كيفية السعي إلى الحق (8) الجزء الأول

فيما سبق، عقدنا الشركة حول الجانب الرئيسي الأول من كيفية السعي إلى الحق، وهو التخلي. فيما يتعلق بالتخلي، عقدنا الشركة حول الجانب الأول من الممارسة، وهو التخلي عن مختلف المشاعر السلبية. هدفنا في عقد الشركة حول مختلف المشاعر السلبية للناس وتشريحها هو بشكل أساسي، تناول الأفكار ووجهات النظر غير الصحيحة والمحرفة المخفية تحت تلك المشاعر السلبية. أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). هذا يعني أننا من خلال علاج المشاعر السلبية في قلوب الناس، نهدف إلى تناول الأفكار ووجهات النظر السلبية التي يضمرونها في أعماق قلوبهم تجاه مختلف الأشخاص والأحداث والأشياء. وبالطبع، من خلال كشف المشاعر السلبية المختلفة وتشريحها وتزويد الناس بالأفكار ووجهات النظر الصحيحة والفهم، يمكن علاج مختلف المشاعر السلبية لدى الناس. هذا حتى لا يكون الناس مضطربين أو مقيدين بأفكار ووجهات نظر خاطئة ومحرَّفة كلما أصابتهم أشياء، سواء في حياتهم اليومية أو في مسار حياتهم، وبدلًا من ذلك، يواجهوا كل يوم ويواجهوا الأشخاص والأحداث والأشياء التي تصيبهم على مدار كل يوم، بأفكار ووجهات نظر إيجابية وصحيحة تتماشى مع الحق. وبهذا، لن يستجيبوا بتهوُّرٍ عندما يواجهون الأشخاص والأحداث والأشياء في الحياة الواقعية، بل سيعيشون في عالم الضمير والعقل البشرييْن الطبيعييْن، وسيكونون قادرين على تناول كل موقف يواجهونه أو يختبرونه في حياتهم وعلى مسار الحياة والتعامل معه بعقلانية، باستخدام الطرق الدقيقة والصحيحة التي علمها الله. أحد جوانب القيام بذلك يتمثل في أن يتسنى للناس العيش تحت إرشاد الأفكار ووجهات النظر الصحيحة وتأثيرها. الجانب الآخر هو أن يتعاملوا مع كل موقف بشكل صحيح تحت إرشاد الأفكار ووجهات النظر الإيجابية وتأثيرها. ليست القدرة على التعامل مع كل موقف بشكل صحيح هي الهدف النهائي بالطبع. الهدف النهائي هو تحقيق ما يجب على أولئك الذين يؤمنون بالله تحقيقه، وهو أن يتقوا الله ويبتعدوا عن الشر، وأن يخضعوا لله، ولترتيباته وتنظيماته، وأن يخضعوا لكل بيئة أنشأها، وأن يخضع كل منهم بالطبع لقدره الذي لله السيادة عليه، وأن يعيشوا بعقلانية بين جميع الأشخاص والأحداث والأشياء، وفي كل بيئة. باختصار، سواء كان ما نعقد عنه شركتنا أو نشرِّحه هو المشاعر السلبية لدى الناس أو ما لديهم من الأفكار ووجهات النظر السلبية، فإن كل هذا يتعلق بالمسار الذي يجب أن يسير فيه الكائن المخلوق، مسار الحياة الذي يطلبه الله من الشخص الطبيعي. وبالطبع، يتعلق الأمر أيضًا بالمبادئ التي يجب أن يتمتع بها الكائن المخلوق، من حيث كيفية رؤيته للأشخاص والأشياء، وبشأن الكيفية التي يتصرف بها ويسلك. إن التخلي عن مختلف المشاعر السلبية يتعلق ظاهريًا بعلاج المشاعر السلبية لدى الناس وعلاج الأفكار ووجهات النظر السلبية والمغلوطة المخفية تحت تلك المشاعر السلبية. ولكن في الواقع، يمكنك أيضًا القول إن الأمر يتعلق في الأساس بإرشاد الناس، وتزويدهم، ومساعدتهم، أو إنه يتعلق بتعليم الناس الكيفية التي يتصرفون بها ويسلكون، وكيفية أن يكون المرء – عند مواجهة مختلف البيئات والأشخاص والأحداث والأشياء – شخصًا صادقًا وطبيعيًا، وشخصًا عقلانيًا، وأن يكون الشخص الذي يريد الله من المرء أن يَكُونَه، والشخص الذي يحبه الله، والشخص الذي يرضي الله. ينطبق الأمر نفسه على الجوانب الأخرى من مبادئ الحق، من حيث إنها جميعًا تتعلق بتصرف المرء. ظاهريًا، يبدو أن موضوع التخلي عن مختلف المشاعر السلبية ينطوي على عاطفة اعتيادية تمامًا، أو حالة يعيش فيها الناس آنيًا. لكن الواقع أنَّ هذه المشاعر وهذه الحالات البسيطة ترتبط بالمسار الذي يسير فيه الناس والمبادئ التي يتصرفون وفقًا لها. من وجهة نظر الشخص، قد تبدو غير مهمة ولا تستحق الذكر. رغم ذلك، نظرًا لأنها تتعلق بوجهات النظر التي يحملها الناس والمنظورات والمواقف التي يتبنونها عند مواجهة مختلف الأشخاص والأحداث والأشياء، فإنَّها ذات علاقة قوية بتصرف المرء. وبشكل أكثر تحديدًا، فإنها تتضمن كيفية رؤية المرء للأشخاص والأشياء، والكيفية التي يتصرف بها ويسلك. نظرًا لأن هذه المشاعر السلبية والأفكار ووجهات النظر السلبية تنطوي على كيفية رؤية المرء للأشخاص والأشياء، والكيفية التي يتصرف بها ويسلك، فيجب فحصها باستمرار والتأمل فيها في حياة الناس اليومية. وبالطبع، من الضروري أيضًا أن يكون الناس قادرين على تَدَارُكِ أنفسهم على الفور متى ما اكتشفوا خلال عملية التأمل أن لديهم مشاعر سلبية أو أفكار ووجهات نظر سلبية ومغلوطة، وأن يكونوا قادرين على أن يستبدلوا بهذه المشاعر السلبية والأفكار ووجهات النظر المغلوطة على الفور أفكارًا ووجهات نظر إيجابية وصحيحة تتماشى مع مبادئ الحق. وهذا يمكّنهم من رؤية الناس والأشياء، والتصرف والسلوك متَّخِذين من كلام الله أساسًا ومن الحقِّ معيارًا لهم. إنها أيضًا طريقة لتغيير شخصيات الناس بحيث تتوافق مع الله، وبحيث يحققون تقوى الله ويبتعدون عن الشر. الأمور المذكورة أعلاه التي عقدنا الشركة حولها، هي في الأساس التفاصيل الرئيسية للجانب الأول، وهو "التخلي"، في "كيفية السعي إلى الحق". بالطبع، من بين مختلف المشاعر الإنسانية، توجد أيضًا أشياء سلبية بسيطة معينة، أو بعض المشاعر السلبية الخاصة التي تكون غير نموذجية على الإطلاق، والتي تتعلق أيضًا ببعض الأفكار ووجهات النظر السلبية أو المغلوطة. يمكن القول إن هذه المشاعر السلبية أو الأفكار ووجهات النظر المغلوطة لها تأثيرات ضئيلة على الناس، لذلك لن نعقد الشركة حول كل منها بدرجة أكبر من التفصيل.

جميع المشاعر السلبية التي عقدنا الشركة حولها سابقًا من الممكن أن تمثِّل بصفة أساسية قضايا توجد في حياة الناس الواقعية أو في مسار حياتهم. تتضمن هذه المشاعر مختلف وجهات النظر حول كيفية رؤية الأشخاص والأشياء، والكيفية التي يتصرف بها المرء ويسلك. إن مختلف هذه الأفكار ووجهات النظر السلبية حول كيفية رؤية الناس والأشياء والكيفية التي يتصرف بها المرء ويسلك ترتبط باتجاهات أوسع، ومبادئ رئيسية، وبسعي الناس إلى الحق. لذا، فإنَّ هذه أشياء يجب على الناس التخلي عنها ومعالجتها في أفكارهم ووجهات نظرهم. بعض ما يتبقى من الأمور المحددة أو غير النموذجية أو الأكثر خصوصيةً – مثل الطعام والملابس والحياة الشخصية وما إلى ذلك – لا تتضمن المبادئ الرئيسية لكيفية رؤية المرء للأشخاص والأشياء، وكيفية تصرفه وسلوكه، ويمكن القول إنها لا تتضمن التمييز بين الأشياء الإيجابية والسلبية. لذلك، فهي ليست ضمن نطاق الموضوع الذي نعقد الشركة حوله. على سبيل المثال، عندما يقول شخص ما: "أحب الأشياء السوداء"، فهذه حريته وذوقه الشخصي وتفضيله. هل يتضمن هذا أي مبادئ؟ (لا، لا يتضمن أي مبادئ). هذا لا يتضمن كيفية رؤية المرء للأشخاص والأشياء، ناهيك عن كيفية تصرفه وسلوكه. على سبيل المثال، يقول شخص يرتدي نظارات لقصر النظر: "أحب النظارات ذات الإطار الذهبي". ويقول شخص آخر: "الإطارات الذهبية عفا عليها الزمن. أفضل النظارات هي التي ليس لها إطار". هل يتضمن هذا مبادئ تتعلق بكيفية رؤية المرء للأشخاص والأشياء، وكيفية تصرفه وسلوكه؟ (لا، هذا لا يتضمن تلك المبادئ). هذا لا يتضمن مبادئ تتعلق بكيفية رؤية المرء للأشخاص والأشياء، وكيفية تصرفه وسلوكه. يقول آخرون: "لدي مشاعر سلبية تجاه الأعمال المنزلية اليومية والتنظيف. دائمًا ما أشعر أنها مزعجة وتجعل حياتي مُرْهِقَة؛ حتى الأكل أمر مزعج. إنَّ إعداد الوجبة يستغرق أكثر من ساعة، وبعد تناول الطعام، لا يزال يتعين علي غسل الأطباق وتنظيف الأواني وترتيب المطبخ، وهذه الأشياء مزعجة للغاية أيضًا". بينما لا يزال آخرون يقولون: "الحياة مزعجة للغاية. يجب على المرء تغيير ملابسه كل فصلٍ بما يتناسب مع الطقس، ورغم ذلك يكون الطقس حارًا للغاية في الصيف مهما كانت الملابس خفيفة، وباردًا للغاية في الشتاء مهما كانت الملابس ثقيلة. هذا الجسم المادي شيءٌ مزعج حقًا!". وعندما يتسخ شعرهم، لا يريدون غسله، لكنهم يشعرون بالحكة فيه عندما لا يغسلونه. لديهم حالةٌ من الخمول وعدم الترتيب. لا يمكنهم التنصل من عدم غسل شعرهم، لكنهم يغضبون عندما يغسلونه، ويفكرون، "ألن يكون من الرائع عدم وجود شعر؟ إنه لأمر مزعج للغاية أن يضطر المرء إلى قصه وغسله طوال الوقت!". هل هذه مشاعر سلبية؟ (نعم). هل يجب علاج هذه المشاعر السلبية؟ هل هي من ضمن مختلف المشاعر السلبية التي يجب التخلي عنها؟ (لا، ليست من ضمنها). لماذا ليست من ضمنها؟ (هذه ليست سوى بعض العادات والمشكلات المتعلقة بالحياة المادية للجسم). يمكن للنساء، ولا سيما البالغات منهنَّ، التعامل مع هذه الأمور اليومية العادية، مثل الغسيل والترتيب وتنظيف ما تسببوا فيه من فوضى. الرجال أسوأ حالاً قليلاً. إنهم يميلون إلى أن يعتبروا الطبخ وغسل الملابس والأعمال المنزلية مزعجة. هُم يكافحون كثيرًا عندما يتعلق الأمر بغسل الملابس. هل يجب أن يغسلوها؟ إنهم لا يشعرون بالرغبة في ذلك. هل يجب ألَّا يغسلوها؟ إنها متسخة للغاية، ويخشون أن يسخر الآخرون منهم، لذلك يقومون بشطفها في الماء لبرهةٍ خاطفةٍ فحسب. لدى الرجال والنساء مناهج ومواقف مختلفة قليلاً تجاه التعامل مع هذه الأمور اليومية البسيطة. تميل النساء إلى أن تكن أكثر تدقيقًا واهتمامًا بالتفاصيل، حيث تهتممن بالنظافة والمظهر، في حين أن الرجال قد يكونون خشنين نسبيًا في التعامل مع هذه الأمور. لكن ليس ثمة خطأ في ذلك. ليس من الجيد أن تكون فوضويًا للغاية؛ خاصة عندما تعيش مع أشخاص آخرين، فحينها ستكشف عن الكثير من عيوبك وهذا سيجعل الآخرين يكرهونك. هذه العيوب هي عيوب في إنسانيتك، ويجب عليك التغلب على عيوبك التي تحتاج إلى التغلب عليها، وعلاج تلك التي تحتاج إلى علاج. كن أكثر اجتهادًا، ونظِّم ما في مكان معيشتك من أشياء، واطوِ ملابسك وبطانياتك بشكل صحيح، ونظِّف بيئة عملك ونظمها يومًا بعد يوم أو كل بضعة أيام حتى لا تزعج الآخرين – الأمر بهذه البساطة حقًا. ما من حاجة لأن تشعر بأنَّ ذلك يمثل تحديًا، أليس كذلك؟ (بلى). أما بالنسبة لمدى تواتر مرات استحمامك أو تغيير ملابسك، فلا بأس ما دام الأمر لا يؤثّر على مزاج الآخرين. هذا هو المعيار. إذا كنتَ لا تستحم ولا تغسل شعرك ولا تبدِّل ثيابك لفترةٍ طويلةٍ من الوقت، ورائحتك تصبح كريهةً، ولا أحد يرغب في الاقتراب منك، فهذا ليس مقبولًا. يجب أن تغتسل وتبدو بمنظرٍ مقبولٍ، حتى لا تؤثر على مزاج الآخرين على الأقل. يجب ألا يضطرَّ الناس إلى تغطية أنوفهم أو أفواههم في أثناء حديثهم معك، أو أن يشعروا بالحرج بسببك. إذا عاملك الآخرون بهذه الطريقة ولم تمانع أو تهتم، فيمكنك الاستمرار في العيش بهذه الطريقة. لا أحد يفرض عليك مطالبَ مبالغ فيها؛ ما دمت قادرًا على قبول الأمر. ولكن إذا كنت تشعر بالحرج، فافعل كل ما بوسعك لإدارة بيئة معيشتك الشخصية ونظافتك، حتى لا ينزعج الآخرون من ذلك. الهدف هو عدم وضع أي عبء أو ضغوط لا مبرر لها على حياتك الخاصة، ومراعاة مشاعر الآخرين. لا تضغط على الآخرين أو تفرض تأثيرك عليهم. هذا هو الحد الأدنى من متطلبات الضمير والعقل البشريين الطبيعيين. إذا كنت حتى لا تملك هذا القدر، فكيف يمكنك أن تتصرف بلياقة؟ لذلك، فإن هذه الأشياء التي يُفْترَض أن يتمكن شخص ذو إنسانية طبيعية من تحقيقها لا تتطلب الكثير من الشرح. لا يلزم أن يعطيك بيت الله واجبات أو أوامر محدّدة. يجب أن تكون قادرًا على التعامل مع هذه الأشياء بنفسك. فالأمور الشخصية التي ذكرتُها أعلاه لا تنطوي على مبادئ أو معايير لكيفية رؤية الأشخاص والأشياء، وللكيفية التي يتصرف بها المرء ويسلك، وكيفية التصرف. لذلك، يمكن للمرء الاعتماد على الضمير والعقل البشريين الأساسيين للغاية للتعامل معها. يجب لشخص ذي ضمير وعقل بشرييْن طبيعييْن أن يمتلك هذا المستوى من الذكاء. ما من حاجة لإعطاء الأمر أكبر من حجمه، وفوق ذلك، لا ينبغي التعامل مع هذه الأمور البسيطة على أنها قضايا تتطلب الفهم أو الحل من خلال السعي إلى الحق، لأن هذه أشياء يمكن لأي شخص ذي إنسانية طبيعية تحقيقها. حتى الكلب الصغير يفهم ما يعنيه أن تكون لائقًا. إذا كان البشر لا يفهمون ذلك، فإنهم لا يلبون بمعايير كونهم بشرًا، أليس كذلك؟ (بلى). لديَّ كلب أليف. هذا الكلب جميل الشكل جدًا، وله عينان كبيرتان، وفم عريض، وأنف ذو شكل جميل. ذات مرة، تَشَاجَرَ مع جَرْوِهِ على الطعام، وعضه الجرو في أنفه. أصيب بجرحٍ صغيرٍ في منتصف أنفه بعد ذلك، مما أفسد مظهره. وضعت الدواء بسرعة على الجرح وقلت: "ماذا يمكننا أن نفعل الآن؟ كم سيكون منظرًا مُحْزِنًا أن تظهر نُدْبَةٌ على هذا الكلب الجميل!". قلت له: "من الآن فصاعدًا، لا تتبعنا عندما نخرج. إذا رأى الناس ندبة على وجهك، فسيعتقدون أنك تبدو قبيحًا". بعد أن سمع الكلب ذلك، أصدر صوتًا يعبِّر عن موافقته، وحدَّق في شرودٍ للحظة، واتسعت عيناه. تابعتُ: "أنت مصاب. لديك جرحٌ كبيرٌ على أنفك، وقد يضحك النّاس عليك إذا رأوه. تحتاج إلى الراحة والتعافي. لا يمكنك أن تتبعنا حتى تتعافى تمامًا". بعد سماعه كلماتي، لم يصدر صوتًا آخر، ولم يصر على الخروج. فكرت أنه حتى الكلب يفهم حقيقة الوضع. بعد فترة من الوقت، اندمل الجرح وتحسن بشكل ملحوظ، لذلك خرجتُ به. رأت إحدى الأخوات الكلب الصغير وسألت: "مرحبًا، ماذا حدث لأنفك؟". بعد أن سمع الكلب ذلك، أدار رأسه وركض دون النظر إلى الوراء، عائدًا مباشرة إلى السيارة، رافضًا العودة. عندما بدأت الأخت في التحدث إليه، كان يحسن التصرُّف، وشرب الماء عندما قدمته إليه. لم يهرب، لكنها حالما سألتْ: "ماذا حدث لأنفك؟". أدار رأسه وركض دون النظر إلى الوراء. عندما عدنا إلى المنزل، سألته: "لقد أصيب أنفك، لماذا هربت عندما سألتك الأخت عنه؟ هل أنت خجلان؟". نظر إليّ بتعبيرٍ خجلان، خافضًا رأسه باستمرار، وشاعرًا بحرجٍ شديد منعه من النظر إليَّ. ثم استكان بين ذراعي، وتركني أداعبه وأحضنه. قلت له: "لا تتشاجر مع جروك بعد الآن. إذا تعرضت للإصابة وظهرت لك ندوبٌ مرة أخرى، فقد تبدو قبيحًا. سيسخر الناس منك. أين ستخفي وجهك؟". انظر، حتى الكلب الصغير البالغ من العمر خمس سنوات يعرف ما يعنيه أن تشعر بالخجل. إنه يعرف أن يختبئ من الناس لأن وجهه مصاب ويخشى السخرية منه. إذا كان الكلب الصغير يملك هذا المستوى من الذكاء، ألا يجب أن يملكه البشر أيضًا؟ (بلى). يجب أن يملكه البشر، أي يجب أن يكون شيئًا يمتلكونه في نطاق عقولهم. ماذا يعني أن تكون لائقًا؟ ماذا يعني أن تصبح مهذبًا وألا يكرهك الآخرون أو ينفروا منك؟ يجب أن يكون لديك هذا المعيار في داخلك. إنها أبسط مسألة في الحياة اليومية، ومع وجود ضمير وعقل بشرييْن طبيعييْن، يمكنك التعامل مع الأشياء بدقة دون الحاجة إلى عقد الشركة حول حقائق مثل علاج شخصيات الناس الفاسدة أو مشاعرهم السلبية. بالطبع، إذا كنت تعيش في منزلك، فلا بأس أن تكون فوضويًا بعض الشيء، فالمعايير فيه ليست بهذه الصرامة. لكن إذا كنت تعيش مع الإخوة والأخوات، فيجب عليك التأكد من أنك تحافظ على إنسانيتك الطبيعية جيدًا. على الرغم من أنه ليس لدينا أي متطلبات محددة أو معايير صارمة لهذا، فيجب عليك، كإنسان طبيعي، أن يكون لديك إدراك لهذه الأمور. هذه هي الأشياء التي يجب على الأشخاص ذوي الإنسانية الطبيعية فعلها وامتلاكها. إنها لا تنطوي على أفكار أو وجهات نظر أو منظورات أو مواقف تتعلق بكيفية رؤية الأشخاص والأشياء، وكيفية تصرف المرء وسلوكه، وهي بالتأكيد لا تنطوي على مسار حياة أو اتجاه أو هدف أكبر. وبالتالي، سيكون من الأفضل لك علاج هذه الأمور وفقًا لمتطلبات الضمير والعقل البشرييْن الطبيعييْن، حتى لا يغتابك الآخرون أو يشعروا بالاشمئزاز منك بسبب هذه الأشياء. أما بالنسبة للعادات الشخصية أو الهوايات أو الاختلافات في الشخصية أو الخيارات المتعلقة بأمور لا علاقة لها بالمبادئ، فهذه الأشياء التي لا تنطوي على أفكار ووجهات نظر، فأنت حر في اختيار سلوكياتك الخاصة والاحتفاظ بها. بيت الله لن يتدخل. لقد منح الله الناس الإرادة الحرة والضمير والعقل الأساسييْن، وسمح للأفراد باختيار اهتماماتهم وهواياتهم وعاداتهم الخاصة، أو أنماط الحياة التي تناسب شخصياتهم. لا أحد له الحق في تقييدك أو إلزامك أو إلقاء اللوم عليك. فيما يتعلق بالأمور التي لا تنطوي على مبادئ الحق أو متطلبات الله في كلامه، وعلى وجه التحديد، الأمور التي لا تنطوي على كيفية رؤية الناس والأشياء، وكيفية التصرف والسلوك، فللناس الحق في اختيار طريقة حياتهم بحرية دون أي تدخل من الآخرين. إذا انتقدك قائد أو رئيس مجموعة أو مشرف أو تدخل في شأنك فيما يتعلق بالأمور الشخصية، فيحق لك تجاهله. باختصار، هذه الأمور المتعلقة بالإنسانية الطبيعية لا علاقة لها بمتطلبات كلام الله أو مبادئ الحق. ما دمت تشعر أنك لائق ومرتاح، وليس لسلوكك تأثير على الآخرين وهو لا يزعجهم، فلا بأس بذلك. على سبيل المثال، إذا كنت تستمتع بأن تكون متأنقًا في ملبسك ومرتَّبًا، فهذه ليست مشكلة ما دمت لا تؤثر على الآخرين. ولكن إذا كان الوقت متأخرًا في الليل وكان الآخرون بحاجة إلى النوم في الحادية عشرة، وأنت ما تزال تقوم بغسل الملابس أو التنظيف، فهذا غير مقبول. إذا كنت في منزلك ولا تؤثر على حياة الآخرين، فيمكنك البقاء مستيقظًا طوال الليل حتى الساعة الرابعة أو الخامسة صباحًا إذا كنت تريد ذلك. هذه حريتك. لكن بما أنك الآن تعيش مع الإخوة والأخوات، فإنَّ أفعالك ستؤثر على عاداتهم اليومية وجداولهم. وهذا ليس جيدًا. إنك بفعلك هذا لا تُمارس حقوقك وحريتك بشكل صحيح؛ وإنما تُصبح عنيدًا، وهذا ما يسمى بالافتقار إلى الإنسانية. فمن أجل حريتك وإشباع تفضيلات ورغبات جسدك، تعطل حياة الآخرين بل وتضحي بوقت راحتهم. هذا السلوك لا يتوافق مع الضمير والعقل البشرييْن الطبيعييْن؛ ويجب أن يتغير. يتعلق هذا بمبادئ تصرف الذات. لا يتعلَّق الأمر بخطأ ما في نمط حياتك الشخصية أو عادات النظافة الخاصة بك. هذا يتعلّق بمبادئ كيفيّة تصرفك. أنت لا تراعي مشاعر الآخرين أو أمزجتهم أو اهتماماتهم، وإنما تحمي مصالحك وتحافظ عليها على حساب الآخرين. هذه الطريقة في السلوك لا تتماشى مع متطلبات الله لكيفية تصرف المرء أو مع مبادئ التصرف التي يطلبها الله. لذلك، فإن أي تفضيلات أو مصالح أو خيارات في نمط الحياة أو عادات أو حريات أو حقوق، وما إلى ذلك من أشياء مرتبطة بالإنسانية الطبيعية، يجب أن تظلَّ ضمن نطاق ضمير الشخص وعقله لكي تُعَد إنسانية طبيعية. لكنها إذا تجاوزتْ حدود الضمير والعقل البشرييْن الطبيعييْن، فهذه ليست إنسانية طبيعية، أليس كذلك؟ (بلى). ضمن حدود الضمير والعقل البشرييْن الطبيعييْن، تتصرف كشخص طبيعي. لكن إذا تخطّيت حدود الضمير والعقل البشرييْن الطبيعييْن وما تزال تؤكّد على حريّتك، فأنت لا تتصرّف كشخص طبيعيّ؛ وإنما أنت شخصٌ دون بشريّ. هذا شيء يجب أن يتغير، وهذا يجب أن يكون واضحًا. ما الذي يجب أن يكون واضحًا؟ يجب أن يكون واضحًا أن هذه الأمور الشخصية يجب التعامل معها ضمن حدود الضمير والعقل البشرييْن الطبيعييْن، وأن هذا مبدأ من مبادئ التصرف. عاداتك الشخصية، ومطالبك، وخياراتك في نمط حياتك، وما إلى ذلك، كلها متروكة لك، ما دامت لا تتجاوز حدود الضمير والعقل البشرييْن الطبيعييْن. لا توجد متطلبات محددة فيما يتعلق بهذه الأمور.

في الجزء الأول من كيفية السعي إلى الحق، وهو "التخلي"، فيما يتعلق بالتخلي عن مختلف المشاعر السلبية، مثل الدونية والكراهية والغضب والاكتئاب والضيق والهم والقلق والكبت، فهذه في الأساس هي القضايا التوجيهية الرئيسية والقضايا التي تنطوي على المبادئ التي ينبغي أن نعقد الشركة حولها. وبالنسبة إلى القضايا الجانبية الثانوية التي لا تنطوي على مبادئ أو توجيهات، فقد عقدنا الشركة حولها بشكلٍ شاملٍ آنفًا. أما بالنسبة إلى التردد وعدم الرضا والاستياء وما إلى ذلك من مشاعرٍ تشعر بها تجاه مشاكلك الشخصية، فما دامت لا تنطوي على أفكار ووجهات نظر أصيلة ولا تتطرق إلى مبادئ كيفية رؤية المرء للأشخاص والأشياء، أو كيفية سلوكه وتصرفه، فهذه شؤونك الشخصية، وتحتاج إلى تعديلها والتعامل معها في نطاق ضميرك وعقلك. على سبيل المثال، أنت جائع ولا ترغب في الطهي، لكنك أضعف من أن تعمل بمعدة فارغة، وعندما تطبخ، تشعر بالانزعاج. قد تفكر: "هل هذا من المشاعر السلبية؟". ليس هذا من المشاعر السلبية؛ بل هو كسلك الجسدي وكراهيتك للطهي. هذا أمرٌ يتعلّقُ بجسدك الفاسد. إذا كانت ظروفك المالية تسمح، فيمكنك توظيف شخص ما ليساعدك في الطهي. إذا لم تكن لديك الإمكانات الماليّة، فلا يمكن لأحدٍ سواك حل المشكلة. الآخرون ليسوا ملزمين بحل هذه المشاكل الحياتية نيابة عنك؛ فهي مسؤوليتك أنت. هذه المهام الدنيوية المتمثلة في تناول الطعام وارتداء الملابس والتنظيف بالفرشاة والفرك هي جزء من حياة الإنسان. إنها متأصلة في وجود الإنسان. يختلف البشر عن القطط والكلاب. فبمجرد أن تتبنى قطًا أو جروًا، تكون مسؤولًا عن طعامه وشرابه. وعندما يجوع القط أو الجرو، يتعيَّن عليك إطعامه. لكن هذا لن يُفلح مع البشر؛ فالبشر يتعيَّن عليهم أن يعتنوا بهذه الجوانب من الحياة ويتحملوا مسؤوليتها بأنفسهم. هذا ليس عبئًا؛ فتعلُّم التعامل مع هذه الأشياء بشكل صحيح هو شيء يمكن للأشخاص ذوي الإنسانية الطبيعية تحقيقه. كل ما هنالك أن بعض الناس قد يشعرون أنهم لم يفعلوا هذه الأشياء من قبل، خاصة بعض الرجال الذين ساعدهم والداهم أو أفراد أسرهم على أن يبقوا منظمين، وبالغوا في تدليلهم لدرجة أنهم لم يتعلموا قَطّ كيفية الطهي أو غسل الملابس أو الاعتناء بالأشياء في حياتهم الخاصة. هذا نتيجة للبيئة الأسرية. رغم ذلك، فحالما يتركوا آباءهم وأمهاتهم ويبدأوا في العيش بشكل مستقل، يصيرون قادرين على القيام بكل شيء بأنفسهم، بما في ذلك غسل ملابسهم وترتيب أسِرَّتهِم. في الواقع، هذه أشياء يمكن للإنسانية الطبيعية تحقيقها. إنها ليست مهامًا صعبةً على أي شخص بالغ، وهي بالتأكيد ليست مربكة. يمكن حل هذه المشاكل بسهولة. وإذا كانت لديك معايير أعلى لجودة حياتك، فيمكنك أداء هذه الأشياء بصورةٍ أفضل. لكن إذا كانت توقعاتك لجودة حياتك أقلَّ صرامة أو أقلَّ مستوى، فيمكنك أن تجتهد أكثر. هذه كلها أمورٌ لا تنطوي على مبادئ.

فيما يتعلق بالموضوع الرئيسي الأول في كيفية السعي إلى الحق، وهو التخلي عن مختلف المشاعر السلبية، دعونا نختتم هنا شركتنا حيث انتهت الشركة بشكل أساسي. وتاليًا في عملية السعي إلى الحق، يتعين على المرء أيضًا التخلي عن المساعي والتطلعات والرغبات الشخصية، وذلك بخلاف التخلي عن المشاعر السلبية. هذا هو ثاني جانب رئيسي من "التخلي" في ممارسة كيفية السعي إلى الحق، والذي سنعقد الشركة حوله اليوم. التخلي عن مساعي الناس وتطلعاتهم ورغباتهم؛ هل تفهمون؟ (نعم، نفهم). ذكرتُ للتو أهداف هذه الممارسة المحددة المتمثلة في "التخلي"، وقد انتبهتم إليها أيضًا. الآن، دعونا نفحص الموضوع: ما الذي يتبادر إلى الذهن عندما نتحدث عن التخلي عن مساعي الناس وتطلعاتهم ورغباتهم؟ ما الأمثلة التي يمكنكم التفكير فيها؟ (يمكنني التفكير في التطلعات التي لدى الناس، التي عقد الله الشركة حولها في وقت سابق، مثل الأشخاص الذين لديهم موهبة معينة، مثل التمثيل، ويطمحون إلى أن يصبحوا مشاهير أو نجومًا بارزين. وقد يطمح آخرون يمتلكون قدرات الكتابة وشيئًا من الموهبة الأدبية إلى أداء واجبات قائمة على النصوص في بيت الله وإلى أن يصبحوا كُتَّابًا. هذه بعض التطلعات التي تظهر في الناس). هل من شيء آخر؟ (يسعى النّاس إلى النّجاح كما يسعون إلى آفاقهم وآمالهم الخاصّة، ويرغبون في تلقّي البركات). فكروا أكثر، ماذا أيضًا؟ علامَ يجب أن يكون التركيز هنا؟ يتعلق الأمر بالمساعي والتطلعات والرغبات التي يتعيَّن على الناس التخلي عنها. إلى جانب رغبات الناس في التَّرَف والآمال التي يعقدونها تجاه آفاقهم وقَدَرِهِم، في سياق حياة الناس الواقعية، وفي الظروف الضرورية للوجود الإنساني، على ماذا أيضًا تنطوي المساعي والتطلعات والرغبات التي يجب على الناس التخلي عنها؟ ما بعض الأمور المهمة في الحياة التي يمكن أن تؤثر في إيمانك بالله وسعيك إلى الحق؟ (عندما يصل الناس إلى سن الزواج، قد يخضعون لقيود الزواج. أيضًا، عندما تتعارض المسيرة المهنية للشخص مع إيمانه بالله، فقد يختار السعي في مسيرته المهنية. هذان هما الجانبان اللذان يجب التخلي عنهما أيضًا). أحسنت القول. لقد منحك إيمانك بالله خلال السنوات القليلة الماضية نتائج وإدراكًا. لقد ذكرتَ بشكل صحيح جانبين مهمين: الزواج والمسيرة المهنية. هذان البندان الرئيسيان هما من بين القضايا المتعلقة بالأمور المستمرة مدى الحياة على مسار الحياة البشرية. الزواج مسألة مهمة للجميع، كما أن المسيرة المهنية للشخص هي أيضًا مصدر قلق كبير حتميٍّ لا مفرَّ منه. هل توجد أي أمور رئيسية أخرى إلى جانب هذين الأمرين؟ (هناك أيضًا جانب التعامل مع الأسرة والوالدين والأبناء. عندما تتعارض هذه الأمور مع الإيمان بالله والسعي إلى الحق، يصبح من الصعب على الناس التخلي عنها). عندما ترغبون في الإيجاز، لا ينبغي أن تستخدموا مثل هذه الجمل الطويلة. في وقت سابق، ذكرنا الزواج والمسيرة المهنية. إذن، بمَ ينبغي أن يُسمى هذا الموضوع؟ (الأسرة). هذا صحيح، الأسرة هي أيضًا جانب رئيسي. هل يشمل هذا الموضوع كل فرد؟ (نعم). هذا يشمل كل فرد، وهو محدد ونموذجيٌّ بما فيه الكفاية. الزواج والأسرة والمسيرة المهنية كلها مواضيع رئيسية تنطوي على الموضوع الرئيسي المتمثل في مساعي الناس وتطلعاتهم ورغباتهم. هناك ما مجموعه أربعة مواضيع رئيسية تتعلق بالتخلي عن مساعي الناس وتطلعاتهم ورغباتهم. لقد حددتم ثلاثة منها بشكل صحيح، وهذا أمر رائع. يبدو أن هذا الموضوع يتطلب عقد شركةٍ مفصلة، فهو موضوع حاضر بالفعل في عقولكم، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بحياتكم أو بقامتكم وخبرتكم. هناك موضوع آخر، وهو في الواقع بسيط إلى حد كبير. ما هو؟ إنه اهتمامات الشخص وهواياته. أليس بسيطًا؟ (بلى). لماذا أذكر اهتمامات الشخص وهواياته؟ ألقِ نظرة فاحصة على الموضوع ولترَ ما إذا كانت الاهتمامات والهوايات مرتبطة بمساعي الناس وتطلعاتهم ورغباتهم التي يتعين علينا مناقشتها. (نعم). هل الزواج مرتبط بها؟ (نعم). هل العائلة مرتبطة بها؟ (نعم). هل المسيرة المهنية مرتبطة بها؟ هذا صحيحٌ أيضًا. يرتبط كل جانب من هذه الجوانب الأربعة بمساعي الشخص وتطلعاته ورغباته. وكلٌ من هذه الجوانب يتضمن تصورات ومتطلبات محددة بشأنه في أعماق قلب الشخص، وكذلك الأشياء التي يرغب الشخص في الحصول عليها في جسده ومشاعره. لكل جانب عناصر محددة ومساعٍ ملموسة، ويتضمن أيضًا الجهد الذي يبذله الشخص والثمن الذي يدفعه مقابلها. كما يتضمن كل جانب أفكار الشخص وآراءه ويؤثر عليها طوال حياته ويمكن أن يؤثر على سعيه إلى الأهداف الصحيحة. وبالطبع، يؤثر كل جانبٍ أيضًا على كيفية رؤية المرء للناس والأشياء وكيفية سلوكه وتصرُّفه. لو أنني تحدثت بشكلٍ عامٍ، فقد تجدون الأمر غيرَ واضحٍ وصعب الفهم. لذلك دعونا نعقد الشركة عن كل جانب واحدًا تلو الآخر، ونفحص كلًا منها بعناية، وحينها قد تكتسبون تدريجيًا فهمًا واضحًا للقضايا. وبمجرد أن تصبح واضحة، قد يطلب الناس هنا المبادئ التي يتعيَّن عليهم تنفيذها والالتزام بها.

أولًا، دعونا نتحدث عن الاهتمامات والهوايات. لا تنطوي الاهتمامات والهوايات بالطبع على ما يفعله الناس من حين لآخر للمتعة، أو تساليهم المؤقتة أو اهتماماتهم الدراسية؛ لا علاقة لها بالأشياء المؤقتة. هنا، المقصود بالاهتمامات والهوايات هو التوق الحقيقي والمسعى الذي يستقر في الوجود الروحي للشخص وفي أعماق نفسه؛ لدرجة أنَّ الأمر قد يصل به إلى اتخاذ إجراءات لهذه الأشياء ووضع خططٍ لها، وأكثر من ذلك أنه سيبذل جهودًا ملموسة ويسعى جاهدًا لإرضاء هذه الاهتمامات والهوايات أو تطويرها أكثر، أو من أجل القيام بعمل يتماشى مع اهتماماته وهواياته. في هذا السياق، تشير الاهتمامات والهوايات إلى أنَّ الأفراد قد حددوا أهدافًا وتطلعات، بل ودفعوا ثمنًا، أو بذلوا طاقة، أو اتخذوا إجراءات محددة. هم على سبيل المثال، بادروا بدراسة المعارف ذات الصلة من أجل اهتماماتهم وهواياتهم، وقضوا معظم حياتهم اليومية في دراسة هذه المعارف، وفي الحصول على خبرة عملية وإدراكٍ عملي لها. على سبيل المثال، بعض الناس يتخذون الرسم على وجه التحديد اهتمامًا وهوايةً، وليست لوحاتهم ببساطة رسم صور أو مناظر طبيعية فحسب، بل الأمر يتجاوز مثل هذه الاهتمامات والهوايات البسيطة. إنهم يدرسون تقنيات الرسم المختلفة، مثل الرسم التخطيطيّ، ورسم المناظر الطبيعية، والصور الشخصية، بل إن بعضهم يدرسون الرسم بالزيت والحبر. السبب الذي يدفعهم إلى الدراسة بهذا الشكل لا ينبع فقط من اهتماماتهم وهواياتهم، وإنما أيضًا من التطلعات التي طوروها وأنشأوها، والرغبات التي يمتلكونها، بسبب اهتمامهم بالرسم. هم حتى يرغبون في تكريس طاقة حياتهم بأكملها للرسم، ولأن يصبحوا الرسامين الذين يتطلعون إلى أن يكونوهم، وليمارسوا الرسم كمهنة. قبل الانخراط في هذه المهنة، يكون الإعداد والتخطيط المكثف ضروريين، ومن ذلك على سبيل المثال، الالتحاق بمدارس متخصصة لمزيد من التعليم والتدريب، ودراسة مختلف جوانب الرسم، وإجراء رسوم تخطيطيةٍ في المواقع، وطلب الإرشاد من الخبراء والفنانين الكبار، والمشاركة في المسابقات، وغير ذلك الكثير. تدور كل هذه الأنشطة حول مساعيهم وتطلعاتهم ورغباتهم. وكل هذه المساعي والتطلعات والرغبات تستند بالطبع إلى اهتماماتهم وهواياتهم. لقد طوروا مساعي حياتهم وتطلعاتهم ورغباتهم بسبب هذه الاهتمامات والهوايات. بعض الناس لديهم شغف قوي بدراسة التاريخ، بما في ذلك التاريخ القديم والحديث، والتاريخ المحلي والأجنبي. ومع تزايد اهتمامهم، يبدأون في اعتبار أنفسهم أفرادًا ذوي موهبة في هذا المجال، ويشعرون بأنهم مُلْزَمُون بالسعي إلى مهنة مرتبطة به. ويستمرون في التعلم ومواصلة تعليمهم. خلال هذه العملية، بالطبع، تستمر مساعيهم وتطلعاتهم ورغباتهم في التبلور والترسخ، ويطمحون في النهاية إلى أن يصبحوا مؤرخين. وقبل أن يصبحوا مؤرخين، يدور معظم وقتهم وطاقتهم حول هذا الاهتمام وهذه الهواية. هناك أيضًا بعض الأشخاص الذين لديهم اهتمام خاص بالاقتصاد، ويستمتعون بالعمل مع الأرقام ودراسة الأشياء المتعلقة بمجال الاقتصاد. وهؤلاء يأملون في يوم من الأيام أن يصبحوا شخصيات بارزة أو ناجحة في قطاع المالية. باختصار، هم أيضًا يطورون مسعًى يعتمد على اهتمامهم وهوايتهم، ويطورون تطلعات ورغبات متعلقة بذلك الاهتمام وتلك الهواية. في الوقت نفسه، يستثمرون وقتهم أيضًا، ويتخذون إجراءات، ويدفعون ثمنًا، ويبذلون الطاقة للتعلم والبحث وزيادة تعليمهم واكتساب معرفة شاملة تتعلق باهتماماتهم وهواياتهم. هناك آخرون لديهم شغف بالفنون، مثل الفنون المسرحية أو الرقص أو الغناء أو الإخراج. بعد تطويرهم مثل هذه الاهتمامات والهوايات، وفي ظل زخم هذه الاهتمامات والهوايات، تتشكل تطلعاتهم ورغباتهم وتترسخ تدريجيًا. نظرًا لأن تطلعاتهم ورغباتهم تصبح تدريجيًا أهداف حياتهم، فإنهم أيضًا يكرسون جهودهم وعملهم وتصرفاتهم نحو تحقيق تلك الأهداف. بعض الناس مولعون بالعمل في مجال التعليم. هؤلاء يدرسون جوانب مختلفة من التعليم، مثل علم النفس وغيره من فروع المعرفة ذات الصلة، لممارسة مهنة ترتبط باهتماماتهم وهواياتهم. بعض الناس أيضًا يستمتعون بالتصميم أو الهندسة أو التكنولوجيا أو الإلكترونيات أو البحث في الحشرات والكائنات الحية الدقيقة والسلوكيات الحيوانية المختلفة وأنماط البقاء والأصول وغير ذلك. وبعض الناس يستمتعون بالعمل الإعلامي ويطمحون إلى توظيفهم في صناعة الإعلام كمضيفين ومذيعين ومراسلين وما إلى ذلك. مدفوعين باهتماماتهم وهواياتهم المتنوعة، يواصل الناس التعلم والاستكشاف بعمق، ويكتسبون الفهم تدريجيًا. تتعمق مساعيهم وتطلعاتهم ورغباتهم في قلوبهم وتستمر في التبلور. وبالطبع، خلال عملية تشكُّل مساعيهم وتطلعاتهم ورغباتهم تدريجيًا، يسعى الأفراد أيضًا نحو تطلعاتهم ورغباتهم ويتقدمون فيها. كل خطوة محددة يقومون بها تستثمر طاقتهم ووقتهم وشبابهم وحتى مشاعرهم وجهودهم في هذه الأشياء.

بغض النظر عن المجال أو الصناعة التي تندرج ضمنها اهتمامات المرء وهواياته، ومهما كانت الفئة التي تنطوي عليها، فبمجرد أن يبتدئ المرء مسعاه ويؤسس التطلعات والرغبات المقابلة له، تصبح أهداف حياته واتجاهها راسخة أيضًا. وعندما تصبح تطلعات الفرد ورغباته أهداف حياته، فإنَّ مساره المستقبلي في هذا العالم يتحدد بشكلٍ أساسيٍ. لماذا أقول إنه قد تحدَّد؟ ما القضية التي نتناولها هنا؟ هي أنه بمجرد أن تُحَدِّدَ التطلعات والرغبات الناشئة عن اهتماماتك وهواياتك، يتعيَّن عليك أيضًا أن تسعى وتكافح في ذلك الاتجاه، إلى درجة أن تمتلك روحًا وعقلية عازمة لا تتزعزع، وأن تكون راغبًا في دفع ما يساوي عمرًا كاملًا من الطاقة والوقت والثمن. إنّ حياتك وقَدَرَك وآفاقك وحتى غايتك النهائيّة تتأثّر حتمًا بأهداف الحياة التي حدّدتها بالفعل، إن لم تكن وثيقة الصلة بها. ما هي النقطة الرئيسية التي أريد التأكيد عليها هنا؟ بمجرد أن يحدد الشخص مساعيه وتطلعاته ورغباته بناءً على اهتمام أو هواية معينة، فلن يظل خاملًا لا يفعل شيئًا. بسبب الاهتمامات والهوايات المحددة، تبدأ الإجراءات الملموسة في التبلور. وفي الوقت نفسه، وبإرشاد من هذه الإجراءات المحددة، ستُرسِّخ تطلعاتك ورغباتك. ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، لن يهدأ قلبك ولن تقف قدماك ساكنتيْن. أنت مُقَدَّرٌ لك أن تعيش حياتك من أجل تطلعاتك ورغباتك، ولن يرضيك أبدًا أن تكتسب القليل من المعرفة ثم تكتفي بذلك. ولأنك تمتلك مثل هذه المواهب، وتمتلك مثل هذه المَلَكَات والطاقة الكامنة، ستبحث حتمًا عن منصبٍ يناسبك، أو ستبذل جهودًا حثيثة لترتقي وتصبح متميزًا فوق العادة في هذا العالم وفيما بين الجموع، دون أيّ ندمٍ. سوف تسعى إلى تطلعاتك ورغباتك بإيمان راسخ بالنصر، وستكون حتى راغبًا في دفع أي ثمن، ومواجهة أي صعوبات ومخاطر ومعاناة من أجل تحقيقها. لماذا يستطيع الناس فعل ذلك؟ لماذا يتمكنون من التصرف بهذه الطريقة بعد تطويرهم لتطلعاتهم ورغباتهم بناءً على اهتماماتهم وهواياتهم؟ (لأنهم يفعلون ذلك لتحقيق تطلعاتهم، والسعي إلى أشياء أعلى، والتفوق على البقية. ونتيجة لهذا، لا يتراجعون في مواجهة أي صعوبة وإنما يواصلون السعي إلى تطلعاتهم ورغباتهم). ثمة غريزة فطرية في الناس. إذا لم يعرفوا قَطُّ ما نقاط قوتهم، وما اهتماماتهم وهواياتهم، فإنهم يشعرون أنهم يفتقرون إحساسًا بالحضور، ولا يستطيعون إدراك قيمة أنفسهم، ويكتسبون شعورًا بعدم القيمة؛ ولا يستطيعون إظهار قيمتهم. لكن حالما يكتشف الشخص اهتماماته وهواياته، فإنه سيحولها إلى جسر أو نقطة انطلاق لتحقيق قيمته الذاتية. يصبح الشخص راغبًا في دفع الثمن من أجل السعي إلى تطلعاته، وأن يعيش حياة أكثر قيمة، وأن يصبح فردًا مفيدًا، وأن يتميز عن الحشد ويكون مرموقًا، وأن يصبح محل إعجابٍ وثقة، وأن يصبح شخصًا استثنائيًا. وبهذه الطريقة، يمكنه أن يعيش حياة مُرضية، وأن تكون لديه مسيرةٌ مهنيةٌ ناجحة في هذا العالم، وأن تتحقق تطلعاته ورغباته، وبالتالي يعيش حياةً ذات قيمةٍ. بالنظر في الحشود الصاخبة من الناس، ليس هناك سوى عدد قليل من الموهوبين بشكل طبيعي مثله، ممن لديهم تطلعات سامية ورغبات، وحققوا في نهاية المطاف هذه الأشياء من خلال الجهود الدؤوبة. لقد بنى مسيرة مهنية بفعله الشيء الذي يحبه، وحصل على الشهرة والربح والمنزلة التي يرغب فيها، وأظهر قيمته، وحقق قيمته الذاتية. هذا هو مسعى الناس. لكل شخص – مدفوعًا باهتماماته وهواياته الفريدة – مساعيه وتطلعاته ورغباته الخاصة. وبالطبع، بعد تحديد الشخص مساعيه وتطلعاته ورغباته الخاصة، قد لا يتمكن من تحقيق هذه التطلعات والرغبات. على الرغم من ذلك، فحالما يحدد الأفراد تطلعاتهم ورغباتهم، وحالما يكون لديهم هذه المساعي، فإنهم بالتأكيد لن يسمحوا لأنفسهم بأن يظلُّوا عاديين. كما يقول المثل، يحب الجميع التباهي بما لديهم، ويريدون أن يعتقد الآخرون أنهم فريدون. لا أحد يرغب في أن يكون شخصًا عاديًا يقول: "هذه هي الطريقة التي ستكون بها حياتي. لا بأس بأن أكون راعيًا للماشية أو مزارعًا أو عامل بناء عاديًا أو عامل نظافة. يمكن أن أكون حتى عامل توصيل أو سائقًا لتوصيل الوجبات الجاهزة". لا أحد لديه هذا النوع من التطلعات. لنفترض أنك تقول: "هل من التطلعات أن تكون عامل توصيل سعيدًا؟". سيجيب الجميع: "لا، هذا ليس من التطلعات على الإطلاق! أن تصبح مالكًا لشركة توصيل، ورئيسًا مشهورًا عالميًا، هذا من التطلعات والرغبات!". لا أحد يقبل طواعية دوره كشخص عادي. بمجرد أن يكون لدى الشخص أدنى قَدْرٍ من الاهتمام أو الهواية، إذا كانت هناك فرصة بنسبة واحدٍ في المليون أن يصبح شخصية بارزة في المجتمع أو يحقق نجاحًا معتدلًا، فلن يستسلم. بل إنه سيبذل 120 في المائة من جهده ويدفع أي ثمن مقابل ذلك، أليس كذلك؟ (بلى). الناس لا يستسلمون أبداً.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.