كيفية السعي إلى الحق (17) الجزء الأول

في اجتماعنا الأخير، عقدنا شركة حول التخلي عن الأعباء التي تأتي من عائلة المرء. تطرق هذا إلى موضوع التخلي عن توقعات والديّ المرء. هذه التوقعات تضع نوعًا من الضغط غير المرئي على كل شخص، أليس كذلك؟ (بلى). إنها أحد الأعباء التي تأتي من عائلات الناس. إن التخلي عن توقعات والديك يعني التخلي عن الضغوط والأعباء التي يضعها والداك على حياتك، ووجودك، والطريق الذي تسلكه، أي أنه عندما تؤثر توقعات والديك على الطريق الذي تختاره في الحياة، وأداء واجبك، ورحلتك في الطريق الصحيح، وحريتك وحقوقك وغرائزك، فإن توقعاتهما تضع نوعًا من الضغط والعبء عليك. هذه الأعباء هي الأشياء التي يجب على الناس أن يتخلوا عنها في مسار حياتهم، ووجودهم، وإيمانهم بالله. أليس هذا المضمون هو ما عقدنا حوله شركة من قبل؟ (إنه كذلك). توقعات والديّ المرء بطبيعة الحال تمس الكثير من الأشياء، على سبيل المثال، دراسة المرء، وعمله، وزواجه، وأسرته، وحتى مساره الوظيفي، وآفاقه، ومستقبله وما إلى ذلك. إن كل توقعات الوالدين لابنهما منطقية، وعادلة، ومعقولة، من وجهة نظرهما. لا يوجد والد واحد ليس لديه توقعات لابنه. قد تكون لدى الوالدين توقعات أكثر أو قد تكون أقل، قد تكون لديهما توقعات عظيمة أو قد تكون توقعاتهما بسيطة، أو قد يكون لديهما بعض التوقعات المختلفة لابنهما في أوقات معينة؛ فهما يأملان أن يحصل ابنهما على درجات جيدة، وأن تسير الأمور على ما يرام في وظيفته، وأن يحصل على دخل جيد، وأن تسير الأمور بسلاسة وسعادة معه عندما يتعلق الأمر بالزواج. حتى أن للوالدين توقعات مختلفة فيما يتعلق بأسرة الابن، ومسيرته المهنية، وآفاقه المستقبلية، وما إلى ذلك. هذه التوقعات كلها مشروعة للغاية من وجهة نظر الوالدين، ولكن من وجهة نظر الابن، تتداخل هذه التوقعات المختلفة مع اتخاذه للخيارات الصحيحة إلى حد كبير، بل وتتداخل مع حريته وحقوقه أو مصالحه كشخص طبيعي. وفي الوقت نفسه، تتداخل هذه التوقعات أيضًا مع استخدامه لمستوى قدراته بطريقة طبيعية. وباختصار، أيًا كان المنظور الذي ننظر منه إلى هذا الأمر، سواء كان من منظور الوالدين، أو من منظور ابنهما، فإن توقعات الوالدين إذا تجاوزت نطاق ما يمكن أن يتحمله الشخص ذو الإنسانية الطبيعية، أو إذا تجاوزت نطاق ما يمكن أن تحققه غرائز الشخص ذي الإنسانية الطبيعية، أو إذا تجاوزت الحقوق الإنسانية التي ينبغي أن يمتلكها الشخص ذو الإنسانية الطبيعية، أو الواجبات والالتزامات التي يكلف الله بها الناس، وما إلى ذلك، فإن هذه التوقعات غير سليمة وغير معقولة. وبالطبع، يمكن القول أيضًا إنه لا ينبغي أن يكون لدى الوالدين هذه التوقعات، وأنه ينبغي ألا يكون لهذه التوقعات وجود. وبناءً على ذلك، يجب أن يتخلى الأبناء عن هذه التوقعات الأبوية؛ أي أنه عندما يتبنى الوالدان المنظور أو الموقف الأبوي، يبدو لهم أن من حقهم أن يتوقعوا أن يفعل ابنهم هذا أو ذاك، وأن يسلك ابنهم طريقًا معينًا، ويختار نوعًا معينًا من الحياة، أو بيئة تعليمية، أو وظيفة، أو زواج، أو أسرة، وما إلى ذلك. ولكن لا ينبغي للوالدين، باعتبارهما بشرًا عاديين، أن يتخذا منظور الوالدين أو موقفهما، ولا ينبغي أن يستخدما هويتهما كوالدين ليطلبا من ابنهما القيام بأي شيء خارج نطاق واجبات البر بالوالدين أو خارج نطاق القدرات البشرية. لا ينبغي لهما حتى أن يتدخلا في الخيارات المختلفة التي يتخذها ابنهما، ولا ينبغي أن يفرضا توقعاتهما، أو تفضيلاتهما، أو أوجه قصورهما وعدم رضاهما، أو أي من اهتماماتهما على ابنهما. هذه أشياء لا ينبغي للوالدين القيام بها. وعندما يُضمر الوالدان توقعات لا ينبغي لهما امتلاكها، يجب على ابنهما التعامل مع هذه التوقعات بشكل سليم؛ والأهم من ذلك، ينبغي أن يكون ابنهما قادرًا على تمييز طبيعة هذه التوقعات. إذا كان بإمكانك أن ترى بوضوح أن توقعات والديك تحرمك من حقوقك الإنسانية، وأن هذه التوقعات هي نوع من التدخل أو الإزعاج عندما يتعلق الأمر باختيارك للأشياء الإيجابية والطريق الصحيح، فيجب عليك أن تتخلى عن هذه التوقعات وتتجاهلها. ينبغي أن تفعل ذلك لأن هذا حقك، وهو الحق الذي أعطاه الله لكل إنسان مخلوق، ولا ينبغي أن يظن والداك أنه يحق لهما التدخل في طريق حياتك وحقوقك الإنسانية، لمجرد أنهما أنجباك وأنهما والداك. لذلك، يحق لكل كائن مخلوق أن يقول "لا" لأي توقعات أبوية غير معقولة أو غير مناسبة أو حتى غير لائقة. يمكنك بالتأكيد رفض تحمل أي من توقعات والديك. إن رفض قبول أي من توقعات والديك أو تحملها هو السبيل لممارسة التخلي عن توقعاتهما غير اللائقة.

ما الحقائق التي يجب أن يفهمها الناس عندما يتعلق الأمر بالتخلي عن توقعات الوالدين؟ بمعنى، هل تعرف ما هي الحقائق التي يستند إليها التخلي عن توقعات الوالدين، أو ما هي مبادئ الحق التي يتصل بها؟ إذا كنت تعتقد أن والديك هما أقرب الناس في العالم إليك، وأنهما رئيساك وقائداك، وأنهما من أنجباك وربياك، وأنهما من وفرا لك الطعام والملبس والمسكن والمواصلات، وأنهما من قاما بتنشئتك، وأنهما من أحسنا إليك، فهل سيكون من السهل عليك أن تتخلى عن توقعاتهما؟ (كلا). إذا كنت تؤمن بهذه الأشياء، فمن المحتمل جدًا أن تتعامل مع توقعات والديك من منظور جسدي، وسيكون من الصعب عليك التخلي عن أي من توقعاتهما غير المناسبة وغير المعقولة. ستقيدك توقعاتهما وتكبتك. وحتى لو كنت تشعر بعدم الرضا وعدم الرغبة في قلبك، فلن تكون لديك القدرة على التحرر من هذه التوقعات، ولن يكون أمامك خيار سوى أن تتركها تأخذ مسارها الطبيعي. لماذا عليك أن تتركها تأخذ مسارها الطبيعي؟ لأنك إذا تخليت عن توقعات والديك، وتجاهلت أيًا من توقعاتهما أو رفضتها، ستشعر بأنك كنت ابنًا غير بارّ، وبأنك كنت ناكرًا للجميل، وبأنك خذلت والديك، وبأنك لم تكن شخصًا صالحًا. أما إذا اتخذت منظورًا جسديًا، فستفعل كل ما بوسعك لاستخدام ضميرك لرد إحسان والديك، وللتأكد من أن المعاناة التي تحملها والداك من أجلك لم تكن بلا مقابل، وسترغب أيضًا في تحقيق توقعاتهما. ستحاول جاهدًا أن تنجز كل ما طلباه منك، لتتجنب تخييب آمالهما، ولتكون بارًا بهما، وستتخذ قرارًا بأن تعتني بهما عند كبر سنهما، لتضمن أن تكون سنواتهما الأخيرة سعيدة، بل وستفكر أكثر من ذلك بقليل، لتتولى أمر جنازتيهما، فترضيهما في الوقت نفسه الذي ترضي فيه رغبتك في أن تكون ابنًا بارًا بهما. يتأثر الناس أثناء عيشهم في هذا العالم بأنواع مختلفة من الرأي العام والمناخات الاجتماعية، بالإضافة إلى مختلف الأفكار والآراء الشائعة في المجتمع. إذا لم يفهم الناس الحق، فلا يمكنهم النظر إلى هذه الأشياء سوى من منظور المشاعر الجسدية، وفي الوقت نفسه، لا يمكنهم التعامل مع هذه الأشياء سوى من هذا المنظور. ستعتقد خلال هذه الفترة أن والديك يفعلان العديد من الأشياء التي لا ينبغي أن يفعلها الوالدان، لدرجة أنك ستشعر بالازدراء والنفور في أعماق قلبك تجاه بعض تصرفات والديك وسلوكهما، وكذلك تجاه إنسانيتهما، وخُلُقهما، وأساليبهما، وطرقهما في القيام بالأشياء، لكنك ستظل راغبًا في أن تكون ابنًا بارًا لإكرامهما وإرضائهما، ولن تجرؤ على إهمالهما بأي شكل من الأشكال. ستفعل ذلك من ناحية لتجنب ازدراء المجتمع لك، ومن ناحية أخرى لإرضاء احتياجات ضميرك. هذه الآراء طبعتها فيك البشرية والمجتمع، لذلك سيكون من الصعوبة بمكان أن تتعامل مع توقعات والديك وعلاقتك بهما بطريقة عقلانية. ستكون مجبرًا على التعامل معهما كابن بار، وعلى عدم الاعتراض على أي من تصرفاتهما؛ فلن يكون أمامك خيار آخر، ولن يكون أمامك سوى عمل ذلك، وبالتالي سيكون من الصعب عليك التخلي عن توقعات والديك. إذا تخليت عنها حقًا في قلبك، فسيظل لزامًا عليك أن تتحمل عبئًا أو ضغطًا آخر، وهو إدانة المجتمع وعائلتك الممتدة وأسرتك القريبة. ستحتاج حتى إلى تحمل الإدانة، والاستنكار، والشتائم، والازدراء التي تأتي من أعماق قلبك، والتي تقول إنك لا شيء، أو إنك لست ابنًا بارًا، أو إنك ناكر للجميل، أو حتى أشياء مثل: "أنت ناكر للجميل وغير مبال، أنت عاق، أمك لم تحسن تربيتك"، التي يقولها الناس في المجتمع العلماني؛ وبعبارة أخرى، كل أنواع الأشياء غير السارة. ستقع في هذا النوع من المآزق إذا لم تفهم الحق. أي أنه عندما تتخلى عن توقعات والديك في أعماق قلبك بطريقة عقلانية، أو عندما تتخلى عنها على مضض، سينشأ نوع آخر من العبء أو الضغط في أعماق قلبك؛ وهذا الضغط يأتي من المجتمع ومن تأثير ضميرك. إذن، كيف يمكنك التخلي عن توقعات والديك؟ ثمة طريق لحل هذه المشكلة. ليس الأمر صعبًا؛ يحتاج الناس إلى بذل الجهد في الحق، والوقوف أمام الله لطلب الحق وفهمه، وعندها ستُحل المشكلة. إذن، أي جانب من الحق تحتاج إلى فهمه حتى لا تخشى تحمل عبء إدانة الرأي العام، أو إدانة ضميرك في أعماق قلبك، أو استنكار والديك وإساءتهما اللفظية عندما تتخلى عن توقعات والديك؟ (إننا مجرد كائنات مخلوقة أمام الله. لا يجب علينا في هذا العالم الوفاء بمسؤولياتنا تجاه والدينا فحسب، بل يجب علينا أن نحسن القيام بواجباتنا والوفاء بالتزاماتنا. إذا تمكنا من إدراك ذلك، فربما لن نتأثر كثيرًا بوالدينا أو بإدانة الرأي العام عندما نتخلى عن توقعات والدينا في المستقبل). من أيضًا سيتحدث عن هذا الأمر؟ (في المرة الماضية، عقد الله شركة حول أنه عندما نترك منازلنا لأداء واجباتنا، فإن ذلك يرجع في أحد جوانبه إلى ظروف موضوعية – يجب أن نترك والدينا من أجل القيام بواجباتنا، فلا يمكننا أن نرعاهما – وليس أننا نختار تركهما لأننا نتجنب مسؤولياتنا. ومن جهة أخرى، نحن نترك بيوتنا لأن الله دعانا للقيام بواجباتنا، لذا لا نستطيع أن نصحب والدينا، ولكننا نظل قلقين عليهما، وهذا يختلف عن عدم رغبتنا في القيام بمسئولياتنا تجاههما وعدم البر بهما). هذان السببان هما حقائق ووقائع يجب أن يفهمها الناس. إذا فهم الناس هذه الأشياء، سيشعرون بهدوء أكثر قليلاً وبسلام أكبر في أعماق قلوبهم عندما يتخلون عن توقعات والديهم، ولكن هل يمكن لهذا أن يحل المشكلة من جذورها؟ لولا تأثير الظروف الخارجية الأكبر، هل كان مصيرك سيرتبط بمصير والديك؟ لو لم تكن مؤمنًا بالله، وكنت تعمل وتمضي أيامك بطريقة عادية، هل كنت ستتمكن حتمًا من مرافقة والديك؟ هل ستكون قادرًا بالتأكيد على أن تكون بارًا بوالديك؟ هل ستكون قادرًا بالتأكيد على البقاء إلى جانبهما وردّ إحسانهما؟ (ليس بالضرورة). هل يتصرف أي شخص فقط من أجل ردّ إحسان والديه طوال حياته؟ (كلا). لا يوجد أناس على هذا الحال. لذلك، يجب عليك أن تتعرف على هذا الأمر وترى جوهره من منظور مختلف. هذا هو الحق الأعمق الذي يجب أن تفهمه في هذه المسألة. إنها أيضًا حقيقة، وأكثر من ذلك، إنها جوهر هذه الأشياء. ما هي الحقائق التي يجب أن تفهمها بشأن التخلي عن توقعات والديك؟ من ناحية، يجب أن تفهم أن والديك ليسا دائنيك؛ ومن ناحية أخرى، يجب أن تفهم أن والديك ليسا سيديّ حياتك أو مصيرك. أليست هذه هي الحقيقة؟ (إنها كذلك). إذا فهمت هاتين الحقيقتين، ألن يكون من الأسهل عليك التخلي عن توقعات والديك؟ (سيكون كذلك).

أولًا، سنتحدث عن هذا الجانب من الحق: "والداك ليسا دائنيك". والداك ليسا دائنيك؛ إلام يشير هذا؟ ألا يشير إلى الإحسان الذي أظهره والداك لك بتربيتك؟ (بلى). لقد أظهر والداك الإحسان لك بتربيتك، لذلك من الصعب عليك أن تتخلى عن علاقتك بهما. أنت تعتقد أن عليك أن تردّ لهما إحسانهما وإلا ستكون ابنًا غير بار؛ وتعتقد أنه يجب عليك أن تظهر لهما البر بالوالدين، وأنك يجب أن تطيع كل كلمة من كلامهما، وأنك يجب أن تلبّي كل رغباتهما وطلباتهما، وعلاوة على ذلك لا تخذلهما؛ وهذا، في اعتقادك، هو ردّ إحسانهما. بالطبع، بعض الناس لديهم وظائف جيدة ويكسبون أجورًا جيدة، ويوفرون لوالديهم بعض المتع المادية والحياة المادية الرائعة، مما يسمح لوالديهم أن ينعموا بخيراتهم، ويجعلونهما يعيشان حياة أفضل. فمثلًا، لنفترض أنك اشتريت لوالديك منزلًا وسيارة واصطحبتهما إلى المطاعم الفاخرة لتناول أشهى المأكولات من كل نوع، واصطحبتهما في رحلات إلى وجهات سياحية وحجزت لهما في فنادق فخمة، لتسعدهما ولتشعرهما بالاستمتاع بهذه الأشياء. أنت تفعل كل هذه الأشياء لتردّ إحسان والديكَ، ولتشعرهما بأنهما قد حصلا على شيء مقابل تربيتك ومحبتهما لك، وأنك لم تخذلهما. من ناحية، أنت تفعل ذلك ليراه والداك، ومن ناحية أخرى، أنت تفعل ذلك ليراه الناس من حولك، ليراه المجتمع، وفي الوقت ذاته أنت تبذل قصارى جهدك لإرضاء احتياجات ضميرك. أيًا كانت الطريقة التي تنظر بها إلى الأمر، وأيًا كان ما تحاول إرضاءه، فإن كل هذه الأفعال تتم – إلى حد كبير على أي حال – لرد إحسان والديك، وجوهر هذه الأفعال هو رد الإحسان الذي أظهراه لك بتربيتك. إذن، لماذا لديك هذه الفكرة عن ردّ الإحسان لوالديك؟ هذا لأنك تعتقد أن والديك أنجباك، وأنه لم يكن من السهل عليهما تربيتك؛ وبهذه الطريقة يصبح والداك دائنين لك دون أن تشعر. أنت تعتقد أنك مدين لوالديك، وأنك يجب أن ترد لهما إحسانهما. أنت تعتقد أنه لا يمكنك أن تكون إنسانًا إلا بردّ إحسانهما، وأن تكون ابنًا بارًا حقًا بهما، وأن ردّ الإحسان لهما هو المعيار الأخلاقي الذي يجب أن يتحلى به الإنسان. لذا فإن هذه الأفكار، والآراء، والأفعال تنشأ في جوهرها لأنك تعتقد أنك مدين لوالديك، وأنك يجب أن ترد لهما الإحسان؛ إلى حد كبير، والداك هما دائناك، أي أنك تعتقد أنك مدين لهما مقابل الإحسان الذي أظهراه لك. والآن، بما أن لديك القدرة على رد الإحسان لهما وتعويضهما، فإنك تفعل ذلك؛ حسب قدراتك، وتستخدم المال والمودة لتعويضهما. إذن، هل القيام بذلك هو إظهار للإنسانية الحقيقية؟ هل هو مبدأ حقيقي للممارسة؟ (لا، ليس كذلك). لماذا أقول إن "والداك ليسا دائنيك"؟ بما أن "والداك ليسا دائنيك" حقيقةً، فإذا كنت تعتبر والديك محسنين ودائنين لك، وإذا كان كل ما تفعله هو لرد إحسانهما، فهل هذه الفكرة والنظرة صحيحتان؟ (كلا). ألم تقل "كلا" على مضض؟ أي العبارتين هي الحق: "والداك ليسا دائنيك" أم "والداك هما المحسنان إليك، وعليك أن ترد إحسانهما"؟ ("والداك ليسا دائنيك" هي الحق). بما أن "والداك ليسا دائنيك" هي الحق، فهل عبارة "والداك هما المحسنان إليك، وعليك أن ترد إحسانهما" هي الحق؟ (كلا). ألا تتعارض مع عبارة "والداك ليسا دائنيك"؟ (بلى). ليس المهم أي من هاتين العبارتين تُشعر ضميرك بالإدانة، فما هو المهم؟ المهم هو أي من هاتين العبارتين هي الحق. يجب عليك قبول العبارة التي هي الحق، حتى لو كانت تجعل ضميرك يشعر بعدم الارتياح والاتهام، لأنها الحق. على الرغم من أن عبارة "والداك هما المحسنان إليك، وعليك أن ترد إحسانهما" تتفق مع المعايير الأخلاقية الإنسانية للإنسان، ومع وعي ضمير الإنسان، إلا أنها ليست الحق. يجب أن تتخلى عن هذه العبارة على الرغم من أنها تُشعر ضميرك بالرضا والراحة. هذا هو الموقف الذي يجب أن تتحلى به عندما يتعلق الأمر بقبول الحق. إذن، بين عبارة "والداك ليسا دائنيك" وعبارة "والداك هما المحسنان إليك، وعليك أن ترد إحسانهما"، أي العبارتين تبدو أكثر راحة وأكثر انسجامًا مع الإنسانية ومع حس ضميرك، وأكثر انسجامًا مع المعايير الأخلاقية الإنسانية؟ (العبارة الثانية). لماذا العبارة الثانية؟ لأنها تلبي احتياجات الإنسان العاطفية وتشبعها. ومع ذلك، فهي ليست الحق، وهي مكروهة عند الله. إذن، هل عبارة "والداك ليسا دائنيك" تجعل الناس يشعرون بعدم الارتياح؟ (نعم). بمَ يشعر الناس ويحسون بعد سماع هذه العبارة؟ (يشعرون أنها تفتقر قليلًا إلى الضمير). يشعرون أنها ينقصها بعض الشعور الإنساني، أليس كذلك؟ (بلى). يقول بعض الناس: "إذا لم يكن لدى الشخص مشاعر إنسانية، فهل يظل إنسانًا؟" تبدو عبارة "والداك ليسا دائنيك" وكأنها تفتقر إلى المشاعر الإنسانية، لكنها حقيقة. إذا تناولت علاقتك بوالديك بطريقة عقلانية، ستكتشف أن عبارة "والداك ليسا دائنيك" قد فسّرت بجلاء العلاقة التي تربط كل شخص بوالديه من الجذور، وجوهر وجذر العلاقات الشخصية. وعلى الرغم من أنها لا تريح ضميرك، ولا تلبي احتياجاتك العاطفية، إلا أنها تظل حقيقة وتظل حق. يمكن لهذا الحق أن يمكّنك من التعامل مع الإحسان الذي أظهره لك والداك بتربيتك بطريقة عقلانية وصحيحة. ويمكنه أيضًا أن يمكنك من التعامل مع أي من توقعات والديك بطريقة عقلانية وصحيحة. وبطبيعة الحال، هو أكثر قدرة على تمكينك من التعامل مع علاقتك بوالديك بطريقة عقلانية وصحيحة. إذا استطعت أن تتعامل مع علاقتك بوالديك بهذه الطريقة، فأنت قادر على التعامل معها بطريقة عقلانية. يقول البعض: "هذه الحقائق مصاغة جيدًا، وتبدو عاطفية جدًا، ولكن لماذا عندما يسمعها الناس يشعرون باستحالة تحقيقها؟ خاصةً عبارة "والداك ليسا دائنيك"؛ لماذا يشعر الناس بعد سماع هذه الحقيقة أن علاقتهم بوالديهم تزداد بعدًا وجفاءً؟ لماذا يشعرون أنه لا توجد مودة بينهم وبين والديهم؟". هل يحاول الحق عمدًا إبعاد الناس عن بعضهم بعضًا؟ هل يحاول الحق عمدًا قطع العلاقات بين الناس ووالديهم؟ (كلا). إذن، ما هي النتائج التي يمكن تحقيقها من خلال فهم هذا الحق؟ (يمكن لفهم هذا الحق أن يمكننا من رؤية علاقتنا بوالدينا على حقيقتها بوضوح؛ يخبرنا هذا الحق بالواقع الحقيقي لهذه المسألة). هذا صحيح، إنه يمكنك من رؤية الواقع الحقيقي لهذه المسألة بوضوح، والاقتراب من هذه الأمور والتعامل معها بعقلانية، وعدم العيش في إطار عواطفك أو في إطار العلاقات الشخصية الجسدية، أليس كذلك؟

دعنا نتحدث عن كيفية تفسير عبارة "والداك ليسا دائنيك". والداك ليسا دائنيك؛ أليست هذه حقيقة؟ (إنها كذلك). بما أنها حقيقة، فمن المناسب أن نفسر الأمور الواردة فيها. دعنا ننظر في مسألة إنجاب والديك لك. من الذي اختار لهما أن ينجباك، أنت أم والداك؟ من اختار من؟ إذا نظرت إلى هذا الأمر من منظور الله، فالإجابة هي: لا أحد منكم. لم تختر أنت أو والداك أن ينجباك. إذا نظرت إلى أصل هذه المسألة، فهذا أمر قدّره الله. سننحي هذا الموضوع جانبًا في الوقت الحالي، لأن هذا الأمر سهل الفهم على الناس. فمن وجهة نظرك، ولدتَ لوالديك دون دور فاعل لك، دون أن يكون لك أي خيار في الأمر. ومن منظور والديك، فقد أنجباك بإرادتهما المستقلة، أليس كذلك؟ وبعبارة أخرى، إذا وضعنا جانبًا تقدير الله في مسألة إنجابك، كان والداك هما من يملكان كل السلطة. لقد اختارا إنجابك، وكان القرار قرارهما. لم تختر أن ينجباك، وأنجباك دون أن يكون لك أي دور، ولم يكن لديكَ أي خيار في الأمر. لذا، بما أن والديك كانا يملكان كل السلطة، وقد اختارا إنجابك، فإنهما ملزمان ومسؤولان عن تربيتك، وتنشئتك حتى تصبح راشدًا، وتزويدك بالتعليم، والطعام، والملابس، والمال؛ هذه مسؤوليتهما والتزامهما، وهذا ما يجب عليهما فعله. بينما كنت دائمًا سلبيًا خلال الفترة التي كانا يربيانك فيها، لم يكن لك الحق في الاختيار، وكان لزامًا عليهما أن يربياك. لم تكن لديك القدرة على تربية نفسك لأنك كنت صغيرًا، ولم يكن لديك خيار سوى أن يربياك دون قيامك بأي دور. لقد تربيت بالطريقة التي اختارها والداك، إذا قدما لك طعامًا وشرابًا جيدين، أكلت وشربت طعامًا وشرابًا جيدين. وإذا وفرا لك بيئة معيشية تعيش فيها على القشور والنباتات البرية، ستعيش على القشور والنباتات البرية. على أي حال، أثناء تربية والديك لك، كان دورك سلبيًا وكان والداكَ يفيان بمسؤوليتهما. الأمر مشابه لرعاية والديك لزهرة. بما أنهما يرغبان في رعاية زهرة، فعليهما أن يسمداها ويسقياها ويتأكدا من حصولها على ضوء الشمس. لذا، فيما يتعلق بالناس، سواء كان والداك قد اعتنيا بك باهتمام أو أفرطا في العناية بك، ففي كل الأحوال، كانا فقط يفيان بمسؤوليتهما والتزامهما. وبغض النظر عن السبب الذي جعلهما يربيانك، فقد كانت تلك مسؤوليتهم؛ فلأنهما أنجباك، فيجب أن يتحملا المسؤولية تجاهك. وبناءً على هذا، هل يمكن اعتبار كل ما فعله والداك من أجلك إحسانًا؟ لا يمكن، أليس كذلك؟ (هذا صحيح). إن وفاء والديك بمسؤوليتهما تجاهك لا يعد من الإحسان، فإذا أوفيا بمسؤوليتهما تجاه زهرة أو نبتة وسقياها أو سمّداها، فهل يعد ذلك من الإحسان؟ (كلا). هذا أبعد من أن يكون إحسانًا. تنمو الزهور والنباتات بشكل أفضل في الخارج؛ إذا كانت مزروعة في التربة، تزدهر مع الرياح والشمس ومياه الأمطار. إنها لا تنمو بشكل جيد عندما تُزرع في أصيص في الداخل كما تنمو في الخارج، ولكن أينما كانت، فهي تعيش، أليس كذلك؟ أيًا كان مكان وجودها، فقد قدّر الله ذلك. أنت شخص حي، والله يتحمل مسؤولية كل حياة، ويجعلها قادرة على البقاء، والالتزام بالقانون الذي تلتزم به جميع الكائنات المخلوقة. لكنك تعيش كإنسان في البيئة التي يربيك أبواك فيها، لذا يجب أن تنمو وتعيش في تلك البيئة. إن حياتك في تلك البيئة هي على نطاقٍ أوسع نتيجة ما قدَّره الله لك، وعلى نطاقٍ أصغر، نتيجة تربية والديك لك، أليس كذلك؟ على أي حال، من خلال تربيتك، يفي والداك بمسؤولية والتزام. إن تربيتك حتى تصبح راشدًا هو التزام ومسؤولية يقعان على عاتقهما، ولا يمكن تسمية ذلك إحسانًا. إذا كان لا يمكن تسميته إحسانًا، أليس هذا شيئًا يجب أن تستمتع به؟ (بلى). هذا نوع من الحقوق التي يجب أن تتمتع بها. ينبغي أن يربيك والداك، لأن الدور الذي تلعبه قبل أن تبلغ سن الرشد هو دور الابن الذي يتم تربيته. لذلك فإن والديك يقومان فقط بنوع من الوفاء بالمسؤولية تجاهك، وأنت تتلقى ذلك فحسب، ولكنك بالتأكيد لا تتلقى منهما نعمة أو إحسانًا. بالنسبة إلى أي مخلوق حي، إنجاب الأطفال ورعايتهم، والتكاثر، وتربية الجيل التالي هو نوع من المسؤولية. على سبيل المثال، يجب على الطيور، والأبقار، والأغنام، وحتى النمور، أن تعتني بصغارها بعد تكاثرها. لا توجد كائنات حية لا تربي صغارها. من الممكن أن تكون هناك بعض الاستثناءات، ولكنها ليست كثيرة. إنها ظاهرة طبيعية في وجود الكائنات الحية، إنها غريزة لدى الكائنات الحية، ولا يمكن أن تُعزى إلى الإحسان. إنها مجرد التزام بقانون وضعه الخالق للحيوان وللبشر. لذا فإن تربية والديك لك ليست نوعًا من الإحسان. وبناءً على هذا، يمكن القول إن والديك ليسا دائنيك. إنهما يفيان بمسؤوليتهما تجاهك. ومهما كان مقدار الجهد والمال الذي ينفقانه عليك، فلا ينبغي لهما أن يطلبا منك تعويضهما، لأن هذه مسؤوليتهما كوالدين. وبما أنها مسؤولية والتزام، فينبغي أن تكون مجانية، ولا ينبغي لهما أن يطلبا منك تعويضًا. من خلال تربيتك، كان والداك يفيان بمسؤوليتهما والتزامهما فحسب، وينبغي أن يكون ذلك دون مقابل، ولا ينبغي أن يكون معاملة تجارية. لذا، لا ينبغي عليك أن تقارب والديك أو تتعامل مع علاقتك معهما على أساس فكرة تعويضهما. أما إذا كنت تعامل والديك وترد لهما إحسانهما وتتعامل مع علاقتك بهما وفق هذه الفكرة، فهذا غير إنساني. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يجعلك هذا مقيدًا ومكبلًا بمشاعرك الجسدية، وسيكون من الصعب عليك الخروج من هذه التشابكات، لدرجة أنك قد تفقد طريقك. إن والديك ليسا دائنيك، لذا فأنت لست ملزمًا بتحقيق جميع توقعاتهما. أنت لست ملزمًا بدفع فاتورة توقعاتهما. وهذا يعني أنه يمكن أن يكون لهما توقعاتهما الخاصة، وأنت لديك اختياراتك الخاصة، وطريق حياتك وقدرك الذي حدده الله لك، والذي لا علاقة له بوالديك. لذا، عندما يقول لك أحد والديك: "أنت ابن غير بار. لم تعد لرؤيتي منذ سنوات عديدة، ومضت أيام عديدة منذ آخر مرة اتصلت بي فيها. أنا مريض وليس هناك من يعتني بي. لقد ربيتك حقًا بلا طائل. أنت حقًا ناكر للجميل غير مبال، وحقير عاق!" إذا كنت لا تفهم الحق القائل بأن "والداك ليسا دائنيك"، فإن سماع هذه الكلمات سيكون مؤلمًا مثل سكين تخترق قلبك، وسيشعر ضميرك بالإدانة. كل كلمة من هذه الكلمات ستنغرس في قلبك، وستجعلك تشعر بالخجل من مواجهة والديك، وبأنك مدين لوالديك، وممتلئ بالذنب تجاههما. عندما يقول والداك إنك ناكر للجميل غير مبال، ستشعر حقًا بهذا: "إنهما محقان تمامًا. لقد ربياني حتى هذا العمر، ولم يتمكنا من الاستمتاع بخيراتي. والآن هما مريضان، وكانا يأملان أن أبقى بجانب سريرهما، وأن أخدمهما وأرافقهما. لقد احتاجا إليّ لأردّ لهما إحسانهما، ولم أكن موجودًا. أنا حقًا ناكر للجميل غير مبال!". ستصنف نفسك باعتبارك ناكرًا للجميل غير مبال؛ هل هذا عقلاني؟ هل أنت ناكر للجميل غير مبال؟ لو لم تغادر منزلك لأداء واجبك في مكانٍ آخر، وبقيت إلى جانب والديك، هل كان بوسعك أن تمنع عنهما المرض؟ (كلا). هل يمكنك التحكم في حياة والديك أو موتهما؟ هل يمكنك التحكم فيما إذا كانا غنيين أو فقيرين؟ (كلا). المرض الذي سيصيب والديك أيًا كان لن يكون بسبب إرهاقهما الشديد من تربيتك، أو لأنهما افتقداك؛ لن يصابا بأي من تلك الأمراض الكبيرة، والخطيرة، وربما القاتلة بسببك. هذا مصيرهما، ولا علاقة له بك. مهما كنت بارًا بوالديك، فإن أقصى ما يمكنك تحقيقه هو تخفيف معاناتهما الجسدية وأعبائهما قليلًا، أما بخصوص متى يمرضان وبأي مرض يصابان ومتى وأين يموتان؛ هل لهذه الأمور علاقة بك؟ لا، ليس لها علاقة بك. إذا كنت ابنًا بارًا بوالديك، إذا لم تكن عاقًا غير مبال، وقضيت اليوم كله معهما واعتنيت بهما، ألن يمرضا؟ ألن يموتا؟ إذا كانا سيمرضان، ألن يمرضا على أي حال؟ إذا كانا سيموتان، ألن يموتا على أي حال؟ أليس هذا صحيحًا؟ إذا قال والداك إنك ناكر للجميل غير مبال، وإنك بلا ضمير، وإنك حقير عاق، هل كنت ستنزعج؟ (نعم). ماذا عن الآن؟ (لن أشعر بالضيق الآن). إذن، كيف حُلت هذه المشكلة؟ (لأن الله عقد شركة حول عدم وجود علاقة لنا بمرض والدينا أو عدم مرضهما، وسواء عاشا أو ماتا، فكل ذلك أمر قدّره الله. فإذا بقينا إلى جانبهما لن نستطيع أن نفعل شيئًا، فإذا قالا إننا ناكرون للجميل غير مبالين، فلا علاقة لنا بهذا). وبغض النظر عما إذا كان والداك ينعتانك بأنك ناكر للجميل غير مبال، فعلى الأقل أنت تقوم بواجب الكائن المخلوق أمام الخالق. ما دمت لست ناكرًا للجميل في نظر الله، فهذا يكفي. لا يهم ما يقوله الناس. ما يقوله والداك عنك ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، وما يقولانه ليس مفيدًا. عليك أن تأخذ كلام الله كأساس لك. إذا قال الله إنك كائن مخلوق بدرجة كافية، فلا يهم إذا قال الناس عنك إنك ناكر للجميل غير مبال، فلا يمكنهم تحقيق أي شيء من ذلك. كل ما في الأمر أن الناس سيتأثرون بهذه الإهانات بسبب تأثير ضمائرهم، أو عندما لا يفهمون الحق وتكون قاماتهم ضئيلة، وسيصبحون في مزاج سيئ، ويشعرون ببعض الاكتئاب، ولكن عندما يعودون أمام الله، سيُحل كل هذا ولن يعود يشكل لهم مشكلة بعد ذلك. ألم تُحَلّ مسألة رد إحسان الوالدين؟ هل تفهمون هذه المسألة؟ (نعم). ما هي الحقيقة التي يجب أن يفهمها الناس هنا؟ تربيتك هي مسؤولية والديك. لقد اختارا أن ينجباك، لذا تقع على عاتقهما مسؤولية وواجب تربيتك. ومن خلال تربيتك حتى تصبح راشدًا، فهما يفيان بمسؤوليتهما والتزامهما. أنت لست مدينًا لهما بأي شيء، لذا لست بحاجة إلى تعويضهما. لا تحتاج إلى تعويضهما؛ وهذا يدل بوضوح على أن والديك ليسا دائنيك، وأنك لست بحاجة إلى أن تفعل لهما شيئًا مقابل إحسانهما. إذا كانت ظروفك تسمح لك بالوفاء بشيء من مسؤوليتك تجاههما، فافعل ذلك. أما إذا كانت بيئتك وظروفك الموضوعية لا تسمح لك بالوفاء بواجبك تجاههما، فلا داعي لأن تفكر كثيرًا في الأمر، ولا ينبغي أن تظن أنك مدين لهما، لأن والديك ليسا دائنيك. بغض النظر عما إذا كنت بارًا بوالديك أو تفي بمسؤوليتك تجاههما، فأنت تتصرف من منظور الابن وتفي بجزء من مسؤوليتك تجاه من أنجباك وربياك. لكنك بالتأكيد لا يمكنك أن تفعل ذلك من منظور تعويضهما، أو من منظور "والداك هما المحسنان إليك وعليك أن ترد إحسانهما، فعليك أن ترد لهما الجميل".

ثمة مقولة في عالم غير المؤمنين: "الغربان ترد الجميل لأمهاتها بإطعامها، والحملان تجثو على ركبتيها لتلقي اللبن من أمهاتها". وهناك أيضًا هذه المقولة: "الشخص غير البار بوالديه أدنى من البهيمة". كمْ يبدو هذان القولان عظيمين! في الواقع، الظواهر التي تذكرها المقولة الأولى، الغربان ترد الجميل لأمهاتها بإطعامها، والحملان تجثو على ركبتيها لترضع اللبن من أمهاتها، موجودة بالفعل، فتلك حقائق. غير أنها مجرد ظواهر في عالم الحيوان. إنها مجرد نوع من القوانين التي وضعها الله لمختلف المخلوقات الحية، والتي تلتزم بها جميع أنواع المخلوقات الحية، ومن بينها البشر. حقيقة أن جميع أنواع المخلوقات الحية تلتزم بهذا القانون توضح أيضًا أن جميع المخلوقات الحية خلقها الله. لا يمكن لأي مخلوق حي أن يخالف هذا القانون، ولا يمكن لأي مخلوق حي أن يتجاوزه. حتى الحيوانات آكلة اللحوم الشرسة نسبيًا مثل الأسود والنمور ترعى صغارها حتى البلوغ ولا تعضها. هذه غريزة حيوانية. جميع الحيوانات، أيًا كان نوعها، سواء كانت شرسة أو لطيفة وودودة، تمتلك هذه الغريزة. لا يمكن لجميع أنواع المخلوقات، بما في ذلك البشر، أن تستمر في التكاثر والبقاء على قيد الحياة إلا بالالتزام بهذه الغريزة وهذا القانون. فإذا لم تلتزم بهذا القانون، أو لم يكن لديها هذا القانون وهذه الغريزة، فلن تكون قادرة على التكاثر والبقاء على قيد الحياة. ما كان ليصبح للسلسلة البيولوجية وجود، ولا لهذا العالم أيضًا. أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). عبارة "الغربان ترد الجميل لأمهاتها بإطعامها، والحملان تجثو على ركبتيها لتلقي اللبن من أمهاتها" تدل تحديدًا على أن عالم الحيوان يلتزم بهذا القانون. كافة أنواع المخلوقات الحية لديها هذه الغريزة. ما أن يولد الصغار، تتولى إناث أو ذكور النوع رعايتها وتربيتها حتى تكبر. وجميع أنواع الكائنات الحية قادرة على الوفاء بمسؤولياتها والتزاماتها تجاه صغارها، وتربية الجيل القادم بضمير وواجب. وينبغي أن يكون هذا هو الحال أكثر في حالة البشر. تطلق البشرية على الإنسان اسم الحيوان الأعلى. فإذا لم يتمكن البشر من الالتزام بهذا القانون، وافتقروا إلى هذه الغريزة، فإنهم يكونون أقل من الحيوانات، أليس كذلك؟ لذا، مهما غمرك والداك بالرعاية أثناء تربيتهما لك، ومهما أوفيا بمسؤوليتهما تجاهك، فإنهما لم يقوما إلا بما يتعين عليهما القيام به في نطاق قدرات الإنسان المخلوق؛ إنها غريزتهما. انظر فحسب إلى الطيور، فهي تبحث باستمرار لأكثر من شهر قبل موسم التزاوج عن مكان آمن لتبني أعشاشها. يخرج ذكور الطيور وإناثها بالتناوب، حاملين أنواعًا مختلفة من النباتات، والريش، والأغصان للبدء في بناء أعشاشها في الأشجار الكثيفة نسبيًا. الأعشاش الصغيرة التي تبنيها مختلف أنواع الطيور كلها متينة ومعقدة إلى حد لا يصدق. تبذل الطيور كل هذا الجهد في صنع الأعشاش وبناء المآوي من أجل صغارها. وبعد أن تبني هذه الطيور أعشاشها ويحين وقت الحضانة، يكون هناك دائمًا طائر في كل عش؛ حيث يتناوب الذكر والأنثى من الطيور على مدار 24 ساعة في اليوم، وهما منتبهان بشكل لا يصدق؛ فعندما يعود أحدهما، يطير الآخر بعد فترة وجيزة. وبعد ذلك بوقت قصير، تفقس بعض الفراخ وتخرج رؤوسها من بيضها، ويمكنك سماعها وهي تبدأ في الزقزقة في أشجارها. تطير الطيور البالغة ذهابًا وإيابًا، فتعود الآن لتطعم فراخها بعض الديدان، وتعود مرة أخرى لتطعمها شيئًا آخر، مظهرةً بذلك انتباهًا مذهلًا. وبعد بضعة أشهر، تكون بعض صغار الطيور قد نمت قليلًا، وتستطيع أن تقف على حافة أعشاشها وترفرف بأجنحتها؛ ويطير والداها ذهابًا وإيابًا، يتناوبان على إطعام فراخهما وحراستها. في إحدى السنوات، رأيت غرابًا في السماء يحمل فرخًا في فمه. كان ذلك الفرخ يصرخ صراخًا بائسًا جدًا، مستغيثًا بشكل ما. كان الغراب في المقدمة وهو يطير والفرخ في فمه، وكان هناك زوج من الطيور البالغة يطاردانه. كان هذان الطائران أيضًا يصرخان بشكل بائس، وفي النهاية طار الغراب بعيدًا. كان الفرخ على الأرجح سيموت على أي حال، سواء تمكن والداه من اللحاق بالغراب أم لا. أما الطائران البالغان اللذان كانا يطيران خلفه فقد صاحا وصرخا كثيرًا لدرجة أنهما أزعجا الناس على الأرض؛ ما مدى بؤس صراخهما في رأيك؟ في الواقع، لم يكن لديهما بالتأكيد صغير واحد فقط. لا بد أنه كان لديهما ثلاثة أو أربعة أفراخ في عشهما، ولكن عندما كان أحدها يُحمل بعيدًا، طارا خلفه وكانا يصيحان ويصرخان. هكذا هو عالم الحيوان والعالم البيولوجي؛ فالمخلوقات الحية قادرة على رعاية صغارها دون كلل أو ملل. تعود الطيور وتبني أعشاشًا جديدة كل عام، وتفعل نفس الأشياء كل عام؛ فهي تحتضن فراخها، وتطعمها، وتعلمها كيف تطير. وبينما تتدرب الفراخ على الطيران، فإنها لا تطير عاليًا، وأحيانًا تسقط على الأرض؛ حتى أننا أنقذناها عدة مرات، وسارعنا إلى إعادتها إلى أعشاشها. يعلمها والداها كل يوم، وذات يوم ستغادر جميع تلك الفراخ أعشاشها وتطير بعيدًا، تاركة وراءها أعشاشًا فارغة. وفي العام التالي، ستأتي أزواج جديدة من الطيور لتبني أعشاشها، وتحتضن بيضها، وتربي فراخها. تمتلك جميع أنواع المخلوقات والحيوانات الحية هذه الغرائز والقوانين، وتلتزم بها التزامًا تامًا، وتنفذها على أكمل وجه. وهذا شيء لا يمكن لأي شخص أن يفسده. هناك أيضًا بعض الحيوانات الخاصة، مثل النمور والأسود. عندما تصل هذه الحيوانات إلى مرحلة البلوغ، فإنها تترك والديها، بل إن بعض الذكور تصبح متنافسة، وتعض، وتتصارع، وتتقاتل حسب الضرورة. هذا أمر طبيعي، إنه قانون. لا تتحكم بهم مشاعرهم، ولا تعيش بمشاعرها كما يفعل البشر، فتقول: "يجب أن أردّ لهما إحسانهما، يجب أن أكافئهما؛ يجب أن أطيع والديّ. إن لم أظهر لهما بر الوالدين، سيدينني الآخرون، ويوبخونني، وينتقدونني من وراء ظهري. لا يمكنني تحمل ذلك!" لا تُقال مثل هذه الأشياء في عالم الحيوان. لماذا يقول الناس مثل هذه الأشياء؟ لأن هناك العديد من الأفكار والتوافقات غير الصحيحة في المجتمع وداخل مجموعات الناس. بعد أن يتأثر الناس بهذه الأشياء ويتآكلون ويتعفنون بها، تنشأ في داخلهم طرق مختلفة لتفسير العلاقة بين الوالدين والأبناء والتعامل معها، ويتعاملون في النهاية مع والديهم على أنهما دائنان؛ دائنان لن يستطيعا أبدًا رد جميلهما طيلة حياتهم، بل إن بعض الأشخاص يشعرون بالذنب طيلة حياتهم بعد وفاة والديهم، ويعتقدون أنهم لا يستحقون عطف والديهم، بسبب شيء واحد فعلوه لم يسعد والديهم أو لم يسر على النحو الذي أراده والديهم. أخبرني، أليس هذا مبالغًا فيه؟ يعيش الناس وسط مشاعرهم، فلا يمكن سوى لتلك الأفكار المختلفة النابعة من هذه المشاعر أن تتسلل إليهم تدريجيًا وتزعجهم. يعيش الناس في بيئة تلوثها أيديولوجية البشرية الفاسدة، فتتسلل إليهم مختلف الأفكار المغلوطة وتزعجهم، مما يجعل حياتهم مرهقة وأقل بساطة من حياة الكائنات الحية الأخرى. ومع ذلك، نظرًا لأن الله يعمل في الوقت الحالي، ولأنه يعبّر عن الحق ليخبر الناس بحقيقة كل هذه الحقائق، وليمكنهم من فهم الحق، فبعد أن تتوصل إلى فهم الحق، لن تعود هذه الأفكار والآراء الخاطئة تثقل كاهلك، ولن تكون بمثابة دليل لك فيما يتعلق بكيفية تعاملك مع علاقتك مع والديك. ستصبح حياتك أكثر استرخاءً في هذه المرحلة. لا يعني أن تعيش حياة أكثر استرخاءً أنك لن تعرف ما هي مسؤولياتك والتزاماتك؛ ستظل تعرف هذه الأشياء. يعتمد الأمر فحسب على المنظور والطرق التي تختارها للتعامل مع مسؤولياتك والتزاماتك. أحد الطرق هو أن تسلك طريق المشاعر، وأن تتعامل مع هذه الأمور بناءً على الوسائل العاطفية، والأساليب والأفكار والآراء التي يوجه الشيطان الإنسان نحوها. والطريق الآخر هو التعامل مع هذه الأمور بناءً على الكلمات التي علَّمها الله للإنسان. عندما يتعامل الناس مع هذه الأمور وفقًا لأفكار الشيطان وآرائه الخاطئة، فإنهم لا يستطيعون العيش إلا في إطار تشابكات مشاعرهم، ولا يستطيعون أبدًا التمييز بين الصواب والخطأ. وفي ظل هذه الظروف، لا يكون أمامهم خيار سوى العيش في فخ، عالقين دائمًا في أمور مثل: "أنت على حق، وأنا على خطأ. أنت أعطيتني أكثر؛ وأنا أعطيتك أقل. أنت ناكر للجميل. أنت تجاوزت الحدود". وبالتالي، لا يوجد أبدًا وقت يتحدثون فيه بوضوح. ولكن، بعد أن يفهم الناس الحق، وعندما يهربون من أفكارهم وآرائهم المغلوطة، ومن المشاعر المتشابكة، تصبح هذه الأمور بسيطة بالنسبة إليهم. ستصبح حياتك هادئة جدًا إذا التزمت بأحد مبادئ الحق، أو فكرة أو وجهة نظر صحيحة تأتي من عند الله. لن يعيق الرأي العام، ولا وعي ضميرك، ولا عبء مشاعرك، كيفية تعاملك مع علاقتك بوالديك بعد الآن؛ بل على النقيض من ذلك، ستمكنك هذه الأمور من مواجهة هذه العلاقة بطريقة صحيحة وعقلانية. إذا تصرفت وفقًا لمبادئ الحق التي منحها الله للإنسان، حتى لو انتقدك الناس من وراء ظهرك، ستظل تشعر بالسلام والهدوء في أعماق قلبك، ولن يكون لذلك أي تأثير عليك. على أقل تقدير، لن توبخ نفسك لكونك ناكرًا للجميل، ولن تشعر بتأنيب ضميرك بعد الآن في أعماق قلبك. هذا لأنك ستعرف أن جميع تصرفاتك تتم وفقًا للطرق التي علمك الله إياها، وأنك تستمع إلى كلام الله، وتخضع له، وتتبع طريقه. إن الاستماع إلى كلام الله واتباع طريقه هو حس الضمير الذي يجب أن يتحلى به الناس أكثر من أي شيء. لن تكون شخصًا حقيقيًا إلا عندما تستطيع القيام بهذه الأمور. وإذا لم تكن قد أنجزت هذه الأمور، فأنت ناكر للجميل غير مبال. أليس هذا هو الحال؟ (إنه كذلك). هل ترى هذا الأمر بوضوح الآن؟ إن رؤية الأمر بوضوح ما هو إلا جانب واحد من هذا الأمر؛ أما إذا تمكن الناس من أن يدركوا حقيقة هذا الأمر تدريجيًا وأن يمارسوا الحق، فهذا جانب آخر مختلف. يجب على الناس أن يختبروا الأمور لفترة من الزمن من أجل رؤية هذا الأمر بوضوح. إذا أراد الناس أن يروا هذه الحقيقة وهذا الجوهر بوضوح، وأن يصلوا إلى النقطة التي يتعاملون فيها مع الأمور بمبادئ، فلا يمكن تحقيق هذا في وقت قصير، لأنه يجب على الناس أولًا أن يتخلصوا من تأثير كافة أنواع الأفكار والآراء الخاطئة والشريرة. ثمة جانب آخر أكثر أهمية، وهو أنه يجب أن يكونوا قادرين على التخلص من قيود ضمائرهم ومشاعرهم وتأثيرها؛ وبصفة خاصة، يجب أن يجتازوا عقبة مشاعرهم الخاصة. هب أنك تقر نظريًا بأن كلمة الله هي الحق وأنها صحيحة، وتعرف نظريًا أن الأفكار والآراء الخاطئة التي يغرسها الشيطان في الناس ليست صائبة، لكنك لا تستطيع تجاوز عقبة مشاعرك، وتشعر دائمًا بشعور سيئ بسبب والديك، معتقدًا أنهما قد أظهرا لك الكثير من الإحسان، وأنهما قد بذلا، وفعلا، وعانيا الكثير من أجلك، وأن ظلال كل ما فعله والداك من أجلك، وكل ما قالاه، وحتى كل ثمن دفعاه من أجلك، لا تزال حية في ذهنك. ستكون كل عقبة من هذه العقبات منعطفًا مهمًا للغاية بالنسبة إليك، ولن يكون من السهل عليك تجاوزها. في واقع الأمر، ستكون العقبة الأصعب بالنسبة إليك هي أنت نفسك. إذا استطعت تجاوز العقبة تلو الأخرى، فستتمكن من التخلي تمامًا من أعماق قلبك عن المشاعر التي تكنها تجاه والديك. أنا لا أعقد شركة حول هذا الأمر لأجعلك تخون والديك، وبالتأكيد لا أفعل ذلك لأجعلك ترسم حدودًا بينك وبين والديك؛ نحن لا نبدأ حركة، ولا داعي لرسم أي حدود. أنا أعقد شركة حول هذا الأمر لمجرد أن أنقل لك الفهم الصحيح لهذه الأمور، ولكي أساعدك على قبول الفكرة والرؤية الصحيحتين. بالإضافة إلى ذلك، أنا أعقد شركة حول هذا حتى لا تنزعج من هذه الأمور عندما تحدث لك، أو تتقيد بها، والأهم من ذلك أنه عندما تواجه هذه الأمور، لن تؤثر على أدائك لواجبك ككائن مخلوق. بهذه الطريقة ستحقق شركتي هدفها. بالطبع، هل يمكن للناس الذين يعيشون بالجسد أن يصلوا إلى النقطة التي لا يحملون فيها أيًا من هذه الأشياء في أذهانهم، ولا توجد بينهم وبين والديهم أي تشابكات عاطفية؟ سيكون ذلك مستحيلًا. في هذا العالم، إلى جانب الوالدين، الناس لديهم أيضًا أولادهم؛ وهاتان هما أقرب علاقتين جسديتين بين الناس. من المستحيل قطع العلاقة بين الوالدين والابن تمامًا. أنا لا أحاول أن أجعلك تتخذ إجراء الإعلان عن أنك ستقطع علاقتك بوالديك، وأنك لن ترتبط بهما بعد ذلك. أنا أحاول مساعدتك على التعامل مع علاقتكما بالطريقة الصحيحة. هذه الأمور صعبة، أليس كذلك؟ مع تعمق فهمك للحق، ومع تقدمك في العمر، ستقل صعوبة هذه الأمور وتتراجع تدريجيًا. عندما يكون الناس في العشرينات من العمر، يشعرون بمستوى مختلف من التعلق بوالديهم مقارنةً بما يشعرون به عندما يبلغون الثلاثين أو الأربعين من العمر. ويصبح هذا التعلق أكثر خفوتًا بعد بلوغهم سن الخمسين، ولا داعي للحديث عن الأمر عند بلوغ الناس سن الستين أو السبعين. بحلول ذلك الوقت، يكون التعلق أخف وطأة؛ فهو يتغير كلما تقدم الناس في العمر.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.