ماذا يعني السعي إلى الحق (13) الجزء الأول
في الاجتماع الأخير، عقدنا الشركة بشكلٍ أساسي عن القول "اخضع للمهمة وابذل قصارى جهدك حتى يوم احتضارك" في الثقافة التقليدية، وشرَّحناه. الأقوال والنظريات الثقافية التقليدية التي يستخدمها الشيطان لتلقين الناس ليست صحيحة، ولا الكلمات الطنانة التي يجعل الناس يلتزمون بها صحيحة. على العكس من ذلك، فهي تؤدي إلى تضليل الناس وتتويههم، وتقييد تفكيرهم. من خلال تعليم الجماهير هذه الأفكار والآراء الخاطئة الموجودة في الثقافة التقليدية وتلقينهم إياها والتأثير عليهم بها، فإن الهدف النهائي هو طمأنتهم إلى الخضوع لسلطة الطبقة الحاكمة، وحتى خدمة الحكام بدرجة الولاء نفسها التي تكون لدى أولئك الذين يحبون بلدهم وحزبهم، والذين عقدوا العزم على حماية وطنهم وحماية الدولة. هذا يكفي لإثبات أن الحكومة الوطنية تعمِّم التعليم الثقافي التقليدي من أجل تسهيل سيطرة الحكام على البشرية وعلى جميع المجموعات العرقية المختلفة، وزيادة استقرار نظام الحكام وتآلُف واستقرار المجتمع تحت سيطرتهم. بغض النظر عن كيفية قيام الطبقة الحاكمة بنشر التعليم الثقافي التقليدي وتعزيزه وتعميمه، فبشكل عام، هذه الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي قد ضللت الناس وتوَّهتهم، وعطلت بشدة قدرتهم على تمييز الحقيقة من الأكاذيب، والخير من الشر، والصواب من الخطأ، والأشياء الإيجابية من الأشياء السلبية. كما يمكن القول إن هذه الأقوال عن السلوك الأخلاقي تقلب الأسود والأبيض تمامًا، وتمزج الحقيقة بالأكاذيب، وتضلل عامة الناس، مما يؤدي إلى تضليل الناس بهذه الآراء من الثقافة التقليدية، في سياق لا يعرفون فيه ما هو الصواب وما هو الخطأ، وما هو الحق وما هي الأكاذيب، وما هي الأشياء الإيجابية وما هي الأشياء السلبية، وما يأتي من الله، وما يأتي من الشيطان. إن الطريقة التي تعرِّف بها الثقافة التقليدية جميع أنواع الأشياء وتصنف بها جميع أنواع الناس على أنهم جيدون أو سيئون، أو على أنهم طيبون أو أشرار، قد أربكت البشر وضللتهم وتوَّهتهم، وحتى حصرت أفكار الناس في حدود الأقوال المختلفة المتعلقة بالسلوك الأخلاقي التي تدعو إليها الثقافة التقليدية، حتى لا يتمكنوا من انتشال أنفسهم منها. ونتيجة لذلك، يتعهد العديد من الناس طواعية بالولاء لملوك أبالسة، ويظهرون التفاني الأعمى حتى النهاية ويحترمون هذا التعهد حتى الموت. استمر هذا الوضع حتى الوقت الحاضر، لكنَّ عددًا قليلًا من الناس فقط هم مَن عادوا إلى رشدهم. على الرغم من أن العديد من الأشخاص الذين يؤمنون بالله في الوقت الحاضر يمكنهم التعرف على الحق، فثمة العديد من العقبات التي تحول دون قبولهم له وتطبيقهم له. يمكن القول إن هذه العقبات تأتي أساسًا من أفكار الثقافة التقليدية وآرائها، التي ترسخت منذ أمدٍ بعيدٍ في قلوبهم. لقد تعلمها الناس أولًا وهي ما تزال مهيمنة، وتتحكم بالفعل في أفكار الناس، مما يخلق الكثير من العقبات والكثير من المقاومة لقبول الناس الحق وخضوعهم لعمل الله. هذا أحد الجوانب. ثمة جانب آخر هو أن الناس لديهم شخصيات فاسدة، وهي تنجم جزئيًا عن الطريقة التي تضلل بها الثقافة التقليدية الناس وتفسدهم. لقد أثرت الثقافة التقليدية تأثيرًا شديدًا في آراء الناس حول كيفية قياس الخير والشر والحقيقة والأكاذيب وتدخلت في ذلك، وتسببت في أن يكون لدى الناس العديد من المفاهيم والأفكار والآراء المغلوطة. وقد أدى ذلك إلى عدم قدرة الناس على فهم الأشياء الإيجابية والجميلة والطيبة، وقوانين كل الأشياء التي خلقها الله، وحقيقة أن الله يحكم كل الأشياء. وبدلًا من ذلك، فالناس ممتلئون بالمفاهيم وجميع أنواع الأفكار الغامضة وغير الواقعية. هذه هي عواقب الأفكار المختلفة التي يغرسها الشيطان في الناس. من منظور آخر، فإن جميع الأقوال المختلفة حول السلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية هي أقوال كاذبة تفسد تفكير الناس، وتُرْبِك عقولهم، وتضر بعمليات تفكيرهم الطبيعية، وتؤثر بشدة على قبول الناس للأشياء الإيجابية وللحق، وتؤثر أيضًا بشكل خطير على استيعاب الناس المحض لقوانين وقواعد كل الأشياء التي خلقها الله وفهمهم لها.
من ناحية، فالأقوال المختلفة حول السلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية أربكت طرق التفكير الصحيحة التي يميز بها الناس بين الصواب والخطأ، فضلًا عن تعطيلها لإرادتهم الحرة. علاوة على ذلك، بعد أن تقبَّل البشر هذه الأقوال المختلفة حول السلوك الأخلاقي، أصبحوا منافقين وزائفين. إنهم بارعون في التظاهر – حتى إلى حد تسمية الغزال حصانًا، وعكس الأسود والأبيض، ومعاملة الأشياء السلبية والقبيحة والشريرة على أنها أشياء إيجابية وجميلة وصالحة، والعكس صحيح – وقد بلغوا بالفعل مرحلة تبجيل الشر. في جميع أنحاء المجتمع البشري، وبصرف النظر عن الفترة أو السلالة الحاكمة، فإن الأشياء التي يدافع عنها البشر ويبجلونها هي في الأساس هذه الأقوال حول السلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية. في ظل التأثير الشديد لهذه الأقوال عن السلوك الأخلاقي، أي في ظل تلقين الناس هذه الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي من الثقافة التقليدية – وهو تلقين يصبح على نحو متزايد أكثر عمقًا وشمولًا – فإنَّهم دون وعي يتبنون هذه الأقوال بوصفها رأس مال للوجود وقوانين للوجود. إنَّ الناس يتقبلونها فحسب كليًا دون تمييز، ويعاملونها على أنها أشياء إيجابية، وأيديولوجية توجيهية ومعايير للكيفية التي ينبغي أن يتعاملوا بها مع الآخرين وكيفية رؤيتهم للناس والأشياء وسلوكهم وأفعالهم. يعاملها الناس كقوانين عليا لشق طريقهم في المجتمع، أو تحقيق الشهرة والهيبة، أو ليصبحوا محترمين ومبجلين. خذ أي جماعةٍ داخل أي مجتمع أو أمة، وفي أي حِقبة – الناس الذين تقدرهم الجماعة وتبجِّلهم وتعلن أنهم أفضل ما في الجنس البشري ليسوا أكثر مما يسميه البشر قدوة أخلاقية. مهما يكن نوع الحياة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص وراء الكواليس، ومهما تكن نوايا أفعالهم ودوافعها وحقيقة جوهر إنسانيتهم، ومهما تكن كيفية سلوكهم حقًا وتعاملهم مع الآخرين، ومهما يكن جوهر الشخص المغطَّى تحت عباءة السلوك الأخلاقي الجميل والصالح، فلا أحد يهتم بهذه الأشياء، ولا يحاول التقصِّي أكثر من ذلك. ما داموا مخلصين، ووطنيين، ويظهرون الولاء للحكام، فإن الناس يؤلِّهونهم ويتغنون بمديحهم، بل إنهم يقلدونهم بوصفهم أبطالًا، لأن الجميع يعتبرون السلوك الأخلاقي الظاهري للشخص أساسًا لتحديد ما إذا كان طيبًا أم شريرًا، وما إذا كان جيدًا أم سيئًا، ولقياس سمعته. على الرغم من أن الكتاب المقدس يوثق بوضوح قصص عدد من القديسين والحكماء القدماء مثل نوح وإبراهيم وموسى وأيوب وبطرس، وقصص العديد من الأنبياء وما إلى ذلك، وعلى الرغم من أن العديد من الناس على دراية بمثل هذه القصص، فلا يوجد حتى الآن بلد أو أمة أو جماعة تروِّج على نطاق واسع للإنسانية والطابع الأخلاقي لهؤلاء القديسين والحكماء القدامى – أو أمثلة عبادتهم لله، أو حتى قلوبهم التي تتقي الله التي كشفوا عنها – سواء كان ذلك في المجتمع أو في الأمة بأكملها أو بين الناس. لا يوجد بلد أو أمة أو جماعة واحدة تفعل ذلك. حتى البلدان التي تكون فيها المسيحية هي دين الدولة، أو البلدان التي تكون بها حرية دينية مطلقة، لا تُبَجِّل الخُلُق الإنساني لهؤلاء القديسين والحكماء القدماء ولا تلفت الانتباه إليه إطلاقًا، ولا إلى قصصهم عن تقوى الله والخضوع له، كما هو موثق في الكتاب المقدس. ما المشكلة التي يدلُّ عليها هذا؟ لقد سقطت البشرية الفاسدة إلى درجة أن الناس ينفرون من الحق، وينفرون من الأشياء الإيجابية، ويبجلون الشر. لو لم يتحدث الله شخصيًا ويعمل بين الناس، ويخبر الناس بوضوح بما هو إيجابي وما هو سلبي، وما هو صحيح وما هو خطأ، وما هو جميل وجيد، وما هو قبيح، وما إلى ذلك، لم يكن البشر ليتمكنوا أبدًا من التمييز بين الخير والشر، ولم يكونوا ليتمكنوا من التمييز بين الأشياء الإيجابية والأشياء السلبية. منذ بداية الجنس البشري، وحتى في سياق التطور البشري، تم تمرير هذه الأعمال والسجلات التاريخية لظهورات الله وعمله حتى يومنا هذا في بعض البلدان والجماعات العرقية في أوروبا والأمريكتين. ورغم ذلك، لا يزال البشر غير قادرين على التمييز بين الأشياء الإيجابية والسلبية، أو بين الأشياء الجميلة والجيدة والأشياء القبيحة والشريرة. ليس البشر غير قادرين على التمييز فحسب، بل إنهم أيضًا يقبلون، عن طيب خاطر وبنشاط، جميع أنواع الادعاءات من الشيطان، مثل الأقوال حول السلوك الأخلاقي، وكذلك تعريفات الشيطان ومفاهيمه الخاطئة لمختلف الأشخاص والأمور والأشياء. ما الذي يوضحه هذا؟ أيمكن أن يوضح أن البشرية ببساطة ليست لديها غريزة قبول الأشياء الإيجابية من تلقاء نفسها، ولا غريزة التمييز بين الأشياء الإيجابية والسلبية، والخير والشر، والصواب والخطأ، والحقيقة والأكاذيب؟ (بلى). بين البشر، يسود نوعان من الأشياء في الوقت نفسه، أحدهما يأتي من الشيطان، بينما يأتي الآخر من الله. لكن في النهاية، في جميع أنحاء المجتمع البشري وتاريخ تطور البشرية بأكمله، فإن الكلمات التي يقولها الله، وجميع الأشياء الإيجابية التي يعلمها للبشرية ويوضحها لها، لا يمكن أن يُبَجِّلها الجنس البشري بأكمله، ولا يمكن حتى أن تصبح الاتجاه السائد بين البشر، ولا أن تجلب الأفكار الصحيحة في الناس، ولا أن توجههم للعيش بشكل طبيعي بين جميع الأشياء التي خلقها الله. يعيش الناس دون وعي في ظل إرشاد مختلف ملاحظات الشيطان وأفكاره ومفاهيمه، وهم يعيشون في ظل إرشاد هذه الآراء الخاطئة. وهم – بعيشهم بهذه الطريقة – لا يفعلون ذلك بشكل سلبي، بل بشكلٍ نشط. على الرغم مما فعله الله، ورغم إنجازاته في خلق كل الأشياء وسيادته عليها، والكلمات الكثيرة التي خلَّفها عمل الله في بعض البلدان، وكذلك تعريفات مختلف الأشخاص والأمور والأشياء التي تم تمريرها حتى يومنا هذا، لا يزال البشر يعيشون دون وعي في ظل مختلف الأفكار والآراء التي يغرسها الشيطان في الناس. هذه الأفكار والآراء المختلفة التي يغرسها الشيطان ويدعو إليها هي الأفكار والآراء السائدة في جميع أنحاء المجتمع البشري، حتى في البلدان التي تنتشر فيها المسيحية على نطاق واسع. في حين أنه، مهما يكن عدد العبارات الإيجابية والأفكار والآراء الإيجابية والتعريفات الإيجابية للأشخاص والأمور والأشياء التي يتركها الله للبشرية من خلال قيامه بعمله، فإنها لا توجد إلا في زوايا معينة، أو الأسوأ من ذلك، لا يحتفظ بها سوى عدد قليل جدًا فحسب من الأشخاص في مجموعات عرقية من الأقليات، ولا تبقى إلا على شفاه بعض الناس، لكن لا يمكن للبشر أن يقبلوها على نحو نشط بوصفها أشياء إيجابية لترشدهم وتقودهم في الحياة. وبالنظر إلى المقارنة بين هذين النوعين من الأشياء، وإلى المواقف المختلفة للبشرية تجاه الأشياء السلبية الآتية من الشيطان وتجاه مختلف الأشياء الإيجابية الآتية من الله، فإن الجنس البشري بأكمله يقع تحت أيدي الشرير. هذه حقيقة، ويمكن تأكيدها على وجه اليقين. هذه الحقيقة تعني في المقام الأول أن أفكار الناس، وطرق تفكيرهم، وطرق تعاملهم مع الناس والأمور والأشياء، تتحكم فيها مختلف أفكار الشيطان وآرائه، وهي تؤثر فيها وتتلاعب بها، بل إنها حتى تقيدها. طوال تاريخ تطور البشرية، بصرف النظر عن المرحلة أو الفترة – سواء كانت عصرًا متخلفًا نسبيًا، أو العصر المتطور اقتصاديًا في الوقت الحاضر – وأيًا يكن الإقليم أو الجنسية أو جماعة الناس، فإن أنماط وجود البشرية وأسس وجودها وآرائها في كيفية التعامل مع الناس والأمور والأشياء كلها تستند إلى مختلف الأفكار التي غرسها الشيطان في الناس، وليس إلى كلمات الله. هذا شيء مؤسف للغاية. يأتي الله للقيام بعمله وتخليص البشرية في وضع أفسد فيه الشيطان البشر بشدة، وفي وضعٍ كانت فيه أفكارهم ووجهات نظرهم، وكذلك طرقهم في النظر إلى جميع أنواع الأشخاص والأمور والأشياء، وطرقهم في العيش والتعامل مع العالم، مقيدة تمامًا بأفكار الشيطان. يمكن للمرء أن يتخيل مدى صعوبة عمل الله لخلاص البشرية وعُسره في مثل هذا السياق. ما نوع السياق هذا؟ السياق الذي يأتي فيه الله ليقوم بعمله هو سياق ظلت فيه قلوب الناس وعقولهم مشبعة تمامًا منذ أمدٍ بعيدٍ بالفلسفات والسموم الشيطانية ومقيدة بها. إنه لا يأتي ليقوم بعمله في سياق لا يمتلك فيه الناس أي أيديولوجيات، أو أي آراء حول الأشخاص والأمور والأشياء، بل في سياق يمتلك فيه الناس طرقًا للنظر إلى مختلف الأشخاص والأمور والأشياء، وفيه قام الشيطان بتضليل طرق النظر والتفكير والمعيشة هذه وتتويهها بشكل خطير. معنى هذا أن الله يأتي للقيام بعمله وتخليص البشرية في سياق قد قبل فيه البشر أفكار الشيطان وآراءه بالكامل، وهم فيه ممتلئون بالأفكار الشيطانية ومشبَّعون بها ومقيَّدون محكومون. هذا هو نوع الناس الذين يخلصهم الله، مما يوضح مدى صعوبة عمله. يريد الله مثل هؤلاء الناس الذين تشبَّعوا بالأفكار الشيطانية وقُيِّدوا بها أن يدركوا من جديد ويميزوا بين الأشياء الإيجابية والسلبية، والجمال والقبح، والصواب والخطأ، والحقيقة والمغالطة الشريرة، وأخيرًا أن يصلوا إلى الدرجة التي يمكنهم عندها ازدراء جميع الأفكار والمغالطات المختلفة التي غرسها الشيطان ورفضها من أعماق قلوبهم، ومن ثمَّ قبول جميع الآراء الصحيحة وطرق العيش الصحيحة التي تأتي من الله. هذا هو المعنى المحدد لخلاص الله للبشرية.
بصرف النظر عن الفترة التي تكون فيها الإنسانية، أو مرحلة التطور التي وصل إليها المجتمع، أو طريقة حكم الحكام – سواء كانت ديكتاتورية إقطاعية أو نظامًا اجتماعيًا ديمقراطيًا – فلا شيء من هذه الأشياء يغير حقيقة أن مختلف النظريات والأقوال الأيديولوجية حول السلوك الأخلاقي التي يدعو إليها الشيطان منتشرة في المجتمع البشري. من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الحديث، على الرغم من أن نطاق الحكام ومبادئهم التوجيهية وأنماط حكمهم، تتغير كلها مرارًا وتكرارًا، ورغم أنَّ أعداد المجموعات العرقية والأعراق والمجتمعات الدينية المختلفة تتغير أيضًا باستمرار، فإن سُمَّ الأقوال المختلفة الموجودة في الثقافة التقليدية التي يغرسها الشيطان في الناس لا يزال منتشرًا وآخذًا في الانتشار، ويتجذر بعمق في أفكار الناس وأعماق نفوسهم، ويتحكم في أنماط وجودهم، ويؤثر في أفكارهم وآرائهم عن الناس والأمور والأشياء. بالطبع، فإنَّ هذا السم يؤثر أيضًا بشدة على مواقف الناس تجاه الله، وبشكل خطير يُقوِض استعداد البشرية وتوقها لقبول الحق وخلاص الخالق. لذلك، كانت الأقوال النموذجية حول السلوك الأخلاقي المستمدة من الثقافة التقليدية تتحكم دائمًا في تفكير الناس في الجنس البشري برمَّته، ولم يتغير قَطُّ وضعها ودورها المهيمن بين البشر في أي فترة أو سياق اجتماعي. بصرف النظر عن الفترة التي يحكم فيها الحاكم، أو ما إذا كان مجتهدًا أو متخلفًا، أو ما إذا كان أسلوب حكمه ديمقراطيًا أو ديكتاتوريًا، لا يمكن لأي من هذا أن يوقف التضليل والسيطرة التي تمارسها أفكار الثقافة التقليدية وآرائها على البشر، أو أن يقضي على ذلك. مهما تكن الفترة التاريخية، أو أيًا تكن المجموعة العِرقية، أو مهما يكن مقدار تقدم الإيمان البشري أو مقدار ما طاله من تغيُّرات، ومهما يكن مدى تقدم البشر وتغيُّرهم من حيث تفكيرهم في الحياة واتجاهاتهم الاجتماعية، فإن التأثير الذي تحدثه الأقوال حول السلوك الأخلاقي الموجودة في الثقافة التقليدية على التفكير البشري لم يتغير قَطُّ، ولم يفقد تأثيرها على الناس فعاليته قَطُّ. من وجهة النظر هذه، فإن الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي قد قيدت تفكير الناس بدرجة عميقة جدًا، مما أثر بشدة على العلاقة بين البشر، وليس ذلك فحسب، بل أثَّر أيضًا على مواقف الناس تجاه الحق، وأثر بشكل خطير على العلاقة بين البشر المخلوقين والخالق، وألحق الضرر بها. بالطبع، يمكن القول أيضًا إن الشيطان يستخدم أفكار الثقافة التقليدية لإغواء الجنس البشري الذي خلقه الله وتضليله وتخديره وتقييده، وهو يستخدم هذه الأساليب لاختطاف البشر بعيدًا عن الله. كلما انتشرت الأفكار المتعلقة بالسلوك الأخلاقي الموجودة في الثقافة التقليدية على نطاق أوسع بين البشر، وكلما تعمقت في قلوب الناس أكثر، سيصبح البشر أبعد عن الله، وسيصبح الأمل في خلاصهم أبعد. فكروا في الأمر، قبل أن تغري الحيَّة آدم وحواء بأكل ثمرة شجرة معرفة الخير والشر، كانا يؤمنان أن الله يهوه هو ربهما وأبوهما. ولكن عندما أغوت الحية حواء بقولها: "أَحَقًّا قَالَ ٱللهُ لَا تَأْكُلَا مِنْ كُلِّ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ؟" (سفر التكوين 3: 1)، و"لَيْسَ مِنْ المُؤَكَّدِ أَنْ تَمُوتَا! بَلِ ٱللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلَانِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَٱللهِ عَارِفَيْنِ ٱلْخَيْرَ وَٱلشَّرَّ" (سفر التكوين 3: 4-5)، أذعن آدم وحواء لإغراء الحية، وسرعان ما تغيرت علاقتهما بالله. ما نوع التغيير الذي حدث؟ لم يعودا يأتيان أمام الله عُريانيْن، بل بحثا عن أشياء ليسترا نفسيْهما بها ويخفيانها، وتجنبا نور حضور الله؛ وعندما طلبهما الله، اختبآ منه ولم يعودا يتحدثان إليه وجهًا لوجه كما كان من قبل. هذا التغير الذي حدث في علاقة آدم وحواء مع الله لم يكن لأنهما أكلا الثمرة من شجرة معرفة الخير والشر، لكن لأن الكلمات التي قالتها الحية – الشيطان – غرست نوعًا خاطئًا من التفكير في الناس، إذ أغوتهم وضلَّلتهم ليشكوا في الله، ويبتعدوا عنه، ويختبئوا منه. وهكذا، لم يعد الناس يريدون أن يروا نور حضور الله وجهًا لوجه، ولم يريدوا أن يأتوا أمامه مكشوفين تمامًا، وخُلِق اغترابٌ بين الناس والله. لمَ وقع هذا الاغتراب؟ ليس بسبب تغيرات في البيئة، أو بسبب مرور الزمن، لكن لأن قلوب الناس تغيرت. كيف تغيرت قلوب الناس؟ الناس أنفسهم لم يبادروا بالتغير. إنما كان ذلك بسبب الكلمات التي قالتها الحية، والتي زرعت الشقاق في علاقة الناس مع الله، فأبعدتهم عن الله وجعلتهم يتجنبون نور حضور الله، ويحيدون عن رعايته، ويشككون في كلامه. ما كانت عواقب مثل هذا التغيير؟ لم يعد الناس كما كانوا، ولم تعد قلوبهم وأفكارهم نقية، ولم يعودوا ينظرون إلى الله على أنه الله وعلى أنه الأقرب إليهم، بل شككوا فيه وخافوه، ومن ثَمَّ ضلوا عنه وتكونت لديهم عقلية الرغبة في الاختباء من الله والابتعاد عنه، وكانت هذه بداية سقوط البشرية. نشأت بداية سقوط البشرية من الكلمات التي نطق بها الشيطان، وهي كلمات سامة ومغرية ومضللة. تسببت الأفكار التي غرستها هذه الكلمات في الناس في أن يشك الناس في الله ويسيئوا فهمه ويرتابوا منه، وأدت إلى اغترابهم عنه حتى إنهم لم يعودوا غير راغبين في مواجهة الله فحسب، بل أرادوا أيضًا الاختباء من الله، وحتى لم يعودوا يؤمنون بما قاله. ماذا قال الله عن هذا؟ قال الله: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (سفر التكوين 2: 16-17). بينما قال الشيطان إن الناس الذين يأكلون ثمرة من شجرة معرفة الخير والشر لن يموتوا بالضرورة. بسبب الكلمات المضللة التي قالها الشيطان، بدأ الناس في الشك في كلمات الله وإنكارها، أي أن الناس ولَّدوا آراء عن الله في قلوبهم، ولم يعودوا بالنقاء الذي كانوا عليه من قبل. بسبب هذه الآراء والشكوك التي كانت لدى الناس، لم يعودوا يؤمنون بكلام الله، وتوقفوا عن الإيمان بأن الله هو الخالق وأن هناك علاقة حتمية بين الناس والله، وحتى توقفوا عن الاعتقاد بأن الله قادر على حماية الناس ورعايتهم. منذ اللحظة التي توقف الناس فيها عن الإيمان بهذه الأشياء، لم يعودوا على استعداد لقبول رعاية الله وحمايته، وبالطبع لم يعودوا على استعداد لقبول أي كلمة من فم الله. بدأ سقوط البشرية نتيجة لكلمات الشيطان المغرية، وبدأ من فكرة ورأي غرسهما الشيطان في الناس. بالطبع، بدأ أيضًا نتيجة لإغواء الشيطان للناس وتضليله لهم وتتويهه. هذه الفكرة وهذا الرأي اللذين غرسهما الشيطان في الناس جعلاهم يتوقفون عن الإيمان بالله أو كلماته، وجعلاهم أيضًا يشكون في الله، ويسيئون فهمه، ويرتابون منه، ويختبئون منه، ويبتعدون عنه، وينكرون ما قاله، وينكرون هويته نفسها، ينكرون حتى إن الناس يأتون من الله. هذه هي الطريقة التي يغوي بها الشيطان الناس ويفسدهم خطوة بخطوة، فيعطل علاقتهم مع الله ويضر بها، ويمنع البشر أيضًا من المجيء أمام الله وقبول أي كلمات من فمه. يعرقل الشيطان باستمرار رغبة الناس في طلب الحق وقبول كلام الله. ولعجز الناس عن مقاومة مقولات الشيطان المختلفة، فإنها تأكلهم، وهم يتشرَّبون بها، وينحطون أخيرًا إلى درجة أن يصبحوا أعداءً وخصومًا لله. هذا – بصورة جوهرية – هو التأثير والضرر الذي تحدثه الأقوال حول السلوك الأخلاقي على البشرية. وبالطبع، من خلال عقدنا الشركة عن هذه الأشياء فإننا نشرِّحها من جذورها أيضًا، حتى يتمكن الناس من اكتساب فهم جوهري لكيفية إفساد الشيطان للبشرية وماهية الأساليب التي يستخدمها. تكتيكات الشيطان الأساسية لإفساد البشرية هي استهداف أفكار الناس وآرائهم، وتدمير العلاقة بين الناس والله، وانتزاعهم تدريجيًا من الله خطوة بخطوة. في البداية، عند سماع كلام الله، اعتقد الناس أنه صحيح، وأرادوا التصرف والممارسة بما يتوافق معه. إنه في هذا الموقف استخدم الشيطان جميع أنواع الأفكار والكلمات التي تأكل وتفكِّك، شيئًا فشيئًا، البقية الباقية من الإيمان والعزم والتوق الذي كان لدى الناس، إلى جانب الأشياء الإيجابية القليلة والرغبات الإيجابية التي تمسكوا بها، واستبدل بها أقواله الخاصة، وتعريفاته وآراءه ومفاهيمه لمختلف الأشياء. وبهذه الطريقة، تتحكم أفكار الشيطان في الناس عن غير قصدٍ منهم، وهم يصبحون أسرى وعبيدًا له. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). في تاريخ البشرية، كلما تقبل البشر أفكار الشيطان بشكل أعمق وملموس بدرجة أكبر، أصبحت العلاقة بين البشرية والله نائية أكثر فأكثر، وبالتالي فإن الرسالة القائلة بأن "البشر كائنات مخلوقة والله هو الخالق" تصبح نائية عن الناس على نحو متزايد، ولم يعد يؤمن بها ويعترف بها العديد من الناس. بدلًا من ذلك، تُعْتَبَر هذه الرسالة خرافة وأسطورة، وحقيقة غير موجودة، ومغالطة شريرة، بل إن بعض الناس في مجتمع اليوم يدينونها على أنها بدعة. لا بد من القول بأن هذا كله نتيجة وتأثير مغالطات الشيطان الشريرة المختلفة التي تنتشر على نطاقٍ واسع بين البشرية. لا بد أيضًا من القول إنه طوال تاريخ التطور البشري، وتحت ستار القيام بأشياء إيجابية مثل تعليم الناس، وتنظيم كلماتهم وأفعالهم، وما إلى ذلك، سحب الشيطان البشرية خطوة بخطوة إلى هاوية الخطيئة والموت، آخذًا البشرية بعيدًا عن نور حضور الله، وبعيدًا عن رعايته وحمايته، وبعيدًا عن خلاصه. يسجل العهد القديم من الكتاب المقدس روايات عن رسل لله يأتون للتحدث إلى الناس والعيش بينهم، لكن مثل هذه الأشياء لم تعد موجودة خلال الألفي سنة الماضية. والسبب في ذلك هو أنه، بين الجنس البشري بأكمله، لم يعد هناك أي شخص يماثل القديسين والحكماء القدامى المسجلين في الكتاب المقدس – مثل نوح أو إبراهيم أو موسى أو أيوب أو بطرس – والجنس البشري بأكمله مُشبع بأفكار الشيطان ومقولاته ومقيَّدٌ بها. هذه هي حقيقة الأمر.
ما عقدنا الشركة عنه للتو هو أحد جوانب جوهر الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية، وهو أيضًا يدل على إفساد الشيطان للبشرية ويثبته ويرمز له. بالنظر إلى الأمر من جوهر هذه القضايا، فإن جميع البشر دون استثناء – سواء كانوا أطفالًا صغارًا أو كبارًا في السن، أو أيًا كانت الطبقة الاجتماعية التي يعيشون فيها أو الخلفية الاجتماعية التي يأتون منها – مقيدون بمقولات الشيطان المختلفة، حتى دون تمييز لعمقها، وهم يعيشون بالكامل في نمط وجود مشبَّع بأفكار شيطانية. وبالطبع، ما هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها؟ أن الشيطان يفسد الناس. ما يفسده ليس الأعضاء الجسدية المختلفة للبشر، بل أفكارهم. إن إفساد أفكار البشر يقلب البشرية جمعاء ضد الله، حتى لا يتمكن البشر الذين خلقهم الله من عبادته، وبدلًا من ذلك يستخدمون جميع أنواع الأفكار والآراء الآتية من الشيطان للتمرد على الله، ومقاومته وخيانته ورفضه. هذا هو طموح الشيطان ومخططه الماكر، وهو بالطبع وجه الشيطان الحقيقي، وهذه هي الطريقة التي يفسد بها الشيطان البشرية. ورغم ذلك، مهما يبلغ عدد آلاف السنين التي أفسد فيها الشيطان البشرية، أو عدد الحقائق التي تشير إلى فساد الشيطان للبشرية، أو مدى تحريف مختلف الأفكار والآراء التي يُفسد بها الشيطان البشرية ومدى سخفها، ومدى عمق تقيُّد الأفكار البشرية بها – باختصار، بغض النظر عن هذا كله، عندما يأتي الله للقيام بعمله في تخليص الناس، وعندما يعبر عن الحق، حتى لو كان الناس يعيشون في مثل هذا السياق، فإنه لا يزال بإمكان الله انتزاعهم من نفوذ الشيطان، ولا يزال بإمكانه إخضاعهم. وبالطبع، لا يزال بإمكان الله أن يجعل الناس يفهمون الحق في توبيخه ودينونته، ويعرفون جوهر فسادهم وحقيقته، ويتخلصون من شخصياتهم الشيطانية، ويخضعون له، ويتقونه ويحيدون عن الشر. هذه هي النتيجة النهائية التي ستتحقق حتمًا، وهي أيضًا اتجاه تؤتي فيه خطة تدبير الله التي مدتها ستة آلاف عام ثمارها بالتأكيد، والتي يظهر فيها الله لجميع البلدان والشعوب بمجده. تمامًا كما يقول كلام الله: "الله يعني ما يقوله، وما يقوله سيُفعَل وما يفعله سيدوم إلى الأبد". هذه الجملة صحيحة. هل تصدقون ذلك؟ (نعم). هذه حقيقة ستتحقق بالتأكيد. لأن المرحلة الأخيرة من عمل الله هي عمل إمداد البشرية بالحق والحياة. في غضون الفترة القصيرة التي تزيد قليلًا عن ثلاثين عامًا، جاء عدد كبير من الناس أمام الله، وقد أخضعهم، والآن يتبعونه بعزم لا يتزعزع. إنهم لا يريدون أي منافع من الشيطان، إنهم على استعداد لقبول توبيخ الله ودينونته، وخلاصه، وجميعهم على استعداد لاستعادة أماكنهم ككائنات مخلوقة وقبول سيادة الخالق وترتيباته. أليست هذه علامة على أن خطة الله تؤتي ثمارها؟ (بلى). هذه حقيقة ثابتة وأيضًا حقيقة تحققت بالفعل، وهي بالطبع شيء يحدث الآن وقد حدث بالفعل. مهما كانت كيفية إفساد الشيطان للبشرية، وأيًا كانت الطرق التي يستخدمها، فستكون لدى الله دائمًا طرق لانتزاع البشر من سيطرة الشيطان، وتخليصهم، وإعادتهم أمامه، واستعادة العلاقة بين البشرية والخالق. هذه هي قدرة الله وسلطانه، وسواءً صدقت ذلك أم لم تصدقه، فذلك اليوم سيأتي عاجلًا أو آجلًا.
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.