ولادة ثانية

2019 أكتوبر 11

بقلم يانج تشينج – إقليم هيلونجيانج

وُلِدتُ في عائلة ريفية فقيرة، اتّسم أعضائها بالرجعية في طريقة تفكيرهم. كنت عديم الفائدة منذ حداثتي، وكان لديّ رغبة قوية بشكلٍ واضح في الحصول على مكانةٍ. ومن خلال التأثير الاجتماعي والتعليم التقليدي، اكتسبت بمرور الوقت مبادىء الشيطان للعيش بكافة أنواعها داخل قلبي. غذَّت الأفكار المغلوطة، بكل أنواعها، رغبتي في الشهرة والحصول على مكانة؛ ومن أمثلة هذه الأفكار: بناء وطن جميل بيديك الإثنتين؛ ستجعلك الشهرة خالدًا؛ يحتاج الناس إلى الاحترام كاحتياج الشجرة إلى لحائها، الوجود في الطليعة وعلى القمة، المكانة الاجتماعية للأسرة، إلخ. وقد أصبحت هذه المبادئ تدريجيًا هي حياتي، ورسَّخت فيّ الإيمان بأنّه طالما نعيش في هذا العالم، يجب أن نعمل حتى نكون محطّ أنظار الآخرين. يجب أن يكون لنا مكانة بغض النظر عن ماهية الجماعة التي نتبعها؛ ينبغي أن نكون الأكثر تميزًا. لا يمكننا الحصول على النزاهة والكرامة إلا من خلال العيش بهذه الطريقة. ليس هناك من قيمة إلّا في العيش بهذه الطريقة. وحتى أُحقق حلمي، درست باجتهاد شديد في المدرسة الإبتدائية؛ وحتى وقت العواصف والمرض لم أتغيب مطلقًا عن الصف الدراسي. واستمريت على هذا النحو يومًا بعد يومٍ حتى وصلت أخيرًا إلى المدرسة الإعدادية. وحينما رأيت أنني أقترب أكثر فأكثر من حلمي، لم أجسرعلى التهاون، وقد قلت مرارًا لنفسي أنني يجب أن أُثابر، وأن أقّدم نفسي بشكل جيد أمام أساتذتي وزملائي؛ إلا أن شيئًا غير متوقّع قد حدث في ذلك الوقت. فقد ظهرت فضيحة تتعلق بمعلمتنا ومدير المدرسة، و تسببت في إحداث ضجَّة. كان جميع الطلاب والمعلمين على علم بهذه الفضيحة. وفي أحد الأيام سألتنا تلك المعلمة في الفصل عمَّا إذا كنَّا قد سمعنا بهذه الفضيحة، فأجاب جميع الطلاب بالنفي. وكنت أنا الوحيد الذي أجاب بصدقٍ قائلًا: "سمعت بها". ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، رأتني تلك المعلمة كشوكة في جنبها، وكثيرًا ما اختلقت أعذارًا لتصعيب الأمور بالنسبة لي ومعاملتي بصرامة. بدأ زملائي في الابتعاد عني وتجنبي، وكانوا يسخرون مني ويهينوني. أخيرًا، لم يعد بإستطاعتي تَحمُّل هذا النوع من العذاب فتركت المدرسة. كانت تلك هي الطريقة التي سُحِقَ بها حلمي في أن أصبح في الطليعة وعلى القمة. شعرت بحزنٍ وقنوطٍ لا يُعبَّر عنهما عندما فكَّرت في أيامي المقبلة، ووجهي نحو الأرض، وظهري للسماء. وتفكَّرت، هل يمكن أن تنقضي حياتي دون أن تترك أي أثر؟ بلا مكانة، بلا وجاهة، بلا مستقبل. ما الهدف من العيش بهذه الطريقة؟ لم أكن حقًا مستعدًا لقبول هذه الحقيقة في ذلك الوقت، لكنني كنت عاجزًا عن تغيير ظروفي. وبينما كنت أعيش في ألمٍ ويأس لم أستطع الإفلات منهما، خلصني الله القدير وأشعل من جديد الرجاء المنطفيء في قلبي. ومنذ ذلك الحين، بدأت حياة جديدة تمامًا.

كان ذلك في شهر مارس من عام 1999 عندما سمعت بالمصادفة الإنجيل يتحدَّث عن الأيام الأخيرة لله القدير. عرفت أن الله جاء إلى الأرض مُتجسِّدًا، وكان يتكلم ويقود البشرية بنفسه ليُخلِّصنا من مجال الشيطان، وليساعدنا أن نطرح عنّا حياتنا المملوءة ألمًا وسقوطًا، لنعيش في أرضٍ جديدة وسماءٍ جديدة. وبفضل رفقة إخوتي وأخواتي المملوءة صبرًا ومثابرةً، سمعت العديد من الحقائق التي لم أسمع بها من قبل، مثل: خطة تدبير الله التي تبلغ ستة آلاف سنة، سر تَجسُّد الله، احتياج الناس الفاسدين إلى خلاص الله المُتجَسِّد، أي نوعٍ من المشاعر يجب أن تمتلكها المخلوقات، كيف نعبد رب كل الخليقة، كيف تعيشون إنسانيتكم كما يجب، ما هي الحياة الإنسانية في حقيقتها... لقد اجتذبتني هذه الحقائق بعمقٍ، ورسّخت في داخلي إيمانًا بأن هذا كان عمل الله الحقيقي. في ذلك اليوم، رنَّم إخوتي وأخواتي أيضًا ترنيمةً من اختبار الحياة: "عندما أفكّر في الماضي المرير وحلاوة الحاضر، يزداد حبي لله أكثر فأكثر": "آه يا إلهي العمليّ! أتوسَّل إليك أن تسمع قصتي. إنّي أبكي عندما أُفكّر في الماضي؛ كان قلبي مُظلِمًا، وليس فيه نورٌ؛ وكانت حياتي بلا أمل، ولم أكن أستطيع التحدث عن المعاناة التي في حياتي، ولم يكن بوسعي إلّا أن أمضي أيامي بائسًا. وكيف لا يسبب ذلك الشقاء لقلبي؟ آه يا إلهي العمليّ! استمع لي، فحينما أُفكّر في الماضي يتألم قلبي. كان إبليس الشيطان يؤذيني، ويجعلني فاسدًا وساقطًا. لقد أنارتني كلماتك وأخرجتني من الظلمة. يا إلهي الأمين! يا إلهي الأمين! إنّي أحبك من أعماق قلبي". لقد أنار هذا روحي، التي عاشت طويلًا في الظلام، كشعاعٍ من نور، ولم يسعني إلّا أن أنفجر مجهشًا بالبكاء. وبدا لي أن سنوات القهر والظلم والحزن قد تلاشت فجأةً. وشعرت أن قلبي أخف بكثير من ذي قبل. ناهيك عن هذه الإثارة، كنت بالأحرى أكثر امتنانًا لله من أجل اختياره لي من بين ملايين الناس، والسماح لروحي المتعبة والحزينة بإيجاد ملجأ دافئ. ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، تغيرت حياتي بصورةٍ جذرية. لم أعُد كئيبًا وحزينًا بعد، لكنني ركّزت كل ذهني في قراءة كلمة الله، وحضور الاجتماعات، والشَرٍكة حول الحق. كان كل يوم من أيامي ممتلئًا وسعيدًا. وقد رفعني الله فيما بعد، فبدأت في أداء واجب الوعظ بالإنجيل. وبعد فترة من الزمن، جنى عملي ثمارًا بالفعل؛ ذلك لأنني كنت متحمسًا وإيجابيًا إلى حدٍ بعيدٍ، ولأنني كنت أيضًا أتّبع معيارًا خاصًا. لقد فزت بمديح قائد فريقي الإنجيلي، ونلت أيضًا تقدير أخوتي وأخواتي في الكنيسة. وكانوا دائمًا يأتون إليّ ليسألونني عن أمورٍ لم يفهموها فيما يخص الوعظ بالإنجيل. ودون أن أدرك ذلك، بدأت أشعر بقليل من الرضا عن نفسي، وفكَّرت محدثًا نفسي: لقد فزت بالصيت والمكانة داخل الكنيسة في وقت وجيز، وهو ما كنت آمله لسنوات عديدة في العالم. أخيرًا وجد الجانب البطولي فيّ مكانه! فكلّما نظرت إلى إنجازاتي شعرت بغاية الرضا، ورحت أعمل بأكثر جدّية لأُتمم واجبي. ومهما كانت شدة الصعوبة التي واجهتها، كنت أبذل قصارى جهدي لأتغلَّب عليها. وأيًا كانت المهام التي كانت ترتبها لي الكنيسة، كنت أُطيع عن طيب خاطر، وأفعل كل ما بوسعي لأُتممها. وكان قائد الكنيسة بين حين وآخر يوجِّهني ويقوِّم بعض الجوانب فيّ لأنني لم أؤدي واجبي على نحو جيد. ومهما تضايقت، لم أكُن في الظاهر أُبدي أعذارًا لنفسي. على الرغم من أنّي عانيت كثيرًا خلال هذه الفترة، لكنني شعرت بأنه طالما كان لي مكانتي بين أخوتي وأخواتي، وطالما حُزت على تقديرهم، فذلك يستحق جدًا أن أدفع هذا الثمن. لكن الله يستطيع أن يرى كل دخائل الناس. ولكي يُحدِث الله تحوّلًا في وجهات نظري الخاطئة حول حياة الإنسان وقِيمه، وحتى يطهّر إيماني بالله من الشوائب التي علقت به وأقوم بواجبي، رتَّب الله بيئات مرارًا وتكرارًا حتى يدينني ويخلِّصني.

كان ذلك في عام 2003، عندما تمت ترقيتي لأشغل منصب قائد فريقنا الإنجيلي. وتبع هذا الترقي في مكانتي أيضًا توسع في نطاق عملي؛ مما جعلني أكثر زهوًا بنفسي: فالذهب يتلألأ أينما وُجِد. لقد عقدت عزمي على أن أُنجز عملي بصورةٍ جيدة، وأن أستمر في الارتقاء حتى يحسدني إخوتي وأخواتي ويوقرونني أكثر. سيكون ذلك رائعًا للغاية! عندما وصلت إلى حيث كنت لأؤدي واجبي، أخذ القائد بعين الاعتبار أنني بدأت لتوي الاضطلاع بهذا النوع من العمل و أنني كنت أفتقر إلى كلًا من الخبرة والمنهجية؛ وعلى ذلك فقد جمع قادة فرق إنجيلية أخرى من مناطق قريبة حتى يتسنى لنا التعلُّم من بعضنا البعض. ولكن أثناء هذه الشركة وجدت أنّهم جميعًا أكبر مني سنًا، و أنهم أقل مني من حيث القدرات. وعندما كنا في شركة خاصة بكلمات الله، لم يتواصلوا على نحو واضح كما فعلت. لم يسعني إلّا أن أكون متعجرفًا، ولم أفكّر في أي شىء يخصّهم على الإطلاق. شعرت أني سأستطيع بالتأكيد أن أقوم بعمل جيد معتمدًا على قوتي الخاصة. وبعد الاجتماع ذهبت توًا لكل فريق لكي أفهم طبيعة عملهم. وعندما اكتشفت بعض الأخطاء والإغفالات في عملهم، وأن بعض الإخوة والأخوات لم يكن لديهم القدرة على الوعظ بالإنجيل والشهادة لله، كنت قلقًا و غاضبًا. لم يسعني إلا أن أوبّخ أخوتي وأخواتي قائلًا: "هل يمكن أن يتفق القيام بمهامكم على هذا النحو مع إرادة الله؟ إنكم لا تريدون أن تدفعوا ثمنًا، ولكن تريدوا أن يخلِّصكم الله. هل يمتلك هذا النوع من البشر أي شعور؟ ..." وأحيانًا خلال الشركة، كنت أتباهى مُخبرًا كل أحد كيف شاركت في العمل الإنجيلي، وعن كل ما يخص النتائج التي كنت قد أحرزتها. عندما لمحت الحسد على أوجه إخوتي وأخواتي، تملَّكني شعور شديد بالاعتداد بالنفس، وأحسست أنني أكثر مسؤولية من الآخرين. وبمرور الوقت أصبح إخوتي وأخواتي دائمًا يتناقشون معي حول أي موضوعات، ولم يعدوا يركزّون على الصلاة لله أو الاعتماد عليه. لم أشعر بالخوف إزاء هذا الأمر، بل استمتعت به. وقد فقدت في نهاية المطاف كل تمسّكي بعمل الروح القُدُس، ولم أعد حقًا قادرًا على مواصلة العمل فيما بعد. وفي بداية عام 2004 عزلتني الكنيسة من مهامي، وألزمتني بالعودة إلى مسقط رأسي من أجل التأمل الروحي. عندما واجهت هذه النتيجة، كان الأمر كما لو أنني سقطت في حفرةٍ سحيقة. أحسست بالوهن و الضعف في كل جسدي من شدة الشعور بالإحباط، ولم يسعني إلّا أن أفكّر مُحدّثًا نفسي: كم كان الأمر رائعًا عندما بدأت أؤدي واجبي لأول مرة. والآن، أعود بمثل هذا الخزي، كيف سأواجه عائلتي وإخوتي وأخواتي في مدينتي الأم؟ كيف سيفكّرون فيّ؟ هل سيسخرون مني ويحتقرونني؟ وحالما فكّرت في تشوّه صورتي وفقدان مكانتي في ذهن الآخرين، شعرت كأنني على وشك الإنهيار. كنت أحيا في سلبية لم أستطع الإفلات منها، ولم أستطع حتى مواصلة القراءة في كلمات الله. ووسط غَمرة هذا الألم، لم أستطع ألّا أصلي، فصليت إلى الله: "آه يا إالهي! لقد أصبحت الآن ضعيفًا للغاية، وروحي قابعة في الظلام؛ ذلك لأنّني لا أستطيع قبول حقيقة أنه تم استبدالي، ولا أرغب أيضًا في طاعة ترتيب الكنيسة؛ ولكنّي أعرف أن كل ما تصنعه حسن ويحوي مشيئتك الصالحة. أريد أن تملأني بالاستنارة وأن أفهم إرادتك". وبعد أن صلَّيت وهبتني كلمات الله هذه استنارة: "لديكم في سعيكم الكثير من المفاهيم الفردية والآمال والخطط المستقبلية. أما العمل الحالي فهو من أجل التعامل مع رغبتكم في المكانة المرموقة وكذلك رغباتكم الجامحة. كلُّ المفاهيم والآمال والرغبة في المكانة الرفيعة هي صورٌ معروفة لشخصية الشيطان. ... ومع أنكم قد وصلتم إلى هذه المرحلة اليوم فإنكم لم تتركوا بعدُ أمرَ المكانة، إنما تكافحون باستمرار للاستفسار عنها، وترصُّدها بصورة يومية، مسكونين بخوفٍ عميقٍ من أنكم ستخسرون مكانتكم يومًا ما وسيُبادُ اسمُكم. ... أنتم الآن أتباع، وتتحلّون ببعض الفهم لهذه المرحلة من العمل. ولكنكم لم تتخلوا بعد عن رغبتكم في المكانة. تسعون جيدًا إذا كانت مكانتكم رفيعة، ولكن إن كانت وضيعة، فلا تسعون أبدًا. تفتكرون دائمًا في بركات اعتلاء المكانة الرفيعة. لماذا لا يستطيع أغلبية الناس الخروج من الشعور بالسلبية؟ أليست تطلعاتكم المظلمة هي السبب في ذلك؟" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. لماذا لا تريد أن تكون شخصية الضد؟). وهبني الحُكم المُعلن في كلمات الله صحوةً شديدةً، وجعلني أفهم أن عمل الله في ذلك الوقت كان يهدف إلى معالجة رغبتي في الحصول على مكانة، ولكي يجعلني أخطو نحو الطريق الصحيح في الحياة. عندما أعود بفكري إلى الوقت الذي بدأت فيه الاضطلاع بواجبي، أجد أنني كنت إيجابيًا جدًا خلال الأوقات التي كان لي فيها مكانة. كنت واثقًا للغاية، ولم أكن أخشى المعاناة أو المصاعب. وعندما كان يواجهني شخصٌ للتعامل معي أو لتهذيب بعض جوانبي لم أكن أقاومه. لكن بعد ذلك، بعد أن عُزِلت واضطررت إلى العودة لموطني، لم يكن بمقدوري الخروج من حالتي السلبية. أدركت أنني كنت أبدو ظاهريًا وكأنني أقوم بواجبي، ولكن في حقيقة الأمر كنت أتظاهر بإتمام واجبي بينما أتولى إدارة الأمور بنفسي. كان الأمر برمته استغلالًا لله لإشباع رغباتي الخاصة التي لطالما أخفيتها لسنوات عديدة، وهي أن أصبح في الطليعة، وأن أكون محطّ الأنظار. لم يكن الدافع هو السعي وراء الحق، بل كان حتى أقل من أداء واجب المخلوق لإرضاء الله. عندما كنت أقوم بواجبي ورأيت أوجه القصور في أداء إخوتي وأخواتي، لم أُقصِّر في مساعدتهم بدافع المحبة فحسب، وإنما أيضًا اعتمدت على مركزي لتوبيخهم. لقد رفعت من قدر نفسي عن عمد، ووقفت موقف الشاهد لذاتي، وكنت أطمع في أن أكون محطّ أنظار الجميع وتوقيرهم. كان لديّ هدف واحد فقط في أفكاري وأفعالي من البداية إلى النهاية؛ ألم يكن هذا مقاومة سافرة لله؟ خلق الله البشرية، لذلك ينبغي علينا أن نعبده ونُعظِّمه. ينبغي على قلوبنا أن تحوي فقط مكانة الله، لكنني كنت شخصًا دنسًا وفاسدًا ووضيعًا أراد أن يكون له مكانًا في قلوب الآخرين. أوليس هذا تكبرًا رهيبًا؟ أوليس هذا مشينًا ومخالفًا لله؟ أوليس هذا السلوك إساءة بالغة لشخصية الله؟ عندما فكرت في ذلك، لم يسعني إلاّ أن أرتجف خوفًا من طبيعتي المتعالية. لقد تبين أنني كنت بالفعل في هذا الموقف الخطير، وهو أنني كنت مُعرَّضًا لجزاء الله! شخصية الله صالحة ومقدسة، ولا تتهاون مع تعديات البشر. كيف يمكن أن يُجيز السماح لي – أنا الطفل المتمرد – أن أُفسد وأُربك عمله باستهتار؟ وأدركت حينها فقط أن استبعادي كان سماحة واسعة ومحبة عظيمة من الله. ولولا ذلك لكنت قد صنعت شرًا أكثر وأعظم للدرجة التي تجعله لا يستطيع أن يصفح عنّي؛ وبذلك يكون قد فات الأوان. كلَّما فكَّرت أكثر بهذا، كلَّما شعرت بخوف أكبر وكلَّما أحسست أني مدين للغاية لله. لم يسعني إلاّ أن أَخُرَّ ساجدًا أمامه وأن أصلي قائلًا: "آه يا إلهي! طبيعتي متعجرفة وسطحية للغاية. لم أتبع الحق أثناء قيامي بواجبي، ولم أفكر في أن أُبادلك حبًا بحبٍ. كنت مشغولًا بالركض جيئةً وذهابًا وراء السمعة والمكانة، ووضعت قلبي على أن أصبح في المقدمة بالكنيسة، فكيف لي ألا أتعثَّر وأسقط خلال أداء واجبي بنيةٍ من هذا النوع؟ إذا لم يأتِ تأديبك وعقابك وتعاملك معي وتهذيبك لي في الوقت المناسب، لكنت بالتأكيد قد استمريت في طريق معاداة المسيح، ولأفسدت أخيرًا فرصتي في الخلاص. آه يا إلهي! أشكرك من أجل رحمتك وخلاصك لي. من هذا اليوم فصاعدًا أريد أن أتخلَّى عن رغباتي الطموحة، وأتبع الحق، وأن أكون أكثر خضوعًا لحكمك وتأديبك حتى أصل إلى تغييرٍ عاجلٍ في نزعتي الفاسدة". حررتني استنارة الله وإرشاده من سلبيتي، وجعلاني أتمكّن من بعض الإدراك لطبيعتي المتعالية وأساس مقاومتي لله. كما اكتسبت بعض الفهم لتدبير الله الصالح، وشعرت براحة عظيمة في قلبي. كنت أيضًا أرغب في مواصلة سعيي نحو الحق في أي بيئة يجهّزها الله لي، وأن يكون لي فهم أعمق لمشيئته.

في مساعيَّ بعد ذلك رأيت كلمات من الله تقول: "إنني لا أحدد مصير كل شخص على أساس العمر والأقدمية وحجم المعاناة وأقل من ذلك مدى استدرارهم للشفقة، وإنما وفقًا لما إذا كانوا يملكون الحق. لا يوجد خيار آخر غير هذا. يجب عليكم أن تدركوا أن كل أولئك الذين لا يتبعون مشيئة الله سيُعاقَبون، وهذه حقيقة ثابتة" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أَعْدِدْ ما يكفي من الأعمال الصالحة من أجل غايتك). "على الإنسان – كأحد مخلوقات الله – أن ينشد القيام بواجبه كخليقة الله، وأن يسعى نحو محبة الله دون أن يتخذ أي خيارات أخرى، فالله يستحق محبة الإنسان. ينبغي على الساعين نحو محبة الله ألا ينشدوا أي منافع شخصية أو أي منافع يشتاقون إليها بصفة شخصية؛ فهذا أصح وسائل السعي" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. النجاح أو الفشل يعتمدان على الطريق الذي يسير الإنسان فيه). كانت كلمات الله قد أخبرت الناس بالفعل بصورةٍ واضحة ومفهومة تمامًا ما هي مشيئته ومتطلباته حتى تستطيع البشرية أن تفهم طريقة سليمة للسعي، وما هو المسار الخاطئ. في ذلك الوقت وضعتُ الصيت والمكانة فوق كل شيء، لكن في حقيقة الأمر لم ينظر الله إلى مدى ارتفاع مكانة الشخص، أو أي نوع من الأسبقيَّة لديهم، أو إلى أي مدى كانت معاناتهم من أجل إيمانهم بالله؛ وإنما نظر إلى ما إذا كانوا يسعون إلى الحق أم لا، وما إذا كان لديهم فهم حقيقي لله. أولئك الذين لديهم الحق ولكن ليس لديهم مكانة عالية بوسعهم أيضًا أن ينالوا مديح الله؛ أما الذين ليس لديهم الحق ولهم مكانة عالية هم أولئك الذين يشمئزُّ الله منهم ويرفضهم. هذا هو تدبير الله للبر والقداسة. ليس للمكانة أن تحدد مصير الشخص، وهي ليست رمزًا لخلاص شخص ما في إيمانه بالله. وهي ليست على وجه الخصوص علامةً على أن شخص قد كمَّله الله. لكنني كنت دائمًا أستخدم مكانتي لقياس قيمتي، وكنت أجد جُلَّ سعادتي في أن أكون محطّ أنظار الآخرين وإعجابهم. ألم يكن هذا متعارضًا تمامًا مع متطلبات الله؟ ألم يكن الإيمان بالله على هذا النحو إيمانًا لا جدوى له على الإطلاق؟ لم يكن هذا ليحول دون مقدرتي على نوال خلاص الله فحسب، ولكن كنت أيضًا سأقاسي في النهاية من عقاب الله بسبب طرقي الشريرة. كان ما عهد به الله إليّ في ذلك الوقت الهدف منه هو السماح لي بالدخول إلى الحق، وأن أستطيع السعي إلى إحدث تغيير في طباعي، وأن أطلب طاعة الله ومحبته، وأن أنال في النهاية الخلاص والكمال من قِبَله. كان هذا هو الطريق الصحيح دون سواه. وبعد أن أدركت كل هذا امتلأ قلبي من الامتنان تجاه الله، ويرجع الفضل في ذلك إلى دينونته وتوبيخه اللذين أعاداني من الطريق الخاطئ، ووهباني البصيرة حتى أستطيع أن أفهم إرادته، مما جعلني أرى في النهاية بوضوح الخطر والعواقب المترتبة على السعي وراء الصيت والمكانة. وعندئذٍ فقط استطعت أن أستيقظ وأعود في الوقت المناسب. ومن خلال ذلك الاختبار، اقتنيت بعض المعرفة عن آرائي الخاطئة فيما يخص السعي، وفهمت بعض الحقائق، كما أدركت مقاصد الله الخيِّرة، وتماثلَت حالتي الذهنية للشفاء من جديد. وقد دفعت نفسي إلى القيام بواجبي مرةً أخرى.

و في شهر يوليو من عام 2004 ذهبت إلى منطقةٍ نائيةٍ في الجبال، وتعاونت مع أخ هناك في عمل البشارة. وعندما بدأت ذلك العمل، وضعت نصب عينيَّ إخفاقاتي السابقة كدروسٍ. وكنت أُذكِّر نفسي مرارًا وتكرارًا بأنّه لا يجب أن أسعى وراء الصيت أو المكانة، بل أن أُؤدي واجبي بأمانةٍ كمخلوقٍ، لذلك عندما كانت تُوجد أمورٌ لم أكن أفهمها أو لم تكن واضحة لي، كنت أنحّي ذاتي جانبًا، وأطلب بنشاط التواصل مع أخي لمناقشتها وتوضيحها. ولكن كلّما أصبح عملي أكثر إثمارًا، كانت طبيعتي المتعجرفة تطل برأسها من جديد، وبدأت أُركّز مرةً أخرى على صورتي ومكانتي. وخلال أحد الاجتماعات، قال لي أحد أعضاء الفريق الإنجيلي المحلي في سعادةٍ: "بفضل وصولك إلى هنا جذبنا المزيد من المؤمنين لاعتناق المسيحية..." قلت بفمي أن هذا كان نتيجة عمل الروح القُدُس، أمّا في قلبي فكنت مسرورًا جدًا بنفسي. بعد انتهاء الاجتماع وبعد أن عُدت إلى منزل عائلتي المضيفة، جلست على سريري وأخذت استعيد في ذهني كل مشهدٍ من مشاهد عملي خلال تلك الفترة، فلم يسعني إلا أن أهنئ نفسي، وفكّرت محدّثًا نفسي: يبدو أن لديّ قدرة حقيقية على هذا العمل؛ وطالما أني مستمر في العمل بجدٍ، أستطيع بالتأكيد الترقّي مرةً أخرى. لقد رأيت نفسي وقتئذٍ بطلاً بالتمام، وكانت مكانة الله قد تلاشت بالفعل من قلبي. وعندما كنت أُؤدي واجبي بعد ذلك، بدأت أتنافس مع زملائي على المكانة، وأقارن بين مركزي ومراكزهم. وبدأت أستعرض بصورةٍ صارخة أمام إخوتي وأخواتي كما لو كانت جهودي هي السبب الوحيد وراء أي نتائج نحرزها من عملنا. وبينما كنت أنزلق خطوة واحدة في كل مرة في طريق عودتي إلى الهاوية، مدَّ لي الله مرة أخرى يد الخلاص. في إحدى الليالي أّصبتُ فجأةً بإنفلونزا حادة، ووصلت درجة حرارتي إلى 39 درجة؛ ولم تتحسَّن حالتي على الإطلاق حتى بعدما تناولت الدواء لعدة أيام. ذهبت إلى المستشفى للحصول على حقنةٍ، لكن حالتي لم تزدد إلّا سوءًا. لم أستطع الاحتفاظ بأي شيء في معدتي، ولا حتى الماء. أصبحت أخيرًا طريح الفراش، وشعرت كما لو كنت على وشك الموت. وفي ظل عذاب هذا المرض لم أعد أفكر في نوعية المكانة التي كنت سأحظى بها في اليوم التالي. وركعت سريعًا وصليت إلى الله: "آه يا إلهي! هذا المرض الذي أصابني هو مشيئتك الخيِّرة وتدبيرك البار. لا أريد أن أسيء فهمك أو ألومك. أتوسّل إليك فقط أن تهبني البصيرة وتنيرني مرة أخرى، وأن تسمح لي أن أدرك مشيئتك حتى أستطيع أن أنال فهمًا أعمق لفسادي". وبعد الصلاة كان قلبي أكثر سلامًا، وعندئذٍ فقط جاءتني فجأةً كلمات الله هذه: "إن طبيعتكم المتكبِّرة والمتعجرفة تقودكم إلى أن تخونوا ضميركم، وأن تتمرَّدوا على المسيح وتقاوموه، وأن تكشفوا عن قبحكم، فتُفضح في النور نواياكم، وأفكاركم، ورغباتكم الجامحة وعيونكم المليئة بالطمع" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. هل أنت مؤمن حقيقي بالله؟). اخترقت كل كلمة من كلمات الله هذه قلبي كسيفٍ، وأصابت موطن دائي المميت. كل نوع من أنواع قبح الكبرياء التي كنت قد كشفت عنها حلَّ في ذهني بوضوح كبير. كان قلبي يقاسي من الألم، وكنت أشعر بخجل وخزي لا حدود لهما. وعندئذٍ رأيت بوضوح أن طبيعتي المتعجرفة هي التي جعلت ضميري يفقد وظيفته الأصلية، ولذلك لم أكن دائمًا أستطيع أن أطيع الله وأعبده بأمانةٍ. وقد جعلني هذا أبطن في داخلي الطموح والرغبة، وبمجرد أن سنحت لي فرصةٌ ما رحت أتنافس على المكانة، وأردت أن أُظهِر نفسي وأُقمِع الآخرين. لم أستطع أن أكون مجرَّد شخص حسن السلوك. كان من الواضح أن أي ثمارٍ لعملي هي نتاج عمل الروح القُدُس؛ كانت هذه بركة الله. ومع ذلك رحت أسرق مجد الله بلا حياء، وأستغل الفرصة لأرفع ذاتي عاليًا، واستمتعت بكوني محل اهتمام إخوتي وأخواتي ومعبودهم؛ وأصبحت متغطرسًا للغاية حتى فقدت عقلي، ولم أدرك إلَّا في هذا الحين أن طبيعتي المتعجرفة هذه على وجه التحديد أساس مقاومتي لله، وإذا لم أكن قد قمت بالتعامل معها، لما استطعت أبدًا أن أطيع الله أو أُخلِص في أداء واجبي.

وبإرشاد من الله فكَّرت مرةً أخرى في كلماته: "عندما يعرف المرء طبيعته الحقيقيَّة من حيث مدى قبحه وحقارته وإثارته للشفقة، فإنه لا يفرط في الافتخار بنفسه أو الكبرياء، ولا يرضى بنفسه كما كان من قبل. يشعر مثل هذا الشخص وكأنه يقول لنفسه: "ينبغي أن أكون جادًا وواقعيًا وأمارس بعض كلام الله. إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن أرقى إلى مستوى أن أكون إنسانًا، وسوف أخجل من العيش في محضر الله". وعندها يرى المرء نفسه تافهًا حقًّا ولا قيمة له فعلاً. وفي هذا الوقت يصبح من السهل عليه أن ينفِّذ الحقّ، ويبدو أنه يشبه الإنسان إلى حدٍّ ما" ("معرفة المرء ذاته هي بالدرجة الأولى معرفة الطبيعة البشريَّة" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). أوضحت لي كلمات الله الطريق إلى الممارسة والدخول إلى العمق، وأنّه إذا كنت أريد أن أتخلّص كليةً من أفكاري حول السُمعة والمكانة، كان يتعين عليّ أن أبذل جهدًا في معرفة طبيعتي. عندما أستطيع أن أرى حقًا كم كنت وضيعًا، وكم كنت تافهًا، أستطيع أن أصبح شخصًا متواضعًا، ولن أكون متعجرفًا فيما بعد. وعندئذٍ سأكون قادرًا على السعي إلى الحق وقدماي راسختان على أرضٍ صلبةٍ. كان الله، في حقيقة الأمر، يدير هذه الدينونة والتوبيخ، وهذه الضربة، وهذا التهذيب، من أجلي لكي يكون لديَّ فهمٌ حقيقيٌ لجوهر نفسي، وهويتي ومكانتي الطبيعيتين. كان الهدف منها هو أن يكون لديّ معرفةً لذاتي أمام الله، ولكي أدرك فقري الروحي، وأنني لا شيء. كان الهدف هو أن يسمح لي بمعرفة أن ما كنت أحتاجه هو الحق، وخلاص الله، اللذين بهما أستطيع أن أطرح نفسي أمام الله، وأكون شخصًا حسن السلوك. كان ذلك حتى أستطيع أن أؤدي واجبي لإرضاء الله ولا أعُد أسعى وراء المكانة جارحًا قلبه. وبإرشاد من كلمات الله أصبح لديَّ مسار إلى الأمام، وكذلك الثقة، للسعي إلى الحق. وبالرغم من أن الشيطان كان قد أفسدني فسادًا عميقًا، وكانت طبيعتي المُتكبّرة قد أصَّلت جذورها في أعماقي، إلّا أنه طالما استطعت أن أقبل وأن أُطيع دينونة الله وتوبيخه واختباره وتنقيته لي – مما يجعلني أتعرَّف على طبيعتي وحقيقتي، فأسعي بلا كلل إلى الحق – فحينئذٍ سأكون بالتأكيد قادرًا على التخلُّص من قيود الصيت والمكانة ومعاناتهما، والدخول في الطريق الذي يؤدي إلى خلاصي وكمالي. تعافيت من مرضي في خلال يومين بعد أن رجعت إلى الله. وهذا جعلني أُدرك بالأحرى أنه استخدم هذا المرض كوسيلة لتأديبي. ولم يكن يتعمَّد أن يجعلني أُقاسي، ولم يكن هناك أي عقاب في ذلك – إنّما كان هدفه أن يوقظ قلبي المُخدَّر، ولكي يجعلني أتخلَّص من مساعيَّ الخاطئة في أقرب وقت ممكن، ولكي أخطو على الطريق الصحيح للإيمان بالله. لقد أحدَثَت محبة الله فيّ تأثيرًا وحماسًا عميقين، فقدَّمت بصدقٍ حمدي وتسبيحي لله.

ألقيت بنفسي مرة أخرى في العمل بعد أن تعافيت من مرضي. لقد قررت بهدوءٍ في قلبي أنه إذا ما واجهت شيئًا يتعلق بالصيت أو المكانة، سأكون بالتأكيد شاهدًا لله. بعد عدة أشهر علمت أن فريقًا إنجيليًا آخر كان يحصل على نتائج جيدة جدًا، واختبر بعض أعمال الله العجيبة، وقد لخَّص بعض اختباراتهم الناجحة وطريقتهم في التطبيق؛ وأمّا العمل الذي كنت أشارك فيه فقد كان في انحدار. عندما رأيت الإحباط على وجوه إخوتي وأخواتي، وخاصةً عندما سمعت إحدى الأخوات تقول: "نحن الآن نتمتع بهذا الخلاص العظيم من الله، لكننا غير قادرين على الشهادة لعمله. إننا حقًا مدينون له"، ولم يستطع الجميع أن يتوقفوا عن البكاء، كان قلبي يتألم بشدة. لم أكن أعرف كيف أخرج من ذلك المأزق، وقد صليت مرارًا إلى الله: "آه يا إلهي! نحن جميعًا نكون ضعفاء عندما نواجه صعوبات عملية، لكنني أعرف أن هذا هو عملك، الذي به تختبر ثقتنا، وتمتحن إخلاصنا. إن قامتي صغيرة جدًا، ولا تقوى على تحمّل ذلك الثقل. أتوسَّل إليك أن تنير بصيرتي حتى أفهم مشيئتك. إنّي أرغب في أن أعمل وفقًا لإرشادك". بعد أن صلّيت خطرت فجأةً ببالي فكرةً: ينبغي أن أطلب من الزميل الذي هناك أن يأتي ويجتمع معنا في شركةٍ حتى نستطيع أن نكتسب بعض نقاط قوته وخبراته. وبتلك الطريقة سيستطيع الإخوة والأخوات التمتع باستنارة الروح القُدُس وقيادته، وسيعرفون كيفية أداء عملهم التبشيري. كنت أعرف أن هذه الفكرة قد أتتني بإرشاد الروح القُدُس، لكنّ ما زال لدي بعض الوساوس في قلبي، حيث فكّرت مُحدِّثًا نفسي: كنت أكثر جدارة من ذلك الأخ في كل الجوانب، وعندما اجتمعنا معًا في لقاءات، كنت دائمًا أستخف به، لكن أداءهُ الآن أفضل من أدائي. عندما يراني الآن أبدو يائسًا ومُحرجًا، هل سيضحك عليَّ؟ هل سينظر الإخوة والأخوات باستهزاء؟ ماذا عن حفظ ماء وجهي؟ ... فكَّرت وفكَّرت، وما زلت لا أستطيع التخلي عن فكرة تقديري ومكانتي، ولكن بمجرد أن فكَّرت في مشيئة الله المُلحَّة لخلاص البشرية وأن إخوتي وأخواتي لم يكن لديهم إرشاد الروح القُدُس وقيادته، تأدَّبت في داخل قلبي. وبينما كنت متحيرًا، أنارت بصيرتي كلمات الله هذه: "لا يعمل الروح القدس فقط في أناس معينين يستخدمهم الله، ولكنه يعمل أكثر في الكنيسة. ويمكن أن يعمل في أي شخص. فقد يعمل فيك في الحاضر، وعندما تختبر هذا، قد يعمل في شخص آخر بعدك. أسْرِعْ بالامتثال؛ فكلما اتبعت النور الحاضر من كثبٍ، أمكن لحياتك أن تنمو. لا تهم الطريقة التي قد يتبعها الإنسان للتحقق من الامتثال، ما دام الروح القدس يعمل فيه. اختبر الأمر بالطريقة التي يختبرونها بها، وستتلقى أمورًا فائقة، وبذلك تتقدم أسرع. هذا هو طريق الكمال للإنسان وتلك هي الطريقة التي تنمو من خلالها الحياة. يتحقق الوصول إلى طريق الكمال من خلال طاعتك لعمل الروح القدس. فأنت لا تعلم عبر أي نوع من الأشخاص سيعمل الله على منحك الكمال، أو ماهية الأشخاص أو الأحداث أو الأشياء التي ستمكّنك من الدخول إلى امتلاكه واكتساب بعض البصيرة" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. مَنْ يطيعون الله بقلب صادق يُربَحون من الله بالتأكيد). وبقيادة كلمات الله أدركت مشيئته، واكتسبت بعض الفهم حول كيفية قيادة الأشخاص وإجادتهم في عمل الروح القُدُس. وأدركت أن: عمل الله وحكمته عجيبان وخفيّان. لا أعرف من خلال أي نوع من الأشخاص أو الأشياء سوف يهبني البصيرة ويرشدني حتى أفهم مشيئته، ولا أعرف من خلال أي نوع من البيئة سوف يعالج طبعي الفاسد. يجب أن أتعلَّم إطاعة عمل الروح القُدُس، بغض النظر عن مدى ارتفاع مكانة شخص ما أو تدنِّيها، أو كم يبلغ من العمر، أو كم من الوقت قد مرَّ على إيمانه بالله، طالما أن الشركة معه تتَّفق مع الحق، وأنها إرادة الله في الوقت الحالي، وطالما تستطيع أن توضّح المسار العملي، الذي يكون مصدره هو عمل الروح القُدُس وتبصيره. يجب عليّ أن أقبل، وأطيع، وأُمارس – هذا هو الفكر الإنساني الذي يجب أن يكون لدىّ. إذا لم أطع عمل الروح القُدُس، فأنا إذًا على استعداد أن أُعرِّض عملي للخطر من أجل الحفاظ على كبريائي، وعلى استعداد أن أسمح لإخوتي وأخواتي أن يعيشوا في الظلام حتى أحافظ على صورتي ومكانتي. وفي تلك الحالة أكون حقًا خادمًا شريرًا وعدوًا للمسيح! عندما أدركت ذلك، لم يسعني إلّا الشعور بالخوف، ولم أكن أجرؤ ثانيةً على المكابرة ومقاومة تبصير الروح القُدُس و إرشاده. كنت أرغب في التخلي عن طبيعتي الشيطانية وإراحة قلب الله من خلال إجراءات عملية. لذلك اتصلت على الفور بذلك الزميل وطلبت منه أن يأتي ويتواصل معنا. وما جعلني أشعر بالخجل هو أنه بعد أن التقينا شخصيًا لم يكن هذا الأخ يستهين بي أو يضحك عليّ قط. وقد شاركنا بكل إخلاص في الشركة حول الكيفية التي كانوا يعملون بها معًا بينما كان يعمل الروح القُدُس بينهم، وكيف كانوا يعتمدون على الله ويصلّون له عندما واجهوا كبوات وإخفاقات، وما هي الأعمال التي رأوا الله يقوم بها بعد ذلك، وما هي أنواع الإدراك الحقيقي التي اكتسبوها عن الله، وأكثر من ذلك. عندما رأيت أخي هادئًا بشوشًا، ثم رأيت إخوتي وأخواتي يصغون له باهتمام وباستمتاع، وبعد ذلك رأيت الابتسامات ترتسم تدريجيًا على وجوههم، شعرت حينئذٍ بألم شديد وكأن قلبي قد انسحق. إلّا أن هذه المرة لم يكن هذا الشعور من أجل إرضاء رغبتي في التقدير أو المكانة، ولكن لأنني نلت توبيخًا في قلبي بسبب الديون التي أُدين بها لله. ولهذا السبب اختبرت بإخلاص المسؤولية والواجب اللذين يتحملهما القائد الجيد. إذا كان الطريق الذي أتّخذه أنا شخصيًا ليس هو الطريق الصحيح، فإنه سيؤذي حياة عدد كبير جدًا من الناس وسيحطمها؛ وسوف يتسبب ذلك في المعاناة الروحية لعدد كبير جدًا من الناس. وفي هذه الحالة ألا أكون أنا الجاني الرئيسي في مقاومة الله؟ وعندما ينتهي عمل الله، كيف ينبغي أن أعطي له حسابًا؟ كان ذلك هو الوقت الذي فيه أبغضت حقًا فيه نفسي أخيرًا من داخل قلبي. لقد كرهت ذلك السلوك الذي كنت أسلكه في الماضي، فحينما كنت أقوم بواجبي لم أكن أؤدي عملي بأمانةٍ؛ ولكني كنت أفكّر فقط في السعي وراء الصيت والمكانة، وفي التنعُّم ببركات المكانة. ولم يعطّل ذلك دخول إخوتي وأخواتي إلى الحياة فحسب، ولكن الأدهى من ذلك هو أنه كان يعطّل تنفيذ إرادة الله. و قد فقدت أيضًا في كثير من الأحيان تشبثي بعمل الروح القُدُس، وسقطت في الظلمة. لقد وجدت أن السعي وراء الصيت والمكانة كان ضرره أكثر بكثيرٍ جدًا من نفعه. ولكن في الوقت الذي كنت أشعر فيه بالذنب والندم، شعرت أيضًا بقسط من الراحة. كان ذلك لأنني، في ظل قيادة الله، تخلّيت في هذه المرة أخيرًا عن المنفعة الشخصية من أجل تنفيذ الحق. لقد فعلت شيئًا مفيدًا للعمل، ولإخوتي وأخواتي، ولنفسي؛ وقد أخزيت الشيطان من خلال الإجراءات العملية، ووقفت هذه المرة كشاهد لله.

في اختباري لعمل الله، قاسيت من كبواتٍ وإخفاقاتٍ كثيرة بسبب سعيي وراء الصيت والمكانة. لقد سلكت العديد من الطرق الملتوية، ولهذا السبب خضعت للمعالجة و التنقية. فأخذت أهمية المكانة تتضائل تدريجيًا في عينيّ، وقد تغيَّر مُعتقدي القديم – إن لم يكن لك مكانة فلن يكون لك مسقبل، ولن تكون محل تقدير لأي أحد – هذا المنظور المضلَّل قد تغير للأحسن. لقد اتَّبعت الله لمدة خمسة عشر عامًا حتى الآن. وفي كل مرة أفكّر في عمل الله الذي أجراه فيّ يجتاحني دائمًا شعورٌ حلو. لن أستطيع أبدًا أن أنسى محبة الله وخلاصه لي. لو لم يقم الله بتصميم بيئتي والتعامل مع رغبتي في الشهرة والربح والمكانة في المراحل الأولى من حياتي، كيف كان لي إذًا أن أرغب في التخلّي عن معتقدي الذي كنت أعيش فيه لسنوات عديدة، والذي أصبح حياتي؟ لو لم يقدّم الله خلاصه لي في الوقت المناسب، كنت سأظل أعيش وفقًا لسموم الشيطان، وأحطّم حياتي من أجل حُلم لا يمكن أبدًا أن يتحقق. ولولا إعلانات الله وتنقياته المتكررة، لكنتُ ما أزال أمضي قُدمًا في الطريق الخاطئ، ولن أعي أبدًا مدى خطورة كبريائي ومدى قوة رغبتي في الحصول على مكانةٍ، ولن يكون ممكنًا لي على وجه الخصوص أن أُدرك أنني عدو لله. إن عمل الله الرائع هو الذي جعلني أرى بعمقٍ قدرًا كبيرًا من جوهر السعي إلى الشهرة والربح والمكانة وضرره. لقد أَخضع ذلك قيمي ووجهات نظري الخاطئة عن الحياة لتغيير جوهري، وسمح لي أن أُدرِك أنَّ السعي إلى الحق والقيام بواجبي كمخلوق يشكّلان وحدهما حياةً إنسانيةً حقيقية؛ وأنَّ طرح تأثير الشيطان المظلم بعيدًا، والعيش على أساس كلمات الله، كفيلان وحدهما بأن يجعلاني أستطيع أن أحيا حياةً ذات معنى وقيمة. إن الفضل كلّه يرجع إلى حُكم الله وتأديبه اللذين جعلاني أستطيع اقتناء الفهم والمرور عبر التغييرات التي أتمتع اليوم بثمارها. وعلى الرغم من أن إجراء حُكم الله وتأديبه لي قد تطلَّب مني الخضوع لألم التنقية، إلّا أنني قد اكتسبت بعض الفهم حول تعاملات الله العمليَّة، وجوهره الخيِّر، وتدبيره للبر والقداسة. أستطيع الآن أن أرى بوضوح سموم الشيطان، وأن أُبغضها، وأطرحها عني بعيدًا، تلك السموم التي أضرَّتني لسنوات عديدة، كما أستطيع أن أحيا حياةً إنسانيةً أمينة. لم يذهب أي من معاناتي هذه هباءً، بل كانت الشيء الأكثر معنى والأكثر قيمةً. إنّي على استعداد، خلال مسيري في الطريق من اليوم فصاعدًا، أن أقبَل المزيد من حُكم الله وتأديبه واختباره وتنقيته لي حتى يُنقَّى عاجلًا كل نوع من طباعي الفاسدة، فأستطيع أن أصبح شخصًا يتفق مع مشيئة الله.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

التحرّر من المكانة

أصبحت قائدة كنيسة في عام 2019. كنت أقوم بالأمور على طريقتي الخاصة، وكنت عديمة المسؤولية في واجبي، كما أنني لم أعيّن الأشخاص المناسبين...

تأملات حول اشتهاء المكانة

كان هذا في 2019، عندما اُخترت قائدًا للكنيسة. في ذلك الوقت، كنت أساسًا أشرف على إنتاج الفيديو. وتعلمت من قائدَيْ فريق، وأتقنت بالتدريج بعض...