العمل والدخول (7)

لقد استغرق الإنسان كل هذا الوقت ليدرك أن توفير الحياة الروحية واختبار معرفة الله ليسا كل ما يفتقر إليه، بل يفتقر إلى ما هو أكثر أهمية من ذلك بكثير، وهو إحداث تغييرات في شخصيته. ونظرًا لجهل الإنسان المطبق بالتاريخ والثقافة القديمة لبني جنسه، كانت النتيجة أنه لا يعرف شيئًا على الإطلاق عن عمل الله. ويأمل الناس جميعًا أن يتعلقوا بالله من صميم قلوبهم، ولكن فساد جسد الإنسان المفرط المتمثل في اللامبالاة والبلادة جعله لا يعرف شيئًا على الإطلاق عن الله. فليس لله غاية من مجيئه بين البشر اليوم سوى إحداث تغيير في أفكارهم وأرواحهم، وكذلك في صورة الله التي حملوها في قلوبهم منذ ملايين السنين. وسوف يستغلّ هذه الفرصة ليجعل الإنسان كاملًا، أي سيغير الطريقة التي يتعرف الناس بها عليه وموقفهم تجاهه من خلال معرفة الإنسان، بحيث يُمَكِّنُ الإنسان من أن يبدأ بداية جديدة وناجحة في التوصل إلى معرفة الله، ومن ثمَّ يُحدِث تجديدًا وتغييرًا في الروح البشرية. التعامل والتأديب هما الوسيلتان لتحقيق ذلك، في حين أن الإخضاع والتجديد هما الهدفان منه. قصد الله منذ الأزل هو تبديد أوهام الإنسان التي يؤمن بها فيما يخص موضوع الله المُبهَم، وقد أصبح هذا في الآونة الأخيرة مسألة ملحّة له أيضًا. ليت جميع الناس يوسعون منظور رؤيتهم عند النظر في هذا الموقف. غيِّروا طريقة اختبار كل شخص بحيث يمكن أن يؤتي هذا المقصد المُلحِّ لله ثماره، وتكتمل المرحلة الأخيرة من عمل الله على الأرض تمامًا. امنحوا الله الولاء الذي يجب عليكم منحه إياه، وأرِيحوا قلب الله للمرّة الأخيرة. آمل ألا يتهرّب أيٌّ من الإخوة والأخوات من هذه المسؤولية أو يكتفي بالتظاهر بتأدية واجبه. يأتي الله في الجسد هذه المرة تلبية لدعوة الإنسان واستجابة واضحة لحالته؛ أي أنه يأتي ليزوّد الإنسان بما يحتاجه. فهو باختصار سيُمَكِّن الإنسان – مهما كانت مقدرته أو نشأته – من رؤية كلمة الله، ومن خلال كلمته سيرى وجود الله واستعلانه، ويقبل تكميل الله له، مما سيُغير أفكار الإنسان وتصوراته؛ بحيث تكون ملامح الله الأصيلة متجذّرة بقوّة في أعماق قلب الإنسان. هذه هي رغبة الله الوحيدة على الأرض. الله لا يهتم بمدى روعة طبيعة الإنسان الفطرية، أو بمدى وضاعة جوهره، أو بالطريقة التي تصرّف بها في الماضي. إنما يتمثل رجاؤه فقط في أن يُجَدِّدَ الإنسانُ صورةَ الله في صميم قلبه تمامًا وأن يتعرّف على جوهر البشرية، ومن ثمَّ يتوصل إلى تغيير النظرة الأيديولوجية للإنسان، كما يأمل الله في أن يتمكن الإنسان من الاشتياق إليه من أعماقه وأن يوقظ بداخله ارتباطًا أبديًّا به. هذا هو مطلب الله الوحيد من الإنسان.

لقد أسهمت معرفة الثقافة والتاريخ القديمين على مدى عدة آلاف من السنين في إغلاق تفكير الإنسان ومفاهيمه ونظرته الذهنية بإحكام لتصبح عصيّة على الاختراق والتحول(1). فالناس يعيشون في الدائرة الثامنة عشرة من الجحيم، كما لو أن الله قد حجبهم في الزنازين بحيث لا يرون النور أبدًا. وقد قَمَعَ التفكيرُ الإقطاعيُّ الناس حتى أصبحوا بالكاد قادرين على التنفس ويشعرون بالاختناق. ليس لديهم مثقال ذرة من القوة للمقاومة؛ ولهذا كل ما يفعلونه هو أنهم يتحمّلون ويتحمّلون بهدوء...لم يجرؤ أحدٌ أبدًا على النضال أو الدفاع عن البِرِّ والعدالة. ببساطة يعيش الناس حياةً أسوأ من حياةِ الحيوان، ويتعرضون عامًا بعد عام، ويومًا بعد يوم، للصفعات وسوء المعاملة الناجمين عن نظام الأخلاقيات الإقطاعية، ولم يفكروا مطلقًا في البحث عن الله ليتمتّعوا بالسعادة في العالم الإنساني، وكأنما قد سُحِقَ الناس إلى أن غدوا كأوراق الخريف المتساقطة، والذابلة والجافة وذات اللون البني المصفر. لقد فقد الناس ذاكرتهم منذ فترة طويلة، ويعيشون بائسين في الجحيم المدعو العالم البشري، منتظرين مجيء اليوم الأخير ليهلكوا مع هذا الجحيم، كما لو أن اليوم الأخير الذي يتوقون إليه هو اليوم الذي سيتمتع فيه الإنسان بالسلام والراحة. لقد أخذت الأخلاقيات الإقطاعية حياة الإنسان إلى "الهاوية"، مما زاد في إضعاف قدرة الإنسان على المقاومة. أجبر القمعِ بجميع أشكاله الإنسانَ على السقوط تدريجيًا في أعماق الهاوية، ليزداد بعدًا عن الله، إلى أن أصبح الإنسان في يومنا هذا غريبًا تمامًا عن الله ويسارع إلى تجنبه حينما يلتقيان. لا يبالي الإنسان بالله، بل يتركه يقف وحيدًا في جانب واحد كما لو أنه لم يعرفه أو يره من قبل. ومع ذلك كان الله ينتظر الإنسان طوال رحلة الحياة البشرية الطويلة، ولم يوجِّه غضبه الكاسح نحوه، بل اكتفى بالانتظار بهدوء وصمت ليتوب الإنسان ويبدأ من جديد. جاء الله منذ أمد طويل إلى عالم البشر ليتحمل معاناة عالم البشر مع الإنسان. طوال السنوات التي عاشها مع الإنسان لم يكتشف أحد وجوده. يتحمل الله بصمت تعاسة الفقر في عالم البشر، في حين يقوم بتنفيذ العمل الذي أتى به بنفسه، ويستمر في التحمل من أجل إرادة الله الآب واحتياجات البشر، متحمِّلًا آلامًا لم يسبق أن تحملها الإنسان من قبل. أمام الإنسان، انتظره بهدوء، وتواضع في حضور الإنسان تلبية لإرادة الله الآب ولحاجات البشرية أيضًا. إن المعرفة بالثقافة القديمة سرقت الإنسان خلسة من حضرة الله وسلَّمته إلى ملك الشياطين وذريته. وقد نقلت الكتب الأربعة والكلاسيكيات الخمس(أ) تفكير الإنسان وتصوراته إلى عصر آخر من العصيان؛ مما جعله يتملق أكثر من أي وقت مضى أولئك الذين صنفوا الكتب والكلاسيكيات، وزاد ذلك في سوء تصوراته عن الله. ودونما إدراك من الإنسان، قام ملك الشياطين بنزع الله من قلبه بقسوة، ثم استحوذ هو عليه تخامره غبطة الانتصار. ومنذ ذلك الحين أصبح للإنسان روح قبيحة وشريرة وملامح ملك الشياطين. امتلأ صدر الإنسان بكراهية الله، ويومًا بعد يوم تغلغل حقد ملك الشياطين داخله إلى أن التهمه تمامًا؛ فلم يعد يتمتع بأدنى قدر من الحرية، ولم يعد أمامه سبيل للتحرر من شَرَكِ ملك الشياطين. لم يعد لديه خيار سوى أن يؤسر في الحال، وأن يستسلم وأن يهوي في خضوع في حضرته. منذ أمد بعيد، عندما كان قلب الإنسان وروحه لا يزالان في طور الطفولة، زَرعَ ملك الشياطين فيهما بذرة ورم الإلحاد، معلّمًا الإنسان أباطيلَ مثل "دراسة العلوم والتكنولوجيا، وإدراك الحداثات الأربع، ولا يوجد ما يُسمَّى بالإله في العالم". ليس ذلك فحسب، بل إنه يصرخ قائلًا في كل فرصة: "دعونا نعتمد على عملنا الدؤوب لنبني وطنًا جميلًا"، طالبًا من كل شخص أن يكون مستعدًا منذ الطفولة لخدمة بلده بإخلاص. أُحضر الإنسان دون قصد إلى حضرته، وقد نسب إلى نفسه الفضل دون تردد (أي فضل الله المتمثل في كونه يمسك بالبشرية كلها في يده). لم يخامرْه أي شعور بالخجل. وعلاوة على ذلك، استحوذ دون خجل على شعب الله وجرَّهم إلى منزله، حيث قفز كالفأر على الطاولة وجعل الإنسانَ يعبده كالله. يا له من مجرم! إنه ينادي بعبارات فضائحية صادمة مثل: "لا يوجد ما يسمى بالإله في العالم. تأتي الريح من تحولات حسب قوانين الطبيعة، ويتشكل المطر حين يتكثف بخار الماء عند التقائه بدرجات حرارة منخفضة فيتحول إلى قطراتٍ تسقط على الأرض. والزلزال اهتزاز لسطح الأرض بسبب التغيرات الجيولوجية، والقحط سببه جفاف الجو الناجم عن اضطراب نووي على سطح الشمس. هذه ظواهر طبيعية. أين يوجد عمل الله في كل هذا؟" حتى إن هنالك من ينادون بتصريحات مثل التصريح التالي، وهي تصريحات لا ينبغي التعبير عنها: "تطوَّرَ الإنسان من قِرَدَة في الماضي السحيق، ومنشأ العالم اليوم من سلسلة من المجتمعات البدائية التي بدأت منذ دهر جيولوجي تقريبًا. وسواء ازدهرت دولة ما أو سقطت، فهذا معتمد كليًّا على شعبها". في الخلفية يجعل الشيطانُ الإنسانَ يعلّقُ صورته على الجدران أو يضعها على الطاولات ليقدم الولاء والتقدمات له. وفي الوقت نفسه الذي يصرخ فيه الشيطان قائلًا "لا يوجد إله"، يُنصِّبُ نفسه إلهًا، دافعًا بالله خارج حدود الأرض بلا هوادة، بينما يقف في مكان الله ويقوم بدور ملك الشياطين. كم هو فاقد لعقله! إنه يجعل المرء يكرهه حتى النخاع. يبدو أن الله وهو عدوّان لدودان ولا يمكنهما التعايش؛ فهو يخطط لطرد الله بعيدًا بينما يتجول بحرية خارج نطاق القانون(2). يا له من ملكٍ للشياطين! كيف يمكن تحمّل وجوده؟ لن يهدأ حتى يشوّش على عمل الله تاركًا إياه منهارًا في فوضى كاملة(3)، كما لو أنه يريد أن يعارض الله حتى النهاية المريرة، حتى تموتَ الأسماك أو تتمزّق الشبكة. إنَّه يقاوم الله عمدًا ويضغط أكثر من أي وقت مضى. لقد انكشف وجهه البغيض تمامًا منذ فترة طويلة، وأصبح الآن معطوبًا ومحطمًا(4)، وفي وضع مؤسف، إلّا أنَّهُ لن يلين في كراهيته لله، كما لو أنَّه لن يتمكن من التنفيس عن الكراهية المكبوتة في قلبه إلا إذا التهم الله في لقمةٍ واحدة. كيف يمكننا تحمّله، هذا عدو الله! لن تثمر أمنيتنا في الحياة سوى بالقضاء عليه واجتثاثه تمامًا. كيف يُمكِنُ السَّماحَ له بأنْ يَستَمِرَّ بالجري هائجًا؟ لقد أفسد الإنسان إلى درجة أن الإنسان يجهلُ شمس السماء وقد أصبح ميتًا ومتبلد الحس. لقد فقد الإنسان عقله الإنساني الطبيعي. لماذا لا نضحي بكياننا كله للقضاء عليه وحرقه كي ننهي جميع المخاوف على المستقبل ونسمح لعمل الله أن يتألّق قريبًا بصورةٍ غير مسبوقة؟ لقد حلَّت عصابة الأوغاد هذه في عالم البشر وحولته إلى حالة من الاضطراب. لقد أحضروا البشر جميعًا إلى حافة هاوية وخططوا سرًا لدفعهم وإسقاطهم عنها ليحطّموهم إربًا إربًا وليتمكنوا من التهام جثثهم. إنهم يأملون عبثًا في إنهاء خطة الله والتباري معه مقامرين بكل شيء برمية حجر نرد واحدة(5). هذا ليس سهلًا بأية حال! فالصليب قد أُعدَّ أخيرًا لملك الشياطين المذنب بارتكابه لأبشع الجرائم. لا ينتمي الله إلى الصليب، وقد ألقى به بالفعل للشيطان. لقد خرج الله منتصرًا منذ زمن بعيد قبل الآن ولم يعد يشعر بالأسى على خطايا البشرية، لكنه سوف يجلب الخلاص للبشرية جمعاء.

لقد عطل الشيطانُ عملَ الله من أعلاه إلى أدناه ومن بدايته إلى نهايته، وعمل على معارضته. كما أن جميع هذه الأحاديث عن "التراث الثقافي العريق"، و"المعرفة القيمة للثقافة القديمة"، و"تعاليم الطاوية والكونفوشيوسية"، و"التقاليد الكونفوشيوسية والطقوس الإقطاعية" أخذت الإنسان إلى الجحيم. لم يعد ثمة وجود للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة الحديثة، والصناعة بالغة التطور، والزراعة، والأعمال التجارية في أي مكان على الإطلاق. وبدلًا من ذلك، فإن كل ما يفعله الشيطان هو أنه يُشدّد على الطقوس الإقطاعية التي روجت لها "قِرَدَة" الأزمنة القديمة لتعطيل عمل الله ومعارضته وتدميره عمدًا. وهو لم يواصل تعذيب الإنسان حتى يومنا هذا فحسب، بل إنه يريد حتى أن يبتلع الإنسان بالكامل(6). إن نقل التعاليم المعنوية والأخلاقية للإقطاعية وتوريث المعرفة بالثقافة القديمة قد أصاب البشر منذ زمن طويل وحولهم إلى شياطين كبيرة وصغيرة. قلَّةٌ من هم مستعدون لأن يستقبلوا الله بسعادة، وقلَّةٌ من هم يرحبون بقدومه بابتهاج. وجه البشرية جمعاء مملوء بنوايا القتل، وريح القتل تملأ الهواء في كل مكان. يسعون إلى إخراج الله من هذه الأرض؛ وفي أيديهم السكاكين والسيوف، ينظمون أنفسهم في تشكيلٍ قتالي "للقضاء" على الله. تنتشر الأصنام عبر أرض الشيطان حيث يُدَرَّسُ الإنسان باستمرار أنه ليس هناك من إله، وتنتشر في هوائها رائحة الورق والبخور المحترق المقززة، وهي كثيفةٌ جدًا بحيث أصبحت خانقة. إنها كرائحة الحمأة التي تنبعث من تلوِّي الحية السامة، وهي شديدة بالقدر الذي يجعل المرء لا يستطيع أن يمنع نفسه من التقيؤ. إلى جانب ذلك، يُمكن أن يُسمَعَ صوتُ الشياطين الشريرة وهي تترنم بكتب مقدسة بصوت خافت، صوت يبدو وكأنه قادمٌ من بعيد في الجحيم، وهو شديدٌ لدرجة أن المرء لا يستطيع أن يمنع نفسه من الشعور بالرعشة. تتناثر الأصنام في كل مكان عبر هذه الأرض بكل ألوان قوس قزح، محوّلة الأرض إلى عالم من الملذات الحسّيّة، بينما يواصل ملك الشياطين الضحك بخبث، كما لو أن مؤامرته الدنيئة قد نجحت. في هذه الأثناء، يبقى الإنسان غافلًا تمامًا عن هذا الأمر، ولا تكون لديه أي فكرة عن أن الشيطان قد أفسده بالفعل إلى درجة أنه أصبح فاقد الإحساس ويُنكِّسُ رأسه مهزومًا. يرغب الشيطان في القضاء على كل شيء يتعلق بالله بضربة واحدة، وفي انتهاك قدسيّته مرة أخرى والفتك به؛ إنه مصمم على تدمير عمله وتعطيله. كيف يمكنه أن يسمح لله أن يكون على قدم المساواة معه؟ كيف يمكنه أن يتساهل مع "تدخُّل" الله في عمله بين الناس في الأرض؟ كيف يسمح الشيطان لله أن يفضح وجهه البغيض؟ كيف يمكنه أن يسمح لله أن يجعل عمله في حالة من الفوضى؟ كيف يمكن لهذا الشيطان المستشيط غضبًا أن يسمح لله بأن يسيطر على بلاطه الإمبراطوري في الأرض؟ كيف يمكنه الانحناء طواعيةً لقوة الله العظيمة؟ لقد كُشف وجهه البغيض على حقيقته، وهكذا يجد المرء أنه لا يدري أيضحك أم يبكي، ومن الصعوبة حقًا التحدث عن الأمر. أليس هذا هو جوهر الشيطان؟ ما زال يعتقد أنه جميلٌ بشكل لا يًصدق مع أنه يمتلك نفسًا قبيحة. يا لها من عصابة من الشركاء في الجريمة(7)! ينزلون إلى عالم البشر لينغمسوا في الملذات ويحدثوا ضجة ويثيروا الفوضى إلى درجة تجعل العالم يصبح مكانًا متقلِّبًا وغير ثابت، ويصبح قلب الإنسان مملوءًا بالرعب وعدم الارتياح. وقد تلاعبوا بالإنسان كثيرًا حتى أصبحت ملامحه مثل ملامح وحوش البرّيّة الهمجية، الشديدة القبح، والتي فقدت آخر أثر للإنسان الأصيل المقدس، حتى إنهم علاوة على ذلك يرغبون في تولي سلطة السيادة على الأرض. إنهم يعوقون عمل الله كثيرًا فلا يستطيع التقدم إلا بصعوبة، ويعزلون الإنسان بإحكام كما لو كان وراء جدران من النحاس والفولاذ. وبعد أن ارتكبوا العديد من الخطايا الفظيعة، وتسبّبوا بالكثير من الكوارث، هل ما زالوا يتوقعون شيئًا غير التوبيخ؟ لقد اندفعت الشياطين والأرواح الشريرة مسعورة في الأرض لبعض الوقت، وعزلت كلًّا من إرادة الله وجهوده المضنية بإحكام لتجعلها عصيَّة على الاختراق. يا لها من خطيَّة مميتة حقًّا! كيف لله ألا يقلق؟ كيف لا يشعر بالغضب؟ فقد عطَّلَت عمل الله بشدَّة وعارضته، يا لها من متمرّدة! حتى تلك الشياطين الكبيرة والصغيرة تتصرف مثل بنات آوى في أعقاب الأسد، وتتبع التيار الشرير، وتختلق المشاكل في طريقها. يعارضون الحق عمدًا على الرغم من معرفتهم به. إنهم أبناء العصيان! يبدو الأمر كما لو أنهم، بعد أن تربع ملكهم في الجحيم على العرش الملكي، قد أصبحوا متعجرفين وراضين عن أنفسهم ويعاملون الآخرين جميعًا باحتقار. كم منهم يسعون إلى الحق ويتبعون البر؟ كلهم وحوشٌ، ليسوا أفضل من الخنازير والكلاب، يقودون عصابة من الذباب النتن، ويهزّون رؤوسهم بعجرفة واعتداد بالنفس، ويثيرون كل أنواع المشاكل(8) وسط كومة من الروث. إنهم يؤمنون بأن ملك الجحيم الذي يتبعونه هو أعظم الملوك على الإطلاق، وقلّما يدركون أنهم هم أنفسهم ليسوا سوى ذباب نتن. ومع ذلك، فهم يستغلون قوة الخنازير والكلاب التي لديهم بمثابة أولياء أمورهم ليطعنوا في وجود الله. وهم مثل الذباب الحقير يعتقدون أن آباءهم كبارٌ كالحيتان ذات الأسنان(9) قلّما يدركون أنهم، في الوقت الذي يُعتبرون هم أنفسهم فيه في منتهى الضآلة، فإن آباءهم خنازير وكلاب نجسة أكبر منهم بمئات ملايين المرات. يعتمدون على رائحة الخنازير والكلاب النتنة ليعيثوا فسادًا غير مدركين حقارتهم، ويفكرون عبثًا في إنجاب أجيال المستقبل، غافلين عن العار! بالنظر إلى امتلاكهم أجنحة خضراء على ظهورهم (هذا يشير إلى ادعائهم الإيمان بالله)، فإنهم مغرورون ويفتخرون في كل مكان بجمالهم وجاذبيتهم، بينما يرمون الأوساخ التي على أجسادهم سرًا على الإنسان. علاوة على ذلك، هم سعداء جدًّا بأنفسهم، كما لو أنه يمكنهم استخدام زوجٍ من الأجنحة المتلوّنة بألوان قوس قزح لإخفاء أوساخهم، وبهذه الوسائل يؤثّرون من خلال الاضطهاد في وجود الإله الحقيقي (وهذا يشير إلى ما يجري خلف كواليس العالَم الديني). كيف يعرف الإنسان أن الذبابة نفسها، رغم جمال أجنحتها الساحر، ليست في النهاية أكثر من مخلوق ضئيل بطنه مفعم بالقذارة وجسمه مغطى بالجراثيم؟ إنهم يهرعون مسعورين في الأرض بهمجية عارمة، معتمدين على قوة الخنازير والكلاب التي اتخذوها بمثابة آباءَ لهم (وهذا يشير إلى طريقة اعتماد المسؤولين الدينيين الذين يضطهدون الله على الدعم القوي من حكومة الدولة ليتمردوا على الحقّ والإله الحقيقي) غير مقيدين في شراستهم. يبدو الأمر كما لو أن أشباح الفريسيين اليهود قد عادت مع الله إلى أمة التنين العظيم الأحمر، عائدين إلى عشّهم القديم. لقد بدأوا جولة أخرى من أعمال الاضطهاد، واستأنفوا عملهم الذي بدأوه منذ عدة آلاف من السنين. سوف تهلك بالتأكيد هذه المجموعة من المُنحطين على الأرض في النهاية! سيبدو أنه بعد عدة آلاف من السنين، أصبحت الأرواح النجسة أكثر احترافًا وخبثًا؛ فهم يفكرون باستمرار في طرق لتقويض عمل الله سرًا. باستخدام الكثير من الحيل والخدع، يودّون أن يُعيدوا إلى وطنهم مأساة عدة آلاف من السنين، ويدفعون الله تقريبًا إلى حد إطلاق نداء مدوٍّ، ولا يكاد يستطيع أن يمنع نفسه عن العودة إلى السماء الثالثة ليبيدهم. لكي يحب الإنسانُ اللهَ عليه أن يفهم إرادته ويعرف أفراحه وأحزانه، ويفهم ما يمقته. سيؤدي القيام بهذا إلى تحفيز دخول الإنسان بشكل أكبر؛ إذْ كلما كان دخول الإنسان أسرع، أرضى مشيئة الله بشكل أسرع، وازدادت بصيرة الإنسان حول ملك الشياطين وضوحًا، وازداد قربًا من الله، لكي تؤتي رغبته ثمارها.

الحواشي:

(1) الغرض من "عصيّة على الاختراق والتحول" هنا هو السخرية، أي أن الناس جامدون في معرفتهم وثقافتهم ونظرتهم الروحية.

(2) تدل عبارة "يتجول بحرية خارج نطاق القانون" على أن الشيطان يندفع هائجًا ويجري مسعورًا.

(3) "في فوضى كاملة" تشير إلى أنه لا يمكن تحمل سلوك الشيطان العنيف.

(4) "معطوبًا ومحطمًا" تشير إلى الوجه القبيح لملك الشياطين.

(5) "مقامرين بكل شيء برمية حجر نرد واحدة" تعني مغامرة المرء بكل نقوده في رهان واحد على أمل الفوز في النهاية. هذه استعارة لخطط الشيطان الشريرة والشائنة، ويستخدم هذا التعبير على سبيل السخرية.

(6) "يبتلع الإنسان بالكامل" تشير إلى السلوك العنيف لملك الشياطين الذي يسلب الناس بالكامل.

(7) "الشركاء في الجريمة" هم أيضًا من نفس عائلة "عُصبة قطّاع الطرق".

(8) "يثيرون كل أنواع المشاكل" تشير إلى كيف أن الناس الذين لهم طبيعة شيطانية يثيرون الشغب، حيث يعترضون عمل الله ويعارضونه.

(9) "حيتان ذات أسنان" تستخدم هنا على سبيل السخرية، حيث تعتبر استعارة تمثل كيف أن الذباب صغير جدًا بحيث تبدو الخنازير والكلاب بحجم الحيتان بالنسبة إليه.

(أ) الكتب الأربعة والكلاسيكيات الخمس هي الكتب المرجعية للكونفوشيوسية في الصين.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.