16. خلف الصمت

عندما بدأت في أداء واجبي لأول مرة، رأيت أن الإخوة والأخوات الذين عملت معهم في التحرير كانوا من ذوي الخبرة. ويفهمون المبادئ. كانوا يتمتعون بمقدرة جيدة. كان لدى الجميع بعض التمييز حول من يفهم الحق ومن يمتلك موهبة حقيقية وتعليمًا قويًا. أزعجني هذا قليلًا. كنت متوسطة المستوى ولم أكن أملك واقع الحق، لذا، إذا عبَّرت عن آرائي بشكل عابر في مناقشاتنا، ألن يكون ذلك مثل محاولة تعليم الأسماك السباحة؟ لا يهم إذا اتضح أنني على حق، ولكن بخلاف ذلك، كان الجميع سيظنون أنني كنت أستعرض نفسي رغم فهمي الضحل للحق. شعرت أن هذا سيكون محرجًا للغاية. كنت أحذِّر نفسي باستمرار للابتعاد عن الأضواء، وللاستماع أكثر مما أتحدث. وهكذا، عندما كنا جميعًا نستكشف المشاكل معًا، نادرًا ما كنت أشارك ما أفكر فيه. كانت هناك مرة واحدة قدمت فيها اقتراحًا، واتفق الجميع على أنه لم يكن النهج الصحيح، فشعرت بالإذلال الشديد، وفكرت أنه لا ينبغي أن أتهور بالكلام، وإلا سأجعل من نفسي أضحوكة وأظهر حماقتي. فكرت في المضي قدمًا بحذر والاحتفاظ بآرائي لنفسي. في المناقشات التي تلت ذلك، حرصت على عدم التطوع بعرض ما كنت أفكر فيه، والسماح للآخرين بعرض آرائهم أولًا.

انضمت أخت لاحقًا إلى فريقنا وكانت تتمتع بمقدرة جيدة جدًا وكانت تتمتع حقًا بالبصيرة، وعُينت للعمل معي. ذات مرة عندما كنا نتحدث عن مشكلة، كان لدي بعض الأفكار التي أردت مشاركتها، ولكن بعد ذلك قلقت أنَّ إذا كان تفكيري غير صائب وما قلته لا يمكن أن يصمد أمام التدقيق، فقد تعتقد هذه الأخت الجديدة أنني بسيطة وساذجة، وتنكشف حقيقتي. لا أريدها أن تنظر إليّ بازدراء. قررت أن أنسى الأمر، وأن أسمع فقط ما كان عليها قوله. وأثناء عملنا على حل هذه المشكلة خلال اليومين التاليين، بالكاد شاركت بوجهة نظري الخاصة، لكن اخترت فقط أن أتفق مع وجهة نظرها، متصورة أن ذلك سيوفِّر عليّ بعض الإحراج المحتمل ويجعل الأمور أسهل. نظرًا لأنني لم أتحدث كثيرًا، شعرت بأن بيئتنا التعاونية مملة للغاية. أحيانًا عندما تواجه مشكلة ولا أشاركها برأيي، كنا نعلَق في المشكلة. كانت إنتاجيتنا منخفضة حقًا وكان تقدم عملنا العام معطلًا. مع مرور الوقت، كنت أعبِّر عن رأيي أقل وأقل، وحتى لو كان لي رأي بالفعل، كنت أفكر فيه مليًا في عقلي قبل أن أفتح فمي. كنت أشعر بالاكتئاب حقًا ولم أحقِّق أي شيء تقريبًا في واجبي؛ لقد كنت عالقة في تلك الحالة، وشعرت بالكآبة والاضطراب بشكل غريب. في هذا الوقت أتيت أمام الله لأصلي قائلة: "يا الله، لا أستطيع أن أشعر بأي استنارة من الروح القدس في واجبي هذه الأيام، وبالكاد أحقق أي تقدم في العمل. لا أعرف أي شخصيات فاسدة تثير اشمئزازك أحيا فيها. أرجوك أرشدني لأعرف نفسي". ذات يوم عندما كنت أقوم ببعض التأملات الذاتية في عباداتي، خطرت لي كلمة "مراوغة". وجدت هذا في بحثي عن كلمات من الله ذات صلة: "ربما لا ينفتح شخصٌ ما ولا يبوح بما يفكر فيه للآخرين، وفي كل ما يقوم به، لا يتشاور مع الآخرين مطلقًا، بل يكون -بدلاً من ذلك- منغلقًا وفيما يبدو متحفظًا في كل مرة مع الآخرين. فيخفون أنفسهم بقدر المستطاع. أليس هذا بشخصٍ ماكر؟ فإذا كان لديه -على سبيل المثال- فكرة يراها ألمعية، وفكر في نفسه: "سوف أحتفظ بها لنفسي الآن؛ فربما لو شاركتها الآخرين، لاستخدمتموها وسرقتم الأضواء مني. سوف أمتنع إذن." أو إذا كان ثمة ما لا يفهمه فهمًا تامًا، فإنه يفكر في نفسه: "لن أتكلم صراحة الآن. فماذا لو تكلمتُ، ثم قال آخر أمرًا أفضل. ألن أبدوا كأحمق؟ الجميع سوف يراني على حقيقتي، ويرى ضعفي في هذا. ينبغي لي ألا أنبس ببنت شفة." لذلك، وبغض النظر عن الرؤية أو المنطق، وبغض النظر عن الدافع الأصلي، فإنهم يتخوفون من أن يراهم الجميع على حقيقتهم، ويتعاملون دائمًا مع واجبهم ومع الناس والأمور والأحداث بهكذا منظور ونزعة. أي نوع من الشخصيات تلك؟ إنها شخصية ملتوية وغاشة وشريرة" (من "لا يستطيع المرء أن يتمتّع بإنسانية طبيعية إلّا إن مارس الحق" في "تسجيلات لأحاديث مسيح الأيام الأخيرة"). تركتني قراءة هذا بقلب مُثقَل. كشفت كلمات الله عن حالتي الحقيقية تمامًا وكانت عبارة "إنها شخصية ملتوية وغاشة وشريرة" مؤثرة حقًا ومربكة بالنسبة إليّ. لقد رأيت أنني كنت مليئة بالمكائد، من جراء عدم التصريح المباشر أو التعبير عن رأيي بشكل عابر، رغم أنني شعرت أنني كنت أبدو عاقلة للغاية. كان لدي وجهات نظري وآرائي حول المشاكل التي واجهناها، ولكن عندما كنت لا أشعر بأنني مسيطرة على الأمور تمامًا، كنت خائفة من رفضهم لما أقوله، ومن أن أتعرض للحَرج وأن ينظر إلىّ الآخرون بازدراء. لذا، كنت أحجِم عن الكلام، وآخذ فكرة أولًا عما يعتقده الآخرون ثم أواصل. ألم يكن ذلك التصرف مراوغًا وماكرًا؟ لطالما اعتقدت أن هذا ينطبق فقط على أولئك الأشخاص في المجتمع الذين كانوا يدبرون المكائد باستمرار، والذين كانوا غادرين وماكرين. اتفق جميع أصدقائي وزملائي في العالم على أنني شخصية بريئة، ولا أضمر أي دوافع خفية في أفعالي. لم أحب أبدًا الأشخاص الذين كانوا مراوغين مثل الثعالب، أو يحاولون باستمرار معرفة اتجاه الرياح. لم أفكر في نفسي أبدًا على أنني مثل هؤلاء. لكن بعد ذلك رأيت أنه رغم أنني لم أقل أي أكاذيب صريحة ولم أفعل أشياء مثل هؤلاء الأشخاص تمامًا، كنت لا أزال مدفوعة بطبيعتي الماكرة. كنت حريصة على استبيان ردود أفعالهم في كل ما أقوله وأفعله، وكنت أسير مع التيار، وأخشى من أن أبدو عديمة الكفاءة وأن يعرف الناس حقيقتي. كنت غير صادقة في كل المواقف، وأتنكر حتى أحمي سمعتي. لم أكن أشارك برأيي في مواجهة أي صعوبات في واجبي، كنت ماكرة ومخادعة وأخفيت آرائي، ولم أكد أفكِّر في مصالح بيت الله. أدركت أخيرًا أنني في الواقع شخصية مراوغة وماكرة. لطالما اعتقدت أن قلة كلامي كانت مجرد جزء من شخصيتي، ولم أحلل حقًا الشخصية الشيطانية التي كانت وراء ذلك. عندها فقط رأيت مدى ضَعف معرفتي بنفسي.

كان هناك مقطع آخر من كلام الله قرأته وساعدني حقًا في استيضاح الأمور. يقول الله، "يفسد الشيطان الناس من خلال التعليم ونفوذ الحكومات الوطنية والمشاهير والعظماء؛ فقد أصبحت كلماتهم الشيطانية تمثّل طبيعة حياة الإنسان. اللهمّ أسألك نفسي، فليخلّص كل واحد نفسه مقولة شيطانيَّة معروفة غُرست في نفس كل إنسان وأصبح ذلك حياة الإنسان. ثَمَّة كلمات أخرى عن فلسفات العيش تشبه تلك العبارة. يستخدم الشيطان الثقافة التقليدية الراقية لكل أمة ليُعلِّم الناس، فيدفع بالبشرية نحو السقوط في هوة هلاك لا قرار لها تبتلعهم، حتى يفنيهم الله في النهاية لأنهم يخدمون الشيطان ويقاومون الله. ... ما زالت توجد سموم شيطانية كثيرة في حياة الناس، وفي سلوكهم وتصرفاتهم؛ فهم يكادون لا يملكون أي حقٍّ على الإطلاق. على سبيل المثال، تمتلئ فلسفاتهم للعيش، وطرقهم في عمل الأشياء، ومسلَّماتهم، بسموم التنين العظيم الأحمر، وتأتي جميعها من الشيطان. وهكذا فإن جميع الأشياء التي تسري داخل عظام الناس ودمهم كلها أشياء من الشيطان. ... يسري سُمّ الشيطان في دم كل شخص، ويمكن رؤية أن طبيعة الإنسان فاسِدة وشريرة ورجعية، ممتلئة بفلسفات الشيطان ومنغمسة فيها – فهي طبيعة خائنة بوجه عام لله. هذا هو السبب في أن الناس يقاومون الله ويقفون في مواجهته" (من "كيفية معرفة طبيعة الإنسان" في "تسجيلات لأحاديث مسيح الأيام الأخيرة"). خاطب كلام الله أعماق قلبي. رأيت أنني كنت أؤيد الفلسفات الشيطانية طوال الوقت: "اسمع أكثر مما تتكلم" و"إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، ومن يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا" بكوني "جهاز استقبال" بدلًا من "مكبر صوت" مع الآخرين، لن أضطر إلى إظهار نقاط ضعفي أو أن أبدو حمقاء. من خلال كتمان ما أردت قوله، لم تظهر العديد من أفكاري الخاطئة أبدًا، لذلك بالطبع لا يمكن لأحد أن يشير إلى أخطائي أو يختلف معي. بهذه الطريقة يمكنني حفظ ماء الوجه، وأقنعني هذا أكثر أن اتباع عبارة "السكوت من ذهب" و"اسمع أكثر مما تتكلم" كان أفضل طريقة للتغلب على هذه المشكلة. بعد قبول عمل الله القدير في الأيام الأخيرة، ما زلت لا يسعني إلا أن أستمر في ترك هذه الأشياء تُملي عليّ تفاعلاتي مع الإخوة والأخوات. شعرت أنني طالما لم أقل الكثير أو أبقيت فمي مغلقًا، لا يمكن لأحد أن يعرف نقائصي الشخصية وأوجه القصور لديّ، ويمكنني حماية صورتي. لقد عشت بحسب هذه الفلسفات الشيطانية، وكلما كنت أرغب في مشاركة وجهة نظري، كنت دائمًا ما أحسب خسارتي أو مكسبي وماذا سيعتقد الآخرون. إذا اعتقدت أن هناك فرصة لإحراج نفسي، سأختار السير في الطريق الآمن، بعدم قول أو فعل أي شيء. جعلتني هذه السموم الشيطانية أكثر مراوغة وأكثر مكرًا، وجعلتني أكثر تشككًا في الآخرين وأكثر حذرًا منهم طوال الوقت. ورفضت أن آخذ زمام المبادرة للتواصل والانفتاح، وكان عملي مع الآخرين محبطًا ورتيبًا حقًا. لم يكن من الممكن أن أقوم بعمل لائق في واجبي بهذه الطريقة.

وعندما أدركت ذلك، أتيت أمام الله وصليت، طالبة منه أن يرشدني لعلاج هذا الجانب من شخصيتي الفاسدة. بعد ذلك بذلت مجهودًا واعًيا في المناقشات مع الإخوة والأخوات لأبتعد عن دوافعي الشخصية، وابدأ في كشف أفكاري طوعًا، دون القلق حيال الصورة التي ستجعلني أبدو عليها. رغم أن أفكاري لم تكن مكتملة، كنت أعرضها على الإخوة والأخوات للمناقشة والحوار. عندما واجهنا صعوبات في واجبنا، كان الجميع يصلِّي ويسعى معًا، وكلهم يتواصلون مع بعضهم بعضًا. أمكننا أن نجد طريقة للمضي قدمًا بهذا الشكل. لكن بما أن الشيطان قد أفسدني بشدة، كان لا يزال هناك الكثير من المرات التي لم أستطع فيها إلا أن أتصرف وفقًا لشخصيتي الفاسدة. ذات مرة في مناقشة حول موضوع يخص واجبنا، تصادف وجود اثنين من المشرفين. وفكرت في نفسي: "إن طرح الأفكار مع الإخوة والأخوات أمر جيد ورائع، ولكن مع وجود المشرفين هنا، ماذا سيظنون عن مقدرتي إذا كان تفكيري خاطئًا، أو فهمي غير صائب؟ ماذا لو اعتقدوا أنني لست مناسبة لأداء هذا الواجب واستبعدوني من الفريق ماذا سيظن الآخرون بي؟ لن أتمكن أبدًا من رفع رأسي مرة أخرى". نتيجة هذه المخاوف، لم أنطق بكلمة واحدة في المناقشة بأكملها. بينما كنا نختتم، سألني أحد المشرفين لماذا لم أقل شيئًا على الإطلاق. شعرت حقًا بالحرج والذنب أيضًا، ولم أكن أعرف ماذا أقول ردًا على ذلك. أخيرًا، قلت: "كان هذا عَرْضًا لشخصيتي الماكرة؛ فأنا أخاف من قول الكثير، لذلك لم أجرؤ على فتح فمي". لكن بعد الواقعة، كنت لا أزال أشعر بعدم الارتياح. رغم أنني اعترفت بالفساد الذي كنت أظهره، هل سأظل أفعل نفس الشيء في المرة القادمة التي أجد فيها نفسي في هذا النوع من المواقف؟ عند التفكير في هذا، رأيت أنه رغم أنني كنت أمتلك بعض المعرفة الذاتية، وأنني بتصريحي بهذه المشكلة أظهرت أنني ضد كلام الله، كنت ما زلت لا أملك سوى أن أعيش وفقًا لهذه الشخصية الفاسدة في مواجهة التحدي. لم أتب ولم أتغير حقًا. وقفت أمام الله لأصلي، وأطلب منه أن يرشدني لأعرف نفسي حقًا.

قرأت لاحقًا هذا المقطع من كلام الله: يقول الله القدير، "يؤمن أضداد المسيح بأنهم إذا كانوا مغرمين دائمًا بالحديث وبفتح قلوبهم للآخرين، فإن الآخرين سوف يعرفونهم على حقيقتهم، ويرونهم بلا عمق، بل مجرد أفراد عاديين، حينئذٍ لن يعودوا يحترمونهم. لكن ما معنى عدم احترام الآخرين لهم؟ إنه يعني أنهم لم يعودوا يتمتعون بمكانة مرموقة في قلوب الناس، وأنهم يبدون عاميين للغاية وبسطاء للغاية وعاديين للغاية. وهذا ما لا يرغب أضداد المسيح في رؤيته؛ ولهذا، عندما يرون شخصًا آخر في جماعة يكشف نفسه دائمًا ويقول إنه لطالما كان سلبيًا ومتمردًا على الله، ويكشف الأمور التي أخطأ فيها بالأمس، وأنهم اليوم، متأزمون ومتألمون لأنهم لم يكونوا أمناء؛ فأضداد المسيح لا يقولون تلك الأمور مطلقًا، بل يخفونها في أعماقهم. بعضهم قليل الكلام لأن إمكاناتهم ضعيفة وذهنهم ساذج، وليس لديهم الكثير من الأفكار؛ لذلك فإن الكلمات التي يقولونها قليلة. لا تتكلم فئة أضداد المسيح إلا قليلاً أيضًا، لكنَّ ذلك ليس سببًا، بل بالحري مشكلة في شخصيتهم. إنهم يتكلمون قليلاً عندما يرون آخرين، وعندما يتكلم آخرون في شأنٍ ما، فإنهم لا يقدمون رأيًا بسهولة. لكن لماذا لا يقدمون آراءهم؟ أول كل شيء، إنهم يقينًا لا يملكون الحق، ولا يمكنهم أن يتبصروا في جوهر أي أمر؛ لذلك، فبمجرد أن يشرعوا في الحديث يخطئون، ويراهم الآخرون على حقيقتهم. لذلك، يصطنعون الصمت والعمق، فيجعلون الآخرين غير قادرين على تقييمهم بدقة، بل حتى يدفعونهم إلى الاعتقاد بأنهم متقدو الذكاء ومتميزون، وبهذه الطريقة، لن يراهم أحدٌ تافهين، لكن حينما يرى الناس هدوءهم ورباطة جأشهم يُخدعون فيهم، ولا يجرؤون على التقليل من شأنهم. ذلك هو مكر أضداد المسيح وشرهم؛ إذ يُعَد عدم قيامهم بتقديم آراء بسهولة جزءًا لا يتجزأ من شخصيتهم تلك. إنهم لا يقدمون آراء بسهولة ليس لأنه لا توجد لديهم آراء؛ فلديهم بعض الآراء الخادعة والملتوية التي لا تتوافق مطلقًا مع الحق، بل وحتى بعض الآراء التي لا يمكنها أن تظهر للعلن، لكن وبغض النظر عن نوعية الآراء لديهم، فإنهم لا يقدمونها بالمجان، وذلك ليس لخوفهم من احتمال أن ينل الآخرون الاستحسان عنها، لكن لرغبتهم في إخفائها؛ فهم لا يجرؤون على طرح آرائهم بوضوح خوفًا من أن يظهروا على حقيقتهم... إنهم يدركون حجمهم الحقيقي، ولديهم حافز آخر، لكنه الأكثر خزيًا على الإطلاق: إنهم يرغبون في تبوء مكانة رفيعة. أليس هذا غاية القبح؟" (من "يتعاملون بطريقةٍ غادرة ويتصرَّفون بطريقةٍ فرديَّة وديكتاتوريَّة ولا يتشاركون أبدًا مع الناس ويجبرون الناس على الطاعة" في "كشف أضداد المسيح"). كل كلمة من كلام الله صدمتني حتى النخاع. فكرت في مقولتي "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"، و"من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا" كنت أحمي صورتي فحسب، وأخشى من قول الشيء الخطأ، وأن أتعرض للسخرية والإذلال، لكن ما كنت أريده حقًا هو أن أربح مكانة في عيون الآخرين. أردت في كل ما قلته، وكل الآراء التي عبَّرت عنها أن أربح إعجاب الآخرين واستحسانهم، للحصول على إطرائهم. لتحقيق هذه الغاية، كنت مخادعة وأخفيت حقيقتي، وكنت دائمًا أمعن التفكير، ويصيبني الهوس بكل ما أقوله وأفعله لأبدو عميقة التفكير وصاحبة نظرة ثاقبة. في المناقشات مع المشرفين، كنت مشغولة بشكل خاص بحماية صورتي ومكانتي، لذلك لم أجرؤ على مشاركة آرائي، وتصورت أنه لن تكون هناك مشكلة لو كنت على حق، لكن إنْ لم أكن كذلك، فسأكشف عن عدم فهمي. عندئذ إذا تلاشى إعجاب المشرفين بي وفقدت واجبي، فإن وضعي بين الجميع سيُدمَّر تمامًا. أبقيت فمي مغلقًا لأنني أضمرت هذه الدوافع الشريرة، وخشيت الإفصاح عن أفكاري وآرائي، ولم أجرؤ حتى على النطق بعبارة بسيطة مثل: "لست متأكدة من أنني أفهم هذا". كان ذلك حقيرًا، ومخجلًا للغاية! أدركت أنني في تعاوني مع الآخرين في أداء واجبي، والتفاعلات يومًا بعد يوم مع الإخوة والأخوات، كنت هادئة وبدا أنني صادقة من الخارج، لكنني كنت ماكرة من الداخل. كنت أخفي قبحي وأتخفى وأضلل الآخرين. وحتى في الاجتماعات عندما نقدم شركة حول الحق، ونتحدث عن المشاكل، كنت أسير مع التيار، أملًا في الحفاظ على وضعي وصورتي في عيون الآخرين. لقد أحببت صورتي وسمعتي أكثر بكثير مما أحببت الحق والبر. كانت هذه بالكامل الشخصية الماكرة والشريرة لضد المسيح التي كنت أكشف عنها. في هذه المرحلة من تأملي، رأيت مدى خطورة وضعي. فكرت كيف قال الله في عصر النعمة لأولئك الذين فشلوا في تنفيذ مشيئته: "فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! ٱذْهَبُوا عَنِّي يافَاعِلِي ٱلْإِثْمِ!" (متى 7: 23). كان لديَّ إيمان، لكنني لم أمارس كلام الله، ولم أتخذ أي إجراء عملي لإرضاء الله؛ لم أتمكن من فتح قلبي للإخوة والأخوات في الشركة وأن أكون صادقة. بدلًا من ذلك، كنت أخفي دائمًا جانبي غير المرغوب فيه، وأحاول كل شيء لحماية صورتي وتضليل الآخرين حتى ينظروا إليّ باحترام. كنت أجاهد مع الله من أجل المكانة، وكنت أسير في طريق ضد المسيح بمعارضتي لله. كنت أعلم أنني إذا لم أتب، فسيقصيني الله في النهاية. لقد ملأني فهم هذا الأمر أخيرًا بالاشمئزاز من طبيعتي الفاسدة، وجعلني أيضًا أرى كيف أن الاستمرار في هذا النوع من السعي سيكون محفوفًا بالمخاطر. كان عليّ أن أقف أمام الله وأتوب وأهمل الجسد وأمارس كلام الله.

عندما فتحت قلبي للإخوة والأخوات عن حالتي بعد ذلك، أرسلت لي أخت مقطعًا من كلام الله القدير: "عندما يؤدي الناس واجبهم، أو يقومون بأي عملٍ أمام الله، ينبغي أن تكون قلوبهم نقية كقنينة ماء شفافة كالبلور، وأن تكون نوازعهم سليمة. لكن ما النوعية السليمة من النوازع؟ مهما كان ما تقوم به، فبوسعك أن تشارك الآخرين ما في قلبك مهما كان، والأفكار التي قد تكون لديك مهما كانت؛ فإن قالوا إن فكرتك لن تنجح، وطرحوا اقتراحًا آخر، فتستمع وتقول: "فكرة حسنة، فلنشرع فيها، ففكرتي لم تكن حسنة، بل تفتقر إلى الرؤية، وغير ناضجة". سوف يرى الجميع من كلامك وأفعالك أن لديك مبادئ واضحة في سلوكك، ولا يوجد ظلام في قلبك، وأنك تسلك وتتكلم بصدق، وتعتمد على نزعة الأمانة. تسمي الأشياء بأسمائها. لو أنَّ أمرًا قد كان، فهو كذلك، وإن لم يكن، فهو لم يكن. لا خدع، ولا أسرار، بل شخص شفاف للغاية. أليس هذا نوعًا من النزعة؟ تلك نزعة تجاه الناس والأحداث والأمور تعبر عن شخصية ذلك الشخص" (من "لا يستطيع المرء أن يتمتّع بإنسانية طبيعية إلّا إن مارس الحق" في "تسجيلات لأحاديث مسيح الأيام الأخيرة"). قرأت هذا المقطع من كلام الله أيضًا: "إن الله يقول للناس ألا يكونوا غاشين، بل أمناء، وأن يتوخوا الأمانة فيما يقولونه وما يفعلونه. تبرز أهمية قول الله هذا في أنَّه يسمح للناس باقتناء صورة بشرية حقيقية، حتى لا تكون لهم صورة الشيطان الذي يتكلم كحية تسعى على الأرض، ولا تكف عن المراوغة، وتخفي حقيقة الأمر. بعبارة أخرى، لقد قيل هذا الكلام لعل الناس يستطيعون -سواء في الكلمة أو في الفعل- أن يحيوا حياةً محترمة ومستقيمة، دونما جانب مظلم، أو أي شيء مخزٍ، بقلبٍ نظيف، حيث ينسجم ما هو ظاهر مع ما هو باطن؛ فيقولون ما يفكرون فيه في قلوبهم مهما كان، ولا يخدعون أحدًا أو يخدعون الله، ولا يخفون أمرًا، بل تكون قلوبهم كقطعةٍ من أرضٍ نقية. ذلك هو هدف الله من مطالبته للناس بأن يكونوا أمناء" (من "الإنسان هو المستفيد الأكبر من خطة تدبير الله" في "تسجيلات لأحاديث مسيح الأيام الأخيرة"). رأيت في هذه المقاطع أن الله يحب الصادقين. الشخص الصادق بسيط وصريح، دون أي غش أو مكر تجاه الله، ويعامل الآخرين ببراءة. ويتحدث عما في قلبه دون مواربة، حتى يتمكن كل من الله والإنسان من رؤية قلبه الحقيقي. هذه هي الطريقة التي يجب أن يقدم بها الشخص نفسه، في وضع مستقيم وصريح. الشخص الصادق يحب الحق ويحب الأشياء الإيجابية، حتى يربح الحق بسهولة أكبر ويمكن أن يكمّله الله. أنا، من ناحية أخرى، لا أستطيع أن أقول كلمة واحدة صادقة من القلب في تفاعلاتي وتعاوني مع الآخرين. لم تكن هناك شفافية في كلامي وأفعالي، وكنت غامضة وماكرة، ولم يكن هناك طريقة لأتمكن بها من فهم الحق وربحه. في الواقع، يعلم الله مقدرتي بالتفصيل، وكذلك مدى عمق فهمي للحق. ربما أكون قادرة على خداع الآخرين بحجبي لأفكاري، لكنني لن أخدع الله أبدًا. كان بوسع الله أن يرى كيف كان تلاعبي وسلوكي غير الأمين شريرًا ومثيرًا للاشمئزاز. لذلك كان من المستحيل أن يعمل على إرشادي. ومع ذلك، فإن ممارستي للحق كما يطلب الله وكوني إنسانة أمينة، وفتح قلبي للآخرين، سواء كنت مخطئة في وجهة نظري أم لا، لن يكون مرهقًا جدًا بالنسبة إليّ، كما أنه يجلب الفرح لله أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، فقط من خلال كلامي يمكنني معرفة أين أخطأت؛ ثم يمكن للآخرين إعطائي مؤشرات ومساعدتي، وهي الطريقة الوحيدة بالنسبة لي لإحراز تقدم. رغم أن هذا يعني أنني سأفقد ماء وجهي قليلًا، فإنه مفيد جدًا لفهمي للحق ولنموي في الحياة.

قبل الآن، لم يكن لديَّ أي فكرة عن كيفية التصرف. ولكن بمجرد أن قادنا الله من يدنا ليعلمنا كيف نتحدث ونتصرف، يمكننا أن نحيا بحسب الشَبَه الإنساني. لقد فهمت نوايا الله الصادقة وشعرت بالتشجيع حقًا، وربحت أيضًا مسارًا للممارسة. بعد ذلك عند العمل مع الإخوة والأخوات أو التواصل مع المشرفين في واجبي، بدأت أعمل على فتح قلبي وعدم التكتم، والتوقف عن حماية سمعتي ومكانتي. حاولت مشاركة ما اعتقدته حقًا، لأكون صريحة مع الإخوة والأخوات. وتمكنت من أن أخبرهم بصراحة أنني لم أدرس أفكاري جيدًا، أو أن فهمي كان سطحيًا أو أن تفكيري كان بسيطًا، وأنني أرحب بتصحيحهم ما كان ناقصًا. لقد حررتني ممارسة القيام بهذا حقًا. وقول شيء خاطئ لم يكن مهينًا لي؛ في الواقع، كان التخفي وخلق وجهة زائفة باستمرار لحث الآخرين على الإعجاب بي، مرائية وصفاقة. وسرعان ما بدأت العمل جنبًا إلى جنب مع الأخت التي كانت الأقدم في الفريق. لقد أبلت بلاءً حسنًا في عملنا وفي الشركة حول الحق، لذلك كنت مترددة في التعبير عن وجهات نظري في عملي معها حتى لا أكشف عن عيوبي، ولأبدو أكثر عقلانية. عندما أطلَّت هذه الفكرة برأسها، أدركت على الفور أنني كنت أرغب مرة أخرى في التخفي، لذلك صليت إلى الله وأهملت ذاتي. في مناقشات عملي مع تلك الأخت منذ ذلك الحين، لم أعد أوقف نفسي، ولكن تطوعت لمشاركة وجهة نظري. ساعدتني هذه المناقشات المتبادلة في معرفة ما إذا كانت وجهة نظري صحيحة حقًا أم لا، وأين يمكن أن تكون معيبة. كانت قادرة على رؤية نقاط ضعفي وإعطائي اقتراحات وفقًا لذلك. سمح لي هذا النوع من التعاون بإحراز تقدم في عملي وفي مجال استيعاب المبادئ. كانت تجربتي أنه من خلال التواصل والتحدث مع الآخرين طوعًا، وكوني إنسانة صادقة، وأؤدي واجبي في مواجهة الله مباشرة، تبدَّد الظلام الذي في قلبي قليلًا، وشعرت براحة أكثر. بدأت أيضًا في أداء واجبي بشكل أفضل. أقدم الشكر القلبي لله على إرشاده!

السابق: 15. بعد الأكاذيب

التالي: 17. لم يعد ضَعف المقدرة ذريعة

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

62. النهوض في مواجهة الفشل

قبل أن أؤمن بالله، تعلمت على يد الحزب الشيوعي الصيني. ولم أفكر في شيء سوى كيف أصنع من نفسي شيئًا وأن أشرّف عائلتي. بعد ذلك، تقدمت لاختبارات...

1. أنا محظوظ بخدمة لله

يقول الله القدير، "بماذا يتحقق تكميل الله للإنسان؟ بواسطة شخصيته البارّة. تتكوَّن شخصية الله في المقام الأول من البر والنقمة والجلال...

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب