الله ينوي أن يدمر العالم بطوفان، ويطلب من نوح بناء فلك

2019 مارس 12

(التكوين 6: 9-14) "هَذِهِ مَوَالِيدُ نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ رَجُلًا بَارًّا كَامِلًا فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ ٱللهِ. وَوَلَدَ نُوحٌ ثَلَاثَةَ بَنِينَ: سَامًا، وَحَامًا، وَيَافَثَ. وَفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ أَمَامَ ٱللهِ، وَٱمْتَلَأَتِ ٱلْأَرْضُ ظُلْمًا. وَرَأَى ٱللهُ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى ٱلْأَرْضِ. فَقَالَ ٱللهُ لِنُوحٍ: "نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لِأَنَّ ٱلْأَرْضَ ٱمْتَلَأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ ٱلْأَرْضِ. اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ ٱلْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ بِٱلْقَارِ".

قصة نوح في الكتاب المقدس | الله ينوي أن يدمر العالم بطوفان، ويطلب من نوح بناء فلك

(التكوين 6: 18-22) "وَلَكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ ٱلْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَٱمْرَأَتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، ٱثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَى ٱلْفُلْكِ لِٱسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَرًا وَأُنْثَى. مِنَ ٱلطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنَ ٱلْبَهَائِمِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنْ كُلِّ دَبَّابَاتِ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. ٱثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لِٱسْتِبْقَائِهَا. وَأَنْتَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَٱجْمَعْهُ عِنْدَكَ، فَيَكُونَ لَكَ وَلَهَا طَعَامًا". فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ ٱللهُ. هَكَذَا فَعَلَ".

هل لديكم الآن فهم عام عن نوح بعد قراءة هاتين الفقرتين؟ ما نوع الشخصية التي كان عليها نوح؟ النص الأصلي هو: "كَانَ نُوحٌ رَجُلًا بَارًّا كَامِلًا فِي أَجْيَالِهِ". بحسب فهم الناس المعاصرين، ماذا كان نوع "الرجل البار" قديمًا في تلك الأيام؟ ينبغي أن يكون الرجل البار كاملاً. هل تعرفون ما إذا كان هذا الرجل الكامل كان كاملاً في عينيّ الإنسان أم في عينيّ الله؟ بلا شك، هذا الشخص الكامل كان إنسانًا كاملاً في عينيّ الله وليس في عينيّ الإنسان. هذا أمر مؤكد! هذا لأن الإنسان أعمى ولا يمكنه أن يرى، والله وحده ينظر إلى الأرض كلها وكل شخص، والله وحده هو مَن كان يعرف أن نوحًا كان رجلًا كاملاً. لذلك فإن خطة الله لتدمير العالم بطوفان بدأت من اللحظة التي دعا فيها نوح.

في ذلك العصر، قصد الله أن يدعو نوحًا لكي يقوم بأمر مهم للغاية. لماذا لزم إتمام هذه المهمة؟ لأن الله كان لديه خطة في قلبه في تلك اللحظة. كانت خطته هي تدمير العالم بطوفان. لماذا كان سيدمر العالم؟ كما يقول النص هنا: "وَفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ أَمَامَ ٱللهِ، وَٱمْتَلَأَتِ ٱلْأَرْضُ ظُلْمًا". ما الذي تفهمونه من عبارة "وَٱمْتَلَأَتِ ٱلْأَرْضُ ظُلْمًا"؟ إنها كانت ظاهرة على الأرض إذ صار العالم والبشر الذين فيه فاسدين بشدة، وبهذا "وَٱمْتَلَأَتِ ٱلْأَرْضُ ظُلْمًا". بتعبير اليوم، تعني عبارة "ٱمْتَلَأَتِ ظُلْمًا" أن كل شيء أمسى في فوضى. بالنسبة للإنسان، كان هذا يعني أن كل مظاهر النظام اختفت في كل مناحي الحياة، وصار كل شيء فوضويًا للغاية ويصعب تدبيره. في نظر الله، عني هذا أن أناس العالم صاروا فاسدين للغاية. لكن فاسدون لأية درجة؟ فاسدون للدرجة التي لم يعد فيها الله يحتمل أن ينظر إليهم أو يصبر عليهم، وفاسدون لدرجة أن الله قرر أن يدمرهم. عندما عزم الله على تدمير العالم، خطط أن يجد شخصًا ليبني فلكًا. اختار الله نوحًا ليؤدي هذه المهمة؛ أي إنه طلب من نوح أن يبني فلكًا. لماذا اختار نوحًا؟ كان نوح رجلاً بارًّا في عينيّ الله، وأيًّا كان ما أوصاه الله به، كان يفعله حسب وصيته. هذا يعني أن نوحًا كان على استعداد ليفعل أيًّا كان ما أخبره الله به. أراد الله أن يجد شخصًا مثل هذا ليعمل معه وليكمل ما ائتمنه عليه، وليكمل عمله على الأرض. وقتها، هل كان هناك شخص آخر غير نوح يمكنه أن يكمل مثل هذه المهمة؟ كلا بالتأكيد! كان نوح هو المرشح الوحيد، الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه استكمال المهمة التي ائتمنه عليها الله، ولذلك اختاره الله. لكن هل حدود الله ومعاييره لخلاص الناس الآن هي نفسها الحدود والمعايير آنذاك؟ الإجابة هي أنه يوجد بالتأكيد اختلاف! لماذا أسأل هذا السؤال؟ كان نوح هو الرجل البار الوحيد في عينيّ الله آنذاك، وهذا يتضمن أن زوجته وأيًا من أبنائه وزوجاتهم لم يكونوا أبرارًا، ولكن الله أنقذهم بسبب نوح. لم يطلب الله منهم طلبات مثلما يطلب الآن، بل حفظ الثمانية أعضاء من أسرة نوح أحياء. لقد نالوا بركة الله بسبب بر نوح. لولا نوح، لما كان سيستطيع أحد منهم أن يكمل ما ائتمنه الله عليه. لذلك، كان نوح الشخص الوحيد الذي من المفترض أن ينجو من دمار ذلك العالم، وكان الآخرون مجرد منتفعين جانبيين. هذا يوضح أنه في العصر الذي سبق بداية الله لعمل تدبيره رسميًا، كانت المبادئ والمعايير التي كان يعامل بها الناس ويطلبها منهم أخف نسبيًّا. بالنسبة لأناس اليوم، يبدو أن الطريقة التي عامل بها الله عائلة نوح المكونة من ثمانية أفراد تفتقر إلى "العدل". لكن مقارنةً بحجم العمل العظيم الذي يقوم به الآن على الناس، والمقدار الكبير الذي يوصله من كلمته الآن، فإن معاملة الله لأفراد عائلة نوح الثمانية كان مجرد مبدأ عمل نظرًا لخلفية عمله آنذاك. وبالمقارنة، هل نالت عائلة نوح المكونة من ثمانية أفراد المزيد من الله أم أنهم أناس اليوم هم مَنْ ينالوا؟

دعوة نوح هي حقيقة بسيطة، ولكن النقطة الرئيسية فيما نتكلم عنه اليوم – أي شخصية الله، ومشيئته، وجوهره في هذا السجل – ليست بسيطة للغاية. لفهم هذه الجوانب المتعددة من الله، علينا أولاً أن نفهم نوع الشخص الذي يرغب الله في دعوته، ومن خلال هذا نفهم شخصيته ومشيئته وجوهره. هذا أمر حيوي. لذلك في عينيّ الله، ما هو نوع الشخص الذي يدعوه؟ يجب أن يكون شخصًا ينصت إلى كلماته، ويتبع تعليماته. في الوقت ذاته، يجب أن يكون هذا أيضًا شخصًا لديه حس بالمسؤولية، وشخص سوف ينفذ كلمة الله من خلال التعامل معها كمسؤولية وواجب ملتزم بإتمامهما. هل يجب أن يكون هذا الشخص شخصًا يعرف الله؟ كلا. بالعودة لذلك الزمن، لم يسمع نوح الكثير عن تعاليم الله أو يختبر أيًّا من عمل الله. لذلك لم يكن لدى نوح سوى معرفة قليلة للغاية بالله. ومع أنه مكتوب هنا أن نوح سار مع الله، هل سبق ورأى شخص الله؟ الإجابة بكل تأكيد هي كلا! لأنه في تلك الأيام، لم يأت بين الناس سوى رسل الله. بينما كان بإمكانهم تمثيل الله في قول الأشياء وفعلها، إلا أنهم كانوا ينقلون مشيئته ومقاصده فحسب. لم ينكشف شخص الله للإنسان وجهًا لوجه. في هذا الجزء من الكتاب المقدس، كل ما نراه كأمر أساسي هو ما كان ينبغي على نوح أن يفعله وما هي تعليمات الله له. ما هو إذًا الجوهر الذي عبّر عنه الله هنا؟ كل شيء يفعله الله مخطط له بدقة. عندما يرى شيئًا أو موقفًا يحدث، يوجد معيار لقياسه عليه في عينيه، وهذا المعيار يحدد ما إذا كان يطلق خطة للتعامل معه أم المنهج الذي يتبعه للتعامل مع هذا الموقف أو الشيء. إنه ليس غير مبالٍ أو يفتقر إلى المشاعر تجاه كل شيء، بل في الواقع إن الأمر على النقيض تمامًا. توجد آية هنا تذكر ما قاله الله لنوح: "نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لِأَنَّ ٱلْأَرْضَ ٱمْتَلَأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ ٱلْأَرْضِ". عندما قال الله هذا، هل كان يعني أنه مزمع على هلاك البشر وحدهم؟ كلا! بل قال الله إنه مزمع أن يهلك كل ذي جسد. لماذا أراد الله الهلاك؟ يوجد إعلان آخر عن شخصية الله هنا؛ ففي عينيّ الله، توجد حدود لصبره على فساد الإنسان ونجاسته وظلمه وعصيانه. ما هي تلك الحدود؟ كما قال الله: "وَرَأَى ٱللهُ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى ٱلْأَرْضِ". ماذا تعني عبارة "إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى ٱلْأَرْضِ"؟ تعني أن كل الكائنات الحية، بما في ذلك أولئك الذين اتبعوا الله، وأولئك الذين دعوا باسمه، وأولئك الذين قدموا ذبائح محرقات لله من قبل، وأولئك الذين اعترفوا بالله شفويًّا وحمدوه، كان سلوكهم مليئًا بالفساد ووصل هذا الفساد إلى عينيّ الله، لذلك كان عليه أن يهلكهم. هذه هي حدود الله. إلى أي مدى إذًا يظل الله صبورًا على الإنسان وفساد كل البشر؟ إلى المدى الذي فيه لا يسير كل الناس في الطريق الصحيح سواء أتباع الله كانوا أم غير المؤمنين. وإلى المدى الذي لا يعود فيه الإنسان فاسدًا أخلاقيًّا ومملوءًا بالشر فحسب، بل حين لا يوجد من يؤمن بالله، وحين لا يوجد أي شخص يؤمن أن العالم يحكمه الله وأن الله يمكنه أن يجلب للناس النور والطريق الصحيح. وإلى المدى الذي يحتقر فيه الإنسان وجود الله ولا يسمح لله بالوجود. بمجرد أن وصل فساد الإنسان لهذه النقطة، لم يطل الله أناته أكثر. ما الذي يمكن أن يحل محله؟ مجيء غضب الله وعقابه. ألم يكن هذا إعلانًا جزئيًّا عن شخصية الله؟ في هذه المرحلة الحالية، ألا يوجد بشر أبرار في عينيّ الله؟ ألا يوجد بشر كاملون في عينيّ الله؟ هل هذا العصر هو العصر الذي كان فيه سلوك كل البشر على الأرض فاسد في عينيّ الله؟ في هذا اليوم وهذا العصر، بعيدًا عن أولئك الذين يريد الله تكميلهم، وأولئك الذين يمكنهم اتباع الله وقبول خلاصه، ألا يتحدى كل ذي جسد حدود صبر الله؟ ألا يحدث كل شيء بجانبكم، وما ترونه بعيونكم وتسمعونه بآذانكم، وتختبرونه كل يوم شخصيًا في هذا العالم مملوءًا بالظلم؟ في عينيّ الله، ألا يجب أن ينتهي هذا العصر وهذا العالم؟ مع أن خلفية العصر الحالي مختلفة تمامًا عن خلفية زمن نوح، إلا أن مشاعر الله وغضبه تجاه فساد الإنسان ما زالا بالضبط كما هما. يستطيع الله أن يكون صبورًا بسبب عمله، ولكن في الضوء الظروف والأحوال، كان ينبغي أن يهلك هذا العالم منذ زمن في عينيّ الله. الظروف بعيدة تمامًا عمَّا كانت عليه في العالم حين دمره الطوفان. لكن ما الفرق؟ هذا أيضًا شيء يُحزن قلب الله كثيرًا، وربما لا يمكن لأحد منكم أن يقدره.

عندما أهلك الله العالم بالطوفان، استطاع دعوة نوح لبناء فلك والقيام ببعض العمل التحضيري. كان يدعو إنسانًا واحدًا – نوحًا – ليقوم بهذه السلسلة من الأمور نيابة عنه. لكن في هذا العصر الحالي، لا يجد الله أي شخص ليدعوه. لماذا؟ ربما يفهم كل شخص جالس هنا ويعرف السبب جيدًا. هل تريدوني أن أوضحه؟ توضيحه بصوت مرتفع قد يحرجكم ويسبب لكم الضيق. قد يقول بعض الناس: "مع إننا لسنا أناسًا أبرارًا ولا كاملين في عينيّ الله، فإذا كان الله مزمعًا أن يوصينا بعمل شيء ما، فلا نزال قادرين على فعله. قبلاً، عندما قال إن ضيقة كارثية آتية بدأنا في تجهيز الطعام والعتاد التي نحتاج إليها في وقت الضيقة. ألم يتم كل هذا وفقًا لمتطلبات الله؟ ألم نكن نتعاون حقًّا مع عمل الله؟ ألا يمكن للأمور التي فعلناها أن تُقارن مع فعله نوح؟ أليس فعل ما فعلناه هو طاعة حقيقية؟ ألم نكن نتبع تعليمات الله؟ ألم نفعل ما قاله الله لأن لدينا إيمان بكلماته؟ لماذا لا يزال الله حزينًا إذًا؟ لماذا يقول الله إنه لا يجد مَنْ يدعوه؟". هل يوجد أي اختلاف بين تصرفاتكم وتصرفات نوح؟ ما هو الاختلاف؟ (تحضير الطعام اليوم من أجل الضيقة كان مقصدنا). (لا يمكن أن ترقى تصرفاتنا إلى مستوى أن نكون "أبرارًا" بينما كان نوح بارًّا في عينيّ الله). ما قلتموه ليس بعيدًا للغاية. ما فعله نوح كان مختلفًا تمامًا عمّا يفعله الناس الآن. عندما فعل نوح ما أمره الله أن يفعله، لم يكن يعرف مقاصد الله، ولم يكن يعرف ما أراد الله إنجازه. لقد أعطاه الله وصية فحسب، وأمره أن يفعل شيئًا، ولكن بدون الكثير من الشرح، مضى نوح قدمًا وفعله. لم يحاول تفسير مقاصد الله سرًا، ولم يقاوم الله أو يُظهر نفاقًا. ذهب فقط وفعل الأمر وفقًا لذلك بقلب بسيط ونقي. مهما كان ما أمره الله أن يفعله قد فعله، وكانت طاعة كلمة الله والإنصات لها يمثلان أساس إيمانه بما فعله. هكذا كان يتعامل مع ما ائتمنه الله عليه تعاملاً مباشرًا وبسيطًا. جوهره، أي جوهر تصرفاته، كان الطاعة، وليس الترقب أو المقاومة أو التفكير في مصالحه الشخصية أو مكاسبه وخسائره. بالإضافة إلى ذلك، حين قال الله إنه سيدمر العالم بالطوفان، لم يسأل متى أو عما سيحلّ بالأشياء، ومن المؤكد أنه لم يسأل الله كيف كان سيدمر العالم. لقد فعل ببساطة كما أمره الله. وكيفما أراد الله للفلك أن يُبنى وبأي مواد يُبنى، فقد فعل بالضبط مثلما طلب الله منه، بل وبدأ العمل في الحال. تصرف وفقًا لتعليمات الله بسلوك شخص يريد أن يرضي الله. هل كان يفعل هذا ليساعد نفسه على تجنب الضيقة؟ كلا. هل سأل الله كم كان يتبقى من الوقت قبل أن يهلك العالم؟ لم يسأل. هل سأل الله عن المدة التي يتطلبها بناء الفلك أو هل كان يعرف مقدار هذه المدة؟ لم يكن يعرف ذلك أيضًا. إنه أطاع فحسب وأنصت ببساطة وتصرف وفقًا لذلك. أناس اليوم ليسوا مثله: بمجرد أن تتسرب معلومة صغيرة من خلال كلمة الله، وبمجرد أن يشعر الناس بمجرد حفيف أوراق الأشجار بسبب الرياح، ينطلقون للعمل على الفور، مهما كان الأمر وبغض النظر عن الثمن، ليجهزوا ما سيأكلونه ويشربونه ويستخدمونه في أعقاب الضيقة، بل وحتى يخططوا لطرق الهروب حين تقع الضيقة. بل والأكثر إثارة للاهتمام أنه في هذه اللحظة الحرجة، تصير العقول البشرية "جيدة في تنفيذ المهام" للغاية. في الظروف التي لم يعطِ الله فيها أية تعليمات، يمكن للإنسان أن يخطط لكل شيء تخطيطًا مناسبًا للغاية. يمكنكم استخدام كلمة "كامل" لوصف مثل تلك الخطط. أما من ناحية ما يقوله الله، وما هي مقاصده، وما يريده، فلا أحد يبالي أو يحاول تقدير ما يقول. أليس هذا هو الاختلاف الأكبر بين الناس اليوم وبين نوح؟

هل ترون جانبًا من شخصية الله في قصة نوح؟ يوجد حد لصبر الله على فساد الإنسان ونجاسته وظلمه. عندما يصل لهذا الحد، لن يعود صبورًا بل سيبدأ في تدبير جديد وخطة جديدة، ويبدأ في فعل ما يجب عليه فعله، ويعلن عن أعماله والجانب الآخر من شخصيته. هذا التصرف من جانبه ليس ليكشف أنه لا يجب أن يُساء إليه من إنسان أو أنه مملوء بالسلطان والغضب، وليس ليظهر أنه يمكنه إهلاك البشرية، بل أن شخصيته وجوهره القدوس قد نفذ صبرهما أو لا يمكنهما السماح لهذا النوع من البشر بالحياة أمامه، وتحت سيادته. أي أنه حين تكون البشرية جمعاء ضده، وعندما لا يوجد واحد يمكنه أن يخلّصه في الأرض كلها، لن يعود لديه صبر على بشر مثل هؤلاء، وبلا شك سوف ينفذ خطته لإهلاك هذا النوع من البشر. هذا التصرف الإلهي تحدده شخصيته. هذه عاقبة ضرورية، وهي عاقبة يجب أن يتحملها كل إنسان مخلوق تحت سيادة الله. ألا يوضح هذا أن الله في العصر الحالي لا يمكنه أن ينتظر استكمال خطته وخلاص الناس الذي يريد خلاصهم؟ تحت هذه الظروف، ما هو أكثر شيء يهتم الله به؟ لا يهتم بكيف يعامله أولئك الذين لا يتبعونه على الإطلاق أو أولئك الذين يقاومونه في كل الأحوال، أو كيف تفتري عليه البشرية. إنه لا يهتم سوى بما إذا كان أولئك الذين يتبعونه، الذين هم الهدف من خلاصه في خطة تدبيره، قد نالوا الكمال منه أم لا، وما إذا كانوا قد صاروا مستحقين رضاه أم لا. أما كل أولئك الأشخاص الآخرين عدا الذين يتبعونه، فلا يوجه لهم إلا القليل من العقاب أحيانًا للتعبير عن غضبه. على سبيل المثال: أعاصير تسونامي، وزلازل، وثورات بركانية. في الوقت ذاته، فإنه يحمي أولئك الذين يتبعونه وعلى وشك أن ينالوا خلاصه ويعتني بهم بقوة. شخصية الله هكذا: من ناحية، يمكنه أن يطيل أناته ويكثر تسامحه جدًا للناس الذين ينوي تكميلهم، ويمكن أن ينتظرهم بقدر ما يمكنه؛ ومن ناحية أخرى يكره الله بشدة أشباه الشيطان من الناس الذين لا يتبعونه ويقاومونه، ويمقتهم. ومع أنه لا يبالي بما إذا كان أشباه الشيطان هؤلاء يتبعونه أو يعبدونه، لا يزال يمقتهم مع أنه يصبر عليهم في قلبه، وإذ يعزم أن يضع نهاية لهؤلاء أشباه الشيطان، فإنه ينتظر أيضًا وصول خطوات خطة تدبيره.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (1)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

بركة الله لنوح بعد الطوفان

(التكوين 9: 1-6) "وَبَارَكَ ٱللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: "أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلَأُوا ٱلْأَرْضَ. وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ...