شباب بلا ألم

2019 أكتوبر 10

بقلم كزايوين، مدينة تشونغتشينغ

""المحبة"، كما تُدعى، تشير إلى عاطفة نقية وبلا لوم، حيث تستخدم قلبك لتحب، ولتشعر، ولتكون مراعيًا للآخرين. لا توجد شروط في المحبة، ولا توجد حواجز، ولا مسافات. في المحبة لا يوجد شك، ولا خداع، ولا مكر. في المحبة لا توجد مسافات ولا شيء غير نقي"("المحبّة النقيّة بلا شائبة" في"اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). كانت ترنيمة كلمات الله هذه رفيقتي عندما قضيت سبعة أعوام وأربعة شهور طويلة جدًا ومؤلمة من الحياة في السجن. ورغم أن حكومة الحزب الشيوعي الصيني حرمتني من أفضل سنوات شبابي، إلا أنني كَسِبت من الله القدير الحقّ الذي يعدّ الأعلى قيمة والأكثر واقعيّة. لذا فأنا لست نادمة على الإطلاق!

عام 1996، قبلت خلاص الله القدير للأيام الأخيرة. ومن خلال قراءة كلمات الله، وحضور الاجتماعات والمشاركة في النقاشات، أصبحت أؤمن إيمانًا راسخًا بأن كل ما يقوله الله هو الحقّ، وبأنّه أسمى من جميع حِكم الحياة، وبأنه يتناقض تمامًا مع أيّة نظريات أو معرفة عن هذا العالم الشرير. وما أفرحني أكثر حتى هو أنني أستطيع ببساطة الانفتاح على إخوتي وأخواتي في الكنيسة، وأنّه يمكنني أن أعبّر عن رأيي بحرية، ولا ينبغي عليّ أن أحذر أو أتّبع أساليب الخداع كما يحصل عندما أتواصل مع أشخاص في العالم الخارجي. شعرت بسعادة وفرح لم أشعر بهما من قبل، وأحببت هذه العائلة الكبيرة. ولكن بعد فترة قصيرة، سمعت أن الإيمان بالله يتعرّض للاضطهاد في الصين، وأنّ اعتقال المسيحيين واضطهادهم بشكل متكرر كان أمرًا شائع الحدوث. شعرت بالارتباك الشديد حيال هذا الأمر، إذ تهدف كلمات الله القدير جميعها إلى أن يعبد الناس الله، ويسلكوا الطريق الصحيح في الحياة، ويتصرفوا بأمانة. لو آمن الجميع بالله القدير، لكان العالم عرف مثل هذا السلام. لم أكن أفهم حقًّا: الإيمان بالله هو المسعى الأكثر برًّا. فلِم تريد حكومة الحزب الشيوعي الصيني اضطهاد أولئك الذين يؤمنون بالله، ومعارضتهم، وحتى اعتقالهم؟ فكّرت في قلبي: بصرف النظر عن كيفيّة قيام حكومة الحزب الشيوعي الصيني باضطهادي، أو عن مدى قوة الرأي العام، بما أنني الآن أؤمن بقوة أن هذا هو الطريق الصحيح في الحياة، فيجب عليّ حتمًا أن أتبعه حتى النهاية!

بعد ذلك ، شرعت بأداء واجب في الكنيسة اشتمل على تسليم كتب كلام الله. كنت أعرف أن القيام بهذا الواجب في بلد يتحدى الله كالصّين أمر خطير للغاية، وأن الشخص الذي يقوم به معرّض للاعتقال في أيّة لحظة، ولكنني في المقابل كنت أعلم، بيقين أكبر، أن رسالتي تقوم على التضحية في سبيل الله وأداء واجباتي ككائن مخلوق، وأن هذه مسؤوليّتي القائمة. وبعدما أصبح إيماني بأداء واجبي راسخًا تمامًا، حدث في أحد أيّام شهر سبتمبر/أيلول 2003 أن تمّ القبض عليّ من قِبل مكتب الأمن القومي في المدينة بينما كنت في طريقي إلى تسليم بعض كتب كلمات الله إلى إخوتي وأخواتي.

في مكتب الأمن القومي، شعرت بالخوف، وكنت أجهل كيفيّة مواجهة الاستجوابات المتكررة لشرطة الحزب الشيوعي الصيني. لذا، دعوت الله في قلبي بشكل طارئ: "يا الله القدير. أطلب منك أن تعطيني الحكمة، وأن تنعم عليّ بالكلمات التي ينبغي أن أقولها، وأن تجنّبني خيانتك. أطلب منك أن تعطيني الإيمان والقوة، ومهما اضطهدني الحزب الشيوعي الصيني، سأقف بثبات وأقدّم الشهادة لك." وخلال تلك الفترة، كنت أدعو الله كل يوم، ولم أكن أجرؤ على ترك الله ولا حتى لثانية واحدة في قلبي. لقد حمدت الله لرعايته وحمايته لي؛ وفي كل مرة كانوا يستجوبونني فيها، كنت أصاب بالحازوقة بشكل مستمرّ وأعجز تمامًا عن الكلام. لدى رؤيتي أعمال الله العجيبة، توطّد عزمي بشدة لدرجة أنني قلت: أنا مستعدّة للمخاطرة بكل شيء! يمكنهم أن يقطعوا رأسي ويأخذوا حياتي، ولكن اليوم من المستحيل قطعًا بالنسبة لهم أن يجعلوني أخون الله! عندما حسمت أمري وشعرت بأنني أفضِّل أن أبذل حياتي عوضًا عن أن أخون الله مثل يهوذا، شعرت بأنني ممتنّة جدًا لله لإرشادي على الطريق الصحيح. وفي كل مرّة كان يتم فيها استجوابي، كان الله يحميني ويخرجني من تلك المحنة بأمان. ورغم أنني لم أقل لهم شيئًا على الإطلاق، إلا أن حكومة الحزب الشيوعي الصيني ألصقت بي مع ذلك تهمة "استخدام منظمة دينية إجرامية لتدمير تطبيق القانون"، وأصدرت الحكم عليّ بالسجن لمدة تسع سنوات. وبفضل حماية الله، لم أشعر بالحزن عندما سمعت حكم المحكمة، ولم أخَف من الأشخاص المتواجدين في المحكمة. بدلاً من ذلك، شعرت فقط بالازدراء تجاههم. كانوا ينطقون بأحكامهم بتكبّر، وكنت في المقابل أقول بصوت ضعيف: "هذا دليل على أنّ حكومة الحزب الشيوعي الصيني تتحدّى الله!" بعدئذ، أتى ضباط الأمن العام خصّيصًا للتحقيق في موقفي، فقلت لهم بهدوء كبير: "وما هي التسع سنوات؟ عندما يحين وقت إطلاق سراحي، سأظلّ عضوة في كنيسة الله القدير، وإذا كنتم لا تصدقونني، ما عليكم سوى الانتظار لِترَوا! لكن تذكّروا أنّ وِزْرَ هذه القضيّة عليكم!" فاجأهم موقفي كثيرًا، وأبدوا دعمهم قائلين: "علينا أن نعترف بجرأتك! نحن معجبون بك! أنتِ أقوى من الثائرة جيانغ تشويون! دعينا نلتقي عندما تخرجين، وسندعوكِ لتناول طعام العشاء." عند ذلك الحدّ، شعرت أن الله قد تمجّد، ومن جهتي شعرت بالامتنان. وعندما صدر الحُكم عليّ في تلك السنة، كنت أبلغ فقط 31 عامًا من العمر.

السجون الصينية أشبهُ بجحيمٍ على الأرض. لقد أتاحت لي حياة السجن الطويلة جدًا أن أرى بوضوح تامّ وجه الشيطان القاسي وغير الإنساني، وكذلك جوهره الشرّير الذي يعارض الله. إنّ الشرطة الصينية لا تتبع حكم القانون؛ بل حكم الشيطان. في السجن، لا يجعل الحرّاس الحياة صعبة بالنسبة للسجناء بأنفسهم، بل يشجعون أيضًا السجناء على استخدام العنف لإبقاء زملائهم الآخرين تحت السيطرة. كذلك يستخدم حرّاس السجن جميع الوسائل لتقييد تفكير السجناء. مثلاً، يتعيّن على أيّ شخص يدخل السجن أن يلتزم بارتداء زيّ السجناء ذاته الذي حدّدته حكومة الحزب الشيوعي الصيني، كما يتعيّن على كل سجينٍ أن يرتدي رقمًا تسلسليًا خاصًّا؛ وأن تكون قَصَّة شعره وفقًا لما تفرضه الحكومة، وأن ينتعل الحذاء الذي تسمح به الحكومة، وأن يسلك المسارات التي تحددها الحكومة، وأن يكون إيقاع خطواته بحسب تعلميات الحكومة. وبصرف النظر عن أي فصل من السنة هو، وعمّا إذا كان هناك رياح أو مطر، أو عمّا إذا كانت الأيام حارّة أو الطقس متجمّد، يجب على السجناء أن يقوموا بما يُؤمرون به، ولا يحقّ لهم اختيار أيّ شيء من تلقاء أنفسهم. كانوا يطلبون منّا كل يوم أن نجتمع معًا 15 مرة على الأقل لتعداد صفات حكومة الحزب الشيوعي الصيني و 5 مرات على الأقل للتغنّي بتلك الصفات؛ ناهيك عن المهام السياسية، مثل جعلنا نتعلم قوانين السجن والدّستور، مع امتحان كبير يتمّ إجراؤه في هذه المعلومات كل ستة أشهر، وذلك من أجل غَسْل أدمغتنا. كذلك كانوا يُجرون لنا امتحانات في قوانين السجن والانضباط متى شاؤوا. ولم يقم حرّاس السجن بتعريض السجناء للتعذيب النفسي فحسب، بل قاموا أيضًا بتدمير أجسادنا بوحشيّة تامة: إذ كنّا نضطرّ أن نقوم بأكثر من 10 ساعات من العمل الشاق كل يوم، عدا عن أنّهم كانوا يجمعون مئات السجناء للعمل في مصنعٍ صغير وضيّق. وبسبب العدد الكبير من الأشخاص المتواجدين هناك ضمن مساحة صغيرة جدًا، وكذلك الضجيج المرتفع الذي تصدره الآلات في جميع أرجاء المكان، فمهما كانت صحّة الشخص متينة عند دخوله السجن، فسيتعرّض جسده بعد فترة قصيرة من الزمن لأذى خطير. كانت توجد خلفي آلة كبيرة تستخدم لثقب العروات داخل الأحذية. وكانت هذه الآلة تعمل بلا توقّف طوال اليوم، متسبّبة بضجيج مزعج لا يطاق. فبعد مرور بضع سنوات، أصيبت قدرتي على السمع بأذى خطير، ولم تستعد عافيتها حتى الآن. أمّا الأمر الذي كان أشدّ خطورة على السجناء، فهو كمية الغبار والملوِّثات الكبيرة داخل مبنى المصنع، حيث أُصيب العديد من الأشخاص بأمراض السل والتهاب البلعوم. كذلك، ولأنّه كان يتعيّن علينا أن نعمل في وضعيّة الجلوس لفترة طويلة دون أن نكون قادرين على التحرّك، أصيب معظم السجناء بداء البواسير الشديدة. إنّ حكومة الحزب الشيوعي الصيني تسعى إلى تحويل السجناء إلى ماكينات لصنع الأموال، دون أيّة مراعاة لما إذا كانوا سيعيشون أم لا، وتجبر السجناء على العمل كل يوم من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل. ولهذا السبب، كنت منهكةً وأشعر بالإرهاق الشديد طوال الوقت. ليس ذلك فقط، بل كان علينا أيضًا أن نجيب على جميع أنواع أسئلة فحوص المراقبة العشوائية التي يمكن أن تحدث في السجن في أي وقت. هذا فضلاً عن المهام السياسية الأسبوعية، والعمل اليدوي، والمهام العامة، وغيرها. بالتالي، كنت أقضي كل يوم في حالة من القلق النفسي الشديد، وكانت أعصابي متوتّرة إلى درجة الانهيار في جميع الأوقات، وذلك خشية من أن ارتكب أيّ خطأٍ وألا أتمكّن من إنجاز جميع المهمّات، فأتعرّض عندها لعقوبات حرّاس السجن. في مثل هذا النوع من البيئات، لم يكن من السهل فعلاً تمضية يوم واحد فقط بشكل آمن وسليم.

في بداية تنفيذ عقوبة السجن، لم يكن باستطاعتي تحمّل هذا النوع من التجاوزات القاسية داخل السجن، وكانت جميع أنواع ضغوط العمل المكثّفة للغاية، ناهيك عن الضغط الأيديولوجي، تجعلني أشعر بضيق نفس شديد. هذا فضلاً عن أنه لا مفرّ من التواصل مع مختلف أنواع السجناء المحكومين، وضرورة تحمل الإساءات الجسدية واللفظية وإهانات حراس السجن وكبار السجناء. كنت أشعر في كثير من الأحيان أنني معذبة إلى درجة اليأس، كما وصلت إلى حدّ اليأس مرات عديدة. وتحديدًا، كلما فكّرت في فترة السنوات التسع من السجن الطويلة للغاية، كنت أشعر بالدّمار والعجز. لا أعرف كم مرّة بكيت، حتى أنني فكرت في الموت كوسيلة للتحرّر من هذا النوع من المعاناة. لكن كلّما كنت أشعر بأن الحزن الشديد يخيّم عليّ وبأنني غير قادرة على الاستمرار أكثر من ذلك، كنت أصلي فورًا إلى الله وأدعوه، وكانت كلمات الله تنيرني وتقودني: "لا يمكن أن تموت بعد. ينبغي أن تسند نفسك وتستمرّ في العيش بثباتٍ؛ ينبغي أن تحيا حياةً لله. عندما يكون الحقّ داخل الناس، يكون لديهم هذا العزم ولا يرغبون في الموت أبدًا؛ وعندما يُهدِّدك الموت، ستقول: "يا الله، أنا غير مُستعدٍّ للموت؛ فما زلت لا أعرفك. ما زلت لم أردَّ محبَّتك. ينبغي أن أموت فقط بعد أن أكون قد عرفتك جيِّدًا". ...إذا كنت لا تفهم قصد الله وتتأمَّل فقط في معاناتك، فكلَّما فكرت فيها تزداد بؤسًا، وعندئذ ستصبح في مشكلة وتبدأ في معاناة عذاب الموت. ...إذا فهمت الحقّ، فسوف تقول: "لم أحصل على الحقّ بعد. ينبغي أن أبذل نفسي بذلاً صحيحًا من أجل الله. ينبغي أن أشهد لله شهادة حسنة. ينبغي أن أردَّ محبَّة الله. وبعد ذلك، لا يهمّ كيف أموت. فبعدها سوف أحيا حياةً مُرضية. بغضّ النظر عمَّن يموت غيري، لن أموت الآن؛ ينبغي أن أستمرّ في التشبُّث بالعيش" ("السعي وراء الحق وحده يمكنه إحداث تغيير في شخصيتك" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). لقد أشرقت كلمات الله كنور يماثل بنعومته ولطفه حنان الأم، فهدّأت قلبي الوحيد، وكانت أشبه بيدي الأب الدافئتين، فمسحت الدموع عن وجهي. وفجأة، تدفّقت نسمتان، واحدة من الدفء والأخرى من القوّة إلى قلبي. لقد فهمت أنه بالرغم من أنه يتحتم على جسدي يجب أن يعاني من الألم في هذا السجن المظلم، ولكن ليست مشيئة الله أن أسعى وراء الموت؛ فإذا لم أستطع أن أقدّم الشهادة لله فسأتحوّل إلى أضحوكة للشيطان. أمّا إذا تمكّنت بعد تسع سنوات من الخروج من هذا السجن الشيطاني، فذلك سيكون بمثابة الشهادة التي أقدّمها. لقد أعطتني كلمات الله الشجاعة للصمود وحسمت أمري سراً في قلبي: مهما تكن الصعوبات التي تنتظرني، فسأتغلّب عليها. سأعيش بشجاعة وبقوّة، وسأقدّم حتمًا الشهادة لله وسأرضيه.

من جرّاء العمل المُرهق الذي كان يتعيّن عليّ القيام به سنة بعد أخرى وشهرًا بعد آخر، كان جسدي يزداد ضعفًا كل يوم، كما أن الجلوس للعمل في المصنع لفترات طويلة، كان يجعلني أتصبب عرقاً بشكل غزير ومفرط. وعندما تكون بواسيري في حال سيئة جدًا، كانت معرّضة لأن تبدأ بالنزيف في أيّة لحظة، وغالبًا ما كنت أشعر بالدّوار بسبب فقر الدم الشديد. ومع ذلك، لم يكن الحصول على العلاج في السجن بالأمر السّهل. عندما يكون حرّاس السجن في مزاج جيد، كانوا يقدّمون لي بعض الأدوية الرخيصة. أمّا عندما يكون مزاجهم سيّئًا، فكانوا يقولون إنني أحاول التنصّل من عملي عبر التظاهر بالمرض، لذلك فكل ما كان يمكنني القيام به إذ ذاك هو تحمّل آلام المرض وازدراد دموعي. ولأنني كنت أعمل بشكل مفرط طوال اليوم، كنت أجرّ جسدي المنهك إلى زنزانتي في محاولة للحصول على بعض الراحة. لكن لم يكن لديّ حتّى الحقّ في الحصول على ليلة نوم جيّدة واحدة. فإمّا أن يوقظني حرّاس السجن في منتصف الليل للقيام بأمر ما، وإمّا أن يتعمّدوا إحداث ضجيج عالٍ لإيقاظي. كانوا في كثير من الأحيان يتلاعبون بي لدرجة أنني كنت أعاني من غيبوبة شديدة ومن بؤس لا يوصف. وعلاوة على ذلك، كان عليّ تحمّل المعاملة اللاإنسانية لحرّاس السجن. فكنت أنام إمّا على الأرض أو في الممرات مثل اللاجئين، أو حتى بجوار المرحاض. ولم يكن بالإمكان تجفيف الملابس التي أغسلها بواسطة الهواء، بل كان يتم تجفيفها من خلال حرارة الأجسام الناجمة عن زحمة السجناء الآخرين. أما الأمر الأكثر إزعاجًا على الإطلاق فكان غسيل الملابس في الشتاء، وقد أصيب العديد من الأشخاص بداء التهاب المفاصل من جرّاء ارتداء ملابس رطبة لفترات طويلة. في هذا السجن، ومهما مهما كان الفرد بصحة جيدة، فلا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً ليصبح بطيء الفهم أو منهارًا أو مصابًا بالعلل والأمراض. وغالبًا ما كنا نأكل الأوراق القديمة الذابلة والمنتهية الصلاحية التي تريد المتاجر التخلّص منها. أمّا إذا أردنا تناول طعام أفضل، فالحلّ الوحيد هو في ابتياع غذاء مرتفع الثمن من داخل السجن. في السجن، ورغم أن الحراس كانوا يجبروننا على دراسة القانون، إلا أنّه لم يكن هناك قانون في السجن؛ بل كان حرّاس السجن هم من يحدّدون القانون. كان الأمر يتطلّب فقط أن تقع أعينهم على شخص لا يعجبهم، ليتذرّعوا بأيّة حجّة قديمة للانتقام منه، وحتى لمعاقبته جسديًا دون أيّ سبب على الإطلاق. بل إن الأمر الأكثر بشاعة هو أنّهم قاموا بتصنيف أولئك الذين يؤمنون بالله القدير كسجناء سياسيين، قائلين إننا مجرمون أسوأ من السفّاحين أو المخرّبين. ولذلك تصرّفوا معي تحديدًا بطريقة عدوانية، وتعاملوا معي بقسوة شديدة وأخضعوني لعذابات مُرّة. وتُعدّ جميع هذه الأنواع المتعدّدة من الأفعال الشريرة دليلاً صارخًا على أن الحزب الشيوعي الصيني فاسد وملحد ومعارض لله! وبعد تحمّل العذاب القاسي على يد حرّاس السجن، غالبًا ما كان قلبي يمتلئ بالسخط المستقيم، وتكتنفني مشاعر الحزن والاستياء: أيّ قانون بعينه انتهكناه بإيماننا بالله وعبادتنا له؟ ما هي الجريمة المحدّدة التي ارتكبناها باتّباعنا الله وسلوكنا الطريق الصحيح في الحياة؟ البشر كائنات مخلوقة في يديّ الله، والإيمان بالله وعبادته حقيقة لا نزاع فيها. ما هو السبب الذي يدفع حكومة الحزب الشيوعي الصيني إلى اعتراض سبيلنا بشكل سافر، والقيام بكل ما في وسعها لقمعنا بقسوة؟ من الواضح أن هذه الحكومة فاسدة وملحدة، وأنّها تعارض الله في كل شيء. فهي تُصنّف أولئك الذين يؤمنون بالله القدير بأنهم رجعيّون، وتظلمهم وتفتك بهم بشدّة، وتحاول أن تعتقل جميع الذين يتّبعون الله القدير، وأن تفنيهم. أليس هذا خلطٌ بين الصواب والخطأ، وبمثابة تصرّف رجعيّ تمامًا؟ إنّهم يعارضون السّماء بوحشية ويضعون أنفسهم في مواجهة مع الله، لكن في النهاية يجب أن يلاقوا عقاب الله المحقّ! لأنه يجب أن تكون هناك دينونة حيثما وُجد فسادٌ، ويجب أن يكون هناك توبيخٌ حيثما وجد شرٌّ – هذه هي القواعد والمبادئ السماوية التي قضى بها الله، ولا يمكن لأحد أن يتهرّب منها. إن حكومة الحزب الشيوعي الصيني مذنبة بارتكاب أبشع الجرائم، وسيدمرها الله لا محالة. وذلك بحسب ما قال الله: "لقد مقت الله هذا المجتمع المظلم طويلاً من أعماقه. إنه يصر بأسنانه، ويرغب أن يطأ بقدمه هذه الحية القديمة الشنيعة الشريرة لكي لا تقوم مجددًا أبدًا، ولا تسيء إلى الإنسان أبدًا من جديد. لن يتسامح مع أفعالها في الماضي، ولن يتسامح مع خداعها للإنسان، وسيصفي حساب كل خطيّة من خطاياها عبر العصور؛ لن يكون الله متساهلاً ولو قليلاً مع زعيم كل الشرور[1] هذا، سيهلكه بالكامل" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. العمل والدخول (8)).

في هذا السجن الشيطاني، لم أكن أفضل حالاً من كلب ضال في عيون الشرطة الشريرة. فهم لم يسيئوا إليّ جسديًا ولفظيًا فحسب، بل كانوا يعبثون غالبًا في سريري ويبعثرون مقتنياتي الشخصية في كل أرجاء المكان. كذلك عندما يحدث أيّ نوع من الاحتجاجات الاجتماعية خارج السجن، كان المعنيّون بالأمور السياسية داخل السجن يأتون إليّ، ويستجوبونني بشأن وجهات نظري حول ما حدث، وإذا كانت إجابتي غير مرضية بالنسبة لهم، كانوا يوبخونني مرارًا لاتّباعي طريق الإيمان بالله. وكلما اضطررت لمواجهة هذا النوع من الاستجوابات، كان قلبي يقفز إلى حلقي، لأنني كنت أتوجّس عندها من نوع المخططات التي كانوا يحوكونها ضدّي. لطالما كان قلبي يصلي بشكل طارئ إلى الله ويدعوه أن يساعدني ويقودني للخروج من هذه الأوقات الصعبة. ويومًا بعد آخر، وسنة بعد أخرى، كانت جميع أنواع سوء المعاملة والاستغلال والقمع المختلفة تمثّل تعذيبًا لا يوصف: كان كل يوم مثقلاً بأعباء الأعمال الشاقّة، والمهام السياسية الرتيبة، وآلام المرض، ناهيك عن القمع النفسي الطويل الأمد. وذلك كلّه أوصلني تقريبًا إلى حافة الانهيار. وبشكل خاص، أتى وقت رأيت فيه سجينة في منتصف العمر تشنق نفسها من نافذة زنزانتها في منتصف الليل، لأنها لم تعد قادرة على تحمل المزيد من العذابات اللاإنسانية من جانب الشرطة الشريرة. وفي وقت آخر، توفّيت سجينة مسنّة في السجن لأنها لم تعالَج من مرضها بالسرعة الكافية. وفي تلك الأوقات كدت أقع من جديد في اليأس الخانق. ومجدّدًا، كنت أفكّر بالموت كطريقة لإنهاء مشاكلي، وشعرت بأن الموت هو الطريقة الفضلى للتحرّر. ولكنّني كنت أعرف أنه سيكون خيانة لله، ولم يكن باستطاعتي القيام بذلك. كل ما كان يسعني فعله هو تحمّل كلّ هذا الألم وإطاعة مخططات الله وترتيباته. ولكن حين كنت أفكّر في فترة عقوبتي التي لا تنتهي، وكيف أنّ الحصول على الحريّة بعيد المنال في هذا المستقبل غير المحدود، كنت أشعر بألم ويأس لا يوصفان، وأشعر أنني عاجزة فعلاً عن الصمود أكثر من ذلك؛ ولم أكن أعرف حقًّا كم من الوقت سأظلّ قادرةً على المتابعة. وفي مرات عديدة، كل ما كنت أستطيع القيام به هو التسلّل إلى تحت ملاءات السرير والشهيق سرًّا في أعماق الليل، والصلاة إلى الله القدير، والبوح له بكل متاعب قلبي. وحين كنت أعاني من الألم الأكثر شدّة وأشعر بأقصى درجات العجز، فكرت في كلمات الله هذه: "لقد عانيتم جميعًا بصفةٍ خاصَّة من الاضطهاد وواجهتم صعوبةً في العودة إلى الوطن؛ أنتم تعانون ولديكم أيضًا أفكار الموت وعدم الرغبة في الحياة. هذه هي نقاط ضعف الجسد...أنت لا تعرف ما يفعله الله اليوم. ينبغي أن يسمح الله بمعاناة جسدك من أجل تغيير شخصيَّتك. مع أن جسدك يعاني، فإن لديك كلمة الله وبركته. لا يمكن أن تموت حتَّى إذا كنت تريد ذلك: هل يمكنك أن تقبل على نفسك عدم معرفة الله وعدم الحصول على الحقّ في حال موتك؟ الآن الأمر كُلّه أساسًا هو أنَّ الناس لم ينالوا الحق بعد، وليس لديهم حياة. والناس الآن في خِضَمّ عملية السعي إلى الخلاص، لذلك يجب أن يعانوا إلى حدٍ ما خلال هذه الفترة. واليوم يُجرَّب الجميع في كافة أنحاء العالم: ما زال الله يعاني – هل صحيح أنَّكم لا تعانون؟" ("السعي وراء الحق وحده يمكنه إحداث تغيير في شخصيتك" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). كلمات الله هذه أراحت قلبي الحزين، ومكّنتني من فهم معنى المعاناة. يقوم الله الآن بعمله لتغيير شخصيّة الإنسان؛ أنا لا أزال فاسدة وهناك العديد من سموم الشيطان في داخلي، فكيف يمكنني الوصول إلى التغيير والتطهير دون معاناة؟ هذا الألم هو شيء يُفترض أن أعاني منه، وهو شيء يجب أن أتحمله. عندما فكّرت في هذه الأمور، لم أشعر بأيّ ألم، بل على العكس، شعرت أن قدرتي على تحمّل هذا الاضطهاد وتحمّل عقوبة السجن بسبب إيماني بالله، وإمكانية أن أعاني أثناء السعي وراء الخلاص، كانت الأمور الأكثر قيمة ونفعًا – فهذا الألم الذي كنت أعاني منه كان يستحق العناء فعلاً! ومن دون أن أعي ذلك، تحوّل قلبي عن الحزن وأصبح فرحًا، وشعرت برغبة لا تقاوم في ترداد ترنيمة في قلبي، وهي بعنوان"نحن محظوظون لأن نلتقي بمجيء الله": "محظوظون لملاقاة مجيء الله، نسمع صوته. محظوظون لملاقاة مجيء الله، نحضر عشاء عُرس الخروف. نعرف الله القدير المتجسّد. نرى أعماله العجيبة. نفهم سر الحياة البشرية، وكلمات الله القدير ثمينة.... مَنْ يستطيع أن يكون أكثر حظًا؟ مَنْ يستطيع أن يكون أكثر مباركةً؟ يهبنا الله الحق والحياة، يجب أن نحيا من أجل الله. يجب أن نحيا من أجل الله. يجب أن نحيا من أجل الله. نجتني الحق ونشهد لله ليجازينا بمحبة الله." لقد غنّيت هذه الترنيمة في قلبي مراراً وتكراراً. وكنت كلّما غنيتها أكثر كلما تشجّع قلبي أكثر، شعرت بمزيد من القوّة والاستمتاع، ولم يكن بوسعي إلا أن أقسم يمينًا أمام الله: "آه، يا الله القدير، أشكرك على عزائك وتشجيعك، وعلى إعطائي الإيمان والشجاعة للصمود. أنت تجعلني أشعر أنك حقًّا ربّ حياتي، وقوّة حياتي. ورغم أنني وقعت في وكر الشياطين هذا، فأنا لست وحيدة، لأنك دائمًا معي في هذه الأيام المظلمة، وتعطيني الإيمان والقوة للصمود مرة تلو الأخرى. يا إلهي، إذا استطعت مغادرة هذا المكان يومًا ما، وتمكّنت من العيش بحرية، سأظلّ أقوم بواجبي. لن أتسبّب لك بعدئذ بالغمّ، ولن أضع أيّة خطط لمصلحتي الخاصة. يا إلهي، مهما يمكن أن تكون الأيام القادمة صعبة أو مؤلمة، أتمنى أن أتّكل عليك وأن أصمد بقوّة!"

أثناء فترة إقامتي في السجن، كنت أستعيد غالبًا الأيام التي أمضيتها مع إخوتي وأخواتي – كم كان ذلك الوقت رائعًا! كان الجميع سعداء وكانوا يضحكون. كانت هناك نزاعات أيضًا، لكن كل ذلك أصبح ذكرى جميلة بالنسبة لي. في كل مرة كنت أتذكّر فيها كيف كنت مُقصِّرة في واجباتي، كنت أشعر بالذنب وبأنني مدينة بالكثير؛ ولدى تذكّري النزاعات التي دخلت فيها مع إخوتي وأخواتي بسبب شخصيّتي المتغطرسة، كنت أشعر بالحزن والندم الشديدين. وفي مثل هذه الأوقات، كنت أبكي بمرارة، وأردّد بالسرّ ترنيمةً في قلبي: "لقد آمنت بالله لسنوات طويلة، لكنّني لم أؤدِّ يومًا واجبي جيدًا، فأشعر بندم عميق في قلبي. استمتعت بالكثير من محبة الله، لكنّني لم أعطِه شيئًا بالمقابل. منحني الله الكثير من الفرص للممارسة، لكنّني قاربتها بإهمال، وبدل هذا، سعيت بمفردي إلى المكانة والشهرة والثروة ووضعت خططًا لمصيري المستقبلي. أنا متمرد جدًا ولا أشعر بالخجل، وقد هدرت الكثير من الوقت المفيد...أنا أشعر بندم شديد – لماذا لم ألاحظ أنّ شخصية الله بارّة؟ لا أعرف إن كانت توبتي متأخرةً، فأنا أشعر بندم شديد. لا أعرف إن كان الله سيمنحني فرصةً أخرى، فأنا أشعر بندم شديد" (."أنا أشعر بندم شديد" في"اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). في خضم هذا الألم ولَوم الذات، غالباً ما كنت أصلي في قلبي إلى الله: "يا الله! أنا حقًّا مدينة لك بالكثير. إذا سمحت بذلك، أودّ أن أسعى وراء محبّتك، وبعد أن أخرج من السجن، أتمنى أن أستمرّ في القيام بواجبي. لا بل أودّ أن أبدأ من جديد وأعوّض عن ديوني السابقة." خلال أيامي في السجن، افتقدت حقًا الإخوة والأخوات الذين تقربت منهم بشكل كبير، وأردت حقًّا أن أراهم. ومع ذلك، كنت لا أزال مأسورة هنا في هذا السجن الشيطاني، لذا فإنّ هذه الرغبة لم تكن أكثر من أمنية خيالية.

ولكن كثيرًا ما كنت أرى إخوتي وأخواتي في أحلامي، وأحلم أننا متواجدون معًا، نقرأ كلمات الله ونتشارك عن الحقّ، ونحن سعداء جدًّا، وفرحين جدًّا … عندما وقع زلزال ونتشوان عام 2008، اهتزّت أيضًا أركان السجن الذي كنّا محتجزين فيه، وكنت الشخص الأخير الذي يتمّ إجلاؤه من المكان. استمرّت الهزّات الارتدادية لعدة أيّام، وكان السجناء وحرّاس السجن يعيشون في حالة من الرعب والتأهب طوال اليوم. ولكنّني شعرت في قلبي بالهدوء والاطمئنان الشديدين، لأنني عرفت أن ذلك هو تحقيق لكلمات الله، وبمثابة نار غضب الله التي حلّت على أولئك الذين قاوموه على الأرض، وعاقبتهم. كان هذا الزلزال هو الأعنف من نوعه على مدى مئة عام، وفي ذلك الوقت كانت كلمات الله تحمي قلبي دائمًا. آمنت أن الحياة والموت هما في يَدَي الله، ومهما فعل الله، فسأكون دائمًا على استعداد لإطاعة مخطّطاته وترتيباته. ولكن الشيء الوحيد الذي جعلني حزينة هو التفكير بأنه إذا متّ فلن تسنح لي الفرصة بعدئذ للقيام بواجبي تجاه الخالق، ولا لردّ الجميل لمحبة الله، كما لن أتمكن من رؤية إخوتي وأخواتي. غير أن قلقي هذا لم يكن في محلّه. إذ كان الله دائمًا معي، مقدّمًا لي أعظم حماية، ومتيحًا لي الهروب من الموت خلال الزلزال العظيم والنجاة منه معافاةً وسليمةً!

في يناير/كانون الثاني 2011، حصلت على إطلاق سراح مبكّر، لتنتهي أخيرًا فترة احتجازي الظالمة في السجن. بعد أن نلت حرّيتي، شعرت في قلبي بإثارة لا تُصدّق: "يمكنني الآن العودة إلى الكنيسة من جديد! يمكنني أن أكون مع إخوتي وأخواتي مرة أخرى!" لقد كنت متحمّسة للغاية، وكنت عاجزة فعلاً عن التعبير عن مشاعري بالكلمات. لكن ما لم أكن أتوقّعه بعد عودتي إلى المنزل، هو أن ابنتي لم تتعرف عليّ، وكلّ من الأقارب والأصدقاء كانوا ينظرون إليّ شزرًا، وينأون بأنفسهم عني ويتبرّأون منّي. كذلك لم يفهمني أحدٌ من حولي، وعجزوا عن القبول بي. ورغم أنني في ذلك الوقت لم أكن أتعرّض لسوء المعاملة وعذاب السجن، إلاّ أنّ تحمّل الإعراض عنّي والسّخرية والرفض كان أكثر صعوبة حتّى؛ فأصبحت ضعيفة. لم يكن يسعني عندئذ سوى استعادة الماضي في ذهني: كنت قد بلغت للتوّ 31 عامًا من العمر في السّنة التي أُرسِلت فيها إلى السجن، وعندما خرجت من السجن كنت أبلغ بالفعل 39 عامًا من العمر. إذًا، فقد قضيت 8 فصول شتاء و 7 فصول صيف في السجن. في مرّات عديدة، عندما كنت أشعر بالوحدة والعجز، كان الله يستخدم الأشخاص والأحداث والأشياء لمساعدتي؛ وفي مرّات عديدة، عندما كنت أرزح تحت وطأة الألم واليأس، كان الله يستخدم كلماته ليعزيني؛ وفي مرات عديدة، عندما كنت أريد أن أموت، كان الله يعطيني القوّة ويجعلني أمتلك الشجاعة للمضيّ قدمًا في الحياة. وخلال تلك السنوات الطويلة جدًا والمؤلمة، كان الله هو الذي قادني خطوة بخطوة عبر وادي الموت، ومكّنني من الصمود والاستمرار. والآن عندما أواجه هذا النذر اليسير من المعاناة، أشعر بالتعاسة والضعف، الأمر الذي يسبّب الحزن لله – أنا حقًا شخص حقير، وضعيف، وعديم الفائدة، وناكر للجميل! عند تفكيري في ذلك، أدنت نفسي بشدّة، ولم يسعني سوى التفكير في اليمين الذي أقسمته أمام الله عندما كنت في السجن: "إذا غادرت هذا المكان يومًا ما وأصبحت قادرة على العيش بحرية، سأستمرّ في القيام بواجبي. لن أتسبّب لك بعد الآن بأيّ حزن يا الله، ولن أضع أيّة خطط لمصلحتي الخاصة." عند تفكيري في هذا القسم وتذكّري ذلك الوقت الذي أقسمت فيه هذا اليمين أمام الله، اغرورقت عيناي بالدموع، وبدأت أردّد ببطء ترنيمة: "أنا شخصيًا مستعد لمواصلة السير إلى الله واتباعه. يريد الله الآن أن يتخلى عني ولكني لا أزال أرغب في اتباعه. وسواء أكان يريدني أم لا، سأظل أحبه، وفي النهاية يجب أن أفوز به. أقدم قلبي إلى الله، وبغض النظر عمّا يفعله، سأتبعه طوال حياتي. ومهما كان، يجب أن أحب الله وأن أفوز به؛ لن أرتاح حتى أفوز به" ("أنا عازم على محبة الله" في"اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة").

بعد قضاء بعض الوقت في الالتزامات الروحية وإجراء التعديلات، تمكّنت، بفضل استنارة الله وتوجيهه، من التغلّب بسرعة على سلبيّتي والانخراط من جديد في القيام بواجبي.

ورغم أنني أمضيت أفضل سنوات شبابي في السجن، فقد تمكّنت خلال تلك السنوات السبع والأشهر الأربعة من اختبار المعاناة من أجل إيماني بالله، ولست نادمة على الإطلاق. ولأنني توصلت إلى فهم بعض الحقّ واختبرت محبة الله، أشعر أنه كان لتحمّل هذا الألم معنى وقيمة، وأن ما حدث كانبمثابة تعظيم الله الاستثنائي لي ولطفه بي، وفضل الله الخاص عليّ. وحتّى وإن كان الأصدقاء والأقارب لا يفهمونني، ولم تتعرّف إلي ابنتي، فلا شيء ولا أحد يستطيع أن يقطع علاقتي بالله؛ حتّى الموت لا يستطيع أن يحول بيني وبينه.

"المحبّة النقيّة بلا شائبة" هي الترنيمة التي لطالما أحببت أن أردّدها في السّجن، واليوم أريد أن أكرّس محبتي الأكثر نقاءً لله من خلال اتخاذ إجراءات عملية!

حواشي:

[1] "زعيم كل الشرور" تشير إلى الشيطان القديم. تعبر هذه العبارة عن كراهية مفرطة.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

ترنيمة حياة وسط الخراب

بقلم غاو جينغ – مقاطعة خِنان حظيت في عام 1999 بقبول عمل الله القدير في الأيام الأخيرة. وأدركت من خلال قراءة كلام الله ما يتمتع به كلامه من...

قصة التعرّض للاعتقال مرتين

ذات مساء من شهر سبتمبرأيلول 2002، كنا، أنا وأخ أصغر مني سنًّا، في طريق العودة إلى المنزل من مشاركة الإنجيل، حين فوجئنا برجلين قادمين نحونا،...

اترك رد