كيفية السعي إلى الحق (17) الجزء الثالث

أي نوع من الناس هم الأجدر بالاحترام في هذا العالم؟ أليسوا أولئك الذين يسلكون الطريق الصحيح؟ ما الذي يشير إليه "الطريق الصحيح" هنا؟ ألا يعني السعي إلى الحق وقبول خلاص الله؟ أليس أولئك الذين يسلكون الطريق الصحيح هم الذين يتبعون الله ويخضعون له؟ (بلى). إذا كنت من هذا النوع من الأشخاص، أو تسعى لأن تكون كذلك، ووالداك لا يفهمانك، بل ويلعنانك دائمًا؛ إذا كانا – في حال ضعفك، واكتئابك، وضياعك – لا يفشلان فحسب في دعمك، أو مواساتك، أو تشجيعك، بل غالبًا ما يطالبانك بالعودة لتظهر لهما برّ الوالدين ولتكسب الكثير من المال ولتهتم بهما، وألا تخذلهما، وتمكنهما من الاستمتاع بالخيرات معك، والعيش حياة طيبة معك، ألا يجب التخلي عن مثل هذين الوالدين؟ (بلى). هل مثل هذين الوالدين يستحقان احترامك؟ هل يستحقان برّك؟ هل يستحقان منك الوفاء بمسؤوليتك تجاههما؟ (كلا). لماذا؟ لأنهما ينفران من الأشياء الإيجابية، أليست هذه حقيقة؟ (بلى). لأنهما يكرهان الله، أليست هذه حقيقة؟ (بلى). لأنهما يحتقرانك لأنك تسير في الطريق الصحيح، أليست هذه حقيقة؟ (بلى). إنهما يحتقران الناس الذين ينخرطون في قضايا عادلة، ويزدريانك ويحتقرانك لأنك تتبع الله وتؤدي واجبك. أي نوع من الوالدين هما؟ أليسَا والدين حقيرين وخسيسين؟ أليسَا والدين أنانيين؟ أليسَا والدين شريرين؟ (بلى). لقد وُضِعت على قائمة المطلوبين وطوردت من قبل التنين العظيم الأحمر بسبب إيمانك بالله، وكنت هاربًا وغير قادر على العودة إلى البيت، واضطر بعض الناس حتى إلى الرحيل إلى ما وراء البحار. يقول جميع أقاربك وأصدقاؤك وزملاؤك في الدراسة إنك أصبحت هاربًا، وبسبب هذه الشائعات والثرثرة الخارجية، يعتقد والداك أنك جعلتهما يعانيان ظلمًا وأنك أحرجتهما. ليس فقط أنهما لا يتفهمانك، أو يدعمانك، أو يتعاطفان معك، وليس فقط أنهما لا يوبخان الأشخاص الذين ينشرون تلك الشائعات والذين يحتقرونك ويميزون ضدك، بل والداك أيضًا يكرهانك، ويقولان عنك الكلام نفسه الذي يقوله عنك أولئك الذين لا يؤمنون بالله وأولئك الذين هم في السلطة. ما رأيك في هذين الوالدين؟ هل هما صالحان؟ (كلا). إذن هل لا تزالون تشعرون بأنكم مدينون لهما؟ (كلا). إذا اتصلت بعائلتك من حين لآخر، فسيعتقدان أن الأمر أشبه بتلقي مكالمة من هارب. سيشعران أن هذه إهانة بالغة لهما، وأنك لا تجرؤ حتى على العودة إلى المنزل، مثل الفأر المُطارد. سيشعران أن كونك ابنهما يحرجهما. هل مثل هذين الوالدين يستحقان الاحترام؟ (كلا). إنهما لا يستحقان الاحترام. إذن، ما هي طبيعة توقعاتهما لك؟ هل تستحق منكم أن تضعوها في اعتباركم؟ (كلا). ما هو الهدف الرئيسي من توقعاتهما لك؟ هل يريدان لك حقًا أن تسير في الطريق الصحيح وتنال الخلاص في نهاية المطاف؟ إنهما يأملان أن تسير بحسب اتجاهات المجتمع وترتقي في العالم، وتجعلهما فخورين، وتمكنهما من مواجهة العالم بكرامة، وتصبح مصدر فخر وفرح لهما. ماذا أيضًا؟ إنهما يريدان أن يتمكنا من التنعم معك بالخيرات، وأن يأكلا ويشربا جيدًا، وأن يرتديا العلامات التجارية الأنيقة، وأن يتنعما بالذهب والفضة. إنهما يريدان أن يركبا السفن السياحية الفاخرة ويسافرا إلى كل بلدان العالم. لو ارتقيت في العالم وحظيت بالشهرة والمال ومكنتهما من أن يتنعما بالخيرات معك لذكرا اسمك أينما ذهبا قائلين: "ابني هو فلان، أو ابنتي هي فلانة". هل يذكران اسمك الآن؟ (كلا). أنت تسير على الطريق الصحيح، لكنهما لا يذكران اسمك. إنهما يظنانك مفلسًا ومعدمًا، ومصدر إحراج لهما، وأن ذكرهما لك يعادل جلب العار على نفسيهما، لذلك لا يذكرانك. إذن، ما هو الهدف من توقعات والديك؟ إنه الاستمتاع بالخيرات معك، وليس مصلحتك فحسب. لن يكونا سعيدين إلا عندما ينعمان بخيراتك. أما وقد عدت الآن إلى رب الخلق، وقبلتَ الله وخلاصه وكلامه، الآن وقد اضطلعت بواجب الكائن المخلوق، وشرعتَ في الطريق الصحيح في الحياة، فإنهما لا يستفيدان منك أو ينتفعان بك، ويشعران أنهما قد خسرا بتربيتك. يبدو الأمر كما لو أنهما يقومان بعمل تجاري وخسرا. وبالتالي، يملؤهما الندم. كثيرًا ما يقول بعض الآباء والأمهات: "تربيتك أسوأ من تربية كلب. عندما تربي كلبًا يكون قريبًا منك للغاية ويعرف أن يهز ذيله عندما يرى سيده. ماذا أتوقع من تربيتك؟ أنت تقضي يومك كله في الإيمان بالله وأداء واجبك، ولا تشتغل بالتجارة، ولا تذهب إلى العمل، ولا تريد حتى رزقًا آمنًا، وفي النهاية بدأ كل جيراننا يسخرون منا. ماذا ربحت منك؟ لم أحصل منك على شيء واحد طيب، ولم أتنعم بأي خير على الإطلاق". إذا اتبعت الاتجاهات الشريرة في العالم العلماني، وسعيت جاهدًا لتكون ناجحًا هناك، فعلى الأرجح كان والداك ليدعماك، ويشجعاك، ويواسياك إذا ما تألمت، أو مرضت، أو شعرت بالحزن. ومع ذلك فهما لا يشعران بالسعادة أو يفرحان بحقيقة أنك تؤمن بالله ولديك فرصة للخلاص، بل على العكس، يكرهانك ويلعنانك. بناءً على جوهرهما، فإن هذين الوالدين هما خصماك وعدواك اللدودان، فهما ليسا على شاكلتك، ولا يسيران في طريقك ذاته. على الرغم من أنكم ظاهريًا تبدون أسرة، إلا أنه استنادًا إلى جوهركم، ومساعيكم، وتفضيلاتكم، والطرق التي تسلكونها، والمواقف المختلفة التي تتعاملون بها مع الأشياء الإيجابية، ومع الله، ومع الحق، فإنهما ليسا على شاكلتك. لذا، مهما قلت: "لديَّ رجاء في الخلاص، لقد سلكت الطريق الصحيح في الحياة"، فلن يتأثرا، ولن يشعرا بالسعادة من أجلك، ولن يفرحا من أجلك. وبدلًا من ذلك، سيشعران بالخجل. هذان الوالدان هما أسرتك على المستوى العاطفي، ولكن استنادًا إلى جوهر طبيعتهما، فهما ليسا أسرتك، بل هما عدواك. فكر في الأمر، إذا أحضر الأبناء الهدايا والمال عندما يعودون إلى ديارهم، ومكّنوا والديهم من تناول الطعام الجيد والعيش في أماكن لطيفة، فسيفرح آباؤهم وأمهاتهم فرحًا شديدًا، وسيكونون سعداء للغاية لدرجة أنهم لن يعرفوا ماذا يقولون. سيظلون يقولون في قلوبهم: "ابني عظيم جدًا، ابنتي عظيمة جدًا. لم تذهب تربيتي ومحبتي لهما سدى. إنهما عاقلان، ويعرفان أن يُظهِرا لنا برّ الوالدين، ولنا مكانة في قلبيهما. إنهما ابنان صالحان". ولكن هب أنك عدت إلى المنزل خالي الوفاض، دون أن تشتري أي شيء، لأنك تؤمن بالله وتؤدي واجبك. لنفترض أنك عقدت شركة حول الحق مع والديك وتحدثت عن كلمة الله وقلت إنك قد شرعت في طريق السعي إلى الحق. سيفكر والداك على الفور: "ما الذي تتحدث عنه؟ لا أستطيع أن أفهمك. لقد ربيتك طيلة هذه السنوات، ولكنك لم تَفِ بِأيٍّ من توقعاتي. لقد عدت أخيرًا لزيارتنا، وكان بإمكانك على الأقل أن تشتري لنا زوجًا من الجوارب أو بعض الفاكهة. لم تحضر أي شيء، بل عدت خالي الوفاض". لن يقول والداك: "عندما أسمعك تقول هذه الأشياء، أستطيع أن أقول إنك قد تغيرت كثيرًا. كنت في السابق صغيرًا ومتعجرفًا، لكنك الآن تغيرت حقًا. أستطيع أن أقول إن كل الأشياء التي تتحدث عنها هي أمور صحيحة. لقد أحرزت تقدمًا. أنت واعد، وهناك أمل لك؛ أنت قادر على السير في الطريق الصحيح، وعلى اتباع الله وربح الخلاص. أنت فتى صالح. لقد كنت تعاني هناك، ويجب أن أصنع لك طعامًا شهيًا لتأكله. نحن نربي بعض الدجاج، وعادةً لا نريد أن نذبحه، بل ننتظر أن نأكل بيضه بدلًا من ذبحه. لكنك عدت الآن، وسأذبح دجاجة وأعد لك بعض حساء الدجاج. لقد كنت محقًا في اختيارك هذا الطريق، وستتمكن من نيل الخلاص. أنا سعيد للغاية من أجلك! لقد افتقدتك كثيرًا خلال السنوات القليلة الماضية. وعلى الرغم من أننا لم نكن على اتصال، إلا أنك عدت لزيارتنا الآن، وأشعر بالراحة. لقد نضجت. أنت أكثر نضجًا وعقلانية مما كنت من قبل. الأشياء التي تقولها وتفعلها كلها أشياء لائقة". من خلال رؤية الوالدين لابنهما يسير في الطريق الصحيح، ويمتلك الأفكار والآراء الصحيحة، يمكن للوالدين أيضًا الاستفادة وتوسيع معرفتهما. بما أن ابنهما قادر على أداء واجب ما والسعي إلى الحق، فيجب على هذين الوالدين دعمه. إذا نال ابنهما في المستقبل الخلاص ودخل الملكوت، ولم يعد يتضرر من شخصيته الشيطانية الفاسدة، فسيكون ذلك أمرًا رائعًا. على الرغم من أن هذين الوالدين كبيران في السن، وبطيئان في فهم الحق، ولا يفهمان هذه الأمور تمامًا، إلا أنهما يشعران بأنه: "يمكن لابني أن يسير في الطريق الصحيح، هذا عظيم. إنه ابن صالح. لا يوجد منصب حكومي رفيع المستوى، ولا ثروة كبيرة تعادل هذا في صلاحه أو قيمته!". أخبرني، هل هذان الوالدان صالحان؟ (نعم). هل يستحقان الاحترام؟ (نعم). إنهما يستحقان احترامك. إذن، كيف ينبغي أن تظهر لهما الاحترام؟ يجب أن تصلي لهما في قلبك. إذا كانا مؤمنين بالله، ينبغي أن تصلي إلى الله أن يرشدهما ويحفظهما حتى يتمكنا من التمسك بشهادتهما أثناء التجارب والإغواءات. إذا لم يؤمنا بالله، فينبغي أن تحترم قرارهما، وأن تتمنى أن تكون حياتهما مستقرة، وألا يفعلا أي شيء سيئ، وأن يقللا من ارتكابهما للسيئات، وفي أحسن الأحوال سيكون عقابهما بعد موتهما أخف، كما ينبغي أن تبذل قصارى جهدك في عقد شركة معهما حول بعض الأمور والأفكار والآراء الإيجابية. هذا ما يسمى بالاحترام، ويمكن تسميته أيضًا بأفضل أنواع برّ الوالدين وأفضل تتميم لمسؤولياتك. هل يمكنك تحقيق ذلك؟ (نعم). على المستوى الروحي والنفسي، امنحهما التشجيع والدعم. وعلى المستوى المادي، أثناء مرافقتك لهما في المنزل، ابذل قصارى جهدك لمساعدتهما في إنجاز بعض الأعمال، واعقد شركة حول بعض الأمور التي تفهمها والتي يمكن لوالديك استيعابها. ساعدهما على التروي، وعدم إرهاق نفسيهما كثيرًا، وعدم إثارة ضجة كبيرة حول الأمور المالية وجميع أنواع الأمور الأخرى، وترك الأمور تأخذ مجراها. هذا ما يسمى بالاحترام. عامل والديك على أنهما شخصان صالحان ومحترمان، وأدِّ جزءًا من مسؤولياتك تجاههما، وأظهر لهما شيئًا من برّ الوالدين، وأدِّ بعض التزاماتك تجاههما. هذا يسمى الاحترام. الوالدان اللذان يتفهمان إيمانك بالله على هذا النحو ويدعمانه هما وحدهما الجديران بالاحترام. وبخلافهما، لا يستحق والدان آخران الاحترام. إلى جانب حثهما لك على كسب المال، فهما يريدانك أن ترتقي في العالم، وأن تصنع اسمًا لنفسك، وأن تفعل هذا أو ذاك. هذان هما الوالدان اللذان لا يهتمان بشؤونهما الصحيحة، وهما غير جديرين بالاحترام.

أنتم الآن جميعًا تفهمون التخلي عن توقعات الوالدين، وأنتم قادرون على التخلي عن توقعات والديكم. ما الأشياء الأخرى التي لا تستطيعون التخلي عنها؟ عندما يتعلق الأمر بحياة والديك أو والديك نفسيهما، ما الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة إليك؟ أي، ما الأشياء التي يصعب عليك تركها أو التخلي عنها على المستوى العاطفي؟ "والداك ليسا دائنيك؛ والداك ليسا سيدا حياتك ومصيرك"؛ ألم ننته في الأساس من عقد شركة حول هذا الموضوع؟ هل تفهمه؟ (نعم). والداك ليسا دائنيك؛ أي أنه لا ينبغي لك أن تفكر دائمًا في كيفية رَدّ إحسانهما لمجرد أنهما قضيا وقتًا طويلًا في تربيتك. إذا لم تكن قادرًا على رَدّ إحسانهما، وإذا لم تكن لديك الفرصة أو الظروف المناسبة لرَدّ إحسانهما، فستشعر دائمًا بالحزن والذنب، إلى الحد الذي يجعلك تشعر بالحزن حتى عندما ترى شخصًا ما مع والديه أو يعتني بهما أو يقوم ببعض الأشياء لإظهار برّه بوالديه. لقد قدَّر الله أن يربيك والداك لكي تكبر وتصبح راشدًا، وليس لكي تقضي حياتك في رَدّ إحسانهما. لديك مسؤوليات والتزامات يجب عليك الوفاء بها في هذه الحياة، وطريق يجب أن تسلكه، ولديك حياتك الخاصة. لا يجب أن تضع كل طاقتك في هذه الحياة في رَدّ إحسان والديك. هذا مجرد شيء يرافقك في حياتك وفي طريق حياتك. أما من الناحية الإنسانية والعلاقات العاطفية، فهو أمر لا مفر منه. ولكن من حيث نوع العلاقة التي قُدِّر أن تكون بينك وبين والديك، سواء أكنتم ستعيشون معًا لبقية حياتكم، أو أنكم ستفترقون ولا يربطكم مصير واحد، فهذا يعتمد على تنظيمات الله وترتيباته. إذا كان الله قد نظم ورتب أن تكون في مكان مختلف عن والديك خلال هذه الحياة، وأن تكون بعيدًا جدًا عنهما، وألا تقدر على العيش معهما في كثير من الأحيان، فإن الوفاء بمسؤولياتك تجاههما هو بالنسبة إليك مجرد نوع من الاشتياق. وإذا كان الله قد رتب لك أن تعيش قريبًا جدًا من والديك في هذه الحياة، وأن تكون قادرًا على البقاء إلى جانبهما، فإن الوفاء بشيء من مسؤولياتك تجاه والديك، وإظهار بعض البرّ بهما من الأمور التي يجب عليك القيام بها في هذه الحياة؛ ليس ثمة ما يمكن انتقاده في هذا الأمر. ولكن إذا كنت في مكان مختلف عن والديك، ولم تكن لديك الفرصة أو الظروف المناسبة لإظهار البرّ لهما، فلا داعي لأن تعتبر ذلك أمرًا مخجلًا. لا يجب أن تشعر بالخجل من مواجهة والديك لأنك غير قادر على إظهار البرّ لهما، كل ما في الأمر أن ظروفك لا تسمح بذلك. يجب أن تفهم بوصفك ابنًا أن والديك ليسا دائنيك. ثمة الكثير من الأمور التي يجب عليك القيام بها في هذه الحياة، وهذه كلها أشياء يجب أن يقوم بها الكائن المخلوق، وقد ائتمنك عليها رب الخليقة، ولا علاقة لها بردّ إحسان والديك. إن إظهار برّ الوالدين، ورَدّ الجميل لهما، ورَدّ إحسانهما؛ هذه الأمور لا علاقة لها برسالتك في الحياة. يمكن أن يُقال أيضًا إنه ليس من الضروري أن تظهر برّ الوالدين، أو أن تردّ إحسانهما، أو أن تقوم بشيء من مسؤولياتك تجاههما. وبعبارة أوضح، يمكنك القيام بشيء من ذلك والوفاء بشيء من مسؤولياتك عندما تسمح ظروفك بذلك، أما عندما لا تسمح فلا داعي للإصرار على ذلك. إذا لم تستطع الوفاء بمسؤوليتك لتكون بارًا بوالديك، فهذا ليس بالأمر الفظيع، ولكنه يتعارض قليلًا مع ضميرك، وأخلاقك الإنسانية، ومفاهيمك البشرية. لكنه على أقل تقدير لا يتعارض مع الحق، ولن يدينك الله عليه. عندما تفهم الحق، لن يشعر ضميرك بالتوبيخ بسبب هذا. ألا تشعر قلوبكم بالثبات الآن بعد أن فهمتم هذا الجانب من الحق؟ (بلى). يقول بعض الناس: "على الرغم من أن الله لن يدينني، لا زلت لا أستطيع في ضميري أن أتجاوز هذا، وأشعر بعدم الثبات". إذا كان هذا هو حالك، فقامتك ضئيلة للغاية، وأنت لم تفهم جوهر هذه المسألة أو تدركها. أنت لا تفهم قدر الإنسان، ولا تفهم سيادة الله، وغير مستعد لقبول سيادة الله وترتيباته. أنت تمتلك دائمًا الإرادة البشرية ومشاعرك الخاصة، وهذه الأشياء هي التي تقودك وتسيطر عليك؛ بل أصبحت هي حياتك. إذا اخترت الإرادة البشرية ومشاعرك، فأنت لم تختر الحق، ولا تمارس الحق أو تخضع له. إذا اخترت الإرادة البشرية ومشاعرك، فأنت تخون الحق. من الواضح أن ظروفك وبيئتك لا تسمح لك بإظهار برّ الوالدين، ولكنك تفكر دائمًا: "أنا مدين لوالديّ. لم أظهر لهما برّ الوالدين. لم يرياني منذ سنوات عديدة. لقد ربياني هباءً". أنت غير قادر أبدًا في أعماق قلبك على التخلي عن هذه الأشياء، ما يثبت شيئًا واحدًا: أنك لا تقبل الحق. أنت تقر من جهة التعاليم بأن كلام الله صحيح، لكنك لا تقبله باعتباره الحق، أو تعتبر أنه مبادئ لأفعالك. لذا، عندما يتعلق الأمر بمسألة كيفية معاملتك لوالديك على أقل تقدير، فأنت لست شخصًا يسعى إلى الحق. هذا لأنك لا تتصرف في هذه المسألة على أساس الحق، ولا تمارس وفقًا لكلام الله، بل ترضي فقط احتياجاتك العاطفية واحتياجات ضميرك، وتريد أن تظهر برّ الوالدين وتردّ لهما إحسانهما. على الرغم من أن الله لا يدينك على هذا الاختيار، وهو اختيارك، إلا أن من سيخسر في نهاية المطاف – لا سيما من حيث الحياة – هو أنت. أنت مقيد دائمًا بهذا الأمر، وتعتقد دائمًا أنك تخجل من مواجهة والديك، وأنك لم تردّ إحسانهما. عندما يرى الله ذات يوم أن رغبتك في ردّ إحسان والديك كبيرة جدًا، سيمضي قدمًا وينظم لك بيئة مناسبة، ويمكنك عندئذٍ أن تذهب إلى المنزل فحسب. ألست تعتقد أن والديك أسمى من كل شيء، بل أسمى من الحق؟ من أجل إظهار برّك بوالديك وإرضاء احتياجات ضميرك ومشاعرك، أنت تفضّل أن تخسر الله، وتنبذ الحق، وتنبذ فرصتك في نيل الخلاص. حسنًا، لا بأس، هذا خيارك. لن يدينك الله على ذلك. سينظم الله بيئة لك، وسوف يشطبك من قائمته، وسيتخلى عنك. إذا اخترت العودة إلى المنزل لإظهار برّ الوالدين وعدم أداء الواجب، فأنت تهرب وتتخلى عن الواجب الذي عهد الله به إليك، وتتخلى عن إرسالية الله لك وتوقعاته منك، وتتخلى عن الواجب الذي كلّفك الله به، وتنبذ فرصتك في أداء الواجب. إذا عدت إلى البيت ليجتمع شملك بوالديك، ولإشباع حاجات ضميرك، ولإرضاء توقعات والديك، فلا بأس بذلك، يمكنك أن تختار العودة إلى البيت. إذا لم تستطع حقًا التخلي عن والديك، يمكنك أن تبادر برفع يدك وتقول: "أفتقد والديّ كثيرًا. أشعر بتأنيب الضمير كل يوم، ولا أستطيع إرضاء مشاعري، وقلبي يتألم. أشتاق إلى والديّ، وأفكر فيهما باستمرار. إذا لم أعد لإظهار برّ الوالدين في هذه الحياة، أخشى ألا تتاح لي فرصة أخرى، وأخشى أن أندم على ذلك". يمكنك العودة إلى المنزل إذًا. إذا كان والداك هما السماوات والأرض بالنسبة إليك، إذا كانا أهم عندك من حياتك، وإذا كانا كل شيء بالنسبة إليك، فيمكنك أن تختار عدم التخلي عنهما. لن يجبرك أحد على ذلك. يمكنك أن تختار العودة إلى المنزل لإظهار برّ الوالدين ومرافقتهما، لتمكينهما من عيش حياة طيبة، وردّ إحسانهما. لكن عليك أن تفكر في هذا الأمر مليًا. إذا اتخذت هذا الخيار اليوم، وفقدت في النهاية فرصتك في نيل الخلاص، فأنت وحدك من سيتحمل هذه العاقبة. لا يمكن لأي شخص آخر أن يتحمل هذا النوع من العواقب عنك، بل يجب أن تتحملها أنت بنفسك. هل تفهم؟ (نعم). إذا كنت تفضل أن تنبذ فرصتك في أداء الواجب ونيل الخلاص، لكي يكون والداك دائنيك فحسب، ولكي تتمكن من سداد ديونك لهما، فهذا خيارك. لا أحد يجبرك. هب أن شخصًا ما في الكنيسة يطلب منك قائلًا: "العيش بعيدًا عن المنزل صعب للغاية. أفتقد والديّ كثيرًا. لا أستطيع أن أتخلى عنهما في قلبي. كثيرًا ما أحلم بهما. في ذهني وفي قلبي، كل ما أفكر فيه هو ظلالهما، وأشعر بالذنب أكثر فأكثر تجاه كل ما فعلاه من أجلي. والآن بعد أن كبرا في السن، أشعر أكثر فأكثر بأنه من الصعب جدًا على الوالدين تربية طفل، وأنه يجب أن أردَّ لهما إحسانهما وأمنحهما بعض الفرح، وأريحهما بوجودي معهما لبقية حياتهما. أنا أفضل أن أتخلى عن فرصتي في الخلاص حتى أتمكن من العودة إلى البيت لأظهر لهما برّ الوالدين". في هذه الحالة، يمكنه تقديم طلب قائلًا: "إنني أرفع هذا الطلب! أريد العودة إلى المنزل لأكون بارًا بوالديَّ، ولا أريد أن أؤدي واجبي". ينبغي أن توافق الكنيسة حينئذ على ذلك، ولا حاجة لأن يحاول أحد إثناءه أو عقد شركة معه. إن قول أي شيء آخر له سيكون حماقة. عندما لا يفهم الناس أي شيء على الإطلاق، يمكنك أن تتكلم معهم أكثر قليلًا، وأن تعقد شركة عن الحق حتى يتضح. إذا لم تكن قد عقدت شركة واضحة حول الحق، واتخذ خيارًا خاطئًا نتيجة لذلك، فأنت مسؤول عن ذلك. ولكن إن كان قد فهم كل شيء من حيث التعاليم، فلا حاجة لأحد أن يحاول إثناءه. إنه مثل قول بعض الناس: "أنا أفهم كل شيء، لست بحاجة إلى أن تخبرني بأي شيء". هذا ممتاز، لا تضيع مجهودك معه هباءً، يمكنك أن توفر على نفسك بعض العناء. ينبغي أن تسمح لمثل هؤلاء الناس بالعودة إلى ديارهم على الفور. أولًا، لا تمنعهم؛ ثانيًا، ادعمهم؛ ثالثًا، أعطهم شيئًا من المواساة والتشجيع، قائلًا: "اذهب إلى بيتك وأظهر لوالديك بعضًا من البرّ الصحيح بالوالدين. لا تغضبهما أو تضايقهما. إذا كنت تريد أن تظهر لهما برّ الوالدين وترد لهما إحسانهما، فعليك أن تكون ابنًا بارًا بهما. لكن لا تندم عندما لا تستطيع نيل الخلاص في النهاية. رحلة سعيدة، أتمنى أن تسير الأمور على ما يرام!" أنحن متفقون؟ (بلى). إذا أراد شخص ما الذهاب إلى المنزل لإظهار برّ الوالدين، فلا بأس، لا ينبغي أن يكتم هذا. إن أداء الواجب عمل طوعي، ولن يصرّ أحد على أن تقوم به. لن تُدان على عدم أداء الواجب. إذا أديت واجبًا، فهل ستنال الخلاص بالضرورة؟ ليس بالضرورة. هذا مجرد سؤال عن موقفك من أداء الواجب. هل ستهلك إذًا إن لم تؤد واجبًا؟ لم يقل أحد ذلك. على أي حال، على الأرجح سينتهي أملك في الخلاص. يقول بعض الناس: "هل برّ الوالدين أمرٌ جيد أم سيِّئ؟". لا أعرف. إذا أردت أن تكون بارًا بوالديك فافعل ذلك. لن نقيّم ذلك، فذلك لن يكون له معنى. هذه مسألة إنسانية ومشاعر. إنها مسألة اختيار طريقتك في الوجود. لا علاقة لها بالحق. من يريد العودة إلى الديار وإظهار برّ الوالدين يمكنه أن يختار ذلك بحرية. لن يصرّ بيت الله على بقائه، ولن يتدخل بيت الله. لا ينبغي لقادة الكنيسة والناس من حولهم أن يمنعوه من العودة إلى الديار. لا ينبغي لهم أن يحاولوا إثناء هذا النوع من الأشخاص، أو عقد شركة حول الحق معه. إذا أردت العودة إلى ديارك، فاذهب. سيودّعك الجميع ويأكلون معك بعض الفطائر ويتمنون لك رحلة آمنة.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.