كيفية السعي إلى الحق (16) الجزء الثاني
لقد عقدنا شركة للتو عن الكيفية التي غالبًا ما تجعل بها العائلة المرء يشعر بالحيرة وعدم الارتياح. إنه يريد أن يتخلى تمامًا، لكنه يشعر بتأنيب الضمير ولا يملك الشجاعة لذلك. إذا لم يتخل، بل استثمر بكل إخلاص في عائلته واندمج معهم، فإنه غالبًا ما يشعر بالحيرة تجاه ما يتعين عليه فعله، لأن بعض وجهات نظره تتعارض مع وجهات نظر عائلته. لذا، يشعر الناس بصعوبة شديدة في التعامل مع عائلاتهم؛ فهم لا يستطيعون الوصول إلى توافق تام معهم، لكنهم أيضًا لا يستطيعون الاستغناء عنهم تمامًا. دعونا اليوم إذن نعقد شركة حول الكيفية التي يجب على المرء أن يتعامل بها مع علاقته بعائلته. ينطوي هذا الموضوع على بعض الأعباء التي تأتي من عائلته، وهو الموضوع الثالث في محتوى التخلي عن العائلة؛ أي تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من أسرته. هذا موضوع مهم. ما هي بعض الأشياء التي يمكنكم أن تفهموها فيما يتعلق بالأعباء التي تأتي من الأسرة؟ هل تتعلق بمسؤوليات المرء، والتزاماته، وبر الوالدين، وما إلى ذلك؟ (نعم). تتضمن الأعباء التي تأتي من الأسرة المسؤوليات، والالتزامات، وبر الوالدين التي يجب على المرء الوفاء بها تجاه عائلته. من ناحية، هذه هي المسؤوليات والالتزامات التي يجب على المرء الوفاء بها، ولكن من ناحية أخرى – في ظروف معينة ومع أفراد معينين – تصبح اضطرابات في حياة الشخص، وهذه الاضطرابات هي ما نسميها الأعباء. عندما يتعلق الأمر بأعباء العائلة، يمكننا مناقشتها من جانبين. الجانب الأول هو توقعات الوالدين. كل والد أو مسن لديه توقعات متفاوتة، كبيرة وصغيرة، من أبنائه. إنه يأمل أن يجتهد أبناؤه في الدراسة ويحسنوا السلوك ويتفوقوا في المدرسة ويكونوا طلابًا ممتازين ولا يتقاعسوا. يريد أن يحظى أطفاله باحترام المعلمين وزملائهم في الفصل، وأن تكون درجاتهم أعلى من 80 باستمرار. إذا حصل الطفل على 60، فسيُضرب، وإذا حصل على أقل من 60، فيجب أن يواجه الحائط ويفكر في أخطائه، أو يتم إجباره على الوقوف دون حراك كعقاب له. لن يُسمح له بتناول الطعام، أو النوم، أو مشاهدة التلفاز، أو اللعب على الكمبيوتر، ولن تُشترى له الملابس والألعاب الجميلة التي وُعد بها من قبل. كل مجموعة من الآباء والأمهات لديهم توقعات مختلفة لأطفالهم ويعلقون عليهم آمالاً كبيرة. إنهم يأملون أن يكون أولادهم ناجحين في الحياة، وأن يحققوا تقدمًا سريعًا في حياتهم المهنية، وأن يجلبوا الشرف والمجد لأسلافهم وعائلاتهم. لا يريد الآباء لأبنائهم أن يصبحوا متسولين، أو مزارعين، أو لصوصًا وقطاع طرق. وكذلك لا يريد الآباء أن يصبح أبناؤهم مواطنين من الدرجة الثانية بعد دخولهم المجتمع، أو أن ينبشوا القمامة، أو يبيعوا بضاعتهم على الأرصفة، أو أن يكونوا باعة متجولين، أو أن ينظر إليهم الآخرون بازدراء. وبغض النظر عما إذا كانت توقعات الآباء هذه يمكن أن يحققها الأبناء أم لا، على أي حال، فإن الآباء لديهم كل أنواع التوقعات لأبنائهم. إن توقعاتهم هي صورة لما يعتقدون أنها أشياء أو مساعٍ جيدة ونبيلة لأبنائهم، ويمنحونهم الرجاء، آملين أن يتمكنوا من تحقيق هذه الرغبات الأبوية. ماذا تخلق هذه الرغبات من الآباء والأمهات لأبنائهم عن غير قصد إذن؟ (الضغط). إنها تخلق ضغطًا، وماذا أيضًا؟ (الأعباء). إنها تصبح ضغطًا وتصبح أيضًا أغلالًا. بما أن الآباء والأمهات لديهم توقعات لأبنائهم، فإنهم سيؤدبون أبناءهم ويوجهونهم ويعلمونهم وفقًا لتلك التوقعات، بل إنهم سيستثمرون في أبنائهم لتحقيق توقعاتهم، أو يدفعون أي ثمن مقابل ذلك. على سبيل المثال، يأمل الآباء والأمهات أن يتفوق أبناؤهم في المدرسة، وأن يكونوا من الأوائل في الصف، وأن يحصلوا على أعلى من 90 درجة في كل امتحان، وأن يكونوا دائمًا في المركز الأول؛ أو على أسوأ تقدير، ألا يقل ترتيبهم عن المركز الخامس. بعد التعبير عن هذه التوقعات، ألا يقوم الآباء أيضًا ببعض التضحيات في الوقت نفسه لمساعدة أطفالهم على تحقيق هذه الأهداف؟ (بلى). من أجل أن يحقق أطفالهم هذه الأهداف، يستيقظون في الصباح الباكر لمراجعة الدروس وحفظ النصوص، ويستيقظ آباؤهم أيضًا في وقت مبكر لمرافقتهم. في الأيام الحارة، سيساعدون في التهوية على أطفالهم، أو إعداد المشروبات الباردة لهم، أو شراء المثلجات لهم لتناولها. يستيقظون في الصباح الباكر لإعداد حليب الصويا وأصابع العجين المقلية، والبيض لأطفالهم. وأثناء فترة الامتحانات بصفة خاصة، سيجعل الآباء أطفالهم يأكلون أصابع العجين المقلية وبيضتين، على أمل أن يساعدهم ذلك في الحصول على 100 درجة. إذا قلت: "لا يمكنني تناول كل هذا، بيضة واحدة تكفي"، سيقولون: "أيها الطفل السخيف، ستحصل على عشر درجات فقط إذا أكلت بيضة واحدة. تناول بيضة أخرى من أجل أمك. ابذل قصارى جهدك؛ إذا تمكنت من أكل هذه البيضة ستحصل على مائة درجة". يقول الطفل: "لقد استيقظت للتو، لا أستطيع أن آكل بعد". فتقول: "لا، يجب عليك أن تأكل! أحسن السلوك واسمع كلام أمك. أمك تفعل ذلك من أجل مصلحتك، لذا هيا تناولها من أجل أمك". يتأمل الطفل مفكرًا: "أمي تهتم كثيرًا. كل ما تفعله هو لمصلحتي، لذا سآكلها". ما يؤكل هو بيضة، ولكن ما الذي يتم ابتلاعه بالفعل؟ إنه الضغط؛ إنه الرفض وعدم الرغبة. إن الأكل جيد وتوقعات الأم عالية، ومن منطلق الإنسانية والضمير يجب أن يقبلها المرء، ولكن من منطلق العقل، يجب أن يقاوم المرء هذا النوع من الحب ولا يقبل هذا الأسلوب في عمل الأشياء. ولكن، للأسف، ليس ثمة ما يمكنك عمله. إذا لم تأكل ستغضب، وستتعرض للضرب أو التوبيخ أو حتى السب. يقول بعض الآباء: "انظر إلى حالك، أنت عديم الفائدة لدرجة أن أكل بيضة واحدة يتطلب كل هذا الجهد. إصبع العجين المقلي واحد وبيضتين، أليست هذه مائة درجة؟ أليس هذا كله من أجل مصلحتك؟ لكنك لا تزال غير قادر على أكلها؛ إذا لم تستطع أكلها فستستجدي الطعام في المستقبل. افعل ما يحلو لك!". هناك أيضًا بعض الأطفال الذين لا يستطيعون تناول الطعام حقًا، لكن والديهم يجبرونهم على تناول الطعام، وبعد ذلك يتقيأونه كله. التقيؤ في حد ذاته ليس مشكلة كبيرة، لكن والديهم يصبحون أكثر غضبًا، وإلى جانب أن الأطفال لا يتلقون تعاطفًا أو تفهمًا، فإنهم يتعرضون كذلك للتوبيخ. وإلى جانب تعرضهم للتوبيخ، يشعرون أكثر بأنهم خذلوا والديهم ويلومون أنفسهم أكثر. الحياة ليست سهلة لهؤلاء الأطفال، أليس كذلك؟ (إنها ليست سهلة). بعد التقيؤ، تبكي سرًا في الحمام، متظاهرًا بأنك ما زلت تتقيأ. وعندما تخرج من الحمام، تسارع بمسح دموعك، وتتأكد من أن أمك لا ترى ذلك. لماذا؟ إذا رأت، سينالك التوبيخ وحتى السباب: "انظر إليك، كم أنت عديم الفائدة. لماذا تبكي؟ أنت لا تصلح لشيء، أنت لا تستطيع حتى أن تأكل وجبة لذيذة كهذه. ماذا تريد أن تأكل؟ إذا كنت ستُحرم من وجبتك التالية، ستتمكن من تناول هذه الوجبة، أليس كذلك؟ لقد وُلدتَ لتعاني! إذا لم تستذكر باجتهاد، إذا لم تؤد جيدًا في الامتحانات، فسينتهي بك الأمر إلى التسول للحصول على الطعام!". تبدو كل كلمة تنطق بها أمك وكأنها تهدف إلى تعليمك، ولكنها تبدو أيضًا وكأنها توبيخ؛ ولكن ما الذي تشعر به أنت؟ تشعر بتوقعات والديك وحبهما. لذا، في هذا الموقف، مهما كانت قسوة كلام أمك، عليك أن تتقبل كلماتها وتبتلعها والدموع في عينيك. وحتى إذا لم تستطع أن تأكل، فعليك أن تتحمل الأكل، وإذا شعرت بالغثيان، فلا زال عليك أن تأكل. هل هذه الحياة سهلة التحمل؟ (كلا، ليست كذلك). ولم لا؟ ما نوع التربية التي تتلقاها من توقعات والديك؟ (ضرورة الأداء الجيد في الامتحانات وأن يكون لك مستقبل ناجح). يجب أن تكون واعدًا، وعليك أن تكون على قدر محبة أمك وتعبها وتضحياتها، وعليك أن تكون على قدر توقعات والديك وألا تخذلهما. إنهما يحبانك كثيرًا، وقد ضحيا بكل شيء من أجلك، ويبذلان حياتهما ذاتها ليفعلا كل شيء من أجلك. فماذا أصبحت كل تضحياتهما وتربيتهما وحتى محبتهما؟ أصبحت شيئًا يجب عليك أن ترده، وفي الوقت نفسه، أصبحت عبئًا عليك. هكذا ينشأ العبء. وبغض النظر عما إذا كان الوالدان يفعلان هذه الأشياء بدافع الغريزة، أو بدافع الحب، أو بسبب الضرورات المجتمعية، ففي نهاية الأمر، استخدام هذه الأساليب في تربيتك ومعاملتك، وحتى غرس كل أنواع الأفكار فيك، لا يجلب لروحك الحرية، أو التحرر، أو الراحة، أو الفرح. ما الذي تجلبه لك؟ إنه الضغط، إنه الخوف، إنه الإدانة وعدم الارتياح في ضميرك. ماذا أيضاً؟ (الأغلال والقيود). الأغلال والقيود. والأكثر من ذلك أنه في ظل هذه التوقعات من والديك، لا يسعك إلا أن تعيش من أجل تحقيق آمالهما. ولكي تلبي توقعاتهما، ولكيلا تخيبها، ولكيلا تجعلهما يفقدان الأمل فيك، تذاكر كل مادة باجتهاد وضمير كل يوم، وتفعل كل ما يطلبانه منك. لا يسمحان لك بمشاهدة التلفاز، لذلك تقاوم بطاعة مشاهدة التلفاز، على الرغم من أنكَ ترغب في ذلك بشدة. لماذا أنت قادر على المقاومة؟ (خشية أن أخيّب آمال والديّ). أنت تخشى أنك إذا لم تستمع إلى والديك فإن أداءك الأكاديمي سيتراجع حقاً، ولن تتمكن من الالتحاق بجامعة مرموقة. أنت غير متأكد من مستقبلك. يبدو الأمر وكأنك لا تعرف ما الذي ينتظرك في طريقك للمستقبل دون رقابة والديك، وتأنيبهما، وقمعهما. أنت لا تجرؤ على التحرر من قيودهما، ولا تجرؤ على التحرر من أغلالهما. لا يسعك إلا أن تدعهما يضعان لك كافة أنواع القواعد، وتتركهما يتلاعبان بك، ولا تجرؤ على تحديهما. من ناحية، ليس لديك أي يقين بشأن مستقبلك؛ ومن ناحية أخرى، أنت غير راغب في تحديهما ولا ترغب في إيلامهما بوازع من ضميرك وإنسانيتك. تشعر بصفتك ابنًا لهما بأنك يجب أن تستمع إليهما لأن كل ما يفعلانه هو من أجل مصلحتك، ومن أجل مستقبلك، ومن أجل آفاقك. لذا، عندما يضعان لك كل أنواع القواعد، تطيعها بصمت. وحتى لو كان مقدار عدم رغبتك يزيد بمائة ضعف، فإنك لا تزال لا تستطيع إلا أن تطيع أوامرهما. إنهما لا يسمحان لك بمشاهدة التلفاز أو قراءة الكتب الترفيهية، لذلك لا تشاهد ولا تقرأ. لا يسمحان لك بتكوين صداقات مع هذا الزميل أو ذاك، لذلك لا تصادقهما. يخبرانك بوقت الاستيقاظ، فتستيقظ في ذلك الوقت. يخبرانك بوقت الراحة، فتستريح في ذلك الوقت. يخبرانك بكم من الوقت يجب أن تستذكر، فتستذكر ذلك الوقت. يقولان لك عدد الكتب التي يجب أن تقرأها، وعدد المهارات خارج المنهج التي يجب أن تتعلمها، وطالما أنهما يوفران لك الوسائل المالية لتتعلم، فأنت تتركهما يمليان عليك الأشياء ويتحكمان بك. يكون لدى بعض الآباء والأمهات على وجه الخصوص بعض التوقعات الخاصة من أبنائهم، آملين أن يتمكن أبناؤهم من التفوق عليهم، بل أكثر من ذلك، يأملون أن يتمكن أبناؤهم من تحقيق أمنية لم يتمكنوا هم من تحقيقها. على سبيل المثال، ربما أراد بعض الآباء والأمهات أن يصبحوا راقصين، ولكن لأسباب مختلفة – مثل العصر الذي نشأوا فيه أو الظروف العائلية – لم يتمكنوا من تحقيق تلك الأمنية في النهاية. لذا فإنهما يعكسان هذه الأمنية عليك. فبالإضافة إلى أنهما يطلبان منك أن تكون من بين الأفضل في دراستك وأن تلتحق بجامعة مرموقة، فإنهما أيضًا يسجلانك في دروس تعليم الرقص. يجعلانك تتعلم أنماط رقص مختلفة خارج المدرسة، وتتعلم المزيد في صفوف الرقص، وتتدرب أكثر في المنزل، وأن تكون الأفضل على الإطلاق في صفك. وفي النهاية، لا يطالبانك بالقبول في جامعة مرموقة فحسب، بل يطالبانك أيضًا بأن تصبح راقصًا. اختياراتك هي إما أن تصبح راقصًا أو أن تلتحق بجامعة مرموقة، ثم الدراسات العليا، ثم الحصول على درجة الدكتوراه. ليس أمامك سوى هذين الطريقين للاختيار بينهما. في توقعاتهما، يأملان من ناحية أن تجتهد في الدراسة في المدرسة، وتلتحق بجامعة مرموقة، وتبرز بين أقرانك، وتحظى بمستقبل مزدهر ومجيد. ومن ناحية اخرى، يُسقطان رغباتهما التي لم تتحقق عليك، آملين أن تتمكن أنت من تحقيقها نيابة عنهما. وبهذه الطريقة، فيما يتعلق بالدراسة الأكاديمية أو مستقبلك المهني، فإنك تتحمل عبئين في الوقت نفسه. من ناحية، عليك أن ترقى إلى مستوى توقعاتهما وترد لهما كل ما فعلاه من أجلك، وتسعى جاهدًا في النهاية إلى أن تبرز بين أقرانك حتى يتمكنا من الاستمتاع بحياة جيدة. ومن ناحية أخرى، عليك تحقيق أحلامهما التي لم يتمكنا من تحقيقها في شبابهما ومساعدتهما على بلوغ أملهما. إنه أمر مرهق، أليس كذلك؟ (بلى). إن أيًا من هذين العبئين هو أكثر من كافٍ بالفعل لتتحمله، وكلاهما سيثقل كاهلك ويجعلك تلتقط أنفاسك بصعوبة. لا سيما في عصرنا الحالي الذي يشهد منافسة شرسة للغاية، فإن مجموعة المطالب المتنوعة التي يفرضها الآباء على أبنائهم لا تطاق وغير إنسانية؛ إنها غير معقولة على الإطلاق. ماذا يسمي غير المؤمنين هذا؟ ابتزاز عاطفي. أيًا يكن الاسم الذي يطلقه غير المؤمنين على هذا الأمر، فإنهم لا يستطيعون حل هذه المشكلة، ولا يستطيعون شرح جوهر هذه المشكلة بوضوح. إنهم يسمونه ابتزاز عاطفي، لكن ماذا نسميه نحن؟ (أغلال وأعباء). نحن نسميها أعباء. عندما يتعلق الأمر بالأعباء، هل هو شيء يجب أن يحمله الإنسان؟ (كلا). إنه شيء إضافي، شيء زائد تتحمله. إنه ليس جزءًا منك. إنه ليس شيئًا يمتلكه أو يحتاج إليه جسدك وقلبك وروحك، بل هو شيء إضافي. إنه يأتي من الخارج، وليس من داخل نفسك.
لدى والداك جميع أنواع التوقعات لدراستك وخياراتك المهنية. وفي الوقت نفسه، قدما العديد من التضحيات، واستثمرا قدرًا كبيرًا من الوقت والطاقة، حتى يتسنى لك تحقيق توقعاتهما. من ناحية، كان ذلك لمساعدتك على تحقيق أمنياتهما؛ ومن ناحية أخرى، كان ذلك أيضًا لتلبية توقعاتهما الخاصة. وبغض النظر عمّا إذا كانت توقعات والديك معقولة أم لا، فإن هذه السلوكيات من الوالدين إلى جانب آرائهما، ومواقفهما، وأساليبهما هي، باختصار، بمثابة أغلال غير مرئية لكل فرد. وبغض النظر عما إذا كانت ذريعتهما هي حبهما لك، أو آفاقك المستقبلية، أو لتتمكن من أن تعيش حياة جميلة في المستقبل، مهما كانت ذرائعهما، باختصار، فإن الهدف من هذه المطالب، وأساليب هذه المطالب، ونقطة البداية في تفكيرهما هي نوع من العبء على أي فرد. إنها ليست احتياجًا بشريًا. وبما أنها ليست احتياجًا بشريًا، فإن النتائج المترتبة على هذه الأعباء لا يمكن أن تكون سوى تشويه إنسانية الفرد، وتحريفها، وتجزئتها؛ إنها تضطهد إنسانية الفرد، وتؤذيها، وتقمعها. هذه العواقب ليست حميدة، وإنما هي خبيثة، وتؤثر حتى على حياة الإنسان. في دوريهما كأبوين، يطلبان منك القيام بأشياء مختلفة تتعارض مع احتياجات البشرية، أو بعض الأشياء التي تتعارض مع الغرائز الإنسانية أو تتجاوزها. على سبيل المثال، قد يسمح الوالدان لأطفالهما بالنوم لمدة خمس أو ست ساعات فقط في الليلة الواحدة أثناء نموهم. لا يُسمح للأطفال بالراحة قبل الساعة الحادية عشرة مساءً، ويجب أن يستيقظوا في الخامسة صباحًا، ولا يمكنهم القيام بأي أنشطة ترفيهية، ولا يمكنهم الراحة يوم الأحد. يجب عليهم إكمال قدر معين من الواجبات المنزلية والقيام بقدر معين من القراءة خارج المنهج الدراسي، بل ويصر بعض الآباء على ضرورة تعلم أطفالهم لغة أجنبية. باختصار، بالإضافة إلى المقررات التي يتم تدريسها في المدرسة، يجب أيضًا دراسة عدد من المهارات والمعارف الإضافية. وإن لم تدرس، فأنت لست طفلًا صالحًا، أو مطيعًا، أو مجتهدًا، أو عاقلًا، بل أنت شيء لا قيمة له، ولا تصلح لشيء، وأحمق. ومن منطلق أن الآباء يتمنون الأفضل لأبنائهم، يحرمك والداك من حرية النوم، وحرية الطفولة، وأيضًا من اللحظات السعيدة في الطفولة، وفي الوقت نفسه يحرمانك من جميع أنواع الحقوق التي يجب أن تتمتع بها كطفل قاصر. على أقل تقدير، عندما يحتاج جسمك إلى الراحة – على سبيل المثال، تحتاج من سبع إلى ثمان ساعات من النوم ليتعافى جسمك – لا يتركانك تستريح سوى لمدة خمس إلى ست ساعات فحسب، أو أحيانًا تنام بالفعل من سبع إلى ثمان ساعات، ولكن ثمة شيء واحد لا يمكنك تحمله، وهو أن والديك سيزعجانك بلا انقطاع، أو سيقولان لك أشياء مثل: "من الآن فصاعدًا، ليس عليك الذهاب إلى المدرسة. فقط ابقَ في المنزل ونم! نظرًا لأنك تحب النوم، يمكنك النوم طوال حياتك في المنزل. بما أنك لا تريد الذهاب إلى المدرسة، ستتسول الطعام في المستقبل!". لم تستيقظ مبكرًا هذه المرة الوحيدة وتُعامل بهذه الطريقة؛ أليست هذه معاملة غير إنسانية؟ (بلى). لذا، لتتجنب مثل هذا الموقف المحرج، ولا يسعك إلا أن تتنازل وتكبح جماح نفسك؛ فتحرص على الاستيقاظ في الخامسة صباحًا، ولا تذهب إلى الفراش إلا بعد الحادية عشرة مساءً. فهل تقيد نفسك هكذا بإرادتك؟ هل أنت راض عن فعل ذلك؟ كلا، بل ليس لديك خيار آخر. فإذا لم تفعل ما يطلبه منك والداك فقد يرمقانك بنظرات ازدراء أو يوبخانك. لن يضرباك، بل سيقولان لك: "لقد ألقينا حقيبتك المدرسية في سلة المهملات. ليس عليك الذهاب إلى المدرسة بعد الآن. فقط ابقَ هكذا. عندما تبلغ الثامنة عشرة، يمكنك أن تصبح جامع قمامة!". وبهذا الطوفان من الانتقادات، لا يضربانك ولا يوبخانك، لكنهما يستفزانك بهذه الطريقة، وأنت لا تستطيع تحمل ذلك. ما الذي لا يمكنك تحمله؟ لا يمكنك تحمل أن يقول لك والداك: "إذا نمت ساعة أو ساعتين إضافيتين، ستضطر إلى التسول للحصول على الطعام كمتشرد في المستقبل". تشعر في أعماقك بعدم الارتياح والحزن الشديدين تجاه نومك هاتين الساعتين الإضافيتين. تشعر بأنك مدين لوالديك مقابل هاتين الساعتين الإضافيتين من النوم، وبأنك قد خذلتهما بعد كل العمل الشاق الذي استثمراه فيك على مدار سنوات عديدة، بالإضافة إلى اهتمامهما الشديد بك. تكره نفسك وتفكر: "لماذا أنا عديم الجدوى؟ ماذا يمكنني أن أفعل بساعتين إضافيتين من النوم؟ هل ستحسن من درجاتي أو تساعدني على الالتحاق بجامعة مرموقة؟ كيف يمكنني أن أكون غير واعٍ إلى هذا الحد؟ عندما يرن المنبه، يجب أن أستيقظ فحسب. لماذا غفوت لفترة أطول؟". تفكر في الأمر مليًا وتقول: "إنني متعب حقًا. أحتاج حقًا إلى الراحة!". ثم تفكر أكثر: "لا يمكنني التفكير بهذه الطريقة. أليس التفكير بهذه الطريقة تحديًا لوالديّ؟ إذا فكرت بهذه الطريقة، ألن أصبح حقًا متسولًا في المستقبل؟ التفكير بهذه الطريقة هو خذلان لوالديّ. يجب أن أستمع إليهما وألا أكون عنيدًا إلى هذا الحد". وفي ظل العقوبات والقواعد المختلفة التي يضعها والداك، وكذلك مطالبهما المختلفة – سواء كانت معقولة أو غير معقولة – تصبح تدريجيًا أكثر إذعانًا، ولكن في الوقت نفسه، يصبح كل ما يفعله والداك لك دون أن تدري أغلالًا وعبئًا عليك. ومهما حاولت، لن تتمكن من التخلص منه أو الاختباء منه؛ لا يمكنك سوى حمل هذا العبء أينما ذهبت. أي عبء ذاك؟ "إن كل ما يفعله والداي هو من أجل مستقبلي. أنا صغير وجاهل، لذا يجب أن أستمع إلى والديّ. كل ما يفعلانه صحيح وصالح. لقد عانيا كثيرًا واستثمرا الكثير من أجلي. يجب أن أعمل بكد من أجلهما، وأن أدرس باجتهاد، وأجد وظيفة جيدة في المستقبل وأكسب المال لأعيلهما وأوفر لهما حياة طيبة، وأرد لهما الجميل. هذا ما يجب أن أفعله وما يجب أن أفكر فيه". لكن عندما تفكر في الطرق التي عاملك بها والديك، وعندما تتذكر السنوات الصعبة التي مررت بها، والطفولة السعيدة التي فقدتها، والابتزاز العاطفي من قبل والديك بصفة خاصة، فإنك لا تزال تشعر في أعماقك أن كل ما فعلاه لم يكن من أجل احتياجاتك الإنسانية، ولا من أجل احتياجات روحك. لقد كان عبئًا. وعلى الرغم من أنك تفكر بهذه الطريقة، فإنك لم تجرؤ أبدًا على الكراهية، ولم تجرؤ أبدًا على مواجهة الأمر بشكل صحيح ومباشر، ولم تجرؤ أبدًا على أن تفحص بعقلانية كل ما فعله والداك أو موقفهما تجاهك بالطريقة التي أمرك الله بها. لم تجرؤ أبدًا على معاملة والديك بالطريقة الصحيحة، أليس كذلك؟ (بلى). وحتى الآن، في مسائل الدراسة واختيار المهنة، هل أدركتم الجهد والثمن الذي دفعه آبائكم من أجلكم، وما يطلبون منكم أن تفعلوه وما يدعون أن عليكم أن تسعوا إليه؟ (لم أميز هذه الأمور من قبل وظننت أن ما فعله والداي كان بدافع المحبة لي ولتحسين مستقبلي. والآن، بعد شركة الله أصبح لدي بعض التمييز، لذا لا أرى الأمر على هذا النحو). إذن، ماذا وراء هذه المحبة؟ (أغلال، وعبودية، وعبء). إنه في الحقيقة حرمان من حرية الإنسان وحرمان من سعادة الطفولة؛ إنه كبت غير إنساني. لو سُمِّيَ إساءة معاملة، قد لا تستطيعون أن تتقبلوا هذا المصطلح من منظور ضمائركم؛ لذا يمكن وصفه فحسب بأنه حرمان من الحرية الإنسانية وسعادة الطفولة، كما أنه شكل من أشكال قمع القاصرين. إذا أردنا أن نقول إنه تنمر، فلن يكون ذلك مناسبًا تمامًا. كل ما في الأمر أنك صغير وجاهل، وهما لهما القول الفصل في كل شيء. لديهما سيطرة كاملة على عالمك وأنت أصبحت دميتهما عن غير قصد. إنهما يخبرانك بما يجب عليك فعله فتفعله. إذا كانا يريدانك أن تدرس الرقص، فعليك أن تدرسه. إذا قلت لهما: "أنا لا أحب دراسة الرقص؛ فأنا لا أستمتع به، ولا أستطيع مواكبة الإيقاع، ولديّ توازن سيئ"، سيقولان لك: "يا للأسف. عليك أن تدرسه لأنني أحبه. عليك أن تدرسه من أجلي!". عليك أن تدرس حتى لو كنت تبكين. بل إن أمك ستقول لك في بعض الأحيان: "ادرس الرقص من أجل أمك، استمع إلى ما تقوله أمك. أنت صغير الآن ولا تفهم، ولكن عندما تكبر ستفهم. أنا أفعل هذا لمصلحتك؛ كما ترى، لم يكن لديَّ الموارد عندما كنت صغيرة، لم يدفع لي أحد لأتلقى دروس الرقص. لم تحظ أمك بطفولة سعيدة. ولكن أنت تنعم بطفولة سعيدة للغاية الآن. أنا ووالدك نكسب وندخر المال حتى تتمكن من دراسة الرقص. أنت مثل أميرة صغيرة، أمير صغير. أنت محظوظ جداً! والدك ووالدتك يفعلان ذلك لأننا نحبك". كيف تستجيب عندما تسمع هذا؟ تعجز عن الكلام، أليس كذلك؟ (بلى). غالبًا ما يعتقد الآباء والأمهات أن الأطفال لا يفهمون أي شيء، وأن كل ما يقوله الكبار صحيح؛ فهم يعتقدون أن الأطفال لا يستطيعون تمييز الصواب من الخطأ أو التدقيق فيما هو صحيح بأنفسهم. لذا، قبل أن يبلغ أطفالهم سن الرشد، غالبًا ما يقول الآباء والأمهات أشياء لا يثقون فيها حتى هم أنفسهم لتضليل أطفالهم وتخدير قلوبهم الصغيرة، مما يجبر أطفالهم، طوعًا أو كرهًا، على الامتثال لترتيباتهم دون أي اختيار. وكثير من الآباء والأمهات، عندما يتعلق الأمر بالتعليم، وغرس الأفكار، وبعض الأمور التي يطلبون من أبنائهم القيام بها، غالبًا ما يبررون لأنفسهم ويقولون كل ما يريدون. علاوة على ذلك، فإن 99.9 بالمائة من الآباء والأمهات لا يستخدمون الأساليب الصحيحة والإيجابية لتوجيه أطفالهم بشأن كيفية القيام بكل شيء وفهمه. إنهم بدلًا من ذلك يغرسون بالقوة تفضيلاتهم الأحادية الجانب والأشياء التي يعتقدون أنها صالحة في أطفالهم ويجبرونهم على قبولها. بالطبع، 99.9 بالمائة من الأشياء التي يقبلها الأطفال ليس فقط أنها لا تتوافق مع الحق، بل إنها أيضًا ليست الأفكار والآراء التي يجب أن تكون لدى الناس. وفي الوقت نفسه، هي أيضًا لا تتوافق مع الاحتياجات الإنسانية للأطفال في هذا العمر. على سبيل المثال، بعض الأطفال في سن الخامسة أو السادسة يلعبون بالدمى، أو ينطون الحبل، أو يشاهدون الرسوم المتحركة. أليس هذا طبيعيًا؟ ما هي مسؤوليات الوالدين الوحيدة في هذه الحالة؟ الإشراف والتنظيم والتوجيه الإيجابي، ومساعدة أطفالهم على عدم تقبل الأشياء السلبية في هذه الفترة، وتركهم يتقبلون الأشياء الإيجابية التي يجب أن تتقبلها هذه الفئة العمرية. على سبيل المثال، يجب أن يتعلموا في هذه المرحلة العمرية كيف يتعايشون مع الأطفال الآخرين، وأن يحبوا عائلتهم ويحبوا أمهم وأبوهم. يجب على الآباء والأمهات تعليمهم بشكل أفضل، وجعلهم يفهمون أن الإنسان يأتي من الله، وأن عليهم أن يكونوا أطفالًا صالحين، وأن يتعلموا الاستماع إلى كلام الله، والصلاة عندما يضطربون أو يترددون في الطاعة، وغير ذلك من الجوانب الإيجابية المشابهة في التربية؛ أما الباقي فهو إشباع اهتماماتهم الطفولية. على سبيل المثال، لا ينبغي لوم الأطفال على رغبتهم في مشاهدة الرسوم المتحركة واللعب بالدمى. فبعض الآباء والأمهات يرون أطفالهم الذين يبلغون من العمر خمس أو ست سنوات يشاهدون الرسوم المتحركة ويلعبون بالدمى فيوبخونهم: "أنت عديم الفائدة! أنت لا تركز على الدراسة أو القيام بعمل مناسب في هذا العمر. ما فائدة مشاهدة الرسوم المتحركة؟ إنها كلها مجرد فئران وقطط، ألا يمكنك القيام بشيء أفضل؟ هذه الرسوم المتحركة كلها عن الحيوانات، ألا يمكنك مشاهدة شيئًا فيه بشر؟ متى ستكبر؟ ارم تلك الدمية بعيدًا! أنت أكبر سنًّا من أن تلعب بالدمى. أنت عديم الفائدة!". هل تعتقد أن الأطفال يمكنهم فهم ما يعنيه الكبار عندما يسمعون هذا الكلام؟ ماذا يمكن أن يفعل طفل في هذا العمر إن لم يكن يلعب بالدمى أو الطين؟ هل يجب أن يصنع القنبلة الذرية؟ أو يكتب البرمجيات؟ هل هم قادرون على ذلك؟ في هذا العمر، يجب أن يلعبوا بأشياء مثل المكعبات والسيارات اللعبة والدمى؛ هذا أمر طبيعي. وعندما يتعبون من اللعب، يجب أن يستريحوا ويكونوا أصحاء وسعداء. عندما يتصرفون بعناد أو عندما يصبحون غير قادرين على التعقل، أو عندما يتسببون في المشكلات عمدًا، يجب على الكبار تعليمهم: "أنت تتصرف بطيش. لا ينبغي للطفل الصالح أن يتصرف بهذه الطريقة. إن الله لا يحب ذلك، وأمك وأبيك لا يحبان ذلك أيضًا". تقع على عاتق الوالدين مسؤولية تقديم النصح لأطفالهم، وليس استخدام أساليبهم ورؤيتهم الخاصة بالكبار، إلى جانب رغبات الكبار وطموحاتهم، لغرس أو فرض شيء ما عليهم. وبغض النظر عن عمر الأبناء، فإن المسؤوليات التي يجب على الآباء والأمهات القيام بها تجاه أبنائهم هي ببساطة تقديم التوجيه الإيجابي، والتربية، والإشراف، ثم المشورة. عندما يرى الآباء والأمهات أبناءهم يُظهرون بعض الأفكار والممارسات والسلوكيات المتطرفة، عليهم أن يقدموا لهم النصح والإرشاد الإيجابي لتقويمهم، وإعلامهم بما هو صالح وما هو سيئ، وما هو إيجابي وما هو سلبي. هذه هي المسؤولية التي يجب على الوالدين الاضطلاع بها. بهذه الطريقة، سيتعلم الأطفال دون وعي، من خلال الأساليب السليمة للتربية والتوجيه من الوالدين، أشياء كثيرة لم يكونوا يعرفونها من قبل. وهكذا، عندما يتقبل الناس العديد من الأشياء الإيجابية ويتعلمون قليلًا عن الصواب والخطأ منذ الصغر، ستكون روحهم وإنسانيتهم طبيعية وحرة؛ ولن تتعرض روحهم لأي ضرر أو كبت. وبغض النظر عن صحتهم الجسدية، فعلى الأقل سيكون عقلهم سليمًا وغير مشوه، لأنهم نشأوا في بيئة تربوية حميدة، ولم يكونوا مكبوتين داخل بيئة خبيثة. ومع نمو الأبناء، فإن المسؤوليات والالتزامات التي يجب على الآباء والأمهات القيام بها هي عدم الضغط على أبنائهم أو تقييدهم أو التدخل في اختياراتهم وإضافة عبء تلو الآخر عليهم. وبدلًا من ذلك فإن مسؤولية الوالدين مع نمو الأبناء – أيًا كانت شخصية الأبناء ومستويات قدراتهم – هي توجيههم في الاتجاه الإيجابي الحميد. وعندما تظهر من أبنائهم لغة أو سلوكيات أو أفكار غريبة وغير لائقة، يجب على الوالدين تقديم الإرشاد الروحي، والتوجيه السلوكي، والتقويم في الوقت المناسب. أما فيما يتعلق بمدى رغبة أبنائهم في الدراسة، ومدى جودة دراستهم، ومدى اهتمامهم بتعلم المعرفة والمهارات، وما يمكن أن يفعلوه عندما يكبرون، فيجب أن تتناسب مع استعداداتهم وميولهم الطبيعية، وتوجه اهتماماتهم، وبالتالي السماح لهم بالنمو بشكل صحي وحُر وقوي خلال عملية تربيتهم؛ هذه هي المسؤولية التي يجب على الوالدين الاضطلاع بها. وعلاوة على ذلك، هذا هو الموقف الذي يجب أن يتبناه الآباء تجاه نمو أطفالهم ودراستهم وحياتهم المهنية، بدلًا من فرض رغباتهم، وتطلعاتهم، وتفضيلاتهم، وحتى أمنياتهم على أطفالهم لكي يحققوها. بهذه الطريقة، من ناحية، لا يضطرُّ الآباء والأمهات إلى تقديم تضحيات إضافية؛ ومن ناحية أخرى، يمكن للأبناء أن ينموا بحرية ويكتسبوا ما يجب أن يتعلموه من تربية آبائهم الصحيحة والسليمة. أهم نقطة هي أن يعامل الآباء والأمهات أطفالهم بشكل صحيح وفقًا لمواهبهم، واهتماماتهم، وإنسانيتهم؛ فإذا عاملوا أطفالهم وفقًا لمبدأ أن "مصائر الناس بيد الله"، فإن النتيجة النهائية ستكون بلا شك نتيجة إيجابية. إن معاملة الأبناء وفقًا لمبدأ أن "مصائر الناس بيد الله" لا تعني منعك من تربية أبنائك؛ بل يجب عليك تأديبهم عندما يحتاجون إلى التأديب، وأن تكون صارمًا عند الضرورة. وسواء أكنت صارمًا أم متساهلًا، فإن مبدأ معاملة الأبناء، كما قلنا للتو، هو السماح لهم باتباع مسارهم الطبيعي، وإعطاءهم بعض التوجيهات والمساعدة الإيجابية، ثم تقديم بعض المساعدة والدعم من حيث المهارات، أو المعرفة، أو الموارد، حسب ظروف الأبناء الفعلية بقدر استطاعتك. هذه هي المسؤولية التي يجب على الآباء والأمهات الوفاء بها، بدلًا من إجبار أبنائهم على فعل ما لا يرغبون في فعله، أو القيام بأي شيء يتنافى مع الإنسانية. باختصار، لا ينبغي أن تكون التوقعات للأبناء مبنية على المنافسة الاجتماعية والاحتياجات الحالية، أو الاتجاهات، أو الادعاءات المجتمعية، أو الأفكار المختلفة حول كيفية معاملة الناس لأبنائهم في المجتمع. يجب أن تستند قبل كل شيء إلى كلام الله ومبدأ أن "كل شيء بيد الله". هذا هو أكثر ما يجب أن يفعله الناس. أما فيما يتعلق بنوع الأشخاص الذين سيصبح عليه أولاد المرء في المستقبل، ونوع الوظيفة التي سيختارونها، وكيف ستكون حياتهم المادية، فبيد من هذه الأمور؟ (بيد الله). إنها في يد الله، وليس في أيدي الوالدين، ولا أي شخص آخر. فإذا لم يستطع الآباء التحكم في مصيرهم، فهل يمكنهم التحكم في مصائر أطفالهم؟ إذا كان الناس لا يستطيعون التحكم في مصيرهم، فهل يمكن لوالديهم التحكم فيه؟ لذلك، كآباء، يجب على الناس ألا يفعلوا أشياء حمقاء عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع دراسات أطفالهم ومهنهم. ينبغي لهم أن يعاملوا أطفالهم بطريقة متعقلة، وألا يحولوا توقعاتهم إلى أعباء على أطفالهم؛ ألا يحولوا تضحياتهم وتكاليفهم ومشاقهم إلى أعباء على أطفالهم؛ وألا يحولوا العائلة إلى مطهر لأطفالهم. هذه حقيقة يجب أن يفهمها الآباء. قد يسأل بعضكم: "ما نوع العلاقة التي يجب أن تجمع الأطفال بوالديهم إذن؟ هل يجب أن يعاملوهم كأصدقاء، أم زملاء، أم يحافظوا على العلاقة بين الكبار والصغار؟." يمكنك التعامل مع الأمر على النحو الذي تراه مناسبًا. دع الأطفال يختارون ما يحلو لهم وافعل ما تعتقد أنه الأفضل. هذه كلها أمور تافهة.
كيف يجب أن يتعامل الأبناء مع توقعات آبائهم؟ ماذا كنت ستفعل إذا واجهت أبوين يبتزان أبناءهما عاطفيًا، إذا واجهت مثل هذين الأبوين غير العقلانيين والشيطانيين؟ (كنت سأتوقف عن الاستماع إلى تعاليمهما، وكنت سأنظر إلى الأمور وفقًا لكلمة الله). من ناحية، يجب أن تدرك أن أساليبهما في التربية خاطئة من حيث المبادئ، والطريقة التي يعاملانك بها تضر بإنسانيتك وتحرمك من حقوقك الإنسانية. ومن ناحية أخرى، يجب أن تؤمن أنت نفسك بأن مصائر الناس بيد الله. إن ما تحب دراسته، أو ما تتفوق فيه، أو ما يستطيع مستوى قدراتك الإنساني تحقيقه؛ كل هذه أمور مقدرة من الله، ولا يمكن لأحد تغييرها. وعلى الرغم من أن والديك أنجباك، لا يمكنهما تغيير أي من هذه الأشياء أيضًا. لذلك، أيًا كان ما يطلب والداك منك أن تفعله، يمكنك أن ترفضه إذا كان شيئًا لا تستطيع فعله، أو لا تستطيع تحقيقه، أو لا تريد أن تفعله. ويمكنك أيضًا أن تتفاهم معهما بالمنطق ثم تعوضهما عن ذلك في جوانب أخرى، وتهدئ من قلقهما عليك. يمكنك أن تقول لهما: "اهدآ، مصائر الناس بيد الله. لن أسير مطلقًا في الطريق الخطأ؛ سأسير بالتأكيد في الطريق الصحيح. وبإرشاد من الله، سأكون شخصًا صادقًا وصالحًا بالتأكيد. لن أخيّب توقعاتكما لي، ولن أنسى لطفكما في أثناء تربيتكما لي". كيف سيكون رد فعل الوالدين بعد سماع هذه الكلمات؟ إذا كان الوالدان غير مؤمنين أو ينتميان إلى الشياطين، فسيغضبان أشد الغضب؛ لأنك عندما تقول: "لن أنسى لطفكما في تربيتكما لي ولن أخيب ظنكما"، فتلك مجرد كلمات فارغة. هل أنجزت هذا؟ هل فعلتَ ما طلباه منك؟ هل أنت قادر على التميز وسط أقرانك؟ هل يمكنك أن تصبح مسؤولًا رفيع المستوى أو أن تجني ثروة حتى يتمكنا من عيش حياة طيبة؟ هل يمكنك مساعدتهما في الحصول على مزايا ملموسة؟ (كلا). هذا غير معروف؛ هذه كلها أمور غير مؤكدة. وبغض النظر عما إذا كانا غاضبين، أو سعيدين، أو يتحملان بصمت، فما هو الموقف الذي يجب أن تتخذه؟ يأتي الناس إلى هذا العالم لتحقيق الرسالة التي عهد الله بها إليهم. لا ينبغي أن يعيش الناس من أجل إرضاء توقعات والديهما، أو إسعادهما، أو جلب المجد لهما، أو لينعما بحياة مرموقة أمام الآخرين. هذه ليست مسؤوليتك. لقد قاما بتربيتك؛ مهما كلفهما الأمر، فقد فعلا ذلك عن طيب خاطر. لقد كانت تربيتك مسؤوليتهما والتزامهما. أما كم التوقعات التي وضعاها عليك، وكم عانيا بسبب هذه التوقعات، وكم أنفقا من المال، وكم رفضهما الناس ونظروا إليهما باحتقار، وكم ضحيا من أجلك، كل ذلك كان طواعية. أنت لم تطلب ذلك؛ لم تجبرهما على فعل ذلك، وكذلك الله. كانت لديهما دوافعهما الخاصة للقيام بذلك. من وجهة نظرهما، فعلا ذلك فحسب من أجل نفسيهما. كان ذلك من أجلك في الظاهر، من أجل أن تكون لك حياة طيبة وآفاقًا جيدة، لكن في الحقيقة، كان ذلك من أجل أن يجلب لهما المجد وألا يخزيهما. لذلك، أنت غير ملزم برد الجميل إليهما، ولست ملزمًا بتلبية رغباتهما وتوقعاتهما منك. لماذا لست ملزمًا بهذا؟ لأن هذا ليس ما أوجبه الله عليك؛ فهو ليس التزامًا أوجبه الله عليك. إن مسؤوليتك تجاههما هي أن تفعل ما يجب أن يفعله الأبناء عندما يحتاجانك، أن تبذل قصارى جهدك للوفاء بمسؤولياتك كابن. فعلى الرغم من أنهما من أنجباك وربياك، فإن مسؤوليتك تجاههما هي فقط القيام بالغسل، والطبخ، والتنظيف، عندما يحتاجان إليك لخدمتهما، والتواجد بجانب سريرهما عندما يمرضان. هذا كل شيء. لست ملزمًا بتنفيذ ما يقولانه، ولست ملزمًا بأن تكون عبدًا لهما. وعلاوة على ذلك، أنت غير ملزم بتنفيذ رغباتهما التي لم تتحقق، أليس كذلك؟ (صحيح).
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.