكلامه خيرٌ أم شرّ؟ (خير). إنهما خير. أن يُبدي أضداد المسيح هذا القدر من العداء والبغض نحو مثل هذا المسيح، مثل هذا الشخص العادي، إنما يتحدّد بجوهرهم.

ثمّة مظهر آخر لأضداد المسيح في معاملتهم لله المتجسِّد: يقولون: "ما إن رأيتُ أن المسيح شخص عادي، حتى تكوَّنت مفاهيم في عقلي". "الكلمة يظهر في الجسد" هو تعبير عن الله؛ إنه الحق، وأنا أُقرّ بذلك. عندي نسخة من كتاب "الكلمة يظهر في الجسد"، وهذا يكفي. لا حاجة بي لأن أتواصل مع المسيح. إذا كانت لديّ مفاهيم أو سلبية أو ضعف، يمكنني معالجتها بقراءة كلام الله فحسب. من السهل أن تتكوّن لديَّ مفاهيم إذا تواصلتُ مع الله المتجسِّد، وهذا سيُظهِر أنني فاسدٌ للغاية. لو حدث أن أدانني الله، فلن يكون لي رجاء في الخلاص. لذا، من الأفضل أن أقرأ كلام الله بنفسي. إن الله الذي في السماء هو مَن يستطيع أن يخلّص الناس". إن كلمات الله الحالية وشركته، لا سيما تلك التي تكشف شخصية أضداد المسيح وجوهرهم، هي ما يُؤلم قلوبهم بشدّة وهي الأشد وطأةً عليهم. هذه هي الكلمات التي لا يرغب أضداد المسيح في قراءتها إطلاقًا. لذا، يتمنّى أضداد المسيح في قلوبهم أن يغادر الله الأرض قريبًا، ليتمكّنوا من الحكم بسلطتهم الخاصة على الأرض. إنهم يعتقدون أن الجسد الذي تجسَّد فيه الله، هذا الشخص العادي، غير ضروري بالنسبة إليهم. دائمًا ما يتفكرون: "قبل الاستماع إلى عظات المسيح، كنت أشعر أنني أفهم كل شيء، وأنني بخير من كل النواحي، ولكن بعد الاستماع إلى عظات المسيح، اختلف الأمر. أشعر الآن كما لو أنني لا أملك شيئًا، وأشعر أنني ضئيل للغاية ومثير للشفقة". لذلك يقررون أن كلام المسيح لا يكشفهم بل يكشف آخرين، ويظنون أنه لا حاجة إلى الاستماع إلى عظات المسيح، وأن قراءة "الكلمة يظهر في الجسد" تكفي. المقصد الأساسي في قلوب أضداد المسيح هو إنكار حقيقة أن الله صار جسدًا، وإنكار حقيقة أن المسيح يعبّر عن الحق، معتقدين أنه بهذه الطريقة يكون لهم رجاء في نيل الخلاص من خلال إيمانهم بالله، وأنهم يستطيعون أن يحكموا كملوك في الكنيسة، محقّقين بذلك مقصدهم الأول من إيمانهم بالله. إن لأضداد المسيح طبيعة فطرية مناهِضة لله؛ إنهم غير متوافقين مع الله المتجسد كما النار والماء، في تناقض أبدي. إنهم يعتقدون أن كل يوم يوجد فيه المسيح هو يوم يصعب فيه أن يبزغ نجمهم، وأنهم معرّضون فيه لخطر الدينونة، والاستبعاد، والهلاك، والعقاب. فما دام المسيح لا يتكلّم ولا يعمل، وما دام شعب الله المختار لا يقدّرون المسيح، ففرصة أضداد المسيح تكون قائمة. لديهم فرصة لإثبات قدراتهم. بإشارة من يدهم، سوف يرتد إلى جانبهم جموع من الناس، وسيتمكّن أضداد المسيح من أن يحكموا مثل الملوك. إن جوهر طبيعة أضداد المسيح هو مُقت الحق وكراهية المسيح. إنهم يتنافسون مع المسيح على من يكون أكثر موهبة أو أكثر قدرة؛ إنهم يتنافسون مع المسيح على مَن تحمل كلماته قوّةً أكبر، ومَن له قدرات أكبر. وبما أنهم يفعلون ما يفعله المسيح نفسه، فإنهم يريدون أن يجعلوا الآخرين يرون أنه، رغم أنهم والمسيح جميعًا بشرًا، فإن قدرات المسيح ومعرفته لا تفوق ما لدى الإنسان العادي. إن أضداد المسيح يتنافسون مع المسيح في كل شيء، ويتبارون في مَن يكون الأفضل، ويحاولون من كل جانب أن يُنكروا حقيقة أن المسيح هو الله، وأنه تجسيد لروح الله، وتجسيد للحق، كما أنهم يفكّرون في شتّى الطرق والوسائل في كل مجال لمنع المسيح من أن يتولى زمام السلطة بين شعب الله المختار، ولمنع انتشار كلام المسيح أو تطبيقه بينهم، بل وحتى لمنع ما يفعله المسيح، وما يطلبه ويرجوه من الناس، من أن يتحقّق بين شعب الله المختار. يبدو الأمر كما لو أنه عندما يكون المسيح حاضرًا، يتم ازدراءهم وإدانتهم ورفضهم من الكنيسة – كأنهم جماعة تُوضع في زاوية مظلمة. يمكننا أن نرى في مختلف مظاهر أضداد المسيح أنهم، من حيث الجوهر والشخصية، لا يمكن التوفيق بينهم وبين المسيح – لا يمكن أن يكونوا تحت سماء واحدة معه! لقد كان أضداد المسيح معادين لله منذ ولادتهم؛ إنهم يسعون خصّيصًا إلى مقاومة المسيح، ويريدون هزيمته وقهره. إنهم يريدون أن يذهب كل ما يفعله المسيح هباءً وأدراج الرياح، حتى لا يربح المسيح الكثير من الناس في نهاية المطاف، وحتى لا يحقّق أي نتائج أينما عمل. عندئذ فحسب سيسعد أضداد المسيح. إذا عبّر المسيح عن حقائق، وكان الناس متعطشين لها، ويطلبونها، ويقبلونها بسرور، وكانوا مستعدّين لبذل أنفسهم من أجل المسيح، والتخلي عن كل شيء ونشر إنجيل المسيح، فإن أضداد المسيح يصيبهم اليأس، ويشعرون بأنه لا أمل في الغد، وأنهم لن يحظوا أبدًا بفرصة ليبزغ نجمهم، كما لو أنهم طُرحوا في الجحيم. عند النظر إلى هذه المظاهر لأضداد المسيح، هل هذا الجوهر الذي يدفعهم إلى محاربة الله ومعاداته مغروس فيهم من قِبَلِ غيرهم؟ ليس الأمر كذلك إطلاقًا، بل هم مولودون به. لذلك، فإن أضداد المسيح هم نوع من الأشخاص الذين يكونون، منذ ولادتهم، تجسيدًا لإبليس – إبليس الذي جاء إلى الأرض. لا يمكنهم أبدًا أن يقبلوا الحق، ولن يقبلوا المسيح أو يمجدوه أو يشهدوا له أبدًا. ورغم أنك لن تراهم ظاهريًا يحكمون على المسيح أو يدينونه علنًا، ورغم أنهم يستطيعون أن يبذلوا جهودًا بإذعان ويدفعوا ثمنًا، إلا أنه ما إن تسنح لهم الفرصة، وعندما يحين الوقت، فإن عدم قدرة أضداد المسيح على التصالح مع الله ستنكشف للعلن. ستنكشف حقيقة أن أضداد المسيح يحاربون الله ويؤسّسون مملكة مستقلة. لقد حدثت كل هذه الأمور من قبل في أماكن وُجد فيها أضداد المسيح، وتكرّرت بشكل خاص في هذه السنوات التي يقوم فيها الله بعمل دينونته في الأيام الأخيرة؛ وقد اختبرها كثيرون وعاينوها.

27 يونيو 2020

السابق: البند العاشر: يحتقرون الحقَّ، ويسخرون بالمبادئ علنًا، ويتجاهلون ترتيبات بيت الله (الجزء الثالث)

التالي: الملحق الثاني: كيف أطاع نوح وإبراهيم كلام الله وخضعا له (الجزء الأول)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب