ماذا يعني السعي إلى الحق (12) الجزء الأول

ما الذي عقدتُ الشركة حوله في الاجتماع الأخير؟ هلَّا أخبرنا أحد؟ (في المرة السابقة عقد الله الشركة حول جانبين. كان أحد الجانبيْن هو أنه عندما تحدث حوادث معينة في الكنيسة في فترات مختلفة أو مراحل مختلفة – على سبيل المثال، اعتقال التنين العظيم الأحمر لبعض الناس، واستبدال بعض القادة والعاملين، وإصابة بعض الناس بالمرض، ومواجهة بعض الناس لمسائل حياةٍ أو موت – فإن هذه الحوادث لا تحدث عن طريق الصدفة، ونحن بحاجة إلى طلب الحق بشأنها. قدَّم الله أيضًا بعض طرق الممارسة. عند مواجهة هذه الظروف، يجب أن نلتزم بأمرين: الأول هو أن نتخذ المكان المناسب للكائن المخلوق؛ والثاني هو أن يكون لدينا قلب صادق وخاضع؛ سواء كنا نواجه الدينونة والتوبيخ، أو التجارب والتنقية، أو النعمة والبركات، يجب أن نقبل كل هذه الأشياء من الله. بالإضافة إلى ذلك، شَرَّحَتْ شركة الله أحد المقولات عن السلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية، وهي أنه "ينبغي على المرء ألا تفسده أبدًا الثروة أو يُغيِّره الفقر أو يحنيه الإكراه"). كان الموضوع الرئيسي للشركة السابقة هو أيضًا المشكلات المرتبطة بالمقولات التي تخص السلوك الأخلاقي. لقد عقدتُ الشركة عن هذا الموضوع لفترة طويلة، وكشفت عن بعض المقولات الشائعة عن السلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية وعن متطلباته وتعريفاته. وبعد أن عقدتُ الشركة عن هذه الموضوعات، هل لديكم أي فهم جديد وتعريفات جديدة لهذه المقولات المتعلقة بالسلوك الأخلاقي؟ هل ميزتم هذه العبارات على حقيقتها ورأيتم جوهرها بوضوح؟ هل يمكنكم التخلي عن هذه الأشياء من أعماق قلوبكم، ونبذها، والتوقف عن الخلط بينها وبين الحق، والتوقف عن اعتبارها أشياء إيجابية، والسعي إليها بوصفها حقائق، والالتزام بها؟ على وجه الخصوص، حينما تواجه في الحياة اليومية بعض الأمور التي تتعلق بمقولاتٍ عن السلوك الأخلاقي، هل يوجد وعي في داخلك، وهل يمكن أن تتأمَّل بتمعّن فيما إذا كنت لا تزال متأثّرًا بهذه المقولات عن السلوك الأخلاقي؟ هل تقيِّدك هذه الأشياء وتكبلك وتسيطر عليك؟ هل لا يزال بإمكانك داخليًا استخدام مقولات حول السلوك الأخلاقي لتقييد نفسك والتأثير على حديثك وتصرفاتك، إضافة إلى موقفك تجاه الأشياء؟ شاركونا أفكاركم. (قبل أن يعقد الله الشركة عن الثقافة التقليدية ويُشَرِّحَها، لم أكن أعي أن هذه الأفكار والآراء حول السلوك الأخلاقي خاطئة، ولم أكن أعي ما نوع الأذى الذي قد تسببه لي، ولكن الآن لدي بعض الوعي). من الجيد أن يكون لديك بعض الوعي. بالطبع، بعد فترة، يجب أن تكون قادرًا على التعرف على أخطاء هذه المقولات حول السلوك الأخلاقي. من وجهة نظر ذاتية، يُفْتَرَضُ أن تكون قادرًا أيضًا على تركها والتوقف عن اعتبارها أشياء إيجابية، لكن من وجهة نظر موضوعية، فإنك لا تزال بحاجة إلى إدراك مثل هذه المقولات حول السلوك الأخلاقي في الحياة اليومية بعناية وكذلك نبشها وتمييزها، حتى تتمكن من إدراك حقيقتها مباشرة والتخلي عنها. إن كونك واعيًا من وجهة نظر ذاتية لا يعني أنك تستطيع التخلي في حياتك اليومية عن هذه الأفكار والآراء الخاطئة المستقاة من الثقافة التقليدية. عندما تواجه مثل هذه الأشياء، قد تشعر فجأة أن هذه المقولات معقولة، وتكون غير قادر على تركها تمامًا. في مثل هذه الحالات، يجب أن تطلب الحق في اختباراتك، وبعناية تُشَرِّحَ هذه الآراء الخاطئة المستقاة من الثقافة التقليدية وفقًا لكلام الله، وتصل إلى النقطة التي يمكنك فيها أن ترى بوضوح أن جوهر تلك الأقوال المستقاة من الثقافة التقليدية يتعارض مع الحق، وغير واقعي، ومضلل، وضار بالناس. وبهذه الطريقة فقط يمكن طرد سم هذه الآراء السخيفة من قلبك تمامًا ونهائيًا. لقد أدركتم الآن عيوب مختلف المقولات المستقاة من الثقافة التقليدية من حيث التعليم، وهذا أمر جيد، لكنه البداية فحسب. أمّا فيما يتعلّق بما إذا كان يمكن القضاء التامّ على التّأثير السّامّ للثقافة التّقليديّة في المستقبل، فإنّ ذلك يعتمد على كيفيّة سعي النّاس إلى الحقّ.

أيًّا تكن المقولة المتعلقة بالسلوك الأخلاقي، فهي وجهة نظرٍ أيديولوجية حول السلوك الأخلاقي الذي تدعو إليه البشرية. لقد كشفنا سابقًا عن جوهر عدد غير قليل من مختلف المقولات المتعلقة بالسلوك الأخلاقي، لكن إضافة إلى الجوانب التي عقدنا الشركة عنها سابقًا، لا يزال هناك بالتأكيد المزيد من المقولات حول السلوك الأخلاقي التي يجب الكشف عنها، من أجل تحقيق فهم أعمق وتمييز للمقولات الكثيرة المتنوعة حول السلوك الأخلاقي الذي يدعو إليه البشر. هذا شيء ينبغي عليكم القيام به. فيما يتعلق بالمقولة المتعلقة بالسلوك الأخلاقي التي تقول "ينبغي على المرء ألا تفسده أبدًا الثروة أو يُغيِّره الفقر أو يحنيه الإكراه" التي عقدنا الشركة عنها في المرة السابقة، بناءً على معنى هذه الجملة، فهي موجهةٌ إلى الرجال بشكل أساسي. هذا أحد المتطلبات من الرجال، وهو أيضًا معيار لما تسميه البشرية "الرجال الرجوليون الأشداء". لقد كشفنا هذا المعيار المتعلِّقَ بالرجال وشرَّحناه. إضافة إلى هذا المتطلَّب من الرجال، توجد أيضًا مقولة: التي تقول "يجب أن تكون المرأة فاضلة وطيبة ولطيفة وأخلاقية"، والتي عقدنا الشركة عنها سابقًا، والتي وُضِعَت في شأن النساء. من هاتين المقولتين يمكن أن نرى بوضوح أن الثقافة التقليدية للبشرية ليست تضع فحسب متطلبات غير واقعية وغير إنسانية للنساء لا تتوافق مع الطبيعة البشرية، ولكنها أيضًا لا تُجَنِّبُ الرجال، إذ تضع مزاعم ومطالب من الرجال غير أخلاقية وغير إنسانية، وتتعارض مع الطبيعة البشرية، وبالتالي فهي لا تحرم النساء فقط من حقوقهن الإنسانية، بل تحرم الرجال أيضًا. من وجهة النظر هذه، يبدو الحياد عدلًا بعدم التساهل مع النساء، وعدم تجنيب الرجال. لكن بناءً على ما تضعه الثقافة التقليدية من متطلبات ومعايير للنساء والرجال، من الواضح أن هناك مشاكل خطيرة في هذا النهج. على الرغم من أن الثقافة التقليدية تضع معايير السلوك الأخلاقي للنساء من ناحية، ومن ناحية أخرى، تضع أيضًا معايير للسلوك للرجال الرجوليين الأشدَّاء، فبناءً على هذه المتطلبات والمعايير، من الواضح أن ثمة قصور في الإنصاف. أليس الأمر كذلك؟ (بلى). هذه المتطلبات ومعايير السلوك الأخلاقي للنساء تقيد بشدة حرية النساء، وهي لا تكبِّل أفكار النساء فحسب، بل أقدامهنّ أيضًا، من خلال مطالبتهن بالمكوث في المنزل وعيش حياة منعزلة، وعدم مغادرة المنزل مطلقًا وتقليل الاتصال بالعالم الخارجي إلى أدنى حدٍ ممكن. إلى جانب حثها للنساء على أن يكنَّ فاضلات وطيبات ولطيفات وأخلاقيات، فإنها أيضًا تفرض لوائح صارمة على نطاق عمل النساء ونطاق حياتهن، من خلال مطالبتهن بعدم الظهور في الأماكن العامة، وعدم السفر بعيدًا، وعدم الاضطلاع بأي حياة مهنية، ناهيك عن أن تكون لديهن أي طموحات ورغبات ومُثُلٌ كبيرة، بل إنها تتمادى إلى حد وضع زعمٍ أشدّ افتقارًا للإنسانية؛ وهو أن الفضيلة في المرأة هي أن تكون غير ماهرة. بِمَ تشعرون عند سماع هذا؟ هل هذا الزعم بأن "الفضيلة في المرأة هي أن تكون غير ماهرة" صحيح بالفعل؟ كيف يمكن أن تكون الفضيلة في المرأة هي عدم التمتُّع بأي مهاراتٍ؟ ما معنى كلمة "فضيلة" بالضبط؟ هل تعني الافتقار إلى الفضيلة، أم التحلِّي بالفضيلة؟ إذا كانت جميع النساء اللواتي لا تتمتعن بأي مهارات تُعْتَبرْنَ فاضلات، فهل جميع النساء ذوات المهارات يفتقرْنَ إلى الفضيلة ولا يتحليْنَ بأي أخلاق؟ هل هذا دينونة وإدانة للنساء الماهرات؟ هل هذا حرمان خطير للنساء من حقوق الإنسان؟ هل هذه إهانة لكرامة النساء؟ (نعم). هذا ليس تجاهلًا لوجود النساء فحسب، وإنما هو استخفافٌ بوجودهنَّ أيضًا، وهو أمر غير عادل نحو النساء وغير أخلاقي. إذن، ما رأيك في هذه المقولة "الفضيلة في المرأة هي أن تكون غير ماهرة "؟ هل هي غير إنسانية؟ (نعم). كيف يجب تفسير كلمة "غير إنسانية"؟ هل تعني الافتقار إلى الفضيلة؟ (نعم). هذا افتقار خطيرٌ إلى الفضيلة. وكما تقول المقولة الصينية، فهو افتقارٌ إلى ما يساوي ثمانية أعمار من الفضيلة. هذا الزعم غير إنساني بالتأكيد! إن الأشخاص الذين يروجون للزعم بأن "الفضيلة في المرأة هي أن تكون غير ماهرة" يضمرون دوافع وأغراضًا خفية: فهم لا يريدون أن تكون النساء ماهرات، ولا يريدون أن تشارك النساء في العمل المجتمعي وأن تقفن على قدم المساواة مع الرجال. إنهم لا يريدون سوى أن تكون النساء أدوات في خدمة الرجال، تنتظرن الرجال في وداعةٍ في بيوتهنَّ ولا تفعلن شيئًا آخر؛ يعتقدون أن هذا هو ما تعنيه كلمة "فاضلة". إنهم يتوقون إلى تعريف النساء على أنهن عديمات الفائدة، وينكرون قيمتهن، جاعلين منهنَّ مجرد مسترقَّاتٍ للرجال يخدمنهن إلى الأبد، دون السماح لهنَّ بالوقوف على قدم المساواة مع الرجال والتمتع بالمساواة في المعاملة. هل تأتي وجهة النظر هذه من التفكير البشري الطبيعي، أم من الشيطان؟ (من الشيطان). هذا صحيح، لا بدَّ أنها تأتي من الشيطان. مهما كانت نقاط الضعف الغريزية أو الجسدية لدى النساء، فلا شيء منها يمثل مشكلة ولا ينبغي أن يصبح ذريعة أو سببًا يبيح للرجال القدح في النساء وإهانة كرامتهن وحرمانهن من حريتهن أو حقوقهن الإنسانية. في نظر الله، نقاط الضعف هذه وجوانب الهشاشة الفطرية هذه التي يقرنها الناس بالنساء ليست مشكلة. لماذا؟ نظرًا إلى أن الله خلق النساء، فإن هذه الأشياء التي يعتقد الناس أنها نقاط ضعف ومشاكل تأتي بالتحديد من الله. لقد خلقها ورَسَّمها مسبقًا، وهي ليست في الواقع عيوبًا أو مشكلات. هذه الأشياء التي تبدو نقاط ضعف وعيوب في نظر البشر والشيطان هي في جوهرها أشياء طبيعية وإيجابية، كما أنها تتوافق مع القوانين الطبيعية التي صاغها الله عندما خلق البشرية. الشيطان وحده هو من يستطيع تشويه سمعة الكائنات التي خلقها الله بهذه الطريقة، من خلال اعتبار الأشياء التي لا تتوافق مع المفاهيم البشرية عيوبًا ونقاط ضعف ومشاكل تتعلق بأوجه القصور الغريزية، وإثارة ضجة بشأنها، واستخدامها للقدح في الناس والاستهزاء بهم وتشويه سمعتهم ونبذهم، وحرمان النساء من حقهن في الوجود، وحقهن في تتميم مسؤولياتهن والتزاماتهن بين البشر، وكذلك حرمانهن من حقهن في إظهار مهاراتهن ومواهبهن الخاصة بين البشر. على سبيل المثال، غالبًا ما تستخدم مصطلحات مثل "فتاة مدللة" أو "أنثوية" في المجتمع لوصف النساء وتقليل قيمتهن باعتبارهن عديمات الجدوى. ما هي الكلمات الأخرى من هذا القبيل؟ "خوَّافة"، "طويلة الشعر قصيرة النظر"، "لعوبٌ كبيرة الصدر" وما إلى ذلك، كلها مصطلحات تهين النساء. كما تلاحظ، تُسْتَخْدَم هذه المصطلحات لإهانة النساء من خلال الإشارة إلى سماتهن المميزة أو التسميات المرتبطة بالجنس الأنثوي. من الواضح أن المجتمع والجنس البشري ينظران إلى النساء من منظور مختلف تمامًا عن منظورهما للرجال، وهو منظور لا يتسم بالمساواة أيضًا. أليس هذا غير عادل؟ هذا الكلام وهذه النظرة للأمور ليسا مبنييْن على أساس المساواة بين الرجال والنساء، بل هي نظرةٌ إلى النساء بازدراء من منظور تفوُّق الذكور، وانعدام تام للمساواة بين الرجال والنساء. لذلك، ظهرت في المجتمع أو بين البشر العديد من المصطلحات التي تستخدم السمات والتسميات الأنثوية المميزة للنساء لوصف مختلف المشاكل المتعلقة بالأشخاص والأحداث والأشياء. على سبيل المثال، لا يكتفي الناس باستخدام تعبيرات "فتاة مدللة" و"أنثوية" و"خوَّافة" وأيضًا "طويلة الشعر قصيرة النظر" و"لعوبٌ كبيرة الصدر" التي ذكرناها للتو لوصف النساء واستهداف النساء، بل يستخدمونها أيضًا للسخرية من الأشخاص والأحداث والأشياء التي يحتقرونها، وازدرائها، وفضحها، باستخدام مصطلحات مرتبطة بالسمات الأنثوية والجنس الأنثوي. هذا يشبه تمامًا وصف شخص ما بأنه خالٍ من الإنسانية، فيمكن القول إن هذا الشخص لديه قلب ذئب ورئتا كلب، لأن الناس يعتقدون أنه لا قلب الذئب ولا رئتا الكلب أشياء لطيفة، لذلك يستخدمون هذين المصطلحيْن معًا لوصف مدى نذالة شخص فقد إنسانيته. وبالمثل، نظرًا لأن البشر يحتقرون النساء ويستخفون وجودهن، فإنهم يستخدمون بعض المصطلحات المرتبطة بالنساء لوصف الأشخاص والأحداث والأشياء التي يحتقرونها. هذا تشويه واضح للجنس الأنثوي؛ أليس كذلك؟ (بلى). على أي حال، فإن نظرة الجنس البشري والمجتمع إلى النساء وتعريفهما لهنَّ غير عادلة ومخالفة للحقائق. باختصار، يمكن وصف موقف البشرية تجاه النساء بكلمتين، وهما "التشويه" و "القمع". لا يُسمح للنساء بالمبادرة للقيام بالأشياء، ولا بتتميم أي التزامات ومسؤوليات اجتماعية، ناهيك عن لعب أي دور في المجتمع. باختصار، لا يُسمح للنساء بالخروج من المنزل للمشاركة في أي عمل في المجتمع؛ وهذا حرمانٌ للنساء من حقوقهن. لا يُسمح للنساء بالتخيل بحرية، ولا بالتحدث بحرية، ناهيك عن التصرف بحرية، ولا يُسمح لهن بفعل أي من الأشياء التي يجب عليهنَّ فعلها. أليس هذا اضطهادًا للنساء؟ (بلى). إن اضطهاد الثقافة التقليدية للنساء واضح في متطلبات السلوك الأخلاقي المفروضة عليهن. بالنظر إلى المتطلبات المختلفة المفروضة على النساء من قبل الأسرة والمجتمع والمجتمعات المحلية، بدأ اضطهاد النساء رسميًا عندما تشكلت المجتمعات المحلية لأول مرة وخلق الناس انقسامات واضحة بين الجنسين. متى وصل اضطهاد النساء إلى ذروته؟ وصل اضطهاد النساء إلى ذروته بعد الظهور التدريجي لمختلف المقولات والمتطلبات المتعلقة بالسلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية. نظرًا لوجود لوائح مكتوبة ومقولات صريحة، فإنَّ هذه اللوائح المكتوبة والمقولات الصريحة في المجتمع قد شكلت الرأي العام وشكلت أيضًا نوعًا من القوة. هذا الرأي العام وهذه القوة قد أصبحا بالفعل نوعًا من القفص والأغلال التي لا ترحم للنساء، اللائي لا يسعهم سوى قبول مصيرهن، لأنه في معيشة النساء بين البشر وفي عصور مختلفة من المجتمع، لم يسعهم إلا أن يتحمَّلنَ الظلم ويعانين من الإهانات، ويذللن أنفسهنَّ، ويصبحن مسترقَّاتٍ للمجتمع وحتى للرجال. حتى يومنا هذا، لا تزال تلك الأفكار والمقولات العتيقة بعيدة العهد التي وُضِعَت حول موضوع السلوك الأخلاقي تؤثر بعمق على المجتمع البشري الحديث، بما في ذلك الرجال، وبالطبع النساء. تستخدم النساء هذه المقولات المتعلقة بالسلوك الأخلاقي وآراء المجتمع ككل – عن غير قصد ودون علم – لتقييد أنفسهن، وهن بالطبع يكافحن أيضًا دون وعي للتحرر من هذه الأغلال والأقفاص. ورغم ذلك، لأن الناس ليس لديهم أي مقاومة لهذه القوة الهائلة للرأي العام في المجتمع – أو على وجه الدقة – لأن البشر لا يمكنهم أن يروا بوضوح جوهر مختلف المقولات في الثقافة التقليدية، ولا أن يدركوا حقيقتها – فهم غير قادرين على التحرر من هذه الأغلال والأقفاص والخروج منها، رغم أنهم يتوقون إلى القيام بذلك. على مستوى ذاتي، فهذا لأن الناس لا يستطيعون رؤية هذه المشاكل بوضوح؛ وعلى مستوى موضوعي، فهذا لأن الناس لا يفهمون الحق، ولا يفهمون تحديدًا ما كان معنى الخالق في خلق الناس، أو السبب في أنه خلق غرائز الذكور والإناث. لذلك، فإنَّ كلًا من الرجال والنساء يعيشون ويقتاتون داخل هذا الإطار الهائل من الأخلاق الاجتماعية، ومهما كافحوا بجد داخل هذه البيئة الاجتماعية الهائلة، فإنهم يظلون غير قادرين على الهروب من أغلال المقولات المتعلقة بالسلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية، وهي أقوال أصبحت أغلالًا غير مرئية في ذهن كل شخص.

تلك المقولات التي تضطهد النساء في الثقافة التقليدية تشبه أغلالًا غير مرئية، ليس للنساء فقط، بل للرجال أيضًا بالطبع. لماذا أقول ذلك؟ لأنه بما إن الرجال ولدوا في خضم البشرية، وبصفتهم أعضاء على نفس القدر من الأهمية في هذا المجتمع، فإن هذه الثقافات التقليدية للأخلاق تُغْرَس في أذهان الرجال وتؤثِّر عليهم بالمِثْل. هذه الأشياء متجذرة بعمق في عقل كل رجل، وجميع الرجال متأثرون بالثقافة التقليدية ومقيدون بها دون وعي. على سبيل المثال، يؤمن الرجال أيضًا إيمانًا راسخًا بتعبيرات مثل "فتاة مدللة"، و "الفضيلة في المرأة هي أن تكون غير ماهرة"، و "يجب أن تكون النساء فاضلات وطيبات ولطيفات وأخلاقيات"، و "يجب أن تكون النساء عفيفات"، وهذه الأشياء من الثقافة التقليدية تقيِّدهم بعمقٍ كما تقيِّد النساء. من ناحية، هذه المقولات التي تضطهد النساء ذات منفعة كبيرة لمكانة الرجال وتساعد في تعزيزها، ومن هذا يمكننا أن نرى أن الرأي العام في المجتمع قد ساعد الرجال مساعدة كبيرة في هذا الصدد. لذلك، فَهُم يقبلون بسهولة هذه الآراء والتعبيرات التي تضطهد النساء. من ناحية أخرى، فإنَّ هذه الأشياء من الثقافة التقليدية للأخلاق تضلِّل الرجال أيضًا وتؤثر فيهم، لذلك يمكن القول أيضًا إنَّ الرجال – إلى جانب النساء – هم الضحايا الآخرون لمَدّ الثقافة التقليدية. هناك من يقول: "المجتمع بشكل عام يؤيد أفضلية حقوق الرجال، فلماذا تقول إن الرجال هم أيضًا ضحايا؟". يجب رؤية الأمر من منظور أن الثقافة التقليدية للأخلاق قد أَغْوَت البشرية وتوَّهتها وضلَّلتها وخدَّرتها وقيَّدتها. لقد تضررت النساء بشدة من الأفكار المتعلقة بالأخلاق في الثقافة التقليدية، وبالمثل ضُلِّلَ الرجال بعمقٍ وعانوا الكثير. ما معنى "ضُلِّلوا" بعبارةٍ أخرى؟ معناها أن الناس ليست لديهم وجهة نظر صحيحة يمكن من خلالها تقييم الرجال وتعريف النساء. أيًا كانت الزاوية التي ينظرون منها إلى هذه الأشياء، فهي مبنيةٌ بالكامل على الثقافة التقليدية، وليس على الحقائق التي يعبر عنها الله أو مختلف القواعد والقوانين التي صاغها الله للبشرية، وليس على الأشياء الإيجابية التي كشف عنها للبشرية. من وجهة النظر هذه، فإن الرجال هم أيضًا ضحايا أَغْوَتْهُم الثقافة التقليدية وتوَّهتهم وضلَّلتهم وخدّرتهم وقيَّدتهم. لذلك يجب على الرجال ألا ينظروا إلى النساء على أنهن مثيرات للشفقة للغاية لمجرد أن النساء ليس لهنَّ مكانةٌ في هذا المجتمع، ويجب ألا يكونوا راضين عن أنفسهم لمجرد أن مكانتهم الاجتماعية أعلى من مكانة النساء. لا تتعجَّلوا الفرحة؛ فالواقع أنَّ الرجال أيضًا مثيرون للشفقة للغاية. إذا قارنتهم بالنساء، فهم مثيرون للشفقة بالقدر نفسه. لماذا أقول إنهم جميعًا مثيرون للشفقة بالتساوي؟ دعونا نلقي نظرة أخرى على تعريف المجتمع والبشرية وتقييمهما للرجال، وعلى بعض المسؤوليات الموكلة إلى الرجال. في ضوء مطلب البشرية من الرجال الذي عقدنا الشركة حوله في المرة الماضية – وهو "ينبغي على المرء ألا تفسده أبدًا الثروة، أو يُغيِّره الفقر، أو يحنيه الإكراه" – فإن الهدف النهائي من هذا المطلب هو تعريف الرجال على أنهم رجوليون أشِدَّاء، وهو وسم قياسي للرجال. بمجرد وضع هذا الوسم: "رجل رجولي شديد" على عاتقي الرجل، يصبح ملزمًا بأن يكون على مستوى اللقب، وإذا كان يريد حقًا أن يكون على مستواه، فيجب عليه تقديم العديد من التضحيات التي لا طائل منها والقيام بالعديد من الأشياء بطريقة تتعارض مع الإنسانية الطبيعية. على سبيل المثال، إذا كنت رجلاً وتريد أن يعترف بك المجتمع كرجل رجولي شديد، فلا يمكن أن يكون لديك أي ضعف، ولا يمكنك أن تكون خجولًا بأي شكل من الأشكال، ويجب أن تكون لديك إرادة قوية، ولا يمكنك أن تشكو من أنك متعب، ولا يمكنك البكاء، أو إظهار أي ضعف بشري، ولا يمكنك حتى أن تكون حزينًا، ولا يمكنك أن تتراخى. في جميع الأوقات، يجب أن يكون لديك وميض في عينيك، ونظرة حازمة لا تعرف الخوف، ويجب أن تكون قادرًا على أن تشتعل غضبًا ضد أعدائك، حتى ترتقي إلى مستوى لقب "رجل رجولي شديد". وهذا يعني أنه يجب أن تستجمعَ شجاعتك وتمضي شامخًا في هذه الحياة. لا يمكنك أن تكون شخصًا متوسطًا أو عاديًا أو عاميًا أو غير مميز. يجب أن تتفوق على البشر الفانين وأن تكون إنسانًا خارقًا يمتلك قوة إرادة استثنائية ومثابرة وتحملًا وثباتًا استثنائيين، من أجل أن تستحق أن توصف بأنك "رجل رجولي شديد". هذا مجرد واحد من متطلبات الثقافة التقليدية من الرجال. وهذا يعني أنه لا بأس في أن يتسكع الرجال ويشربوا الخمور ويمارسوا العهر والقمار، لكن لا بد أن يكونوا أقوى من النساء وأن يمتلكوا قوة إرادة عالية للغاية. مهما يحل بك، فيجب ألا تذعن أو تجفل أو تقول "لا"، ويجب ألا تظهر الخجل أو الخوف أو الجبن. يجب عليك إخفاء مظاهر الإنسانية الطبيعية هذه وتغطيتها، ويجب ألا تكشف عنها بأي شكل من الأشكال، وألا تدع أي شخص يراها، ولا حتى والديك أو أقرب أقربائك أو أكثر مَن تحبهم من الأشخاص. ما سبب ذلك؟ لأنك تريد أن تكون رجلًا رجوليًا فحلًا. سمة أخرى من سمات الرجال الرجوليين الأشِدَّاء هي أنه لا يمكن لأي شخص أو حدث أو شيء أن يحبط عزمهم. متى ما أراد الرجل أن يفعل شيئًا – حينما تكون لديه أي تطلعات أو مُثُل أو رغبات، مثل خدمة بلده، أو إظهار الولاء لأصدقائه، أو فدائهم بنفسه، أو أي مهنة يريد القيام بها، أو أي طموح لديه، بغض النظر عما إذا كان صحيحًا أو خاطئًا – فلا يمكن لأحد أن يعيقه، ولا يمكن لحبه للنساء، ولا للأقارب ولا يمكن للأسرة أو المسؤوليات الاجتماعية أن تغيَّر عزمه، ولا أن تجعله يتخلى عن تطلعاته ومُثُله ورغباته. لا يمكن لأحد أن يغير عزمه، أو الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها، أو المسار الذي يريد أن يسلكه. في الوقت نفسه، يجب عليه أيضًا أن يُلْزِمَ نفسه بعدم الاسترخاء في أي لحظة. بمجرد أن يسترخي، ويتراخى، ويريد العودة إلى الوفاء بمسؤولياته العائلية، وأن يكون ابنًا بارًا بوالديه، وأن يعتني بأطفاله، وأن يكون شخصًا طبيعيًا، ويتخلى عن مُثُلِهِ وتطلعاته والمسار الذي يريد أن يسلكه، والأهداف التي يريد تحقيقها، لن يكون بعدئذٍ رجلًا رجوليًا فحلًا. وإذا لم يكن رجلًا رجوليًا فحلًا، فماذا يكون؟ يصبح شخصًا عاطفيًا للغاية، عديم الفائدة، وهي خصائص يحتقرها المجتمع بأكمله، وبالطبع يحتقرها هو نفسه أيضًا. بمجرد أن يدرك الرجل أنه توجد مشاكل وأوجه قصور في أفعاله وسلوكه لا تفي بمعيار كونه رجلًا رجوليًا فحلًا، سيحتقر نفسه داخليًا، وسيشعر أنه ليس له مكان في هذا المجتمع، ولا منفذ لقدراته، وأنه لا يمكن أن يسمى رجلًا رجوليًا فحلًا، أو حتى مجرد رجل. إحدى السمات الأخرى للرجال الرجوليين الأشِدَّاء هي أنهم لا يحنيهم بالإكراه، وهي روحٌ تجعل من المستحيل إخضاعهم بأي سلطة أو عنف أو تهديدات أو ما شابه ذلك. مهما كانت السلطة أو العنف أو التهديد أو حتى الخطر المميت الذي يواجهونه، فإن هؤلاء الرجال لا يخشون الموت ويمكنهم التغلب على مِحَن متعاقبة. لن يكون من الممكن احتجازهم مقابل فدية أو إجبارهم على الخضوع، فهم لن يذعنوا لأي قوة لمجرد البقاء على قيد الحياة، ولن ينحدروا إلى التسوية. بمجرد أن ينصاعوا للسلطة أو أي نوع من القوة من أجل شيء من المسؤولية أو الالتزام أو أي سبب آخر، فحتى لو بقوا على قيد الحياة وحافظوا على حياتهم، سيشعرون بالاشمئزاز من سلوكهم بسبب ثقافة الأخلاق التقليدية التي يعبدونها. هذا يشبه قليلًا روح "بوشيدو" في اليابان. بمجرد أن تفشل أو تشعر بالعار، تشعر أنه يجب عليك الانتحار عن طريق بَقْرِ بطنك. هل الحياة سهلة المنال إلى هذا الحد؟ يعيش الناس مرة واحدة فقط. إذا كان مجرَّد فشل طفيف أو انتكاسة طفيفة تثير التفكير في الموت، فهل هذا ناتج عن تأثير الثقافة التقليدية؟ (نعم). عندما تصيب الرجل مشكلة ولا يستطيع اتخاذ قرار سريع، أو اتخاذ خيار يلبي متطلبات الثقافة التقليدية، أو إثبات كرامته وشخصيته، أو إثبات أنه رجل رجولي فحل، فإنه سيطلب الموت والانتحار. السبب في أن الرجال يمكن أن يحملوا هذه الأفكار والآراء هو التأثير الشديد للثقافة التقليدية، والطريقة التي تحد بها من تفكيرهم. لو لم يتأثروا بأفكار الثقافة التقليدية وآرائها، لما كان هناك الكثير من الرجال الذين ينتحرون أو يبقرون بطونهم بأنفسهم. فيما يتعلق بتعريف الرجل الرجولي الفحل، فإنَّ الرجال يقبلون أفكار الثقافة التقليدية هذه وآراءها بشكل إيجابي للغاية ويقيني، ويعتبرونها أشياء إيجابية يمكن من خلالها تقييم أنفسهم وتقييدها، وكذلك تقييم الرجال الآخرين وتقييدهم. وبناءً على أفكار الرجال وآرائهم ومُثُلهم وأهدافهم والمسارات التي يختارونها، فإن هذا كله يثبت أن جميع الرجال متأثرون بشدة بالثقافة التقليدية ومسمَّمون بها. إن القصص العديدة للمآثر البطولية والأساطير الجميلة هي صورة حقيقية لمدى تجذر الثقافة التقليدية بعمق في أذهان الناس. من وجهة النظر هذه، هل الرجال مسمَّمون بالثقافة التقليدية بنفس درجة تسمم النساء بها؟ إنَّ الثقافة التقليدية لا تفعل سوى أنها تضع معايير مختلفة للمتطلبات من الرجال والنساء، حيث تهين النساء وتشوه سمعتهن وتقيدهن وتسيطر عليهن دون قيد بينما تحث الرجال بقوة وتحرضهم وتثيرهم وتستحثهم على ألا يكونوا جبناء أو أشخاصًا عاميين عاديين. المطلوب من الرجال هو أن يكون كل ما يفعلونه مختلفًا عن النساء، وأن يتفوقوا عليهن، وأن يرتفعوا فوقهن، وأن يتسلقوا فوقهن. يجب أن يتحكموا في المجتمع، وأن يتحكموا في الجنس البشري، وأن يتحكموا في توجهات المجتمع واتجاهاته، وأن يتحكموا في كل شيء في المجتمع. يجب أن يكون الرجال كاملي القوة في المجتمع، يملكون سلطة السيطرة على المجتمع والبشر، وتشمل هذه السلطة أيضًا السيطرة على النساء والتحكم فيهن. هذا ما يجب على الرجال السعي إليه، وهذا أيضًا هو الأسلوب البطولي للرجل الرجولي الفحل.

في العصر الحالي، أصبحت العديد من البلدان مجتمعات ديمقراطية تضمن حقوق النساء والأطفال ومصالحهم إلى حد ما، ولم يعد تأثير وقيود هذه الأفكار والآراء المستقاة من الثقافة التقليدية على الناس واضحًا. وعلى كل حال، حققت العديد من النساء تقدمًا في المجتمع، وتتزايد مشاركتهن في العديد من المجالات والعديد من المهن. لكن نظرًا إلى أن أفكار الثقافة التقليدية متجذرة بعمق منذ فترة طويلة في أذهان البشر – لا في أذهان النساء فقط بل في أذهان الرجال أيضًا – فإنَّ كلًا من الرجال والنساء يتبنون دون وعي منظور الثقافة التقليدية وزاوية رؤيتها عند التفكير في مختلف الأشياء والتعامل معا. وبالطبع، يضطلعون أيضًا بمختلف المهن والوظائف بإرشادٍ من أفكار الثقافة التقليدية وآرائها. في مجتمع اليوم، على الرغم من تحسن المساواة بين الرجال والنساء إلى حد ما، فإنَّ فكرة تفوق الذكور في الثقافة التقليدية لا تزال تهيمن على عقول الناس، وفي معظم البلدان، يستند التعليم بشكل أساسي على هذه الأفكار الأساسية المستقاة من الثقافة التقليدية. لذلك، على الرغم من أن البشر في هذا المجتمع نادراً ما يستخدمون هذه المقولات المستقاة من الثقافة التقليدية في حديثهم عن القضايا المختلفة، فهم لا يزالون مسجونين ضمن الإطار الأيديولوجي للثقافة التقليدية. ما نوع المصطلحات التي يستخدمها المجتمع الحديث للثناء على المرأة؟ على سبيل المثال: "امرأة ذكورية" و "امرأة قوية". هل صيغتا الخطاب هاتان محترمتان أم مهينتان؟ هناك نساء تقلن: "شخص ما دعاني امرأة ذكورية، وهو ما اعتبرته مجاملة كبيرة. يا للمفاجأة! لقد اندمجتُ في المجتمع الذكوري وتعزَّزَتْ مكانتي. على الرغم من أنني امرأة، فإنني بإضافة كلمة "ذكورية" أصبحت امرأة ذكورية، ومن ثَمَّ يمكنني أن أكون شخصًا مساويًا للرجال، وهو نوع من الشرف!". هذا اعتراف بهذه المرأة وقبولٌ لها من قِبَل مجتمع محليٍّ أو مجموعة في المجتمع البشري، وهو أمر مشرف للغاية، أليس كذلك؟ إذا وُصِفَت المرأة بأنها امرأة ذكورية، فهذا يثبت أن هذه المرأة مقتدرة للغاية، مثلها مثل الرجال، وليست أدنى منهم، وأن حياتها المهنية ومواهبها وحتى مكانتها الاجتماعية ومعدل ذكائها والوسائل التي تكسب بها موطئ قدمٍ في المجتمع تكفي لتشبيهها بالرجال. من وجهة نظري، بالنسبة لمعظم النساء تُعَد تسمية "امرأة ذكورية" مكافأة من المجتمع، نوعًا من الاعتراف بالمكانة الاجتماعية التي يمنحها المجتمع الحديث للنساء. هل ترغب أي امرأة في أن تكون امرأة ذكورية؟ على الرغم من أن هذه التسمية غير سارة، مهما كانت الظروف، فإن تسمية امرأة بالذكورية هو ثناءٌ عليها بالتأكيد لكونها مؤهلة ومقتدرة للغاية، ويمنحها الاستحسان في نظر الرجال. فيما يتعلق بتسميات الرجال، لا يزال الناس يتمسكون بالمفاهيم التقليدية، التي لا تتغير أبدًا. على سبيل المثال، بعض الرجال لا يركزون تفكيرهم على الحياة المهنية ولا يسعون إلى السلطة أو المكانة، بل يقبلون وضعهم الحالي، وهم راضون عن وظائفهم وحياتهم العادية، ويهتمون بشكل كبير بأسرهم. ما نوع الأسماء التي يطلقها هذا المجتمع على هؤلاء الرجال؟ هل يوصف مثل هؤلاء الرجال بأنهم عديمو الفائدة؟ (نعم). بعض الرجال شديدي التدقيق ويصعب إرضاؤهم فيما يتعلق بممارسة أعمالهم، ويأخذون الأمور خطوة بخطوة وبحذر شديد. ماذا يسميهم بعض الناس؟ "أنثوية قليلًا" أو "فتاة مدللة". كما ترى، لا يُسَب الرجال باستخدام كلمات قذرة، بل باستخدام تعبيرات مرتبطة بالنساء. إذا أراد الناس الارتقاء بالجنس الأنثوي، فإنهم يستخدمون مصطلحات مثل "امرأة ذكورية" و "امرأة قوية" لتعزيز مكانة المرأة وتأكيد كفاءتها، في حين تستخدم مصطلحات مثل "فتاة مدللة" لتشويه سمعة الرجال وتوبيخهم لعدم رجولتهم. أليست هذه ظاهرة منتشرة في المجتمع؟ (بلى). هذه المقولات التي نشأت في المجتمع الحديث تثبت وجود مشكلة، وهي أنه على الرغم من أن الثقافة التقليدية تبدو بعيدة كل البعد بالفعل عن الحياة الحديثة، وبعيدة جدًا عن عقول الناس، وعلى الرغم من أن الناس أصبحوا الآن مدمنين للإنترنت أو مختلف الأجهزة الإلكترونية، أو مهووسين بجميع أنواع أنماط الحياة الحديثة، وحتى لو كان الناس يعيشون بشكل مريح للغاية في بيئات معيشية حديثة، أو يتمتعون بحقوق الإنسان وحرياته، فإن هذا ليس سوى واجهة؛ والحقيقة هي أن الكثير من سم الثقافة التقليدية ما يزال في أذهانهم. على الرغم من أن الناس اكتسبوا بعض الحريات المادية، ويبدو أن بعض آرائهم ذات الأولوية عن الناس والأشياء قد تغيرت، ويبدو أنهم اكتسبوا درجة معينة من الحرية في تفكيرهم، ويبدو أنهم اكتسبوا رؤى جديدة في هذا المجتمع الحديث بفضل التداول السريع للأخبار وتكنولوجيا المعلومات المتقدمة، وأنهم يعرفون أشياء كثيرة في العالم الخارجي وقد رأوا فيه أشياء كثيرة، لا يزال البشر يعيشون في ظل ما تدعو إليه الثقافة التقليدية من مقولات لا تعد ولا تحصى حول السلوك الأخلاقي. حتى لو كان هناك بعض الأشخاص الذين يقولون: "أنا أكثر شخص غير تقليدي على الإطلاق، أنا مُعَاصِرٌ جدًا، أنا حداثي"، وكانوا يعلقون في أنوفهم خواتم ذهبية، وفي آذانهم سلاسل من الحلقان، وكانت ملابسهم طليعية وعصرية للغاية، فإنَّ آراءهم تجاه الناس والأشياء، وكذلك آراءهم عن الكيفية التي ينبغي أن يكون تصرفهم وفعلهم عليها، لم يزل غير منفصل عن الثقافة التقليدية. لماذا لا يستطيع الناس الاستغناء عن الثقافة التقليدية؟ لأن قلوبهم وعقولهم انغمست في الثقافة التقليدية وسُجِنَت بها. كل ما يُنتَج في أعماق نفوسهم، وحتى الأفكار التي تومض لحظيًا في عقولهم، تنبع من تلقين الثقافة التقليدية وغرسها، وكلُّ ذلك يُنْتَج ضمن هذا الإطار الهائل من الثقافة التقليدية، وليس بمعزلٍ عن تأثيرها. هل تثبت هذه الحقائق أن البشر حبيسو الثقافة التقليدية بالفعل؟ (نعم). البشر حبيسو الثقافة التقليدية بالفعل. بغض النظر عما إذا كنت جيد الاطلاع أو متعلمًا تعليماً عالياً، ما دمت تعيش بين البشر، فسوف تُغْرَس فيك ثقافة الأخلاق التقليدية للبشرية لا محالة وسوف تتأثر بها، لأن عناصر الثقافة التقليدية تمارس نوعًا من القوة والسلطة غير المرئية الموجودة في كل مكان، لا في المدارس والكتب المدرسية فحسب، بل في الأسر على وجه الخصوص، وفي كل ركن من أركان المجتمع. وبهذه الطريقة، يُلقَّن الناس هذه الأشياء دون علم منهم وكذلك يُؤثَّر عليهم ويُضلَّلون ويُتوَّهون بها. لذلك يعيش البشر تحت قيود الثقافة التقليدية وأغلالها وسيطرتها، ولا يمكنهم الاختباء منها أو الهروب منها حتى لو أرادوا ذلك. إنهم يعيشون في هذا النوع من البيئات الاجتماعية. هذا هو الوضع الحالي، وهذه أيضًا هي الحقائق.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.