مصير البشريّة ومصير الكون غير منفصلين عن سيادة الخالق

2019 أكتوبر 15

أنتم جميعًا بالغون. بعضكم في منتصف العمر، وبعضكم في سن الشيخوخة. انتقلتم من عدم الإيمان بالله إلى الإيمان به، ومن بداية الإيمان بالله إلى قبول كلمته واختبار عمله. ما مقدار المعرفة التي تمتلكونها عن سيادة الله؟ ما الأفكار الثاقبة التي اكتسبتموها عن مصير الإنسان؟ هل يمكن للمرء أن يُحقّق كل ما يرغبه في الحياة؟ كم عدد الأشياء على مدى العقود القليلة لوجودكم والتي تمكّنتم من إنجازها بالطريقة التي رغبتموها؟ كم عدد الأشياء التي حدثت وكنتم لا تتوقعونها أبدًا؟ كم عدد الأشياء التي تأتي كمفاجآتٍ سارة؟ كم عدد الأشياء التي لا يزال الناس ينتظرونها على أمل أن تؤتي ثمارها، منتظرين انتظارًا لا شعوريًا اللحظة المناسبة، منتظرين إرادة السماء؟ كم عدد الأشياء التي تجعل الناس يشعرون بالعجز والإحباط؟ الجميع تراودهم الآمال حول مصيرهم، مستشرفين أن يسير كل شيءٍ في حياتهم كما يتمنّون، وألّا يعوزهم المأكل أو الملبس، وأن ترتفع ثروتهم ارتفاعًا مذهلًا. لا أحد يريد حياة فقيرة طاحنة تملأها المصاعب وتحاصرها الكوارث. لكن الناس لا يمكنهم التنبؤ بهذه الأشياء أو التحكّم بها. ربما يرى البعض أن الماضي مُجرّد خليط من التجارب، فهم لا يعلمون أبدًا ما إرادة السماء ولا يهتمّون بماهيتها. إنهم يعيشون حياتهم بدون تفكيرٍ، كالحيوانات، يومًا بيومٍ، غير مبالين بمصير البشريّة أو سبب حياة البشر أو الطريقة التي يجب أن يعيشوا بها حياتهم. يصل أمثال هؤلاء الناس سن الشيخوخة دون أن يكونوا قد اكتسبوا أيّ فهمٍ لمصير الإنسان، وحتّى تحين لحظة موتهم لا تكون لديهم أيّة فكرةٍ عن معنى الحياة. هؤلاء الناس أمواتٌ. إنهم كائناتٌ بدون روحٍ ووحوشٌ. على الرغم من أن الناس يعيشون ضمن الخليقة ويستمدّون المتعة من الطرق العديدة التي يُلبّي بها العالم احتياجاتهم الماديّة، وعلى الرغم من أنهم يرون هذا العالم الماديّ يتقدّم باستمرارٍ، فإن تجربتهم الخاصة – أي ما تشعر به وتختبره قلوبهم وأرواحهم – لا علاقة له بالأشياء الماديّة، ولا شيءَ ماديًّا هو بديلٌ عن التجربة. فالتجربة اعترافٌ في صميم قلب المرء، وهو أمرٌ لا يمكن رؤيته بالعين المُجرّدة. يكمن هذا الاعتراف في فهم المرء وإدراكه لحياة الإنسان ومصيره. وغالبًا ما يقود المرء إلى التخوّف من أن سيّدًا غير منظورٍ يُرتّب جميع الأشياء ويُنظّم كل شيءٍ من أجل الإنسان. في خضمّ هذا كله، لا يسع المرء إلا أن يقبل ترتيبات وتنظيمات المصير ولا يسعه إلا أن يقبل المسار الذي رسمه الخالق وسيادة الخالق على مصيره. هذه حقيقةٌ مفروغ منها. بغضِّ النظر عن فكر المرء واتّجاهه عن المصير، لا يمكن لأحدٍ تغيير هذه الحقيقة.

المكان الذي سيذهب إليه شخص ما، وما سيفعله، ومن سيقابل أو ماذا، وما سيقوله، وما سيحدث له في خلال كل يوم – هل يمكن للناس التنبؤ بأي من هذه الأشياء؟ يمكن القول إن الناس لا يستطيعون التنبؤ بكل هذه الأحداث، وعلاوةً على ذلك، فهم أيضًا لا يستطيعون التحكم في الكيفية التي تتطور بها هذه الأشياء. هذه الأحداث غير المتوقعة تحدث في حياة الناس اليومية في كل وقت، فهي أحداث شائعة. إن حدوث هذه "الأمور التافهة في الحياة اليومية" ووسائل تطورها وأنماطها، هي تذكير دائم للبشرية بأنه لا شيء يحدث عشوائيًا، وأن عملية تطور كل حدث وحتميته لا يمكن أن تتغير بإرادة الإنسان. إن وقوع كل حدث يحمل في طياته موعظة من الخالق للبشرية، كما أنه يبعث برسالة مفادها أن البشر لا يمكنهم التحكم في أقدارهم. وفي الوقت نفسه، هو أيضًا دحض لطموح البشرية ورغبتها في أنها تأمل دون جدوى في التحكم بقدرها. هذا الدحض هو بمثابة صفعة قوية على الوجه تضرب البشرية مرارًا وتكرارًا، وتجبر الناس على التأمل فيمن بالضبط يكون له السيادة على قدرهم ويتحكم فيه. ومع تحطم طموحاتهم ورغباتهم وانهيارها باستمرار، لا يسع الناس أيضًا إلا أن يمتثلوا دون وعي لترتيبات القدر، ويقبلوا الواقع وإرادة السماء وسيادة الخالق. من تكرار حدوث "الأمور التافهة في الحياة اليومية" إلى أقدار حيوات البشر جميعًا، لا يوجد شيء لا يكشف عن سيادة الخالق وترتيباته، ولا يوجد شيء لا يبعث بالرسالة التي مفادها أن "سلطان الخالق لا يمكن التفوق عليه"، ولا يوجد شيء لا ينقل الحقيقة الثابتة التي مفادها أن "سلطان الخالق سامٍ".

تتشابك مصائر البشر والأشياء كلها تشابكًا وثيقًا مع سيادة الخالق، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بترتيبات الخالق. وفي النهاية، لا يمكن فصلها عن سلطان الخالق. في قوانين جميع الأشياء، يتوصل الإنسان إلى فهم ترتيبات الخالق وسيادته، وفي قواعد بقاء الأشياء جميعًا يتوصل إلى إدراك حكم الخالق، وفي مصائر جميع الأشياء يستخلص الطرق التي يمارس بها الخالق سيادته وتحكّمه بها، وفي دورات حياة البشر وجميع الأشياء يتوصل الإنسان في الواقع إلى اختبار تنظيمات الخالق وترتيباته لجميع الأشياء والكائنات الحيّة ليشهد كيف تحلّ تلك التنظيمات والترتيبات محلّ جميع القوانين والقواعد والمؤسسات الأرضيّة وجميع القوى الأخرى. وفي مثل هذه الحالة، يضطرّ البشر للاعتراف بأن سيادة الخالق لا يمكن أن ينتهكها أيّ مخلوق، وأنه لا توجد قوّة يمكنها أن تستولي على الأحداث والأشياء التي سبق أن قدّرها الخالق أو تُغيّرها. بموجب هذه القوانين والقواعد الإلهيّة يعيش البشر وجميع الأشياء وتتكاثر جيلًا بعد جيلٍ. أليس هذا هو التجسيد الحقيقيّ لسلطان الخالق؟ على الرغم من أن الإنسان يرى، في القوانين الموضوعيّة، سيادة الخالق وتنسيقه لجميع الأحداث والأشياء، كم عدد الأشخاص القادرين على فهم مبدأ سيادة الخالق على الكون؟ كم عدد الأشخاص الذين يمكنهم حقًا معرفة وإدراك وقبول سيادة الخالق وخضوعهم لها ولترتيبه لمصيرهم؟ من الذي، بعد أن آمن بحقيقة سيادة الخالق على جميع الأشياء، سوف يُصدّق ويُقرّ حقًا بأن الخالق يقرر أيضًا مصائر حياة الناس؟ من يستطيع أن يفهم حقّا حقيقة أن مصير الإنسان يكمن في يد الخالق؟ ما نوعٍ السلوك الذي يجب أن تتّخذه البشريّة تجاه سيادة الخالق عندما تواجهها حقيقة أنه يحكم مصير البشرية ويسيطر عليه؟ ذلك قرارٌ يجب على كل إنسانٍ يواجه هذه الحقيقة أن يتّخذه لنفسه.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (3)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

المنعطف الثاني: النمو

ينشأ الناس في بيئاتٍ منزليّة مختلفة اعتمادًا على نوع العائلة التي ينتسبون إليها، ويتعلّمون دروسًا مختلفة من والديهم. تحدد هذه العوامل...

المنعطف الخامس: النسل

يبدأ المرء بعد الزواج في تربية الجيل التالي. لا خيار للمرء في عدد أطفاله أو جنسهم؛ فهذا أيضًا يُحدّده مصير الشخص الذي سبق الخالق فعيّنه....

المنعطف الأول: الميلاد

مكان ميلاد الشخص والعائلة التي يولد فيها وجنسه ومظهره ووقت ميلاده – هذه هي تفاصيل المنعطف الأول من حياة الشخص. لا أحد يختار تفاصيل معينة في...

اترك رد