ماذا يعني السعي إلى الحق (13) الجزء الثاني
في الاجتماع الأخير، عقدنا الشركة عن القول المتعلق بالسلوك الأخلاقي "اخضع للمهمة وابذل قصارى جهدك حتى يوم احتضارك"، وقضينا بعض الوقت في تشريح وفضح المتطلبات والتعبيرات والأفكار والآراء المتأصلة في هذا القول، وقد اكتسب الناس فهمًا محددًا لجوهره. بالطبع، من حيث الموضوعات المتعلقة بهذا الجانب، عقدنا الشركة أيضًا عن ماهية مقصد الله بالضبط، وماهية موقفه، وماهية الحقائق التي ينطوي عليها هذا، وكيف يجب على الناس رؤية الموت. عندما يواجه الناس مثل هذه الأشياء بعد أن يفهموا الحق ومقصد الله، يجب أن ينظروا إلى مثل هذه القضايا وفقًا لكلام الله ويتعاملوا معها وفقًا للحق، حتى يتمكنوا من تلبية متطلبات الله. علاوة على ذلك، فإن القول المتعلق بالسلوك الأخلاقي الذي ذكرناه في المرة الماضية: "دودة القز في الربيع تنسج حتى تموت، والشموع تحترق حتى تجف دموعها"، سطحي للغاية، ومجاله الفكري مبتذل للغاية، لذلك لا يستحق التشريح أكثر من ذلك. القول التالي المتعلق بالسلوك الأخلاقي الذي سنعقد الشركة عنه: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، يستحق التشريح. الأشياء التي تستحق التشريح تحتل مكانًا معينًا في أفكار الناس ومفاهيمهم. ففي خلال فترة معينة، ستؤثر على تفكير الناس، ونمط وجودهم، ومسارهم، وخياراتهم بالطبع. هذه هي النتيجة التي يحققها الشيطان من خلال استغلال الثقافة التقليدية لإفساد البشرية. يحتل القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" مكانًا معينًا في قلوب الناس وعقولهم، أي إن القضية التي يشير إليها هذا القول نموذجية بشكل خاص. خلال المنعطفات الحرجة في مصير بلادهم، سيتخذ الناس قرارات مبنية على هذا القول، وهو سيؤدي إلى ربط تفكيرهم وعمليات تفكيرهم الطبيعية وتقييدها. لذلك، فإن مثل هذه الأفكار والآراء تستحق التشريح. مقارنة بالأقوال التي ذكرناها سابقًا، وهي "لا تحتفظ بالمال الذي تجده"، و "سأتحمل رصاصة من أجل صديق"، و "سدد اللطف بكل امتنان"، و "يجب رد فضل تقديم قطرة ماء بينبوع فائض"، و "اخضع للمهمة وابذل قصارى جهدك حتى يوم احتضارك" وما إلى ذلك، فإنَّ معيار السلوك الأخلاقي: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، يحتل مجالًا أعلى في عالم الشيطان. إنَّ الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي التي شرَّحناها سابقًا، تشير إلى نوعٍ واحدٍ من الأشخاص أو نوعٍ واحد من الأمور الثانوية في الحياة، وكلها محدود، بينما هذا القول يغطي نطاقًا أوسع. إنه لا يتعلق بالأشياء الموجودة في نطاق "الذات الأقل"، بل يتطرق إلى عدد من القضايا والأشياء التي تتعلق بـ "الذات العليا". لذلك، يحتل هذا القول مكانة محورية في قلوب الناس، ويجب تشريحه لمعرفة ما إذا كان يجب أن يحتل مكانة معينة في قلوب الناس، وللتأكد من كيفية رؤية الناس لهذا القول المتعلق بالسلوك الأخلاقي بطريقة تتوافق مع الحق.
إن القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" يجبر الناس على أن يراعوا مسؤوليتهم عن مصير بلدهم، من خلال الإشارة إلى أن الجميع يجب أن يكونوا مسؤولين عن ذلك. إذا تممت مسؤوليتك عن بلدك، فستكافئك الحكومة بالشرف الكبير وسيُنظر إليك على أنك شخص نبيل الخُلُق؛ بينما إذا كنت لا تهتم بمصير البلد، وتقف مكتوف الأيدي بينما يتعثر البلد، ولا تتعامل مع هذا على أنه مسألة ذات أهمية كبيرة، أو تتندر عليه، فسيُنظر إلى ذلك على أنه عجز كلي عن تتميم مسؤوليتك. إذا كنتَ لا تتمم واجباتك ومسؤولياتك وقت احتياج بلدك إليك، فأنت ذو مستوى متدنٍ، وأنت حقًا شخصٌ هامشي. مثل هؤلاء الناس ينبذهم المجتمع ويحتقرهم، ويصبحون موضع ازدراء وينظر إليهم أقرانهم بتعالٍ. بالنسبة إلى أي مواطن في أي دولة ذات سيادة، فإن القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" هو قول يحظى باستحسان الناس، وهو قول يمكن أن يقبله الناس، بل إنه قولٌ تحترمه البشرية. إنها أيضًا فكرة تعتبرها البشرية نبيلة. الشخص القادر على القلق بشأن مصير وطنه والاهتمام به، والذي لديه حسٌ عميق بالمسؤولية تجاهه، هو شخص ذو بر أكبر. الأشخاص الذين يقلقون بشأن عائلاتهم ويهتمون بها لديهم بر أقل، بينما أولئك الذين يهتمون بمصير بلادهم هم أشخاص يتمتعون بروح ذات بر أكبر، وهم مَنْ يجب أن يمدحهم الحكام والشعب مِنْ بين جميع الناس. باختصار، أفكارٌ مثل هذه يُعْتَرَفُ بها بلا خلاف على أنها ذات دلالة إيجابية للبشر وتعمل على توجيه البشرية بشكل إيجابي، وبالطبع يُعْتَرَفُ بها أيضًا على أنها أشياء إيجابية. هل تفكرون بالطريقة نفسها أيضًا؟ (نعم). من الطبيعي أن تفكروا بهذه الطريقة. هذا يعني أن تفكيركم لا يختلف عن الأشخاص العاديين، وأنكم أناس عاديون. يستطيع الناس العاديون قبول الأفكار الشائعة، ومختلف ما يسمى بالأفكار والمقولات الإيجابية والاستباقية والسامية والنبيلة التي تأتي من بقية البشرية. هؤلاء أناس عاديون. هل الأفكار التي يقبلها الناس العاديون ويحترمونها إيجابية بالضرورة؟ (لا). من الناحية النظرية، فهي ليست إيجابية، لأنها لا تتفق مع الحق، ولا تأتي من الله، ولا يُعَلِّمُها الله أو يتحدث بها إلى البشر. إذن ما هي الحقائق بالضبط؟ كيف يجب شرح هذا الأمر؟ سأشرحه الآن بالتفصيل، وعندما أنتهي من الكلام، ستعرفون السبب في أنَّ القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" ليس قولًا إيجابيًا. قبل أن أكشف عن الإجابة، فكروا أولًا في القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده": هل هذا أمر إيجابي حقًا؟ هل من الخطأ جعل الناس يحبون بلادهم؟ يقول بعض الناس: "إن مصير وطننا له تأثير على بقائنا وسعادتنا ومستقبلنا. ألا يقول الله للناس أن يكونوا مطيعين لوالديهم، وأن يربوا أطفالهم بشكل جيد، وأن يتمموا مسؤولياتهم الاجتماعية؟ ما المشكلة في تتميمنا بعض المسؤوليات في بلدنا؟ أليس هذا أمرًا إيجابيًا؟ على الرغم من أن هذه الفكرة لا ترقى إلى مستوى كونها حقًّا، فلا بد أنها فكرة صحيحة، أليس كذلك؟". بالنسبة إلى الناس، هذه الأسباب سليمة، أليس كذلك؟ يستخدم الناس هذه الادعاءات، وهذه الأسباب، وحتى هذه التبريرات للدفاع عن صحة القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". إذن هل هذا القول صحيح حقًا أم لا؟ إذا كان صحيحًا، فما هو الصحيح فيه؟ إذا لم يكن صحيحًا، فما الخطأ فيه؟ إذا تمكنتم من الإجابة عن هذين السؤالين بوضوح، فستفهمون حقًا هذا الجانب من جوانب الحق. هناك آخرون يقولون: "القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" ليس صحيحًا. البلاد يحكمها حكام، وتحكمها أنظمة سياسية. متى ما تعلق الأمر بالسياسة، لا نتحمل أي مسؤولية، لأن الله لا ينخرط في السياسة البشرية. لذلك، نحن لا ننخرط في السياسة أيضًا، لذلك هذا القول لا يعنينا؛ فكل ما يتعلق بالسياسة لا علاقة له بنا. كل من ينخرط في السياسة، ويحب السياسة، مسؤول عن مصير البلاد. نحن لا نقبل هذا القول، إنه ليس شيئًا إيجابيًا من وجهة نظرنا". هل هذا التفسير صحيح أم خطأ؟ (خطأ). لماذا هو خطأ؟ أنتم تعرفون نظريًا أن هذا التفسير لا يبدو منطقيًا، ولا يتناول جذر المشكلة، ولا يكفي لشرح جوهر المشكلة. إنه مجرد تفسير نظري، لكنه لا يوضح جوهر هذا الأمر. بغض النظر عن أي نوع من التفاسير هو، ما دام لا يتطرق إلى الجوهر المحدد لهذه المسألة، فهو ليس تفسيرًا حقيقيًا، وليس إجابة دقيقة، وليس الحق. إذن، ما الخطأ في القول المتعلق بالسلوك الأخلاقي "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"؟ ما هو الحق الذي ترتبط به هذه المسألة؟ لا يمكن شرح الحق في هذا الصدد بوضوح في جملة واحدة أو جملتين. سيتطلب الأمر الكثير من الشرح لجعلكم تفهمون الحق الذي يتضمنه. لذلك دعونا نعقد الشركة عن ذلك بعبارات بسيطة.
كيف ينبغي النظر إلى القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" وتمييزه؟ هل هو شيء إيجابي؟ من أجل شرح هذا القول، دعونا ننظر أولًا ما تكون ماهية البلد. ما هو مفهوم البلد في أذهان الناس؟ هل مفهوم البلد هو أنه مكان كبير جدًا؟ من الناحية النظرية، البلد هو رقعة الأراضي التي تضم جميع البيوت التي يحكمها نفس الحاكم والتي يحكمها نفس النظام الاجتماعي. وهذا يعني أن البلد يتشكَّل من العديد من البيوت. هل يعرِّف المجتمعُ البلدَ بهذا الشكل؟ (نعم). فقط عندما توجد بيوت صغيرة يمكن أن يوجد بيتٌ كبير، والبيت الكبير يعني البلد؛ هذا هو تعريف البلد. إذن هل هذا التعريف مقبول؟ هل تتماهون مع هذا التعريف في داخلكم؟ مَن الذين يتناسب هذا التعريف مع أذواقهم ومصالحهم بأفضل صورةٍ؟ (الحكام). هذا صحيح، الحكام أولًا وقبل أي أحد. لأنهم، من خلال وضع جميع المنازل تحت سيطرتهم، يحوزون السلطة في أيديهم. لذلك، بالنسبة إلى الحكام، هذا التعريف صالح، وهم يتماهون معه. بغض النظر عن تعريف الحكام للبلد، فبالنسبة لأي شخص عامّي، هناك مسافة بين البلد وكل شخص فيه. بالنسبة لعامة الناس، أي الأفراد في كل بلد، فتعريفهم للبلد يختلف تمامًا عن التعريف الذي يتبناه الحكام أو الطبقة الحاكمة. فطريقة تعريف الطبقة الحاكمة للبلد تستند إلى سيطرة الطبقة الحاكمة ومصالحها الخاصة. إنهم يتعالون ويستخدمون موقعهم المميز المترفِّع ومنظورهم الواسع المليء بالطموح والرغبة في تحديد ماهية البلد. على سبيل المثال، ينظر الحكام إلى البلد على أنه وطنهم وأرضهم الخاصة، ويعتقدون أنه موجودٌ لمتعتهم الخاصة، وأن كل شبر من البلد، وكل مَوْرِد وحتى كل شخص فيه يجب أن ينتمي إليهم ويكون تحت سيطرتهم، وأنهم يجب أن يكونوا قادرين على الاستمتاع بكل هذا والتحكم في الناس كما يحلو لهم. لكن عامة الناس ليست لديهم مثل هذه الرغبات، ولا لديهم مثل هذه الظروف، وبالطبع ليس لديهم مثل هذا المنظور الواسع لتعريف ماهية البلد. إذن بالنسبة إلى عامة الناس، وإلى أي شخص مستقل، ما هو تعريفهم للبلد؟ إذا كانوا متعلمين جيدًا وقادرين على قراءة الخرائط، فإنهم يعرفون فقط مساحة أراضي بلدهم، والدول المجاورة المحيطة بها، وعدد الأنهار والبحيرات بها، وعدد الجبال، وعدد الغابات، ومساحة الأرض، وعدد الأشخاص الموجودين في بلدهم...مفهومهم للبلد ليس أكثر من مفهوم خرائطيٍّ حرفيٍّ؛ مجرد مفهوم نظري على الورق، ومتعارض تمامًا مع البلد الموجود في الواقع. بالنسبة إلى شخص جيد التعليم إلى حد ما ولديه مكانة اجتماعية معينة، فإن مفهومه للبلد هو شيءٌ من هذا القبيل. إذن، ماذا عن عامة الناس في قاع المجتمع؟ ما هو تعريفهم للبلد؟ من وجهة نظري، فإن تعريف هؤلاء الناس للبلد أنه ليس أكثر من قطعة الأرض المتواضعة المملوكة لعائلاتهم، وشجرة الصفصاف الكبيرة الموجودة في الطرف الشرقي من القرية، والجبل الموجود في الطرف الغربي، والطريق عند مدخل القرية والسيارات التي غالبًا ما تمر بالطريق، إضافة إلى بعض الحوادث المثيرة نسبيًا التي قد وقعت في القرية، وحتى بعض الثرثرة التافهة. بالنسبة لعامة الناس، فإن مفهوم البلد هو شيء من هذا القبيل. على الرغم من أن حدود هذا التعريف صغيرة جدًا ونطاقه ضيق جدًا، فإنه بالنسبة إلى عامة الناس الذين يعيشون في مثل هذا السياق الاجتماعي، واقعي وعملي للغاية؛ بالنسبة إليهم، ليس البلد أكثر من هذا. مهما كان ما يحدث في العالم الخارجي، ومهما كان ما يحدث في البلد، فهو بالنسبة إليهم مجرد خبر بسيط الأهمية بوسعهم اختيار الاستماع إليه أو عدم الاستماع إليه. إذن، ما الذي يتعلق بمصالحهم المباشرة؟ إنه ما إذا كان محصول الحبوب الذي زرعوه هذا العام سينتج حصادًا وفيرًا، وما إذا كان سيكفي لإطعام أسرهم، وما الذي سيزرعونه العام المقبل، وما إذا كانت أراضيهم ستغمرها الفيضانات، وما إذا كان المعتدون سيغزونها ويحتلونها، وغيرها من الأمور والأشياء التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة، وصولًا إلى أشياء على غرار مبنى ما في القرية، وجدول، ودرب، وما إلى ذلك. ما يهتمون به ويتحدثون عنه، وكذلك ما يترك انطباعًا عميقًا في أذهانهم، ليس سوى الأشخاص والأمور والأشياء المحيطة بهم التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحياتهم. ليس لديهم إدراك لمدى اتساع نطاق البلد، وليس لديهم إدراكٌ لازدهار البلد أو تدهوره. كلما زادت الأمور حداثة، وكلما كانت شؤون البلاد أكثر أهمية، زادت المسافة بينها وبين هؤلاء الأشخاص. بالنسبة إلى عامة الناس، فإن مفهوم البلد هو فقط الأشخاص والأمور والأشياء التي يمكن لأذهانهم استيعابها، والأشخاص والأمور والأشياء التي يتعاملون معها في حياتهم. حتى لو حصلوا على معلومات عن مصير البلد، فإنها تبقى نائيةً جدًا عن تفكيرهم. كونها نائية عن تفكيرهم يعني أنها لا تحتل أي مكان في قلوبهم، ولن تؤثر على حياتهم، لذلك فإن ازدهار البلد وانحداره لا علاقة له بهم. في قلوبهم، ما هو مصير البلد؟ هو ما إذا كانت المحاصيل التي زرعوها هذا العام مباركة من السماء، وما إذا كان الحصاد وفيرًا، وكيفية تدبر أسرهم أمورها، وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية، في حين أن الشؤون الوطنية لا علاقة لهم بها. المسائل ذات الأهمية الوطنية، والسياسة، والاقتصاد، والتعليم، والعلوم والتكنولوجيا، وما إذا كانت أراضي البلد قد توسعت أو تقلصت، والأماكن التي زارها الحكام، والأشياء التي حدثت داخل الطبقة الحاكمة؛ هذه الأمور ببساطة خارجة عن إدراك عامة الناس. وحتى لو في نطاق إدراكهم، فما الغرض الذي سيؤديه هذا؟ حتى لو تحدثوا بعد العَشَاء عما يحدث للطبقة الحاكمة، فماذا يمكنهم أن يفعلوا حيال ذلك؟ بعد وضع أوعية الطعام وعيدان الأكل، لا يزال يتعين عليهم السعي على معايشهم والتوجُّه للعمل في الحقول. لا شيء يبدو حقيقيًا بمقدار ما تبدو عليه المحاصيل في حقولهم التي يمكن أن تسفر عن حصاد وفير. ما يهتم به الشخص هو ما يحمله في قلبه. لا يتسع أفق الشخص إلا بمقدار اتساع الأشياء التي يستوعبها قلبه. وآفاق الناس العاديين لا تمتد إلا إلى الأماكن التي يمكنهم رؤيتها من حولهم والأماكن التي يمكنهم الذهاب إليها. وبالنسبة إلى مصير بلدهم والمسائل ذات الأهمية الوطنية، فهي نائية وبعيدة المنال. لذلك، عندما يكون مصير البلد على المحك، أو يواجه البلد غزو عدو قوي، فإنهم يفكرون على الفور: "هل سيستولي الغزاة على محاصيلي في نهاية المطاف؟ إننا في هذا العام نعوِّل على بيع تلك الحبوب لدفع تكاليف التحاق أبنائنا بالكلية!". هذه هي الأشياء ذات الأهمية العملية الأكبر لدى عامة الناس، والأشياء التي يمكنهم فهمها، والأشياء التي يمكن أن تتحملها عقولهم وأرواحهم. بالنسبة للأشخاص العاديين، فإن القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" أمر شاقٌ للغاية. إنهم لا يعرفون كيفية القيام بذلك، ولا يريدون تحمل هذا العبء الثقيل والمسؤولية الشاقة. بالنسبة لعامة الناس، فإن مفهوم البلد هو شيء من هذا القبيل. لذلك، فإن نطاق حياتهم، والأشياء التي تهتم بها أفكارهم وأرواحهم، ليست أكثر من تربة مسقط رأسهم ومائه اللذان يوفران لهم ثلاث وجبات في اليوم ويعطيانهم كل ما يحتاجون إليه للنمو، وكذلك هواء مسقط رأسهم وبيئته. ماذا أيضًا يمكن أن يوجد إلى جانب هذه الأشياء؟ حتى لو تجاوز بعض الناس المحيط المألوف في مسقط رأسهم حيث ولدوا ونشأوا، كلما تعثر البلد واحتاج منهم إلى تتميم مسؤولياتهم تجاه الأمة، لا أحد يفكر في حماية البلاد بأكملها. ما الذي يفكر فيه الناس بدلًا من ذلك؟ كل ما يمكنهم التفكير فيه هو تتميم مسؤولياتهم في حماية مسقط رأسهم وحماية قطعة الأرض التي يحتفظون بها في قلوبهم، وحتى التضحية بحياتهم لتحقيق هذه الغاية. أينما يذهب إليه الناس، فإن كلمة "بلد" بالنسبة لهم هي مجرد خانة فارغة؛ مجرد علامة ورمز. ليس ما يشغل مساحة كبيرة في قلوبهم حقًا هو أراضي البلاد، ولا حكم الحكام، بل الجبل وقطعة الأرض والنهر والبئر، التي توفر لهم ثلاث وجبات في اليوم، وتمنحهم الحياة، وتساعد في الحفاظ على حياتهم؛ هذا كل شيء. هذا هو مفهوم البلد في أذهان الناس؛ إنه واقعي للغاية، وملموس للغاية، وبالطبع محدد للغاية.
لماذا تدعو الثقافة التقليدية دائمًا إلى فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، خاصة فيما يتعلق بالتفكير بشأن السلوك الأخلاقي؟ هذا يتعلق بكلٍ من حكم الحاكم، ونوايا وأهداف الأشخاص الذين يدافعون عن هذه الفكرة. إذا كان تعريف البلد في ذهن كل فرد هامشيًا للغاية، وملموسًا للغاية، وحقيقيًا للغاية، فمن سيحمي البلد؟ من الذي سيدعم حكم الحاكم؟ أليست ثمة مشاكل هنا؟ ثمة مشاكل تظهر هنا بالفعل. إذا كان هذا هو مفهوم الجميع للبلد، ألا يصبح الحاكم مجرد مسؤولٍ صوري؟ إذا واجهت بلد الحاكم غزوًا من قبل عدو قوي وكان دفاعها يعتمد فقط على الحاكم وحده، أو على البطانة الحاكمة، ألن يبدوا في مشقة، وعاجزين، ومعزولين، وضعفاء؟ استجاب المفكرون لهذه المشاكل باستخدام عقولهم. لقد اعتقدوا أنه من أجل حماية البلاد ودعم حكم الحاكم، لم يكن من الممكن الاعتماد فحسب على مساهمات عدد صغيرٍ من الناس، بل كان من الضروري تحفيز جميع السكان على خدمة حاكم البلاد. إذا طلب هؤلاء المفكرون مباشرة من الناس خدمة الحاكم وحماية البلاد، فهل سيكون الناس مستعدين للقيام بذلك؟ (لا، لن يكونوا مستعدين). من المؤكد أن الناس لن يكونوا مستعدين، لأن الهدف من وراء الطلب سيكون سافرًا للغاية، ولن يوافقوا عليه. عرف هؤلاء المفكرون أنه يجب عليهم أن يغرسوا في الناس تعبيرًا لطيف الوَقْع ونبيلًا وجليلًا بشكل ظاهري، وأن يخبروهم أن كل من يفكر بهذه الطريقة هو ذو سلوكٍ أخلاقيٍ نبيل. بهذه الطريقة، سيقبل الناس هذه الفكرة بسهولة، وهم حتى سيقدمون التضحيات والمساهمات من أجل هذه الفكرة. حينئذٍ، يكون هدف المفكرين قد تحقق، أليس كذلك؟ في هذا السياق الاجتماعي، واستجابة لاحتياجات الحكام، جاء هذا القول وهذه الفكرة "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". طبيعة البشر هي أنه مهما كانت الفكرة التي تظهر، سيكون هناك دائمًا بعض الأشخاص الذين يعتبرونها عصرية وطليعية، ويقبلونها على هذا الأساس. أليس من المفيد للحاكم أن يتقبل بعض الناس فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"؟ هذا يعني أنه سيكون هناك أشخاص يقدمون التضحيات والمساهمات لنظام الحاكم. وهكذا، يكون لدى الحاكم أمل في الحكم لفترة طويلة، أليس كذلك؟ وألن يكون حكمه حينئذٍ أكثر استقرارًا نسبيًا؟ (بلى). لذلك، عندما يتعرض حكم الحاكم للتحدي أو يواجه الدمار، أو تواجه بلاده غزوًا من قبل عدو قوي، فإن أولئك الذين يتقبلون فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، سيتقدمون بشجاعة وجسارة لتقديم المساهمات أو التضحية بحياتهم من أجل حماية البلاد. من المستفيد النهائي من هذا؟ (الحاكم). المستفيد النهائي هو الحاكم. ماذا يحدث لأولئك الأشخاص الذين يتقبلون فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" والذين هم على استعداد للتخلي عن حياتهم الثمينة من أجل ذلك؟ يصبحون مواطئ قدمٍ للحاكم وبيادق يسهل عليه التضحية بها؛ يصبحون ضحايا لهذه الفكرة. ليس لدى عامة الناس الذين يعيشون في قاع المجتمع مفهوم محدد أو واضح أو تعريف واضح لماهية البلد. إنهم لا يعرفون ماهية البلد، ولا مدى ضخامة البلد، ومعرفتهم عن الأمور المهمة بشأن مصير البلد هي أقل حتى من ذلك. نظرًا لأن تعريف الناس للبلد ومفهومهم له غامضان، فإن الطبقة الحاكمة تستخدم القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لتضليلهم وغرس هذه الفكرة في أذهانهم، حتى ينهض الجميع للدفاع عن البلاد ويضعوا حياتهم على المحك من أجل الطبقة الحاكمة، ومن ثَمَّ سيتحقق هدفها. في الواقع، بالنسبة إلى عامة الناس، بغض النظر عمن يحكم البلاد، أو ما إذا كان الدخلاء أفضل من الحكام الحاليين أم أسوأ، ففي النهاية، لا يزال يتعين زراعة قطعة الأرض المتواضعة المملوكة لعائلاتهم كل عام، ولا تزال الشجرة الموجودة في الطرف الشرقي من قريتهم لم تتغير، ولا الجبل الموجود في الطرف الغربي من القرية قد تغير، ولا البئر الموجود في وسط القرية قد تغيَّر أيضًا، وهذا كل ما يهمهم. أما بالنسبة لما يحدث خارج القرية، أو عدد الحكام الذين يأتون ويذهبون، أو كيف يحكمون البلاد، كل هذا لا علاقة له بهم على الإطلاق. هذه هي حياة عامة الناس. حياتهم حقيقية وبسيطة للغاية، ومفهومهم للبلد ملموس مثل مفهومهم للأسرة، إلا أنه أكبر في نطاقه من الأسرة. في حين أنه عندما يتم غزو البلاد من قبل عدو قوي ويصبح وجود البلد وبقائه على المحك، ويصبح حكم الحاكم مضطربًا وغير مستقر، فإن هؤلاء الناس الذين يتقبلون أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" تهيمن عليهم هذه الفكرة، وكل ما يريدون فعله هو توظيف نقاط قوتهم الشخصية لتغيير هذه الأشياء التي تؤثر على مصير البلاد وتتدخل في حكم الحاكم. وماذا يحدث في النهاية؟ ما الذي يغيرونه بالفعل؟ حتى لو تمكنوا من إبقاء الحاكم في السلطة، فهل هذا يعني أنهم فعلوا شيئًا عادلًا؟ هل يعني ذلك أن تضحيتهم كانت إيجابية؟ هل تستحق أن تبقى في الذاكرة؟ هؤلاء الناس الذين كانوا في فترة معينة من التاريخ، وعلقوا أهمية كبيرة على فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، هم أيضًا أيدوا بقوة روح هذه الفكرة في الدفاع عن البلاد وإبقاء الحكام في السلطة، لكن حكم الحكام الذين أبقوا عليهم في السلطة كان متخلفًا، ودمويًا، ولا يقدم أي معنى أو قيمة للبشرية. من وجهة النظر هذه، هل كانت المسؤولية المزعومة التي تممها هؤلاء الأشخاص إيجابية أم سلبية؟ (سلبية). يمكن للمرء أن يقول إنها كانت سلبية، ولا تستحق أن تبقى في الذاكرة، وأن الناس كانوا يحتقرونها. على العكس، لا يتماهى عامة الناس بعمق مع فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، التي يدافع عنها هؤلاء المفكرون المتآمرون، وهم لا يتقبلونها أو ينفذونها فعليًا. لذلك، فإن حياتهم مستقرة نسبيًا. على الرغم من أن إنجازاتهم على مدار أعمارهم ليست مثيرة للإعجاب مثل أولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل مصير بلدهم، فقد فعلوا شيئًا ذا معنى. ما هو هذا الشيء ذو المعنى؟ هو بالتحديد أنهم لا يتدخَّلون بتصنُّع في مصير البلد، ولا في عملية تحديد من هم حكام البلد. بدلًا من ذلك، كل ما يطلبونه هو أن يعيشوا حياة جيدة، وأن يعملوا في الأرض، وأن يدافعوا عن مسقط رأسهم، وأن يكون لديهم طعام يأكلونه على مدار السنة، وأن يعيشوا حياة وفيرة ومريحة ومُسالِمة وصحية، دون التسبب في أي متاعب لبلدهم، ودون أن يطلبوا من بلدهم الطعام أو المال، وأن يدفعوا الضرائب العادية وقت استحقاقها؛ هذا هو تتميم المسؤولية التي يتعين على المواطن تتميمها. إذا كان بإمكانك التحرر من أي تدخل من أفكار المفكرين، وعيش حياتك كشخص عادي بطريقة واقعية وفقًا لموقعك، وأن تكون مكتفيًا ذاتيًا، فهذا يكفي، وستكون قد تممت مسؤوليتك. هذا هو أهم شيء وأعظم مسؤولية يجب على الشخص الذي يعيش على هذه الأرض تتميمها. إن اعتناء المرء ببقائه واهتمامه باحتياجاته الأساسية هي المشاكل التي يجب أن يحلها المرء بنفسه، أما الأمور المهمة المتعلقة بمصير البلاد، وكيفية حكم الحكام للبلاد، فإنَّ عامة الناس ليس لديهم القدرة على التدخل فيها أو فعل أي شيء حيالها. لا يسعهم سوى ترك كل هذه الأمور للمصير، وترك الطبيعة تأخذ مجراها. أيًا كانت مشيئة السماء، فستحدث. معرفة عامة الناس محدودةٌ جدًا، وإلى جانب ذلك، فإنَّ السماء لم تأتمن الناس على هذا النوع من المسؤولية تجاه بلدهم. الناس العاديون لا يحملون في قلوبهم سوى منزلهم الخاص، وما داموا يحافظون على منزلهم الخاص، فهذا يكفي، وقد تمموا مسؤوليتهم.
تمامًا مثل الأقوال الأخرى حول السلوك الأخلاقي، فإن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" هي فكرة ووجهة نظر طرحها المفكرون من أجل إبقاء الحكام في السلطة، وبالطبع هي أيضًا فكرة ووجهة نظر يُنادَى بها حتى يدعم الحكامَ عدد أكبر من الناس. في الواقع، أيًا كانت الطبقة الاجتماعية التي يعيش فيها الناس، إذا لم تكن لديهم أي طموحات أو رغبات ولا يريدون الدخول في السياسة ولا يريدون أن تكون لهم أي علاقة بالطبقة الحاكمة، فإن تعريف الناس للبلد من منظور الإنسانية ليس أكثر من الأماكن التي يمكنهم رؤيتها على مد البصر، أو الأرض التي يمكنهم قياسها سيرًا على الأقدام، أو المجال الذي يمكنهم العيش فيه بسعادة وحرية وبشكلٍ شرعي. بالنسبة إلى أي شخص لديه مثل هذا المفهوم للبلد، فإن الأرض التي يعيش فيها ومجال حياته، يمكن أن يمنحه حياة مستقرة وسعيدة وحرة، وهي إحدى الاحتياجات الأساسية في حياتهم. هذا الاحتياج الأساسي هو أيضًا اتجاه وهدف يسعى الناس إلى الدفاع عنه. بمجرد تحدي هذا الاحتياج الأساسي أو إزعاجه أو التعدي عليه، سينهض الناس بالتأكيد ويدافعون عنه بشكلٍ عفويٍ. هذا الدفاع له ما يبرره، وهو ينبع من احتياجات البشرية، وكذلك من احتياجات البقاء على قيد الحياة. لا يحتاج أحد إلى أن يقول للناس: "عندما يواجه مسقط رأسك وموطنك غزوًا من قبل عدو أجنبي، يجب عليك النهوض والدفاع عنهما، والنهوض لمحاربة الغزاة". سينهضون ويدافعون عنهما تلقائيًا. هذه غريزة بشرية، وهي أيضًا الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة. لذلك عندما يتعلق الأمر بشخص عادي، لا تحتاج إلى استخدام أفكار مثل "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لتشجيعه على حماية وطنه وموطنه. إذا أراد شخص ما حقًا غرس مثل هذه الأفكار في الناس، فهدفه ليس بهذه البساطة. ليس هدفه أن يدافع الناس عن موطنهم، أو يضمنوا احتياجاتهم المعيشية الأساسية، أو حتى أن يعيش الناس حياة أفضل. لديه هدف آخر، وهو ليس سوى إبقاء الحكام في السلطة. سيقدم الناس غريزيًا أي تضحيات لحماية موطنهم، وبوعيٍ سيحمون موطنهم وبيئتهم المعيشية لضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية للبقاء على قيد الحياة، دون الحاجة إلى أن يستخدم الآخرون أي تعبيرات طنانة لإخبارهم بما يجب عليهم فعله، أو كيفية النهوض لحماية منازلهم. هذه الغريزة، هذا الوعي الأساسي، يمتلكهما حتى الحيوانات، ويمتلكهما قطعًا البشر، الذين هم كائنات مخلوقة أعلى من أي حيوان. حتى الحيوانات تحمي موطنها ونطاقها البيئي وبيتها ومجتمعها من غزو الأعداء الأجانب. وإذا كان لدى الحيوانات هذا النوع من الوعي، فمن المؤكد أن البشر لديهم هذا الوعي أيضًا! لذلك، فإن فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، التي اقترحها هؤلاء المفكرون، لا لزوم لها بالنسبة إلى جميع أفراد الجنس البشري. وعندما يتعلق الأمر بتعريف البلد في أعماق قلوب الناس، فإن هذه الفكرة لا لزوم لها في الأساس أيضًا. لكن لماذا طرحها هؤلاء المفكرون رغم ذلك؟ لأنهم أرادوا تحقيق هدف آخر. لم يكن هدفهم الحقيقي هو تمكين الناس من العيش بشكل أفضل في موطنهم الحالي، ولا تمكينهم من الحصول على بيئة معيشية أكثر استقرارًا وفرحًا وسعادة. لم ينطلقوا من منظور حماية الناس، ولا من منظور الدفاع عن مواطن الناس، بل انطلقوا من منظور الحكام ووجهة نظرهم، لغرس فكرة "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" وتحريضهم على امتلاك هذه الفكرة. إذا كنت لا تمتلك مثل هذه الفكرة، فسيُنظر إلى مجال تفكيرك على أنه أدنى، وسيستهزئ بك الجميع، وستزدريك أي مجموعة عِرْقية؛ إذا كنت لا تمتلك مثل هذه الفكرة، إذا لم يكن لديك هذا البر الأكبر وهذه العقلية، فسيُنظر إليك على أنك شخص ذو خُلُق أخلاقي أدنى، وأناني ووضيعٌ حقير. هؤلاء الذين يسمون بالوضيعين هم أشخاص محتقرون في المجتمع، ويتعرضون للتمييز والاحتقار من قِبل المجتمع.
في هذا العالم، في المجتمع، أي شخص يولد في بلد فقير أو متخلف، أو ينتمي إلى أمةٍ ذات مكانة متدنية، بمجرد أن يعلن عن جنسيته أينما ذهب، ستتحدد مكانته على الفور وسيُعْتَبَرُ أقل شأنًا من الآخرين، وسيُنْظَرُ إليه بازدراء وسيُمَيَّزُ ضده. إذا كانت جنسيتك هي جنسية بلد قوي، فستتمتع بمكانة عالية جدًا وسط أي مجموعة عرقية، وستُعتبر متفوقًا على الآخرين. لذلك، فإن فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لها مكان مهم في قلوب الناس. لدى الناس مفهوم محدود جدًا وملموس للبلد، لكن نظرًا لأن الطريقة التي يعامل بها الجنس البشري بأكمله أي مجموعة عرقية وأي شخص من بلد مختلف، وكذلك الطريقة والمعايير التي يحدد بها مكانتهم، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمصير بلدهم، يتأثر الجميع داخليًا بدرجات متفاوتة بفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". كيف ينبغي إذن أن يتخلص الناس من تأثير هذه الفكرة؟ دعونا ننظر أولًا إلى كيفية تأثير هذه الفكرة على الناس. على رغم أن تعريف الناس لبلد ما لا يتجاوز البيئة المحددة التي يعيشون فيها، وأن الناس لا يريدون سوى الحفاظ على حقهم الأساسي في العيش وعلى احتياجاتهم للبقاء على قيد الحياة حتى يتمكنوا من العيش بشكل أفضل، فإن الجنس البشري بأكمله يتحرك وينتشر باستمرار في الوقت الحاضر، ويتقبل البشر دون وعي فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". وهذا يعني، من منظور الإنسانية، أن الناس لا يريدون قبول تلك التعريفات الجوفاء المهيبة للبلد، مثل "أمة عظيمة"، و"سلالة حاكمة مزدهرة"، و"قوة عظمى"، و"قوة تكنولوجية"، و"قوة عسكرية"، وما إلى ذلك. لا توجد مثل هذه المفاهيم في الإنسانية الطبيعية، والناس لا يريدون أن ينشغلوا بهذه الأشياء في حياتهم اليومية. لكن في الوقت نفسه، عندما يختلط الناس مع بقية البشر، فإنهم يأملون رغم ذلك في أن تكون لديهم جنسية بلد قوي. على وجه الخصوص، عندما تسافر إلى الخارج وتكون بين أشخاص من أعراق أخرى، ستشعر بقوة أن مصير بلدك له تأثير على مصالحك الحيوية. إذا كان بلدك قويًا وثريًا ويتمتع بمكانة عالية في العالم، فسترتفع مكانتك بين الناس بما يتماشى مع مكانة بلدك، وستنال تقديرًا عاليًا. وإذا كنت تنحدر من بلد فقير أو أمة صغيرة أو مجموعة عرقية مغمورة، فستكون مكانتك أدنى، بما يتماشى مع جنسيتك وعرقك. بصرف النظر عن أي نوع من الأشخاص أنت، وبصرف النظر عن جنسيتك، أو العرق الذي تنتمي إليه، إذا كنت تعيش داخل مجال صغير فحسب، فإن فكرة: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لن يكون لها أي تأثير عليك. لكن عندما يجتمع أشخاص من بلدان مختلفة من جميع أنحاء البشرية، فإن المزيد من الناس يقبلون فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". هذا القبول ليس سلبيًا، بل هو إدراك عميق من إرادتك الذاتية بأن القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" صحيح؛ لأن مصير بلدك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمكانتك وسمعتك وقيمتك بين الناس. عند هذه النقطة، لا تعود تعتقد أن مفهوم بلدك وتعريفه هو مجرد المكان الصغير الذي ولِدت وترعرعت فيه. وبدلًا من ذلك، تأمل أن يصبح بلدك أكبر وأقوى. لكن عندما تعود إلى بلدك، فإنه – مرة أخرى – يصبح في ذهنك شيئًا خاصًا جدًا إليك. ليس هذا المكان المحدد أمة بلا شكل، بل هو الطريق وجدول الماء والبئر في مسقط رأسك، وحقول بيتك حيث تزرع المحاصيل. لذا، بالنسبة إليك، فإن عودتك إلى بلدك تمثل بشكل أكثر تحديدًا العودة إلى مسقط رأسك، والعودة إلى بيتك. وعندما تعود إلى بيتك، لا يهم ما إذا كان البلد موجودًا أم لا، ولا من هو الحاكم، ولا مدى اتساع أراضي البلاد، ولا ما هو الوضع الاقتصادي للبلاد، ولا ما إذا كانت فقيرة أو غنية – لا شيء من ذلك يهمك. ما دام بيتك لا يزال موجودًا، فعندما تحمل حقيبة سفرك بنية العودة، سيكون لديك اتجاه وهدف. ما دام لا يزال لديك مكان لتعليق قبعتك، والمكان الذي ولدت وترعرعت فيه لا يزال موجودًا، فسيكون لديك شعور بالانتماء ووجهة. حتى لو لم يعد البلد الذي يقع فيه البيت موجودًا وتغير حاكمه، ما دام بيتك لا يزال موجودًا، فلديك بيت تعود إليه على أي حال. هذا المفهوم للبلد متناقض للغاية وغامض في أذهان الناس، لكنه أيضًا مفهوم ملموس للغاية للبيت. الناس في الواقع ليسوا متأكدين للغاية مما إذا كانت فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" صحيحة أم لا. لكن نظرًا لأن هذه الفكرة لها تأثير معين على مكانتهم الاجتماعية المحددة، يتطور لدى الناس دون وعي حس قوي بالبلد والجنسية والعرق. عندما يسكن الناس في المجال الصغير لمسقط رأسهم فحسب، فإنهم يتمتعون بدرجة معينة من الحصانة أو المقاومة لفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". لكن عندما يغادرون مسقط رأسهم ووطنهم، ويخرجون خارج حدود حكم بلدهم، فإنهم – دون وعي – يكون لديهم درجة معينة من الوعي والقبول لفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". على سبيل المثال، عندما تسافر إلى الخارج، إذا سألك شخص ما عن البلد الذي أنت منه، فسوف تتساءل: "إذا قلت إنني سنغافوري، فسوف ينظر الناس إليَّ بتقدير؛ بينما إذا قلت إنني صيني، فسوف ينظر الناس إليَّ بازدراء". وهكذا لا تجرؤ على إخبارهم بالحقيقة. لكن في يوم من الأيام تنكشف جنسيتك. يكتشف الناس أنك صيني، ومن ذلك الحين فصاعدًا، يرونك بضوء مختلف. تتعرضُ للتمييز، ويُنظَر إليك بازدراء، بل إنك حتى تُعَد مواطنًا من الدرجة الثانية. عند هذه النقطة، تفكر دون وعي: "ذلك القول: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" صحيح تمامًا! كنت أعتقد أنني لست مسؤولًا عن مصير بلدي، لكن يبدو الآن أن مصير بلد المرء يؤثر على الجميع. إذا ازدهر البلد، ازدهر الجميع، لكن إذا سقط البلد، عانى الجميع بسبب ذلك. أليس بلدنا فقيرًا؟ أليسَ حكمه ديكتاتوريًا؟ أليس الحكام سمعتهم سيئة؟ هذا هو السبب في أن الناس ينظرون إليَّ بازدراء. انظر إلى مدى ثراء الناس في الدول الغربية وسعادتهم. لديهم حرية الذهاب إلى أي مكان والإيمان بأي شيء. بينما في ظل النظام الشيوعي، نحن مضطهدون لإيماننا بالله ويجب أن نهرب في كل حدب وصوب، غير قادرين على العودة إلى ديارنا. كم سيكون رائعاً لو أننا ولدنا في بلد غربي!". عند هذه النقطة، تشعرُ أن الجنسية مهمة للغاية، ويصبح مصير بلدك مهمًا بالنسبة إليك. على أي حال، عندما يعيش الناس في مثل هذه البيئة والسياق، فإنهم يتأثرون دون وعي بفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، وهي تتحكم فيهم بدرجات متفاوتة. في هذه المرحلة، ستتغير سلوكيات الناس وآرائهم ومنظوراتهم ووجهات نظرهم بشأن الناس والأمور والأشياء بدرجات متفاوتة، وهذا بالطبع يؤدي إلى عواقب وآثار متفاوتة المقدار. لذلك، هناك قدر معين من الأدلة الملموسة فيما يتعلق بتأثير القول: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" على تفكير الناس. على الرغم من أن مفهوم الناس للبلد ليس واضحًا جدًا عند النظر إليه من منظور الإنسانية، ففي سياقات اجتماعية معينة، لا يزال للجنسية التي هي جزء من الانتماء إلى البلد تأثير على الناس على أي حال. إذا كان الناس لا يفهمون الحق ولا يدركون هذه القضايا بوضوح، فلن يتمكنوا من تخليص أنفسهم من أغلال هذه الفكرة وآثارها المقوِّضة، وهو ما سيؤثر أيضًا على مزاجهم وموقفهم تجاه التعامل مع الأشياء. إن الفكرة التي طرحها الشيطان بأن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لها بالفعل تأثير مؤكد على الناس، ولها بالفعل تأثير مقوِّض مؤكد على التفكير البشري، سواء عند النظر إليها من منظور الإنسانية أو من حيث ما يطرأ على تفكير الناس عندما تتغير بيئتهم العامة من تغييرات وفتوحات. نظرًا لأن الناس لا يفهمون كيفية تفسير أمور مثل مصير البلد بشكل صحيح، ولا يفهمون الحق الذي ينطوي عليه هذا الأمر، ففي بيئات مختلفة، فغالبًا ما تؤثِّر عليهم هذه الفكرة أو تفسدهم أو تؤثر على مزاجهم – الأمر لا يستحق فحسب.
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.