كيفية السعي إلى الحق (17) الجزء الرابع

إن أكبر التوقعات التي يعلقها الوالدان على أبنائهم هي من ناحية، الأمل في أن يعيش أبناؤهم حياة جيدة، ومن ناحية أخرى، الأمل في أن يكون أبناؤهم إلى جانبهم ويسهرون على رعايتهم عندما يتقدمون في السن. على سبيل المثال، إذا مرض أحد الوالدين أو واجهته بعض الصعوبات في حياته، فإنه يأمل أن يكون أبناؤه قادرين على المساعدة في تبديد همومه وصعوباته ومشاركته هذا العبء، كما يأمل أن يكون أبناؤه إلى جانبه عندما يغادر هذا العالم، حتى يتمكن من رؤيتهم ثانية للمرة الأخيرة. وعادةً ما يكون هذان هما أكبر توقعين لدى الوالدين من أبنائهم، ومن الصعب التخلي عنهما. إذا مرض أحد والديّ شخص ما أو واجهته صعوبات ولم يسمع هو بالأمر، فمن الممكن أن تُحل هذه الأمور دون تدخله. لكن إذا علم بهذه الأمور بالفعل، فعادةً ما يجد صعوبة كبيرة في التغلب عليها، لا سيما عندما يصاب الوالدان بمرض خطير وشديد. في تلك الأوقات، يكون التخلي أشد صعوبة على الناس. عندما تشعر في أعماق قلبك أن والديك لا يزالان في الحالة البدنية، أو المعيشية، أو العملية التي كانا عليها قبل 10 أو 20 عامًا، وأنهما يستطيعان الاعتناء بنفسيهما، وأنهما يعيشان بشكل طبيعي، وأنهما لا يزالان بصحة جيدة، وشباب، وقوة، وعندما تشعر أنهما لا يحتاجان إليك، فلن تحمل في قلبك هذا القلق الكبير عليهما. ولكن عندما تعلم أن والديك قد دخلا في سن الشيخوخة، وأن جسديهما قد ضعفا، وأنهما بحاجة إلى من يرعاهما ويرافقهما، إن كنت في مكان آخر، فربما تشعر بالانزعاج، وتتأثر بذلك. بعض الناس يتخلون حتى عن واجباتهم، ويرغبون في العودة إلى بيوتهم لزيارة والديهم. وبعض الناس العاطفيين يتخذون خيارات غير عقلانية أكثر، فيقولون: "كنت لأهب 10 سنوات من حياتي لوالديّ لو كان باستطاعتي". وهناك أيضًا بعض الناس الذين يصرون على طلب البركات لوالديهم، فهم يشترون جميع أنواع المنتجات الصحية والمكملات الغذائية لوالديهم، وعندما يعلمون أن والديهم مريضين مرضًا خطيرًا، تحاصرهم مشاعرهم رغمًا عنهم، ويتمنون أن يسرعوا إلى جانب والديهم على الفور. يقول بعض الناس: "أنا على استعداد حتى لتحمل هذا المرض بدلًا من والديّ"، غير آبهين بالواجب الذي ينبغي لهم القيام به، ومتجاهلين إرسالية الله. لذا، من المرجح جدًا في هذه الظروف أن يصبح الناس ضعفاء ويسقطون في الغواية. هل ستبكون إذا سمعتم خبرًا عن مرض والديكم بمرض خطير؟ يتلقى بعض الناس على وجه التحديد رسائل من المنزل تقول إن الطبيب قد أعطى بالفعل إشعاره النهائي. ماذا تعني عبارة "أعطى إشعاره النهائي"؟ من السهل تفسير هذه العبارة. إنها تعني أن والديّ هؤلاء الناس سيموتون في غضون أيام قليلة. في وقت كهذا قد تفكر: "والداي في الخمسينات من العمر فحسب. لا ينبغي أن يحدث هذا. أي مرض أصابهما؟" وعندما يكون الجواب "السرطان"، ستفكر على الفور: "كيف أصيبا به؟ لقد كنت غائبًا طوال هذه السنوات، لقد كانا يفتقدانني، وحياتهما صعبة للغاية، فهل هذا هو سبب إصابتهما بهذا المرض؟" ستسارع عندئذ إلى إلقاء كل اللوم على نفسك قائلًا: "حياة والداي صعبة للغاية، ولم أكن أساعد بمشاركتي في أعبائهما. لقد كانا يفتقدانني ويقلقان عليّ، ولم أبقَ إلى جانبهما. لقد خذلتهما، وجعلتهما يعانيان من ألم افتقادهما لي طوال الوقت. لقد قضى والداي الكثير من الوقت في تربيتي، ومن أجل ماذا؟ كل ما فعلته هو أنني جعلتهما يعانيان!" وكلما فكرت أكثر في الأمر، زاد اعتقادك بأنك خذلتهما، وأنك مدين لهما. ثم تفكر: "لا، هذا ليس صحيحًا. أنا مؤمن بالله، وأؤدي واجب الكائن المخلوق، وأكمل إرسالية الله. لم أخذل أحدًا". لكنك ستفكر بعد ذلك: "والداي كبيران في السن، وليس لديهما أي أبناء إلى جانبهما لرعايتهما. فماذا استفادا من تربيتهما لي إذًا؟" تظل تتحرك جيئة وذهابًا، غير قادر على التغلب على ذلك مهما فكرت في الأمر. لن تبكي فحسب، بل ستسقط في براثن مشاعرك المتشابكة تجاه والديك. هل يسهل التخلي في هذه الظروف؟ ستقول: "لقد أنجبني والداي وربياني. لم يتوقعا مني أن أصبح ثريًا جدًا، ولم يطلبا مني أبدًا أي شيء مبالغ فيه. كانا يأملان فحسب أن أكون إلى جانبهما عندما يمرضان ويحتاجان إليّ، وأن أرافقهما وأخفف من معاناتهما. وحتى هذا لم أفعله!" كنت ستبكي منذ اليوم الذي سمعت فيه خبر مرض والديك الشديد حتى يوم وفاتهما. هل ستحزنون إن واجهتم مثل هذا النوع من المواقف؟ هل ستبكون؟ هل ستذرفون الدموع؟ (نعم). في تلك اللحظة، هل ستتراجع عزيمتك ورغبتك؟ هل ستشعر برغبة ملحة في العودة بسرعة وتهور إلى جانب والديك؟ هل ستفكر في أعماق قلبك أنك كنت ناكرًا للجميل غير مبال، وأن والديك قد ربياك هباءً؟ هل ستظل تشعر بالخجل من مواجهة والديك؟ هل ستستمر في تذكّر الإحسان الذي أظهره لك والداك بتربيتك، وكم كانا طيبان معك؟ (نعم). هل ستتخلى عن واجبك؟ هل ستحاول أن تبذل كل ما في وسعك لمعرفة آخر أخبار والديك من الأصدقاء أو من الإخوة والأخوات؟ سيمتلك كل الناس هذه المظاهر، أليس كذلك؟ هل من السهل معالجة هذا الأمر إذًا؟ كيف ينبغي أن تفهم مثل هذه الأمور؟ كيف ينبغي لك أن تنظر إلى مسألة المرض أو نوع المصائب الكبيرة التي تصيب والديك؟ إذا تمكنت من إدراك حقيقة هذا الأمر، فستتمكن من التخلي، وإذا لم تستطع ذلك، فلن تستطيع التخلي. أنت تعتقد دائمًا أن كل ما عاناه والداك وواجهاه مرتبط بك، وأنه ينبغي لك أن تشاركهما هذه الأعباء؛ أنت تلوم نفسك دائمًا، وتعتقد دائمًا أن لهذه الأمور علاقة بك، ودائمًا ما تريد أن تتدخل في الأمر. هل هذه الفكرة صحيحة؟ (كلا). لماذا؟ كيف يجب أن تنظر إلى هذه الأمور؟ ما المظاهر الطبيعية؟ وما المظاهر غير الطبيعية، وغير المنطقية، وغير المتوافقة مع الحق؟ سنتحدث عن المظاهر الطبيعية أولًا. الناس جميعًا وُلِدوا من خلال والديهم؛ فهم من الجسد ولديهم مشاعر. المشاعر جزء من الإنسانية، ولا يمكن لأحد أن يتجنبها. كل شخص لديه مشاعر؛ حتى الحيوانات الصغيرة لديها مشاعر، فما بالك بالبشر. مشاعر بعض الناس أقوى قليلًا، ومشاعر بعض الناس أضعف قليلًا. ولكن كل الناس لديهم مشاعر مهما كانت الظروف. وسواء كان ذلك نابعًا من مشاعرهم، أو إنسانيتهم، أو عقلانيتهم، فإن جميع الناس سيشعرون بالضيق عند سماعهم أن والديهم قد مرِضا، أو واجها بعض المصائب الكبيرة، أو واجها معاناة. كل شخصٍ سيشعر بالضيق. من الطبيعي جدًا أن يشعر الإنسان بالضيق، فهذه غريزة إنسانية، وهو أمرٌ يمتلكه الناس في إنسانيتهم ومشاعرهم. ومن الطبيعي جدًا أن يظهر ذلك في الناس. عندما يمرض الوالدان مرضًا شديدًا أو يتعرضان لمصيبة كبيرة، من الطبيعي جدًا أن يشعر الناس بالحزن، وأن يبكوا، ويشعروا بالكبت، ويفكروا في طرق لحل المشكلات ومشاركة الوالدين في تحمل العبء. بالنسبة إلى بعض الناس، سيؤثر ذلك حتى في أجسادهم؛ إذ لن يتمكنوا من تناول الطعام، وسيشعرون بضيق في صدورهم، وستكون معنوياتهم منخفضة طوال اليوم. هذه كلها مظاهر للعواطف، وكلها طبيعية جدًا. لا يجب أن ينتقدك الناس بسبب هذه المظاهر الطبيعية؛ ولا يجب أن تحاول تجنب هذه المظاهر، وبالتأكيد لا يجب أن تقبل انتقاد أي شخص آخر لها. إذا كانت لديك هذه المظاهر، فهذا يثبت أن مشاعرك تجاه والديك حقيقية، وأنك شخص يمتلك وعي الضمير، وأنك شخص عادي وطبيعي. لا ينبغي لأحد أن ينتقدك لامتلاكك هذه التدفقات العاطفية، أو لامتلاكك هذه الاحتياجات العاطفية. هذه المظاهر كلها تقع في نطاق العقلانية والضمير. إذًا، ما المظاهر غير الطبيعية؟ المظاهر غير الطبيعية هي تلك التي تتجاوز نطاق العقلانية، وهي عندما يندفع الناس بمجرد أن تصيبهم هذه الأمور، ويريدون أن يتخلوا عن كل شيء على الفور ليعودوا إلى جانب والديهم، ويسارعون إلى إلقاء اللوم كله على أنفسهم، ويتخلون عن الطموحات، والرغبات والعزيمة التي كانت لديهم في يوم من الأيام، بل وحتى عن الإيمان الذي أقسموا به أمام الله. إن هذه المظاهر غير طبيعية، وتتجاوز العقلانية، فهي شديدة الاندفاع! عندما يختار الناس طريقًا ما، فليس الأمر كما لو كان بإمكانهم اختيار الطريق الصحيح والصائب في فورة التهور. إن اختيارك للسير في طريق أداء الواجب واختيارك لأداء واجب الكائن المخلوق ليس بالأمر الهيّن، وهو أمر لا يمكن أن يحل محله شيء آخر. إنه بالتأكيد ليس اختيارًا يمكن اتخاذه في فورة من التهور. وعلاوة على ذلك، هذا هو الطريق الصحيح، فلا ينبغي لك أن تغير قرارك بالسير في الطريق الصحيح في الحياة بسبب البيئات، والناس، والأحداث، والأشياء التي تحيط بك. هذه هي العقلانية التي يجب أن تتحلى بها. سواء أكان الأمر يتعلق بوالديك أو أي نوع من التغييرات الكبيرة، فلا ينبغي أن يؤثر ذلك في أهم شيء وهو قيامك بواجب الكائن المخلوق. هذا جانب من الأمر. والجانب الآخر هو أنه عندما يتعلق الأمر بكيفية إصابة والديك بالمرض، ومتى يبدآن في المعاناة منه، وما العواقب التي يمكن أن تترتب عليه، هل أنت من يقرر هذه الأمور؟ قد تقول: "ربما حدث هذا لأنني لم أكن ابنًا بارًا. لو كنت قد أمضيت هذه السنوات وأنا أجتهد في كسب المال والعمل، وكنت ميسورًا ماديًا، لكان بإمكانهما علاج هذا المرض في وقت أبكر، ولما ساءت حالتهما إلى هذا الحد. هذا لأنني كنت غير بار بهما". هل هذه الفكرة صحيحة؟ (كلا). إذا كان الشخص يمتلك المال، فهل يعني هذا بالضرورة أنه سيتمكن من شراء الصحة الجيدة وتجنب الإصابة بالمرض؟ (كلا). هل الأغنياء في هذا العالم لا يمرضون أبدًا؟ من اللحظة التي يشعر فيها الشخص بأنه سيمرض، إلى أن يصاب بالمرض، وإلى أن يموت في نهاية المطاف، كل هذا مقدّر من الله. كيف يمكن لأي شخص أن يقرر هذا؟ كيف يمكن لامتلاك المال أو عدم امتلاكه أن يحدد هذا؟ كيف يمكن لبيئة المرء أن تحدد هذا؟ كل هذا تحدده سيادة الله وترتيباته. لذلك، لا تحتاج إلى الإفراط في تحليل مسألة إصابة والديك بمرض خطير، أو مواجهة بعض المصائب الكبرى أو تمحيصها، وبالتأكيد لا ينبغي لك أن تبذل طاقة في ذلك، إذ لن يكون لذلك أي جدوى. إن ولادة الناس، وشيخوختهم، ومرضهم، وموتهم، ومواجهتهم لمختلف الأمور الكبيرة والصغيرة في الحياة هي أمور طبيعية جدًا. إذا كنت راشدًا، فيجب أن يكون لديك طريقة تفكير ناضجة، ويجب أن تتعامل مع هذا الأمر بهدوء وبشكل صحيح: "والداي مريضان. يقول بعض الناس إن السبب في ذلك هو أنهما افتقداني كثيرًا، هل هذا ممكن؟ لقد افتقداني بالتأكيد؛ كيف يمكن لشخص ألا يفتقد ابنه؟ لقد افتقدتهما أنا أيضًا، فلماذا لم أمرض؟" هل يمرض أي شخص لأنه يفتقد أبناءه؟ ليس هذا هو الحال. إذًا، ما الذي يحدث عندما يواجه الوالدان هذه الأمور المهمة؟ لا يمكن أن يقال سوى أن الله قد نظم هذا النوع من الأمور في حياتهما. لقد نظمته يد الله – لا يمكنك التركيز على الأسباب والمسببات الموضوعية – كان من المفترض أن يواجه والداك هذا الأمر عندما بلغا هذا العمر، كان من المفترض أن يُصابا بهذا المرض. هل كان بوسعهما تجنبه لو كنت متواجدًا؟ لو لم يقدّر الله لهما أن يصابا بالمرض كجزء من مصيريهما، لما حدث لهما شيء، حتى لو لم تكن معهما. إذا كان مُقَدَّرًا لهما أن يواجها هذا النوع من المصائب الكبرى في حياتهما، فماذا كان ليكون تأثيرك لو كنت إلى جانبهما؟ كانا سيظلان غير قادرين على تجنبه، أليس كذلك؟ (بلى). فكر في هؤلاء الناس الذين لا يؤمنون بالله؛ أليست عائلاتهم جميعًا معًا، عامًا بعد عام؟ عندما يواجه هؤلاء الآباء والأمهات مصيبة كبيرة، فإن أفراد عائلتهم الممتدة وأبناءهم جميعًا معهم، أليس كذلك؟ عندما يمرض الوالدان، أو عندما يشتد مرضهما، هل يكون السبب في ذلك هو أن أولادهما قد تركوهما؟ ليس الأمر كذلك، بل هو أمر مُقدَّر الحدوث. كل ما في الأمر أنك، كابن لهما، ولأنك تربطك بوالديك رابطة دم، ستشعر بالضيق عندما تسمع بمرضهما، بينما لن يشعر الآخرون بأي شيء. هذا أمر طبيعي جدًا. ومع ذلك، فإن مواجهة والديك لهذا النوع من المصائب الكبيرة لا يعني أنك بحاجة إلى التحليل والتحقيق، أو التفكير في كيفية التخلص منه أو حله. والداك راشدان، وقد واجها هذا الأمر أكثر من مرة في المجتمع. إذا هيأ الله بيئة لتخليصهما من هذا الأمر، فعاجلًا أو آجلًا، سيختفي هذا الأمر تمامًا. إذا كان هذا الأمر عقبة حياتية بالنسبة إليهما، ولا بد لهما من أن يختبراه، فطول الوقت الذي يجب أن يختبراه فيه راجع إلى الله. إنه أمر لا بد أن يختبراه، ولا يمكنهما تجنبه. إذا كنت تريد أن تحل هذا الأمر بمفردك، وتحلل وتبحث في مصدر هذا الأمر وأسبابه ونتائجه، فهذا تفكير أحمق. إنه بلا جدوى، ولا داعي له. لا ينبغي لك أن تتصرف بهذه الطريقة، وتحلل وتحقق، وتفكر في الاتصال بزملائك وأصدقائك للمساعدة، وتتصل بالمستشفى من أجل والديك، وتتصل بأفضل الأطباء، وترتب أفضل سرير في المستشفى من أجلهما؛ لا تحتاج إلى أن تجهد عقلك في القيام بكل هذه الأشياء. إذا كان لديك بالفعل بعض الطاقة الزائدة، فعليك أن تقوم بعمل جيد في الواجب الذي من المفترض أن تقوم به الآن. والداك لديهما مصيرهما الخاص. لا أحد يستطيع الهروب من العمر الذي من المفترض أن يموت فيه. والداك ليسا سيدا مصيرك، وبالطريقة نفسها، أنت لست سيد مصير والديك. إذا كان ثمة ما هو مُقدّر أن يحدث لهما، فما الذي يمكنك أن تفعله حيال ذلك؟ ما التأثير الذي يمكن أن يحققه لك القلق والبحث عن حلول؟ لا يمكن أن يحقق أي شيء؛ فالأمر يعتمد على مقاصد الله. إذا أراد الله أن يأخذهما، ويمكّنك من أداء واجبك دون إزعاج، فهل يمكنك التدخل في هذا؟ هل يمكنك مناقشة الظروف مع الله؟ ماذا يجب أن تفعل في هذا الوقت؟ إجهاد عقلك في التوصل إلى حلول، والتحقيق، والتحليل، ولوم نفسك، والشعور بالخجل من مواجهة والديك؛ هل هذه هي الأفكار والتصرفات التي يجب أن تكون لدى الإنسان؟ هذه كلها مظاهر لعدم الخضوع لله والحق؛ وهي غير عقلانية، وغير حكيمة، ومتمردة على الله. لا ينبغي أن تكون لدى الناس هذه المظاهر. هل تفهم؟ (نعم).

يقول بعض الناس: "أنا أعلم أنه لا ينبغي لي أن أحلل أو أحقق في مسألة إصابة والديّ بالمرض أو تعرضهما لمحن كبيرة، وأن ذلك لا طائل من ورائه، وأنني يجب أن أتعامل مع هذا الأمر على أساس مبادئ الحق، ولكنني لا أستطيع أن أكبح جماح نفسي عن التحليل والتحقيق". لذا، دعونا نحل مشكلة كبح جماح النفس، بحيث لا تعود بحاجة إلى كبح جماح نفسك. كيف يمكن تحقيق ذلك؟ في هذه الحياة، يبدأ الناس الذين يتمتعون بأجسام سليمة في اختبار أعراض الشيخوخة بعد بلوغهم سن 50 أو 60 عامًا من العمر، إذ تتدهور عضلاتهم وعظامهم، ويفقدون قوتهم، ولا يستطيعون النوم جيدًا أو تناول الكثير من الطعام، ولا يكون لديهم طاقة كافية للعمل، أو القراءة، أو القيام بأي نوع من الأعمال. تتفجر في داخلهم أنواع مختلفة من الأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب، وأمراض الأوعية الدموية، وأمراض الأوعية الدموية الدماغية، وما إلى ذلك. أما بخصوص أولئك الذين يتمتعون بصحة أفضل قليلًا، فعلى الرغم من إصابتهم بأعراض الشيخوخة هذه، يمكنهم القيام بكل ما يحتاجون إليه، ولا تؤثر هذه الأعراض على عيشهم وعملهم بشكل طبيعي. هذا أمر جيد للغاية. أما بالنسبة إلى من هم أقل صحة، فإن هذه الأعراض تؤثر على إمكانية عملهم ومعيشتهم بشكل طبيعي، ويضطرون أحيانًا إلى الذهاب إلى المستشفى لمراجعة الطبيب. يصاب بعض هؤلاء الناس بنزلات البرد أو الصداع؛ والبعض الآخر يصابون بالتهاب الأمعاء أو الإسهال، ويحتاجون إلى الراحة في الفراش لمدة يومين في كل مرة يعانون فيها من نوبة إسهال. ويعاني بعض الناس من ارتفاع ضغط الدم، ويصابون بدوار شديد لدرجة أنهم لا يستطيعون المشي أو ركوب السيارة أو الابتعاد عن منازلهم. وهناك أيضًا بعض الأشخاص الذين يعانون من سلس البول، ومن غير المريح لهم الخروج من المنزل، لذلك نادرًا ما يخرجون ويسافرون مع أقاربهم وأصدقائهم. وثمة آخرون يعانون دائمًا من الحساسية عند تناول الطعام. وهناك بعض الناس الذين لا ينامون جيدًا، ولا يستطيعون النوم في الأماكن الصاخبة؛ وبمجرد انتقالهم إلى مكان آخر، يصعب عليهم النوم أكثر. كل هذه الأمور لها تأثير شديد على حياة هؤلاء الناس وعملهم. بل إن هناك بعض الناس الذين لا يستطيعون العمل لأكثر من ثلاث أو أربع ساعات متتالية. ثم هناك حالات أكثر حِدَّة، حيث يصاب الأشخاص بأمراض خطيرة في سن الخمسين أو الستين من العمر، مثل السرطان، أو السكري، أو أمراض القلب الروماتيزمية، أو الخرف، أو مرض باركنسون، وما إلى ذلك. وسواء أكانت هذه الأمراض ناجمة عن الأشياء التي تناولوها، أو عن تلوث البيئة، أو الهواء، أو الماء، فإن قانون جسد الإنسان هو أنه بعد بلوغ المرأة 45 سنة وبعد بلوغ الرجل 50 سنة تتدهور أجسادهم تدريجيًا. يقولون كل يوم إنهم لا يشعرون براحة في هذا الجزء، وأن ذاك الجزء يؤلمهم، ويذهبون إلى الطبيب لفحص الأمر، فيجدون أنه سرطان في مراحله الأخيرة. وفي النهاية، يقول الطبيب: "عد إلى بيتك، لا يمكن علاجه". كل الناس سيواجهون هذه الأمراض الجسدية. اليوم هم، وغدًا أنتم ونحن. بحسب العمر وبترتيب متسلسل، يولد الناس جميعًا، ويكبرون، ويمرضون، ويموتون – فمن الشباب يدخلون في سن الشيخوخة، ومن الشيخوخة يمرضون، ومن المرض يموتون – هذا هو القانون. كل ما في الأمر أنك عندما تسمع خبر مرض والديك – لأنهما أقرب الناس إليك، وأكثر من تقلق عليهما، وهما من ربياك – لن تستطيع أن تتجاوز هذه العقبة الشعورية، وستفكر: "أنا لا أشعر بأي شيء عندما يموت والدا الآخرين، لكن لا يمكن أن يمرض والداي، لأن ذلك سيحزنني. لا يمكنني تحمل ذلك، قلبي يؤلمني، لا يمكنني تجاوز مشاعري!". فقط لأنهما والداك، تعتقد أنه لا ينبغي أن يشيخا أو يمرضا، وبالتأكيد لا ينبغي أن يموتا؛ هل هذا منطقي؟ هذا غير منطقي، وليس حق. هل تفهم؟ (نعم). سيواجه كل شخص شيخوخة والديه ومرضهما، وفي بعض الحالات الخطيرة يكون والدا الناس قعيدين في الفراش، وبعضهم يصابون بحالة الغيبوبة الخضرية. بعض الناس يصاب آباؤهم وأمهاتهم بارتفاع ضغط الدم، أو شلل جزئي، أو سكتات دماغية، أو حتى يصابون بمرض خطير ويموتون. كل شخص سيشهد شخصيًا، أو يرى، أو يسمع عن عملية شيخوخة والديه ومرضهما ثم موتهما. كل ما في الأمر أن بعض الناس يسمعون هذه الأخبار في وقت أبكر، عندما يكون والداهما في الخمسينات من العمر؛ وبعض الناس يسمعون هذه الأخبار عندما يكون والداهما في الستينات من العمر؛ والبعض الآخر لا يسمعونها إلا عندما يبلغ والداهما 80 أو 90 أو 100 عام. لكن بغض النظر عن الوقت الذي تسمع فيه هذه الأخبار، فإنك كابن أو ابنة ستقبل هذه الحقيقة يومًا ما، عاجلًا أو آجلًا. إذا كنت راشدًا، فيجب أن يكون لديك طريقة تفكير ناضجة، وموقف صحيح تجاه حقيقة أن الناس يولدون، ويكبرون، ويمرضون، ويموتون، وألا تكون متهورًا؛ لا ينبغي أن تكون غير قادر على التحمل عندما تسمع خبرًا بأن والديك مريضان، أو أنهما تلقيا إشعارًا من المستشفى بأنهما في حالة مرضية حرجة. يجب أن يتقبل كل شخص حقيقة أنه يولد، ويكبر في السن، ويمرض ويموت، فعلى أي أساس أنت غير قادر على تحمل ذلك؟ هذا هو القانون الذي وضعه الله لولادة الإنسان وموته، فلماذا تريد مخالفته؟ لماذا لا تقبله؟ ما هو مقصدك؟ أنت لا تريد أن تترك والديك يموتان، ولا تريدهما أن يعيشا وفقًا لقانون الولادة، والشيخوخة، والمرض، والموت الذي وضعه الله، وتريد منعهما من المرض والموت؛ فماذا سيجعلهما هذا؟ ألن يجعلهما ذلك أُناسًا من البلاستيك؟ هل سيظلان بشرًا إذن؟ لذا يجب عليك قبول هذه الحقيقة. قبل أن تسمع خبرًا بأن والديك قد كبرا في السن، وأنهما قد مرضا وماتا، يجب أن تهيئ نفسك لهذا الأمر في قلبك. في يوم ما، عاجلًا أم آجلًا، سيكبر كل شخص في السن، وسيضعف، وسيموت. وبما أن والديك شخصان عاديان، فلماذا لا يمكنهما أن يختبرا هذه المرحلة؟ ينبغي أن يختبرا هذه المرحلة، وينبغي عليك أن تتعامل معهما بشكل صحيح. هل حُلت هذه المسألة؟ هل يمكنك التعامل مع مثل هذه الأمور بعقلانية الآن؟ (نعم). إذن، كيف ستتعامل مع هذا عندما يمرض والداك مرضًا خطيرًا أو تصيبهما بعض المحن الكبيرة في المستقبل؟ من الخطأ أيضًا تجاهل الأمر، وسيقول الناس: "هل أنت ضفدع أم ثعبان؟ كيف يمكنك أن تكون بارد الدم إلى هذا الحد؟" أنت شخص طبيعي، لذا يجب أن يكون لديك رد فعل. يجب أن تفكر مليًا: "لقد عاش والداي حياة صعبة، وقد أصيبا بهذا المرض في سن مبكرة. لم يتمتعا بأي نعمة، ولم يكونا مجتهدين في إيمانهما بالله. هكذا كانت حياتهما. لم يفهما شيئًا، ولم يسلكا الطريق الصحيح، ولم يسعيا إلى الحق. لقد أمضيا أيامهما فحسب. لا يوجد فارق بينهما وبين الحيوانات؛ لا يوجد فارق بينهما وبين الأبقار أو الخيول المسنة. والآن بعد أن أصبحا في حالة مرضية خطيرة، سيكون عليهما فقط أن يدافعا عن نفسيهما، لكنني آمل أن يتمكن الله من أن يخفف عنهما بعضًا من معاناتهما". صلِّ من أجلهما في قلبك، وهذا يكفي. ماذا يمكن لأي شخص أن يفعل؟ إن لم تكن مع والديك، فلا يمكنك عمل أي شيء، وحتى لو كنت إلى جانبهما، ماذا يمكنك أن تفعل؟ كمْ عدد الناس الذين رأوا بأنفسهم والديهم ينتقلان من الشباب إلى الشيخوخة، ومن الشيخوخة إلى الإصابة بأمراض مختلفة، ومن الإصابة بهذه الأمراض المختلفة إلى فشل علاجهما الطبي، إلى إعلان وفاتهما، إلى دفعهما إلى المشرحة؟ عددهم ليس بقليل. يبقى هؤلاء الأبناء جميعًا مع والديهم، ولكن ماذا يسعهم أن يفعلوا؟ لا يمكنهم فعل أي شيء؛ لا يمكنهم سوى المشاهدة. إن عدم مشاهدة هذه العملية الآن سيوفر عليك بعض المتاعب؛ فمن الأفضل ألا تشاهدها، فمشاهدتها لن تكون في صالحك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى، هو كذلك). عندما تتعلق المسألة بهذا الأمر، فمن ناحية، يجب أن تدرك حقيقة أن ولادة الناس، وشيخوختهم، ومرضهم، وموتهم هو قانون وضعه الله، ومن ناحية أخرى، يجب أن ترى المسؤوليات التي يجب أن يفي بها الناس ومصائرهم بوضوح، ويجب ألا تكون غير عقلاني، وألا تفعل أشياء متهورة أو حمقاء. لماذا يجب ألا تفعل أشياء متهورة أو حمقاء؟ لأنك حتى لو فعلتها، فلن يكون لها أي فائدة، بل ستكشف عن حماقتك. والأخطر من ذلك، بينما تقوم بأشياء حمقاء، فأنت تتمرد على الله، والله لا يحب هذا، بل يزدريه. أنت تعي بوضوح كل هذه الحقائق من حيث التعاليم وتفهمها، لكنك لا تزال تتشبث بطريقك الخاص، وتفعل بعض الأشياء بطريقة عنيدة وإنسانية، لذلك لا يحبك الله، بل يبغضك. ما الذي يبغضه الله فيك؟ إنه يبغض حماقتك العنيدة وتمردك. أنت تظن أنك تمتلك بعض المشاعر الإنسانية، لكن الله يقول إنك عنيد وأحمق؛ أنت عنيد، وأحمق، وغبي، ومتعنت، ولا تقبل الحق أو تخضع لتنظيمات الله وترتيباته. لقد أخبرك الله بوضوح بجوهر هذا الأمر، ومصدره، ومبادئ الممارسة المحددة التي يتضمنها هذا الأمر، لكنك لا تزال تريد استخدام مشاعرك للتعامل مع كل هذا، لذلك لا يحبك الله. وفي نهاية المطاف، إذا لم يأخذ الله مرض والديك منهما، فسيمرضان مرضًا شديدًا ويموتان، إذا كان هذا ما يفترض أن يحدث لهما. لا يمكن لأي شخص تغيير هذه الحقيقة. إذا أردت تغييرها، فهذا يثبت فقط أنك تريد استخدام يديك وأساليبك لتغيير سيادة الله. هذا أعظم تمرد، وأنت تعارض الله. إذا كنت لا تريد أن تعارض الله، فعندما تسمع أن هذه الأمور قد حدثت لوالديك، فيجب أن تهدأ وتجد مكانًا تختلي فيه بنفسك للبكاء، والتفكير، والصلاة، أو تعبر للإخوة والأخوات من حولك عن مشاعر الاشتياق لهم. هذا كل ما عليك فعله. يجب ألا تفكر في تغيير شيء ما، وبالتأكيد يجب ألا تفعل أشياء حمقاء. لا تصلِ إلى الله وتطلب منه أن يزيل مرض والديك، وأن يسمح لهما بالعيش لبضع سنوات أخرى، أو أن يأخذ عامين من عمرك ويمنحهما إياهما، لمجرد أنك تؤمن بالله، أو على أساس أنك تركت أسرتك ونبذت مستقبلك المهني لأداء واجبك لسنوات عديدة. لا تفعل هذا النوع من الأشياء. لن يستمع الله إلى هذا النوع من الصلوات، وهو يبغض هذا النوع من الأفكار والصلوات. لا تزعج الله أو تغضبه. إن الله ينفر أشد النفور من الناس الذين يتمنون التلاعب بمصير شخص ما، أو تغيير حقيقة سيادة الله على مصير شخص ما، أو تغيير بعض الحقائق التي أرساها الله منذ زمن طويل أو مسارات مصائر الناس. هذا أشد ما يبغضه الله.

لقد انتهيت من عقد شركة حول الموقف، والأفكار، والفهم التي يجب أن يتحلى بها الناس فيما يتعلق بمسألة إصابة والديهم بالمرض. وبالطريقة ذاتها، عندما يتعلق الأمر بوفاة والديهم، يجب أن يتبنى الناس أيضًا موقفًا صحيحًا وعقلانيًا. بعض الناس كانوا بعيدين عن والديهم لسنوات عديدة، ولم يكونوا إلى جانب والديهم ولم يعيشوا معهم، وعندما يسمعون أن والديهم قد توفيا فجأة، فإن ذلك يشكل ضربة كبيرة لهم، ويشعرون بأن الأمر كله مفاجئ بشكل غير معقول. نظرًا لأن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مع والديهم ولم يعيشوا معهم منذ سنوات عديدة، فإنهم دائمًا ما يحملون نوعًا من المفاهيم الخاطئة في أفكارهم ومفاهيمهم. أي نوع من المفاهيم الخاطئة؟ عندما تركت والديك، كانا على قيد الحياة وبصحة جيدة. وبعد ابتعادك عنهما لسنوات عديدة، يظل والداك في ذهنك في نفس العمر، ويظلان في نفس الحالة الجسدية والمعيشية التي تتذكرها. هذا يجعل الأمور فوضوية. ثم تعتقد أن والديك لن يشيخا أبدًا وأنهما سيعيشان للاحتفال بأعياد ميلاد كثيرة. أي أنه بمجرد أن تُخزِّن وجهيهما في قلبك، وبمجرد أن تترك حياتهما وكلماتهما وسلوكهما انطباعًا وبصمة في ذهنك وفي ذاكرتك، تظن أن والديك سيظلان على هذا الحال إلى الأبد، وأنهما لن يتغيرا ولن يشيخا، وبالتأكيد، لن يموتا. إلام تشير كلمة "لن يموتا" هنا؟ من ناحية، تعني أن جسديهما الماديان لن يختفيا، ومن ناحية أخرى، يعني أن وجهيهما ومشاعرهما تجاهك، وما إلى ذلك، لن تختفي. هذا مفهوم خاطئ، وسيسبب لك الكثير من المتاعب. لذا، أيًا كان عمر والديك، سواء ماتا بسبب الشيخوخة، أو بسبب مرض، أو بسبب بعض الحوادث، فإن ذلك سيشكل ضربة لك، وسيشعرك بأن الأمر مفاجئ للغاية. ونظرًا لأن والديك في ذهنك لا يزالان على قيد الحياة وبصحة جيدة، ثم يرحلان فجأة، ستفكر: "كيف يمكن أن يرحلا؟ كيف يمكن أن يتحول الأحياء إلى تراب؟ أشعر دائمًا في قلبي أن والداي لا يزالان على قيد الحياة، وأن أمي لا تزال تطبخ في المطبخ، وتشغل نفسها كثيرًا، وأن أبي يعمل خارج المنزل كل يوم، ولا يعود إلى المنزل إلا في المساء". لقد تركت هذه المشاهد من حياتهما بعض الانطباعات في ذهنك. لذا يضمر وعيك شيئًا لا ينبغي أن يضمره بسبب مشاعرك، وهو الاعتقاد بأن والديك سيعيشان إلى الأبد في قلبك. وهكذا تعتقد أنه لا ينبغي أن يموتا، وأيًا كانت الظروف التي يتوفى فيها والداك، ستشعر أن ذلك يمثل ضربة كبيرة لك، ولن تكون قادرًا على تقبل ذلك. سيستغرق الأمر بعض الوقت لتجاوز هذه الحقيقة، أليس كذلك؟ سيكون مرض والديك صدمة كبيرة لك بالفعل، لذا ستكون وفاة والديك صدمة أكبر. إذن كيف يجب عليك أن تتغلب على الصدمة غير المتوقعة التي ستصيبك قبل أن يحدث هذا، حتى لا تؤثر الصدمة على أدائك لواجبك أو على الطريق الذي تسير فيه، أو تتداخل معه أو تمسه؟ دعنا ننظر أولًا إلى ما هو الموت تحديدًا، وما هي الوفاة تحديدًا؛ أليس المعنى هو أن يغادر الشخص هذا العالم؟ (بلى). هذا يعني أن الحياة التي يمتلكها الشخص، والتي لها وجود مادي، تزول من العالم المادي الذي يمكن أن يراه البشر، وتختفي. ثم ينتقل هذا الشخص إلى العيش في عالم آخر، في هيئة أخرى. انتهاء حياة والديك يعني أن العلاقة التي تربطك بهما في هذا العالم قد ذابت، واختفت، وانتهت. إنهما يعيشان في عالم آخر، في هيئات أخرى. أما بشأن كيفية استمرار حياتهما في ذلك العالم الآخر، وما إذا كانا سيعودان إلى هذا العالم، أو يلتقيان بك مرة أخرى، أو تكون لهما أي نوع من العلاقات الجسدية أو الارتباطات العاطفية معك، فهذا أمر قدّره الله، ولا علاقة لك به. باختصار، موتهما يعني أن مهامهما في هذا العالم قد انتهت، وقد وصلت حياتهما لمنتهاها. لقد انتهت مهامهما في هذه الحياة وفي هذا العالم، لذلك انتهت علاقتك بهما أيضًا. أما بالنسبة إلى ما إذا كانا سيتجسدان مرة أخرى في المستقبل، أو ما إذا كانا سيلاقيان أي نوع من الجزاء والتقييد، أو أي نوع من التعامل والترتيبات في العالم الآخر، فهل هذا له أي علاقة بك؟ هل يمكنك أن تقرر هذا؟ لا علاقة لك بهذا، كما لا يمكنك أن تقرره، ولن تستطيع معرفة أي شيء عنه. تنتهي علاقتك بهما في هذه الحياة في ذلك الوقت. أي أن المصير الذي ربطكم معًا حيث عشتم معًا جنبًا إلى جنب لمدة 10 أو 20 أو 30 أو 40 عامًا ينتهي عندئذٍ. بعد ذلك، هم يصبحون هم، وأنت تصبح أنت، ولا تجمعكم أي علاقة على الإطلاق. حتى لو كنتم جميعكم تؤمنون بالله، فقد أديا واجباتهما، وأنت تؤدي واجباتك؛ عندما لا يعودان يعيشان في ذات البيئة المكانية، لا تعود هناك أي علاقة بينكم. ببساطة، لقد أكملا المهام التي أوكلها الله إليهما بالفعل. لذا، عندما يتعلق الأمر بالمسؤوليات التي أوفيا بها لك، فإنها تنتهي في اليوم الذي تبدأ فيه بالوجود بشكل مستقل عنهما؛ لم تعد لك أي علاقة بوالديك بعد الآن. إذا توفيا اليوم، سيكون ثمة ما تفتقده على المستوى العاطفي، وستفتقد اثنين من أحبائك الذين تحن إليهما. لن تراهما أبدًا مرة أخرى، ولن تتمكن من سماع أخبارهما مرة أخرى. لا علاقة لك بما سيحدث لهما بعد ذلك ومستقبلهما، ولن تكون بينكم روابط دم، ولن تعود حتى الكائن نفسه بعد ذلك. هكذا هو الأمر. ستكون وفاة والديك هي آخر خبر تسمعه عنهما في هذا العالم، وآخر ما تراه أو تسمع عنه من مراحل من حيث اختبارات الولادة، والكبر، والمرض، والموت في حياتهما، وهذا كل ما في الأمر. لن تأخذ وفاتهما منك شيئًا أو تعطيك شيئًا؛ فهما ببساطة قد ماتا، وانتهت رحلتهما كأناس. لذا، عندما يتعلق الأمر بوفاتهما، فلا يهم ما إذا كانت هذه الوفاة ناتجة عن حادث، أو وفاة طبيعية، أو وفاة ناتجة عن مرض، وما إلى ذلك، ففي كل الأحوال، لولا سيادة الله وترتيباته، ما كان بوسع أي شخص أو قوة أن تسلبهما حياتيهما. لا تعني وفاتهما سوى نهاية حياتهما الجسدية. إذا كنت تفتقدهما وتشتاق إليهما، أو تشعر بالخجل من نفسك بسبب مشاعرك هذه، فلا ينبغي أن تشعر بأي من هذه الأشياء، وليس من الضروري أن تشعر بها. لقد رحلا عن هذا العالم، لذا فإن الاشتياق إليهما لا داعي له، أليس كذلك؟ إذا كنت تفكر: "هل افتقدني والداي طيلة تلك السنوات؟ كم زادت معاناتهما لأنني لم أكن إلى جانبهما لأظهر لهما البرَّ بالوالدين طيلة هذه السنوات العديدة؟ لطالما تمنيت كل هذه السنوات أن أقضي بضعة أيام معهما، ولم أتوقع أبدًا أنهما سيتوفَّيان بهذه السرعة. أشعر بالحزن والذنب". ليس من الضروري أن تفكر بهذه الطريقة، فلا علاقة لموتهما بك. لماذا لا علاقة له بك؟ لأنه حتى لو كنت قد أظهرت لهما برّ الوالدين أو صاحبتهما، فليس هذا هو التكليف أو المهمة التي كلّفك الله بها. لقد قدَّر الله مقدار ما سيواجهه والداك من خير أو معاناة منك، وهذا لا علاقة له بك على الإطلاق. لن يعيشا حياة أطول لأنك معهما، ولن يعيشا حياة أقصر لأنك بعيد عنهما ولا يمكن أن تكون معهما كثيرًا. لقد قدَّر الله المدة التي سيعيشانها، ولا علاقة لذلك الأمر بك. لذا، إذا سمعت خبر وفاة والديك خلال حياتك، فلا داعي لأن تشعر بالذنب. يجب أن تتعامل مع هذا الأمر بالطريقة الصحيحة وتتقبله. إذا كنت قد ذرفت بالفعل الكثير من الدموع أثناء مرضهما الشديد، فينبغي أن تشعر بالسعادة والحرية عند وفاتهما؛ فبعد أن تودعهما لا داعي للبكاء. ستكون قد أوفيت بالفعل بمسؤولياتك كابن لهما، وستكون قد صليت من أجلهما، وحزنت من أجلهما، وذرفت دموعًا لا حصر لها من أجلهما، وبالطبع ستكون قد فكرت في العديد من الحلول الممكنة لعلاج مرضهما، وستكون قد بذلت قصارى جهدك لتخفيف معاناتهما. ستكون قد فعلت كل ما بوسعك بوصفك ابنهما. وعندما يتوفيا، لن يكون بوسعك إلا أن تقول: "لقد عانيتما أوقاتًا صعبة للغاية. بصفتي ابنكما، أتمنى أن ترقدا في سلام. إذا كنتما قد فعلتما أشياء كثيرة أغضبت الله في هذه الحياة، فيجب أن تنالا العقاب في العالم الآخر. إذا أعطاكما الله الفرصة بعد أن تلقيتما عقابكما للتجسد والعودة إلى الحياة مرة أخرى، آمل أن تبذلا قصارى جهدكما لتحسنا السلوك، وتسلكا الطريق الصحيح. لا تفعلا المزيد من الأشياء التي تسيء إلى الله، واجتهدا لكيلا تنالا أي عقاب في حياتكما القادمة". هذا كل شيء. أليس هذا كلامًا جيدًا؟ هذا كل ما يمكنك فعله؛ سواء كان ذلك من أجل والديك أو من أجل أحد أحبائك، هذا كل ما يمكنك فعله. وبالطبع، عندما يتوفى والداك في نهاية المطاف، إذا لم تستطع أن تكون معهما أو أن تمنحهما بعض الراحة الأخيرة، فليس من الضروري أن تشعر بالحزن. هذا لأن كل شخص في واقع الأمر يغادر هذا العالم وحيدًا. حتى لو كان أبناؤه معه، فعندما يأتي رسول ليقبض روحه، فلن يتمكن أحد سواه من رؤيته. وعندما يرحل، لن يرافقه أي شخص، لن يستطيع أولاده مرافقته، ولا حتى شريك أو شريكة حياته. عندما يغادر الناس هذا العالم، يكونون دائمًا بمفردهم. يجب على كل شخص في لحظاته الأخيرة مواجهة هذا الموقف، وهذه العملية، وهذه البيئة. لذا، إذا كنت إلى جانبه، وكان ينظر إليك مباشرةً، سيظل هذا بلا فائدة. وعندما يضطر إلى الرحيل، إذا أراد أن ينادي اسمك، فلن يتمكن من ذلك، ولن تكون قادرًا على سماعه؛ وإذا أراد أن يمد يده ويمسكك، فلن تكون لديه القوة، ولن تكون قادرًا على الشعور بذلك. سيكون بمفرده. هذا لأن كل شخص يدخل هذا العالم بمفرده، وفي نهاية المطاف، لا بد أن يغادره بمفرده أيضًا. هذا أمر قدَّره الله. إن وجود مثل هذه الأشياء يمكّن الناس من أن يروا بوضوحٍ أكبر أن حياتهم ومصائرهم، وأن ولادتهم، وشيخوختهم، ومرضهم، وموتهم كلها بيد الله، وأن حياة كل شخص مستقلة عن غيرها. على الرغم من أن كل الناس لديهم والدين، وإخوة، وأقارب، إلا أنه من منظور الله، ومن منظور الحياة، فإن حياة كل شخص مستقلة، ولا تتجمع الحيوات معًا، ولا توجد حياة لها شريك. من منظور البشر المخلوقين، كل حياة مستقلة، لكن من منظور الله، لا توجد حياة خلقها الله وحيدة، لأن الله يرافق كل واحدة منها ويشدها إلى الأمام. كل ما في الأمر أنك عندما تكون في هذا العالم تولد لوالديك، وتعتقد أن والديك هما أقرب الناس إليك، ولكن في الواقع، عندما يرحل والداك عن هذا العالم، ستدرك أنهما ليسا أقرب الناس إليك. عندما تنتهي حياتهما، ستظل أنت على قيد الحياة، وانتهاء حياتهما لن يسلبك حياتك، وبالتأكيد لن يؤثر على حياتك. لقد كنت بعيدًا عنهما طيلة هذه السنوات، ولا زلت تعيش حياة جيدة. لماذا؟ لأن الله يرعاك ويرشدك؛ وأنت تعيش تحت سيادته. عندما يرحل والداك عن هذا العالم، سيجعلك هذا واعيًا أكثر بأنه بدون مرافقة والديك لك، واهتمامهما بك، ورعايتهما لك، وتربيتهما لك، انتقلت على مدار هذه السنوات من مرحلة النمو، إلى مرحلة الرشد، إلى منتصف العمر، إلى مرحلة الشيخوخة، وتحت إرشاد الله، فهمت أكثر فأكثر في حياتك، وأصبح طريقك واتجاهك إلى الأمام واضحين بشكل متزايد. لذلك، أصبح الناس قادرين على ترك والديهم. إن وجود والديهم ضروري فقط خلال طفولتهم، أما بعد أن يكبروا، فإن وجود والديهم هو مجرد أمر شكلي. إن والديهم مجرد سند ودعم عاطفي لهم، وهما ليسا ضروريان. وبالطبع، عندما يرحل والداك عن هذا العالم، ستشعر أن هذه الأمور ستزداد وضوحًا لك، وستشعر أكثر أن حياة الناس تأتي من الله، وأن الناس لا يمكنهم العيش دون الاعتماد على الله، ودون أن يكون الله هو قوتهم العقلي والروحي، وقوت حياتهم. عندما يتركك والداك، ستفتقدهما على الصعيد العاطفي فحسب، ولكن في الوقت ذاته، ستتحرر من الناحية العاطفية أو من نواحٍ أخرى. لماذا ستتحرر؟ عندما يكون والداك موجودين على قيد الحياة، فإنهما يشكلان همومًا وأعباءً بالنسبة إليك. إنهما شخصان يمكن أن تكون عنيدًا تجاههما، ويجعلانك تشعر وكأنك لا تستطيع التحرر من مشاعرك. سيُحل كل هذا عندما يرحل والداك. سيكون الشخصان اللذان كنت تشعر أنهما الأقرب إليك قد رحلا، ولن يكون عليك أن تقلق بشأنهما أو تشتاق إليهما. عندما تخترق هذه العلاقة الاتكالية التي تربطك بوالديك، عندما يرحلان عن هذا العالم، عندما تشعر تمامًا في أعماق قلبك أن والديك قد رحلا بالفعل، وتشعر أنك قد تجاوزت بالفعل روابط الدم مع والديك، ستصبح ناضجًا ومستقلًا حقًا. فكر في الأمر: مهما بلغ الإنسان من العمر، إذا كان والداه لا يزالان على قيد الحياة، فكلما واجهته مشكلة ما، سيفكر: "سأسأل أمي، سأسأل أبي". ثمة قوت عاطفي له دائمًا. وعندما يكون لدى الناس القوت العاطفي، يشعرون أن وجودهم في هذا العالم يفيض بالدفء والسعادة. عندما تفقد ذلك الشعور بالسعادة وذلك الدفء، إذا لم تشعر بأنك وحيد، أو أنك فقدت السعادة والدفء، عندها تكون ناضجًا، وتكون مستقلًا حقًا من حيث أفكارك ومشاعرك. ربما لم يختبر معظمكم هذه الأشياء بعد. عندما تختبرونها ستفهمون. فكروا في الأمر: مهما كان عمر الشخص، سواء كان عمره 40، أو 50، أو 60 عامًا، عندما يتوفى والداه، يصبح على الفور أكثر نضجًا؛ وكأنه يتحول من طفل ساذج إلى شخص راشد عاقل في لحظة. يصبح قادرًا بين عشية وضحاها على فهم الأمور وأن يكون مستقلًا. لذا، فإن وفاة الوالدين هي عقبة كبيرة لكل شخص. إذا استطعت مقاربة علاقتك بوالديك والتعامل معها بشكل صحيح، وفي الوقت نفسه مقاربة التخلي عن توقعات والديك المختلفة لك، أو المسؤوليات التي يجب أن تؤديها على المستوى العاطفي والأخلاقي والتعامل معها، ستكون قد نضجت حقًا، وعلى أقل تقدير، ستكون راشدًا أمام الله. ليس من السهل أن تصبح راشدًا هكذا؛ إذ يجب أن تعاني بعض الألم فيما يتعلق بمشاعرك الجسدية، ويجب أن تتحمل بعض الدمار والعذاب العاطفي على وجه الخصوص، بالإضافة إلى ألم عدم سير الأمور على ما يرام، أو عدم سيرها كما كنت تأمل أو عدم التوفيق، وما إلى ذلك. عندما تكون قد اختبرت كل هذا الألم، ستكتسب المزيد من البصيرة في هذه الأمور. وإذا ربطتها بالحقائق التي عقدنا حولها شركة فيما يتعلق بهذه الأمور، فسوف تكتسب المزيد من البصيرة في حياة الناس ومصائرهم التي قدّرها الله، وكذلك المودة الموجودة بين الناس، بطريقة شاملة للغاية. عندما تكتسب بصيرةً في هذه الأمور، سيكون من السهل عليك التخلي عنها. وعندما تتمكن من التخلي عن هذه الأشياء والتعامل معها بشكل صحيح، ستتمكن من مقاربتها بشكل صحيح. لن تقاربها بناءً على تعاليم البشر أو معايير الضمير البشري؛ بل ستقاربها وفقًا لمبادئ الحق. ماذا يعني أن تتوافق مع مبادئ الحق؟ يعني أنك تستطيع الخضوع لله. إذا كان بوسعك الخضوع لله وتنظيماته، فهذه علامة جيدة وبشارة خير. بأي شيء تبشر؟ بأن لديك أمل في الخلاص. لذا، عندما يتعلق الأمر بمسألة توقعات والديك، بغض النظر عما إذا كنت شابًا، أو في منتصف العمر، أو مسنًا، أو في سنواتك المتأخرة الآن، وبغض النظر عما إذا كنت لم تختبر هذا الأمر، أو كنت تختبره الآن، أو كنت قد اختبرته بالفعل، فإن ما تحتاجون إلى فعله ليس مجرد التخلي عن مشاعركم أو قطع علاقتكم بوالديكم وفصل أنفسكم عنهم، بل هو بذل الجهد في الحق، والسعي لفهم هذه الجوانب من جوانب الحق. هذا هو أهم شيء. عندما تفهمون هذه العلاقات المختلفة والمعقدة، يمكنكم التحرر منها، ولن تعودوا مقيدين بها. وعندما لا تعود مقيدًا بها، سيكون من الأسهل عليك الخضوع لتنظيمات الله، وستواجه عقبات أقل وعوائق أقل في القيام بذلك. عندها سيكون احتمال تمردك على الله أقل، أليس كذلك؟

هل أنت قادر الآن على إدراك حقيقة كل هذه الأمور الرئيسة المتعلقة بالوالدين وحلها؟ تأملوا في الحق عندما يكون لديكم وقت فراغ. إذا استطعت، في المستقبل أو في الأمور التي تختبرها الآن، أن تربط هذه الأمور بالحق، وتحل هذه المشكلات بناءً على الحق، فستواجه مشكلات أقل بكثير وصعوبات أقل، وستعيش حياة هادئة ومبهجة للغاية. أما إذا لم تتعامل مع هذه الأمور على أساس الحق، فستواجه الكثير من المتاعب، وستكون حياتك مؤلمة للغاية. هذه هي العاقبة. سأنهي عقد الشركة حول موضوع "توقعات الوالدين" اليوم عند هذا الحد. إلى اللقاء!

29 أبريل 2023

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.