سر التجسُّد (4) الجزء الأول

لا يتم خلاص الله للإنسان مباشرةً من خلال طريقة الروح وهوية الروح، لأن روحه لا يمكن للإنسان أن يلمسه أو يراه، ولا يمكن للإنسان الاقتراب منه. إن حاول تخليص الإنسان مباشرةً من منظور الروح، لما استطاع الإنسان أن ينال خلاصه. ولو لم يتسربل الله بالشكل الخارجي لإنسان مخلوق، لما استطاع البشر أن ينالوا هذا الخلاص. لأن الإنسان لا يمكنه بأية وسيلة الاقتراب منه، بالضبط مثلما لم يستطع أحد الاقتراب من سحابة يهوه. فقط من خلال صيرورته إنسانًا مخلوقًا، أي من خلال وضْع كلمته في الجسد، يستطيع أن يعمل عمل الكلمة بصورة شخصية في كل من يتبعه. وقتها فقط يمكن للإنسان أن يسمع كلمته ويراها وينالها، ومن خلال هذا يَخلُص بالتمام. لو لم يصر الله جسدًا، لما استطاع أي إنسان ذو جسد أن ينال مثل هذا الخلاص العظيم، ولما استطاع أي شخص أن يخلُص. إن كان روح الله يعمل مباشرةً بين البشر، لطُرِح الإنسان واستحوذ عليه إبليس كأسير بالتمام لأن الإنسان غير قادر على الارتباط بالله. كان الغرض من التجسُّد الأول هو فداء الإنسان من الخطية، فدائه من خلال جسد يسوع، أي إنَّه خلّص الإنسان من الصليب، ولكن الشخصية الشيطانيَّة الفاسدة لا تزال بداخل الإنسان. لم يعد التجسّد الثاني بمثابة ذبيحة خطية بل الهدف منه هو خلاص أولئك الذين نالوا الفداء من الخطية خلاصًا كاملًا. هذا يتم حتى يمكن لمَن نالوا الغفران أن يخلصوا من خطاياهم ويصيروا أطهارًا بصورة كاملة، ومن خلال إحراز تغيير في شخصيتهم، يتحرَّرون من تأثير ظلمة الشيطان ويعودون أمام عرش الله. بهذه الطريقة فقط يمكن للإنسان أن يتقدس بالتمام. بعدما انتهى عصر الناموس، بدأ الله عمل الخلاص في عصر النعمة، الذي يستمر حتى الأيام الأخيرة، عندما يقوم الله، من خلال إدانة الجنس البشري وتوبيخه على تمرّده، بتطهير البشريّة تطهيرًا كاملًا. وحينئذٍ فقط سيختتم الله عمل الخلاص ويدخل إلى الراحة. لذلك، في مراحل العمل الثلاث، صار الله جسدًا مرتين فقط لينفذ عمله بين البشر بنفسه. هذا لأن هناك مرحلة واحدة من مراحل العمل الثلاث تقود البشر في حياتهم، بينما المرحلتان الأخرتان هما عمل الخلاص. لا يمكن لله أن يعيش جنبًا إلى جنب مع الإنسان، ويختبر آلام العالم، ويعيش في جسد عادي، إلا بأن يصير جسدًا. فقط من خلال هذه الطريقة يمكنه أن يمدَّ البشر خليقته بالطريق العملي الذي يحتاجون إليه. ينال الإنسان الخلاص الكامل من الله من خلال تجسُّد الله، وليس مباشرةً من خلال صلواته إلى السماء. لأن الإنسان مخلوق من جسد؛ فهو غير قادر على رؤية روح الله ولا حتى على الاقتراب منه. كل ما يمكن أن يتواصل الإنسان معه هو جسم الله المُتجسّد؛ وفقط من خلاله يمكن للإنسان أن يفهم كل الطرق وكل الحقائق، وينال خلاصًا كاملًا. التجسُّد الثاني يكفي للتخلُّص من خطايا الإنسان وتطهيره بالتمام. لذلك، سيُنهي التجسُّد الثاني كل عمل الله في الجسد ويكمل مغزى تجسُّد الله. بعد ذلك، سينتهي عمل الله في الجسد كليًّا. بعد التجسُّد الثاني لن يصير جسدًا مرةً أخرى من أجل عمله، لأن تدبيره الكلي سيكون قد انتهى. سيكون تجسده في الأيام الأخيرة قد ربح شعبه المختار بالتمام، وكل البشر في الأيام الأخيرة سينقسمون بحسب نوعهم. لن يعود يقوم بعمل الخلاص، ولن يعود في الجسد لتنفيذ أي عمل. في عمل الأيام الأخيرة، الكلمة أقدر من إظهار الآيات والعجائب، وسلطان الكلمة يتخطى سلطان الآيات والعجائب. تكشف الكلمة كل السمات الفاسدة المستترة في قلب الإنسان. أنت غير قادر على تمييزها بنفسك. عندما تنكشف لك من خلال الكلمة، ستدرك الأمر بصورة طبيعية؛ لن تكون قادرًا على إنكارها، وستقتنع بالتمام. أليس هذا هو سلطان الكلمة؟ هذه هي النتيجة التي يحققها عمل الكلمة الحالي. لذلك لا يمكن للإنسان أن يخلص بالتمام من خطاياه من خلال شفاء المرض وطرد الأرواح الشريرة ولا يمكن أن يصير كاملًا بالتمام من خلال إظهار الآيات والعجائب. إن سلطان شفاء المرض وطرد الأرواح الشريرة يعطي الإنسان نعمةً فقط، ولكن جسد الإنسان ما زال منتميًا إلى الشيطان والسمات الشيطانية الفاسدة لا تزال باقية داخل الإنسان. بمعنى آخر، ما لم يتطهر ما زال ينتمي إلى الخطية والدنس. فقط بعد أن يتطهر الإنسان بواسطة الكلمات يمكن عندها أن يربحه الله ويصير مقدسًا. عندما طُردت الأرواح الشريرة من الإنسان ونال الفداء، لم يعن هذا إلا أن الإنسان قد تحرّر من يديّ الشيطان ورجع إلى الله. ولكن إن لم يطهره الله أو يغيره، يبقى فاسدًا. لا يزال هناك دنس ومعارضة وتمرد داخل الإنسان؛ لقد عاد الإنسان إلى الله فقط من خلال الفداء، ولكن ليست لديه أدنى معرفة عنه، ولا يزال قادرًا على أن يقاومه ويخونه. قبل أن يُفتدى الإنسان، كان العديد من سموم الشيطان قد زُرِعَت بالفعل في داخله. وبعد آلاف السنوات من إفساد الشيطان، صارت هناك طبيعة داخل الإنسان تقاوم الله. لذلك، عندما افتُدي الإنسان، لم يكن الأمر أكثر من مجرد فداء، حيث اُشتري الإنسان بثمن نفيس، ولكن الطبيعة السامة بداخله لم تُمحَ. لذلك يجب على الإنسان الذي تلوث كثيرًا أن يخضع للتغيير قبل أن يكون مستحقًّا أن يخدم الله. من خلال عمل الدينونة والتوبيخ هذا، سيعرف الإنسان الجوهر الفاسد والدنس الموجود بداخله معرفًة كاملة، وسيكون قادرًا على التغير تمامًا والتطهُّر. بهذه الطريقة فقط يمكن للإنسان أن يستحق العودة أمام عرش الله. الهدف من كل العمل الذي يتم في الوقت الحاضر هو أن يصير الإنسان نقيًّا ويتغير؛ من خلال الدينونة والتوبيخ بالكلمة، وأيضًا التنقية، يمكن للإنسان أن يتخلَّص من فساده ويصير طاهرًا. بدلًا من اعتبار هذه المرحلة من العمل مرحلةَ خلاص، سيكون من الملائم أن نقول إنها عمل تطهير. في الحقيقة، هذه المرحلة هي مرحلة إخضاع وهي أيضًا المرحلة الثانية للخلاص. يربح الله الإنسان من خلال الدينونة والتوبيخ بالكلمة؛ ومن خلال استخدام الكلمة للتنقية والإدانة والكشف تظهر كل النجاسات والأفكار والدوافع والآمال الفردية داخل قلب الإنسان بالتمام. لأن الإنسان قد افتُدي وغُفِرَت له خطاياه، فكأنما الله لا يذكر تعدياته ولا يعامله بحسب تعدياته. لكن عندما يعيش الإنسان بحسب الجسد، ولا يكون قد تحرر من خطاياه، فإنه لا محال يواصل ارتكاب الخطية، مُظهرًا فساد الطبيعة الشيطانية بلا توقف. هذه هي الحياة التي يحياها الإنسان، دورة لا تنتهي من الخطية والغفران. غالبية الناس تخطئ نهارًا، وتعترف بخطئها مساءً. وبذلك، حتى إن كانت ذبيحة الخطية ذات مفعول أبدي للإنسان، فإنها لن تستطيع أن تخلِّص الإنسان من الخطية. لم يكتمل إلا نصف عمل الخلاص، لأن شخصية الإنسان ما زالت فاسدة. على سبيل المثال عندما عرف الناس أنهم جاؤوا من نسل موآب، قالوا كلمات شكوى، ولم يعودوا يطلبون الحياة، وصاروا سلبيين تمامًا. ألا يوضح هذا أنهم ما زالوا غير قادرين على الخضوع بالتمام تحت سيادة الله؟ أليست هذه هي بالتحديد شخصيتهم الشيطانية الفاسدة؟ عندما لم تخضع للتوبيخ، ارتفعت يداك فوق الجميع، حتى فوق يسوع نفسه. وصرخت بصوت عالٍ: "كن ابنًا محبوبًا لله! كن صديقًا حميمًا لله! نحن نفضل الموت عن الخضوع لإبليس! تمرد ضد إبليس القديم! تمرد ضد التنين العظيم الأحمر! ليسقط التنين العظيم الأحمر بالكامل من السُلطة! ليكملنا الله!" كانت صرخاتك أعلى من الجميع. ولكن بعدها أتت أزمنة التوبيخ ومرةً أخرى انكشفت شخصية الناس الفاسدة. ثم توقفت صرخاتهم، ولم يعد لديهم عزم. إنه فساد الإنسان، الذي هو أعمق من الخطية، وقد زرعه الشيطان، وتأصل داخل الإنسان. ليس من السهل على الإنسان أن يفطن إلى خطاياه؛ فهو لا يستطيع أن يدرك طبيعته المتأصلة في داخله. لا يتحقق مثل هذا التأثير إلا من خلال الدينونة بالكلمة. وبهذا وحده يستطيع الإنسان أن يتغير تدريجيًا من تلك النقطة فصاعدًا". وهكذا صرخ الإنسان في الماضي لأنه لم يكن لديه فهم عن شخصيته الفاسدة الأصلية. هذه هي النجاسات التي بداخل الإنسان. على مر تلك المدة الطويلة من الدينونة والتوبيخ، عاش الإنسان في جو من التوتر. ألم يتحقق هذا كله من خلال الكلمة؟ ألم تصرخ أنت أيضًا بصوت مرتفع للغاية قبل تجربة(أ) الخدّام؟ "ادخلوا الملكوت! كل مَن يقبلون هذا الاسم سيدخلون الملكوت! الجميع سيشتركون مع الله!" عندما أتت تجربة الخدّام، لم تصرخ مجددًا. في البداية، صرخ الجميع: "يا الله! أينما تضعني، سأخضع لقيادتك". عند قراءة كلمات الله، "من سيكون رسولي بولس؟" قال الإنسان: "أنا راغب!" ثم رأى الكلمات، "وماذا عن إيمان أيوب؟" فقال: "أرغب في أخذ إيمان أيوب يا الله، أرجوك اختبرني!" عندما جاءت تجربة الخدّام، انهار على الفور وبالكاد استطاع الوقوف ثانيةً. بعد ذلك، قلَّت النجاسات في قلب الإنسان بالتدريج. ألم يتحقق هذا من خلال الكلمة؟ لذلك ما قد اختبرتموه في الحاضر هو النتائج التي حققتها الكلمة، وهي أعظم حتى من تلك التي تحققت من خلال صنع يسوع للآيات والعجائب. إن مجد الله وسلطانه الذي تراه لم يُرَ فقط من خلال الصلب وشفاء المرضى وطرد الأرواح الشريرة، بل من خلال دينونته بالكلمة. هذا يوضح لك أن سلطان الله وقوته ليسا فقط في صُنع الآيات وشفاء المرضى وطرد الأرواح الشريرة، بل أن دينونة الكلمة أكثر قدرة على تمثيل سلطان الله والكشف عن قدرته.

ما حققه الإنسان اليوم – قامة الإنسان اليوم ومعرفته ومحبته وولاؤه وطاعته وأيضًا رؤيته – هي النتائج التي تم تحقيقها من خلال دينونة الكلمة. كونك قادرًا على أن يكون لديك ولاء وأن تبقى صامدًا حتى هذا اليوم، فهذا تحقق من خلال الكلمة. يرى الإنسان الآن أن عمل الله المتجسد هو في الواقع غير عادي. به الكثير مما لا يستطيع الإنسان تحقيقه؛ وهو مملوء بالأسرار والعجائب. لذلك، قد خضع العديد. لم يخضع البعض أبدًا لأي إنسان منذ يوم ولادتهم، ومع ذلك حين يرون كلمات الله هذا اليوم، يخضعون بالتمام دون أن يلاحظوا أنهم فعلوا ذلك، ولا يدققون أو يتفحصون أو يقولون أي شيء آخر. لقد سقط البشر تحت الكلمة ويرقدون خاضعين تحت الدينونة بالكلمة. إن تكلم روح الله مباشرةً مع البشر، لخضع البشر كافة لصوته، وسقطوا على وجوههم دون كلمات من الوحي، مثلما سقط بولس على الأرض من النور عندما كان مسافرًا إلى دمشق. إن استمر الله في العمل بهذه الطريقة، لما استطاع الإنسان أبدًا أن يعرف فساده من خلال دينونة الكلمة ومن ثمَّ يحصل على الخلاص. فقط من خلال صيرورته جسدًا يستطيع أن يقدم كلماته بصورة شخصية لآذان كل إنسان، حتى يسمع جميع مَن لهم آذان كلامه ويقبلون عمل ديونته بالكلمة. هذه فقط هي النتيجة التي حققتها كلمته، بدلًا من ظهور الروح الذي يخيف الإنسان فيخضع. فقط من خلال هذا العمل العملي غير العادي يمكن لشخصية الإنسان القديمة، المستترة عميقًا بداخله للعديد من السنوات، أن تنكشف فيدركها الإنسان ويغيرها. هذا هو العمل العملي لله المتجسِّد؛ إنه يتكلم وينفذ الدينونة بأسلوب عملي لتحقيق نتائج الدينونة على الإنسان بالكلمة. هذا هو سلطان الله المتجسِّد ومغزى تجسُّد الله. يتم هذا العمل لإعلان سلطان الله المتجسِّد، والنتائج التي يقوم عمل الكلمة بتحقيقها، والروح الذي أتى في جسد؛ إنه يبين سلطانه من خلال الدينونة على الإنسان بالكلمة. مع أن جسده له الشكل الخارجي للطبيعة البشرية العادية والطبيعية، فإن النتائج التي تحققها كلماته هي التي توضح للإنسان أنه مملوء سلطانًا، وأنه هو الله بذاته وأن كلماته هي تعبير عن الله بذاته. هذا يوضح للناس كافة أنه هو الله بذاته، الله بذاته الذي صار جسدًا، وأنه لا يمكن لأحد الإساءة إليه، ولا أحد يستطيع أن يتخطى دينونته بالكلمة، ولا قوى الظلمة يمكنها أن تسود على سلطانه. يخضع الإنسان له بالكامل لأنه هو الكلمة الصائر جسدًا، وبسبب سلطانه وبسبب دينونته بالكلمة. العمل الذي تحقق بجسمه المتجسد هو السلطان الذي يمتلكه. إنه يصير جسدًا لأن الجسد يمكنه أيضًا أن يمتلك سلطانًا، وهو قادر على تنفيذ عمل بين البشر بأسلوب عملي، وهو مرئي وملموس بالنسبة للإنسان. هذا العمل أكثر واقعية من أي عمل قام به روح الله الذي يملك كل السلطان مباشرةً، ونتائجه واضحة أيضًا. هذا لأن جسم الله المتجسِّد يمكنه التحدث والقيام بالعمل بطريقة عملية: الشكل الخارجي لجسده لا يملك سلطانًا ويمكن للإنسان الاقتراب منه. يحمل جوهره سلطانًا، ولكن هذا السلطان غير مرئي لأحد. عندما يتكلم ويعمل، لا يستطيع الإنسان تمييز وجود سلطانه؛ وهذا أمر يسهِّل عليه عملًا له طبيعة عملية. وكل هذا العمل العملي يمكنه تحقيق نتائج. حتى على الرغم من أنه لا يوجد إنسان يدرك أنه يحمل سلطانًا أو يرى أنه لا يمكن الإساءة إليه أو النظر لغضبه، من خلال سلطانه وغضبه المستترين وحديثه العلني، يحقق نتائج كلمته المرجوة. بمعنى آخر، من خلال نبرة صوته وصرامة خطابه وحكمة كلماته كلها، يقتنع الإنسان تمامًا. بهذه الطريقة يخضع الإنسان لكلمة الله المتجسِّد، الذي يبدو بلا سلطان، ومن ثمّ يتمّم هدف الله في خلاص الإنسان. وهذه أهمية أخرى لتجسُّده: أن يتكلم بصورة أكثر واقعية وأن يدع واقعية كلماته تؤثر على الإنسان لكي يشهد عن قوة كلمة الله. لذلك فإن هذا العمل، لو لم يتم من خلال التجسد، لما حقق أقل نتائج ولما استطاع تخليص الخطاة بالكامل. لو لم يصر الله جسدًا، لظل الروح غير المرئي وغير الملموس بالنسبة للإنسان. الإنسان مخلوق من جسد، والله والإنسان كل منهما ينتمي إلى عالمين مختلفين وهما مختلفان في الطبيعة. روح الله لا يُقارن مع الإنسان المخلوق من جسد، ولا يمكن تأسيس علاقة بينهما؛ بالإضافة إلى أن الإنسان لا يمكن أن يصير روحًا. ومن ثمَّ فإن روح الله يجب أن يصير من المخلوقات ويقوم بعمله الأصلي. يمكن لله أن يصعد إلى أعلى مكان ويتضع ويصير إنسانًا من الخليقة، ويقوم بالعمل ويحيا بين البشر، ولكن الإنسان لا يمكنه الصعود إلى أعلى مكان ولا يمكنه أن يصير روحًا فضلًا عن أنه لا يمكنه النزول إلى أدنى مكان. وهذا هو السبب وراء حتمية أن يصير الله جسدًا لينفذ عمله. مثلما حدث في التجسُّد الأول، وحده جسم الله المتجسِّد كان يمكنه أن يفدي الإنسان من خلال الصلب، ولكن لم يكن ممكنًا أن يُصلب روح الله كذبيحة خطية عن الإنسان. أمكن لله أن يصير جسدًا مباشرةً ليكون ذبيحة خطية من أجل الإنسان، ولكن لا يمكن للإنسان أن يصعد إلى السماء ليأخذ ذبيحة خطية قد أعدها الله له. وعليه، يجب على الله أن يرتحل جيئة وذهابًا بين السماء والأرض بدلًا من أن يجعل الإنسان يصعد إلى السماء ليأخذ هذا الخلاص، لأن الإنسان قد سقط ولا يمكنه الصعود إلى السماء، فضلًا عن عدم إمكانية حصوله على ذبيحة خطية. لذلك كان من الضروري أن يأتي يسوع بين البشر ويقوم بالعمل الذي لا يمكن لأي إنسان ببساطة تحقيقه بصورة شخصية. في كل مرة صار فيها الله جسدًا، كان من الضروري بشكل مطلق أن يفعل هذا. لو نُفِّذت أية مرحلة من المراحل مباشرةً من قبل روح الله، لما استطاع تحمل إهانات التجسُّد.

في هذه المرحلة الأخيرة للعمل، تتحقق النتائج من خلال الكلمة. من خلال الكلمة يفهم الإنسان العديد من الأسرار ويفهم عمل الله عبر الأجيال الماضية؛ من خلال الكلمة يستنير الإنسان بالروح القدس؛ من خلال الكلمة يفهم الإنسان الأسرار التي لم يفك أجيال الماضي طلاسمها قط، وأيضًا عمل أنبياء ورسل الأزمنة القديمة، والمبادئ التي كانوا يعملون بها؛ من خلال الكلمة يعرف الإنسان أيضًا شخصية الله نفسه وأيضًا تمرد الإنسان ومقاومته، ويعرف جوهره الخاص. من خلال خطوات العمل هذه وكل الكلمات التي قيلت، يعرف الإنسان عمل الروح القدس وعمل جسد الله المتجسِّد، وأيضًا شخصيته الكلية. لقد رُبِحَتْ أيضًا معرفتك بعمل تدبير الله على مدار ستة آلاف عام من خلال الكلمة. ألم تتحقق معرفة أفكارك السابقة ونجاحك في التخلي عنها أيضًا من خلال الكلمة؟ في المرحلة السابقة، صنع يسوع الآيات والعجائب، ولكن الأمر مختلف في هذه المرحلة. ألم يكن فهمك عن سبب فعله هذا تحقق أيضًا من خلال الكلمة؟ لذلك فإن الكلمات التي قيلت في هذه المرحلة تتجاوز العمل الذي قام به رسل وأنبياء الأجيال السابقة. حتى النبوات التي قدمها الأنبياء لم يمكنها أن تحقق نتائج مثل هذه. نطق الأنبياء بمجرد نبوات عمَّا سيحدث في المستقبل، ولكنها لم تتطرق إلى العمل الذي كان يقوم به الله آنذاك. لم يتكلموا ليقودوا البشر في حياتهم، أو ليُنعِمُوا بالحقائق على البشر أو ليكشفوا الأسرار لهم، فضلًا عن أنهم لم يتكلموا للإنعام بالحياة. في الكلمات التي تُقال في هذه المرحلة، توجد نبوة وحق، ولكنها بصورة رئيسية تُنعِم على الإنسان بالحياة. الكلمات التي تُقال في الحاضر مختلفة عن نبوات الأنبياء. هذه مرحلة من العمل ليست من أجل النبوات بل من أجل حياة الإنسان، لتغيير شخصية حياة الإنسان. كانت المرحلة الأولى هي عمل يهوه لتمهيد الطريق للإنسان ليعبد الله على الأرض. كانت هي عمل البداية لإيجاد مصدر الحياة على الأرض. آنذاك، علَّم يهوه بني إسرائيل كيف يحفظون السبت ويحترمون آبائهم ويعيشون في سلام مع بعضهم بعضًا. وكان ذلك بسبب أن البشر آنذاك لم يفهموا مما يتكون الإنسان، ولم يفهموا كيف يحيون على الأرض. كان من الضروري بالنسبة له في مرحلة العمل الأولى أن يقود البشر كي يحيوا حياتهم. كل ما تكلّم به يهوه لهم لم تعرفه البشرية من قبل ولم يكن في حوزتها. في ذلك الوقت أقام الله العديد من الأنبياء لينطقوا بنبوات، وجميعهم قام بذلك تحت قيادة يهوه. كان هذا ببساطة بندًا من بنود عمل الله. في المرحلة الأولى، لم يصر الله جسدًا، هو تكلم إلى كافة الأسباط والأمم من خلال الأنبياء. عندما قام يسوع بعمله في ذلك الوقت، لم يتكلم بمقدار ما هو حاصل في الوقت الحاضر. إن عمل الكلمة في الأيام الأخيرة لم يتمَّم أبدًا في الأجيال والعصور السابقة. مع أن إشعياء ودانيال ويوحنا نطقوا بالعديد من النبوات، كانت تلك النبوات مختلفة تمامًا عن الكلمات التي تُقال اليوم. ما قالوه كان نبوات فقط، ولكن كلمات اليوم ليست كذلك. إن حولت كل ما أقوله الآن إلى نبوات، هل ستفهمون؟ بافتراض أن ما أتكلم به كان عن أمور بعدما أكون قد رحلت، كيف يمكنك أن تفهم؟ إن عمل الكلمة لم يتمَّم أبدًا في زمن يسوع أو في عصر الناموس. ربما يقول البعض: "ألم يقل يهوه كلمات أيضًا في زمن عمله؟ بالإضافة إلى شفاء المرضى وطرد الأرواح الشريرة وصنع الآيات والعجائب، ألم يقل يسوع أيضًا كلمات في زمن عمله؟" هناك اختلافات في كيفية قول الكلمات. ما هو جوهر الكلمات التي نطق بها يهوه؟ لقد كان يقود البشر فقط في حياتهم على الأرض، وهذا الأمر لم يتضمن أمورًا روحية في الحياة. لماذا يُقال إن كلمات يهوه كانت تُعلن لتُعلِّم الناس في الأماكن كافة؟ كلمة "تُعلّم" تشير إلى القول الصريح والإرشاد المباشر. لم يقدم للإنسان حياةً، بل أخذ ببساطة الإنسان من يده وعلَّمَه كيف يتقيه، دون استخدام الكثير من أسلوب الأمثال. لم يكن عمل يهوه في إسرائيل يتعامل مع الإنسان أو يؤدبه أو يقدم دينونة وتوبيخًا؛ كان الهدف من العمل قيادته. طلب يهوه من موسى أن يخبر شعبه أن يجمعوا المَن من البرية. كل صباح قبل شروق الشمس، كانوا يجمعون المَن الذي يكفي طعام ذلك اليوم. لم يمكن الاحتفاظ بالمَن لليوم الذي يليه، وإلا صار مُتَعفنًا. لم يُعلِّم الإنسان أو يكشف له عن طبيعته، ولم يكشف أفكاره ومعتقداته. لم يغير البشر بل قادهم في حياتهم. كان الإنسان آنذاك مثل طفل؛ لم يكن يفهم شيئًا ولم يمكنه سوى القيام بالحركات البسيطة الرئيسية؛ لذلك، قام يهوه فقط بسن الشرائع لقيادة الشعب.

إن كنت ترغب في نشر الإنجيل لكي يستطيع كل من يطلبون بقلب صادق الحصول على معرفة عن العمل الذي يتم اليوم ويقتنعون بالكامل، فعليك أن تفهم القصة الداخلية وجوهر وأهمية العمل الذي يتم في كل مرحلة. من خلال الإنصات لمشاركتك، يمكنهم أن يفهموا عمل يهوه وعمل يسوع وأيضًا كل العمل الذي يتممه إله اليوم، وأيضًا العلاقة والاختلافات بين مراحل العمل الثلاث. لذلك بعدما ينصتون، سير الآخرون أن ولا مرحلة من المراحل الثلاث تعيق الأخرتين. في الواقع، جميعها هي عمل الروح نفسه. مع أنهم يعملون في عصور مختلفة، ومحتوى العمل الذي ينفّذونه مختلف، الكلام الذي يقولونه مختلف أيضًا، فإن المبادئ التي يعملون وفقًا لها هي نفسها ذات المبادئ. هذه الأمور هي أعظم الرؤى التي ينبغي على جميع الناس الذين يتبعون الله فهمها.

الحواشي

(أ) لا يشتمل النص الأصلي على كلمة "تجربة".

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.