وعد الله لإبراهيم

2019 مارس 12

(التكوين 22: 16-18) "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، يَقُولُ يَهْوَه، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي".

هذا وصفٌ كامل لبركة الله لإبراهيم. ومع أنه موجز، إلا أنه غنيٌ في محتواه: إنه يشمل سبب عطيّة الله لإبراهيم وخلفية ذلك وطبيعة ما أعطاه لإبراهيم. كما أنه يفيض بالبهجة والفرح اللذين عبّر بهما الله عن هذه الكلمات، بالإضافة إلى إلحاح اشتياقه لربح أولئك القادرين على الاستماع إلى كلماته. نرى في هذا اعتزاز الله ورقته تجاه من يطيعون كلامه ويتبعون وصاياه. كما إننا نرى الثمن الذي يدفعه لربح الناس، والرعاية والتفكير اللذين يضعهما لربحهم. إضافة إلى ذلك، يُقدّم لنا المقطع الذي يحتوي على الكلمات "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ" إحساسًا قويًّا بالمرارة والألم اللذين لم يكن يتحمّلهما سوى الله وراء كواليس هذا العمل في خطّة تدبيره. إنها عبارةٌ مُحفّزة للتفكير، وكانت تحمل دلالةً خاصة للذين جاؤوا فيما بعد، وكان لها تأثيرٌ بعيد المدى عليهم.

الإنسان ينال بركات الله بفضل صدقه وطاعته

وعد الله لإبراهيم

هل كانت البركة التي أعطاها الله لإبراهيم التي نقرأ عنها هنا رائعة؟ ما مدى روعتها بالضبط؟ توجد جملةٌ رئيسيّة هنا: "وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ". وهذه الجملة تدلّ على أن إبراهيم نال بركات لم ينلها أي شخصٍ جاء من قبله أو بعده. بحسب طلب الله، عندما أعاد إبراهيم ابنه الوحيد – ابنه الوحيد المحبوب – إلى الله (لا يمكننا هنا استخدام كلمة "قدّم"؛ ولكن يجب أن نقول إنه أعاد ابنه إلى الله)، فإن الله لم يسمح لإبراهيم بأن يُقدّم إسحاق وحسب، بل باركه أيضًا. بأيّ وعدٍ بارك إبراهيم؟ لقد باركه بالوعد بتكثير ذريته. وبأيّ عددٍ سوف يُكثّرهم؟ يُقدّم الكتاب المُقدّس الرواية التالية: "كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ". ماذا كان السياق الذي نطق فيه الله بهذه الكلمات؟ بمعنى آخر، كيف نال إبراهيم بركات الله؟ لقد نالها بحسب ما يقوله الله في الكتاب المُقدّس: "مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي". وهذا يعني أنه بسبب أن إبراهيم اتّبع أمر الله، وفعل كل ما قاله الله وطلبه وأمر به من دون أدنى شكوى، فإن الله قدّم له هذا الوعد. توجد جملةٌ حاسمة في هذا الوعد تتطرّق إلى أفكار الله في ذلك الوقت. هل رأيتموها؟ ربمّا لم تولوا تعبير الله "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ" الكثير من الاهتمام. ما يقصده هذا التعبير هو أنه عندما نطق الله هاتين الكلمتين كان يُقسِم بذاته. بماذا يُقسِم الناس عند أداء القسم؟ يُقسِمون بالسماء، أي يؤدون القسم لله ويُقسِمون بالله. قد لا يملك الناس فهمًا كافيًا لواقعة قسم الله بذاته، ولكن سوف تتمكنون من الفهم عندما أقدّم لكم التفسير الصحيح. عندما واجه الله رجلًا لا يسمع سوى كلامه ولكنه لا يفهم قلبه، شعر الله مرة أخرى بالوحدة والحيرة. في لحظة يأسٍ – ويمكن القول إنه لا شعوريًا – فعل الله شيئًا طبيعيًّا للغاية: وضع الله يده على قلبه وخاطب نفسه عندما قدّم هذا الوعد لإبراهيم، ومن هذا سمع الإنسان الله يقول "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ". من خلال أعمال الله، ربمّا تفكّر في نفسك. عندما تضع يدك على قلبك وتتحدّث إلى نفسك، هل تكون لديك فكرةٌ واضحة عمّا تقوله؟ هل موقفك صادق؟ هل تتحدّث بصراحةٍ مع قلبك؟ وهكذا، نرى هنا أنه عندما تحدّث الله إلى إبراهيم، فإنه كان جادًا وصادقًا. في الوقت نفسه الذي تحدّث فيه الله مع إبراهيم وباركه، كان الله يتحدّث أيضًا إلى نفسه. كان يقول لنفسه: سوف أبارك إبراهيم وأجعل نسله كثيرًا كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر، لأنه أطاع كلماتي، وهو مَنْ أختاره. عندما قال الله "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ"، قرّر أنه في إبراهيم سوف يأتي ببني إسرائيل المختار، وبعد ذلك سيقود هذا الشعب إلى الأمام بسرعةٍ من خلال عمله. أي أن الله كان سيجعل أحفاد إبراهيم يحملون عمل تدبير الله، وأن عمل الله وما عبّر عنه الله سوف يبدأ بإبراهيم ويستمرّ في نسل إبراهيم، ومن ثمَّ تتحقّق رغبة الله في خلاص الإنسان. ماذا ترون في هذا؟ أليس هذا شيئًا مباركًا؟ يرى الإنسان أنه لا توجد نعمةٌ أعظم من هذا؛ ويمكن القول إن هذا أعظم بركةٍ. لم تكن البركة التي نالها إبراهيم تكثير نسله، بل تحقيق الله لتدبيره ومهمّته وعمله في نسل إبراهيم. وهذا يعني أن البركات التي نالها إبراهيم لم تكن مُؤقّتة، بل استمرّت مع تقدّم خطّة تدبير الله. عندما تكلّم الله وأقسم بنفسه، كان قد اتّخذ قرارًا بالفعل. هل كانت عملية هذا القرار صادقة؟ هل كانت حقيقيّة؟ قرّر الله أنه، من ذلك الوقت فصاعداً، أن ينال إبراهيم ونسله جهود الله والثمن الذي دفعه وما لديه وما هو عليه وكل شيءٍ، وحتّى حياته. كما قرّر الله أنه بدءًا من هذه المجموعة من الناس سوف يكشف عن أعماله ويسمح للإنسان بأن يرى حكمته وسلطانه وقدرته.

رغبة الله الثابتة هي كسب أولئك الذين يعرفون الله وقادرون على الشهادة له

في الوقت نفسه الذي كلّم فيه الله ذاته، تكلّم أيضًا مع إبراهيم، ولكن بصرف النظر عن سماع البركات التي وهبها الله له، هل كان إبراهيم قادرًا على فهم رغبات الله الحقيقيّة في جميع كلماته في تلك اللحظة؟ كلا، لم يكن! وهكذا، في تلك اللحظة، عندما أقسم الله بذاته، كان قلبه لا يزال وحيدًا وحزينًا. لم يوجد شخصٌ واحد قادر على فهم أو استيعاب ما قصده الله وخطّط له. في تلك اللحظة، لم يتمكّن أيّ شخصٍ – بما في ذلك إبراهيم – من التحدّث إليه واثقًا، ولم يوجد أيّ شخصٍ قادر على التعاون معه في أداء العمل الذي ينبغي عليه إتمامه. من الناحية الظاهريّة، ربح الله إبراهيم، وربح شخصًا يمكنه أن يطيع كلامه. ولكن في الواقع، لم تكن لدى هذا الشخص أدنى معرفة بالله. ومع أن الله بارك إبراهيم، إلا أن قلب الله لم يكن راضيًا بعد. ما معنى أن الله لم يكن راضيًا؟ هذا يعني أن تدبيره كان قد بدأ للتوّ، وأن الناس الذين أراد ربحهم، والشعب الذي تاق لرؤيته، والشعب الذي أحبّه، كانوا لا يزالون بعيدين عنه. لقد كان بحاجةٍ إلى الوقت، وكان بحاجةٍ إلى الانتظار، وكان بحاجةٍ إلى التحلّي بالصبر. لأنه في ذلك الوقت، بصرف النظر عن الله نفسه، لم يعرف أحدٌ ما الذي كان يحتاجه، أو ما كان يرغب في ربحه، أو ما كان يتوق إليه. وهكذا، في الوقت نفسه الذي كان الله يشعر فيه بالحماس، كان يشعر أيضًا بحزنٍ في قلبه. ومع ذلك، لم يوقف خطواته وواصل التخطيط للخطوة التالية لما كان ينبغي عليه أن يفعله.

ماذا ترون في وعد الله لإبراهيم؟ منح الله إبراهيم بركات عظيمة لمُجرّد أنه أطاع كلام الله. ومع أن هذا يبدو من الناحية الظاهريّة طبيعيًا وبديهيًّا، إلا أننا نرى فيه قلب الله: فالله يُثمّن على وجهٍ خاص طاعة الإنسان له، ويعتزّ بفهم الإنسان له وصدقه أمامه. ما مقدار اعتزاز الله بهذا الصدق؟ قد لا تفهمون مقدار اعتزازه به، وربمّا لا يوجد مَنْ يدرك ذلك. رزق الله إبراهيم بابنٍ، وعندما كبر ذلك الابن، طلب الله من إبراهيم تقديمه له. اتّبع إبراهيم أمر الله بالحرف، وأطاع كلمته، فأثار صدقه مشاعر الله وأصبح موضع اعتزاز الله. كم قدّر الله هذا؟ ولماذا قدّره؟ في وقتٍ لم يكن أحدٌ يستوعب كلمات الله أو يفهم قلبه، صنع إبراهيم شيئًا رجّ السماوات وجعل الأرض ترتجف، وجعل الله يشعر شعورًا غير مسبوقٍ بالرضا، وغمره بفرحة ربح شخصٍ استطاع أن يطيع كلماته. نبع هذا الرضا والفرح من مخلوقٍ صنعته يد الله، وكانت أول "ذبيحة" قدّمها الإنسان لله فكان مصدر تقديرٍ كبير من الله منذ أن خُلق الإنسان. مرّ الله بوقتٍ عصيب في انتظار هذه الذبيحة، وتعامل معها بصفتها أول هديةٍ من الإنسان الذي خلقه. فقد أظهرت لله أول ثمرةٍ لجهوده وللثمن الذي دفعه، وسمحت له برؤية الرجاء في الجنس البشريّ. بعد ذلك، كان الله لديه شوقٌ أكبر لمجموعة من مثل هؤلاء الناس ليبقوا في رفقته، ويتعاملوا معه بصدقٍ، ويتعهّدوا له بأمانةٍ. كان الله يأمل حتّى في أن يستمرّ إبراهيم حيًّا؛ لأنه كان يرغب في أن يرافقه قلب مثل قلب إبراهيم، وأن يكون معه أثناء استمراره في تدبيره. مهما كان ما أراده الله، فقد كانت مُجرّد رغبة، مُجرّد فكرة – لأن إبراهيم كان مُجرّد رجل استطاع إطاعة الله، ولم يكن لديه أدنى فهمٍ عن الله أو معرفة به. كان إبراهيم شخصاً لا يرقى لمستوى متطلّبات الله من الإنسان؛ وهي: معرفة الله والقدرة على الشهادة لله والانسجام مع الله. لذا لم يستطع إبراهيم السير مع الله. رأى الله في تقدمة إبراهيم إسحاق إخلاص إبراهيم وخضوعه، ورأى أنه تحمّل امتحان الله له. ورغم أن الله قَبِلَ إخلاص إبراهيم وخضوعه، كان لا يزال غير جديرٍ بأن يصبح مقربًا من الله، وأن يصبح شخصًا عرف الله وفهمه، وكان على معرفة بشخصيّة الله؛ كان بعيدًا عن أن يكون عقلًا واحدًا مع الله ويتبع مشيئته. وهكذا، كان الله في قلبه لا يزال وحيدًا وقلقًا. وكلّما زادت وحدة الله وقلقه، زادت حاجته إلى مواصلة تدبيره في أقرب وقتٍ ممكن، وأن يكون قادرًا على اختيار مجموعة من الناس وربحهم في أقرب وقتٍ ممكن، لإنجاز خطّة تدبيره وتتميم مشيئته. كان هذا هو مقصد الله المتلهف، وقد ظلّ من دون تغييرٍ منذ البداية وحتّى اليوم. منذ أن خلق الله الإنسان في البداية، كان يتوق باستماتة إلى مجموعةٍ من الغالبين، مجموعة من الناس قادرة على فهم شخصيّته ومعرفتها واستيعابها، لكي تسير معه. لم يتغير مقصد الله هذا قط. بغضّ النظر عن طول المدة التي ما يزال على الله أن ينتظرها، وبغضّ النظر عما قد تكون عليه صعوبة الطريق أمامه، وبغضّ النظر عما قد يكون عليه بُعد الأهداف التي يتوق إليها، فإنه لم يُغيّر توقّعاته من الإنسان قط أو يتخلّ عنها. والآن بعد أن قلت هذا، هل تدركون شيئًا عن رغبة الله؟ ربمّا يكون ما أدركتموه غير عميقٍ للغاية – ولكنه سوف يأتي تدريجيًّا!

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (2)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

مفهوم الخطية في الكتاب المقدَّس: كيف يمكن للمسيحيين أن يتخلصوا من الخطية؟

ما هو مفهوم الخطية في الكتاب المقدس؟ لماذا كثيرًا ما يصلّي المسيحيون أمام الرَّب ليعترفوا بخطاياهم ويتوبوا، ومع ذلك يستمروا في الخطية بعد ذلك. كيف يمكن للمسيحيين أن يطرحوا عنهم الخطية؟ اقرأ هذا المقال لتجد طريق الهروب من الخطية.