الإفلات من فكي الموت

2020 سبتمبر 12

يقول الله القدير، "لا يغيب الله مطلقًا عن قلب الإنسان، بل إنه موجود معه على الدوام. إنه القوة التي تغذي حياة الإنسان، وكُنه الوجود البشري، ومَعين ثري لوجوده بعد ولادته. يهب الإنسان ولادة جديدة، ويمنحه القدرة على أن يؤدي دوره في الحياة على أكمل وجه وبكل مثابرة. ظل الإنسان يحيا جيلاً بعد جيل بفضل قدرة الله وقوة حياته التي لا تنضب، وكانت قوة حياة الله طوال هذه المدة هي ركيزة الوجود الإنساني التي دفع الله من أجلها ثمنًا لم يدفعه أي إنسانٍ عادي. لقوة حياة الله القدرة على السمو فوق أي قوة، بل والتفوق على أي قوة؛ فحياته أبدية وقوته غير عادية، ولا يمكن لأي مخلوق أو عدو قهر قوّة حياته. قوة حياة الله موجودة وتلمع بأشعتها البراقة، بغض النظر عن الزمان والمكان. تبقى حياة الله إلى الأبد دون أن تتغير مهما تغيَّرت السماء والأرض. الكل يمضي ويزول وتبقى حياته لأنه مصدر وجود الأشياء وأصل وجودها" ("الكلمة يظهر في الجسد"). حين قرأت هذا المقطع سابقًا، فهمته فقط من الناحية النظرية، ولكنني لم أفهمه حقًا أو أقدّره. ولاحقًا، تم توقيفي واضطهادي وتعذيبي بقسوة على يد الحزب الشيوعي الصيني وقد كان كلام الله مرشدي إلى الإفلات من فكّي الموت، مرة تلو المرة بينما كان الشيطان يدمرّني. رأيت أعمال الله العجيبة واختبرت بنفسي تفوّق سلطان كلامه على سائر الأشياء. اكتسبت بعض المعرفة بالله فكبُر إيماني.

كان ذلك في عام 2006، حين كنت مسؤولاً في الكنيسة عن طباعة كتب كلام الله. أذكر ذات مرة، خلال عملية تسليم بعض الكتب، تعرّض بعض الأخوة والأخوات المسؤولين عن تسليم الكتب وسائق للمطبعة كنا قد وظفناه، للتوقيف جميعًا على يد شرطة الحزب الشيوعي الصيني. وصودرت 10 آلاف نسخة من كتاب "الكلمة يظهر في الجسد" كانت موجودة في السيارة. وشى السائق بنا، فتم توقيف حوالي 12 أخًا وأختًا آخرين. أدت هذه القضية إلى بلبلة في مقاطعتين ومن ثم بدأت اللجنة المركزية بالإشراف عليها. اكتشفت حكومة الحزب الشيوعي الصيني لاحقًا أنني من قادة الكنيسة، وذهبت إلى حد إرسال شرطيين مسلحين للتحري عن مجال عملي. صادروا حينذاك السيارتين والشاحنة التابعة للمطبعة التي كنا نتعامل معها، فضلاً عن 65.500 يوان نقدًا منهم. كما صادروا أكثر من 3000 يوان من الإخوة والأخوات الذين كانوا يساعدون في تسليم الكتب. جاءت الشرطة لتفتيش منزلي مرتين بعد ذلك، خالعين الباب كل مرة. كسروا وحطموا كل ما لمسته أيديهم، تاركين البيت في حالة من الخراب التام. لم يتمكن الحزب الشيوعي الصيني من توقيفي ولكنهم احتجزوا جيراني وأشخاصًا آخرين مرتبطين بي، وحاولوا إرغامهم على البوح بمكان وجودي.

لم يكن لي من خيار سوى الهرب إلى منزل أحد الأقرباء الواقع على مسافة بعيدة هربًا من توقيف الحزب الشيوعي الصيني واضطهاده. ولمفاجأتي، خلال الأمسية الثالثة لي هناك نسّقت الشرطة في بلدتي مع الشرطة المسلحة المحلية والشرطة الجنائية، فقام أكثر من 100 شخص بضرب طوق محكم حول منزل قريبي بحيث استحال مرور أي شيء عبره. ومن ثم اقتحمت الشرطة البيت. فسدد 12 شخصًا منهم تقريبًا مسدساتهم إلى رأسي وصرخ أحدهم، "إن تحركت مُتّ!" تدافعوا لوضع الأغلال في يدي فلووا ذراعي اليمنى خلف كتفي وجذبوا ذراعي اليسرى من خلفي. لم يتمكنوا من تقييدي فثبّتوا رجل أحدهم على ظهري وجروا ذراعي إلى الأعلى ثم قيّدوا رسغيّ بالأصفاد بالقوة. كان الألم يفوق الاحتمال. سلبوني مبلغ 650 يوانًا وجدوها في جيبي وسألوني أين توجد أموال الكنيسة، طالبين مني تسليمها لهم. فاستشطت غضبًا. أي نوع من "شرطة الشعب" هم؟ كنت أحضر الاجتماعات وأقرأ كلام الله وأؤدي واجباتي الإيمانية، ولكن جمعوا قوة ضخمة وقطعوا كل تلك المسافة لمجرد توقيفي، والآن هم يريدون نهب أموال الكنيسة واختلاسها. كان الوضع أكثر من مهزلة! حين رأوا أنني لا أتكلم، تقدم مني شرطي وصفعني مرتين بقوة شديدة، وركلني حتى وقعت أرضًا. ومن ثم انهالوا عليّ رفسًا وكأنني كرة للقدم. أغمي عليّ من شدة الألم. حين استعدت وعيي وجدت نفسي في سيارة للشرطة تعود بي إلى بلدتي. في السيارة، كانت الشرطة قد قيّدتني بأغلال ثقيلة فكانت سلسلة تقيّد عنقي من طرف، وقدميّ من الطرف الآخر. كل ما كان بوسعي فعله هو الانطواء على نفسي ككرة ووجهي إلى الأسفل ومن ثم الاستناد إلى صدري ورأسي تجنبًا للوقوع. حين رأى الشرطيون حالتي البائسة اكتفوا بالسخرية مني وقالوا لي شتى الأقوال المذلة. كنت أعرف حق المعرفة أنهم كانوا يعاملونني بهذا الشكل بسبب إيماني بالله القدير. فلمعت في ذهني هذه الآية التي نطق بها الله في عصر النعمة: "إِنْ كَانَ ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَٱعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ" (يوحنا 15: 18). كلما أمعنوا في إذلالي بتلك الطريقة زادت بشاعتهم وضوحًا بنظري وطبيعتهم الشيطانية والشريرة الكارهة لله. زاد كرهي لهم أكثر بعد. ناديت الله مصليًا بلا توقف في قرارة قلبي، طالبًا منه أن يحمي قلبي كي أتمكن على الرغم من أي نوع تعذيب قد أتعرض له من الشهادة له وإذلال الشيطان. بعد الصلاة، فكرت في كلام الله: "كونوا هادئين في داخلي، لأني إلهك، فاديكم الوحيد. يجب أن تُهَدِّئُوا قلوبكم على الدوام، وتعيشوا في داخلي؛ أنا صخرتكم، نصيركم" ("الكلمة يظهر في الجسد"). هذا صحيح. كل أمور البشر بيد الله ورهن تدبيره، ولله الكلمة الأخيرة في تقرير حياتنا أو موتنا. إذا كان الله القدير يساندني فمم أخاف؟ جددت تلك الفكرة إيماني، فعزمت على الاتكال على الله لمواجهة العذاب القاسي الذي كان ينتظرني.

لا أعرف كم من مرة أغمي عليّ من شدة الألم حين سارت بنا السيارة لأكثر من 18 ساعة. أذكر فقط أن الساعة كانت قد تخطت الثانية فجرًا حين وصلتُ إلى المعتقل في بلدتي. شعرت وكأن كل الدماء قد تجمدت في عروقي. كانت يداي وقدماي منتفختين لدرجة أنني فقدت الإحساس بهما وعجزت عن تحريكها تمامًا. سمعت شرطيين يتحدثان عني قائلين: "هل مات الرجل؟" بعد ذلك جذبا أغلالي بعنف وجرّاني. شعرت بأسنان أغلالي تنغرز في لحمي بالعمق، ثم جرّاني بخشونة خارج السيارة ورمياني على الأرض فأغمي عليّ من شدة الألم. وبعد ذلك بقليل، ركلني شرطي بقوة وأيقظني، ثم سحبني بعنف إلى خلية المحكوم عليهم بالإعدام. في اليوم التالي قام حوالي 12 شرطيًا مسلحًا باصطحابي من المعتقل فأخذوني إلى مكان ناءٍ خارج ضواحي المدينة. كانت هناك باحة كبيرة محاطة بأسوار عالية، وقد بدا أنها تحت حراسة مشددة. كانت الشرطة المسلّحة تحرس المكان وقد كتب على لافتة الباب "قاعدة تدريب كلاب الشرطة". حالما دخلت الغرفة رأيت أنواع أدوات التعذيب كافة ملقاة على طاولة. حين رأيت ذلك، تجمدت الدماء في عروقي. طلبت مني الشرطة أولا أن أقف في وسط الباحة وأمرتني بألا أتحرك. وفتحوا قفصًا وأطلقوا منه 4 كلابًا مفترسة دلّوا الكلاب عليّ بإصبعهم آمرين إياها قائلين: "هيا اقتليه!" اتجهت تلك الكلاب الأربعة نحوي بوحشية فأغمضت عيني من الخوف كنت مصعوقًا وكان رأسي يطن، فخالجتني فكرة واحدة: "يا الله! خلصني! خلصني!" ناديت الله في قلبي مرة تلو المرة. وبعد هنيهة أدركت فجأة أن الكلاب كانت تعض ملابسي وحسب وأنها لم تصبني بجراح مطلقًا. كان هناك أيضًا كلب يتكئ على كتفي، يشمني ويلعق وجهي، ولم يؤذني هو أيضًا. فكرت فجأة في النبي دانيال في الكتاب المقدس. فقد ألقوا به في جب الأسود لأنه كان يعبد الله، ولكن الله كان معه. أرسل ملائكته ليكمم أفواه الأسود فلم تُلحق الأسود الجائعة أي أذى بدانيال. عززت تلك الفكرة إيماني شعرت حقًا بأن كل شيء بيد الله. وأن قرار حياتي أو موتي يعود إليه. فكرت في ذهني: "إن سمح الله بأن أستشهد لأجل إيماني اليوم، سيكون ذلك شرف لي ولن أتذمر". لم تقيدني فكرة الموت، وحالما أصبحت مستعدًا للتضحية بحياتي كي أشهد لله، رأيت عملاً آخر عجيبًا من أعمال الله. سمعت أولئك الشرطيين يصرخون "اقتلوه! اقتلوه!ً" ولكن الكلاب جاءت إليّ فحسب وعضت ملابسي وشمتني ولعقتني ثم استدارت راكضة. أوقفت الشرطة الكلاب وحاولت أن تدفعها إلى العودة لمهاجمتي ولكن الكلاب تفرّقت مذعورة وهربت ولم تعضني كذلك. حار الشرطيون بأمرهم وقالوا: "كم غريب أن الكلاب تأبى أن تعضه!" وحين سمعت ذلك خطر لي كلام الله: "فقلب الإنسان وروحه تمسكهما يد الله، وكل حياة الإنسان تلحظها عينا الله. وبغض النظر عمّا إذا كنت تصدق ذلك أم لا، فإن أي شيء وكل شيء، حيًا كان أو ميتًا، سيتحوَّل ويتغيَّر ويتجدَّد ويختفي وفقًا لأفكار الله. هذه هي الطريقة التي يسود بها الله على كل شيء" ("الكلمة يظهر في الجسد"). بقيت سليمًا معافى وسط مجموعة من كلاب الشرطة بفضل لله الذي حماني بصمت فبيّن لي قدرته الكلية وأعماله العجيبة. زاد إيماني بالله أكثر فأكثر.

حين أدركت الشرطة أن الأمور تسير على غير ما ترجوه، أخذتني إلى غرفة التعذيب وعلقتني من أعلى السقف بواسطة الأغلال. شعرت فورًا بألم ثاقب في رسغيّ وكأنهما انكسرا. ومع ذلك لم يكلّوا، بل بدأوا بضربي وبركلي. وحين كان أحدهم يشعر بالإنهاك كان يأتي آخر للحلول محله. ضُربت حتى كستني الكدمات وخسرت الكثير من الدم. عند حلول المساء لم يكونوا قد أفلتوني بعد. وبمجرد أن أغمض عيني ولو لبرهة كانوا يصعقونني بهراواتهم، وقال لي أحد الشرطيين وهو يضربني، "حين يضربك أحدهم ويفقدك وعيك سأوقظك بالطريقة نفسها تحديدًا!" حين سمعته يقول ذلك، عرفت أن الشيطان كان يجرب كل ضروب التعذيب القاسي ليهزمني بحيث إذا تعذبت لدرجة الانهيار ولم أتمكن من التفكير بوضوح سيحصلون مني على معلومات بشأن الكنيسة. ومن ثم سيتمكنون من توقيف الإخوة والأخوات ومصادرة أموال الكنيسة. صررت أسناني متحملاً الألم وحذرت نفسي قائلا: "حتى وإن شنقوني، لن أستسلم قط للشيطان!" بقوا يعذبونني بهذا الشكل حتى فجر اليوم التالي. فشعرت بأنني منهك القوى بالكامل وبأني إن مت سأرتاح، وأنني لا أملك الطاقة للصمود بعد. ناديت الله في صلاتي بلا توقف في قرارة قلبي، "آه يا الله! جسدي ضعيف ولم أعد أستطيع تحمل ذلك حقًا. وفيما لا يزال فيّ نفس ولا أزال مدركًا ويقظًا أرجوك أن تأخذ روحي. لن أكون كيهوذا وأخونك". فكرت في الكلام التالي لله بعد أن تلوت صلاتي: "هذه الجولة من عمل الله ومجيئه في الجسد وميلاده في مكان سكنى التنين العظيم الأحمر، فإن مجيئه إلى الأرض هذه المرة تصاحبه المزيد من المخاطر المفرطة. ما يواجهه هو السكاكين والبنادق والهراوات، ما يواجهه هو التجربة؛ ما يواجهه هو الحشود التي تتسربل في هيئة سفاحين. يخاطر بأن يتعرض للقتل في أية لحظة" ("الكلمة يظهر في الجسد"). الله هو الخالق. إنه عظيم جدًا وأمين جدًا. صار جسدًا مرتين وتحمل ذلاً عظيمًا ليعبّر عن الحقيقة وينقذ البشرية. فأصبح مطاردًا ومضطهدًا على الدوام من الشيطان، ومدانًا ومنبوذًا من العالم الديني ومن كلا الجيلين. كان عذاب الله هائلاً. التفكير في محبة الله أثر فيّ بعمق فقررت ما يلي: "طالما فيّ نفس واحد سأشهد لله وأذل الشيطان!" حين رأت الشرطة أنني توقفت عن الكلام أو استجداء الرحمة لمدة طويلة، خشوا أن يضربوني حتى الموت فلا يستطيعون رفع تقريرهم. فكفوا عن ضربي، وتركوني معلقًا على الجدار ليومين وليلتين أخريين.

وكان الطقس باردًا جدًا حينذاك. كنت أرتدي ثيابًا خفيفة جدًا وكنت مبللا بالكامل، وفوق ذلك لم أتناول أي طعام منذ أيام. فشعرت بأنني غير قادر على الصمود مطولاً. في تلك اللحظة حاولت الشرطة اللجوء إلى حيلة أخرى من حيلها، فطلبت عالم نفس ليحاول التأثير على تفكيري وغسل دماغي. قال عالم النفس "ما زلت شابًا ولديك أب وأم وأولاد. منذ توقيفك، لم يبيّن المؤمنون الآخرون، بمن في ذلك زعيمك، أي قلق تجاهك. أليس من التهور أن تتعذب بهذا القدر نيابة عنهم؟" حين سمعت تلك الأكاذيب، فكّرت: "إن جاء إخوتي وأخواتي لزيارتي، ألن يقعوا مباشرة في فخ؟ أنتم تحاولون خداعي واستدراجي بواسطة هذه الحيل، واستغلال علاقاتي بإخوتي وأخواتي كي أسيء فهم الله وألومه وأرفضه. لن أسمحك لكم بالنجاح". بفضل حماية الله، رأيت الحقيقة رغم حيل الشيطان فلم أُخدع. وحين هُزم عالم النفس، هزّ رأسه وقال: "يستحيل مساعدة هذا الرجل. مهما فعلنا لا يمكننا استخراج أي معلومة منه. لن يتزحزح". عندما قال هذا، هز رأسه وغادر مجرجرًا أذيال الخيبة.

ولكن حين أدركوا أن الطريقة الألطف لم تنجح، عادوا ليظهروا على حقيقتهم فعلقوني ليوم كامل آخر. وبحلول ذلك المساء شعرت ببرد شديد جعلني أرتجف من رأسي إلى أخمص قدميّ وشعرت بيديّ وكأنهما ستنفصلان عن جسدي. كان أمرًا مؤلمًا جدًا. كانت أفكاري مشوشة وشعرت بأنني عاجز حقًا عن الصمود. وفي تلك اللحظة اندفعت مجموعة من الشرطيين فجأة إلى الغرفة وقد حمل كل منهم عصا يبلغ طولها مترًا تقريبًا. فانهالوا عليّ بالضرب الشديد على ركبتيّ وكاحليّ، وبدأ بعضهم يقرصني. كان الألم من الشدة بحيث رغبت في الموت. في تلك اللحظة، انهرت بالفعل. أخيرًا لم يعد بوسعي التحمل أكثر، وبدأت أبكي. خطرت في ذهني فكرة خيانة الله. ظننت أنني ربما أستطيع التحدث عن إيماني طالما لا أورّط إخوتي وأخواتي في المسألة. حين رآني الشرطيون أبكي، أنزلوني أرضًا. تركوني ملقى على الأرض وسكبوا لي بعض الماء وتركوني أرتاح قليلاً. أخرجوا قلمًا وورقة معدة مسبقًا مستعدين لتدوين ملحوظات. وإذ رحت أنزلق أكثر فأكثر في غواية الشيطان وكنت على وشك خيانة الله، خطر كلام الله فجأة عليّ بكل وضوح: "لن أمنح مزيدًا من الرحمة لأولئك الذين لم يظهروا لي أي ذرة من الولاء في أوقات الشدة، لأن رحمتي تسع هذا فحسب. علاوة على ذلك، ليس لديَّ أي ود لأي أحد سبق وأن خانني، ولا أحب مطلقاً أن أخالط الذين يخونون مصالح أصدقائهم. هذه هي شخصيتي... كل مَنْ يكسر قلبي لن ينال مني رأفة مرة ثانية..." ("الكلمة يظهر في الجسد"). جعلني هذا أدرك أن شخصية الله لا تتحمل أي اثم وأي شخص يخون الله سيحرم من رحمته إلى الأبد. فجأة صفا ذهني وفكّرت في يهوذا الذي خان الرب يسوع لقاء ثلاثين من الفضة. هل أنا مستعد حقًا لخيانة الله لقاء لحظة من الراحة الجسدية؟ لولا كلام الله الذي أرشدني ونورني في الوقت المناسب، لخنت الله على الأرجح ولأدانني إلى الأبد! فكرت في جملة من ترنيمة في تلك اللحظة: "قد ينكسر رأسي ويسيل الدم مني، ولا يفقد شعب الله حماسته. نصائح الله تستهدف القلب، وأنا عازم على إذلال إبليس الشيطان" ("اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). همهمتها برفق داخل قلبي وشعرت بإيماني ينمو. كانت حياتي وموتي رهن الله، وعرفت أن عليّ إطاعة تدابيره. طالما بقي فيّ نفس واحد، سأشهد له ولن أستسلم أبدًا لشياطين الحزب الشيوعي الصيني!

إذ رأوني ممددًا على الأرض بدون حراك، واصلوا تملّقي. قال أحدهم: "هل يستحق الأمر كل هذا العذاب؟ نحن نعطيك فرصةً للتكفير عن أخطائك، بأن تخبرنا ما تعلم. نحن نعرف كل شيء، سواء تكلمت أم لا. لدينا ما يكفي من شهود وأدلة لاتهامك والحكم عليك". حين رأيتهم يحاولون كل الحيل لدفعي إلى خيانة الله والوشاية بالمؤمنين الآخرين، لم أستطع احتواء سخطي فصرخت بهم: "بما أنكم تعلمون كل شيء، لا داعي لسؤالي. حتى وإن كنت أعلم كل شيء. لن أخبركم أبدًا!" من شدة غيظه قال أحد الشرطيين، "إن لم تتكلم اليوم فستموت. لا تفكر حتى في الخروج من هنا حيًا!" فأجبته على ذلك قائلاً: "منذ أن وقعت بين أيديكم لم أكن أتوقع الخروج على قيد الحياة في كل حال!" ولغضبه، رفسني شرطي في بطني، فشعرت بأنه نزع أحشائي من مكانها. احتشدوا حولي جميعهم مجددًا وبدأوا بركلي وبلكمي، أغمي عليّ لشدة الألم مرة أخرى. وعندما عاد لي وعيي، وجدت نفسي معلقًا كما كنت، ولكن على ارتفاع أعلى هذه المرة. شعرت بجسمي كله يتورم وكنت عاجزًا عن الكلام. ولكن بفضل حماية الله، لم أشعر بأي ألم على الإطلاق. وعند حلول المساء، بقي 4 شرطيين لمراقبتي وفي نهاية المطاف استسلموا إلى النوم في أرجاء الغرفة. فجأة تفتحت أغلالي من تلقاء نفسها فهبطت على الأرض برفق وكأن شيئًا ما تحتي يسندني. لو لم أختبر ذلك بنفسي لما صدقت ذلك! ثم فكرت في بطرس حين كان مسجونًا فخلصه ملاك الرب. حينذاك سقطت سلاسل بطرس عنه لوحدها وفُتح باب زنزانته لوحده. لم أجرؤ على التصديق بأنني كنت أعيش أعمال الله العجيبة كما فعل بطرس من قبلي. في تلك اللحظة شعرت حقًا بأن الله رفعني وباركني! تأثرت بشكل عميق فهممت للركوع أمام الله ورفع صلاة الشكر إليه "يا الله! شكرًا على رحمتك وعلى اعتنائك بي. عذبني الشيطان حتى كدت أموت أكثر من مرة، أما أنت فكنت تحميني بصمت كل مرة، سمحت لي برؤية قدرتك المطلقة وأعمالك العجيبة". بقيت شديد التأثر جراء هذه الصلاة مع شعور داخلي بالدفء. أردت حقًا الوقوف والخروج ولكنني كنت عاجزًا عن تحريك يديّ أو قدميّ، لذا لم أغادر. ومن ثم نمت على الأرض حتى اليوم التالي، إلى أن رفستني الشرطة لأستيقظ. بدأ أولئك الشرطيون حينذاك بتعذيبي بطريقة جديدة. نقلوني إلى غرفة أخرى وأجلسوني على كرسي التعذيب المتصل بالتيار الكهربائي، ثبتوا عنقي ورأسي بمشابك حديدية وثبتوا يديّ كلاهما بحيث عجزت عن الحراك بالكامل. لم يسعني سوى الصلاة بصمت لله. في تلك اللحظة شغّل أحد الشرطيين التيار الكهربائي فسدد الآخرون البالغ عددهم حوالي 12 شرطيًا أنظارهم إليّ، ليروا مظهري أثناء تعرضي للصعق بالكهرباء فصدموا حين رأوا انعدام أي رد فعل لي. تحققوا من جميع الأسلاك، وبعد مضي فترة بقيت فيها بدون رد فعل، قال أحدهم، "هل كرسي التعذيب معطّل؟ لماذا التيار مقطوع؟" من دون تفكير، ضربني بيده فأصيب فورًا بصدمة قذفت به على مسافة مترٍ مني وبقي ملقى على الأرض ينتحب ألمًا. أصيب الشرطيون الآخرون بالخوف الشديد فهرعوا خارج الغرفة وتعثر أحدهم ووقع أرضًا أثناء اندفاعه للخروج. مر بعض الوقت قبل أن يعود شرطيان ليفكّا قيدي، وهما يرتعدان خوفًا من أن يصعقهما التيار. مضت على جلوسي في كرسي التعذيب نصف ساعة بالكامل ولكنني لم أشعر بالكهرباء على الإطلاق. شعرت وكأنني جالس على كرسي عادي. كان ذلك من الأعمال الأخرى العجيبة لله. تأثرت جدًا. حينذاك شعرت بأنني مستعد لخسارة أي شيء حتى حياتي. طالما الله معي، فهذا يكفيني.

أعادوني إلى المعتقل لاحقًا. كانت الجراح تكسوني بالكامل وكان الألم في يديَّ ورجليّ لا يطاق. كان جسدي كله مرتخيًا وضعيفًا. عجزت عن الجلوس مستقيمًا أو الوقوف أو ابتلاع أي طعام. لم يسعني سوى البقاء في مكاني والركوع. حين اكتشف أحد أولئك الذين كانوا يشاركوني زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام أنني لم أش بأحد، أعرب عن إعجابه الكبير بي. وقال، "أنتم المؤمنون أبطال بحق!" تلوت في قلبي صلاة سبّحت فيها الله. حاولت الشرطة لاحقًا دفع السجناء الآخرين إلى ضربي وتعذيبي، ولكن المفاجأة هي أنهم وقفوا بجانبي وهبوا للدفاع عني. قالوا: "هذا الرجل يؤمن بالله، ولم يرتكب سوءًا. أنتم توشكون على قتله تعذيبًا". خوفًا من إفلات الأمور عن السيطرة، لم يجرؤ رجال الشرطة على التفوه بكلمة بل انسلوا خلسةً، مهزومين.

حين أدركت الشرطة عجزها عن بلوغ غايتها، انتقلت إلى طريقة أخرى بعد، فتعاونت مع حراس السجن في المعتقل لإخضاعي للمزيد من الأشغال الشاقة. فراحوا يحملونني كل يوم رزمتين من الورق الصيني لأحرقه على نية الأموات، وكانت تتألف كل رزمة من 1600 ورقة وكل ورقة مصنوعة من الألومينيوم والورق المتوهج. كانت ضعف كمية العمل المفروضة على السجناء الآخرين. عانت يداي ألمًا رهيبًا ولم أستطع رفع شيء، حتى لو عملت الليل بطوله فقد كان من المستحيل الانتهاء من المهمة. استخدمت الشرطة هذه الحجة لتمارس عليّ العقاب الجسدي، فأجبرتني على الاستحمام بالماء البارد خارجًا تحت حرارة 20 درجة تحت الصفر، أو العمل طول الليل أو الوقوف حارسًا لفترات طويلة. كنت أنام لأقل من 3 ساعات كل ليلة. عانيت هذا العذاب لسنة و8 أشهر في ذاك المعتقل. وما لبث الحزب الشيوعي الصيني أن ألصق بي تهمة "استخدام عقيدة مهرطقة لإضعاف إنفاذ القوانين" من دون أي دليل وحكموا عليّ بالسجن ثلاث سنوات. حين خرجت، بقيت تحت المراقبة المحكمة من قبل قسم الشرطة المحلي. لم أكن حرًا في الذهاب إلى حيث أريد مع وجوب تأهبي دائمًا للحضور حينما يستدعونني. لم أتمتع بأي نوع من الحرية الشخصية مطلقًا. لم أستطع حضور اجتماعات الكنيسة أو أداء واجبي. كان الوضع صعبًا جدًا لي، وفكرت في أنني إذا بقيت تحت المراقبة المستمرة للحزب الشيوعي الصيني وعجزت عن أداء واجبي ككائن مخلوق، فهل أكون أكثر من مجرد حي ميت؟ لذا غادرت بلدتي لاحقًا قاصدًا منطقة أخرى يمكنني أن أؤدي فيها واجبي أخيرًا.

الاضطهاد الشرس للحزب الشيوعي الصيني محفور بعمق في ذاكرتي. لقد رأيت وجهه الشرير ومقاومته الشيطانية لله وكيفية إضراره بالبشر، وأنا أكرهه حتى النخاع. شهدت كذلك أعمال الله العجيبة وقدرته الكلية وسيادته. أعمال الله العجيبة هي التي حمتني فتمكنت من الإفلات من قبضة الشيطان وما انتزعني من فكي الموت. خلال الاضطهاد القاسي للحزب الشيوعي الصيني كلام الله أرشدني وقوة الحياة النابعة منه دعمتني كي أتمسك بالحياة، وقد عزز ذلك إيماني باتّباع الله. الحمد لله! فليتمجد الله القدير!

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

الترعرع في غمرة العاصفة

ذات يوم من شهر مارس 2013، كنّا، أنا وبضع أخوات، عائدين إلى المنزل من اجتماع، وما إن دخلنا المنزل حتّى رأينا أن المشهد كارثيّ فعلًا. تصوّرنا...

وقت من التعذيب القاسي

بقلم تشن هوي - الصيننشأت في أسرة عادية في الصين. كان والدي يعمل في الجيش، ولأنه ساهم في تشكيل شخصيتي، ولأنني تأثرت به منذ الصغر، فقد كنتُ...

النصر وسط إغواءات الشيطان

بقلم تشين لو – الصين حدث ذلك في صباح 21 ديسمبر/كانون الأوَّل 2012. كان أكثر من اثني عشر من الإخوة والأخوات يعقدون اجتماعًا عند سماع سيلٍ...

النّجاة من المضايق الرهيبة

في أحد أيّام شهر مايو 2003، ذهبنا، أنا وأختٌ لي، لِنَعظ بالإنجيل شخصًا ينتمي إلى طائفة دينيّة. رفض قبول الأمر، وضَرَبَنا بقسوة، وأبلغ...

اترك رد