كيفية السعي إلى الحق (18) الجزء الثالث

كل ما يفعله الآباء لتحقيق توقعاتهم من أبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد يخالف الضمير والعقل والقوانين الطبيعية. والأكثر من ذلك أنه يتعارض مع ما عينه الله ومع سيادته. رغم أن الأطفال لا يملكون القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، أو التفكير بشكل مستقل، يظل مصيرهم تحت سيادة الله، فهم ليسوا محكومين من قبل آبائهم. لذلك، بخلاف وجود توقعات في وعي الآباء لأبنائهم، فإنَّ الآباء الحمقى يقومون أيضًا بمزيد من الأعمال والتضحيات ودفع الثمن من حيث سلوكهم، ويفعلون كل ما يريدونه ويرغبون في القيام به من أجل أبنائهم، بغض النظر عما إذا كان ذلك ببذل المال أو الوقت أو الطاقة أو أشياء أخرى. وعلى الرغم من أن الآباء والأمهات يقومون بهذه الأمور طواعيةً، فإنها أمور غير إنسانية، وليست من المسؤوليات التي يجب أن يفي بها الآباء والأمهات؛ لقد فاقت بالفعل نطاق قدراتهم ومسؤولياتهم المناسبة. لماذا أقول هذا؟ لأن الآباء يبدؤون في محاولة التخطيط لمستقبل أبنائهم والتحكم فيه قبل بلوغهم سن الرشد، ويحاولون أيضًا تحديد مستقبل أبنائهم. أليست هذه حماقة؟ (بلى). على سبيل المثال، لنفترض أن الله قد قدَّر أن يكون شخص ما عاملًا عاديًا، ولن يكون قادرًا في هذه الحياة إلا على كسب الأجر الأساسي لإطعام نفسه وكسوتها، لكن والديه يصران على أن يصبح من المشاهير والأثرياء والمسؤولين الكبار، وهما يخططان ويرتبان أمور مستقبله قبل أن يبلغ سن الرشد، ويدفعان مختلف أنواع ما يسمى بالأثمان، ويحاولان التحكم في حياته ومستقبله. أليست هذه حماقة؟ (إنها كذلك). على الرغم من أن ابنهما يحصل على درجات جيدة جدًا، ويذهب إلى الجامعة، ويتعلم مهارات مختلفة بعد بلوغه سن الرشد، ويمتلك بعض المهارات، فإنه عندما يذهب في النهاية للبحث عن عمل، يظل في النهاية عاملًا عاديًا مهما بحث. على أقصى تقدير، يحالفه الحظ ويصبح رئيس عمال، وهو أمر جيد بالفعل. في نهاية الأمر، لا يحصل إلا على راتب بسيط، ولا يستطيع أبدًا أن يحصل على راتب مسؤول كبير أو شخص ثري كما طالب والداه. يريده والداه دائمًا أن يرتقي في العالم، وأن يربح الكثير من المال، وأن يصبح مسؤولاً رفيعًا، حتى يتسنى لهما أن يتنعما معه. لم يتوقعا قط أنه على الرغم من أدائه الجيد في المدرسة وطاعته الشديدة، وعلى الرغم من أنهما دفعا الكثير من الأثمان من أجله، وعلى الرغم من أنه التحق بالجامعة بعد أن كبر، فمصيره في هذه الحياة أنه سيظل عاملًا عاديًا. لو كانا قادرين على توقع ذلك، لما عذبا نفسيهما كثيرًا آنذاك. لكن هل يمكن للآباء والأمهات تجنب تعذيب أنفسهم؟ (كلا). الآباء يبيعون بيوتهم وأراضيهم ومقتنياتهم العائلية، بل إن بعضهم يبيع كليته حتى يتمكن أولاده من الالتحاق بالجامعات المشهورة. عندما لا يوافق الابن على ذلك، تقول الأم: "لدي كليتان. إذا فقدت واحدة، فستظل لدي الأخرى. أنا كبيرة في السن بالفعل، ولا أحتاج سوى إلى كلية واحدة". بم يشعر الابن بعد سماع هذا الكلام؟ "حتى لو كان ذلك يعني أنني لن ألتحق بالجامعة، لا يمكنني أن أسمح لك ببيع كليتك". فتقول الأم: "لن تذهب؟ أنت ابن عاق وغير مطيع! لماذا أبيع كليتي؟ أليس من أجل أن تنجح في المستقبل؟ يشعر الابن بالتأثر بعد سماع ذلك، ويفكر: "يمكن لأمي أن تمضي قدمًا وتبيع كليتها إذًا. لن أخذلها". في نهاية الأمر تفعل الأم ذلك حقًا؛ تقايض كليتها مقابل مستقبل ابنها؛ وفي النهاية، يصبح ابنها مجرد عامل، ولا ينتهي به الأمر بتحقيق النجاح. إذًا، الأم باعت كليتها، وكل ما حصلت عليه في المقابل هو عامل، فهل هذا مناسب؟ (كلا). في النهاية، ترى الأم ذلك وتقول: "قدرك أن تكون عاملًا. لو كنت أعرف ذلك من قبل، لما بعت كليتي لتلتحق بالجامعة. كان بإمكانك أن تمضي قدمًا وتصبح عاملًا، أليس كذلك؟ ما فائدة التحاقك بالجامعة؟" لقد فات الأوان! من الذي جعلها تتصرف بحماقة في ذلك الوقت؟ من جعلها تستمتع بفكرة أن يصبح ابنها مسؤولًا رفيع المستوى ويكسب الكثير من المال؟ لقد أعماها الجشع، لقد استحقت هذا! لقد دفعت الكثير من الأثمان من أجل ابنها، لكن هل يدين لها ابنها بأي شيء؟ لا، لقد دفعت تلك الأثمان عن طيب خاطر، ونالت ما تستحقه! حتى لو كانت قد باعت كليتيها لكان ذلك عن طيب خاطر. بعض الناس يبيعون قرنية أعينهم لإرسال أبنائهم إلى جامعات مرموقة، والبعض يبيعون دمهم، والبعض يضحون بكل ما يملكون ويبيعون مقتنياتهم العائلية، فهل يستحق الأمر كل هذا العناء؟ كما لو أنهم يعتقدون أن بيع القليل من الدم أو عضو ما يمكن أن يقرر مستقبل الشخص ويغير مصيره. فهل يمكن ذلك؟ (كلا). الناس حمقى للغاية! إنهم يبحثون عن العوائد السريعة، وتعميهم الهيبة والمكاسب. إنهم يفكرون دائمًا: "حسنًا، هكذا تسير حياتي فحسب"، لذلك يعلقون آمالهم على أبنائهم. هل هذا يعني أن مصائر أبنائهم ستكون أفضل من مصيرهم حتمًا؟ وأن أبناءهم سيكونون قادرين على الارتقاء في العالم؟ وأنهم سيكونون مختلفين؟ كيف يمكن أن يكون الناس بهذه الحماقة؟ هل يعتقدون أنه لمجرد أن لديهم توقعات عالية لأبنائهم، فإن أبناءهم سيكونون حتمًا أفضل من الآخرين وسيرتقون إلى مستوى توقعاتهم؟ إن مصائر الناس لا يقررها آباؤهم، بل يقررها الله. بالطبع، لا يرغب أي أب أو أم في رؤية أبنائهم يصبحون متسولين. لكن رغم ذلك، ليس عليهم أن يصروا على أن يرتقي أولادهم في العالم ويصبحوا مسؤولين كبارًا أو أشخاصًا بارزين في الطبقة العليا من المجتمع. ما الجيد في أن يكونوا في الطبقة العليا من المجتمع؟ ما الجيد في الارتقاء في العالم؟ هذه مستنقعات، إنها ليست أشياء جيدة. هل هو شيء جيد أن تصبح من المشاهير، أو شخصية عظيمة، أو إنسانًا خارقًا، أو شخصًا ذا منصب ومكانة؟ حياة الشخص العادي هي الحياة الأكثر راحة. ما العيب في أن تعيش حياة أفقر وأصعب قليلًا، وأكثر تعبًا، مع طعام وملابس أسوأ قليلاً؟ على أقل تقدير، ثمة شيء واحد مضمون، بما أنك لا تعيش بين الاتجاهات الاجتماعية للطبقة العليا في المجتمع، فإنك على الأقل ستخطئ أقل وستكون الأشياء التي تفعلها لمقاومة الله أيضًا أقل. بصفتك شخصًا عاديًا، لن تواجه مثل هذا الإغواء الكبير أو المتكرر. رغم أن حياتك ستكون أصعب قليلاً، فعلى الأقل، لن تكون روحك متعبة. فكِّر في الأمر، كل ما عليك أن تقلق بشأنه بصفتك عاملًا هو التأكد من أنك تستطيع تناول ثلاث وجبات في اليوم. يختلف الأمر عندما تكون مسؤولاً، إذ عليك أن تحارب، ولن تعرف متى سيأتي اليوم الذي لن يكون فيه منصبك آمنًا. ولن تكون هذه هي نهاية المطاف، فالأشخاص الذين أسأت إليهم سيبحثون عنك لتصفية الحسابات، وسيعاقبونك. حياة المشاهير والعظماء والأثرياء متعبة للغاية. يخشى الأثرياء دائمًا من ألا يكونوا أثرياء جدًا في المستقبل، ومن ألا يكونوا قادرين على الاستمرار إذا حدث ذلك. يخشى المشاهير دائمًا أن تختفي هالاتهم، وهم يريدون دائمًا حماية هالاتهم، خوفًا من استبعاد هذا العصر والاتجاهات لهم. حياتهم متعبة للغاية! لا يدرك الآباء والأمهات هذه الأمور أبدًا، ويريدون دائمًا أن يدفعوا بأبنائهم إلى قلب هذا الصراع، ويزجون بهم في أوكار الأسود والمستنقعات. هل لدى الآباء حقًا مقاصد حسنة؟ إذا قلتُ إنهم لا يملكون مقاصد حسنة، فلن تكونوا على استعداد لسماع ذلك. إذا قلت إن توقعات آبائكم تؤثر عليكم سلبًا من نواحٍ عديدة، فهل أنتم على استعداد للاعتراف بذلك؟ (نعم). إنهم يؤذونكم بشدة، أليس كذلك؟ بعضكم غير مستعد للاعتراف بذلك، وأنتم تقولون: "والداي يريدان ما هو جيد لي". أنت تقول إن والديك يريدان لك ما هو جيد؛ حسنًا، أين هذه الأشياء الجيدة لك؟ والداك يريدان لك ما هو جيد، لكن كم عدد الأشياء الإيجابية التي مكَّنوك من فهمها؟ والداك يريدان لك ما هو جيد، ولكن كم صححوا من أفكارك وآرائك غير الصحيحة وغير المرغوب فيها؟ (لا شيء). إذًا، هل يمكنك أن ترى حقيقة هذه الأشياء الآن؟ يمكنك الشعور بأن توقعات الوالدين غير واقعية، أليس كذلك؟

من خلال تشريح جوهر توقعات الآباء لأبنائهم، يمكننا أن نرى أن هذه التوقعات أنانية، وأنها تتعارض مع الإنسانية، وعلاوةً على ذلك لا علاقة لها بمسؤوليات الآباء. عندما يفرض الآباء توقعات ومتطلبات مختلفة على أبنائهم، فإنهم لا يقومون بمسؤولياتهم. فما هي "مسؤولياتهم"؟ إن المسؤوليات الأساسية للغاية التي يجب على الوالدين الوفاء بها هي تعليم أبنائهم الكلام، وإرشادهم إلى أن يكونوا طيبين وألا يكونوا أشخاصًا سيئين، وتوجيههم في اتجاه إيجابي. هذه هي مسؤولياتهم الأساسية. إضافةً إلى ذلك، يجب عليهم أن يساعدوا أولادهم في دراسة ما يناسبهم من أنواع المعرفة والمواهب وما إلى ذلك حسب أعمارهم ومقدار ما يستطيعون تحمله ومستوى قدراتهم واهتماماتهم. سيساعد الآباء والأمهات الأفضل قليلًا أبناءهم على فهم أن الناس خليقة الله وأن الله موجود في هذا الكون، فيقودون أولادهم للصلاة وقراءة كلام الله، ويقصون عليهم بعض القصص من الكتاب المقدس، ويأملون أن يتبعوا الله ويقوموا بواجب الكائن المخلوق بعد أن يكبروا بدلاً من ملاحقة الاتجاهات الدنيوية، والوقوع في شراك مختلف العلاقات الشخصية المعقدة، وأن تدمرهم مختلف اتجاهات هذا العالم والمجتمع. لا علاقة للمسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها بتوقعاتهم، فالمسؤوليات التي يجب أن يفوا بها في دورهم بوصفهم آباءً وأمهات هي أن يقدموا لأبنائهم التوجيه الإيجابي والمساعدة المناسبة قبل بلوغهم سن الرشد، وكذلك أن يعتنوا بهم على الفور في حياتهم الجسدية فيما يتعلق بالطعام والملبس والمسكن، أو في الأوقات التي يمرضون فيها. إذا مرض أبناؤهم، فيجب على الآباء والأمهات أن يعالجوا أي مرض يلزم علاجه، ولا ينبغي أن يهملوا أبناءهم أو يقولوا لهم: "استمر في الذهاب إلى المدرسة، واصل الدراسة؛ لا يمكنك أن تتخلف في دراستك. إذا تخلفت كثيرًا، فلن تتمكن من تعويض ما فاتك". عندما يحتاج الأبناء إلى الراحة، يجب على الآباء والأمهات أن يسمحوا لهم بالراحة؛ وعندما يمرض الأبناء، يجب على الآباء والأمهات مساعدتهم على التعافي. هذه هي مسؤوليات الوالدين. فمن ناحية، يجب عليهم الاهتمام بالصحة البدنية لأبنائهم؛ ومن ناحية أخرى، يجب عليهم مساعدة أبنائهم وتثقيفهم ومعاونتهم فيما يتعلق بصحتهم النفسية. هذه هي المسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها، بدلاً من فرض أي توقعات أو متطلبات غير واقعية على أبنائهم. يجب على الوالدين الوفاء بمسؤولياتهم فيما يتعلق باحتياجات أبنائهم النفسية والأشياء التي يحتاج إليها أبناؤهم في حياتهم الجسدية. يجب على الوالدين ألا يتركوا أبناءهم يتجمدون من البرد في الشتاء، بل يجب أن يعلموهم بعض المعارف العامة في الحياة، مثل ما هي الظروف التي قد يصابون فيها بنزلة برد، وأن عليهم تناول الأطعمة الدافئة، وأن معدتهم ستؤلمهم إذا تناولوا الأطعمة الباردة، وأنه لا ينبغي أن يعرِّضوا أنفسهم للرياح بشكل عرضي أو يخلعوا ملابسهم في الأماكن التي بها تيار هواء عندما يكون الطقس باردًا، مما يساعدهم على تعلم العناية بصحتهم. إضافةً إلى ذلك، عندما تنشأ في عقول أطفالهم الصغار بعض الأفكار الطفولية غير الناضجة حول مستقبلهم، أو بعض الأفكار المتطرفة، يجب على الآباء والأمهات أن يسارعوا بتزويدهم بالتوجيه الصحيح حالما يكتشفون ذلك؛ وبدلاً من قمعهم بالقوة، يجب عليهم أن يجعلوا أبناءهم يعبِّرون عن أفكارهم وينفِّسون عنها، حتى يمكن علاج المشكلة فعلاً. هذا هو الوفاء بمسؤولياتهم. إنَّ وفاء الوالدين بمسؤولياتهم يعني من جهة رعاية الأبناء، ومن جهة أخرى تقديم المشورة للأبناء وتقويمهم وتقديم الإرشاد لهم بخصوص الأفكار والآراء الصحيحة. إن المسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها لا علاقة لها في الواقع بتوقعاتهم من أبنائهم. يمكنك أن تتمنى أن يكون أولادك أصحاء جسديًا وأن يتمتعوا بالإنسانية والضمير والعقل بعد أن يكبروا، أو يمكنك أن تتمنى أن يكون أولادك بارين بك، لكن لا ينبغي أن تتمنى أن يصبح أولادك من نوع معين من المشاهير أو العظماء بعد أن يكبروا، ولا ينبغي حتى أن تقول لأولادك كثيرًا: "انظروا إلى مدى طاعة جارنا شياو مينج!" إن أولادك هم أولادك؛ وليست المسؤولية التي يجب أن تقوم بها أن تخبر أولادك عن مدى عظمة جارهم شياو مينج، أو أن تجعلهم يتعلمون من جارهم شياو مينج. ليس هذا شيئًا ينبغي على الوالدين القيام به، فكل شخص يختلف عن الآخر. يختلف الناس من حيث أفكارهم، وآرائهم، واهتماماتهم، وهواياتهم، ومستوى قدراتهم، وطباعهم الشخصية، وما إذا كان جوهر إنسانيتهم طيبًا أم خبيثًا. بعض الناس يولدون ثرثارين بالفطرة، بينما البعض الآخر انطوائيون بالفطرة، ولن يضايقهم أن يمر يوم كامل دون أن ينطقوا بكلمة واحدة. ولذلك، إذا أراد الآباء والأمهات الوفاء بمسؤولياتهم، فعليهم أن يحاولوا فهم طباع أبنائهم الشخصية وشخصياتهم واهتماماتهم ومستوى قدراتهم واحتياجات إنسانيتهم، بدلاً من أن يحولوا سعيهم – كراشدين – للعالم والهيبة والربح، إلى توقعات من أبنائهم، ويفرضوا على أبنائهم هذه الأمور الخاصة بالهيبة والربح والعالم التي تأتي من المجتمع. يطلق الآباء على هذه الأشياء اسمًا لطيفًا وهو "توقعات لأبنائهم"، لكن في الواقع، ليس هذا ما عليه الأمر. من الواضح أنهم يحاولون دفع أبنائهم إلى حفرة النار وإرسالهم إلى أحضان الأبالسة. إذا كنت والدًا جيدًا حقًا، فعليك أن تفي بمسؤولياتك فيما يتعلق بصحة أطفالك الجسدية والنفسية، بدلًا من فرض إرادتك عليهم قبل بلوغهم سن الرشد، وإجبار عقولهم الصغيرة على تحمل أشياء لا ينبغي لها تحملها. إذا كنت تحبهم وتعتز بهم حقًا، وتريد حقًا الوفاء بمسؤولياتك تجاههم، فعليك أن تعتني بأجسادهم وتحرص على صحتهم البدنية. بالطبع، يولد بعض الأطفال ضعفاء وبصحة معتلة. يمكن لوالديهم – إذا كانت ظروفهم تسمح بذلك حقًا – أن يعطوهم المزيد من المكملات الغذائية، أو الاستفسار من طبيب الطب الصيني التقليدي أو أخصائي تغذية، مظهرين قدرًا إضافيًا من الرعاية لهؤلاء الأطفال. إضافةً إلى ذلك، في كل مرحلة عمرية قبل بلوغ أبنائهم سن الرشد، من مرحلة الرضاعة والطفولة إلى مرحلة المراهقة، يجب على الآباء والأمهات أن يولوا اهتمامًا أكبر قليلاً لما يطرأ من تغيرات في الطباع الشخصية لأبنائهم وفي اهتماماتهم واحتياجاتهم فيما يتعلق باستكشاف إنسانيتهم، مظهرين لهم المزيد من الاهتمام. ينبغي عليهم أيضًا أن يقدموا لأبنائهم قدرًا من الإرشاد الإيجابي الإنساني والمساعدة والإمداد فيما يتعلق بالتغيرات النفسية والمفاهيم الخاطئة، وبعض الأمور غير المعروفة فيما يتعلق باحتياجات إنسانيتهم، مستخدمين في ذلك البصيرة العملية والخبرة والدروس التي اكتسبوها هم أنفسهم من خلال مرورهم بالأمور ذاتها. إذًا، ينبغي على الآباء والأمهات أن يساعدوا أبنائهم على أن ينشؤوا بسلاسة في كل مرحلة عمرية، وأن يتجنبوا اتخاذ الطرق الملتوية أو المنعطفات الخاطئة، أو الانحراف إلى التطرف. وعندما تصاب عقولهم الصغيرة المرتبكة بأذى أو تتعرض لضربة ما، فينبغي أن يتلقى الأبناء من والديهم العلاج السريع، وكذلك الاهتمام والحنان والرعاية والإرشاد. هذه هي المسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها. أما بالنسبة إلى ما يخطط له الأبناء لمستقبلهم، سواء كانوا يرغبون في أن يكونوا معلمين أو فنانين أو مسؤولين وما إلى ذلك، فإذا كانت خططهم معقولة، فيمكن للآباء تشجيعهم وتقديم قدر معين من المساعدة والعون لهم حسب ظروفهم وتعليمهم ومستوى قدراتهم وإنسانيتهم وظروفهم العائلية وما إلى ذلك. ورغم ذلك، لا ينبغي للآباء والأمهات أن يتجاوزوا نطاق قدراتهم الخاصة، فلا ينبغي أن يبيعوا سياراتهم أو بيوتهم أو كلياتهم أو دمائهم. لا داعي لفعل ذلك، أليس كذلك؟ (صحيح). ينبغي عليهم فقط أن يقدموا لأبنائهم قدرًا معينًا من المساعدة بحسب أفضل ما لديهم من قدرات كآباء وأمهات. إذا قال الابن: "أريد الالتحاق بالجامعة"، فيمكن للوالدين أن يقولا: "إذا أردت الالتحاق بالجامعة، فسأدعمك ولن أعارضك، لكن أسرتنا ليست ميسورة الحال. سأضطر من الآن فصاعدًا إلى ادخار بعض المال كل يوم من أجل سداد مصاريف دراستك الجامعية لمدة عام. وعندما يحين الوقت، إذا كنت قد ادخرت ما يكفي، فيمكنك الالتحاق بالجامعة. أما إذا لم أدخر ما يكفي، فسيتعين عليك أن تجد حلاً بنفسك". يجب أن يتوصل الآباء والأمهات إلى هذا النوع من الاتفاق مع أبنائهم، بحيث يتفقون ويتوصلون إلى توافق في الآراء معًا، ثم يحلون مشكلة احتياجات أبنائهم فيما يتعلق بمستقبلهم. وبطبيعة الحال، إذا لم يتمكن الوالدان من تحقيق ما لدى أبنائهم من خطط ومقاصد فيما يتعلق بمستقبلهم، فلا داعي لأن يشعروا بالذنب ويفكروا: "لقد خذلتُ أولادي، لست مقتدرًا، وقد كان على أبنائي أن يعانوا بسبب ذلك. أبناء الآخرين يأكلون جيدًا، ويرتدون ملابس من علامات تجارية مشهورة، ويتجولون بسياراتهم في الجامعة، وعندما يعودون إلى منازلهم يسافرون بالطائرة. يضطر أبنائي إلى السفر بالقطار على المقاعد الصلبة؛ لا يمكنني حتى تحمل تكاليف سفرهم في عربات النوم. لقد خذلت أبنائي!" لا داعي لأن يشعروا بالذنب، فهذه هي ظروفهم، وحتى لو باعوا كلياتهم، فلن يستطيعوا توفير هذه الأشياء، لذا عليهم أن يتقبلوا مصيرهم. لقد رتب الله لهم هذا النوع من البيئات، لذلك ليس على هؤلاء الآباء إلى الشعور بالذنب تجاه أبنائهم بأي شكل من الأشكال، قائلين: "لقد خذلتك. إذا لم تكن بارًا بنا في المستقبل، فلن أشتكي. إننا نفتقر إلى الكفاءة، ولم نوفر لك بيئة معيشية جيدة". لا داعي لأن يقولا ذلك. كل ما يحتاج إليه الآباء والأمهات هو الوفاء بمسؤولياتهم بضمائر صافية، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم، وأن يمكنوا أبناءهم من أن يكونوا أصحاء جسديًا وعقليًا. هذا يكفي. "الصحة" هنا لا تعني سوى أن يبذل الآباء والأمهات قصارى جهدهم للتأكد من أن أبناءهم لديهم أفكار إيجابية، وكذلك أفكار ومواقف إيجابية ونشطة ومتفائلة تجاه حياتهم اليومية ووجودهم. عندما يزعج الأبناء شيء ما، لا ينبغي أن يصابوا بنوبات غضب أو يحاولوا الانتحار أو يتسببوا في مشكلات لوالديهم أو يقرِّعوهما لكونهما غير مقتدرين فاشلين لا يستطيعان كسب المال، قائلين: "انظروا إلى آباء الآخرين. إنهم يقودون سيارات فارهة، ويعيشون في قصور، ويذهبون على متن سفن سياحية فاخرة، ويقومون برحلات إلى أوروبا. الآن انظروا إلينا، نحن لم نغادر حتى بلدتنا ولم نستقل القطار السريع!" إذا انتابتهم نوبات غضب كهذه، فكيف ينبغي لك أن تستجيب؟ يجب أن تقول: "أنت محق، هذا هو مدى عدم كفاءتنا. لقد ولدت في هذه الأسرة، وعليك أن تتقبل مصيرك. يمكنك كسب المال بنفسك في المستقبل إذا كنت مقتدرًا. لا تكن وقحًا معنا، ولا تطلب منا أن نفعل لك أشياء. لقد أوفينا بالفعل بمسؤولياتنا تجاهك، ولسنا مدينين لك بأي شيء. يومًا ما في المستقبل، ستصبح والدًا وستضطر أنت أيضًا إلى القيام بذلك". عندما يصبح لديهم أطفال، سيتعلمون أنه ليس من السهل على الوالدين كسب المال لإعالة أنفسهم وجميع أفراد أسرتهم صغارًا وكبارًا. الخلاصة أنه ينبغي عليك أن تعلمهم بعض المبادئ حول كيفية التصرف. عليك أن تعقد مع أبنائك شركة حول الإيمان بالله والسير في طريق السعي إلى الحق لتحقيق الخلاص، وعن بعض الأفكار والآراء الصحيحة التي فهمتها من الله، إذا كان باستطاعتهم أن يقبلوا ذلك. إذا كان أبناؤك على استعداد لقبول عمل الله والإيمان بالله معك، فهذا أفضل. إذا لم يكن لدى أبنائك هذا النوع من الاحتياج، فيكفيك أن تفي بمسؤولياتك تجاههم؛ ليس عليك أن تستمر في الثرثرة أو ذكر بعض الكلمات والتعاليم المتعلقة بالإيمان بالله لوعظهم بها. ما من حاجة إلى القيام بذلك. حتى لو كان أبناؤك لا يؤمنون، فما داموا يدعمونك، يمكنكم أن تكونوا أصدقاء جيدين، وأن تتحدثوا وتتناقشوا معًا في أي شيء. لا ينبغي أن تصبحوا أعداءً أو أن تشعر بالاستياء تجاههم، فثمة رابطة دم بينكم رغم كل شيء. إذا كان أبناؤك على استعداد للوفاء بمسؤولياتهم تجاهك، وإظهار برهم بك، وطاعتهم لك، فيمكنك أن تحافظ على علاقتك الأسرية معهم، وأن تتفاعل معهم بشكل طبيعي. لست بحاجة إلى أن تسب أبناءك أو تقرِّعهم باستمرار لأن لديهم آراء ووجهات نظر مختلفة عن آرائك ووجهات نظرك فيما يتعلق بالإيمان. لا داعي لذلك. لست بحاجة إلى أن تصبح متهورًا، أو أن تعتقد أن عدم إيمان أبنائك بالله أمر جلل، وكأنك قد فقدت حياتك ونفسك. الأمر ليس بهذه الخطورة. إذا كانوا لا يؤمنون، فمن الطبيعي أن يكون لهم طريقهم الخاص الذي اختاروا السير فيه. أنت أيضًا لديك طريق يجب أن تسلكه وواجب يجب أن تؤديه، وهذه الأمور لا علاقة لها بأبنائك. إذا كان أبناؤك غير مؤمنين فلا داعي لأن تصر على أن يؤمنوا. لعل الأمر أن الوقت المناسب لم يحن بعد، أو أن الله ببساطة لم يخترهم. إذا كان الله ببساطة لم يخترهم، وأنت تصر على إجبارهم على الإيمان، فأنت جاهل ومتمرد. بالطبع، إذا كان الله قد اختارهم، لكن الوقت المناسب لم يحن بعد، وأنت تطالب بأن يؤمنوا الآن، فسيكون الوقت مبكرًا جدًا. إذا أراد الله أن يتصرف، فلا يمكن لأي شخص أن يفلت من سيادته. إذا كان الله قد رتب لأبنائك أن يؤمنوا، فيمكنه أن يحقق ذلك بكلمة أو بفكرة. وإذا لم يكن الله قد رتب لهم أن يؤمنوا، فلن يتأثروا، وإذا لم يتأثروا، فلن تكون ثمة فائدة مهما تكلمت. إذا لم يؤمن أبناؤك فلن تكون مدينًا لهم؛ وإذا آمن أبناؤك فلن يكون هذا بفضلك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). بغض النظر عما إذا كان بينك وبين أولادك أهداف مشتركة بخصوص الإيمان أو إذا كان لكما التفكير نفسه في هذا الشأن، فيجب في أي حال أن تفي بمسؤولياتك تجاههم. إن كنت قد أوفيت بهذه المسؤوليات فهذا لا يعني أنك قد أحسنت إليهم، وإن لم يؤمن أبناؤك فهذا لا يعني أنك مدين لهم، لأنك قد أوفيت بمسؤولياتك، وذلك كل ما في الأمر. تبقى علاقتك مع أبنائك على حالها، ويمكنك الاستمرار في التفاعل معهم كما كنت تفعل من قبل. عندما يواجه أبناؤك صعوبات، يجب عليك مساعدتهم بقدر ما تستطيع. إذا كانت ظروفك المادية تتيح لك مساعدة أبنائك فعليك أن تفعل ذلك، وإذا كنت قادرًا على تصحيح أفكار أبنائك وآرائهم على المستوى النفسي أو العقلي وأن تقدم لهم قدرًا من الإرشاد والمساعدة مما يمكّنهم من الخروج من معضلاتهم فهذا أمر جيد جدًا. الخلاصة أنه ما يجب على الآباء والأمهات القيام به قبل بلوغ أبنائهم سن الرشد هو القيام بمسؤوليات الوالدين، ومعرفة ما يريد الأبناء عمله، ومعرفة اهتمامات الأبناء وطموحاتهم. إذا كان الأبناء يريدون قتل الناس، وإشعال النار في الأشياء، وارتكاب الجرائم، فعلى الوالدين تأديبهم بجدية أو حتى معاقبتهم. أما إذا كانوا أبناء مطيعين، ولا يختلفون عن أي أبناء عاديين آخرين، ويحسنون السلوك في المدرسة، ويفعلون كل ما يأمرهم به آباؤهم، فعلى آبائهم أن يقوموا بمسؤولياتهم تجاههم فحسب. بخلاف الوفاء بمسؤولياتهم، فإن ما يسمى بالتوقعات والمتطلبات والتفكير في مستقبلهم كلها أمور زائدة عن الحاجة. لماذا أقول إنها زائدة عن الحاجة؟ لأن مصير كل شخص مُقَدَّرٌ من الله، ولا يمكن أن يقرره والداه. أيًا كانت توقعات الآباء لأبنائهم، فمن المستحيل أن تتحقق كلها في المستقبل. لا يمكن لهذه التوقعات أن تحدد مستقبل الأبناء أو حياتهم. مهما عظمت توقعات الوالدين لأبنائهم، أو مهما كانت التضحيات أو الأثمان التي يقدمونها من أجل تلك التوقعات، فذلك كله سدى؛ فهذه الأمور لا يمكن أن تؤثر في مستقبل أبنائهم أو حياتهم. لذلك، يجب على الآباء والأمهات عدم القيام بأشياء حمقاء. يجب عليهم ألا يقدموا تضحيات لا داعي لها من أجل أبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد، وبطبيعة الحال يجب ألا يشعروا بالتوتر الشديد حيال ذلك. إن تربية الأطفال تتعلق بتعلم الآباء والأمهات بينما يكتسبون أيضًا أنواعًا مختلفة من الخبرات من خلال المرور ببيئات مختلفة، ومن ثم تمكين أبنائهم تدريجيًا من جني الفوائد منها. هذا كل ما يتعين على الوالدين القيام به. أما فيما يخص مستقبل الأبناء ومسارات حياتهم المستقبلية، فهذه الأمور لا علاقة لها بتوقعات والديهم. وهذا يعني أن توقعات والديك لا يمكن أن تحدد مستقبلك. ليس الأمر كما لو أن توقعات والديك الكبيرة لك، أو توقعاتهم لأشياء عظيمة منك تعني أنك ستتمكن من الازدهار والعيش الرغد، وليس الأمر كما لو أن عدم وجود توقعات من والديك تجاهك يعني أنك ستصبح متسولًا. لا توجد علاقة ضرورية بين هذه الأمور. أخبرني، هل هذه الموضوعات التي عقدت الشركة حولها سهلة الفهم؟ هل من السهل على الناس تحقيق هذه الأمور؟ هل هي صعبة؟ ليس على الآباء والأمهات سوى الوفاء بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم وتربيتهم وتنشئتهم ليصبحوا راشدين؛ ليس عليهم سوى تربية أبنائهم ليصبحوا أفرادًا موهوبين. هل من السهل تحقيق ذلك؟ (هو كذلك). هذا أمر يسهل القيام به؛ أنت لست بحاجة إلى تحمل أي مسؤولية عن مستقبل أبنائك أو حياتهم، أو وضع أي خطط لهم، أو أن تفترض مسبقًا أي نوع من الأشخاص سيصبحون عليه، أو أي نوع من الحياة ستكون لهم في المستقبل، أو في أي نوع من الدوائر الاجتماعية سيوجدون لاحقًا، أو كيف ستكون جودة حياتهم في هذا العالم في المستقبل، أو بأي نوع من المكانة سيحظون بين الناس. ليس عليك أن تفترض هذه الأمور مسبقًا أو تتحكم فيها؛ كل ما عليك فعله ببساطة هو الوفاء بمسؤولياتك كأب أو أم. الأمر بهذه السهولة. عندما يصل أطفالك إلى سن المدرسة، يجب عليك إيجاد مدرسة وإلحاقهم بها، ودفع رسوم دراستهم عند الحاجة، ودفع مقابل كل ما يحتاجون إليه في المدرسة. يكفي فقط الوفاء بهذه المسؤوليات. فيما يتعلق بما يأكلونه ويلبسونه على مدار العام، ما عليك سوى الاعتناء بأجسادهم المادية تبعًا للظروف. لا تسمح بأن يظل بهم مرض دون علاج خلال الفترة التي تسبق بلوغهم سن الرشد، بينما لا يفهمون كيفية العناية بأجسادهم. سارع بتصحيح عيوبهم وعاداتهم السيئة، وساعدهم على تنمية عادات الحياة الجيدة، ثم انصح عقولهم وأرشدها، واحرص على عدم انحرافهم إلى التطرف. إذا كانوا يحبون بعض الأمور الشريرة في العالم، ولكن كان لا يزال بوسعك أن ترى أنهم أبناء صالحين، وأنهم قد تأثروا فحسب بالاتجاهات الشريرة في العالم، فعليك أن تسارع إلى تقويمهم ومساعدتهم على إصلاح عيوبهم وعاداتهم السيئة. هذه هي المسؤوليات التي يجب أن يفي بها الآباء والأمهات والوظائف التي يجب أن يقوموا بها. لا ينبغي للوالدين أن يدفعوا أبنائهم نحو اتجاهات المجتمع، ولا ينبغي أن يجعلوا أبناءهم يتحملون مختلف أنواع الضغوط، والتي لا ينبغي أن يتحملها سوى الكبار، في وقت مبكر جدًا بينما لم يبلغوا سن الرشد بعد. لا ينبغي على الآباء أن يفعلوا هذه الأشياء. هذه أشياء بسيطة يمكن تحقيقها، لكن بعض الناس لا يستطيعون تحقيقها. لأن هؤلاء الناس لا يستطيعون التخلي عن سعيهم وراء الهيبة والربح الدنيويين، أو اتجاهات العالم الشريرة، ولأنهم يخشون أن يستبعدهم العالم، فإنهم قبل أن يبلغ أبنائهم سن الرشد، يجعلونهم يندمجون في المجتمع في وقت مبكر جدًا ويتكيفون مع المجتمع بسرعة كبيرة على المستوى الذهني. إذا كان لدى الأبناء مثل هؤلاء الآباء والأمهات، فهم غير محظوظين. ومهما كانت الأساليب أو الذرائع التي يحبهم بها آباؤهم وأمهاتهم ويعزّونهم ويدفعون الثمن من أجلهم، فليست هذه بالضرورة أمورًا جيدة بالنسبة إلى أبناء هذه الأسر، بل يمكن القول إنها من أنواع الكوارث. وهذا لأن ما يجلبه هؤلاء الآباء والأمهات على عقول أبنائهم الصغار من وراء توقعاتهم الأبوية هو الخراب. أو بعبارة أخرى، فإن توقعات هؤلاء الآباء والأمهات ليست في الواقع توقعات تتعلق في الحقيقة بأن يتمتع أبنائهم بعقول وأجساد صحية، بل هي مجرد توقعات بأن يتمكن أبناؤهم من ترسيخ أنفسهم في المجتمع، وتجنب أن يستبعدهم المجتمع. الهدف من توقعاتهم هو أن يعيش أبناؤهم حياة طيبة، أو أن يكونوا متفوقين على الآخرين، وأن يتجنبوا أن يصبحوا متسولين، وأن يتجنبوا أن يتعرضوا لتمييز الآخرين ضدهم أو استقوائهم عليهم، وأن يندمجوا في الاتجاهات الشريرة والجماعات الشريرة من الناس. هل هذه أمور جيدة؟ (كلا). لذلك، لا تحتاجون إلى أن تأخذوا هذه الأنواع من التوقعات الأبوية على محمل الجد. إذا كان لدى والداك هذا النوع من التوقعات لك من قبل، أو إذا كانا قد دفعا أثمانًا كثيرة لتحقيق توقعاتهما لك، لذلك تشعر بأنك مدين لهما وتنوي أن تستغل حياتك كلها لتسديد الأثمان التي دفعاها من أجلك؛ إذا كانت لديك هذه الفكرة والرغبة، فعليك أن تتخلى عنها اليوم. أنت لا تدين لهما بأي شيء، بل إن والديك هما اللذان دمراك وأصاباك بالشلل. لم يفشلا فحسب في الوفاء بمسؤولياتهما كأبوين، بل على العكس، لقد أذياك، وألحقا بعقلك الصغير العديد من الإصابات، وخلفا وراءهما مجموعة كبيرة من الذكريات والبصمات السلبية. باختصار، مثل هؤلاء الآباء ليسوا آباءً صالحين. إذا كان والداك، في طريقة تعليمهما لك وتأثيرهما عليك وحديثهما معك قبل بلوغك سن الرشد، يأملان دائمًا أن تجتهد في دراستك وتنجح ولا ينتهي بك الأمر إلى أن تكون عاملًا، وأن تحظى حتمًا بآفاق جيدة في المستقبل، وأن تصبح مصدر فخر وفرح لهما، وتجلب لهما الشرف والمجد، فيجب عليك منذ اليوم أن تفلت من عطفهما المزعوم، ولا داعي لأن تأخذهما على محمل الجد. أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). هذه هي التوقعات التي يتوقعها الآباء من أبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد.

تظل طبيعة توقعات الوالدين لأبنائهم كما هي بعد بلوغ أبنائهم سن الرشد. على الرغم من أنَّ أبناءهم الراشدين يمكنهم التفكير باستقلالية والتواصل والتحدث ومناقشة الأمور معهم من مكانة الراشدين ومنظورهم، يظل الآباء والأمهات يحملون التوقعات نفسها لأبنائهم من منظور الأب أو الأم. تتحول توقعاتهم من توقعات لصغير لم يبلغ سن الرشد بعد إلى توقعات لشخص راشد. وعلى الرغم من أن توقعات الوالدين للراشدين تختلف عن توقعاتهم للصغار الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، فإنَّ الآباء بوصفهم أناسًا عاديين وفاسدين وأفرادًا في المجتمع والعالم، يظلون يحملون لأبنائهم الأنواع نفسها من التوقعات. إنهم يأملون أن تسير الأمور بسلاسة بالنسبة إلى أبنائهم في العمل، وأن تكون زيجاتهم سعيدة وأسرهم مثالية، وأن يحصلوا على زيادات في الرواتب وترقيات، وأن ينالوا تقدير رؤسائهم، وأن تسير أمورهم في وظائفهم بشكل جيد للغاية، دون أن يواجهوا أي صعوبات. ما فائدة هذه التوقعات؟ (إنها عديمة الفائدة). إنها عديمة الفائدة، وغير ضرورية. يعتقد الوالدان أنهما يستطيعان قراءة أفكارك لأنهما من قاما بتربيتك ودعمك، وبالتالي يعتقدان أنهما يعرفان كل شيء عما تفكر فيه، وما تريده، وما هي طباعك الشخصية، رغم أنك الآن راشد. وعلى الرغم من أنك راشد مستقل، ويمكنك كسب المال لإعالة نفسك، فإنهما لا يزالان يشعران أنه بإمكانهما التحكم بك، وأنه لا يزال لديهما الحق في التحدث بشأن أي شيء يخصك والانخراط فيه واتخاذ القرارات والتدخل فيه أو حتى الهيمنة عليه. أي إنهما يظنان أنه يمكن أن يكون لهما القول الفصل. عندما يتعلق الأمر بالزواج على سبيل المثال، إذا كنت تواعد فتاة ما، فسيقول والداك على الفور: "هذا ليس جيدًا، فهي لا تتمتع بنفس المستوى التعليمي الذي تتمتع به أنت، وهي ليست جميلة جدًا، وعائلتها تعيش في الريف. وبعد أن تتزوجها، سيأتي أقاربها من الريف في مجموعة كبيرة، ولن يعرفوا كيفية استخدام الحمَّام، وسيجعلون كل شيء قذرًا. لن تكون هذه الحياة جيدة لك بالتأكيد. هذا ليس جيدًا، أنا لا أوافق على زواجك منها!" أليس هذا تدخلاً؟ (بلى). أليس هذا بلا ضرورة ومثيرًا للاشمئزاز؟ (إنه بلا ضرورة). لا يزال يتعين على الأبناء والبنات الحصول على موافقة والديهم عندما يبحثون عن شركاء الحياة. وبالتالي، ثمة بعض الأبناء الآن لا يخبرون آباءهم وأمهاتهم أنهم وجدوا شركاء حياة، فقط لتجنب تدخلهم. عندما يسألهم آباؤهم وأمهاتهم: "هل لديك شريك حياة؟"، يقولون: "لا، لا يزال الوقت مبكرًا، ما زلت صغيرًا، لا داعي للعجلة"، لكنهم في الواقع لديهم شركاء حياة منذ عامين أو ثلاثة بالفعل؛ هم فحسب لم يخبروا والديهم بذلك. ولماذا لا يخبرون والديهم بذلك؟ لأن والديهم يرغبان في التدخل في كل شيء؛ إنهما صعبا الإرضاء، لذا لا يخبرانهما عن شركاء حياتهم. وعندما يكونون مستعدين للزواج، يحضرون شركاء حياتهم مباشرة إلى منزل والديهم ويسألونهما: "هل توافقان؟ سأتزوج غدًا. هذه هي الطريقة التي سأتعامل بها مع هذا الأمر، سواء وافقتما أم لا. إذا لم توافقا، فسنمضي قدمًا رغم ذلك وننجب أطفالًا". هؤلاء الآباء والأمهات يتدخلون كثيرًا في شؤون أبنائهم، ويتدخلون حتى في زواجهم. وما دام شركاء الحياة الذين يجدهم أبناؤهم ليسوا ما يأملانه، أو إذا لم ينسجما معهم، أو إذا لم يُعجبا بهم، فسيحاولان التفريق بين أبنائهم وشركاء حياتهم. وإذا لم يوافق أبناؤهم على ذلك، فسينتحبون ويثيرون ضجة ويهددون بقتل أنفسهم، لدرجة أن أولادهم لن يعرفوا هل يبكون أم يضحكون؛ لن يعرفوا ماذا يفعلون. يوجد أيضًا بعض الأبناء والبنات الذين يقولون إنهم كبار في السن ولا يريدون الزواج، فيقول لهم آباؤهم وأمهاتهم: "هذا ليس جيدًا. كنت أتمنى أن تكبر وتتزوج وتنجب أطفالًا. لقد رأيتك تكبر، والآن أريد أن أراك تتزوج وتنجب أطفالًا، يمكنني عندئذ أن أرقد في سلام. لن أتمكن أبدًا من تحقيق هذه الأمنية. إن لم تتزوج. لن أتمكن من الموت، وإذا مت، فلن أموت في سلام. يجب أن تتزوج، فأسرع وابحث عن شريكة حياة. لا بأس، حتى لو وجدت شريكة حياة مؤقتة فحسب، ودعني ألقي نظرة عليها". أليس هذا تدخلاً؟ (إنه كذلك). فيما يتعلق باختيار أبنائهم الراشدين لشركاء الحياة، يمكن للوالدين تقديم المشورة المناسبة، ويمكنهم تذكير أبنائهم أو مساعدتهم في التحقق من شركاء حياتهم، لكن لا ينبغي لهما التدخل، ولا ينبغي لهما مساعدة أبنائهم في اتخاذ القرار؛ فالأبناء لديهم مشاعرهم الخاصة بشأن ما إذا كانوا يحبون شركاء حياتهم، وما إذا كانا منسجمين، وما إذا كانت لديهما اهتمامات مشتركة، وما إذا كانا سيسعدان معًا في المستقبل. لا يعرف الآباء بالضرورة هذه الأمور، وحتى لو عرفوها، فيمكنهم فقط تقديم الاقتراحات، ولا يجب أن يعرقلوا الأمر بشكل صارخ أو أن يتدخلوا بشكل حاد. يوجد حتى بعض الآباء الذين يقولون: "عندما يعثر ابني أو ابنتي على شريك حياة، يجب أن يكون من طبقة اجتماعية مكافئة لطبقة عائلتي، وإن لم يكن كذلك، وكانت لديه بعض الدوافع تجاه ابني أو ابنتي، فلن أسمح لهما بالزواج، وسأضطر إلى عرقلة خططهما. إذا أراد ذلك الشخص دخول منزلي، فلن أسمح له!". هل هذا التوقع مناسب؟ هل هو عقلاني؟ (ليس عقلانيًا). هذه مسألة مهمة في حياة أبنائهم، وتدخل الآباء والأمهات في هذه المسألة أمر غير عقلاني. ولكن من وجهة نظر هؤلاء الآباء والأمهات، ثمة سبب أكبر حتى من ذلك للتدخل في الأمور المهمة في حياة أبنائهم. إذا وجد أبناؤهم عرضًا أصدقاء من الجنس الآخر ليتحدثوا معهم، فلن يتدخل الوالدان في الأمر، لكن إذا كان الأمر يتعلق بمسألة الزواج العظيمة الأهمية، فسيعتقدان أنه يجب عليهما التدخل، بل إن ثمة آباء يبذلون جهدًا كبيرًا في التجسس على أبنائهم، ويبحثون عن أفراد الجنس الآخر الذين يحتفظون لهم على هواتفهم وحواسيبهم بتفاصيل الاتصال الخاصة بهم ومعلومات عنهم، وهم يتدخلون ويترصدون أبناءهم، لدرجة أن الأبناء لا يجدون أمامهم أي ملجأ، حيث لا يستطيعون أن يقاوموا أو يجادلوا أو يتهربوا من هذه العقبة. هل هذه طريقة مناسبة ليتصرف بها الوالدان؟ (لا). إذا تسبب الآباء والأمهات في أن يضيق أبناؤهم بهم، فهذا يسمى إثارة للمتاعب، أليس كذلك؟ لا يزال ما يجب أن يفعله الآباء لأبنائهم الراشدين هو أن يقوموا بمسؤولياتهم والتزاماتهم بوصفهم آباءً وأمهات، وأن يساعدوهم في مسارات حياتهم المستقبلية، وأن يقدموا لهم بعض النصائح المعقولة والقيِّمة وكذلك الحث والنصح، حتى يتجنبوا أن يُخدَعوا في العمل أو عند احتكاكهم بمختلف أنواع الأشخاص والأحداث والأشياء، ويتجنبوا أن يسلكوا طرقًا ملتوية أو يقابلوا متاعب لا داعي لها أو حتى أن يتعرضوا للمقاضاة. ينبغي على الآباء والأمهات أن يقفوا من منظور الشخص صاحب الخبرة، وأن يقدموا لأبنائهم بعض النصائح والنقاط المرجعية المفيدة والقيمة. وبخصوص إذا كان الأبناء سيستمعون إليهم أم لا، فهذا شأنهم الخاص. ليس على الآباء والأمهات سوى الوفاء بمسؤولياتهم. لا يمكن للآباء والأمهات التأثير في مقدار المعاناة التي سيختبرها أبناؤهم، أو مقدار الألم الذي سيتحملونه، أو عدد البركات التي سيتمتعون بها. إذا كان لا بد أن يتحمل أبناؤهم بعض المحن في هذه الحياة، وقد علموهم بالفعل الأشياء التي يحتاجون إلى تعلمها، لكنهم يظلون عنيدين جدًا عندما يحدث لهم شيء ما، فمن المفترض أن يعانوا وهذا مصيرهم، وليس على الآباء أن يلوموا أنفسهم، أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). في بعض الحالات، لا تسير زيجات الناس على ما يرام، فهم ليسوا على وفاق مع أزواجهم، ويقررون الطلاق، وبعد الطلاق، تحدث خلافات حول من سيربي الأبناء. كان آباء هؤلاء الأشخاص يأملون أن تسير أمورهم على ما يرام في وظائفهم، وأن تكون زيجاتهم سعيدة وهانئة، وألا تظهر أي خلافات أو مشكلات، ولكن في النهاية لم يسر أي شيء كما أرادوا. ونتيجةً لهذا، يقلق هؤلاء الآباء والأمهات على أبنائهم، فيبكون، ويشتكون إلى جيرانهم من ذلك، ويساعدون أبناءهم أو بناتهم في البحث عن محامين للقتال من أجل حضانة أبنائهم. يوجد حتى بعض الآباء والأمهات الذين يرون أن بناتهم قد ظُلمن فينهضون للقتال نيابة عنهن، ويذهبون إلى بيوت أزواجهن ويصرخون: "لماذا ظلمت ابنتي هكذا؟ لن أسمح بمرور هذه الإهانة مرور الكرام!". إنهم حتى يصطحبون معهم عائلاتهم الممتدة للتنفيس عن الغضب نيابة عن بناتهن، ويصل هذا إلى العراك. ونتيجة لذلك، يتسببون في ضجة كبيرة. لو لم تأت العائلة بأكملها لإثارة ضجة، ولو نُزع فتيل التوتر بين الزوج والزوجة ببطء، فربما لم يكن الطلاق ليقع بعد أن يكون الزوجان قد هدئا. لكن، لأن هذين الوالدين أثارا ضجة، تحول الأمر إلى مشكلة كبيرة؛ ولم يمكن إصلاح زواجهما المنهار، وحدث الشقاق. في نهاية الأمر، أحدثا ضجة كبيرة لدرجة أن زواج أبنائهم لم يمض بسلاسة، وكان على هؤلاء الآباء أن يقلقوا بشأن هذا الأمر أيضًا. أخبرني، هل كان هذا يستحق العناء؟ ماذا كانت الفائدة من انخراطهم في تلك الأمور؟ يعتقد جميع الآباء والأمهات أن عليهم مسؤولية كبيرة سواء كان الأمر يتعلق بزواج أبنائهم أو عملهم: "يجب أن أنخرط في الأمر، يجب أن أتتبعه وأراقبه عن كثب". إنهم يراقبون ما إذا كانت زيجات أبنائهم سعيدة أم لا، وما إذا كانت هناك أي مشكلات فيما يتعلق بالمودة لديهم، وما إذا كان أبناؤهم أو أصهارهم على علاقة غرامية. بعض الآباء والأمهات يتدخلون في جوانب كثيرة من حياة أبنائهم أو ينتقدونها أو هم حتى يضعون مخططات بخصوصها من أجل تلبية توقع ما لديهم بشأن زواج أبنائهم أو أشياء أخرى مختلفة، وهذا يؤثر تأثيرًا خطيرًا في النظام الطبيعي لحياة أبنائهم وعملهم. أليس الآباء والأمهات من هذا النوع ممقوتين؟ (بلى). يوجد حتى بعض الآباء الذين يتدخلون في أنماط حياة أبنائهم وعاداتهم الحياتية، وعندما لا يكون لديهم ما يفعلونه، يذهبون إلى منازل أبنائهم للاطمئنان على أحوال زوجات أبنائهم، أو للتحقق مما إذا كانوا يرسلون هدايا أو أموالاً إلى أسرهم سرًا، أو ما إذا كانوا على علاقة برجال آخرين. يرى أبناؤهم أنَّ هذه التصرفات منفرة وبغيضة حقًا. إذا استمر الوالدان على هذا المنوال، فسيشعر أبناؤهم بأن هذا أمر بغيض ومنفر، لذا من الواضح جدًا أن هذه الأفعال غير عقلانية. وبالطبع، إذا نظرنا إلى هذا الأمر من منظور آخر، فإن هذه الأفعال أيضًا غير أخلاقية وتفتقر إلى الإنسانية. مهما يكن نوع توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم، فبعد بلوغهم سن الرشد، يجب ألا ينخرط الآباء والأمهات في دوائر معيشتهم أو عملهم أو في أسرهم، ولا ينبغي بالطبع أن يحاولوا التدخل في جوانب حياتهم المختلفة أو التحكم فيها. يوجد حتى بعض الآباء والأمهات الذين يحبون المال حقًا، ويقولون لأبنائهم: "لكي تجني المزيد من المال بسرعة، عليك أن توسع نطاق عملك. انظر إلى ابن فلان، لقد وسَّع أعماله؛ حوَّل متجره الصغير إلى متجر كبير، وحوَّل هذا المتجر الكبير إلى سلسلة من المتاجر، والآن أصبح أبواه يأكلان ويشربان ما لذ وطاب معه. عليك كسب المزيد من المال. اكسب المزيد من المال وافتتح المزيد من المحلات التجارية، حينئذٍ يمكننا أن نتنعم بمجدك معك". بغض النظر عن الصعوبات التي يواجهها أبنائهم أو رغباتهم، لا يريد الآباء سوى إرضاء تفضيلاتهم الخاصة ورغباتهم الأنانية؛ لا يريدون سوى استخدام أبنائهم لكسب الكثير من المال من أجل تحقيق هدفهم في الاستمتاع بالملذات الجسدية. هذه كلها أشياء لا ينبغي أن يفعلها الآباء. هذه أشياء غير أخلاقية وتفتقر إلى الإنسانية، ومثل هؤلاء الآباء لا يقومون بمسؤولياتهم. ليس هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه الآباء تجاه أبنائهم الراشدين. بدلاً من ذلك، يستغل هؤلاء الآباء والأمهات أسبقيتهم ويتدخلون في حياة أبنائهم الراشدين وعملهم وزيجاتهم وما إلى ذلك، تحت ستار إظهار المسؤولية تجاه أبنائهم. وبغض النظر عن مدى اقتدار الأبناء الراشدين، أو مستوى قدراتهم، أو نوع مكانتهم في المجتمع، أو كم قد يبلغ دخلهم، فهذا هو المصير الذي قدَّره الله لهم، وهو تحت سيادة الله. لا ينبغي على الآباء أن يتدخلوا في نوع الحياة التي يعيشها أبناؤهم، إلا إذا كانوا لا يسلكون الطريق الصحيح، أو كانوا يخالفون القانون، وفي هذه الحالة يجب على الآباء تأديبهم بصرامة. لكن، في الظروف العادية، حيث يتمتع هؤلاء البالغون بسلامة العقل، ولديهم القدرة على العيش والبقاء على قيد الحياة بشكل مستقل، يجب على الآباء التراجع، لأن أبناءهم راشدون بالفعل. إذا كان الأبناء قد بلغوا للتو سن الرشد، وهم في سن العشرين أو الحادية والعشرين، ولا يزالون لا يعرفون عن مختلف المواقف المعقدة في المجتمع، أو كيف يسلكون في الحياة، ولا يفهمون كيفية التواصل الاجتماعي، ولديهم مهارات ضعيفة في البقاء، فيجب على هؤلاء الآباء أن يقدموا لهم بعض المساعدة المناسبة، ممكِّنين إياهم من الانتقال التدريجي إلى النقطة التي يستطيعون فيها العيش بشكل مستقل. وهذا ما يسمى بالوفاء بمسؤوليتهم. ولكن بمجرد أن يضعوا أبنائهم على المسار الصحيح، ويتمتع أبناؤهم بالقدرة على العيش بشكل مستقل، يجب على هؤلاء الآباء والأمهات الانسحاب. لا ينبغي أن يستمروا في معاملة أبناءهم كما لو أنهم لم يبلغوا سن الرشد بعد، أو كما لو كان لديهم قصور عقلي. لا ينبغي أن تكون لديهم أي توقعات غير واقعية من أبنائهم، أو أن يتدخلوا في حياة أبنائهم الخاصة أو في مواقفهم ووجهات نظرهم وأفعالهم بخصوص العمل والأسرة والزواج والأشخاص والأحداث، تحت ستار أن لديهم أي توقعات لهم. إذا قاموا بأي من هذه الأمور، فهم لا يفون بمسؤولياتهم.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.