الحُكم بالمظاهر حُكم أحمق

2019 سبتمبر 29

ييفان - مدينة شانجكيو – إقليم هينان

كنت فيما سبق أحكُم على الناس من خلال مظهرهم، وكان الأشخاص الذين يتحلّون بالدماثة، والثقافة، واللباقة موضع تقدير بالنسبة لي. اعتقدت أنّ مثل هؤلاء الأشخاص أذكياء، يجيدون فهم الآخرين، وأنّهم، بصفةٍ عامة، صالحون، وطيّبون. ولم يحدث إلاّ مؤخراً أنّني عدلت عن هذه الطريقة الحمقاء في التفكير، حيث كشفت الحقيقة عن نفسها.

في ذات ليلة عُدت إلى منزل عائلتي المضيفة قُرب الغَسق فوجدت شاباً يرتدي معطفاً وحذاءً جلدياً، وكان يتحدث بلباقة، و يعبّر مظهره عن أناقةٍ، وثقة بالنفس. وكان يرتدي أيضاً نظّارة ذات نقوش مصنوعة بدقة عالية، كانت تُظهر أكثر فأكثر مستوى رفيعاً من الثقافة والتعليم. قامت مضيفتي بتقديم كل منّا للآخر، وأخبرتني أنّ الشاب كان ابنها، وأنّه كان يعمل في ذلك الحين مسؤولاً في حكومة البلديّة بإحدى المدن الكبيرة. وبما أنّي من خلفية فقيرة، وقد تسرّبت من التعليم في سن مبكر، فقد تملّكني شعور شديد بالحسد لملابسة الأنيقة، ولطفه النابع من تربيتة الراقية، ناهيك عن الدرجة العلمية الرفيعة التي حصل عليها من جامعة مشهورة، ووظيفتة المرموقة. كانت تلك هي حقاً المرة الأولى التي أرى فيها شخصاً على هذه الدرجة من الأناقة والتعليم. وتفكّرت في نفسي: شخصٌ كهذا - بما له من ثقافة رفيعة، ومكانة إجتماعية مرموقة، ونشأة راقية - لابد بالتأكيد أن يكون دمث الخلق، وعطوفاً، وحكيماً. وبينما تدور هذه الأفكار في عقلي بشأن هذا الشاب، شرعت أحاول أن أتناقش معه حول أمور تختص بالإيمان، ولكن رد فعله كان على النقيض تماماً مما كنت اتوقعه، حيث هَمَّ واقفاً مُحدِثاً جلبة، وبكل عنف ضرب الطاولة بقبضته، وراح يصرخ في وجهي: "اخرجي حالاً من هنا! إن لم تخرجي في هذه اللحظة، سوف أطلب لكِ الشرطة!". وبعدما قال ذلك مباشرةً، أخرَجَ هاتفه الخلويّ، وبدأ بالفعل يطلب رقم (110) . أسرعت محاولةً أن أُصلِح الأمر، فقلت له: "صديقي! أنا متأكدة أنك لن تطلب الشرطة حقيقةً؛ لابد أنك تمزح". ومع ذلك بقيّ مُتصلباً عنيداً، وأصرَّ على مغادرتي في الحال. كُنت في غاية الذهول، ولم أعرف ما ينبغي أن أفعله بعد ذلك. نظرت في ساعتي، وكانت تقارب العاشرة مساءاً. رُحت أفكّر: أين عساي أن أبيت إذا غادرت هذا المنزل في تلك الساعة؟ وعندئذٍ فقط قالت مُضيفتي "الوقت قد تأخر، يُمكنك أن ترحلي غداً". ولمّا رأى ابن السيدة المضيفة أنني سوف أمكث تلك الليلة في منزلهم، كثّف جهده، فدفعني دَفعةً عنيفةً خارج الباب، وهو يصرخ: " كيف لي - أنا الموظف الحكومي الكبير، والمستفيد من الصناديق العامة – أن اسمح بدخول مُبشِّرة إلي منزلي؟ اخرجي من هنا الآن!" وعندئذٍ تناول دراجتي، في حمو غضبه، و ألقاها عليّ، ثم دفعني أنا ودراجتي إلى خارج الباب. جاءت ورائي مضيفتي، وكان في نيّتها أن تأخذني إلى منزل عائلة مضيفة أخرى، ولكن ابنها لم يسمح لها بذلك، فجذبها إلى الداخل ، وأوصد الباب. وبينما كنت أغادر المكان سمعت مضيفتي تبكي و تقول "أين يمكن لفتاة أن تذهب وحدها في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟" ، وسمعت أيضاً رده، وهو يصيح: "دعيها تذهب أينما تذهب – في حماية إلهها ليس هناك ما تخاف منه. أليس كذلك؟"، وقد مزّقت قسوته قلب مضيفتي.

سِرت بنفس حزينة وقلب مكسور، مشدوهة، أُحدّق في النجوم الوامضة ليلاً في السماء، وفي وميض أنوار السيارات التي كان يعلو صوت نفيرها، وهي تمر بجانبي على الطريق السريع. كان الحزن والأسى يفيضان من قلبي، ورحت أحدّث نفسي: "إن كنت لا تريد أن أعيش في منزلك، فلا بأس، ولكن ليس من سبب يجعلك تمنع مضيفتي من أن تأخذني إلى عائلة مضيفة أخرى. كيف لك أن تتجرد هكذا من كل إنسانية؟ يا لها من قسوة! حتى الشحّاذ لا ينبغي أن يُعامل هكذا! ليس لديّ أدنى فكرة أين يمكنني أن أجد عائلة مضيفة أخرى. لقد انقطع بي السبيل، وليس من مكان أستطيع أن أٍتوجّه إليه في منتصف الليل. ماذا عساي أن أفعل؟ ... وبينما كانت هذه الأفكار تصلصل في رأسي، دَمعَت عيناي. وفي هذه اللحظة تلاشى بالكامل من داخلي ذلك الإنطباع الأول الذي اخذته عن ابن مضيفتي من كياسةٍ، ومعرفةٍ، ووضعٍ، وتربيةٍ. وتبادَرَت إلى ذهني بعض كلمات من عظة: "كيف يمكن أن نُسمِّي أولئك الذين يقاومون الله أو يضطهدونه أشخاصًا صالحين حقًّا؟ منذ أن أفسد الشيطان الإنسان، أصبح الإنسان خبيرًا في التنكُّر وفي تغطية نفسه بفلسفة الحياة. يبدو من الخارج وكأنه إنسانٌ، ولكن طبيعته الشيطانيَّة تنكشف عندما يبدأ شخصٌ ما في الشهادة لله. كثيرون من الناس لا يدركون هذا، ولذلك غالبًا ما يصيبهم العمى والانخداع بفعل أقوال الآخرين المبتذلة وتفاهاتهم. من الممكن لكلام الله وعمله أن يكشفا الإنسان بأفضل ما يمكن. فهؤلاء الذين لا يملكون الحقّ هم مُجرَّد منافقين. وأولئك الذين يفهمون الحقّ سوف يرون بوضوح فيما يتعلَّق بهذه المسألة. من لا يفهمون الحقّ لا يرون أيّ شيءٍ بشكلٍ واضح، ونتيجةً لذلك تكون وجهات نظرهم سخيفة" ("شركة القائد الأعلى للكنائس"). عندما تأمّلت ملياً في هذه الكلمات، أدركت لتوي حقيقة واقعة. حقاً ما قيل في الشركة كان صحيحًا تمامًا: فالفاسدون يبرعون في التظاهر، ولمجرد أنهم يبدون مثقفون ومهذبون من الخارج، فهذا لا يعني أن جوهرهم صالح. فقط من يحبون الحق ويقبلون الحق هم الصالحون الطيبون. إن بدا شخص لطيفًا من الخارج، ولكنه لا يعترف باله أو يقبل الحقائق التي يعبر عنها الله، بل يكون قادرًا على المعارضة والمضايقة والكره، فلا يمكن بوصفهم بالصالحين. ولكنّي كنت استعين بتصوراتي، ووجهة النظر الدنيوية في الحكم على الآخرين. كنت دائماً اعتقد أن أولئك الذين يتحلّون بالمعرفة، والوضع الاجتماعي الرفيع، والنشأة الراقية، لابد حتماً أنّهم أيضاً يتمتعوا بالإنسانية، والحصافة، والتفهّم في تعاملاتهم مع الآخرين. ليس من حماقة أكثر من تلك التي كانت تتّسم بها وجهة نظري في ذلك الحين. كنت أعرف القليل عن هذه الحقيقة: أن أولئك الذين لا يؤمنون بالله هم شياطين تقاوم الله. قد يبدون من الخارج أُناس يتمتعون بقدر عالي من الثقافة والدماثة، أما من الداخل فقد ضجروا من الحق ويكرهون الحق. إن سلوك هذا المسؤول الحكومي نحو الإيمان، والمؤمنين كان نموذجاً واضحاً لهذه النوعية من الناس. كان يتّسم ظاهرياً بدماثة الأخلاق، واللباقة، والثقافة؛ ولكن ما أن تطرقت لمواضيع تختص بالإيمان، حتى ذهبت هذه الصفات جميعاً أدراج الرياح. عندما اتّهمني، وطردني، وهددني، أزاح الستار عن طبيعته الشيطانية المعادية لله. وبمواجهة هذه الحقائق، أدركت أنني يجب ألا أقيّم الشخص على أساس مظهره الخارجي، ولكن الأساس هو أن أنظر على مسلكهم تجاه الله وتجاه الحق. إن لم يحبوا الحق ويقبلوه، فمهما كانت خبراتهم أو مكانتهم عظيمة، ومهما كان إبهارهم من الخارج، ومهما بدت ثقافتهم، فما زالوا غير صالحين حقًا.

من خلال هذه الخبرة، أدركت أنني لم أكن أرى الناس كما هم على حقيقتهم، بل كانت أحكامي بناءً على مظهرهم. كم كنت بائسة! كم كنت جاهلة! كشفت لي هذه التجربة أنه بالرغم من أنني قد اتّبعت الله لأعوام عديدة، لم أكن قد أدركت الحق بعد، وكان لابد لي - مع كل ذلك - أن أقتني الحق. ذلك لأن أولئك الذين يقتنون الحق هم وحدهم من يستطيعون أن يميزوا الناس، وأن يروا الطبيعة الحقيقية للمواقف؛ أمّا أولئك الذين لا يدركون الحق فلا يستطيعون أن يروا طبيعة أي شئ على حقيقتها. لذلك فإنّي أتعهٌد في المستقبل أن أُكرّس نفسي للسعي من أجل إدراك الحق، واقتناء الحق، حتى أتعلّم كيف أُميّز بين الناس و المواقف في ضوء كلمة الله، وحتى أُصحّح جميع وجهات نظري التي اتّسمت بالحماقة، وأسعى لكي أصبح إنسانة متوافقة مع الله.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

تأملات "قائدة جيدة"

علّمني أبواي منذ نعومة أظافري أن أكون لطيفة مع الناس، وأن أكون ودودة ومتعاطفة. إذا ألمّت بمن حولي المشاكل أو أوجه القصور، لم يكن بإمكاني...

كيف واجهتُ اضطهاد أسرتي

عندما كنتُ صغيرة السِّن، كثيرا ما كانت أمي تقول لي: "بالنسبة لامرأة، لا يوجد شيء أفضل في الحياة من العثور على زوج صالح وتكوين أسرة متآلفة....

اترك رد