كيفية السعي إلى الحق (18) الجزء الرابع
عندما يكون الأبناء والبنات قادرين على العيش بشكل مستقل، فإن ما يتعين على الآباء والأمهات فعله هو ببساطة إظهار الاهتمام والرعاية اللازمة لهم فيما يتعلق بعملهم وحياتهم وأسرهم، أو تقديم بعض المساعدة المناسبة لهم في المواقف التي لا يستطيعون فيها إنجاز شيء ما أو العناية به باستخدام قدراتهم الخاصة. على سبيل المثال، لنفترض أن ابنك أو ابنتك لديه طفل رضيع، وكل منهما وزوجه أو زوجته مشغولان للغاية في العمل. لا يزال الرضيع صغيرًا جدًا، وأحيانًا لا يوجد من يعتني به. في ظل هذه الظروف، يمكنك مساعدة ابنك أو ابنتك في رعاية الرضيع. هذه هي مسؤولية الوالد، لأنهما من لحمك ودمك رغم كل شيء، وسيكون اعتناءك بالرضيع أكثر أمانًا من أن يقوم شخص آخر بذلك. إذا كان ابنك أو ابنتك يثق بك للاعتناء بطفلهما الرضيع، فينبغي عليك أن تعتني به. أما إذا كانا لا يشعران بالراحة في أن يأتمناك على الطفل ولا يريدانك أن تعتني به، أو إذا كانا لا يريدانك أن تعتني به لأنهما يعتزان بك، أو لأنهما يراعيانك، ويخشيان أنك لست في حالة بدنية جيدة بما يكفي للقيام بذلك، فلا ينبغي أن تجد عيبًا في ذلك. يوجد حتى بعض الأبناء والبنات الذين لا يثقون بوالديهم ببساطة، ويعتقدون أن والديهم لا يملكان القدرة على رعاية طفل رضيع، وأنهما لا يعرفان سوى تدليل الأطفال الصغار، ولا يعرفان كيف يعلموهم، وأنهما غير حريصين بخصوص الطعام الذي يتناولونه. إذا كان ابنك أو ابنتك لا يثقان بك، ولا يريدانك أن تعتني بطفلهما الرضيع، فهذا أفضل، لأنه سيمنحك وقت فراغ أكثر. وهذا ما يسمى بالتراضي: لا يتدخل الوالدان ولا الأبناء في شؤون الآخر، ويظهر أحدهم مراعاة للآخر في الوقت نفسه. عندما يحتاج الأبناء إلى المساعدة والعناية ولمن يرعاهم، فما على الوالدين إلا أن يقدما لهم ما هو مناسب وضروري من الاهتمام والرعاية والدعم على المستوى العاطفي أو في النواح الأخرى. على سبيل المثال، لنفترض أن أحد الوالدين لديه بعض المدخرات، أو أنه يجيد عمله ولديه مصدر دخل. عندما يحتاج أبناؤه إلى بعض المال، يمكنه مساعدتهم قليلًا إذا كان قادرًا على ذلك. أما إذا لم يكن قادرًا على ذلك، فليس من الضروري أن يتخلى عن كل ممتلكاته أو أن يقترض المال من أحد المرابين لمساعدة أبنائه، بل عليه فحسب أن يفعل كل ما هو في نطاق قدراته للوفاء بالمسؤوليات التي تقع على عاتقه في إطار القرابة. ليس هناك حاجة لأن يبيع كل ما يملك، أو أن يبيع كليته أو دمه، أو أن يعمل حتى الموت لمساعدة أولاده. حياتك ملك لك، وقد وهبها الله لك، ولديك مهامك الخاصة. أنت تمتلك هذه الحياة لكي تتمكن من تتميم تلك المهام. أبناؤك أيضًا يمتلكون حياتهم كي يتمكنوا من إكمال مسارات حياتهم وإتمام مهامهم في الحياة، وليس لكي يكونوا بارين بك. لذلك، بغض النظر عما إذا كان الأبناء راشدين أم لا، فإن حياة الآباء والأمهات ملك للآباء والأمهات أنفسهم، وليست ملكًا لأبنائهم. بطبيعة الحال، الآباء ليسوا مربيين مجانيين لأبنائهم أو عبيدًا لهم. بغض النظر عن توقعات الآباء لأبنائهم، ليس من الضروري أن يسمحوا لأبنائهم أن يأمروهم بشكل تعسفي دون أي مقابل، أو أن يصبحوا خدمًا لأبنائهم أو مربيين أو عبيدًا. مهما كانت مشاعرك تجاه أبنائك، فأنت لا تزال شخصًا مستقلًا. لا ينبغي لك أن تتحمل المسؤولية عن حياتهم الراشدة كما لو كان من الصواب تمامًا أن تفعل ذلك، لمجرد أنهم أولادك. لا حاجة للقيام بذلك. إنهم راشدون، وأنت قد أوفيت بالفعل بمسؤوليتك في تربيتهم. وبخصوص ما إذا كانوا سيعيشون حياة جيدة أو سيئة في المستقبل، وما إذا كانوا سيصبحون أغنياء أو فقراء، وما إذا كانوا سيعيشون حياة سعيدة أو تعيسة، فهذا شأنهم الخاص. هذه الأشياء لا علاقة لها بك. أنت لست ملزمًا بصفتك أبًا أو أمًا بتغيير تلك الأشياء. إذا كانت حياتهم غير سعيدة، فأنت لست ملزمًا بأن تقول: "أنت تعس؛ سأفكر في طرق لإصلاح ذلك، سأبيع كل ما أملك، سأستنفذ كل طاقتي في الحياة لأجعلك سعيدًا". القيام بذلك ليس أمرًا ضروريًا. ليس عليك سوى الوفاء بمسؤولياتك، وهذا كل شيء. إذا كنت تريد مساعدته، فيمكنك أن تسأله عن سبب تعاسته، وتساعده في فهم المشكلة على المستوى النظري والنفسي. إن قبل مساعدتك له، فسيكون هذا أفضل. وإذا لم يقبل، فما عليك سوى الوفاء بمسؤولياتك كأب أو أم، وهذا كل شيء. إذا كان أبناؤك يريدون المعاناة، فهذا شأنهم. لا داعي لأن تقلق أو أن تشعر بالانزعاج حيال هذا الأمر، أو ألا تتمكن من الأكل بشكل سليم أو النوم بشكل سليم؛ فالقيام بذلك سيكون أمراً مبالغًا فيه. لماذا سيكون مبالغًا فيه؟ لأنهم راشدون. ينبغي أن يتعلموا إدارة كل ما يواجهونه في حياتهم بأنفسهم. إذا كنت تشعر بالقلق عليهم، فهذه مجرد مودة؛ وإذا كنت لا تشعر بالقلق عليهم، فهذا لا يعني أنك بلا قلب، أو أنك لم تفِ بمسؤولياتك. إنهم راشدون، والراشدون يجب أن يواجهوا مشكلات الراشدين ويتعاملوا مع كل ما يجب على الراشدين التعامل معه. لا يجب أن يعتمدوا على والديهم في كل شيء. وبالطبع، لا يجب على الآباء والأمهات أن يحمّلوا أنفسهم مسؤولية ما إذا كانت الأمور تسير على ما يرام في وظائف أبنائهم، أو حياتهم المهنية، أو أسرهم، أو زيجاتهم بعد بلوغهم سن الرشد. يمكنك أن تشعر بالقلق حيال هذه الأمور، ويمكنك أن تستفسر عنها، ولكن لا داعي لأن تتولى أنت المسؤولية الكاملة عنها، فتربط أبناءك إلى جانبك، وتأخذهم معك أينما ذهبت، وتراقبهم أينما ذهبت، وتفكر فيهم: "هل يأكلون جيدًا اليوم؟ هل هم سعداء؟ هل عملهم يسير على ما يرام؟ هل يقدرهم رئيسهم في العمل؟ هل يحبهم أزواجهم؟ هل أطفالهم مطيعون؟ هل يحصل أطفالهم على درجات جيدة؟ ما علاقة هذه الأمور بك؟ يمكن لأبنائك أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم، ولا داعي لأن تنخرط أنت في ذلك. لماذا أسأل ما علاقة هذه الأمور بك؟ أعني بذلك أن هذه الأمور لا علاقة لها بك. لقد وفيت بمسؤولياتك تجاه أبنائك، وربيتهم حتى أصبحوا راشدين، لذا عليك أن تتراجع. عندما تفعل ذلك، فلن يعني هذا أنه لن يكون لديك ما تفعله. لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي يتعين عليك القيام بها. فيما يتعلق بالمهام التي يجب عليك إتمامها في هذه الحياة، فبخلاف تربية أبنائك حتى يصبحوا راشدين، لديك أيضًا مهام أخرى يجب أن تتممها. بخلاف كونك أبًا أو أمًا لأبنائك، أنت كائن مخلوق. ينبغي عليك أن تأتي أمام الله وتقبل واجبك منه. ما هو واجبك؟ هل أتممته؟ هل كرست نفسك له؟ هل شرعت في طريق الخلاص؟ هذه هي الأمور التي يجب أن تفكر فيها. وبالنسبة إلى حيث سيذهب أبناؤك بعد أن يصبحوا راشدين، وكيف ستكون حياتهم، وكيف ستكون ظروفهم، وهل سيشعرون بالسعادة والبهجة، فليس لهذه الأمور علاقة بك. أبناؤك مستقلون بالفعل، عمليًا وعقليًا على حدٍ سواء. ينبغي عليك أن تدعهم يكونوا مستقلين، ويجب أن تتخلى، ويجب ألا تحاول السيطرة عليهم. سواء فيما يتعلق بالجانب العملي أو المودة أو القرابة الجسدية، فقد وفيت بمسؤولياتك بالفعل، ولم تعد توجد أي علاقة بينك وبين أبنائك. لا توجد علاقة بين مهامهم ومهامك، ولا توجد علاقة بين مسارات الحياة التي يسلكونها وبين توقعاتك. لقد انتهت توقعاتك لهم ومسؤولياتك تجاههم. بطبيعة الحال، لا ينبغي أن تكون لديك توقعات لهم. إنهم هم، وأنت هو أنت. إذا لم يتزوج أبناؤك، فإنكم من جهة مصائركم ومهامكم أفراد مستقلون وغير مرتبطين على الإطلاق. إذا تزوجوا فعلًا وأسسوا أسرهم الخاصة، فإنَّ أسرتك وأسرهم ليس بينها أي صلة إطلاقًا. أبناؤك لهم عاداتهم المعيشية وأنماط حياتهم، ولهم احتياجاتهم فيما يتعلق بجودة حياتهم، ولديك عاداتك المعيشية واحتياجاتك فيما يتعلق بجودة حياتك. لك مسارك في الحياة ولهم مساراتهم في الحياة. لك مهامك، ولهم مهامهم. بالطبع، لديك إيمانك ولديهم إيمانهم. إذا كان إيمانهم يكمن في المال والجاه والمكسب، فأنتم أناس مختلفون تمام الاختلاف. إذا كان لديهم إيمانك نفسه، وإذا كانوا يسعون إلى الحق ويسيرون في طريق الخلاص، فأنتم بطبيعة الحال لا تزالون أشخاصًا مختلفين تمامًا. أنت هو أنت، وهم هم. يجب ألا تتدخل فيما يتعلق بالطرق التي يسلكونها. يمكنك أن تدعمهم وتساعدهم وتعولهم، ويمكنك أن تذكِّرهم وتحثهم لكنك لست بحاجة إلى التدخل أو الانخراط. لا أحد يمكنه أن يحدد نوع الطريق الذي سيسلكه شخص آخر، أو نوع الشخص الذي سيصبح عليه، أو نوع المساعي التي ستكون لديه. فكروا في الأمر؛ على أي أساس أجلس هنا وأدردش معكم وأتحدث إليكم عن كل هذه الأشياء؟ على أساس استعدادكم للإصغاء. أنا أتحدث لأنكم على استعداد للإصغاء إلى نصائحي الجادة. إن لم تكونوا راغبين في الاستماع، أو غادرتم، فما كنت لأقول المزيد. يعتمد عدد الكلمات التي أتحدث بها على ما إذا كنتم على استعداد للاستماع إليها أم لا، وما إذا كنتم على استعداد لإنفاق وقتكم وطاقتكم للقيام بذلك. لو أنك قلت: "أنا لا أفهم ما تقوله، هل يمكنك التوضيح بمزيد من التفاصيل؟" لبذلتُ قصارى جهدي للتوضيح بمزيد من التفاصيل، لتمكينك من فهم كلامي والدخول فيه. وعندما أكون قد وضعتك على الطريق الصحيح، وجلبتك أمام الله والحق، ومكَّنتك من فهم الحق واتباع طريق الله، ستكون مهمتي قد اكتملت. رغم ذلك، فيما يتعلق بما إذا كنت سترغب في ممارسة كلامي بعد أن تسمعه، أو نوع الطريق الذي ستسلكه، أو نوع الحياة التي ستختارها، أو ما ستسعى إليه، فهذه الأمور لا تخصني. لو قلتَ: "لديَّ سؤال يتعلق بهذا الجانب من الحق، وأريد أن أطلب بشأنه"، إذًا لأجبت عن سؤالك بصبر. إذا لم ترغب أبدًا في طلب الحق، فهل سأهذبك بسبب ذلك؟ لن أفعل. لن أجبرك على طلب الحق، ولن أتهكم عليك وأسخر منك، ومن المؤكد أنني لن أعاملك ببرود. سأتصرف كما كنت أتصرف من قبل. إذا أخطأت في واجبك أو تسببت عمدًا في عرقلة أو إزعاج، فلديَّ مبادئي وأساليبي للتعامل معك. ورغم ذلك، يمكنك أن تقول: "لا أريد أن أسمعك تتحدث عن هذه الأشياء، ولست على استعداد لقبول آرائك تلك. سأستمر في أداء واجبي بالطريقة التي كنت أؤديه بها دائمًا". حينئذٍ، يجب عليك عدم انتهاك المبادئ أو المراسيم الإدارية. إذا انتهكت المراسيم الإدارية بالفعل، فسأتعامل معك. لكن إذا لم تنتهك المراسيم الإدارية، وكان بوسعك أن تحسن التصرف بينما تعيش حياة الكنيسة، فلن أتدخل معك، حتى لو لم تسع إلى الحق. لن أتدخل عندما يتعلق الأمر بحياتك الشخصية أو ما تريد أن تأكله أو تلبسه أو أي الأشخاص تريد التعامل معهم. أنا أمنحك الحرية في هذه الأمور. لماذا؟ لقد تحدثت إليك بوضوح عن جميع المبادئ والمحتوى بخصوص هذه الأمور. والباقي يعتمد على اختياراتك الحرة. يعتمد الطريق الذي تختار السير فيه على نوع شخصيتك؛ هذا أمر واضح. إذا لم تكن شخصًا يحب الحق، فمن بإمكانه إجبارك على حبه؟ في نهاية المطاف، كل شخص سيتحمل مسؤولية الطريق الذي يسير فيه، والنتائج التي سيأتي بها. لست بحاجة إلى تحمل مسؤولية ذلك. إذا سعيت إلى الحق، فأنت تفعل ذلك طواعيةً. وإذا لم تسع إلى الحق، فأنت تفعل ذلك أيضًا طواعيةً؛ لا أحد يمنعك. إذا سعيت بالفعل إلى الحق، فلن يشجعك أحد ولن تُمنح نعمة خاصة أو بركات مادية. أنا فقط أؤدي مسؤولياتي وأتممها، وأخبركم بكل الحقائق التي ينبغي أن تفهموها وتحتاجون إلى الدخول فيها. أما كيف تعيشون حياتكم الخاصة، فأنا لم أستفسر عن هذا الأمر قط أو أتطفل لمعرفته. هذا هو الموقف الذي أملكه. الآباء والأمهات أيضًا يجب أن يتصرفوا على هذا النحو تجاه أبنائهم. يمتلك الراشدون القدرة على معرفة الصواب من الخطأ. ما إذا كانوا يختارون الصواب أم الخطأ، وما إذا كانوا يختارون الأبيض أم الأسود، وما إذا كانوا يختارون الأشياء الإيجابية أو السلبية – هو شأنهم الخاص؛ هذا يعتمد على احتياجاتهم الداخلية. إذا كان جوهر الشخص شريرًا، فلن يختار الأشياء الإيجابية. إذا كان الشخص يسعى جاهدًا إلى أن يكون صالحًا، ويمتلك الإنسانية ووعي الضمير والحس بالخزي، فسيختار الأشياء الإيجابية؛ حتى وإن كان بطيئًا بعض الشيء في القيام بذلك، فإنه في النهاية سوف يسلك الطريق الصحيح. هذا أمر حتمي. لذلك، يجب على الآباء والأمهات أن يتحلوا بهذا النوع من المواقف تجاه أبنائهم، وألا يتدخلوا في اختيارات أبنائهم. متطلبات بعض الآباء والأمهات من أبنائهم هي: "يجب على أبنائنا أن يسلكوا الطريق الصحيح، وينبغي أن يؤمنوا بالله، وينبذوا العالم الدنيوي، ويتخلوا عن وظائفهم. وإلا، فعندما ندخل الملكوت، لن يتمكنوا هم من دخوله، وسننفصل عنهم. سيكون من الرائع جدًا أن تدخل عائلتنا كلها الملكوت معًا! يمكننا أن نكون معًا في السماء، كما نحن هنا على الأرض. لا ينبغي أن نترك بعضنا بعضًا، ويجب أن نبقى معًا على مر العصور!" بعد ذلك، يتبين لهم أن أبناءهم لا يؤمنون بالله، وأنهم بدلاً من ذلك يسعون وراء الأمور الدنيوية، ويسعون لكسب الكثير من المال، وأن يصبحوا أثرياء جدًا؛ هم يلبسون كل ما هو موضة، ويفعلون كل ما هو رائج ويتحدثون عنه، ولا يحققون رغبات آبائهم. ونتيجة لذلك، يشعر هؤلاء الآباء بالانزعاج، ويصلون ويصومون بسبب ذلك؛ يصومون أسبوعًا أو عشرة أيام أو أسبوعين، ويبذلون الكثير من الجهد من أجل أولادهم في هذا الأمر. غالبًا ما يكونون جوعى للغاية لدرجة أنهم يشعرون بالدوار، وكثيرًا ما يصلُّون أمام الله بينما ينتحبون. لكن مهما صلوا ومهما بذلوا من جهد، فإن أولادهم لا يتأثرون ولا يعرفون أن يستيقظوا. وكلما أمعن أولادهم في رفض الإيمان، فكر هؤلاء الآباء والأمهات: "أواه، لقد خذلت أولادي، لقد خذلتهم. لم أستطع أن أبشِّرهم بالإنجيل، ولم أجلبهم معي إلى طريق الخلاص. هؤلاء الحمقى؛ إنه طريق البركات!". إنهم ليسوا حمقى؛ هم فقط لا يملكون هذا الاحتياج. الحمقى هم هؤلاء الآباء لمحاولتهم إجبار أبنائهم على هذا الطريق، أليس كذلك؟ لو كان لدى أبنائهم هذا الاحتياج، هل كان ليصبح من الضروري أن يتحدث هؤلاء الآباء عن هذه الأشياء؟ كان أبناؤهم سيؤمنون من تلقاء أنفسهم. يفكر هؤلاء الآباء دائمًا: "لقد خذلت أبنائي. لقد شجعتهم على الالتحاق بالجامعة منذ صغرهم، ومنذ التحاقهم بالجامعة لم يتراجعوا. إنهم لم يتوقفوا عن السعي وراء الأمور الدنيوية، وكلما عادوا إلى المنزل لا يتكلمون سوى عن العمل وكسب المال، وعمَّن حصل على ترقية أو اشترى سيارة، ومَن تزوج بأحد الأثرياء، ومَن ذهب إلى أوروبا لإجراء دراسات متقدمة أو ليكون طالبًا في أحد برامج التبادل، ويتحدثون عن مدى روعة حياة الآخرين. يتحدثون عن هذه الأشياء عندما يعودون إلى المنزل، وأنا لا أريد أن أسمعها، لكن لا يوجد شيء يمكنني فعله حيال ذلك. مهما قلت لأحاول جعلهم يؤمنون بالله، فإنهم يظلون لا يستمعون". وبالتالي، يتشاجرون مع أبنائهم. وكلما رأوا أبناءهم اسودت وجوههم؛ وكلما تحدثوا إلى أبنائهم ارتسم على تعبيراتهم الاستياء. بعض الأبناء لا يعرفون ماذا يفعلون، ويفكرون: "لا أعرف ما خطب والديَّ. إذا كنت لا أؤمن بالله، فهذا هو الأمر فحسب. لماذا يعاملانني دائمًا بهذا الأسلوب؟ ظننت أنه كلما زاد إيمان الشخص بالله، أصبح شخصًا أفضل. كيف يمكن للمؤمنين بالله أن يكون لديهم هذا القدر القليل جدًا من المودة تجاه عائلاتهم؟" هؤلاء الآباء والأمهات قلقون للغاية على أطفالهم لدرجة أن أحد أوعيتهم الدموية سيوشك على الانفجار، ويقولون: "هؤلاء ليسوا أبنائي! أنا أقطع علاقتي بهم، أنا أتبرأ منهم!". يقولون ذلك، لكن ليس هذا ما يشعرون به حقًا. أليس مثل هؤلاء الآباء والأمهات حمقى؟ (بلى). إنهم يريدون دائمًا السيطرة والاستحواذ على كل شيء، يرغبون دائمًا في السيطرة على مستقبل أبنائهم وإيمانهم والطرق التي يسيرون فيها. هذه حماقة كبيرة! إنه غير لائق. وعلى وجه الخصوص، يوجد بعض الأبناء الذين يسعون وراء الأمور الدنيوية، والذين يترقون إلى مناصب إدارية ويجنون الكثير من المال. وهم يجلبون أكوامًا ضخمة من الجينسنغ والأقراط الذهبية والقلائد الذهبية إلى والديهم كهدايا، فيقول والداهم: "أنا لا أريد هذه الأشياء، أنا فقط أتمنى أن تنعم بصحة جيدة، وأن تتبعني في الإيمان بالله. كم أنَّ الإيمان بالله شيء رائع!". يقول الأبناء: "لا تبدئي بذلك. لقد ترقيت، ولم تفعلي حتى أي شيء لتهنئتي. عندما يسمع آباء الآخرين وأمهاتهم أن أبناءهم قد نالوا ترقية، يفتحون زجاجات الشمبانيا، ويخرجون لتناول وجبات كبيرة، ولكن عندما أشتري لكِ قلادات وأقراط، لا تكوني سعيدة. بأي طريقة خذلتك؟ أنتما عابسان فقط لأنني لا أؤمن بالله". هل يحق لهؤلاء الآباء أن يعبسوا هكذا؟ الناس لديهم مساعٍ مختلفة، ويسيرون في مسارات مختلفة، ويختارون هذه المسارات بأنفسهم. يجب على الآباء التعامل مع هذا الأمر بشكل صحيح. إذا كان أطفالك لا يعترفون بوجود الله، فلا يجب أن تطالبهم أنت بالإيمان بالله؛ فالإجبار لا يجدي نفعًا أبدًا. إذا كانوا لا يريدون أن يؤمنوا بالله، ولم يكونوا من ذلك النوع من الأشخاص، فكلما ذكرت الأمر زاد إزعاجهم لك وستزعجهم أنت أيضًا؛ ستشعران كلاكما بالانزعاج. لكن شعور كليكما بالانزعاج ليس هو المهم؛ الأهم هو أن الله سيبغضك، وسيقول إن مودتك أقوى من اللازم. بما أنك قادر على دفع مثل هذه الأثمان الباهظة لمجرد أن أبناءك لا يؤمنون بالله، وأنت منزعج للغاية من سعيهم وراء الأشياء الدنيوية؛ إذا أخذهم الله يومًا ما، فماذا ستفعل عندئذٍ؟ هل ستتذمر من الله؟ إذا كان أبناؤك، في قلبك، هم كل شيء بالنسبة إليك، إذا كانوا هم مستقبلك، ورجاءك، وحياتك، فهل لا تزال شخصًا يؤمن بالله؟ ألن يبغض الله تصرفك على هذا النحو؟ إن الطريقة التي تتصرف بها غير حكيمة بالمرة، وتتعارض مع المبادئ، ولن يرضى الله بها. لذلك، إذا كنت حكيمًا، فلن تفعل هذه الأشياء. إن لم يكن أبناؤك مؤمنين، فعليك أن تترك هذا الأمر. لقد قدمت كل الحجج التي يجب عليك تقديمها، وقلت ما يُفترَض بك قوله، فدعهم يختارون بأنفسهم. حافظ على العلاقة التي كانت تربطك بأبنائك من قبل. إذا أرادوا أن يكونوا بارين بك، وإذا أرادوا أن يعتنوا بك ويهتموا بك، فلا داعي لأن ترفض هذا. إذا كانا يريدان اصطحابك في رحلة إلى أوروبا، لكن ذلك يعوق أداء واجبك، وأنت لا تريد الذهاب، فلا تذهب. ولكن إذا أردت الذهاب، وكان لديك الوقت لذلك، فاذهب. ليس ثمة عيب في توسيع آفاقك. لن تتلوث يداك بهذا، ولن يدينه الله. إذا اشترى أبناؤك بعض الأشياء الجميلة لك، بعض الأطعمة أو الملابس الجميلة، ورأيت أنه من اللائق أن يلبسها أو يستخدمها أحد القديسين، فاستمتع بها، واعتبرها نعمة من الله. إذا كنت تحتقر هذه الأشياء، وإذا كنت لا تستمتع بها، وإذا كنت تعتقد أنها مسببة للمتاعب ومقززة، كونك لا ترغب في الاستمتاع بها، فيمكنك رفضها قائلاً: "أنا سعيد برؤيتكم فحسب، لستم بحاجة إلى أن تجلبوا لي الهدايا أو تنفقوا عليَّ المال، فأنا لست بحاجة إلى تلك الأشياء. أنا فقط أريدكم أن تكونوا آمنين وسعداء". أليس هذا رائعاً؟ إذا قلت هذه الكلمات، وآمنت بهذه الأشياء في قلبك، إذا كنت حقًا لا تطلب من أبنائك أن يوفروا لك أي وسائل راحة مادية، أو أن يساعدوك على أن تنعم في خيرهم، فسيُعجَب بك أبناؤك، أليس كذلك؟ وبالنسبة إلى أية صعوبات تواجههم في عملهم أو حياتهم، فابذل قصارى جهدك لمساعدتهم متى استطعت. إذا كانت مساعدتهم ستؤثر في أدائك لواجبك، فيمكنك الرفض؛ هذا حقك. يمكنهم إدارة حياتهم بأنفسهم لأنك لم تعد مدينًا لهم بأي شيء، ولأنه لم يعد لديك أي مسؤوليات تجاههم، ولأنهم بالفعل راشدون مستقلون. لست بحاجة إلى خدمتهم دون قيد أو شرط أو في جميع الأوقات. إذا طلبوا مساعدتك، ولم تكن راغبًا في مساعدتهم، أو إذا كان ذلك سيعيق أداءك لواجبك، فيمكنك أن ترفض. هذا حقك. على الرغم من أن لك صلة دم بهم، وأنك أبوهم أو أمهم، فليست هذه سوى علاقة شكلية وعلاقة دم ومودة؛ فيما يتعلق بمسؤولياتك، فقد تحررت بالفعل من العلاقة معهم. لذا، إذا كان الآباء والأمهات حكماء، فلن تكون لديهم أي توقعات أو متطلبات أو معايير لأبنائهم بعد بلوغهم سن الرشد، ولن يطلبوا من أبنائهم أن يتصرفوا بطريقة معينة أو أن يقوموا بأشياء معينة من منظور الوالدين أو موقفهما، لأن أبناءهم مستقلون بالفعل. عندما يكون أبناؤك مستقلين فهذا يعني أنك قد وفَّيت جميع مسؤولياتك تجاههم. لذا، مهما كان ما تقوم به لأبنائك عندما تسمح الظروف، سواء أظهرت لهم العناية والرعاية، فليست هذه سوى مودة، وهي زائدة عن الحاجة. أو إذا طلب منك أبناؤك أن تفعل شيئًا ما، فهذا أيضًا زائد عن الحاجة، وليس شيئًا يتوجب عليك فعله. ينبغي أن تفهم هذا. هل هذه الأمور واضحة؟ (نعم).
لنفترض أن أحدكم سيقول: "لا يمكنني أبدًا أن أتخلى عن أبنائي. لقد ولدوا ببنى ضعيفة، وهم جبناء وخجولون بالفطرة، كما أنهم لا يتمتعون بمستوى قدرات جيد جدًا، ودائمًا ما يستقوي عليهم آخرون في المجتمع. لا يمكنني التخلي عنهم". عدم قدرتك على التخلي عن أبنائك لا يعني أنك لم تنتهِ من تتميم مسؤولياتك تجاههم، بل هو محض تأثير نابع من مودتك. ربما تقول: "أنا دائمًا قلق وأفكر فيما إذا كان أبنائي يأكلون جيدًا، أو ما إذا كانوا يعانون من أي مشكلات في المعدة. إذا لم يتناولوا وجبات الطعام في الأوقات المناسبة واستمروا في طلب الوجبات الجاهزة على المدى الطويل، فهل سيصابون بمشكلات في المعدة؟ هل سيصابون بمرض ما؟ وإذا مرضوا، فهل سيجدون من يعتني بهم ويحبهم؟ هل يهتم بهم أزواجهم وزوجاتهم ويعتنون بهم؟" إن همومك تنشأ ببساطة من مودتك ورابطة الدم التي تربطك بأبنائك، لكن هذه ليست مسؤولياتك. المسؤوليات التي حمَّلها الله للآباء والأمهات هي فقط مسؤوليات تربية أبنائهم ورعايتهم قبل بلوغهم سن الرشد. بعد أن يصبح أبناؤهم راشدين، لا يعود للوالدين أي مسؤوليات تجاههم. هكذا يُنظر إلى المسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها من منظور تعيين الله. هل تفهم هذا؟ (نعم). مهما تبلغ قوة مشاعرك، أو عندما تتحرك غرائزك الأبوية، فإن هذا ليس وفاءً بمسؤولياتك، بل هو تأثير مشاعرك فحسب. إنَّ تأثيرات مشاعرك لا تنبثق من عقل الإنسانية أو من المبادئ التي علَّمها الله للإنسان، أو من خضوع الإنسان للحق، وهي بالتأكيد لا تنبثق من مسؤوليات الإنسان، بل من مشاعر الإنسان؛ إنها تسمى مشاعر. ثمة القليل فقط من المحبة الأبوية والقرابة ممزوج بهذا. لأنهم أبناؤك، فإنك تقلق عليهم باستمرار، وتتساءل عما إذا كانوا يعانون، وعما إذا كانوا يتعرضون للتنمر. تتساءل عما إذا كان عملهم يسير على ما يرام، وما إذا كانوا يتناولون وجباتهم في الأوقات المناسبة. تتساءل عما إذا كانوا قد أصيبوا بمرض ما، وما إذا كانوا سيستطيعون تحمل تكاليف فواتير علاجهم إذا مرضوا. غالبًا ما تفكر في هذه الأمور، وهي أشياء لا علاقة لها على الإطلاق بمسؤولياتك بصفتك والدًا. إذا لم تستطع التخلي عن هذه المخاوف، فلا يمكن القول سوى إنك تعيش وسط مشاعرك، وإنك غير قادر على انتشال نفسك منها. أنت تعيش فحسب وسط مشاعرك، وتتعامل مع أبنائك وفقًا لمشاعرك، بدلًا من أن تعيش وفقًا لتعريف مسؤوليات الأبوة الممنوحة لك من الله. أنت لا تعيش وفقًا لكلام الله، بل تشعر بكل هذه الأمور وتراها وتتعامل معها وفقًا لمشاعرك. هذا يعني أنك لا تتبع طريق الله. هذا واضح. لقد انتهت مسؤولياتك الأبوية – كما علمك الله إياها – في اللحظة التي بلغ فيها أبناؤك سن الرشد. أليست طريقة الممارسة التي علمك الله إياها سهلة وبسيطة؟ (إنها كذلك). إذا مارست وفقًا لكلام الله، فلن تنخرط في ممارسات لا طائل منها، وستمنح أبناءك قدرًا معينًا من الحرية، وفرصة لتطوير أنفسهم، دون أن تتسبب لهم في أي متاعب أو عناء إضافي، أو أن تضع عليهم أي أعباء إضافية. وبما أنهم راشدون، فإن القيام بذلك سيسمح لهم بمواجهة العالم وحياتهم ومختلف المشكلات التي يواجهونها في حياتهم اليومية ووجودهم من منظور الراشدين، وبأساليب الراشدين المستقلة في التعامل مع الأمور والنظر إلى الأشياء، ونظرة الراشدين المستقلة للعالم. هذه هي حريات أبنائك وحقوقهم، وعلاوةً على ذلك، هذه هي الأشياء التي يجب أن يقوموا بها كراشدين، وهذه الأشياء لا علاقة لها بك. إذا كنت ترغب دائمًا في الانخراط في هذه الأمور، فهذا مثير للغثيان. إذا كنت تريد دائمًا أن تقحم نفسك عمدًا في هذه الأمور وتتدخل فيها، فستكون قد تسببت في إزعاجهم وتدميرهم، وفي النهاية، إضافة إلى أن الأمور ستسير على عكس رغباتك، فإنك أيضًا ستجعل أولادك يشعرون بالنفور منك، وحياتك أيضًا ستكون متعبة جدًا. في النهاية، ستمتلئ بالشكاوى وتتذمر من أن أولادك ليسوا بارين بك أو مطيعين أو مراعين لك، وستتذمر من أنهم ناكرون للجميل جاحدون وغير مقدِّرين وغير مهتمين. يوجد بعض الآباء الوقحين وغير العقلانيين الذين يبكون أيضًا ويثيرون ضجة ويهددون بقتل أنفسهم، مستخدمين أي حيل يستطيعون استخدامها. هذا أكثر إثارة للاشمئزاز، أليس كذلك؟ (بلى). إذا كنتَ حكيمًا، فستسمح للأمور بأن تأخذ مجراها الطبيعي، وتعيش حياتك بطريقة مريحة، وتتمم مسؤولياتك الأبوية فقط. إذا كنت تقول إنك تريد رعاية أطفالك وإظهار بعض الاهتمام بهم من أجل المودة، فإن إظهار الاهتمام اللازم لهم أمر مباح. أنا لا أقول إنه يجب على الآباء والأمهات أن يقطعوا علاقتهم بأبنائهم بمجرد أن يصبح الأبناء راشدين ويكون الآباء قد أوفوا بمسؤولياتهم. لا ينبغي على الآباء أن يهملوا أبناءهم الراشدين تمامًا، ولا ينبغي أن يقولوا لهم أن يبتعدوا بأنفسهم، أو أن يتجاهلوهم مهما كانت الصعوبات التي يواجهونها – حتى عندما تدفع تلك الصعوبات بأبنائهم إلى حافة الموت – أو أن يرفضوا تقديم يد العون لأبنائهم عندما يكونون بحاجة إلى والديهم. هذا أيضًا خطأ؛ هذا تطرف. عندما يحتاج أبناؤك إلى أن يأتمنوك على أسرارهم، يجب عليك أن تصغي إليهم، وبعد الاستماع إليهم، ينبغي أن تسألهم عما يفكرون فيه وما ينوون فعله. يمكنك أيضًا تقديم اقتراحاتك الخاصة. إذا كانت لديهم أفكارهم وخططهم الخاصة، ولم يتقبلوا اقتراحاتك، فقل لهم فحسب: "حسنًا. بما أنك قد اتخذت قرارك بالفعل، فأي عواقب ستنتج عن ذلك في المستقبل ستتحملها وحدك. هذه حياتك. عليك أن تسير في مسار حياتك وتنهيه. لا يمكن لأحد آخر أن يتحمل مسؤولية حياتك. إذا كنت قد اتخذت قرارك، فسأدعمك. إذا كنت بحاجة إلى المال، فيمكنني أن أعطيك القليل منه. إذا كنت بحاجة إلى مساعدتي، فيمكنني مساعدتك في حدود قدراتي. أنا والدك رغم كل شيء، لذا لا داعي لقول المزيد. لكن إذا قلت إنك لا تحتاج إلى مساعدتي إياك أو إلى مالي، وإنك تحتاج مني فقط أن أسمعك، فهذا أسهل". حينئذٍ ستكون قد قلت ما كان يتعين عليك قوله، وسيكون هو قد قال ما كان يتعين عليه قوله، وسيكون قد أفرغ كل ما لديه من شكاوى، ونفَّس عن كل غضبه. سيمسح دموعه، وسيذهب ليفعل ما يتعين عليه فعله، وستكون قد تممت مسؤولياتك كوالد. يُفعَل هذا من أجل المودة؛ هذا ما يسمى بالمودة. ولمَ هذا؟ لأنك، بصفتك والدًا، ليس لديك أي مقاصد خبيثة تجاه أبنائك. أنت لن تؤذيهم أو تتآمر عليهم أو تتهكم عليهم، وبالتأكيد لن تسخر منهم لضعفهم وعجزهم. يمكن لأبنائك البكاء والتنفيس والتذمر أمامك دون قيود، كما لو كانوا أطفالًا صغارًا؛ يمكن أن يكونوا مدللين أو عابسين أو عنيدين، لكن، بعد أن ينتهوا من التنفيس عن عواطفهم وعن عبوسهم وعنادهم، عليهم أن يقوموا بما يتعين عليهم القيام به، وأن يتعاملوا مع كل ما هو موجود أمامهم. إذا تمكنوا من تحقيق ذلك دون أن تفعل لهم أي شيء أو تقدم لهم أي مساعدة، فهذا جيد جدًا، وسيكون لديك حينئذٍ وقت فراغ أكبر، أليس كذلك؟ وبما أن أبناءك قد قالوا هذه الأشياء، يجب أن يكون لديك بعض الوعي الذاتي. لقد كبر أبناؤك وأصبحوا مستقلين. لقد أرادوا فقط التحدث معك حول هذا الأمر، ولم يطلبوا أن تساعدهم. إذا لم يكن لديك بعض الإدراك، فقد تفكر: "هذه مسألة مهمة. إن إخبارك لي بها يدل على احترامك لي، ألا ينبغي إذًا أن أقدم لك بعض المشورة بشأنها؟ ألا ينبغي أن أساعدك في اتخاذ قرار؟" هذا يُسمى مبالغة في تقدير قدراتك الخاصة. كان أبناؤك يتحدثون معك ببساطة عن هذا الأمر، لكنك تتعامل مع نفسك كما لو كنت شخصية مهمة. هذا غير لائق. لقد أخبرك أبناؤك عن هذا الأمر لأنك والدهم، وهم يحترمونك ويثقون بك. في واقع الأمر، كانت لديهم أفكارهم الخاصة بشأن هذا الموضوع لبعض الوقت، لكنك الآن لا تفتأ ترغب في التدخل في الأمر. هذا غير لائق. أبناؤك يثقون بك، ويجب أن تكون جديرًا بتلك الثقة. ينبغي أن تحترم قرارهم ولا تنخرط في الأمر أو تتدخل فيه. إذا أرادوا منك الانخراط، فيمكنك أن تفعل ذلك. ولنفترض أنه عندما تنخرط في الأمر، تدرك الآتي: "هذه متاعب كبيرة! سيؤثر هذا في أدائي لواجبي. لا يمكنني حقًا أن أنخرط في هذا الأمر؛ بصفتي مؤمنًا بالله، لا يمكنني القيام بهذه الأشياء". حينئذٍ، يجب عليك أن تسارع إلى الابتعاد عن هذا الأمر. لنفترض أنهم لا يزالون يريدونك أن تتدخل، وأنت تفكر: "لن أتدخل. ينبغي عليك أن تتعامل مع هذا الأمر بنفسك. لقد كان لطفًا كافيًا مني أن أستمع إليك تنفِّس عن هذه الشكوى وكل هذا الهراء. لقد أوفيت بالفعل بمسؤولياتي الأبوية. لا يمكنني التدخل في هذا الأمر على الإطلاق. هذه حفرة نار، ولن أقفز فيها. تفضل واقفز فيها بنفسك إن أردت". أليس هذا مناسبًا؟ هذا يسمى اتخاذ موقف. يجب ألا تتخلى أبدًا عن المبادئ أو عن موقفك. هذه هي الأشياء التي يتعين على الآباء القيام بها. هل فهمت هذا؟ هل من السهل تحقيق هذه الأشياء؟ (نعم). إنها في واقع الأمر سهلة التحقيق، ولكن إذا كنت تتصرف دائمًا وفقًا لمشاعرك، وإذا كنت دائمًا مُحاصَر وسط مشاعرك، فسيكون من الصعب جدًا عليك تحقيق هذه الأشياء. ستشعر أن القيام بذلك يجعل قلبك يعتصر ألمًا، وأنك لا تستطيع نبذ هذا الأمر، وأنك لا تستطيع تحمله كذلك، أو التقدم إلى الأمام أو التراجع. ما الكلمة التي يمكن استخدامها لوصف ذلك؟ "عالق". سوف تكون عالقًا هناك. أنت ترغب في الاستماع إلى كلام الله وممارسة الحق، لكنك لا تستطيع أن تتخلى عن مشاعرك؛ أنت تحب أبناءك حبًا جمًا، لكنك تشعر أنه ليس من اللائق أن تفعل ذلك، وأن هذا يخالف تعاليم الله وكلام الله؛ أنت في ورطة. عليك أن تختار؛ إما أن تتخلى عن توقعاتك لأبنائك، ولا تعود تحاول أن تتحكم في أبنائك، وبدلًا من ذلك تتركهم يحلقون بحرية، لأنهم راشدون مستقلون، أو يمكنك أن تتبعهم. عليك أن تختار أحد هذين الخيارين. إذا اخترت اتباع طريق الله والاستماع إلى كلام الله، وتخليت عن همومك ومشاعرك تجاه أولادك، فعليك أن تفعل ما يجب على الوالدين فعله، وهو أن تتمسك بموقفك ومبادئك، وأن تمتنع عن فعل الأشياء التي يراها الله كريهة ومقززة. هل يمكنك القيام بذلك؟ (نعم). في الواقع، من السهل القيام بهذه الأشياء. فبمجرد أن تتخلى عن القليل من المودة التي تكِنُّها، يمكنك تحقيق هذه الأشياء. أبسط الطرق هي عدم الانخراط في حياة أبنائك وأن تدعهم يفعلون ما يرغبون في فعله. إذا أرادوا التحدث إليك عن الصعوبات التي يواجهونها، فاستمع إليهم. يكفيك فقط أن تعرف أنه هكذا تسير الأمور. بعد انتهائهم من الحديث، قل: "أنا أسمعك. هل يوجد أي شيء آخر تريد أن تخبرني به؟ إذا كنت تريد شيئًا لتأكله، فيمكنني أن أطبخ لك. إذا لم ترغب في ذلك، فيمكنك العودة إلى المنزل. إذا كنت بحاجة إلى المال، فيمكنني أن أعطيك القليل. إذا كنت بحاجة إلى بعض المساعدة، فسأفعل ما بوسعي. إذا لم يكن بوسعي أن أساعدك، فعليك أن تجد حلاً بنفسك". إذا أصروا على أن تساعدهم فيمكنك أن تقول: "لقد تممنا بالفعل مسؤولياتنا تجاهك. نحن لا نملك سوى هذه القدرات، ويمكنك رؤية ذلك؛ فنحن لسنا بمهارتك. إذا أردت طلب النجاح في العالم، فهذا شأنك، لا تحاول الزج بنا فيه. لقد كبرنا بالفعل، وقد مضى ذلك الوقت بالنسبة إلينا. كانت مسؤوليتنا الأبوية هي أن نربيك فقط حتى تصل لسن الرشد. وبخصوص نوع الطريق الذي تسلكه، وأيًا ما كانت الطريقة التي تريد أن تعبث بها، فلا تقحمنا فيها؛ لن نسايرك. لقد أكملنا بالفعل مهمتنا فيما يتعلق بك. لدينا أمورنا الخاصة، وطرقنا الخاصة في العيش، ومهامنا الخاصة. لا تتعلق مهامنا بالقيام بالأمور من أجلك، ولا نحن نحتاج إلى مساعدتك لنا لإكمالها. سنكمل مهامنا بأنفسنا. لا تطلب منا أن ننخرط في حياتك اليومية أو وجودك. تلك الأمور لا علاقة لنا بها". عبِّر عن نفسك بوضوح، وستكون هذه هي نهاية الأمر؛ يمكنك بعد ذلك التواصل معهم والاتصال بهم ومعرفة أخبارهم حسبما يقتضي الحال. الأمر بهذه البساطة! ما فوائد التصرف بهذه الطريقة؟ (إنه يجعل الحياة سهلة للغاية). على أقل تقدير، ستكون قد تعاملت مع مسألة المحبة الجسدية العائلية بشكل مناسب وصحيح. سيكون عالمك العقلي والروحي في راحة، ولن تقدم أي تضحيات لا داعي لها، أو تدفع أي أثمان إضافية؛ ستكون خاضعًا وسط تنظيمات الله وترتيباته، تاركًا إياه يتولى كل هذه الأشياء. ستكون متمِّمًا لكل ما يجب أن يقوم به الناس من مسؤوليات، ولن تقوم بأي شيء من الأشياء التي لا يجب على الناس القيام بها. لن تمد يدك للانخراط في الأشياء التي لا يجب على الناس القيام بها، وستعيش بحسب الطريقة التي يخبرك الله أن تعيش بها. إن الطريقة التي يأمر الله الناس أن يعيشوا بها هي أفضل طريق، وهي تمكنهم من أن يعيشوا حياة مريحة وسعيدة وفرحة وهادئة للغاية. لكن الأهم من كل ذلك أنه إضافة إلى أن العيش بهذه الطريقة سيتيح لك المزيد من الوقت والطاقة لأداء واجبك بشكل جيد وإظهار التكريس في أداء واجبك، سيكون لديك أيضًا المزيد من الطاقة والوقت لبذل الجهد فيما يتعلق بالحق. وعلى النقيض من ذلك، إذا كانت طاقتك ووقتك مشغولان بمشاعرك وجسدك وأبناؤك ومحبتك لأسرتك، وكانا واقعان في شراك هذه الأشياء، فلن يكون لديك أي طاقة إضافية للسعي إلى الحق. أليس هذا صحيحًا؟ (إنه كذلك).
عندما ينخرط الناس في مسارات مهنية في العالم، فإن كل ما يفكرون فيه هو السعي وراء أشياء مثل الاتجاهات الدنيوية والجاه والربح والمتعة الجسدية. ما الذي يترتب على ذلك؟ يترتب على ذلك أن هذه الأشياء تشغل كل طاقتك ووقتك وشبابك وتستهلكها. هل هي ذات معنى؟ ماذا ستربح منها في النهاية؟ حتى لو ربحت جاهًا ومكسبًا، فسيظل ذلك خواءً. ماذا لو غيرت طريقة عيشك؟ إذا لم ينشغل وقتك وطاقتك وذهنك سوى بالحق والمبادئ، وإذا لم تفكر سوى في الأشياء الإيجابية، مثل كيفية أداء واجبك جيدًا، وكيفية القدوم أمام الله، وإذا بذلت طاقتك ووقتك من أجل هذه الأشياء الإيجابية – حينئذٍ، فإن ما ستربحه سيكون مختلفًا. سيكون ما تربحه هو الفوائد الأكثر جوهرية. ستعرف كيف تعيش، وكيف تتصرف، وكيف تواجه كل نوع من الأشخاص والأحداث والأشياء. فور أن تعرف كيف تواجه كل نوع من الأشخاص والأحداث والأشياء، سيمكنك هذا إلى حد كبير من الخضوع بشكل طبيعي لتنظيمات الله وترتيباته. عندما تتمكن من الخضوع بشكل طبيعي لتنظيمات الله وترتيباته، فإنك دون حتى أن تدرك ذلك، ستصبح شخصًا من النوع الذي يقبله الله ويحبه. فكر في الأمر؛ أليس هذا شيئًا جيدًا؟ ربما لا تعرف هذا بعد، لكن في أثناء عيشك لحياتك، وقبولك لكلام الله ومبادئ الحق، ستتمكن دون أن تعي من أن تعيش وترى الناس والأشياء وتتصرف وتفعل وفقًا لكلام الله. هذا يعني أنك ستخضع لا شعوريًا لكلام الله وستخضع لمتطلباته وتلبيها. حينئذٍ ستكون قد أصبحت بالفعل من نوع الأشخاص الذي يقبله الله ويثق به ويحبه، دون حتى أن تعرف ذلك. أليس هذا رائعًا؟ (إنه كذلك). لذلك، إذا بذلت طاقتك ووقتك في السعي إلى الحق والقيام بواجبك جيدًا، فإن ما ستربحه في النهاية سيكون أثمن الأشياء. وعلى العكس من ذلك، إذا كنت تعيش دائمًا من أجل مشاعرك وجسدك وأبنائك وعملك وجاهك ومكسبك؛ إذا كنت واقعًا على الدوام في شراك هذه الأشياء، فماذا ستربح في النهاية؟ محض فراغ. لن تربح أي شيء على الإطلاق، وستبتعد أكثر فأكثر عن الله، وفي النهاية سيزدريك الله تمامًا. حينئذٍ، ستنتهي حياتك، وستكون قد فقدت فرصتك في الخلاص. لذلك، يجب على الآباء والأمهات أن يتخلوا عن كل مخاوفهم العاطفية وتعلقهم وتشابكاتهم فيما يتعلق بأبنائهم الراشدين، بغض النظر عن توقعاتهم لهم. لا ينبغي أن يضعوا على أبنائهم أي توقعات على مستوى عاطفي انطلاقًا من مكانة الوالدين أو وضعهم. إذا كنت قادرًا على تحقيق هذه الأمور، فهذا رائع! على أقل تقدير، ستكون قد تممت مسؤولياتك بصفتك والدًا، وستكون في نظر الله شخصًا مناسبًا يتصادف فحسب أنه والد. أيًا كان المنظور البشري الذي ترى به هذا الأمر، ثمة مبادئ لما يجب أن يفعله الناس والمنظور والموقف الذي يجب أن يتبنوهما، والله لديه معايير فيما يتعلق بهذه الأشياء، أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). لنختتم هنا شركتنا بخصوص توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم والمبادئ التي يجب أن يمارسوها عندما يبلغ أبناؤهم سن الرشد. إلى اللقاء!
21 مايو 2023
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.