ترنيمة حياة وسط الخراب

2019 نوفمبر 19

بقلم غاو جينغ – مقاطعة خِنان

حظيت في عام 1999 بقبول عمل الله القدير في الأيام الأخيرة. وأدركت من خلال قراءة كلام الله ما يتمتع به كلامه من سلطان وقوة، وشعرت أن هذا الكلام كان صوت الله. لقد تأثرت تأثرًا لا يمكن وصفه عندما استطعت سماع الكلام الذي يعبِّر عنه الخالق للبشرية، وشعرت للمرة الأولى في أعماق روحي بالسلام والفرح اللذين يجلبهما الروح القدس إلى الإنسان. صرت منذ تلك اللحظة قارئة نَهِمة لكلام الله. بعد انضمامي إلى كنيسة الله القدير، رأيت أن الكنيسة كانت عالمًا جديدًا تمامًا يختلف اختلافًا تامًا عن عالم المجتمع. كان كل الإخوة والأخوات بسطاء ولطفاء وأنقياء ومفعمين بالحياة. ومع أننا لم نكن أقرباء بالدم، وكل منا يأتي من خلفية مختلفة وله هويته المميزة، فقد كنَّا جميعًا نتمتع بروح الإخوة ويحب بعضنا بعضًا، ويدعم بعضنا بعضًا، ونتَّحد معًا في فرح. رؤية هذا جعلني أشعر حقًا بالسعادة والفرح، وأرى مدى جمال وحلاوة الحياة التي أقضيها في عبادة الله. رأيت لاحقًا كلمات الله هذه: "كأعضاء في الجنس البشري وكمسيحيين أتقياء، تقع علينا المسؤولية والالتزام لتقديم أذهاننا وأجسادنا لتتميم إرسالية الله، إذ أن كياننا كله قد جاء من الله ويوجد بفضل سيادته. إن كانت أذهاننا وأجسادنا غير مكرّسة لإرسالية الله وقضية البشر العادلة، فلن تكون أنفسنا جديرة بأولئك الذين استشهدوا لأجل إرساليته، وبالأكثر غير مستحقّة لله الذي وهبنا كل شيء" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. ذيل مُلحق 2: الله هو من يوجِّه مصير البشرية). سمحت لي كلمات الله أن أفهم أنه عليَّ – كإنسانة مخلوقة – أن أعيش من أجل الخالق، وأنه عليَّ أن أكرِّس كياني بجملته وأبذله في نشر إنجيل الله في الأيام الأخيرة والشهادة له – وهذه وحدها هي الحياة التي تتَّسم بأكبر قيمة وأعظم معنى. وهكذا، عندما سمعت أن كثيرين من الذين يعيشون في مناطق نائية وبعيدة لم يسمعوا عن إنجيل الله القدير في الأيام الأخيرة، ودَّعت بعزيمة الإخوة والأخوات في مسقط رأسي وانطلقت في رحلتي لنشر إنجيل الملكوت.

وصلت في عام 2002 إلى منطقة جبلية نائية متخلفة في مقاطعة قويتشو للتبشير بالإنجيل. تطلَّب نشر الإنجيل مني هناك المشي عدة أميال على طول ممرات جبلية يوميًا، وكان عليّ في كثير من الأحيان مواجهة الرياح والثلوج. ولكن بما أن الله كان بجانبي، لم أشعر أبدًا بالتعب، أو أن الأمر كان شاقًا. وسرعان ما انطلق عمل الإنجيل هناك تحت إرشاد الروح القدس، حيث قَبِل المزيد من الناس عمل الله في الأيام الأخيرة، وصارت حياة الكنيسة مفعمة بالحيوية. قضيت ستة أعوام سعيدة ملأى بالإنجاز في ذلك المكان بفضل إرشاد كلام الله، واستمر ذلك حتى عام 2008، عندما حدث شيء غير عادي وغير متوقع، شيء كان من شأنه أن يحطم فرحة حياتي وهدوءها...

حدث ذلك في حوالي الساعة الحادية عشر صباح يوم 15 مارس 2008، عندما كنت أنا وأَخَوان في اجتماع واقتحم فجأة أربعة رجال شرطة الباب وسرعان ما طرحونا على الأرض، ثمَّ كبَّلوا أيادينا دون أن يقولوا كلمة واحدة، ثم دفعونا بقوة وسحبونا إلى سيارة شرطة. كانوا جميعًا يسخرون منا داخل سيارة الشرطة بضحكات شريرة، ويلوِّحون بهراوات الصعق الكهربائي في وجوهنا، ويَخِزون بها أحيانًا رؤوسنا أو جذوعنا. كانوا يشتموننا بهمجية قائلين: "أيها الأوغاد! أنتم حديثو السن وكان من الممكن أن تفعلوا ما يحلو لكم، لكنكم للأسف ذهبتم وآمنتم بالله! ألم يكن في وسعكم ما هو أفضل من هذا؟" إلقاء القبض عليَّ فجأة تركني في حالة من التوتر الشديد، ولم يكن لدي أية فكرة عمَّا ينتظرنا من مصير. كل ما أمكنني فعله هو أن أدعو الله بصمت في قلبي مرارًا وتكرارًا قائلة: "يا الله، لقد أصابنا هذا الوضع اليوم بسماح منك. كل أطلبه منك هو أن تمنحنا الإيمان وتحمينا حتى نتمكَّن من التمسك بالشهادة لك". بعد أن صلَّيت، وردت إلى ذهني بعض كلمات الله القائلة: "أخلص لي فوق كل ما عداي، وتحرك إلى الأمام بشجاعة؛ فأنا صخرتك القوية، اعتمد عليَّ!" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل العاشر). قلت حينها: "نعم! الله هو معيني وسندي القوي والمقتدر. ومهما كان الموقف الذي أواجهه، ما دمت أستطيع أن أظل مخلصةً لله وأقف بجانبه، فعندئذٍ سوف أتغلَّب بالتأكيد على الشيطان وألحق به العار". لقد مكّنتني استنارة كلام الله من إيجاد القوة والإيمان، وعزمت في قلبي قائلة: أُفضِّل الموت على التخلِّي عن الطريق الحق وعدم التمسُّك بالشهادة لله.

ما إن وصلنا إلى قسم الشرطة حتّى أخرجنا رجال الشرطة إلى خارج السيارة بعنف، ثم دفعونا وأقحمونا بإكراه إلى داخل القسم. أخضعونا لتفتيش شامل ووجدوا بعض مواد الإنجيل وهاتفًا محمولًا في الحقيبتين الخاصتين بالأخوين اللذين كانا معي من الكنيسة. وعندما رأى رجال الشرطة أنهم لم يجدوا أية أموال، سحب أحدهم أحد الأخوين وركله وضربه حتى سقط على الأرض. ثمَّ نقلونا بعدها إلى غرف مختلفة لاستجوابنا كل على حدة. استجوبوني طوال فترة ما بعد ظهيرة ذلك اليوم، لكنهم لم يحصلوا مني على كلمة واحدة. وبعد الساعة الثامنة مساء ذلك اليوم، دوَّنوا أسماءنا باعتبارنا ثلاثة معتقلين مجهولي الهوية قبل أن يرسلونا جميعًا إلى مركز الاحتجاز المحلي.

ما إن وصلنا مركز الاحتجاز حتّى جردتني ضابطتان إصلاحيتان من كل ملابسي، وانتزعتا من ملابسي أي شيء معدني، وأخذتا أربطة حذائي وحزامي، وهكذا سرت إلى زنزانتي في خوف وأنا حافية القدمين وممسكة بسروالي. عندما رأتني السجينات وأنا أدخل، اندفعن نحوي مثل المجانين وحاصرنني تمامًا، ووجَّهن جميعهن الأسئلة لي دفعة واحدة. كانت الأنوار باهتة جدًا هناك حتى إن عيونهن بدت واسعة مثل صحون، وكنَّ يحملقن فيَّ ويفحصنني بنظراتهن بفضول، بينما بدأ بعضهن في شد ذراعيَّ، ولمسي هنا ووخزي هناك. وقفت في ذهول دون حراك، وشعرت بخوف شديد ولم أجرؤ على قول كلمة واحدة. عندما فكَّرت في أنني سأضطر إلى العيش في هذا المكان الجهنمي مع هؤلاء النساء، شعرت وكأنني سأنفجر باكية بسبب كل هذا الظلم. عندها فقط، صاحت إحدى السجينات التي كانت جالسة على سرير مبني من الطوب ولم تكن تتحدث، قائلة: "هذا يكفي! لقد وصلت لتوها ولا تعرف ما يجري حولها، فلا تخيفوها". ثمَّ أعطتني لحافًا لألف به نفسي. شعرت بموجة من الدفء في تلك اللحظة، وأدركت جيدًا أن هذا اللطف لم يكن من تلك السجينة، بل من الله الذي كان يستخدم الأشخاص المحيطين بي لمساعدتي والعناية بي. كان الله معي طوال الوقت، ولم أكن وحيدةً على الإطلاق. ولأن محبة الله رافقتني دومًا داخل هذا الجحيم الكئيب على الأرض، كنت أشعر بارتياح كبير. بعد أن نامت جميع السجينات الأخريات، ظللت لا أستطيع النوم مطلقًا حتى ساعة متأخرة من الليل. كنت أفكِّر في كيف كنت في ذلك الصباح أؤدي واجبي بسعادة مع إخوتي وأخواتي، ولكنني في تلك الليلة أرقد في هذا المكان الجهنمي الذي يشبه القبور، ولا أعرف متى سيخرجونني من هنا، وهكذا شعرت بحزن وألم لا يوصفان. وبينما تخيِّم عليَّ تلك الأفكار، هبت ريح قارسة البرودة من حيث لا أعلم، وكنت أرتعش دون إرادتي. رفعت رأسي لأنظر حولي، وعندها فقط أدركت أن الزنزانة مفتوحة على الجو الخارجي. إلى جانب السطح الذي يعلو منطقة النوم، كانت تعلو بقية الزنزانة شبكة مصنوعة من قضبان معدنية سميكة ملحومة ببعضها، وكانت الرياح الباردة تندفع منها إلى الداخل. كنت أسمع في بعض الأحيان خطى رجال الشرطة يمشون في دورياتهم على السطح، وكان كل ما أشعر به خوفًا تقشعر له الأبدان، وكان شعوري بالخوف والعجز والظلم يغمر قلبي، فتنهمر الدموع من عينيَّ من تلقاء نفسها. في تلك اللحظة، وردت إلى ذهني بوضوح فقرة من كلام الله القائل: "يجب أن تعرف أن كل الأشياء الموجودة في كل ما يحيط بك موجودة بإذنٍ مني، أنا أدبرها جميعًا. لتر رؤية واضحة ولترض قلبي في المحيط الذي منحته لك. لا تخف، سيكون الله القدير رب الجنود بلا ريب معك؛ هو يحمي ظهركم وهو دِرعكم" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل السادس والعشرون). فكَّرت في نفسي قائلة: " نعم! لقد سمح الله لحكومة الحزب الشيوعي الصيني بالقبض عليَّ. ومع أن هذا المكان مظلم ومرعب وليس لدي أية فكرة عمَّا سأواجهه بعد ذلك، فإن الله هو سندي ولا يوجد ما أخشاه. لا مساومة في ذلك، وها أنا أسلِّم كل شيء بين يديَّ الله". بعدما فهمت مشيئة الله، شعرت براحة أكبر بكثير، ولذا صلَّيت صلاة صامتة إلى الله قائلة: "يا الله، أشكرك على الاستنارة والإضاءة اللتين تمنحهما لي واللذين مكَّناني من فهم أن كل هذا يحدث بسماح منك. أرغب في الخضوع لتنسيقاتك وترتيباتك، وطلب مشيئتك في هذا المأزق، وربح الحق الذي ترغب في منحه لي. يا الله، قامتي صغيرة حقًا، لذا أطلب منك أن تمنحني الإيمان والقوة وأن تحميني حتى لا أخونك أبدًا مهما كانت العذابات التي ربما ألاقيها". بعد أن صلَّيت، مسحت دموعي وتأملت في كلام الله، منتظرة بهدوء مجيء اليوم الجديد.

سمعت في وقت مبكر من اليوم التالي صوت ضجيج وانفتح باب الزنزانة. وصاحت إحدى الضابطات الإصلاحيات قائلة: "اخرجي يا جين دو!" تباطأتُ للحظة قبل أن أدرك أخيرًا أنها كانت تناديني أنا. طلب مني رجال الشرطة في غرفة الاستجواب مرة أخرى أن أقول لهم اسمي وعنواني، وأن أخبرهم عن الكنيسة، لكنني لم أقل شيئًا، وجلست فقط على الكرسي مطرقةً رأسي. ظلوا يستجوبونني كل يوم لمدة أسبوع، حتى لكزني أحدهم أخيرًا بإصبعه وصرخ قائلًا: "أيتها الحمقاء، لقد أمضينا أيامًا معكِ ولم تقولي كلمة واحدة. حسنًا، فقط انتظري، فلدينا ما نريدك أن تريه". وبعد أن قال الشرطيان هذا، خرجا مندفعين وأغلقا الباب خلفهما بقوة. في أحد الأيام ومع حلول الليل، جاء رجال الشرطة مرة أخرى لاستدعائي. كبَّلوا يديَّ بالأصفاد وزجّوا بي في سيارة شرطة، وأثناء جلوسي في الجزء الخلفي من تلك السيارة، لم يسعني إلا أن أشعر بالذعر يزداد في داخلي، وفكَّرت قائلة في نفسي: "إلى أين يأخذونني؟ هل يصطحبونني إلى مكان خلاء ليتعتدوا عليَّ؟ هل سيزجّون بي في كيس ويرمونني في النهر طعامًا للسمك؟" كنت خائفة خوفًا لا يُصدَّق، لكن بعدها بدأت بعض الأسطر من إحدى ترانيم الكنيسة بعنوان "الملكوت" تتردَّد في أذني: "الله عوني، ممَّّ أخاف؟ أتعهد بحياتي أن أحارب الشيطان حتى النهاية. الله يرفعنا، ينبغي علينا أن نترك كل شيء خلفنا ونقاتل لنقدم شهادة للمسيح. سينفذ الله مشيئته على الأرض. سأعد محبتي وولائي وأكرسها لله كلها. سأرحب بمجيء الله بابتهاج عندما ينزل في مجد" ("اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). وفي لحظة، تفجَّرت في داخلي قوة لا تنضب، ورفعت رأسي لأنظر خارج النافذة بينما أتأمل كلمات الترنيمة بصمت. لاحظ أحد رجال الشرطة أنني كنت أحدِّق خارج النافذة فأسرع وأغلقها بستارة وصاح في وجهي قائلًا: "إلام تحدقين؟ أخفضي رأسك!" الصراخ المفاجئ في وجهي جعلني أرتعش من الصدمة، وأخفضت رأسي على الفور. كان أربعة من رجال الشرطة يدخنون جميعًا داخل السيارة، وينفثون باستمرار سحبًا من الدخان، وسرعان ما أصبح الهواء داخل السيارة ملوثًا بدرجة لا تطاق؛ فبدأت في السعال. استدار أحد رجال الشرطة الذي كان جالسًا أمامي وأمسك بفكي السفلي بأصابعه ونفخ الدخان في وجهي مباشرة، ثمَّ قال بنبرة خبيثة: "اعلمي أنه ليس عليكِ سوى إخبارنا بكل ما تعرفينه، ولن تحتاجي إلى المعاناة على الإطلاق، ويمكنكِ عندها العودة إلى المنزل. أنتِ شابة وجميلة جدًا..." وعندما قال هذا، مرَّر أصابعه على وجهي وغمزني بعينه بطريقة شهوانية، ثم ضحك ضحكة شريرة وقال: "ربما سنجد حينها صديقًا لكِ". أشحت وجهي بعيدًا ورفعت يديَّ المكبلتين بالسلاسل لدفع يده بعيدًا عني. ولهذا استشاط غضبًا لإحراجه وصاح قائلًا: "يا للهول! أنتِ قوية جدًا. انتظري فقط حتى نصل إلى حيثما نحن ذاهبون، وعندها ستتصرفين بأدب". استمرت السيارة في المضي قدمًا. لم يكن لديّ أي فكرة عمَّا كنت على وشك مواجهته، ولذا فإن كل ما أمكنني فعله هو أن أدعو الله بصمت في قلبي قائلة: "يا الله، أنا مستعدة للمخاطرة بكل شيء الآن، ومهما كانت الأساليب التي يستخدمها هؤلاء الضباط المتوحشون ضدي، فسأشهد شهادة قوية ومدوِّية لك أمام الشيطان حتى الرمق الأخير".

توقَّفت السيارة بعد أكثر من نصف ساعة من السير، وأخرجني رجال الشرطة، فوقفت مترنحة ونظرت حولي. كان المكان بالفعل مظلمًا تمامًا، ولم يوجد سوى عدد قليل من المباني المهجورة المبعثرة في المكان بدون حتى ضوء ساطع واحد. بدا الوضع كئيبًا ومخيفًا للغاية. اصطحبوني إلى أحد المباني. احتوى المكان في الداخل على مكتب وأريكة، مع مصباح كهربائي مدلى من السقف يبعث ضوءًا باهتًا على كل شيء. كانت توجد حبال وسلاسل فولاذية ملقاة على الأرض، وفي طول الغرفة وعرضها لم يوجد سوى كرسي مصنوع من قضبان معدنية سميكة. عندما رأيت هذا المشهد المخيف، لم يسعني سوى الشعور بالذعر. ارتخت ساقاي واضطررت إلى الجلوس على الأريكة حتى أهدأ. وحينها دخل عدة رجال إلى الغرفة، ووبَّخني أحدهم بصوت عالٍ قائلًا: "ماذا تظنين نفسكِ فاعلة؟ أتجلسين هنا؟ هل هذا مكانكِ لتجلسي فيه؟ انهضي من مكانكِ!" ثمَّ اندفع نحوي أثناء حديثه وركلني عدة مرات، وأمسكني من أعلى الجزء الأمامي في جسدي، وأخرجني من الأريكة وجرني إلى الكرسي المعدني. ثمَّ قال لي شرطي آخر: "اعلمي أن هذا الكرسي هو شيء عظيم. ما عليكِ سوى الجلوس عليه لفترة قصيرة ولن تنسيه لبقية حياتك. لقد أُعد هذا الكرسي خصيصًا لكم أنتم أيها المؤمنون بالله القدير، ولا نسمح لأي شخص آخر بالجلوس عليه. ما عليك سوى أن تكوني فتاة جيدة، وأن تفعلي ما نقوله، وتجيبي عن أسئلتنا بصدق، وعندها لن تضطري إلى الجلوس عليه. لذا أخبرينا، لماذا أتيتِ إلى قويتشو؟ هل جئتِ للتبشير بالإنجيل؟" فلم أقل شيئًا. أشار شرطي ذو مظهر فظ كان واقفًا في أحد الجوانب إلى وجهي وأقسم قائلًا: "أيتها اللعينة، توقَّفي عن التظاهر بالصمم! إن لم تتحدثي، فسوف تتذوقين ذلك الكرسي!" لكنني بقيت صامتة.

عندها فقط، دخلت امرأة ترتدي ملابس مثيرة إلى الغرفة، واتضح أن هذه الزمرة من رجال الشرطة قد طلبوا منها أن تأتي وتقنعني بالاعتراف. نصحتني بلطف زائف، قائلة: "انظري، أنتِ غريبة هنا، ولا يحيط بك أي من أقاربكِ أو أصدقائكِ. أخبرينا بما نريد معرفته، حسنًا؟ ما إن تخبرينا بما نريد معرفته حتى نوفر لكِ وظيفة، ونبحث لكِ عن زوج هنا في قويتشو. أعدكِ أنني سوف أجد لك رجلًا صالحًا أيضًا. ولكن إذا كنتِ لا تريدين ذلك، فيمكنكِ أن تأتي للعمل مربية في بيتي، وسوف أدفع لكِ راتبًا شهريًا. يمكنكِ بهذه الطريقة أن تستقري هنا ويصير هذا موطنك". رفعت رأسي ونظرت إليها، لكنني لم أرد عليها. فكَّرت في نفسي قائلة: "الشياطين شياطين. إنهم لا يعترفون بوجود الله، لكنهم يرتكبون كل الفظائع من أجل المال والربح. والآن ها هم يحاولون استخدام الربح لرشوتي وحملي على خيانة الله. كيف يمكنني أن أقع فريسة لمخططاتهم الماكرة وأصير مثل يهوذا المخزي؟" رأت أنه لم يكن لكلماتها "الودودة" أي تأثير عليَّ مطلقًا وشعرت أنها فقدت ماء وجهها أمام رجال الشرطة الآخرين، لذلك أسقطت على الفور هذا المظهر الكاذب وأظهرت طباعها الحقيقية. انتزعت حزام من حقيبة ظهرها وجلدتني به بقسوة عدة مرات، ثمَّ ألقت بحقيبة ظهرها بقوة على الأريكة وذهبت لتقف على أحد الجوانب وهي تهز رأسها في سخط. عندما رأى أحد رجال الشرطة – وكان سمينًا وشريرًا – ما حدث، اندفع نحوي وأمسكني من شعري، وضرب رأسي بالحائط عدة مرات ضربًا عنيفًا، وهو يصرخ في وجهي ويجزّ على أسنانه غاضبًا، ويقول: "ألا تميزين عندما يحاول شخص ما فعل معروف معكِ؟ ها؟ ألا تميزين؟ هل ستتحدثين أم لا؟" كان رأسي قد ارتطم بالحائط عدة مرات حتى تشوَّشت رؤيتي، وكنت أشعر بطنين في رأسي، وكأن الغرفة تدور، وبعدها سقطت على الأرض. أقامني رجل الشرطة هذا ودفعني إلى الكرسي المعدني كما لو كنت طائرًا صغيرًا. ولم أبدأ في فتح عيني قليلًا إلا بعد أن استفقت، وحينها رأيت أنه كان ما زال ممسكًا بخصلة من شعري الممزق. كانوا قد ربطوني إلى الكرسي من هامة رأسي إلى أخمص قدميَّ، ووضعوا شريحة فولاذية سميكة أمام صدري. كانت الأصفاد التي تكبِّل يديَّ معلقة بالكرسي، وأغلال تزن عشرات الأرطال معلقة في قدميَّ اللتين كانتا أيضًا مربوطتين إلى الكرسي. شعرت وكأنني مثل تمثال، وغير قادرة على تحريك أي عضلة. كانت السلاسل والأقفال والأصفاد الباردة والثقيلة تقيدني إلى الكرسي المعدني – وكانت معاناتي لا توصف. عندما رأى رجال الشرطة الأشرار مدى ألمي، كانوا راضين عن أنفسهم وبدأوا يسخرون مني قائلين: "أليس الإله الذي تؤمنين به قديرًا؟ لِمَ لا يأتي ليخلِّصك؟ لِمَ لا يخلِّصك من كرسي التعذيب هذا؟ من الأفضل لكِ أن تبدأي بالحديث. إلهكِ لا يستطيع أن يخلِّصك، إنما نحن نستطيع أن نفعل ذلك. أخبرينا بما نريد معرفته، وسنسمح لكِ بالرحيل. يمكنكِ أن تتمتعي بحياة جيدة. يا لها من خسارة أن تؤمني بإله ما!" قابلت العبارات الساخرة التي يطلقها رجال الشرطة الأشرار بهدوء شديد؛ لأن كلام الله يقول: "في الأيام الأخيرة، يستخدم الله الكلام وليس الآيات والعجائب ليجعل الإنسان كاملاً. إنه يستخدم كلامه في كشف الإنسان ودينونة الإنسان وتوبيخ الإنسان وجعل الإنسان كاملاً، حتى يرى الإنسان في كلام الله حكمة الله ومحبته ويفهم شخصية الله، بحيث يبصر الإنسان أفعال الله من خلال كلام الله" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. معرفة عمل الله اليوم). العمل الذي يقوم به الله الآن هو عمل عملي، وليس خارقًا للطبيعة؛ فالله يستخدم كلامه لتكميل الإنسان ويسمح لكلامه بأن يصير إيماننا وحياتنا. يستخدم الله المواقف العملية لتغيير شخصياتنا الحياتية، وهذا النوع من العمل العملي هو الذي يمكنه أن يكشف بطريقة أفضل عن قوة الله وحكمته العظيمتين، ويهزم الشيطان شر هزيمة مرة وإلى الأبد. لقد أُلقي القبض عليَّ وتعرَّضت للتعذيب القاسي على يد حكومة الحزب الشيوعي الصيني؛ لأن الله أراد اختبار إيماني به ومعرفة ما إذا كنت قادرة أم لا على العيش بحسب كلامه والتمسُّك بالشهادة من أجله. بمعرفتي ذلك، رغبت في الخضوع لأي موقف سمح الله بأن يصيبني. لقد أغضب صمتي عصابة رجال الشرطة الأشرار؛ فاندفعوا نحوي كما لو أن جنونًا أصابهم. أحاطوا بي وضربوني بعنف، وكان البعض منهم يلكمني بشدة على رأسي بقبضات أيديهم، والبعض الآخر يركلني بوحشية في ساقيَّ، بينما كان بعضهم الآخر يمزِّق ملابسي بعنف ويتحسّس وجهي. ازداد غضبي بسبب ضرباتهم القاسية لي وهمجيتهم معي. لو لم أكن مقيَّدة بإحكام إلى كرسي التعذيب ذاك، لكنت قد قاومتهم باستماتة! لم أشعر تجاه حكومة الحزب الشيوعي الصيني – تلك المنظمة الإجرامية الماكرة – بشيء سوى الكراهية حتى النخاع، وكان عليَّ أن أقرِّر عازمة في صمت: كلما زاد اضطهادهم لي، نما إيماني، وسوف أحفظ إيماني بالله حتى آخر رمق في حياتي! كلما زادوا في اضطهادي، أثبت ذلك أن الله القدير هو الإله الحقيقي الواحد، وأثبت أنني أتبع الطريق الحق! أدركت بوضوح أمام هذه الحقائق أن هذه كانت حربًا بين الخير والشر، ومعركة بين الحياة والموت، وأن ما يجب أن أقوم به هو أن أرفع اسم الله وشهادته عاليًا لأخزي الشيطان من خلال سلوك عملي، ومن ثمَّ يتمجَّد الله من خلالي. حاول رجال الشرطة الأشرار انتزاع اعتراف مني على مدى عدة أيام من التعذيب والاستجواب، لكني لم أخبرهم بأي شيء عن الكنيسة. في النهاية، لم يكن أمامهم أية خيارات، فقالوا: "إنها إنسانة عنيدة وصعبة المراس. لقد استجوبناها على مدار عدة أيام وحتى الآن، لكنها لم تنطق بكلمة واحدة". وبينما كنت أستمع إليهم وهم يناقشونني، علمت أن كلام الله قد ساعدني على اجتياز كل بوابة جهنمية وضعها هؤلاء الشياطين في طريقي، وأن الله قد حماني حتى أتمكَّن من التمسُّك بالشهادة له. شكرت الله القدير وسبَّحته من أعماق قلبي في صمت!

كنت أجلس على مدى أكثر من عشرة أيام من الاستجواب على كرسي التعذيب قارس البرودة نهارًا وليلًا، وشعرت وكأن جسدي كله قد غرق في كهف جليدي. تسرَّب البرد إلى نخاعي، وشعرت وكأن كل مفصل في جسدي يتمزَّق. رآني أحد رجال الشرطة الأشرار الذي كان حديث السن نسبيًا وأنا ارتجف من البرد، فاستغل هذا الموقف وقال لي: "من الأفضل لكِ أن تتكلمي! حتى أكثر الناس ثباتًا لا يمكنهم أن يستمروا لمدة طويلة في هذا الكرسي. إذا بقيتِ على هذه الحال، فستقضي بقية حياتكِ تعانين من الشلل". عندما سمعته يقول ذلك، بدأت أضعف وأشعر بالقلق، ولكنني دعوت الله بعدها في صمت، وطلبت منه أن يمنحني القوة لتحمُّل هذا العذاب غير الإنساني ولكي لا أفعل أي شيء أخون به الله. أنارني الله بعد الصلاة بترنيمة من ترانيم الكنيسة التي كانت دائمًا الترنيمة التي أفضل ترديدها، وهي تقول: "لا يهمني مدى صعوبة طريق الإيمان بالله، فأنا أُتمِّم مشيئة الله كمهمتي وحسب؛ كما لا يهمني نيل البركات أو معاناة بلاء في المستقبل. الآن، وبعد أن عزمت على محبة الله، سأبقى أمينًا حتى النهاية. مهما كانت المخاطر أو المصاعب التي تطاردني، ومهما كانت نهايتي، فمن أجل الترحيب بيوم مجد الله، أتَّبع من قربٍ خطوات الله، وأسعى إلى الأمام" ("السير في طريق محبة الله" في "اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). كل كلمة أخيرة من هذه الترنيمة كانت مصدر إلهام لي، ورنمتها مرارًا وتكرارًا في ذهني. لم يسعني إلا أن أفكِّر في الوعد الذي قطعته أمام الله من قبل عندما قلت إنه مهما كانت المعاناة أو المصاعب التي عليَّ أن أجتازها، فسأظل أبذل حياتي من أجل الله وسأظل مخلصة له حتى النهاية. لكنني بدأت أشعر بالضعف والخوف بعد معاناة قدر ضئيل من الألم – فكيف يكون هذا ولاءً؟ ألم أكن بذلك أقع فريسة لمخطط الشيطان الماكر؟ أراد الشيطان أن يصرفني للتفكير في جسدي وخيانة الله، لكنني كنت أعلم أنه لا يجب أن أتركه يخدعني. كانت مقدرتي على المعاناة لأجل إيماني بالله أكثر الأشياء قيمةً ومغزى، وكانت شيئًا مجيدًا، ومهما كان مقدار ما عانيته، لم أكن لأسمح لنفسي بأن أصبح إنسانة ضعيفة مثيرة للشفقة رفضتْ الإيمان وخانتْ الله. ما إن عزمت على إرضاء الله حتى توقَّف تدريجيًا شعوري بالبرد الشديد، وتلاشى الألم الذي كان في قلبي. شاهدت مرة أخرى أفعال الله العجيبة واختبرت محبته. مع أن الشرطة لم تحقِّق هدفها، لم يكن أمري قد انتهى معها بعد. بدأ رجال الشرطة يتناوبون على تعذيبي، وأبقوني مستيقظة طيلة النهار والليل. وإذا حدث وأغمضت عيني لثانية واحدة، كانوا يجلدونني بسوط مجدول من شجر الصفصاف، أو يصعقونني بشدة بهراوة كهربائية. كنت أشعر في كل مرة يفعلون ذلك بالكهرباء تسري في جسدي، الذي كان ينهار بأكمله بسبب التشنجات. كان الألم شديدًا للغاية حتى جعلني أطلب الموت. كانوا يصيحون وهم يضربونني قائلين: "ما زلتِ لا تخبريننا بكل شيء أيتها اللعينة، وتريدين الذهاب إلى النوم! لنرَ إن كان باستطاعتنا تعذيبكِ حتى الموت اليوم!" أمست ضرباتهم أشدَّ وأكثر ضراوة، وكان صدى صرخاتي البائسة يتردَّد في جميع أنحاء الغرفة. ولأنني كنت مقيَّدة بإحكام إلى كرسي التعذيب، ولم أستطع تحريك ولو عضلة واحدة، لم أستطع فعل شيء سوى الخضوع لوحشيتهم. بات رجال الشرطة الأشرار أولئك أكثر رضى عن أنفسهم، وكانوا ينفجرون في ضحكات صاخبة بين الحين والآخر. تعرَّضت للجلد والصعق الكهربائي لفترة طويلة حتى غطت آثار الضرب والجروح جسدي، وامتلأ وجهي ورقبتي وذراعاي ويداي بكدمات أرجوانية، وكان جسدي كله متورمًا. بدا جسدي وكأنه مخدر، ولم أعد أشعر بالقدر الكبير نفسه من الألم. علمت أن هذا كان اهتمام الله بي وتخفيفه الألم عني، وشكرت الله في قلبي مرارًا وتكرارًا.

تحمَّلت هذا الوضع لمدة شهر تقريبًا حتى لم يسعني حقًا تحمُّل المزيد. كنت أرغب بشدة في النوم ولو لفترة وجيزة. لكن كان أولئك الشياطين يفتقرون إلى أدنى درجة من الإنسانية، وفي اللحظة التي كانوا فيها يرونني أغمض عينيَّ، كانوا يقذفون على الفور بكوب ماء ممتلئ في وجهي ليدفعوني إلى الاستيقاظ، وعندها أضطر مرة أخرى إلى فتح عينيَّ. خارت كل قوتي، وشعرت وكأن حياتي قد وصلت إلى نهايتها. غير أن الله كان يحميني دائمًا، وأبقى على عقلي صافيًا ويقظًا، وعلى إيماني قويًا حتى لا أخونه. عندما رأوا أنهم لم يحصلوا على أي معلومات مني على الإطلاق، وبسبب خوفهم من أن أموت فعلًا، لم يسعهم إلا إعادتي إلى مركز الاحتجاز. مرت خمسة أو ستة أيام وما زلت لم أتعافَ من تعذيبهم، لكنهم جروني مرة أخرى وقيَّدوني بسلاسل إلى كرسي التعذيب، وربطوا أصفادًا ثقيلة في قدميَّ مرة أخرى، وشرعوا مجددًا في محاولة انتزاع اعتراف مني من خلال الضرب والتعذيب وسوء المعاملة. عذبوني هناك لحوالي عشرة أيام أخرى، ولم يعيدوني أخيرًا إلى مركز الاحتجاز إلا عندما لم أعد أستطيع تحمُّل الأمر. مرت خمسة أو ستة أيام أخرى وكرَّروا معي الأمر برمته مرة أخرى. مرت ستة أشهر على هذه الحال، ولا أعرف حتى عدد المرات التي أخضعوني فيها لهذا الوضع – فقد كانوا يستخدمون عملية التعذيب نفسها مرارًا وتكرارًا. تعرَّضت للتعذيب حتى حد الانهاك التام والكامل، وفقدت في أعماق قلبي كل أمل في حياة مستقبلية. بدأت في رفض الطعام ورفضت شرب حتى قطرة ماء واحدة لعدة أيام. بدأوا بعدها في وضع الماء في فمي على غير إرادتي؛ فكان أحدهم يمسك برأسي بينما يمسك الآخر وجهي ويفتح فمي ويسكب الماء فيه. كان الماء يفيض من فمي، ويتدحرج نازلًا على رقبتي ويبلل ملابسي فأشعر ببرد شديد في جسمي كله وأحاول جاهدة مقاومة ذلك، لكن لم يكن فيَّ قوة لتحريك رأسي. عندما رأيت أن رفض الطعام كانت محاولة عديمة الجدوى، قررت أن أغتنم فرصة الذهاب إلى المرحاض لتحطيم رأسي بالجدار وقتل نفسي. وبينما أسحب أصفادي الثقيلة للغاية حتى أسير، كنت أخطو خطوة تلو الأخرى نحو المرحاض مستندة على الجدار طوال الطريق. وبسبب أنني لم آكل منذ فترة طويلة، كانت عيناي ضبابيتين ولم أستطع أن أرى إلى أين أتجه، فسقطت مرات عديدة على طول الطريق. وسط هذه الرؤية الضبابية، رأيت أن كاحليَّ قد تخضّبا من الدماء بسبب الأغلال الفولاذية، وكانا ينزفان بغزارة. وعندما وصلت إلى إحدى النوافذ، رفعت رأسي ونظرت إلى الخارج فرأيت أشخاصًا على مسافة يروحون ويجيئون وهم منهمكون في أعمالهم، وفجأة شعرت بنشاط عجيب يدب في أعماقي، وفكَّرت قائلة: "من بين كل هؤلاء الملايين من الناس، كم واحدًا يؤمن بالله القدير؟ أنا أحد هؤلاء المحظوظين؛ لأن الله قد أفرزني – أنا تلك الإنسانة غير المميزَّة – من بين الجموع، واستخدم كلامه ليُرويني ويَعولني، ويقودني في كل خطوة على الطريق حتى الآن. لقد باركني الله بوفرة، فلِمَ أطلب الموت؟ ألن أجرح الله حقًا بفعلي ذلك؟" عندها فقط ورد إلى ذهني كلام الله القائل: "أثناء هذه الأيام الأخيرة يجب أن تحملوا الشهادة لله. بغض النظر عن مدى حجم معاناتكم، عليكم أن تستمروا حتى النهاية، وحتى مع أنفاسكم الأخيرة، يجب أن تظلوا مخلصين لله، وتحت رحمته. فهذه وحدها هي المحبة الحقيقية لله، وهذه وحدها هي الشهادة القوية والمدوّية" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. اختبار التجارب المؤلمة هو السبيل الوحيد لكي تعرف روعة الله). جلبت كل كلمة مملوءة بالتشجيع والتوقع الدفء إلى قلبي وألهمته، وشعرت بتأثير مضاعف، إذ وجدت الشجاعة لأستمر. شجَّعت نفسي بحديثً داخلي مفعم بالحيوية قائلة: "يمكن للشياطين أن يدمروا جسدي فقط، لكنهم لا يستطيعون تدمير رغبتي في إرضاء الله. سيظل قلبي منتميًا إلى الله إلى الأبد، وسأكون قوية، ولن أستسلم أبدًا!" بعدها عدت أدراجي خطوة بخطوة وأنا أجر أغلالي الثقيلة. فكَّرت في وسط ذهولي هذا في الرب يسوع، الذي كان مخضبًا تمامًا بالجروح، وهو يشق طريقه المضني إلى الجلجثة، منهكًا تمامًا وحاملًا ذلك الصليب الثقيل على ظهره، وحينها ورد إلى ذهني كلام الله القدير القائل: "في الطريق إلى أورشليم، شعر يسوع بألم شديد، كما لو أن سكينًا قد غُرست في قلبه، ومع ذلك لم تكن لديه أدنى نية للرجوع عن كلمته؛ فقد وُجدت دائمًا قوة قوية تدفعه إلى الأمام إلى حيث سيُصلَب" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كيف تخدم في انسجام مع إرادة الله). في تلك اللحظة، لم أستطع منع دموعي أكثر، وانهمرت بغزارة على وجنتيَّ. صلَّيت صلاة إلى الله في قلبي قائلة: "يا الله، أنت قدوس حقًا، وسامٍ جدًا، وحتى تخلِّصنا تجسَّدت شخصيًا، وعانيت إذلالاً وألمًا رهيبين وصُلبت من أجلنا. يا الله، مَنْ ذا الذي سبق وعرف حزنك وألمك؟ مَنْ ذا الذي سبق وفهم أو قدَّر الثمن المضني الذي دفعته من أجلنا؟ أعاني هذه المشقة الآن لعلّي أحقِّق الخلاص. كما أعاني ذلك كي أرى بوضوح جوهر حكومة الحزب الشيوعي الصيني الشرير بينما أعاني من القسوة على أيدي شياطينها، وحتى لا تخدعني أو تضللني تلك الحكومة مجددًا، وهكذا أتخلَّص من تأثيرها المظلم. ولكنني لم أُظهر أي اعتبار لمشيئتك، بل كنت أفكِّر فقط في جسدي وأتمنى الموت حتى ينتهي عذاب هذا الألم. أنا جبانة وحقيرة للغاية! يا الله، إنك تبذل نفسك وتعاني من أجلنا في جميع الأوقات، وتكِّرس كل محبتك لنا. يا الله، لا يمكنني فعل أي شيء الآن، لكنني أتمنى فقط أن أكرِّس قلبي لك تمامًا، وأن أتبعك حتى النهاية مهما كان مقدار ما قد أعاني منه، وأن أتمسك بالشهادة لإرضائك". لم أكن قد ذرفت دمعة واحدة على مدى عدة أشهر من الضرب والتعذيب القاسيين، لذلك عندما عدت إلى غرفة الاستجواب، رأى رجال الشرطة الأشرار أن وجهي كان مبتلًا بالدموع، وظنوا أنني على وشك الاستسلام. بدا الشرطي السمين بينهم راضيًا عن نفسه للغاية وابتسم لي قائلًا: "هل فكِّرت في الأمر؟ هل ستتعاونين معنا؟" تجاهلته تمامًا فاحمر وجهه من الغضب على الفور، ورفع فجأة ذراعه وشرع في صفعي على وجهي مرات كثيرة لم أستطع عدها، مما ترك وجهي في ألم رهيب، وتدفق الدم من زوايا فمي وتساقطَ قطراتٍ على الأرض. كما ألقى شرطي آخر شرير كوبًا من الماء في وجهي وصاح وهو يجزُّ على أسنانه غاضبًا: "لا نهتم إن كنتِ لا تتعاونين معنا. ينتمي هذا العالم إلى الحزب الشيوعي الآن، وإذا لم تتحدثي، فما زال بإمكاننا الحكم عليك بالسجن". ولكن بغض النظر عن طريقتهم في تهديدي وإخافتي، امتنعت عن النطق بأية كلمة.

مع أن الشرطة لم تعثر على أي دليل يدعم اتهامي بارتكاب جريمة، لم تستسلم بعد، واستمرت في تعذيبي لانتزاع اعتراف مني. في وقت متأخر من إحدى الليالي، سكر عدة أفراد منهم وكانوا يترنحون في غرفة الاستجواب. بدا أحدهم وهو يرمقني بنظرات شهوانية أنه قد توصَّل إلى فكرة وقال: "لنجرِّدها من ملابسها ونعلِّقها، ثمَّ نرى إن كانت ستتعاون معنا". عندما سمعته يقول هذا، تملَّكتني حالة من الرعب، ودعوت الله في قلبي بإلحاح حتى يلعن هؤلاء الوحوش ويبدِّد حيلهم الشهوانية. حرروني من كرسي التعذيب، لكنني لم أستطع الوقوف إلا بالكاد في ظل تلك الأصفاد الثقيلة حول كاحليَّ. ثمَّ أحاطوا بي وبدأوا في ركلي مثل كرة قدم، مع بصق قشور بذور البطيخ في وجهي والصراخ مرارًا وتكرارًا قائلين: "هل ستتعاونين؟ إذا لم تكوني لطيفة معنا، فسنتأكد من أنكِ لا تستحقين الحياة! أين إلهك الآن؟ أوليس هو بقدير؟ ليضربنا الآن!" وقال آخر: "إن وانغ في حاجة إلى زوجة، فلِمَ لا نمنحه إياها؟ ها ها..." ازدادت كراهيتي عند نظري إلى وجوههم الشيطانية حتى إن جميع دموعي جفَّت. وكل ما أمكنني فعله هو أنني صلَّيت إلى الله وطلبت منه أن يحمي قلبي حتى لا أخونه، وحتى أتمكَّن من الخضوع لتنسيقات الله سواء عشت أو مُتُّ. في النهاية، استخدم رجال الشرطة الأشرار كل أوراقهم ولم ينجحوا في انتزاع كلمة واحدة مني. وعندما نفدت جميع خياراتهم، لم يتمكَّنوا من فعل أي شيء سوى إجراء مكالمة هاتفية وتقديم تقرير إلى رؤسائهم قائلين: "هذه المرأة شديدة الصلابة. إنها ليو هولان العصر الحديث. لقد ضربناها حتى الموت ولم تتحدَّث. ليس بوسعنا فعل أي شيء آخر!" عندما رأيت علامات اليأس الشديد عليهم، شكرت الله مرارًا وتكرارًا في قلبي. كان إرشاد كلام الله هو ما مكَّنني من التغلُّب على تعذيبهم القاسي مرات ومرات. كل المجد لله القدير!

مع أن التحقيقات التي لا تعد ولا تحصى لم تسفر عن أي شيء، اتهمتني حكومة الحزب الشيوعي الصيني بتهمة عرقلة إنفاذ القانون وحكمت عليَّ بالسجن لمدة سبع سنوات. كذلك وجَّهت اتهامات إلى الأخوين اللذين اعتقلتهما معي، وحُكم عليهما بالسجن لمدة خمس سنوات. بعد أن مررت بثمانية أشهر من العذاب غير الإنساني، لم يكن سماع النطق بهذا الحكم بالسجن لمدة سبع سنوات سببًا في عدم شعوري بأي ألم أو محنة فحسب، بل كان على العكس سببًا في شعوري بالراحة، بل وشعوري بالفخر. كان ذلك بسبب أنه خلال الأشهر الثمانية الماضية اختبرت إرشاد الله في كل خطوة على الطريق، وتمتعت بمحبة الله وحمايته غير المتناهيتين. لقد مكَّنني هذا من النجاة بأعجوبة من الدمار القاسي، الذي لولا محبة الله وحمايته لفاق حدود قدرتي على التحمُّل، ومكنني من التمسُّك بالشهادة. كانت هذه أعظم تعزية يمكن أن يمنحها الله لي، ورفعت شكرًا وتسبيحًا لله من أعماق قلبي!

أرسلوني في 3 نوفمبر 2008 إلى سجن النساء الأول لقضاء عقوبتي، وهكذا بدأت حياتي الطويلة داخل السجن. كان السجن يخضع لنظام صارم للغاية من القوانين؛ فكنَّا نستيقظ في السادسة صباحًا ونبدأ العمل، ثم نواصل عملنا طوال اليوم حتى حلول الليل. كانت أوقات تناول وجبات الطعام واستخدام المرحاض متوترة كما لو كنَّا في منطقة حرب، ولم يكن مسموحًا للسجينات ولو بقدر ضئيل من التراخي. كان حرَّاس السجن يثقلون علينا بالعمل حتى يتمكَّنوا من جني مزيد من الربح بفضل عملنا، وكانوا أكثر قسوة مع أولئك الذين يؤمنون بالله. عيشي في مثل هذه البيئة جعلني دائمًا في حالة من التوتر الشديد، وكان كل يوم يمر علي وكأنه دهرٌ. كلفوني بأصعب المهام وأثقلها داخل السجن، ولم يكن الطعام الممنوح لي يكفي حتى للكلاب، إذ كان مجرد كعكة صغيرة شبه نيئة سوداء مطهية بالبخار وبعض أوراق الملفوف الصفراء القديمة المجففة. في محاولة مني لتخفيف مدة عقوبتي لحسن السير والسلوك، كنت أعمل كثيرًا بجد قدر استطاعتي من الفجر حتى الغسق، وأستغل كل فرصة للعمل ليلًا للانتهاء من حصة انتاجي التي كانت تفوق قدرتي البدنية. كنت أبقى واقفة يوميًا لمدة 15 أو 16 ساعة في ورشة العمل أدير باستمرار المقبض على ماكينة صناعة السترات النصف آلية. تورَّمت ساقاي وضعفتا، وكانتا تؤلمانني. ومع ذلك، لم أجرؤ قط على التباطؤ، لأن حرَّاس السجن المسلحين بهراوات صعق كهربائي كانوا يراقبوننا في دوريات في ورشة العمل، وكانوا يعاقبون بلا تردد أي شخص يرون أنه لا يعمل، ويمتنعون عن منح نقاط حسن السير والسلوك للسجينات. تركني العمل المتواصل والمرهق متعبةً تمامًا جسديًا وذهنيًا. ومع أنني كنت في ريعان شبابي، ضرب الشيب الكثير من شعري، وكدتُ أفقد وعيي كثيرًا أثناء عملي على الآلة. ولولا أن الله كان يحرسني، لما نجوت. في النهاية، وفي ظل حماية الله، حصلت على فرصتين لتخفيف العقوبة، واستطعت الخروج من هذا الجحيم الذي كان على الأرض قبل انتهاء مدة عقوبتي بعامين.

بعد اختبار ثمانية أشهر من التعذيب الوحشي، وخمس سنوات من السجن على يد حكومة الحزب الشيوعي الصيني، تضرّر جسدي وذهني ضررًا بالغًا. كنت أشعر بالرعب من مواجهة الغرباء لفترة طويلة بعد إطلاق سراحي، وكنت عندما أمرُّ خصوصًا بمكان مزدحم بكثير من الأشخاص الذين ينكبّون على أشغالهم، كنت أسترجع مشاهد رجال الشرطة الأشرار وهم يعذبونني، وأشعر دون إرادتي بإحساس عميق بالرعب وعدم الارتياح في داخلي. ارتبكت مواعيد دورة طمثي الشهرية بسبب تكبيلي بسلاسل إلى كرسي التعذيب المعدني لفترة طويلة، وأنهكتني جميع أنواع الأمراض. عندما أعود بذاكرتي الآن وأفكِّر في تلك الأشهر الطويلة المؤلمة، ومع أنني اختبرت الكثير من الألم والمعاناة، أرى بوضوح أن شعارات مثل "حرية المعتقد الديني" و"الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين محمية بموجب القانون"، والتي غالبًا ما تروجها حكومة الحزب الشيوعي الصيني، ما هي إلاّ مجرد حيل لإخفاء آثامهم وجوهرهم الشرير. في الوقت عينه، اختبرت وقدَّرت بحق أيضًا قدرة الله وسيادته وسلطانه وقوته، وتمكَّنت من الشعور باهتمام الله ورحمته بي. صارت كل هذه الأشياء ثروات الحياة الثمينة والغنية التي منحها الله لي. إن عمل الله عمليّ وطبيعي، وهو يسمح بأن يأتي علينا اضطهاد الشيطان والأرواح الشريرة. لكن بينما تلحق الشياطين بنا أذاها المحموم، يكون الله بجانبنا دائمًا، ويحرسنا ويحمينا في صمت، مستخدمًا كلامه ذا السلطان والقدرة لينيرنا ويرشدنا. يمنحنا الله الإيمان والمحبة، ويُخضع عدوه الشيطان ويهزمه، وهكذا يتمجّد الله. أسبِّح حكمة الله وبهاءه من أعماق قلبي!

عدت الآن إلى الكنيسة، وعدت لأكون مع إخوتي وأخواتي، وفي ظل إرشاد محبة الله، أعيش حياة الكنيسة، وأعمل جنبًا إلى جنب مع إخوتي وأخواتي في انسجام لنشر إنجيل الملكوت. تفيض حياتي بالقوة والحيوية، وأمتلئ بالإيمان لأجل عمل الله. أستطيع أن أرى بالفعل المنظر الجميل لملكوت الله يستعلن على الأرض، ولا يسعني إلا أن أترنم بتسبيحات لله! "لقد نزل ملكوت المسيح على الأرض، كلمة الله تُخضِعُ كُلَّ شيء وتسود في العالم. يمكننا أن نرى كل هذا الآن بأم أعيننا، لقد خُلِقَ كُلُّ شيء وأُكمِلَ بكلمة الله. لقد نزلت أورشليم الجديدة من السماء في الأعلى، وملكوت المسيح موجود بالفعل على الأرض. كلمة الله تعيش بيننا جميعًا، إنها معنا في كُلِّ حركة وكُلِّ فكرة... جمال الملكوت يُشِعُّ إلى ما لا نهاية. الجميع على الأرض ينشرون كلام الله، ويرضخون لكلمته، ويعبدونه. هناك بهجة في الكون. نهلل! نُسَبِّح! وبأنه قدُّوس وقديرٌ وبارٌّ وحكيم. الله يقودنا إلى كنعان بنفسه لنتمكن من أن ننعَمَ بوفرته وغناه" (" لقد نزل ملكوت المسيح على الأرض" في "اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة").

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

سنوات طويلة في السجن

في الأول من ديسمبر 2012، كنت مؤمنًا منذ عام تقريبًا، وكنت أنا وأخت أصغر في طريقنا لمشاركة الإنجيل. وفجأة تقدم إلينا أكثر من عشرة ضباط...

محبَّةُ اللهِ لا تعرفُ حدودًا

بقلم: تشو تشينغ – مقاطعة شاندونغ لقد عانيت من بُؤسِ هذه الحياة إلى أقصى حد. تُوُفِّيَ زوجي بعد زواجنا ببضع سنوات، ومنذ تلك المرحلة وعبء...