كيفية السعي إلى الحق (1) الجزء الثاني
مختلف المشاعر التي لا بد من التخلي عنها، والتي نناقشها اليوم، هي أشياء متأصلة بعمق في نفوس الناس. تأثير هذه الأشياء فيك ليس مؤقتًا، بل إن تأثيرها بعيد المدى وعميق. عندما تجِد صعوبة في النوم في منتصف الليل، وعندما تكون بمفردك تمامًا، فإنَّ أولئك الناس وتلك الأحداث والأشياء التي تسببت في ظهور مشاعر سلبيَّة فيك والمتجذرة بعمق في ذاكرتك، تطفو – شيئًا فشيئًا – إلى سطح ذهنك. كلمة أو صوت أو حتى سُبَّة، أو ضربة أو مشهد أو شيء، أو مجموعة من الناس أو تسلسل حَدَث مِن البداية إلى النهاية – كل هؤلاء الناس وهذه الأحداث والأشياء الموجودة في أعماق ذاكرتك، التي تسببت في ظهور كل أنواع المشاعر السلبيَّة فيك، تُعرَض أمام ذهنك مثل فيلم. يُشغَّل الفيلم مرارًا وتكرارًا إلى أن تتراجع أخيرًا، ودون وعي، إلى تلك المشاعر السلبيَّة المختبئة في أعماق روحك، وإلى تلك اللحظة التي أثّرت في مشاعرك وإنسانيتك وطبعك وحياتك المستقبلية. عندما تكون بمفردك، وعندما تواجِه الصعوبات، وعندما يكون عليك أن تتخذ قرارًا، وعندما تَشعُر باليأس، لا يمكنك إلا أن تتقوقع حول نفسك وتجنُّب الجميع، والانسحاب إلى أعمق أعماق نفسك تجاه ذلك الموقف وذلك الحدث، وتلك المجموعة من الناس الذين سبَّبوا لك الألم. على الرغم مِن أن هؤلاء الناس وهذه الأحداث والأشياء أشعرتك بأنك تتعرض لهجوم وألحقت بك الأذى، وزرعت في داخلك كل أنواع المشاعر السلبيَّة، فعندما تشعر بالإحباط والاكتئاب، وعندما تكون في مواجهة الإخفاق، وحتى عندما يهذِّبك إخوتك وأخواتك أو يرفضونك، لا يسعك سوى أن تتراجع إلى داخل ذلك الشعور السلبي الذي يمارس تأثيره في حياتك، سواء أكان ذلك قنوطًا أو كراهية أو غضَبًا أو دونيَّة. على الرغم من أنَّ هذه المشاعر جلبت لك كل أنواع الألم، أو أنها أشعرتك بعدم الارتياح، أو أبكتك، أو أشعرتك بالغضب، فإنك لا تزال غير قادر على منع نفسك من العودة دائمًا إلى ذلك الشعور السلبيِّ الذي شعرتَ به في تلك اللحظة. عندما تعود إلى تلك اللحظة، فإن ذلك الشعور السلبيُّ يعزِّز تأثيره فيك مرة أخرى. عندما يؤثر هذا الشعور السلبيُّ فيك، ويذكِّرك وينبهك مرارًا وتكرارًا، فإنه، بصورة غير مرئية، يعرقل استماعك إلى كلام الله وفهمك لمبادئ الحق. عندما تعود هذه المشاعر السلبيَّة للظهور مرة أخرى في أعماق قلبك، عندما تؤكِّد هيمنتها على أفكارك، سيضعُف اهتمامك بالحق، بل سيتحوَّل إلى النفور، أو قد تَظهر مشاعر التحدي. بسبب الأذى والمعاملة غير العادلة التي تلقيتَها في الماضي، قد تنظُر إلى البشريَّة والمجتمع بعداء أكبر وتكرَه كل ما حدَثَ، وكذلك، بالطبع، كل ما سيحدُث في المستقبل. تَظهَر هذه المشاعر باستمرار في قلبك، وتؤثِّر بصورة متكررة في مشاعرك وحالتك وحالك؛ كما أنها تؤثر بصورة متكررة فيما تشعر به خلال أداء واجبك، وكذلك موقفك ووجهات نظرك في أداء واجبك، وبالطبع، دوافعك وعزيمتك على السعي إلى الحقِّ. في بعض الأحيان، تكون قد عقدتَ العزم فحسب على السعي إلى الحقِّ وألا تشعر أبدًا بالبؤس مرة أخرى، وألا تصدِّق أبدًا أنك لست جيدًا بالقدر الكافي وألا تتراجع مرة أخرى، لكن عندما يملأ قلبك شعور سلبيٌّ لحظي، فقد يختفي دافعك للسعي إلى الحقِّ تمامًا، ويتلاشى دون أثر في غمضة عين. عندما يختفي دافعك للسعي إلى الحقِّ دون أن يترك أثرًا في وضع من هذا النوع، فإنك تشعر حينها أن السعي إلى الحقِّ غير مثير للاهتمام، وأن الإيمان بالله وبلوغ الخلاص لا معنى لهما بالنسبة لك. إنَّ ظهور هذا النوع من الشعور والحالة يجعلك غير راغب في المثول أمام الله مرة أخرى، وغير راغب في قراءة كلام الله مصلِّيًا به أو الاستماع إلى كلام الله، فضلًا عن أنك بالطبع لا تمتلك أي عزم أو رغبة في تطبيق كلام الله، أو أنْ تصير شخصًا يسعى إلى الحق. هذه هي العقبة الهائلة التي تضعها هذه المشاعر السلبيَّة المتنوعة أمام الأشخاص الذين يسيرون في طريق السعي إلى الحق، وهذا هو تأثيرها فيهم. وبشكل أدق، فإنها تسبب تعطيلًا وأضرارًا للناس، ومن وقت لآخر ستسلب مِزْقة الثقة التي تمكنتَ للتو من حشدها ومبادئ السلوك القليلة التي لم تفهمها إلا للتو وتحيلُها هباءً منثورًا. إنها تجعلك في لمح البصر غير قادر على أن تدرك في أعماق قلبك وجود الله، وبرَكات الله، وسيادة الله، وتدبيره لك، وفي غمضة عين تمتلئ بأيٍ من هذه المشاعر السلبيَّة. عندما تمتلئ بهذه المشاعر السلبيَّة، فإن شخصياتك الفاسدة ستسيطر في داخلك فورًا. عندما تسيطر عليك شخصياتك الفاسدة، فإنك تصبح على الفور شخصًا مختلفًا وتُظهر وجهًا مختلفًا للناس والأحداث والأشياء مِن حولك. لقد ذهبت المحبة التي كانت لديك مِن قَبْلٍ، لقد ذهبَ الصَّبْر الذي كان لديك مِن قَبْلٍ، وذهبت الطاقة التي كانت لديك مِن قَبْلٍ لتعاني وتدفَع الثمن، ولتتحمَّل الضيقات والعمل الشاق، وذهبَ الدافع الذي كان لديك مِن قَبْلٍ لتفوِّت وجبة وتقلِّل فترة نومك لكي تؤدي واجبك حسنًا، وما حلَّ محله هو العَدَاء تجاه كل شخص. ما المصدر الأساسي لهذا العَدَاء الذي تشعُر به تجاه الجميع؟ إنه ينبع من شخصيتك الفاسدة، ولكنه ينبع أيضًا من الأوضاع والناس والأحداث والأشياء التي اختبرتَها في الماضي، التي تسبَّبت في ظهور مشاعر سلبيَّة فيك. أنت تقول: "أنا أتسامَح مع الآخرين، ولكن مَن يتسامح معي؟ أُظهِر للآخرين تفهمًا، ولكن من يُظهِر لي التفهم؟ حتى والدي أو إخوتي وأخواتي لم يُظهروا لي أي تفهُّم! جميع الناس الآخرين يُخطِئون، وأنا أيضًا أخطئ! ينفِّس الآخرون عن سلبيتهم عندما يُهذَّبون، فلماذا لا يمكنني ذلك؟ يستطيع أناس آخرون التنافس على النفوذ والمنصِب، فلماذا لا أستطيع أنا؟ إذا كنتَ تستطيع، فأنا أستطيع! يغِش الآخرون ويحاولون التنصُّل من مسؤولياتهم عند أداء واجباتهم، وأنا أيضًا سأفعل ذلك. الآخرون لا يسعون إلى الحق، وأنا أيضًا لن أسعى إليه. يتصرَّف الآخرون دون مبادئ، وأنا أيضًا سأفعل ذلك. الآخرون لا يَحمون مصالح بيت الله، وأنا أيضًا لن أحميها. لن أتبعَ سوى ما يفعله الآخرون. ما الخطأ في ذلك؟". أي نوع من المظاهر هذا؟ سواء نظرنا إلى الأمر من حيث أفكارك أو شخصيتك التي تكشف عنها، فهو ليس أقل من انعطاف بمقدار 180 درجة، كما لو أنك أصبحتَ شخصًا آخر. ماذا يحدُث هنا؟ السبب الجذري هو أنك مررتَ بتغيير داخلي. قد تبدو ظاهريًّا مثلما أنتَ، وروتينك اليومي كما هو، ونبرة كلامك كما هي، ومظهرك كما هو، ولا أحد يقودك أو يحرِّضك خلف الكواليس، فلماذا هذا التدفق المفاجئ للشعور؟ أحد الأسباب هو المشاعر السلبيَّة المغروسة في أعماق قلبك. الشخص الذي يضمر دائمًا في داخله مشاعر الكراهية والغضب السلبية، غالبًا ما يأتي أمام الله للصلاة ويقرأ كلام الله، عندما تكون حالته جيدة، وسيضمَن أن يسير كل شيء بشكل طبيعي عند السعي إلى الحق وأداء واجبه. إذا واجهَ شيئًا ما لا يعجبه، أو واجهَ انتكاسة ما أو إخفاقًا أو إحراجًا في العمل أو الحياة، أو تعرَّضَ لبعض من فقدان ماء الوجه أو الإضرار بمصالحه، فإن الكراهية والغضب الناجمَين عن المشاعر السلبيَّة داخله يُصيبانه بغضب وهياج محمومَين. ربما اختبر سابقًا بعض الأحداث الخارجة عن المألوف، مثل سوء المعاملة، أو الضرب العشوائي على يد الأشرار، أو الاستيلاء على ممتلكاته، أو الاستقواء عليه أو حتى إذلال الأشرار له؛ ربما كان لبعض الناس زملاء أو رؤساء يُصعِّبون الأمور عليهم في العمل، وربما عانى البعض من التمييز والمعاملة غير العادلة من زملاء الدراسة والمعلِّمين في المدرسة بسبب ضَعف أدائهم الدراسي، أو سوء الظروف في المنزل، أو لأن والدَيهم كانا مزارعَين ومن الطبقة الدنيا من المجتمع، وهكذا. عندما يعاني شخص ما جميع أنواع المعاملة غير العادلة في المجتمع، عندما يُجرَّد من حقوقه الإنسانية، أو عندما تُصادَر مصالحه أو تُسلب منه ممتلكاته، فمن الطبيعي أن تُزرع بذور الكراهية في أعماق قلبه، وكما هو متوقَّع، فإنه سيجلب هذه الكراهية إلى طريقة تعامله مع المجتمع والبشريَّة، وحتى مع عائلته وأصدقائه وأقاربه. إن آراء الذين غُرست الكراهية في قلوبهم تتأثر بهذه الكراهية، ومن الطبيعي أنْ تصطبِغ عواطفهم بها أيضًا.
بمجرَّد أن تتجذَّر الكراهية في أعماق قلب شخص ما، فإنها تصبح بصورة طبيعية شعورًا، وعندما يعيش شخص ما داخل مشاعر الكراهية هذه، فإن وجهة نظره تجاه البشريَّة وتجاه أي مسألة لا تعود صحيحة؛ تصير آراؤه عن الناس والأشياء منحرفة ومتناقضة مع ما كانت لتصبح عليه بصورة طبيعية. إنه يصير غير قادرٍ على الفَهم الصحيح لأي شخص أو حَدَث أو شيء عادي وسليم، كما أنه سيدينهم ويشجبهم. إنه دائمًا ما يبحث عن فرصة للتنفيس عن مظالمه وكراهيته. إنه يرجو أن يتمتَّع ذات يوم بالقوة والنفوذ، وأن يتمكَّن من تصحيح كل هذه المظالم والانتقام من أولئك الذين استقووا عليه في الماضي وآذوه، لكنه لا يمتلك في الوقت الحالي طريقة مناسبة لتحقيق ذلك، ومن ثمَّ سيؤمِن بعض هؤلاء بالله في النهاية. بعد أن يبدأ في الإيمان بالله، يفكر: "أواه، أنا الآن أؤمِن بالله وبوسعي الآن رفع رأسي عاليًا. سأدَع الله يقرِّر الأمور لي حتى ينال هؤلاء الأشرار جزاءهم العادل. هذا عظيم!". لذا، الآن وقد آمنوا بالله، فإنهم يدفنون كراهيتهم وغضبهم في أعماقهم، ويقدمون كل ما لديهم لبذل أنفسهم ودفع الثمن والمعاناة، والانشغال والعمل في بيت الله، على أمل أنْ تسفر جهودهم ذات يوم عن حُسن الحظ وأن تقلب الأمور رأسًا على عقب، وعلى أمل أنه عندما يأتي اليوم الذي يصبحون فيه أقوى ولا يعودون ضعفاء، فإنهم سيتأكدون من معاقبة أولئك الذين استقووا عليهم وأذلوهم. إنَّ غرضهم من القيام بكل هذا هو أنْ يشهدوا بأم أعينهم العقاب والقصاص الواقعين على أولئك الذين تسببوا لهم في مثل هذا الألم والإذلال الذي لا نهاية له. إنهم يحملون هذا الشعور إلى إيمانهم بالله، دافعين الثمن، وباذلين أنفسهم. ظاهريًّا، يبدو كما لو أنهم لا يشتكون أبدًا أو يرغبون في أي شيء أو يطلبون أي شيء، وأنهم يَنْكَبُّونَ بكلِّ إخلاص على أداء واجبهم في بيت الله، وأنه لا يعظم في أعينهم أي قدْرٍ من المعاناة. ولكن في الواقع، تظل مشاعر الكراهية والغضب الكامنة في أعماق قلوبهم دون حلّ، ولم يتخلوا عنها. في اللحظة التي يعبِّر فيها شخص ما عن رأيه ويكشِف عن شخصيتهم الفاسدة، فإنهم يهرعون بالعودة – فورًا دون وعي – إلى مشاعر الكراهية والغضب لمواجهة هذه المشكلة وحلها. إنه يفكِّر: "هل تستخف بي؟ هل تحاول الاستقواء عليَّ لأنك تظن أنني طيب السريرة؟ الكثير من الناس يستقوون عليَّ، لكن انتظر فحسب وانظر النهاية التي تنتظرهم!". ثمة شخص ما يقول شيئًا عنه فحسب فيتأذى جراء ذلك، حتى وإنْ كان عن غير قصد. ولكن إذا تطرق ذلك الشخص إلى نقطة حساسة، فإن مشاعر الكراهية والغضب تثار لديهم، ومن ثمَّ يهرعون – دون وعي – للعودة إلى الشعور بالكراهية تجاه كل شيء. من الواضح أنَّ وجهة النظر هذه، وهذا الشعور قد أثّرا في منظورهم وموقفهم تجاه الناس والأشياء، وتجاه الطرق والوسائل التي يتصرفون بها ويفعلون. بصرف النظر عمن يقدِّم لهم آراء واقتراحات مشروعة، فإنه دائمًا ما يفكِّر: "إنه ينظر إليَّ بازدراء ويرغب في الاستقواء عليّ. هل يَظُنُّ أنَّ من السهل ملاحقتي بالأوامر؟". إنهم يستخدِمون وجهة النظر هذه، وهذه الطريقة في التعامل مع الموقف، وفي أثناء ذلك كله، تصبح مشاعِر الكراهية والغضب أكثر رسوخًا في قلوبهم. بمجرَّد أن تصير مشاعر الكراهية والغضب متأصلة بعمق في أعماق قلوبهم، فإنها تنمو باستمرار، ويستخدمها الشخص باستمرار لمواجهة جميع أنواع الناس والأحداث والأشياء، كما أنه يذكِّر نفسه دائمًا بأنَّ عليه أن يكره الجميع، وأن لا أحد يعامله بلطف. حتى لو اعتقد للحظة أن شخصًا ما يعامله جيدًا، فسرعان ما سيقول لنفسه لا إراديًّا ولا شعوريًا: "لا تفكِّر هكذا. بخلاف الله الصالح حقًّا، ليس ثمة أناس صالحين. الجميع يشمتُ في بليَّتك ولا أحد يتمنى لك الخير. إنهم يعتقدون أنك طيب السريرة، ولذلك يستقوون عليك، وعندما يرونك تنجح في شيء ما، فإنهم يُطرون عليك ويتوددون إليك. ولذلك لا تصدِّق أحدًا ولا تنظر إلى أحد بعين العطف. عليك أنْ تكون حَذِرًا ومرتابًا مع الأناس الآخرين". عندما يقول له شخص ما كلمة، يحللها ويفكر: "هل يترصدني؟ لماذا قال ذلك؟ أيحاول مهاجمتي والانتقام مني بسبب شيء ما؟ أيحاول أن يلاحقني بالأوامر؟". إن مشاعر الارتياب والكراهية والغضب هذه تذكِّرهم مرارًا وتكرارًا وتجعلهم يستخدمون هذه المشاعر دون وعي في نهجهم وتعاملهم مع كل نوع من الأشخاص والأحداث والأشياء، ومع ذلك فهُم أنفسهم غير مدركين تمامًا أن هذه كلها أنواع من المشاعر السلبيَّة. هذه المشاعر السلبية تمارِس سَيطرة مُحكَمة على حكمهم وتقيِّد تفكيرهم بإحكام، وتمنَعهم من رؤية أي شخص أو حدث أو شيء من المنظور أو وجهة النظر الصحيحة. عندما يبدأ المرء في العيش تحت تأثير هذه المشاعر السلبيَّة، يصبِح من الصعب جدًّا الهروب من سيطرتها. قبل أنْ يتخلى شخص ما عن هذه المشاعر السلبيَّة، فإنه يعيش بداخلها دون إدراك منه، وينظر من خلالها إلى الناس والأحداث والأشياء، ويتعامل مع الناس والأحداث والأشياء بآراء خاطئة قد نشأت من هذه المشاعر السلبيَّة. أولًا، يؤدي هذا حتمًا إلى التطرُّف والريبة والشك وحتى التهوُّر، كما أنه سينظر للآخرين بعداءٍ ويهاجمهم. توجِّه هذه المشاعر السلبيَّة أفكار الشخص وآراءه الموجودة في قلبه، وتوجِّه كل كلمة وفِعل له. ولهذا السبب، عندما يصير هذا الشخص غارقًا في هذه المشاعر السلبيَّة، إذا كان شخصًا يسعى إلى الحق، فإنَّ هذه المشاعر السلبيَّة تؤدي إلى ظهور عقبات في قلبه وعقله ويكون لها تأثير، ولذلك فهو يمارِس الحقَّ بدرجة أقل كثيرًا. وبسبب الغِش والتعطيل والضَرر الذي تسبِّبه هذه المشاعر السلبيَّة، فثمة حدٌ للحقِّ الذي يمكنه تطبيقه، وعندما يواجه وضعًا ما، فإنه دائمًا ما يتأثر بمشاعره. وبالطبع فإن الأثر الأهم هو وقوعه تحت تأثير مختلف هذه المشاعر السلبيَّة، ومن ثمَّ تصير ممارسة الحق مرهِقة له. إنه غير قادرٍ على الاستفادة من ضمير الإنسانيَّة الطبيعيَّة وعقلها، ولا الإرادة الحرة والغريزة التي خلقها الله، ولا مبادئ الحق التي يتعيَّن على الإنسان ممارستها والالتزام بها في تعامله مع الناس والأشياء من حوله، وفي حكمه على الناس والأشياء من حوله.
مِن هذه الأشياء التي تحدثتُ عنها حتى الآن يتضح – أيًّا ما كانت الطريقة التي تنظر بها إلى الأمر – أنَّ مختلف المشاعر السلبيَّة تشغل ذهن كل شخص بدرجة ما. ولأنها تشغل عقول الناس، سينشأ قدر معيَّن من الصعوبة في أثناء ممارستهم للحق. لهذا السبب، يجب على الناس بينما يمرُّون بعملية السعي إلى الحقِّ أن يتخلوا باستمرار عن الناس والأحداث والأشياء التي تسبب ظهور مشاعر سلبيَّة فيهم. على سبيل المثال، الشعور السلبي بالدونيَّة الذي ناقشناه سابقًا. بصرف النظر عن الموقف أو الشخص أو الحدث الذي تسبب في شعورك بالدونية، يجب أنْ يكون لديك الفهم الصحيح تجاه مستوى قدراتك ونقاط قوتك ومواهبك وجودة إنسانيتك. ليس من الصواب أنْ تشعُر بالدونيَّة، وليس من الصواب أنْ تشعُر بالتفوق؛ كلاهما شعور سلبيّ. يمكن للدونيَّة تقييد أفعالك وأفكارك، والتأثير في آرائك ومنظورك. وبالمثل، فإن التفوق له هذا التأثير السلبي أيضًا. لذلك، سواء كان الأمر يتعلق بالدونيَّة أو بشعور سلبي آخر، يجب أن يكون لديك الفهم الصحيح تجاه التفسيرات التي تؤدي إلى ظهور هذا الشعور. أولًا، عليك فهْم أنَّ تلك التفسيرات غير صحيحة، وسواء فيما يتعلق بمستوى قدراتك أو موهبتك أو جودة إنسانيتك، فإن التقييمات والاستنتاجات التي يكوِّنونها عنك دائمًا ما تكون خاطئة. كيف إذًا يمكنك أن تقيِّم نفسك وتعرفها بدقة، وتبتعد عن الشعور بالدونية؟ عليك اتخاذ كلام الله أساسًا لربح المعرفة عن نفسك، ومعرفة الشاكلة التي عليها إنسانيتك ومستوى قدراتك وموهبتك، ونقاط القوة التي تتمتَّع بها. على سبيل المثال، لنفترض أنك اعتدتَ محبة الترنيم، وكنت تقوم بذلك جيدًا، لكن بعض الناس ظلوا ينتقدونك ويقللون من شأنك، قائلين إنك كنت نشازًا وكان ترنيمك خارجًا عن اللحن، والآن تشعر أنك لا تستطيع الترنيم جيدًا ولم تعد تجرؤ على القيام بذلك أمام الآخرين. نظرًا لأن أولئك الأشخاص الدنيويين، وأولئك الناس مشوَّشي الذهن والناس متوسطي الموهبة، قدَّموا تقييمات وأحكامًا غير دقيقة عنك، فقد قُلصت الحقوق التي تستحقها إنسانيتك، وكُبتت موهبتك. ونتيجة لذلك، فإنك لا تجرؤ حتى على ترنيم ترنيمة، ولا تكون شجاعًا بما يكفي لأن تنطلق وترنِّم بصوت مرتفع إلا عندما لا يكون هناك أحد حولك أو عندما تكون بمفردك. لأنك عادة ما تشعُر بالكبت الشديد، لا تجرؤ على ترنيم ترنيمة عندما لا تكون وحيدًا؛ فأنت لا تجرؤ على الترنيم إلا عندما تكون بمفردك، وتستمتع بالوقت الذي يمكنك فيه الترنيم بصوت مرتفع وواضح، ويا له من وقت رائع ومحرِّر! أليس الأمر كذلك؟ بسبب الضرر الذي ألحقه بك الناس، فإنك لا تعرف بوضوح ما الذي يمكنك فعله بالفعل، وما تجيده، وما لا تجيده، أو لا تستطيع أنْ ترى ذلك بوضوح. في وضع من هذا النوع، يتعيَّن عليك إجراء التقييم الصحيح واتخاذ المقياس الصحيح لنفسك وفقًا لكلام الله. عليك تحديد ما تعلَّمته وأين تكمن نقاط قوتك، وأن تمضي وتقوم بكل ما يمكنك القيام به؛ فيما يتعلق بالأشياء التي لا يمكنك فعلها، ونواقصك وأوجه قصورك، فعليك أن تتأمل فيها وتعرفها، وعليك أيضًا تقييم مستوى قدراتك بدقة ومعرفة ما هو عليه، وما إذا كان جيدًا أم سيئًا. إذا لم تتمكن من فهم مشكلاتك أو ربح معرفة واضحة بها، فاطلب من الناس من حولك ممن لديهم فهم، أن يقيِّموك. بصرف النظر عما إذا كان ما يقولونه دقيقًا أم لا، فإنه على الأقل سيمنحك شيئًا للرجوع إليه والنظر فيه، وسيمكِّنك من الحصول على حكم أساسي أو توصيف لنفسك. يمكنك بعد ذلك حل المشكلة الأساسية للمشاعر السلبيَّة مثل الدونيَّة، والخروج منها تدريجيًّا. من السهل حل مشاعر الدونيَّة هذه إذا تمكَّن المرء من تمييزها والتيقُّظ لها وطلب الحقِّ.
بالنسبة إلى أولئك الذين عانوا من عدم المساواة في المعاملة، والذين تعرضوا لسوء المعاملة والتمييز ضدهم في المجتمع، وفي مهنهم المتنوعة، وفي بيئاتهم المتنوعة، هل من السهل علاج مشاعر الكراهية والغضب التي تنشأ داخلهم؟ (نعم). كيف تُعالَج؟ (عليهم النظر إلى الناس والأحداث والأشياء جميعًا وفقًا لكلام الله، والتخلِّي عن هذه المشاعر السلبيَّة كالكراهية والغضب، والتخلي عما أذاهم في الماضي من الأشخاص والأحداث والأشياء). إنَّ "التخلي" مجرد كلمة؛ كيف تتخلى؟ على سبيل المثال، تواعد امرأة ما رجلًا وينتهي بها المطاف باستدراجها إلى الفراش وخداعها لتعطيه مالًا، ومتى فكَّرت في ذلك شعرتْ بتدفق مفاجئ من الغضب، وعندما ينشأ هذا الغضب تقبض قبضتي يديها ويمتلئ أعماق قلبها بالكراهية. إنها تفكِّر في وجه ذلك الرجل، وتفكِّر في كل ما قاله، وتفكِّر في كل ما فعله وآذاها، وكلما زاد تفكيرها في هذه الأشياء، زاد غضبها، واشتدَّ سخطها، واشتعل حنقها، وزادت كراهيتها. تظل تفكر في الأمر ولا تعود ترغب في القيام بواجبها، ويصبح شعورها أسوأ فأسوأ، وتخبر نفسها بألا ترتاح بل تستمر فحسب في العمل والتحدُّث مع الآخرين، وعندما لا تستطيع النوم ليلًا، عليها الاعتماد على الحبوب المنوِّمة لتغفو. إنها لا تجرؤ على أن تكون وحدها أو تترك قلبها يرتاح. في اللحظة التي تجِد فيها نفسها وحيدة، في اللحظة التي تأخذ فيها قسطًا من الراحة، تندفع هذه الكراهية بداخلها وترغب في الانتقام، وفي جعل من آذاها يموت، وكلما كان الموت أكثر إزعاجًا كان ذلك أفضل. ولن تتمكَّن من التخلي عن مشاعر الكراهية والغضب إلا إذا سَمِعتْ يومًا ما خبرَ موت ذلك الرجل مَيْتة مأساوية. فكِّر في الأمر: إذا مات بالفعل، وإذا نال جزاءه العادل وعوقبَ، فهل ستتمكَّن من محو هذا الحَدَث الذي تسبَّب في ظهور الكراهية والغضب وتلك الذكرى المدفونة عميقًا جدًا في صميم قلبك؟ هل ستكون قادرًا حقًّا على التخلي عن كراهية ذلك الحَدَث؟ هل يمكن أن تختفي حقًّا؟ (لا). إذن، هل جعلُ ذلك الشخص الذي آذاك يختفي ويعاني العقاب، أو يموت ميتة كريهة، أو يعاني القصاص، أو يصل إلى نهاية سيئة، هو السبيل لعلاج الكراهية والغضب؟ أهذا هو سبيل التخلي عن الكراهية والغضب؟ (لا). ولذا، يقول بعض الناس: "عليك أن تتخلى عن مشاعر الكراهية والغضب عندما تكتشِف أنك تحملها" هل هذا مسار الممارسة؟ (لا). إذن، عندما يقول أحدهم: "عليك أن تتخلى"، ما هذا؟ (إنه تعليم). صحيح، إنه تعليم، وليس مسار الممارسة. لقد أخبرتكم للتو عن كيفية علاج الشعور بالدونيَّة، وهذه إحدى الطرق للتخلي عن الدونية. ألديكم الآن طريق الممارسة؟ (نعم). كيف تتخلى عن الكراهية والغضب إذن؟ هل عدم التفكير فيهما هو سبيل الممارسة؟ (لا). يقول بعض الناس بأن تطردهما من ذاكرتك؛ أهذا هو السبيل لحل المشكلة؟ هل سيعني ذلك أنك تخليتَ عن هذه الأشياء؟ (لا، لن يعني ذلك). إن هزَّ رؤوسكم، وإغلاق أعينكم وعدم التفكير في أي شيء، أو إبقاء أنفسكم مشغولين، ليس هو السبيل لحل هذه المشكلة، وليس هذا هو المسار الصحيح لممارسة التخلي عن هذه المشاعر السلبيَّة. إذن، ما هو على وجه التحديد مسار الممارسة؟ كيف يمكنك التخلي عن الأشياء؟ كيف يمكنك علاج هذه المسألة؟ هل لديكم طريقة جيدة للقيام بذلك؟ لكي تتخلى عن هذه الأشياء، عليك أن تواجهها، لا أن تختبئ منها أو تهرب منها. ألست تخشى أنْ تكون وحيدًا؟ ألست تخشى تذكُّر هذا الحَدَث؟ ألست تخشى أنْ يعيد شخص ما فَتح جُرحك؟ واجِه الأمر إذن، وخُذ كل ما جرحك في الماضي وتسبب في شعورك بالكراهية والغضب من الأشخاص والأحداث والأشياء، وكل هؤلاء الأشخاص الذين خلَّفوا فيك انطباعًا عميقًا، والذين يمكنك تذكُّرهم، ودوِّنهم جميعًا، وميِّز إنسانيتهم واحدًا تلو الآخر وفقًا لكلام الله، واعرف شخصياتهم، وشرِّحهم، واكشف عن جوهرهم واعرفه، وانظر ما يكون عليه أولئك الأشخاص بالضبط. استنتاجك النهائي – الاستنتاج الوحيد الذي يمكنك التوصل إليه – هو أن هؤلاء الناس جميعًا أشرار، وأنهم أبالسة، وليسوا بَشرًا! مهما تكن الطريقة التي يستخدمونها لإيذائك أو الإيقاع بك والتسبب في إيذائك فإنَّ جوهرهم هو جوهر الأبالسة لا البشر، وهم قطعًا ليسوا كائنات اختارها الله. لا يوجد أحد من بين هؤلاء الناس قادر على المجيء إلى بيت الله، بينما أنت مختار الله. أنت الآن قادر على الاستماع إلى العظات في بيت الله، وأداء واجبك في بيت الله، ويمكنك أن تَمثُل أمام الله؛ هذا رفع الله لك وإظهاره العطف لك. ومن ناحية أخرى، لم يَنظر الله قَط إلى هؤلاء الناس على أنهم أناس. لهذا السبب، عليك أنْ تضَع مسافة بينك وبينهم حالما تبدأ في الإيمان بالله. إذا كنتَ لا تزال راغبًا في مخالطتهم، فبالقطع لن تتمكن من التغلب عليهم، وسوف يقمعونك ويعاقبونك ويميِّزون ضدك ويهينونك ويؤذونك، بل إنهم حتى سيسيئون معاملتك. كل ما يفعلونه يوضِّح ما يفعله الأبالسة والشيطان. إذا كنت تستمتِع بمخالطتهم والعراك معهم، فأنت أيضًا لست بإنسانٍ. أنت مثلهم، وبوسعك عمل الأشياء عينها مثلهم. ذلك لأن الأبالسة لا يوقِعون بالناس فحسب، بل يؤذون بعضهم بعضًا أيضًا؛ هذه هي طبيعة الإبليس. بالنظر إلى أن الله قد اختارك وأنك تنتمي إلى البشريَّة التي خَلَقها الله، فكيف يُمكِن ألا تضايقك الأبالسة؟ كيف يمكنهم ألا يؤذوك ويوقعون بك؟ إنهم يؤذون الجميع. إنهم يؤذون بعضهم بعضًا، لذا فإنهم بالأحرى لن يتوقفوا عن ملاحقة الناس أو يتركوهم وشأنهم! يوضح هذا أنَّ هذا العالَم وهذه البشريَّة إبليسيان، وأنهما مغمورين تمامًا بأعمال الشيطان. من الصعب بصورة مذهلة أن تكون شخصًا صالحًا، ومن الصعب بصورة مذهلة أيضًا أنْ تكون مجرَّد شخص عادي لا يريد أن يضايقه أي شخص. إنك تحاول تجنب ذلك، لكنك لا تستطيع. هكذا هو العالم. بداية مِن الفهم الكافي لتكون قادرًا على الالتحاق بالمدرسة، إلى الدخول في المجتمع وبدء العمل، وصولًا إلى الموت، من منَّا لم يتعرض للمضايقة أو الخداع أو الاضطهاد خلال حياته؟ لا يوجد أحد مثل هذا على الإطلاق. مهما تبلغ مهارتك أو قدرتك، سيكون هناك دائمًا شخص أقوى منك ليضايقك. على الرغم من ذلك، يكمن الفرق في أنَّ كل شخص لديه فلسفات مختلفة للحياة. بعض الناس يتحملون الشدائد ويسلِّمون بها، لكن البعض الآخر مختلفون. بعد اختبار الخداع مرَّات عديدة، والاستقواء عليهم إلى درجة أنهم لا يعودون قادرين على تحمُّل ذلك ومعاناتهم بشدة، تنشأ فيهم مشاعر مثل الكراهية والغضب، ويكرَهون البشريَّة والمجتمع معًا. حالما ترى بوضوح جوهر أولئك الذين يؤذونك وطبيعتهم، وترى أنَّ جوهرهم هو جوهر الأبالسة، فإن الكراهية والغضب اللذان تشعر بهما لا يعودا موجَّهين نحو الناس، بل الأبالسة؛ ألا تقل كراهيتك حينئذٍ؟ (بلى). تقل كراهيتك إلى حد ما. وما ميزة أن تقل إلى حد ما؟ الميزة هي أنك عندما تواجه ذلك النوع من المواقف مرة أخرى، لن تصبح عاطفيًّا مجددًا، ولن تنظُر إلى الموقف بتهوُّر. بدلًا من ذلك، ستنظُر إليه بصورة صحيحة، وستميزه وتتعامل معه باستخدام كلام الله والحق، وستنظر إلى أولئك الذين يسببون لك الأذى مرة أخرى من وجهة نظر ضمير الإنسانية وعقلها، وسوف تستخدم – في تعاملك معهم – الطريقة التي علَّمك الله إياها والطريقة والمبادئ التي أخبرك بها الله. عندما تتعامل معهم بالطريقة التي أخبرك بها الله، لن تنشأ فيك الكراهية والغضب مرة أخرى، بل ستعرِف فساد البشريَّة، وتعرف وجه الأبالسة، وستتثبت وتتحقق مِن أنَّ كلام الله هو الحق بطريقة أكثر عمقًا وتقدمًا. عندما تستخدِم كلام الله والطريقة التي أخبرك بها الله، والطريقة التي علَّمك إياها لرؤية مثل هذا الأمر، فليس الأمر فحسب أنَّ هذا الأمر لن يؤذيك مرة أخرى، وأنه لن يتسبب في تعمُّق كراهيتك وغضبك، بل على النقيض، سيتسبب في أن تقل الكراهية والغضب في صميم قلبك تدريجيًّا، وبينما تختبر هذا النوع من الأمور مرارًا وتكرارًا، ستنمو قامتك، وستتغيَّر شخصيتك.
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.