كيفية السعي إلى الحق (18) الجزء الثاني

في اجتماعنا الأخير، عقدنا شركة حول المحتوى المتعلق بتوقعات الوالدين ضمن "تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من أسرته". لقد انتهينا من الشركة حول المبادئ ذات الصلة والموضوعات الرئيسية التي ينطوي عليها ذلك. تاليًا، سنعقد الشركة حول جانب آخر من جوانب تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من عائلته؛ تخلي المرء عن توقعاته لأبنائه. هذه المرة سنقوم بتغيير الأدوار. فيما يتعلق بالمحتوى الذي ينطوي على التعامل مع توقعات الوالدين، فإنَّ هذا يتمثل في بعض الأشياء التي يجب على الناس القيام بها من منظور الابن. وبخصوص الطريقة التي يجب أن ينتهجها الأبناء بشأن مختلف توقعات الآباء لأبنائهم وفي تعاملهم معها، والأساليب المختلفة التي يستخدمها آباؤهم معهم، والمبادئ التي يجب أن يمارسوها – فإنَّ هذا يتعلق بالتعامل مع المشكلات المختلفة التي تأتي من الآباء تعاملًا صحيحًا من منظور الابن. سنعقد الشركة اليوم حول موضوع "تخلي المرء عن توقعاته لأبنائه"، وهو يتعلق بالتعامل مع مختلف المشكلات التي تكون لدى الآباء تجاه أبنائهم من منظور الوالدين. ثمة دروس ينبغي تعلمها ومبادئ ينبغي مراعاتها هنا. إن الأمر الأهم – بصفتك ابنًا – هو الكيفية التي يجب أن تواجه توقعات والديك بها، وما هو الموقف الذي يجب أن تتبناه تجاه هذه التوقعات، وأي طريقة يجب أن تتبع، وأي مبادئ يجب أن تتحلى بها في هذا الوضع. بطبيعة الحال، كل شخص لديه الفرصة ليكون أبًا أو أمًا، أو قد يكون أبًا أو أمًا بالفعل؛ وهذا يمس التوقعات والمواقف التي لدى الناس تجاه أبنائهم. سواء كنت أنت الوالد أو الابن، فيجب أن تمتلك مبادئ مختلفة للتعامل مع توقعات الطرف الآخر. للأبناء مبادئ يجب أن يراعوها فيما يتعلق بالتعامل مع توقعات آبائهم، وللآباء أيضًا بطبيعة الحال مبادئ حق يجب أن يراعوها للتعامل مع توقعات أبنائهم. لذا فكروا أولاً: ما المبادئ التي يمكنكم رؤيتها الآن أو التفكير فيها والتي يجب على الآباء مراعاتها في تعاملهم مع أبنائهم؟ إذا تحدثنا عن المبادئ، فقد يكون هذا بعيدًا عنكم بعض الشيء، وقد يكون الموضوع واسعًا جدًا وعميقًا بعض الشيء، لذا لنتحدث بدلًا من ذلك عن التوقعات التي ستتوقعها أنت لأبنائك إذا كنت والدًا. (يا الله، لو أنني أصبح أبًا في يوم من الأيام، فإنني – أولًا وقبل كل شيء – سأتمنى أن يكون أطفالي أصحاء، وأن يكبروا بصحة جيدة. علاوة على ذلك، كنت لأتمنى أن تكون لهم تطلعاتهم الخاصة، وأن يكونوا طموحين بشأن تحقيق تطلعاتهم في الحياة، وأن تكون لديهم آفاق جيدة. هذان هما الأمران الرئيسيان اللذان سأتمناهما). هل تتمنى أن يصبح أبناؤك مسؤولين رفيعي المستوى أو أن يصبحوا أثرياء جدًا؟ (كنت لأتمنى هذين الأمرين أيضًا. كنت سآمل أن يتمكنوا على الأقل من التقدم في العالم، وأن يكونوا أفضل من الآخرين، وأن ينظر إليهم الآخرون نظرة تقدير). إن المتطلبات الأساسية للغاية التي تكون لدى الآباء والأمهات تجاه أبنائهم هي أن يكونوا أصحاء جسديًا، وأن ينجحوا في حياتهم المهنية، وأن يتقدموا في العالم، وأن يسير كل شيء في حياتهم على ما يرام. هل توجد أي توقعات مختلفة من الآباء تجاه أبنائهم؟ من لديه أبناء، فليتحدث. (أتمنى أن يكون أطفالي أصحاء، وأن تسير الأمور في حياتهم بسلاسة، وأن تكون حياتهم هادئة وآمنة. أتمنى أن يعيشوا في وئام مع أسرهم، وأن يحترموا الكبير ويرعوا الصغير). أي شيء آخر؟ (لو أنني أصبحت أبًا ذات يوم، فبخلاف التوقعات التي تحدثنا عنها للتو، سأتمنى أيضًا أن يكون أولادي مطيعين ومتعقلين، وأن يكونوا بارين بي، وأن أستطيع الاعتماد عليهم في أن يراعوني في شيخوختي). هذا التوقع بالغ الأهمية. إن أمل الآباء في أن يكون أبناؤهم بارين بهم هو توقع تقليدي نسبيًا يوجد لدى الناس في مفاهيمهم وعقلهم الباطن. هذه مسألة نموذجية إلى حد ما.

إن تخلي المرء عن توقعاته لأبنائه هو جزء مهم للغاية من تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من عائلته. يتوقع جميع الآباء توقعات معينة من أبنائهم. وسواء كانت هذه التوقعات كبيرة أو صغيرة؛ سواء كانت قريبة أو بعيدة، فإن هذه التوقعات هي موقف يكون لدى الآباء تجاه تصرفات أبنائهم أو أفعالهم أو حياتهم أو طريقة تعامل أبنائهم معهم. وهي أيضًا نوع من المتطلبات المحددة. هذه المتطلبات المحددة هي، من وجهة نظر الأبناء، أشياء يجب عليهم القيام بها، لأن الأبناء، بناءً على المفاهيم التقليدية، لا يمكنهم مخالفة أوامر آبائهم؛ فإن فعلوا ذلك يكونوا غير بارين بوالديهم. وبالتالي، يحمل الكثير من الناس أعباءً كبيرة وثقيلة فيما يتعلق بهذا الأمر. لذا، ألا ينبغي على الناس أن يفهموا ما إذا كان ما لدى الآباء من توقعات محددة لأبنائهم هي توقعات معقولة أم لا، وما إذا كان ينبغي أن تكون هذه التوقعات لدى الآباء أم لا، وأي من هذه التوقعات معقولة، وأيها غير معقولة، وأيها مشروعة، وأيها قسرية وغير مشروعة؟ وعلاوة على ذلك، توجد مبادئ حق يجب على الناس فهمها ومراعاتها فيما يتعلق بالكيفية التي يجب أن يتعاملوا بها مع توقعات الوالدين، وكيف يجب أن يقبلوها أو يرفضوها، والموقف والمنظور اللذين يجب النظر من خلالهما إلى هذه التوقعات والتعامل معها. عندما لا تكون هذه الأمور قد عولِجَت، غالبًا ما يتحمل الآباء والأمهات هذا النوع من الأعباء، معتقدين أن من مسؤوليتهم والتزامهم أن تكون لديهم توقعات لأبنائهم وذريتهم، ويعتقدون – بطبيعة الحال – أنها حتى أمور إضافية يجب أن يمتلكوها. يعتقدون أنهم إذا لم يكن لديهم توقعات لنسلهم، فسيكون ذلك معادلًا لعدم تتميم مسؤولياتهم أو التزاماتهم تجاه أبنائهم، ويعادل عدم القيام بما يتعين على الآباء القيام به. إنهم يعتقدون أن هذا سيجعلهم آباءً سيئين؛ آباء لا يتممون مسؤولياتهم. ولذلك، فيما يتعلق بمسألة توقعات الناس لأبنائهم، فإنهم ينتجون لا إراديًا متطلبات مختلفة لأبنائهم. لديهم متطلبات مختلفة لمختلف الأبناء في أوقات مختلفة وتحت ظروف مختلفة. وبما أنَّ الآباء والأمهات لديهم نظرة وعبء من هذا النوع بخصوص أبنائهم، فإنهم يمضون ويفعلون الأشياء التي يتعين عليهم القيام بها وفقًا لهذه القواعد غير المكتوبة، بغض النظر عما إذا كانت صحيحة أو خاطئة. فالآباء والأمهات يفرضون مطالب على أبنائهم بينما يتعاملون مع هذه الأساليب بوصفها نوعًا من الالتزام، ونوعًا من المسؤولية، وهم، في الوقت نفسه، يفرضونها على أبنائهم، ويجعلون أبناءهم يحققونها. وسنفصّل هذه المسألة على عدة مراحل في شركتنا هذه؛ سيكون الأمر أوضح بهذه الطريقة.

إنَّ الآباء والأمهات يفرضون مختلف المتطلبات على أبنائهم بالفعل قبل أن يبلغوا سن الرشد. وضمن هذه المتطلبات المختلفة، يعلقون أيضًا بالطبع أنواعًا مختلفة من التوقعات. لذا، بينما يعلق الآباء والأمهات توقعات مختلفة على أبنائهم، فإنهم يدفعون شخصيًا أثمانًا مختلفة وينتجون أنواعًا مختلفة من الأساليب من أجل تحقيق هذه التوقعات. لذلك، قبل أن يصل الأطفال إلى سن الرشد، يعلمهم الآباء بطرق مختلفة، ويضعون لهم متطلبات مختلفة. فعلى سبيل المثال، يقولون لأبنائهم منذ سن مبكرة جدًا: "عليك أن تستذكر دروسك جيدًا وأن تستذكر أكثر، ذلك لأنك ستكون أفضل من أي شخص ولن تكون موضع ازدراء الآخرين فقط بعد أن تكون قد أبليت بلاءً حسنًا في دراستك". يوجد أيضًا آباء يعلمون أبنائهم أن عليهم أن يكونوا بارين بهم بعد أن يكبروا، لدرجة أنهم عندما يكون أطفالهم في الثانية من عمرهم أو الثالثة، يسألونهم دائمًا: "هل ستعتني بأبيك بعد أن تكبر؟ فيقول أطفالهم: "نعم". فيسألونهم: "هل ستعتني بأمك؟ "نعم". "هل تحب أبيك أكثر أم أمك؟ "أنا أحب أبي". "لا، عليك أن تقول إنك تحب أمك أولاً، ثم تقول إنك تحب أبيك". إذًا، يتعلم الأطفال هذه الأشياء من والديهم. إنَّ تعليم الوالدين، سواء بالكلمات أو بالقدوة، يترك أثرًا عميقًا على العقول الصغيرة للأطفال. وبالطبع، ينقل إليهم أيضًا قدرًا معينًا من المعرفة الأساسية ويعلمهم أن والديهم هم أكثر من يحبونهم ويعشقونهم في العالم، وهم أكثر مَن ينبغي أن يظهروا لهم الطاعة من الناس وأكثر مَن ينبغي أن يكونوا بارين بهم. وبطبيعة الحال، تنغرس في أذهانهم الصغيرة فكرة أنه "بما أن والديَّ هما أقرب الناس إليَّ في العالم، فيجب أن أطيعهما دائمًا". وفي الوقت نفسه، تنشأ في أذهانهم الصغيرة فكرة مفادها أنه بما أن والديهم هم أقرب الناس إليهم، فلا بد أن كل ما يفعله الآباء يهدف لضمان أن يعيش أبناؤهم حياة أفضل. وبالتالي، فإنهم يعتقدون أن عليهم قبول تصرفات والديهم دون أي شروط؛ أيًا كان نوع الأساليب التي يستخدمونها، وبصرف النظر عما إذا كانت إنسانية أو غير إنسانية، فإنهم يعتقدون أن عليهم قبولها. في سن لا يملك فيه الأطفال بعد أي قدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، فإن تعليم والديهم، من خلال الكلمات أو من خلال القدوة، يغرس هذا النوع من الأفكار في داخلهم. يمكن للآباء والأمهات تحت توجيه هذا النوع من الأفكار أن يطالبوا أطفالهم بالقيام بمختلف الأشياء، تحت ستار الرغبة في ما هو الأفضل لهم. على الرغم من أن بعض تلك الأشياء لا تتماشى مع الإنسانية أو مع مواهب أبنائهم أو مستوى قدراتهم أو تفضيلاتهم، فإنه في ظل هذه الظروف، حيث لا يحق للأبناء التصرف بمبادرة منهم أو بأي قدر من استقلاليتهم الذاتية، لا يملكون أي خيار ولا قدرة على المقاومة فيما يتعلق بما يُسمى بتوقعات والديهم لهم ومطالبهم منهم. لا يملكون سوى أن يطيعوا كل كلمة لوالديهم، وأن ينفذوا لوالديهم ما يريدان، وأن يضعوا أنفسهم تحت رحمة والديهم، وأن يوجههم والديهم إلى أي نوع من المسارات. لذلك، قبل أن يصل الأبناء إلى سن الرشد، فإن كل ما يفعله الآباء، سواء كان غير مقصود أو نابعًا من مقاصد حسنة، سيكون له تأثير إما إيجابي أو سلبي على تصرفات الأبناء وأفعالهم. معنى هذا أنَّ كل ما يفعلونه سوف يغرس مختلف الأفكار والآراء داخل أطفالهم، بل إن هذه الأفكار والآراء قد تُدفَن في أعماق اللاوعي لدى أطفالهم، بحيث إنه بعد أن يصبحوا بالغين، ستظل هذه الأفكار والآراء تؤثر بعمق في كيفية رؤيتهم للناس والأشياء، وتصرفهم وفعلهم، وتؤثر حتى في الطرق التي يسلكونها.

لا يملك الأطفال قبل بلوغهم سن الرشد أي وسائل مقاومة ضد ما ينقله إليهم آباؤهم وأمهاتهم من البيئات المعيشية أو الميراث أو التعليم، لأنهم ليسوا بالغين بعد، ولا يفهمون الأمور جيدًا. عندما أتحدث عن الفترة التي تسبق بلوغ الطفل سن الرشد، فإنني أشير إلى الفترة التي لا يستطيع فيها الطفل التفكير أو الحكم على الصواب من الخطأ بشكل مستقل. في ظل هذه الظروف، لا يسع الأطفال إلا أن يضعوا أنفسهم تحت رحمة والديهم. وتحديدًا لأن الآباء والأمهات هم من يتخذون كل القرارات في كل شيء قبل بلوغ أطفالهم سن الرشد، فإن الآباء والأمهات في هذه الحقبة الشريرة يتبنون ما هو مناظِر من الأساليب التعليمية والأفكار والآراء، بناءً على الاتجاهات الاجتماعية لتحريض أطفالهم على القيام بأشياء معينة. على سبيل المثال، المنافسة في المجتمع الآن شرسة للغاية. لقد تأثر الآباء والأمهات بمناخ مختلف الاتجاهات والتوافقات المجتمعية، لذا فهم يتقبلون هذه الرسالة التي مفادها إن المنافسة شرسة، وسرعان ما ينقلونها إلى أبنائهم. ما يتقبلونه هو ظاهرة واتجاه يتمثلان في أنَّ المنافسة في المجتمع شرسة للغاية، لكن ما يشعرون به هو نوع من الضغط. وعندما يشعرون بهذا الضغط، سرعان ما يفكرون في أبنائهم قائلين "المنافسة الآن شرسة جدًا في المجتمع، لم تكن كذلك عندما كنا صغارًا. إذا درس أطفالنا بالطريقة نفسها التي درسنا بها، وعملوا وتعاملوا مع المجتمع ومختلف الأشخاص والأشياء بطريقتنا نفسها أيضًا، فسيستبعدهم المجتمع بسرعة. لذا، علينا أن نستفيد من حقيقة أنهم لا يزالون صغارًا، وعلينا أن نبدأ العمل عليهم الآن؛ لا يمكننا أن ندع أطفالنا يخسرون عند خط البداية". في الوقت الحالي، المنافسة في المجتمع شرسة، والناس جميعًا يعلقون آمالاً كبيرة على أطفالهم، لذلك سرعان ما ينقلون هذا النوع من الضغط الذي قبلوه من المجتمع إلى أطفالهم. والآن، هل أطفالهم على دراية بذلك؟ إنهم لا يدركون ذلك على الإطلاق لأنهم ليسوا بالغين بعد. إنهم لا يعرفون ما إذا كان هذا الضغط الذي يأتي من آبائهم صحيحًا أم خاطئًا، أو ما إذا كان عليهم رفضه أو قبوله. عندما يرى الآباء والأمهات أبناءهم يتصرفون على هذا النحو، يوبخونهم قائلين: "كيف يمكن أن تكون بهذا الغباء؟ المنافسة الآن شرسة للغاية في المجتمع، وأنت لا زلت لا تفهم أي شيء. أسرع بالذهاب إلى روضة الأطفال!" في أي سن يذهب الأطفال إلى روضة الأطفال؟ بعضهم يبدأ في عمر ثلاث سنوات أو أربع. لمَ هذا؟ في الوقت الحالي، ثمة عبارة متداولة في المجتمع: لا يمكنك أن تدع أطفالك يخسرون عند خط البداية، يجب أن يبدأ التعليم من سن مبكرة جدًا. انظروا؛ الأطفال الصغار جدًا يعانون، ويبدؤون روضة الأطفال في عمر ثلاث سنوات أو أربع. وما نوع روضة الأطفال التي يختارها الناس؟ في روضة الأطفال العادية، غالبًا ما يلعب المعلمون مع الأطفال ألعابًا مثل "النسر والدجاج"، لذلك يعتقد الآباء أنه لا يمكنهم اختيار روضة أطفال من هذا النوع، ويعتقدون أن عليهم اختيار روضة أطفال فاخرة ثنائية اللغة. وبالنسبة إليهم، فإن تعلم لغة واحدة فقط لا يكفي. يجب أن يتعلم الأطفال لغة ثانية بينما هم لا يزالون غير قادرين على التحدث بلغتهم الأم جيدًا. ألا يصعِّب هذا الأمور على الأطفال؟ لكن ماذا يقول الوالدين؟ "لا يمكننا أن ندع طفلنا يخسر عند خط البداية. في الوقت الحالي، هناك أطفال في عمر عام واحد تعلمهم المربيات في المنزل. يتحدث آباء الأطفال لغتهم الأم، وتتحدث المربيات لغة ثانية، حيث يقمن بتعليم الأطفال الإنجليزية أو الإسبانية أو البرتغالية. طفلنا في الرابعة من عمره بالفعل، فهو أكبر من اللازم بالفعل. إذا لم نبدأ بتعليمه الآن، فسيكون الأوان قد فات. علينا أن نبدأ بتعليمه في أقرب وقت ممكن، وأن نبحث عن روضة أطفال تدرس بلغتين، حيث يكون المعلمون حاصلين على درجتي البكالوريوس والماجستير". يقول الناس: "هذا النوع من المدارس مكلف للغاية"، فيردون: "لا بأس. لدينا منزل كبير؛ يمكننا الانتقال إلى منزل أصغر. سنبيع منزلنا المكون من ثلاث غرف نوم ونستبدل به منزلًا بغرفتي نوم. سندخر هذا المال ونستخدمه لإرسال طفلنا إلى روضة أطفال فاخرة". إن اختيار روضة أطفال جيدة لا يكفي، فهم يعتقدون أن عليهم الاستعانة بمدرسين خصوصيين لمساعدة أطفالهم على الدراسة لأولمبياد الرياضيات في أوقات فراغهم. حتى لو كان أطفالهم يكرهون الدراسة للأولمبياد كراهية متأصلة، فلا يزال يتعين عليهم القيام بذلك، وإذا فشلوا في دراسة الرياضيات، فسيدرسون الرقص. وإذا لم يجيدوا الرقص، فسيتعلمون الغناء. إذا لم يكونوا جيدين في الغناء، ورأى آباؤهم أن لديهم قوامًا جيدًا، وأذرعًا وسيقانًا طويلة، فسيفكرون في أنه ربما يمكنهم أن يصبحوا عارضين أزياء. حينئذٍ سيرسلونهم إلى مدرسة الفنون لدراسة عرض الأزياء. وبهذه الطريقة، يبدأ إرسال الأطفال إلى المدارس الداخلية في سن الرابعة أو الخامسة، وتتحول منازل أسرهم من منازل ذات ثلاث غرف نوم إلى منازل ذات غرفتي نوم، ومن منازل ذات غرفتي نوم إلى منازل ذات غرفة نوم واحدة، ومن منازل ذات غرفة نوم واحدة إلى منازل مستأجرة. يزداد عدد الدروس الخصوصية التي يأخذها أطفالهم خارج المدرسة بشكل كبير، وتصبح منازلهم أصغر تدريجيًا. يوجد حتى بعض الآباء والأمهات الذين ينقلون أسرهم بأكملها إلى الجنوب، أو إلى الشمال، ويتنقلون ذهابًا وإيابًا، حتى يتمكن أطفالهم من الالتحاق بمدارس جيدة، وفي النهاية، لا يعودون يعرفون إلى أين يذهبون، ولا يعرف أطفالهم أين يقع مسقط رأسهم، والأمر كله فوضى كبيرة. يدفع الآباء والأمهات مختلف الأثمان من أجل مستقبل أبنائهم قبل أن يكون أبناؤهم قد بلغوا سن الرشد، كيلا يخسر أبناؤهم عند خط البداية، وكي يتمكن أبناؤهم من التكيف مع هذا المجتمع الذي تزداد فيه المنافسة، وكي يحصلوا على وظيفة جيدة ودخل ثابت فيما بعد. بعض الآباء والأمهات مقتدرون جدًا؛ فهم يديرون أعمالًا كبيرة أو يعملون كمسؤولين رفيعي المستوى، ويستثمرون استثمارات كبيرة وهائلة في أبنائهم. بعض الآباء ليسوا بهذه المقدرة، ولكنهم مثل غيرهم من الناس، يريدون إرسال أطفالهم إلى مدارس فاخرة، وإلى العديد من الدروس المختلفة بعد المدرسة، وإلى دروس رقص ودروس فنون، وإلى دراسة لغات مختلفة ودراسة الموسيقى، مما يضع الكثير من الضغط على أطفالهم ويؤلمهم. عندئذ يفكر أطفالهم: "متى سيُسمح لي باللعب قليلاً؟ متى سأكبر وأصبح قادرًا على اتخاذ القرارات كما يفعل الكبار؟ متى لن أعود مضطرًا إلى الذهاب إلى المدرسة مثل الكبار؟ متى سأكون قادرًا على مشاهدة التلفاز قليلًا، وأعطي راحة لعقلي، وأذهب للتنزه في مكان ما بمفردي، دون أن يقودني والداي؟" لكن آباؤهم غالبًا ما يقولون: "إذا لم تدرس، فستضطر إلى تسول الطعام في المستقبل. انظر إلى مدى ضآلة أملك في الحياة! لم يحن الوقت لتلعب بعد، يمكنك اللعب عندما تكبر! إذا لعبتَ الآن، فلن تنجح في المستقبل؛ أما إذا لعبتَ لاحقًا، فيمكنك أن تستمتع أكثر وعلى نحو أفضل؛ يمكنك أن تسافر حول العالم. ألم تر كل هؤلاء الأثرياء في العالم؛ هل كانوا يلعبون عندما كانوا صغارًا؟ لقد درسوا فقط". إنَّ آباءهم يكذبون عليهم فحسب. هل رأى آباؤهم بأعينهم أن هؤلاء الأثرياء درسوا فقط ولم يلعبوا قط؟ هل يفهمون هذا الأمر؟ بعض الأغنياء والأثرياء في العالم لم يلتحقوا بجامعة؛ هذه حقيقة. أحيانًا عندما يتحدث الآباء، فإنهم يخدعون أبناءهم فحسب. قبل أن يبلغ الأبناء سن الرشد، يقول الآباء كل أنواع الأكاذيب من أجل أن يتحكموا في مستقبلهم بشكل أفضل، ويسيطروا على أبنائهم ويجعلونهم يطيعونهم. وبالطبع، يتحملون أيضًا كل أنواع المعاناة، ويدفعون كل أنواع الأثمان مقابل ذلك. هذا هو ما يسمى بـ"محبة الوالدين الجديرة بالثناء".

من أجل أن يحقق الآباء توقعاتهم لأبنائهم، فإنهم يعلقون عليهم الكثير من الآمال. وبالتالي، فهم لا يقومون فقط بتعليم أبنائهم وتوجيههم والتأثير عليهم بأقوالهم، بل يستخدمون في الوقت نفسه أفعالًا ملموسة للتحكم في أبنائهم وجعل أبنائهم يطيعونهم ويتصرفون ويعيشون وفقًا للمسار الذي حددوه والاتجاه الذي وضعوه. وبغض النظر عما إذا كان أبناؤهم على استعداد للقيام بذلك أم لا، فإن الوالدين في النهاية يقولان شيئًا واحدًا فقط: "إذا لم تستمع لي، فسوف تندم! إذا لم تطعني أو لم تأخذ دراستك بجدية الآن، وندمت على ذلك ذات يوم، فلا تأتي إلي، ولا تقل إنني لم أقل لك!" في إحدى المرات، ذهبنا إلى إحدى البنايات لقضاء بعض الشؤون، ورأينا بعض عمال النقل يبذلون جهدًا كبيرًا لنقل بعض الأثاث إلى أعلى الدرج. وكانوا في مواجهة أمًا كانت تقود ابنها إلى أسفل الدرج. لو رأى شخص عادي هذا المشهد، لقال: "هناك أشخاص ينقلون الأثاث، لنبتعد عن طريقهم". سيتعين على الأشخاص الذين ينزلون الدرج أن يسرعوا للابتعاد عن الطريق، دون أن يصطدموا بشيء، أو يزعجوا عمال النقل. لكن الأم عندما رأت هذا المشهد، انتهزت الفرصة للبدء في ممارسة بعض التعليم الملائم للظرف. لا أزال أتذكر ما قالته بوضوح شديد. ماذا قالت؟ قالت: "انظر كم هي ثقيلة الأشياء التي ينقلونها، وكم أنَّ الأمر متعب. إنهم لم يأخذوا دراستهم على محمل الجد عندما كانوا أطفالًا، والآن لا يمكنهم العثور على وظائف جيدة، لذلك عليهم نقل الأثاث والعمل بجدية كبيرة. هل ترى هذا؟ بدا أن الابن قد فهم جزئيًا، واعتقد أن ما قالته أمه كان صحيحًا. لاحت في عينيه تعبيرات صادقة من الخوف والرعب والتصديق وأومأ برأسه وهو ينظر مرة أخرى إلى ناقلي الأثاث. فاستغلت الأم هذه الفرصة لتسرع في وعظ ابنها قائلة له: "هل ترى؟ إذا لم تأخذ دراستك على محمل الجد في صغرك، فستضطر عندما تكبر إلى نقل الأثاث والكد في العمل هكذا لتكسب رزقك". هل كانت هذه العبارات صحيحة؟ (لا). بأي طريقة كانت خاطئة؟ انتهزت هذه الأم أي فرصة لإلقاء محاضرة على ابنها؛ ماذا كانت في رأيك عقلية ابنها بعد سماع هذا؟ هل كان قادرًا على تمييز ما إذا كانت هذه التصريحات صحيحة أم خاطئة؟ (كلا). ماذا اعتقد إذًا؟ ("إذا لم آخذ دراستي على محمل الجد، فسأضطر إلى الكد في العمل هكذا في المستقبل"). كان يفكر: "أواه، كل الناس الذين عليهم أن يكدوا في العمل لم يأخذوا دراستهم بجدية. يجب أن أستمع إلى أمي، وأن أجتهد في دراستي. أمي على حق، كل من لا يستذكر دروسه يجب أن يكد في العمل". تصبح الأفكار التي يتلقاها من أمه حقائق راسخة في قلبه مدى الحياة. قل لي؛ أليست هذه الأم حمقاء؟ (بلى، إنها كذلك). بأي طريقة هي حمقاء؟ إذا استخدمت هذا الأمر لإجبار ابنها على الاستذكار، فهل من المؤكد أنَّ ابنها سيحقق نجاحًا ما؟ هل سيضمن له هذا أنه لن يحتاج إلى أن يكد في العمل أو يقوم بعمل شاق في المستقبل؟ هل من الجيد لها أن تستغل هذا الأمر، هذا المشهد، لتخويف ابنها؟ (إنه أمر سيئ). سيلقي هذا الأمر ظلًا على ابنها مدى الحياة. هذا ليس بالأمر الجيد. حتى وإن اكتسب هذا الطفل قليلاً من التمييز بشأن هذه الكلمات بعد أن يكبر، فسيظل من الصعب إزالة هذه النظرية التي عبرت عنها أمه من قلبه ومن عقله الباطن. ستضلله بدرجة معينة وتكبّل أفكاره وتوجه نظرته إلى الأشياء. إن معظم توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم قبل أن يصبحوا بالغين هي أنهم سيكونون قادرين على الاستذكار كثيرًا، وعلى المحاولة بجد، والاجتهاد وأنهم لن يعجزوا عن تحقيق توقعاتهم. لذلك يفعل الآباء والأمهات كل شيء من أجل أبنائهم قبل أن يصبحوا بالغين، مهما كان الثمن، فيضحون بشبابهم وسنواتهم ووقتهم وصحتهم وحياتهم الطبيعية، بل إن بعض الآباء والأمهات يتخلون عن وظائفهم وأمنياتهم القديمة أو حتى عن إيمانهم من أجل تدريب أبنائهم ومساعدتهم في الدراسة في أثناء التحاقهم بالمدرسة. في الكنيسة، يوجد عدد غير قليل من الأشخاص الذين يقضون كل وقتهم مع أطفالهم ويدربونهم حتى يكونوا إلى جوارهم عندما يكبرون ويصبحون بالغين، وحتى يتمكن أطفالهم من النجاح في حياتهم المهنية والحصول على وظائف مستقرة في المستقبل، وحتى تسير الأمور بسلاسة في عمل أبنائهم. هؤلاء الآباء لا يذهبون إلى الاجتماعات أو يؤدون الواجبات. إن لهم في قلوبهم مطالب معينة تتعلق بإيمانهم، ولديهم شيء قليل من العزم والرغبة، لكن لأنهم لا يستطيعون التخلي عن آمالهم لأولادهم، يختارون مصاحبتهم في هذه الفترة قبل بلوغهم سن الرشد، وينبذون واجباتهم الخاصة بهم باعتبارهم كائنات مخلوقة، وكذلك مساعيهم الخاصة في إيمانهم. وهذا هو الأمر الأكثر مأساوية. يدفع بعض الآباء والأمهات أثمانًا كثيرة من أجل تدريب أبنائهم ليصبحوا ممثلين أو فنانين أو كُتَّابًا أو علماء، وليمكنوا أبناءهم من إرضاء توقعاتهم. إنهم يتركون وظائفهم، ويتخلون عن مهنهم، بل إنهم يتخلون حتى عن تطلعاتهم ومتعتهم من أجل مرافقة أبنائهم. يوجد حتى بعض الآباء والأمهات الذين يتخلون عن حياتهم الزوجية من أجل أبنائهم. بعد طلاقهم، إذ يتحملون بمفردهم العبء الثقيل المتمثل في تربية أطفالهم وتدريبهم، مراهنين على أبنائهم بحياتهم، ومكرسين حياتهم من أجل مستقبل أبنائهم، لا لشيء سوى تحقيق توقعاتهم لأطفالهم. يوجد أيضًا بعض الآباء والأمهات الذين يفعلون الكثير من الأشياء التي لا يجب أن يفعلوها، ويدفعون الكثير من الأثمان التي لا داعي لها، ويضحون بأوقاتهم وصحتهم البدنية ومساعيهم قبل أن يبلغ الأبناء سن الرشد، حتى يتمكن الأبناء من التقدم في العالم في المستقبل، ويرسخوا أنفسهم في المجتمع. من جهة، هذه بعض التضحيات التي لا داعي لها بالنسبة إلى الوالدين. ومن جهة أخرى، فإن هذه الأساليب تشكل ضغطًا وعبئًا كبيرين على الأبناء قبل بلوغهم سن الرشد. وذلك لأن آباءهم قد دفعوا أثمانًا باهظة جدًا؛ لأنَّ آباءهم قد بذلوا الكثير جدًا إما من حيث المال أو الوقت أو الطاقة. على الرغم من ذلك، قبل أن يصل هؤلاء الأطفال إلى سن الرشد، وبينما لا يزالون يفتقرون إلى القدرة على تمييز الصواب من الخطأ، لا يكون لديهم خيار، ولا يسعهم سوى أن يتركوا آباءهم يتصرفون هكذا. حتى لو كانت لديهم بعض الأفكار في أعماق عقولهم، يظلون يمتثلون لأفعال والديهم. في ظل هذه الظروف، يبدأ الأطفال بشكل غير محسوس في التفكير في أن والديهم قد دفعوا ثمنًا باهظًا لتدريبهم، وأنهم لن يكونوا قادرين على رد الجميل لوالديهم أو تعويضهم بالكامل في هذه الحياة. ونتيجة لذلك، وخلال الوقت الذي يقوم فيه آباؤهم بتدريبهم ومرافقتهم، يعتقدون أن الأشياء الوحيدة التي يمكنهم فعلها، والأشياء الوحيدة التي يمكنهم القيام بها من أجل رد الجميل لوالديهم، هي إسعاد والديهم، وتحقيق أشياء عظيمة لإرضائهم، وعدم تخييب آمالهم. أما بالنسبة إلى الآباء والأمهات، فخلال هذه الفترة التي تسبق بلوغ أبنائهم سن الرشد، وبعد أن يكونوا قد دفعوا هذه الأثمان، ومع ازدياد توقعاتهم من أبنائهم أكثر فأكثر، تتحول عقليتهم تدريجيًا إلى مطالبة أبنائهم. أي: بعد أن يكون الآباء قد دفعوا هذه الأثمان المزعومة وبذلوا هذه النفقات المزعومة، يطالبون أبناءهم بالنجاح، وتحقيق أشياء عظيمة لرد الجميل لهم. لذلك، وبغض النظر عما إذا كنا ننظر إلى هذا الأمر من منظور الوالدين أم من منظور الأبناء، ففي إطار هذه العلاقة بين "الباذل من أجل" و"المبذول من أجله"، فإن التوقعات التي يضعها الآباء على أبنائهم تزداد أكثر فأكثر. "توقعاتهم تزداد أكثر فأكثر"؛ هذه طريقة لطيفة للتعبير عن الأمر. في الواقع، في أعماق قلوب الآباء، كلما زاد إنفاقهم وتضحيتهم، زاد اعتقادهم بأن أطفالهم يجب أن يردوا لهم الجميل بنجاحهم، وفي الوقت نفسه، زاد اعتقادهم بأن أبناءهم مدينون لهم. وكلما زاد إنفاق الآباء والأمهات، وزادت آمالهم، زادت توقعاتهم وتنامت بشأن ردِّ الأبناء الجميل لهم. إن توقعات الآباء لأبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد، بدءًا من: "يجب أن يتعلموا الكثير من الأشياء، ولا يمكن أن يخسروا عند خط البداية" إلى "بعد أن يكبروا، يجب أن يتقدموا في العالم، ويرسخوا أنفسهم في المجتمع"، تصبح تدريجيًا نوعًا من المطالب التي يطلبونها من أبنائهم. هذا المطلب هو: بعد أن تكبر وترسّخ نفسك في المجتمع، لا تنس جذورك، لا تنس والديك؛ والداك هما أول من يجب أن ترد له الجميل؛ يجب أن تبرهما وتساعدهما على أن يعيشا حياة طيبة، لأنهما من يحسن إليك في هذا العالم، وهما من درباك؛ إنَّ ترسخك في المجتمع الآن، وكل ما تتمتع به وكل ما تملكه مُشترى بجهود والديك المضنية، لذا ينبغي عليك أن تستغل ما تبقى من حياتك في رد الجميل لهما وتعويضهما والإحسان إليهما. إن التوقعات التي يضعها الآباء على أبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد – أن أبناءهم سيرسخون أنفسهم في المجتمع ويتقدمون في العالم – تتحول تدريجيًا من توقعات أبوية عادية جدًا إلى نوع من المطالب والالتماس الذي يفرضه الآباء على أبنائهم. ولنفترض أن الأبناء في الفترة التي تسبق بلوغهم سن الرشد، لا يحصلون على درجات جيدة، ولنفترض أنهم يتمردون ولا يريدون الدراسة أو طاعة والديهم ويعصونهما. سيقول آباؤهم: "هل تعتقد أن الأمر سهل علي؟ لمن تظنني أفعل كل هذا؟ أنا أفعل هذا لمصلحتك، أليس كذلك؟ كل ما أفعله من أجلك، وأنت لا تقدره. هل أنت غبي؟". سيستخدمون هذه الكلمات لتخويف أطفالهم واحتجازهم كرهائن. هل هذا النوع من النُهُج صحيح؟ (كلا). ليس صحيحًا. هذا الجزء "النبيل" من الآباء والأمهات هو أيضاً الجزء الحقير من الآباء والأمهات. ما الخطأ تحديدًا في هذه الكلمات؟ (توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم وتدريب أبنائهم هي مساعٍ أحادية الجانب. إنهم يفرضون ضغطًا معينًا على أبنائهم، ويجعلونهم يدرسون هذا وذاك، حتى يكون للأبناء مستقبلًا جيدًا، وليصبحوا مصدر فخر لآبائهم، ويكونوا بارين بهم في المستقبل. في الواقع، كل ما يفعله الآباء والأمهات هو لأنفسهم). إذا نحينا جانبًا حقيقة أن الآباء والأمهات يتصرفون لمصلحتهم وأنانيون، وتحدثنا فقط عن الأفكار التي يلقنون بها أطفالهم قبل بلوغهم سن الرشد، والضغوط التي ينقلونها إليهم، طالبين منهم أن يدرسوا كذا وكذا من المواد، والانخراط في مهنة كذا وكذا بعد أن يكبروا، وتحقيق كذا وكذا من النجاح؛ ما طبيعة هذه النُهُج؟ في الوقت الحالي، لن نقيِّم سبب قيام الآباء والأمهات بهذه الأشياء، أو ما إذا كانت هذه الأساليب مناسبة أم لا. سنقوم أولاً بعقد شركة حول طبيعة هذه الأساليب وتشريحها، وسنجد مسار ممارسة أدق بناءً على تشريحنا لجوهرها. إذا عقدنا شركة حول هذا الجانب من الحق وتوصلنا إلى فهمه من هذا المنظور، فسيكون دقيقًا.

بادئ ذي بدء، هل هذه المتطلبات التي تكون لدى الوالدين بخصوص أبنائهم والنُهُج التي يتخذونها معهم صحيحة أم خاطئة؟ (إنها خاطئة). إذًا، في نهاية المطاف، ما المصدر الرئيس لهذه النُهُج التي يستخدمها الآباء والأمهات مع أبنائهم؟ ألا يتمثل في توقعات الآباء والأمهات من أبنائهم؟ (بلى). يتصور الآباء والأمهات في وعيهم الذاتي مختلف الأمور الخاصة بمستقبل أبنائهم ويخططون لها ويحددونها، ونتيجة لذلك ينتجون هذه التوقعات. وبتحريض من هذه التوقعات، يطالب الآباء والأمهات أبناءهم بدراسة مهارات مختلفة، فيطالبونهم بأن يدرسوا المسرح والرقص أو الفنون وما إلى ذلك. يطالبون بأن يصبح أبناؤهم من الموهوبين، وأن يكونوا بعد ذلك رؤساء وليسوا مرؤوسين، كما يطالبون بأن يصبح أبناؤهم مسؤولين رفيعي المستوى لا جنود مشاة؛ وهم يطالبون بأن يصبح أبناؤهم مديرين ورؤساء مجلس إدارة ومديرين تنفيذيين، وأن تكون الشركة التي يعملون بها من بين أفضل 500 شركة عالمية، وهكذا. هذه كلها أفكار غير موضوعية لدى الآباء والأمهات. الآن هل لدى الأبناء أي مفهوم عن محتوى توقعات والديهم قبل بلوغهم سن الرشد؟ (كلا). ليس لديهم أي مفهوم عن هذه الأشياء على الإطلاق، فهم لا يفهمونها. ماذا يفهم الأطفال الصغار؟ إنهم لا يفهمون سوى الذهاب إلى المدرسة لتعلم القراءة، والاستذكار بجد، وأن يكونوا أطفالاً صالحين وحسني السلوك. هذا في حد ذاته جيد جدًا. الذهاب إلى المدرسة لحضور الفصول الدراسية وفقًا للجداول الزمنية المقررة لهم، والعودة إلى المنزل للانتهاء من واجباتهم المدرسية – هذه هي الأشياء التي يفهمها الأطفال، أما الباقي فهو مجرد لعب وطعام وخيالات وأحلام وما إلى ذلك. قبل أن يبلغ الأطفال سن الرشد، لا يكون لديهم أي مفهوم على الإطلاق عن الأشياء المجهولة في مسارات حياتهم، وهم أيضًا لا يتصورون أي شيء عنها. تأتي كل الأشياء المتَصوَّرة أو المحدَّدَة عن الوقت الذي يلي بلوغ هؤلاء الأطفال سن الرشد، من آبائهم. لذلك، فإنَّ التوقعات الخاطئة التي يتوقعها الآباء لأبنائهم لا علاقة لها بهؤلاء الأبناء. لا يحتاج الأبناء سوى إلى تمييز جوهر توقعات والديهم. علام تستند توقعات الوالدين هذه؟ من أين تأتي هذه التوقعات؟ إنها تأتي من المجتمع والعالم. الهدف من كل هذه التوقعات الأبوية هو تمكين الأبناء من التكيف مع هذا العالم والمجتمع، وتجنب استبعاد العالم أو المجتمع لهم، وترسيخ أنفسهم في المجتمع، والحصول على وظيفة آمنة وأسرة مستقرة ومستقبل مستقر، لذلك فإن الآباء لديهم مختلف التوقعات غير الموضوعية لأبنائهم. على سبيل المثال، موضة العصر الآن أن تعمل كمهندس كمبيوتر. يقول البعض: "سيصبح ولدي مهندس كمبيوتر في المستقبل. يمكنه أن يكسب الكثير من المال في هذا المجال، ويحمل جهاز كمبيوتر طوال اليوم، ويقوم بهندسة الكمبيوتر. سيبديني هذا بمظهر جيد أيضًا!" في هذه الظروف، حيث لا يملك الأطفال أي مفهوم عن أي شيء على الإطلاق، فإنَّ آباءهم وأمهاتهم يحددون لهم مستقبلهم. أليس هذا خطأً؟ (إنه كذلك). إن آباءهم يعلقون الآمال على أبنائهم بالكامل على أساس نظرة الكبار للأشياء، وكذلك آراء الكبار ووجهات نظرهم وتفضيلاتهم فيما يخص أمور العالم. أليس هذا غير موضوعي؟ (بلى). إذا أردت صياغة الأمر بشكل لطيف، يمكنك القول إنه غير موضوعي، لكن ما هو في الحقيقة؟ ما التفسير الآخر لعدم الموضوعية هذا؟ أليست هذه أنانية؟ أليس هذا إكراه؟ (إنه كذلك). أنت تحب هذه الوظيفة أو تلك، ومهنة كذا وكذا، وأنت تستمتع بأن تكون ذا مكانة مرموقة، أو تعيش حياة براقة، أو أن تكون مسؤولًا، أو أن تكون ثريًا في المجتمع، فتجعل أولادك يفعلون هذه الأشياء أيضًا، وأن يكونوا من هذا النوع من الأشخاص أيضًا، ويسلكون هذا النوع من الطرق؛ لكن هل سيستمتعون بالعيش في تلك البيئة والانخراط في ذلك العمل في المستقبل؟ هل هم مناسبون له؟ ما أقدارهم؟ ما ترتيبات الله وأحكامه بشأنهم؟ هل تعرف هذه الأمور؟ يقول البعض: "أنا لا أهتم بتلك الأشياء، المهم هو الأشياء التي أحبها أنا بصفتي والده. سأعلق الآمال عليه بناءً على تفضيلاتي الخاصة". أليس ذلك أنانيًا للغاية؟ (إنه كذلك). إنه أمر أناني للغاية! بعبارة لطيفة، إنه أمر غير موضوعي بالمرة، إنه اتخاذ جميع القرارات من جانبهم، لكن ما هو في الواقع؟ إنه أمر أناني للغاية! هؤلاء الآباء والأمهات لا يضعون في اعتبارهم مستوى قدرات أبنائهم أو مواهبهم، ولا يهتمون بالترتيبات التي وضعها الله لقدر كل شخص وحياته. إنهم لا يأخذون هذه الأمور بعين الاعتبار، بل يفرضون تفضيلاتهم ومقاصدهم وخططهم على أبنائهم من خلال التمني. يقول البعض: "يجب أن أفرض هذه الأشياء على ابني. إنه أصغر من أن يفهمها، وبحلول الوقت الذي سيفهمها فيه، سيكون قد فات الأوان". هل هذا هو الحال؟ (كلا). إذا كان الأوان قد فات بالفعل، فذلك مصيره، وليس مسؤولية والديه. إذا فرضت الأشياء التي تفهمها على أبنائك، فهل سيفهمونها على نحو أسرع لمجرد أنك تفهمها؟ (كلا). لا توجد علاقة بين الكيفية التي يعلِّم بها الوالدان أبناءهم وبين فهم هؤلاء الأبناء لأمور مثل نوع مسار الحياة الذي سيختارونه، ونوع المهنة التي سيختارونها، والكيفية التي ستكون عليها حياتهم، فلديهم مساراتهم الخاصة، ووتيرتهم الخاصة، وقوانينهم الخاصة. فكر في الأمر، عندما يكون الأطفال صغارًا، بغض النظر عن الطريقة التي يعلمهم بها آباؤهم وأمهاتهم، لا تكون لديهم أي معرفة بالمجتمع. سيشعرون بتنافسية المجتمع وتعقيده وظلاميته ومختلف الأشياء غير العادلة في المجتمع، عندما تنضج إنسانيتهم. هذا أمر لا يمكن للآباء تعليمه لأبنائهم منذ الصغر. حتى لو علَّم الآباء أبناءهم منذ الصغر: "يجب أن تتكتموا على بعض الأمور عند التعامل مع الناس"، فإنهم لن يأخذوا ذلك إلا باعتباره نوعًا من التعاليم، ولن يكونوا قادرين حقًا على العمل بنصيحة آبائهم إلا عندما يفهمونها حقًا. عندما لا يفهمون نصيحة آبائهم، مهما حاول آباؤهم تعليمهم، فإنَّ النصيحة ستظل بالنسبة إليهم مجرد نوع من التعاليم. لذلك، هل الفكرة الموجودة لدى الآباء والأمهات بأن "العالم تنافسي للغاية، والناس يعيشون تحت ضغط كبير؛ وإذا لم أبدأ بتعليم أبنائي منذ سن مبكرة جدًا، فسوف يتحملون المعاناة والألم في المستقبل"، فكرة يمكن الدفاع عنها؟ (كلا). أنت تجعل أبناءك يتحملون ذلك الضغط في سن مبكرة حتى تقل معاناتهم في المستقبل، وعليهم أن يتحملوا ذلك الضغط بدءًا من سن لا يزالون لا يفهمون فيه أي شيء؛ ألست تؤذي أبناءك بعملك هذا؟ هل تفعل ذلك حقًا لمصلحتهم؟ من الأفضل لهم ألا يفهموا هذه الأشياء، بحيث يتمكنون من أن يعيشوا بضع سنوات في راحة وسعادة ونقاء وبساطة. إذا فهموا هذه الأشياء في وقت مبكر، فهل سيكون ذلك نعمة أم نقمة؟ (سيكون نقمة). نعم، سيكون نقمة.

إنَّ ما ينبغي على الناس أن يفعلوه في كل مرحلة عمرية يتوقف على سنهم ومدى نضج إنسانيتهم، وليس على التعليم الذي يتلقونه من آبائهم وأمهاتهم. قبل أن يبلغ الأطفال سن الرشد، ليس عليهم سوى أن يلعبوا وأن يتعلموا قليلاً من المعرفة البسيطة ويتلقوا قليلاً من التعليم الأساسي، وأن يتعلموا أشياء مختلفة، وأن يتعلموا كيفية التفاعل مع الأطفال الآخرين وكيفية التعايش مع الكبار، وأن يتعلموا كيفية التعامل مع بعض الأشياء التي لا يفهمونها من حولهم. قبل أن يصل الناس إلى مرحلة الرشد، يجب أن يفعلوا أمور غير الراشدين، أي يجب ألا يتحملوا أيًا من الضغوط أو قواعد اللعبة أو الأمور المعقدة التي يتعين على الكبار أن يتحملوها. إنَّ مثل هذه الأمور تسبب ضررًا نفسيًا للأشخاص الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، وهي ليست بركات. كلما أبكر الناس في تعلم هذه الأمور الخاصة بالكبار، زاد تأثيرها السلبي على عقولهم الصغيرة. ليس الأمر فحسب أنَّ هذه الأشياء لن تساعد الناس على الإطلاق في حياتهم أو وجودهم بعد بلوغهم سن الرشد، بل على العكس، لأنهم يتعلمون هذه الأشياء أو يواجهونها في وقت مبكر للغاية، فإنها تتحول إلى نوع من العبء أو تلقي بظلالها الخفية على عقولهم الصغيرة، إلى درجة أنها قد تطاردهم طوال حياتهم. فكر في الأمر، عندما يكون الناس صغارًا جدًا، إذا سمعوا عن شيء فظيع، شيء لا يمكنهم تقبله، شيء خاص بالكبار لا يمكنهم تخيله أو فهمه أبدًا، فإن هذا المشهد أو هذا الأمر، أو حتى الأشخاص والأشياء والكلمات المتضمنة فيه، ستلاحقهم طوال حياتهم. سيلقي ذلك بنوع من الظلال عليهم، ويؤثر في طباعهم الشخصية وأساليبهم في السلوك في الحياة. على سبيل المثال، يكون الأطفال جميعًا أشقياء بعض الشيء في سن السادسة أو السابعة. لنفترض أن أحد الأطفال تعرض لتقريع معلمه في أثناء الحصة الدراسية بسبب همسه لزميل له في الفصل، ولم يكتف المعلم بتقريعه بطريقة واقعية، بل هاجمه شخصيًا، مقرِّعًا إياه لأن وجهه يشبه النمس وعينيه كعيني الفئران، بل إنه حتى يقرِّعه بقوله: "انظر كم أنك لست واعدًا! ستكون طوال حياتك شخص غير ناجح! إذا لم تستذكر بجد، فلن تكون سوى مجرد عامل. ستضطر في المستقبل إلى أن تستجدي طعامك! هيئتك هيئة لص؛ لديك مواصفات اللص!". على الرغم من أن الطفل لا يفهم هذه الكلمات، ولا يعرف سبب قول معلمه هذه الأمور، أو ما إذا كانت هذه الأشياء صحيحة أم لا، فإن كلمات الهجوم الشخصي هذه ستصبح نوعًا من القوة الخفية والشريرة داخل قلبه، وتدمر تقديره لذاته وتؤذيه. "أنت لديك وجه مثل النمس، وعينان كعيني الفئران، ورأس صغير!"؛ ستلاحقه كلمات الهجوم الشخصي هذه التي نطق بها معلمه طوال حياته. عندما يختار مهنة، وعندما يواجه رؤساءه وزملاءه في العمل، وعندما يواجه الإخوة والأخوات، فإن كلمات الهجوم الشخصي التي قالها معلمه ستبزغ من وقت لآخر، وتؤثر في عواطفه وحياته. وبالطبع، فإن بعض التوقعات غير السليمة التي يحملها لك والداك، وبعض المشاعر التي نقلوها لك والرسائل والكلمات والأفكار والآراء وغيرها، قد ألقت هي أيضًا بظلالها على عقلك الصغير. من منظور وعي والديك غير الموضوعي، ليس لديهما أي مقاصد سيئة، ولكن بسبب جهلهما، ولأنهما من البشر الفاسدين، وليس لديهما أساليب سليمة تتماشى مع المبادئ بخصوص كيفية معاملتك، لا يسعهما سوى اتباع اتجاهات العالم في كيفية معاملتهما لك، والنتيجة النهائية لذلك هي أنهما ينقلان لك مختلف الرسائل والمشاعر السلبية. في الظروف التي تفتقر فيها إلى أي تمييز، يصبح كل ما يقوله والداك، وكل الأفكار الخاطئة التي يلقنك إياها والداك ويروجان لها، هي المهيمنة عليك لأنك تتعرض لها أولاً، وتصبح هدف سعيك وكفاحك مدى الحياة. رغم أن التوقعات المختلفة التي يضعها لك والداك قبل بلوغك سن الرشد، هي ضربة لعقلك الصغير ودمار له، فأنت لا تزال تعيش طبقًا لتوقعات والديك، وكذلك تحت وطأة الأثمان المختلفة التي يدفعانها لك، فتتفهم إرادتهما، وتقبل أعمال العطف المختلفة التي يقدمانها وتشكرهما عليها. بعد أن تتقبل الأثمان المختلفة التي يدفعانها والتضحيات المختلفة التي يقدمانها من أجلك تشعر بأنك مدين لوالديك وتخجل من مواجهتهما في أعماق قلبك، وتعتقد أن عليك أن ترد لهما هذا بعد أن تكبر. ترد ماذا؟ توقعاتهما غير المعقولة لك؟ الدمار الذي تسببا لك فيه قبل أن تبلغ سن الرشد؟ أليس هذا خلطًا بين الأبيض والأسود؟ في الواقع، إذا تحدثنا عن هذا الأمر من جذوره وجوهره، فإن توقعات والديك لك هي مجرد توقعات غير موضوعية، وهي محض تمني. إنها بالتأكيد ليست أشياء يجب على الطفل أن يمتلكها أو يمارسها أو يعيشها، وليست شيئًا يحتاج الطفل إليه. من أجل اتباع اتجاهات العالم، والتكيف مع العالم، ومواكبة تقدم العالم، يجعلك والداك تتبعهما، ويجعلانك تتحمل هذا الضغط كما يفعلان، ويجعلانك تقبل هذه الاتجاهات الشريرة وتتبعها. ولذلك، تحت وطأة التوقعات المتَّقدة للوالدين، يجتهد الكثير من الأبناء في دراسة مهارات مختلفة، ودورات دراسية متنوعة، وأنواع مختلفة من المعرفة. إنهم ينتقلون من محاولة إرضاء توقعات آبائهم، إلى السعي الحثيث لتحقيق الأهداف المرجوة من توقعات آبائهم. بعبارة أخرى، قبل أن يصل الناس إلى سن الرشد، يتقبلون توقعات آبائهم بصورة سلبية، وبعد أن يصبحوا راشدين تدريجيًا، يبادرون بقبول توقعات وعي آبائهم غير الموضوعي، ويقبلون عن طيب خاطر هذا النوع من الضغط وهذا التضليل والسيطرة والتقييد الذي يأتي من المجتمع. باختصار، يتحولون تدريجيًا من مشاركين سلبيين في هذا إلى مشاركين فاعلين. وبهذه الطريقة، يشعر آباؤهم بالرضا. ويشعر الأطفال أيضًا بشعور بالسلام الداخلي، وبأنهم لم يخذلوا والديهم، وبأنهم أخيرًا أعطوا والديهم ما يريدون، وبأنهم قد كبروا؛ لم يصبحوا راشدين فحسب، بل أفرادًا موهوبين في نظر والديهم، وهم على مستوى توقعات والديهم. رغم أن هؤلاء الأشخاص ينجحون في أن يصبحوا، بعد أن يكبروا، أفرادًا موهوبين في أعين آبائهم وأمهاتهم ويبدو ظاهريًا كما لو أنهم قد ردوا الثمن الذي دفعه آباؤهم، وأن توقعات آبائهم لهم لم تذهب سدى، فما هو الواقع؟ لقد نجح هؤلاء الأبناء في أن يصبحوا دُمى لآبائهم، ونجحوا في أن يصبحوا مدينين لآبائهم بدين كبير، ونجحوا في استغلال ما تبقى من حياتهم لتحقيق توقعات آبائهم، وأن يقدموا عرضًا لصالح والديهم، وأن يجلبوا الفضل والهيبة لوالديهم، ونجحوا في إرضاء والديهم، وأن يصبحوا مصدر فخرهم وسعادتهم. سيذكر الآباء أبناءهم أينما ذهبوا: "ابنتي مديرة شركة كذا". "ابنتي مصممة للعلامة التجارية الشهيرة كذا". "ابنتي في مستوى كذا في هذه اللغة الأجنبية، ويمكنها التحدث بها بطلاقة، وهي مترجمة للغة كذا". "ابنتي مهندسة كمبيوتر". لقد نجح هؤلاء الأبناء في أن يصبحوا مصدر فخر وسعادة لآبائهم، ونجحوا في أن يصبحوا ظلالًا لآبائهم، وذلك لأنهم سيستخدمون الأساليب نفسها لتعليم أبنائهم وتدريبهم. إنهم يعتقدون أن آباءهم قد نجحوا في تدريبهم، لذلك سيقلدون أساليب آبائهم في التعليم لتدريب أبنائهم. وبهذه الطريقة، سيتعين على أبنائهم أن يتحملوا منهم ما تحملوه هم من آبائهم من البؤس والمعاناة المأساوية والدمار.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.