كيفية السعي إلى الحق (13) الجزء الثاني
في المرة السابقة ناقشنا أيضًا موضوعًا آخر، وهو التخلي عن التأثيرات التكييفية التي تمارسها عائلتك عليك. تبدأ التأثيرات التكييفية لعائلة الشخص منذ صغره. وعندما يصل الشخص إلى مرحلة البلوغ، يبدأ تدريجياً في تطبيق هذه الأفكار والآراء المكيّفة في حياته. وبحلول الوقت الذي يكون قد اكتسب فيه قدرًا معينًا من الخبرة الحياتية، فإنه يطبق بحرية هذه الأفكار والآراء المختلفة التي كيفته عائلته عليها، وعلى هذا الأساس قد تراكمت لديه مختلف المبادئ والطرق والحيل للتعامل مع الأشياء، وهي حتى أكثر تعقيدًا وتحديدًا وأكثر فائدة له. يمكن القول إن التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة تكون بمثابة الأساس للشخص بينما ينتقل إلى المجتمع وإلى جماعاته المجتمعية، وهو الذي يمكنه من استخدام مختلف الطرق والحيل بحرية للتعامل مع الأمور بينما يعيش وسط الآخرين. وبما أن هذه التأثيرات التكيّفية التي تمارسها العائلة هي بمثابة أساس، فهي متأصلة ومتجذرة بعمق في قلب كل شخص. تؤثر هذه الأشياء على حياة الناس وطريقة سلوكهم وتصرفاتهم، ونظرتهم للحياة. ولكن بما أن هذه التأثيرات التكييفية ليست إيجابية، فهي أيضًا أشياء يجب على الناس التخلي عنها في عملية السعي إلى الحق. لا يهم ما إذا كانت الأفكار والآراء التي يغرسها هذا التكييف فيك تنشأ في أعماق قلبك أم لا، أو ما إذا كانت هذه الأفكار والآراء تحتل موقعًا مهيمنًا في أعماقك أم لا، ولا يهم بالتأكيد ما إذا كنت قد أكَّدت بنفسك صحة هذه الأفكار والآراء بالفعل أو مارستها في سياق وجودك؛ فهذه التأثيرات التكييفية ستؤثر على حياتك بدرجات متفاوتة، سواء الآن أو في المستقبل، وستؤثر على اختيارك لمسار حياتك، وعلى موقفك ومبادئك التي تتعامل بها مع الأشياء. يمكن القول إن الغالبية العظمى من العائلات تزوّد الناس بأبسط الحيل والفلسفات للتعاملات الدنيوية، حتى يستطيعوا العيش والبقاء في المجتمع. على سبيل المثال، قدمنا شركة في المرة الماضية حول أشياء يرددها الآباء دائمًا، مثل "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها" و"الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت"، وكذلك "يجب أن تتحمل معاناة كبيرة للوصول إلى القمة" و"المسمار البارز يُدق بالمطرقة". ماذا كان هنالك أيضًا؟ "التناغم كنز والصبر ذكاء"، و"من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا". هذه الأفكار والآراء المتنوعة التي كيفتك عائلتك عليها، بغض النظر عما إذا كنت تطبقها أو تمارسها في حياتك بشكل صريح، هي أساسك. ماذا أعني بـ"الأساس"؟ أعني شيئًا يلهمك ويدفعك إلى قبول فلسفات الشيطان للتعاملات الدنيوية. لقد غرست أقوال عائلتك هذه في نفسك أبسط طريقة للتعامل مع العالم وأبسط طريقة للبقاء على قيد الحياة، بحيث إنك بعد دخولك هذا المجتمع ستعمل جاهدًا للسعي إلى الشهرة والمكاسب والمكانة، وستسعى إلى التنكر والتجمّل بشكل أفضل، وستسعى إلى حماية نفسك بشكل أفضل، وستسعى إلى أن تصبح بارزًا بين الناس، وأن تصل إلى القمة، وأن تظل في القمة. هذه الأشياء التي تكيفك عائلتك عليها هي قواعد وحيل للتعامل مع العالم تدفعك إلى الدخول في المجتمع والاندماج في الاتجاهات الشريرة.
قدمنا في المرة الماضية شركة حول التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة على الناس. هناك تأثيرات تكييفية أكثر بكثير من هذه، لذا دعونا نواصل الشركة حولها. على سبيل المثال، يقول بعض الآباء لأبنائهم: "من بين أي ثلاثة أشخاص يسيرون معًا، هناك واحد على الأقل يمكن أن يكون معلمي". من صاحب هذه المقولة؟ (كونفوشيوس). هذا بالفعل ما قاله كونفوشيوس. يقول بعض الآباء لأبنائهم: "يجب أن تتعلموا المهارات أينما ذهبتم. وبمجرد أن تتعلموها، سيكون لديكم مهارة في مجال متخصص، ولن تقلقوا أبدًا من عدم الحصول على عمل، وستكونون المرجع في أي موقف. وقد أحسن أحد الحكماء القدماء بقوله: "من بين أي ثلاثة أشخاص يسيرون معًا، هناك واحد على الأقل يمكن أن يكون معلمي". متى ما كنت وسط آخرين، ابحث عمن لديه مهارة في مجال متخصص. تعلمها سرًا دون أن يعرف، وحالما تتقنها، ستصبح مهارتك أنت وستتمكن من كسب المال لإعالة نفسك، ولن تعوزك أبدًا ضروريات الحياة الأساسية". ما هدف والديك من جعلك تتعلم المهارات وأنت بين الآخرين؟ (التقدم في العالم). الهدف من تعلم المهارات هو أن تقوي نفسك، وتصبح في القمة، وتتعلم أن تتعلم المهارات من الآخرين سرًا، وتعزز قوتك تدريجيًا. إذا كانت لديك قوة كبيرة بين الناس، فسيكون لديك مصدر رزق وستحصل أيضًا على الشهرة والثروة. وعندما تكون لديك كل من الشهرة والثروة، سيعلِّي الناس من قدرك. أما إذا لم تكن لديك مهارات حقيقية، فلن يقدرك أحد، لذلك يجب أن تتعلم أخذ المهارات عن الآخرين سرًا، وتتعلم نقاط قوة الآخرين ومهاراتهم، وتصبح تدريجيًا أقوى منهم، عندئذ فقط يمكنك أن تصبح في القمة. يقول بعض الآباء لأبنائهم: "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك"؛ وذلك أيضًا بهدف جعل أبنائهم يكسبون تقدير الآخرين واحترامهم. إذا عملتَ بجد واجتهاد وتحمّلتَ مشاق كبيرة لتتعلم المهارات في غفلة من الآخرين، فسيمكنك حالما تكتسبها أن تبهر الجميع بذكائك، وكلما نظر إليك الناس بازدراء أو تنمروا عليك، يمكنك أن تتباهى بمواهبك، ولن يجرؤ أحد بعد ذلك أن يتنمر عليك. على الرغم من أنك قد تبدو عاديًا وغير ملفت، ولا تتكلم كثيرًا، ستتمتع ببعض المهارات، في شكل قدرات فنية تفوق قدرة الناس العاديين، لذلك سيعجب بك الآخرون لهذا ويشعرون بالضآلة في وجودك، وينظرون إليك كشخص يمكنه مساعدتهم. ألا يزداد قدرك بين الناس بهذه الطريقة؟ ألست تظهر بمظهر أكثر وقارًا مع ازدياد قدرك؟ إذا كنت تريد أن تسعى جاهدًا لكسب مكانة متميزة بين الآخرين، فعليك أن تتحمل المشقة والمعاناة بينما يكونون غير منتبهين إليك. مهما بلغ مقدار المشقة التي تتحملها، فلتتجرعها وتواصل فحسب، وسيثبُت أن معاناتك كلها كانت تستحق عندما يرى الناس مدى قدرتك. ما هدف والديك من قولهما لك هذه المقولة: "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك"؟ إن هدفهم هو أن تكتسب مكانة مرموقة بين الآخرين وتكسب توقيرهم لك، بدلًا من أن تتعرض للتمييز أو التنمر؛ وهو ليس أن تتمكن من الاستمتاع بالأشياء الجميلة في الحياة فحسب، بل أن تكسب أيضًا احترام الآخرين ودعمهم. لا يقتصر الأمر على أن الأشخاص الذين يتمتعون بهذا النوع من المكانة في المجتمع لا يتعرضون لتنمر من الآخرين فحسب، إنما تسير أمورهم بسلاسة أينما ذهبوا. متى ما رآك الناس قادمًا، سيقولون: "أوه هذا أنت، لأي شيء ندين بشرف زيارتك؟ إنه لشرف عظيم أن نراك! هل لديك بعض الأعمال التي تريد القيام بها؟ سأتولى هذا الأمر عنك. هل جئت لشراء تذاكر؟ حسنًا، لا داعي للوقوف في الطابور. سأعطيك أفضل مقعد. فنحن صديقان في نهاية المطاف!". تتقبل الأمر وتفكر: "يا للروعة، إن تصنيفي من المشاهير يصنع المعجزات حقًا. إن الشيوخ محقون في قولهم: "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك". المجتمع هكذا حقًا، إنه مجتمع واقعي للغاية! من كان سيعيرني أي اهتمام لو لم تكن لديّ هذه السمعة؟ إذا وقفت في الطابور مثل أي شخص عادي، فقد ينظر إليك الآخرون بازدراء ويعاملونك بقسوة، وقد لا يبيعون لك عندما تصل إلى مقدمة الطابور". عندما تقف في الطابور لمقابلة طبيب في المستشفى، يلمحك أحدهم من الجانب الآخر من القاعة ويقول: "ألست فلانًا؟ لماذا تنتظر في الطابور؟ سأجد لك طبيبًا مختصًا على الفور حتى لا تضطر إلى الوقوف في الطابور". فترد: "لم أدفع بعد". فيقول لك: "لا داعي لذلك، سأدفع أنا الفاتورة". تتأمل في ذلك وتفكر: "من الجيد أن تكون من المشاهير. إن تحمّل كل تلك المعاناة عندما لم يكن أحد يلتفت لم يذهب سدى في النهاية. يمكنني حقًا أن أستمتع بمعاملة خاصة في المجتمع. هذا المجتمع واقعي للغاية، ما عليك إلا أن تكون من المشاهير لكي يحسنوا استقبالك. هذا رائع!" تسعد مرة أخرى لأن معاناتك لم تذهب سدى، وترى أن الأمر كان يستحق أن تتحمل كل تلك المشقة والمعاناة عندما كان الآخرون غير منتبهين! تتعجب باستمرار من هذا وتفكر: "لا أحتاج إلى الوقوف في طابور لمقابلة الطبيب في المستشفى، يمكنني الحصول على مقاعد جيدة كلما اشتريت تذاكر طائرة، وأن أحظى بمعاملة خاصة أينما ذهبت، بل إن نفوذي يمكن أن يدخلني من الباب الخلفي. هذا رائع! هكذا يجب أن يكون المجتمع، فلا داعي للمساواة. يجب أن يسترد الناس بقدر ما يقدمون. إذا لم تعان عندما كان الآخرون غير منتبهين، فهل يمكنك أن تظهر بمظهر وقور عندما يكونون منتبهين إليك؟ انظر إليّ على سبيل المثال. لقد عانيت عندما كان الآخرون غير منتبهين لي، كي أتمكن – عندما يكونوا منتبهين إلي – من الحصول على معاملة خاصة كهذه، لأنني أستحق ذلك". إذا كان هذا هو الحال، فعلام يعتمد الناس إذا أرادوا عقد صلات مع الآخرين وإنجاز الأمور في المجتمع؟ إنهم يعتمدون على مواهبهم ومهاراتهم لدعم قدرتهم على القيام بالأشياء. سواء كان الشخص سينجح في مساعيه أو مدى قدرته على إنجاز الأمور في المجتمع أو لن ينجح، فإنَّ ذلك لا يعتمد على موهبة ذلك الشخص أو إنسانيته، ولا على مدى امتلاكه للحق. لا يوجد عدل أو مساواة في المجتمع، وما دمت مجتهدًا بما فيه الكفاية، وتستطيع تحمل المعاناة عندما يكون الآخرون غير منتبهين إليك، وأن تكون مستبدًا وشرسًا بما فيه الكفاية، فيمكنك أن تكتسب مكانة عالية بين الآخرين، تمامًا مثلما كان الأمر في الماضي عندما كان الناس يتنافسون ليصبحوا أساتذة في عالم فنون الدفاع عن النفس، فكانوا يتحملون معاناة كبيرة ويتدربون لأيام وليالٍ متواصلة، حتى يتقنوا في النهاية جميع أساليب مدارس فنون الدفاع عن النفس المختلفة ويخرجون بأسلوب فريد خاص بهم، يمارسونه بإتقان حتى يصبحوا منيعين. وماذا حدث في النهاية؟ هزموا مقاتلين من جميع المدارس الكبرى في بطولة فنون الدفاع عن النفس، واكتسبوا مكانة سيد عالم فنون الدفاع عن النفس. كانوا على استعداد لتحمل أي نوع من المعاناة من أجل أن يظهروا بمظهر الوقار أمام الآخرين، بل كانوا يمارسون أيضًا بعض الفنون الظلامية خلف الأبواب المغلقة. بعد ثماني إلى عشر سنوات من الممارسة، أصبحوا خبراء لدرجة ألا أحد في عالم فنون الدفاع عن النفس كان يستطيع هزيمتهم في الحلبة، أو اغتيالهم خارجها، وحتى لو شربوا السم، فبإمكانهم طرده من أجسامهم. وهكذا عززوا مكانتهم كسادة في عالم فنون الدفاع عن النفس، ولم يستطع أحد أن يهدد مكانتهم؛ هذا هو ما يدور حوله الظهور بمظهر الوقار أمام الآخرين. لكي يظهر الناس بمظهر الوقار أمام الآخرين، كانوا في العصور القديمة يخضعون للامتحانات الإمبراطورية ويحصلون على الأوسمة العلمية. في الوقت الحاضر، يذهب الناس إلى الكليات، ويخضعون لامتحانات القبول في الدراسات العليا، ويدرسون للحصول على درجة الدكتوراه، وهم أيضًا يثابرون في دراستهم رغم الصعاب، ويكدحون في تعلم معرفة غير مفيدة من الفجر إلى وقت متأخر من الليل، ولعام تلو العام. وأحيانًا يشعرون بالتعب الشديد لدرجة أنهم لا يعودون يرغبون في الدراسة، ويتوقون إلى أخذ قسط من الراحة، لكنهم يتعرضون للتوبيخ من آبائهم الذين يقولون لهم: "متى ستظهر أي قدر من البشرى؟ هل ما تزال تريد أن تظهر بمظهر وقور أمام الآخرين؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف لك أن تفعل ذلك دون معاناة بينما هم غير منتبهين إليك؟ لن تسقط ميتًا إن فوَّتَ استراحة قصيرة، أليس كذلك؟ اذهب للاستذكار! اذهب لأداء واجباتك!". فيقول الواحد منهم: "لقد انتهيت من واجبي المنزلي وراجعت دروس اليوم. هل يمكنك أن تدعني أستريح قليلاً؟" لكن الوالد يجيب: "بالتأكيد لا! إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك". يتأملون في هذا الأمر ويفكرون: "والداي يفعلان كل هذا من أجل مصلحتي، فلماذا أنا عنيد ومنشغل بالاستمتاع؟ يجب أن أفعل ما يُقال لي. يُقال إنك تتجاهل من هم أكبر منك سنًا على مسؤوليتك، لذا يجب أن أستمع إلى والديّ. سيكونان هكذا لبقية حياتهما. إذا لم أقدرهما حق قدرهما، فسيكون هذا خذلانًا لهما؛ ثم إنه لا يزال أمامي طريق طويل لأقطعه في الحياة، فما قيمة القليل من المعاناة على المدى الطويل؟". عند هذه الفكرة، يضعون كل طاقاتهم في الاستذكار ومراجعة دروسهم وأداء واجباتهم المدرسية. يظلون مستيقظين حتى بعد منتصف الليل يستذكرون ومهما شعروا بالتعب، فإنهم يتمكنون من التغلب عليه. في مسار الحياة، يُلقَّن الناس التأثيرات التكييفية لعائلاتهم باستمرار، وذلك في شكل أفكار وتعبيرات مثل "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك"، والتي تظل تشجعهم وتحفزهم. ومن أجل مستقبلهم وآفاقهم ومن أجل الظهور بمظهر وقور أمام الآخرين، فإنهم باستمرار يتعلمون المهارات والمعرفة عندما يكون الناس غير منتبهين. يتسلحون بالمعرفة والمهارات المختلفة ليجعلوا أنفسهم أقوى. كما أنهم يتطلعون أيضًا إلى مآثر مختلف الشخصيات القديمة أو الأشخاص الناجحين لإعطاء أنفسهم دفعة قوية وإثارة روحهم القتالية. إنهم يفعلون كل ذلك بهدف التخلص من الفقر والحال المتوسط والوضاعة في مستقبلهم، وتغيير مصيرهم الذي يتعرضون فيه للتمييز ضدهم، حتى يصبحوا أشخاصًا متفوقين وأفرادًا من النخبة وأشخاصًا يتطلع إليهم الآخرون. تظل هذه التأثيرات التكييفية من أسرهم تدور في أذهانهم مرارًا وتكرارًا، حتى تصبح هذه الملاحظات والأقوال تدريجيًا أفكارهم وآراءهم الراسخة وطرقهم المحددة في التعامل مع العالم، وتصبح أيضًا نظرتهم الجوهرية تجاه الوجود والهدف الذي يسعون إليه.
يقول بعض الآباء لأبنائهم: "يجب أن تتعلم تكوين صداقات مع الآخرين. فمثلما يرد في القول: "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين". حتى السياسي المذموم تشين هوي من سلالة سونغ(أ) كان لديه ثلاثة أصدقاء. أينما ذهبت، تعلّم كيف تتوافق مع الآخرين وتحافظ على علاقات شخصية جيدة. يجب أن يكون لديك بعض الأصدقاء المقربين على أقل تقدير. حالما تدخل المجتمع، ستواجه جميع أنواع الصعوبات في الحياة والعمل وعند تدبير شؤونك. إذا لم يكن لديك أصدقاء لمساعدتك، فسيتعين عليك مواجهة جميع أنواع الصعوبات والمواقف المحرجة بمفردك. إذا كنت تعرف بعض الحيل التي تمكنك من تكوين عدد قليل من الأصدقاء المقربين، فعندما تواجه هذه المواقف والصعوبات المحرجة، سيتقدم هؤلاء الأصدقاء لإخراجك من المشاكل ومساعدتك على النجاح في مساعيك. إذا كنت ترغب في تحقيق أشياء عظيمة، فيجب عليك النزول من برجك العاجي وتكوين صداقات. يجب أن تكون قادرًا على إبقاء جميع أنواع الأشخاص الأقوياء إلى جانبك من أجل دعم مساعيك وحياتك المستقبلية ووجودك. يجب أن تكون قادرًا على الاستفادة من مختلف الأشخاص لمساعدتك في إنجاز الأمور وخدمتك". بصفة عامة، لن ينقل الآباء هذا النوع من الأفكار أو وجهات النظر بشكل صريح، أو يخبروا أبناءهم مباشرةً أنهم بحاجة إلى تعلم تكوين صداقات، والاستفادة من الناس، والقدرة على العثور على أصدقاء لمساعدتهم على النجاح في مساعيهم. على الرغم من ذلك، يوجد بعض الآباء الذين يتمتعون بمكانة ومركز في المجتمع، أو الذين يتمتعون بالدهاء والمكر بشكل خاص، والذين يؤثرون على أبنائهم من خلال كلماتهم وسلوكهم. علاوة على ذلك، عندما يرى أبناؤهم ويسمعون أفكارهم ووجهات نظرهم وطرق التعامل مع العالم من خلال الأشياء التي يقولونها ويفعلونها في الحياة اليومية، فإن هذا يكون بمثابة تأثير تكييفي على الأبناء. في ظل التكييف المتمثل في أنك لا تحكم بشكل صحيح على الأشياء الإيجابية والأشياء السلبية وتميز بينها، فإنك تتأثر عن غير قصد بكلمات وأفعال والديك وتقبل أفكارهم ووجهات نظرهم، أو تُغرَس هذه الأفكار والآراء عن غير قصد في أعماق قلبك، وتصبح الأساس الرئيسي والمبدأ اللذان من خلالهما تفعل الأمور. قد لا يخبرك والداك مباشرة أن "تكون المزيد من الصداقات، وأن تتعلم كيفية جعل الناس يفعلون أشياء من أجلك، وأن تستفيد من نقاط قوة الناس، وأن تتعلم الاستفادة ممن حولك". على الرغم من ذلك، فإنهم يصيبونك ويكيفونك من خلال ممارسة الأفكار والآراء التي يعظون بها من خلال أفعالهم. وهكذا يصبح والداك معلماك الأولان في هذا الأمر، ويجهزانك فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الأشياء، وكيفية التعايش مع الناس، وكيفية تكوين صداقات في هذا المجتمع، وكذلك يجهِّزانك فيما يتعلق بالغرض من تكوين صداقات، والسبب في أنه ينبغي عليك تكوين صداقات، ونوع الصداقات الذي يجب عليك تكوينه، وكيفية أن يكون لك موطئ قدم في المجتمع، وأساسيات وطرق الحصول على موطئ قدم، وما إلى ذلك. وهكذا، فإن والديك يكيفانك من خلال ممارسة ما يعظان به. مع نموك من مرحلة الطفولة إلى البلوغ تتشكل هذه الأفكار والآراء عن غير قصد تدريجيًا، وتتحول من وعي بسيط إلى أفكار وآراء وإجراءات ملموسة، بحيث تصبح – خطوة بخطوة – مغروسة بعمق في قلبك ونفسك وتصبح طريقتك وفلسفتك للتعاملات الدنيوية. ما رأيك في القول "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين" بوصفه طريقة للتعامل مع العالم؟ (إنه سيء). هل ثمة شيء اسمه صديق حقيقي في هذا العالم؟ (لا). لماذا إذن يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد؟ ما الهدف من وجود ثلاثة أوتاد؟ لجعله أكثر استقرارًا فحسب. لن يكون مستقرًا مع وتدين، ولن يفلح وتد واحد على الإطلاق. إذن ما هو المبدأ المعني هنا للتعامل مع العالم؟ حتى الرجل المقتدر، مهما كانت قدرته، لا يمكنه التصفيق بيد واحدة، ولن يصل إلى أي مكان. إذا كنت ترغب في تحقيق شيء ما، فأنت بحاجة إلى أشخاص لمساعدتك. وإذا كنت تريد أن يساعدك الناس، فأنت بحاجة إلى تعلم كيفية التصرف والتعامل مع العالم، وتكوين صداقات على نطاق واسع وتجميع قوة من أجل إنجاز الأشياء. من أجل تحقيق أي شيء، كبيرًا كان أم صغيرًا، سواء كان ذلك شق طريقك في مهنة ما، أو الحصول على موطئ قدم في المجتمع، أو إنجاز شيء أكبر، يجب أن تكون محاطًا بأشخاص تثق بهم أو توقرهم، ويمكنك استخدامهم لمساعدتك على تحقيق المساعي التي تريد القيام بها، وإلا فسيكون الأمر مثل محاولة التصفيق بيد واحدة. بالطبع هذه هي قواعد فعل أي شيء في هذا العالم، لأنه لا يوجد عدالة في المجتمع، بل مكائد ونضال فقط. إذا سرت على الطريق الصحيح واضطلعت بقضايا عادلة، فلن يستحسن ذلك أحد، ولن يفلح ذلك في هذا المجتمع. مهما كان نوع المسعى الذي تقوم به، يجب أن يكون لديك بعض الأشخاص لمساعدتك ولتجميع قوة في المجتمع. إذا كان هناك أشخاص يستسلمون لك ويخافون منك أينما ذهبت، فسيكون لك موطئ قدم ثابت في المجتمع، وسيكون من الأسهل عليك كثيرًا القيام بمساعيك، وسيكون هناك أشخاص يعطونك الضوء الأخضر. هذا موقف وطريقة للتعامل مع العالم. أيًا يكن ما تريد القيام به، سيخبرك والداك دائمًا: "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين". إذن، هل هذا المبدأ للتعامل مع العالم صحيح أم خطأ؟ (خطأ). ما الخطأ فيه؟ (ما إذا كان الشخص قادرًا على إنجاز الأشياء لا يعتمد على قوته أو موهبته، بل على سيادة الله وترتيباته). يعتمد ذلك على سيادة الله وترتيباته، وهذا جانب. إضافة إلى ذلك، ما هو هدف الناس من رغبتهم في أن يساعدهم الآخرين في المجتمع؟ (لتمكين أنفسهم من التفوق على البقية). هذا صحيح. الهدف من وجود هذه الأوتاد الثلاثة لدعمك هو إيجاد مكان لنفسك والحصول على موطئ قدم ثابت. بهذه الطريقة، لا يمكن لأحد أن يسقطك، وحتى إذا رُكل وتد واحد، فسيكون الوتدان الآخران موجودين لدعمك. يمكن للأشخاص الذين لديهم درجة معينة من السلطة القيام بالأشياء بسهولة في هذا المجتمع، دون القلق بشأن القانون أو مشاعر الناس أو الرأي العام. أليس هذا هدف الناس؟ (بلى). بهذه الطريقة، يمكنك أن تصبح شخصًا يتخذ القرارات وله صوت في المجتمع، ولا يمكن للقانون ولا أي رأي عام أن يهز استقرارك أو يربكك. سيكون لك القول الفصل في اتجاهات هذا المجتمع وفي أي جماعة اجتماعية. سوف تكون السلطة التي يرجع الجميع إليها. ألن يمكنك حينئذٍ أن تفعل ما يحلو لك؟ يمكنك أن ترتفع فوق القانون، وترتفع فوق مشاعر الناس، وترتفع فوق الرأي العام، وترتفع فوق الأخلاق، وترتفع فوق إدانة الضمير. هل هذا هو الهدف الذي يريد الناس تحقيقه؟ (نعم). هذا هو الهدف الذي يريد الناس تحقيقه. هذه هي القاعدة الأساسية لأفعال الناس التي تمكنهم من تحقيق طموحاتهم ورغباتهم. كما ترى، بعض الناس يصبحون أخوة محلَّفين في المجتمع. من بين هؤلاء، أخ أكبر هو الرئيس التنفيذي لمؤسسة ما، وأخ أصغر هو رئيس مجموعة ما، والبعض الآخر سياسيون أو زعماء في عالم الجريمة. بعض الناس لديهم أصدقاء يعملون كمديري مستشفيات أو جراحين كبار أو رؤساء تمريض، وبعض الناس يتخذون بعض الأصدقاء الجيدين في مجال عملهم. هل يتخذ الناس هؤلاء الأصدقاء حقًا لأنهم يشاركونهم نفس الآراء والاهتمامات؟ أو لأنهم يريدون حقًا دعم القضايا العادلة معًا؟ (لا). إذن لماذا يفعلون ذلك؟ يفعلون ذلك لأنهم يريدون تجميع نوع من القوة، وتوسيع هذه القوة وتعزيزها، والاعتماد عليها في النهاية للحصول على موطئ قدم والبقاء في المجتمع، والعيش في القمة، والاستمتاع بحياة الترف والرفاهية؛ لن يجرؤ أحد على التنمر عليهم، وحتى لو ارتكبوا جرائم، فلن يجرؤ القانون على معاقبتهم. وإذا ارتكب الشخص منهم جرائم، فسوف يتقدم أصدقائه لمساعدته. سيتحدث أحد الأصدقاء نيابة عنه، وسيساعد صديق آخر في تهدئة الأمور في المحكمة والضغط على كبار السياسيين من أجل الرأفة، ومن ثمَّ سيخرج من مركز الشرطة في أقل من 24 ساعة. مهما كانت مدى خطورة الجريمة التي ارتكبها، فلن تصل إلى شيء ولن يُضطر حتى إلى دفع غرامة. في النهاية، سيقول العامة: "يا إلهي، هذا الشخص له شأنه حقًا. كيف تمكن من التخلص من المأزق بهذه السرعة بعد ارتكاب مثل هذه الجريمة الخطيرة؟ لو كنا نحن من ارتكبناها لكان قد انتهى أمرنا، أليس كذلك؟ كان المطاف سينتهي بنا في السجن، أليس كذلك؟ انظر إلى ما لديه من أصدقاء. لماذا لا يمكننا تكوين صداقات من هذا القبيل؟ لماذا مثل هؤلاء الأشخاص بعيدون عن متناولنا؟" وسيصير الناس حاسدين. كل هذه الأمور ناتجة عن الظلم الاجتماعي والظهور المستمر لاتجاهات الشر في المجتمع. ليس لدى الناس أي شعور بالأمان في هذا المجتمع. وهم دائمًا يريدون تملق قوى معينة ومقارنة قوى بعضهم بعضًا. ولا سيما بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون في قاع المجتمع، حتى لو كان لديهم وسيلة ما لكسب العيش، فهم لا يعرفون متى سيواجهون خطرًا أو صعوبة، وأكثر ما يخشونه هو مواجهة كارثة غير متوقعة، أو مواجهة بعض الحوادث المؤسفة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأي شيء يتصل بالقانون، لذلك يعيشون الحياة غير راغبين أبدًا في أن تكون لهم أي علاقة بالشرطة أو المحاكم. نظرًا لأن الناس ليس لديهم شعور بالأمان في هذا المجتمع، يتعين عليهم باستمرار تكوين صداقات وإيجاد حلفاء أقوياء يعتمدون عليهم. كما ترى، عندما يكون الأطفال الصغار في المدرسة، يتعين عليهم مصادقة اثنين أو ثلاثة للعب معهم؛ وإلا ينتهي الأمر دائمًا بتعرضهم للتنمر عندما يكونون بمفردهم، ولا يجرؤون على إخبار المعلم بتعرضهم للتنمر، لأنهم إن فعلوا ذلك، فسيُضربون لا محالة في طريقهم إلى المنزل من المدرسة. حتى لو كان المعلمون لطيفين معك وكان أداؤك الأكاديمي جيدًا إلى حد ما، إذا كنت لا تعرف كيفية تكوين صداقات أو التحالف مع الأشخاص الشرسين من حولك، فسوف ينتهي بك الأمر إلى ورطة إذا قمت باستفزازهم. وفي بعض الأحيان، حتى لو لم تستفزهم، فسيحاولون تضليلك عندما يرونك تستذكر دروسك جيدًا، وإذا لم تستمع إليهم، فسوف تتعرض للضرب أو التنمر. حتى البيئات المدرسية تجعل الناس يشعرون بعدم الأمان، لذا فإن هذا العالم مخيف حقًا، ألا تعتقد ذلك؟ لذلك، فإن ما للعائلة من تأثيرات تكييفية عليك في هذا الصدد تأتي من تأثير والديك كنموذج يُحتذى به من ناحية ما، ومن جهة أخرى، فإنها تأتي من مخاوف الناس بشأن المجتمع. نظرًا لعدم وجود عدالة في هذا المجتمع، ولا أي قوة أو ميزة يمكن أن تحمي حقوقك الإنسانية ومصالحك، غالبًا ما يعاني الناس من الرهبة والخوف من هذا المجتمع. ونتيجة لذلك، فإنهم يقبلون بطبيعة الحال التأثيرات التكييفية لفكرة أنه "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين". لأنه في البيئات الحقيقية التي يوجد فيها الناس، ثمة حاجة إلى مثل هذه الأفكار ووجهات النظر لدعم بقائهم، وتمكينهم من التحول من حياة العزلة والوحدة إلى حياة الاعتماد والشعور بالأمان. لذلك، يعتبر الناس الاعتماد على قوة ما والاعتماد على الأصدقاء في هذا العالم أمرًا مهمًا للغاية.
بخصوص الطرق التي يُكيَّف بها الناس على يد عائلاتهم، فإضافة إلى القول الذي ذكرناه للتو، والذي كان "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين"، توجد بعض الطرق الأكثر تحديدًا التي تعلِّم بها العائلات الناس. على سبيل المثال، يميل الآباء إلى تعليم بناتهم، من خلال قول أشياء مثل: "ستجعل السيدة نفسها جميلة لأولئك الذين يعجبون بها، بينما يضحي الرجل النبيل بحياته من أجل أولئك الذين يفهمونه". أيضًا، "لا توجد نساء قبيحات في العالم، فقط نساء كسالى". يجب أن تتعلم النساء أن يحببن أنفسهن، وأن يتأنقن في ملبسهن، وأن يجعلن أنفسهن جميلات. بهذه الطريقة، سيحبك الناس أينما ذهبت، وسيقوم المزيد من الأشخاص بعمل أشياء من أجلك ويعطونك الضوء الأخضر. إن أحبك الناس، فلن يتعبوك بطبيعة الحال أو يصعبوا الأمور عليك". يقول بعض الآباء لبناتهم: "يجب أن تتعلم الفتيات التأنق في ملبسهن، ووضع مساحيق التجميل، وأهم حتى من ذلك أنهن يجب أن يتعلمن أن يكن لطيفات". ما يقولونه حقًا هو أنك بحاجة إلى تعلم كيفية استعراض نفسك. يقولون أيضًا أشياء مثل: "لا تكوني امرأة قوية. ما فائدة أن تكون المرأة قوية ومستقلة للغاية؟ مثل هؤلاء النساء لا يتأنقن في ملبسهن أبدًا، لكنهن يعشن مثل الرجال، ويتحركن طوال اليوم في انشغال واستعجال، وهن لسن لطيفات كذلك. تولد النساء ليشغف بهن الرجال. لا يحتجن إلى أن يكن مستقلات أو يتعلمن أي مهارات. لا يحتجن سوى إلى تعلم كيف يتأنقن في ملبسهن، وكيف يرضين الرجال، وكيف يقمن بما يجب أن تجيد المرأة القيام به. المرأة التي يحبها الرجال ويعتزون بها ستكون سعيدة طوال حياتها". بعض النساء يكيفهن آبائهن على هذا النحو. فهن من جهة ينظرن إلى كيفية سلوك أمهاتهن بوصفهن نساءً، ومن جهة أخرى، بعد تكييف آبائهن لهن، يحولن أنفسهن إلى نساء مبهجات للعين حقًا، من خلال التأنق في ملبسهن وتجميل أنفسهن باستمرار. هل ثمة وجود لمثل هؤلاء الناس؟ (نعم). النساء اللواتي يكبرن في هذا النوع من البيئة العائلية يولين أهمية كبيرة لمظهرهن وملابسهن وهويتهن الأنثوية. إنهن لا يغادرن المنزل دون وضع المكياج وتغيير ملابسهن أولًا. إنَّ بعض النساء – مهما بلغ انشغالهن بالعمل – لا بد أن يغسلن شعورهن ويتحممن ويضعن بعض العطر قبل مغادرة المنزل، وإلا فلن يخرجن، وعندما لا يكون لديهن ما يشغلهن، فكل ما يفعلنه هو النظر في المرآة وتصفيف شعرهن. من يدري كم مرة تنظر هؤلاء النساء في المرآة كل يوم! لقد خضعن بعمق لتكييف أفكار وآراء مثل: "ستجعل السيدة نفسها جميلة لأولئك الذين يعجبون بها، بينما يضحي الرجل النبيل بحياته من أجل أولئك الذين يفهمونه"، لذلك يولين اهتمامًا كبيرًا لقوامهن وكيف تبدو وجوههن. إنهن لن يخرجن إذا بدت بشرتهن في حالة أسوأ ولو بدرجة طفيفة، ولن يظهرن وجوههن في الأماكن العامة إذا كان بها حب الشباب. إذا لم تكن حالتهن المزاجية في أحد الأيام تسمح بوضع مساحيق التجميل، فلن يخرجن. أو، إذا قصصن شعرهن لكن القَصَة كانت لا تبدو لطيفة جدًا، وكن لا يبدين جميلات في أعين الآخرين، فلن يخرجن إلى العمل، لئلا يقل تقدير الناس لهن. هؤلاء النساء يقضين اليوم بطوله في العيش من أجل هذه الأشياء. سيبقين أيديهن مخفية عن الأنظار إذا كان لديهن لدغة بعوضة على أيديهن، وإذا كانت على سيقانهن، فسيغطينها لأنهن لن تبدين جميلات في التنورة، وأيضًا لن يخرجن، ولا يمكنهن أداء واجبهن. كل شيء صغير من شأنه أن يعكر صفوهن ويوقفهن في مكانهن، لذلك تصبح الحياة صعبة ومتعبة للغاية بالنسبة إليهن. لكي تحافظ الواحدة منهن على كرامتها بوصفها سيدة وتجنب أن تصبح سيدة قبيحة، فإنها تبذل جهودًا كبيرة وتتحمل مشقة عظيمة للعناية بوجهها وقوامها وطريقة تصفيف شعرها، ومن أجل تجنب أن تصبح امرأة قبيحة، فإنها تتخلص من عاداتها السيئة السابقة والكسل. مهما يكن انشغالهن في العمل، فلا بد لهن من التأنق في ملابسهن والتزين بعناية وعلى نحو جميل للغاية. إذا كان الحاجبان غير مرسومين جيدًا، فإنهن يُعِدن رسمهما. وإذا كان أحمر الخدود غير موزَّع بالتساوي، فإنهن يُعِدن وضعه. لن يخرجن من باب المنزل ما لم يقضين ساعة على الأقل أو ساعتين في وضع مساحيق التجميل. بعض النساء، بمجرد استيقاظهن في الصباح، يبدأن هذه التمثيلية الكاملة المتمثلة في الاستحمام وارتداء الملابس وتغيير الملابس. إنهن يفكرن ويعدن التفكير، ويجربن هذا وذاك، حتى يحل منتصف النهار دون أن يغادرن المنزل بعد. لا بد أن الأمر صعب للغاية عليهن، أن تبتلع هذه الأشياء التافهة وقتهن وطاقتهن المحدودين. إنهن لا يفعلن أي شيء جاد على الإطلاق، وبمجرد أن يفتحن أعينهن، كل ما يفكرن فيه هو التأنق في ملابسهن وجعل أنفسهن جميلات. بعض هؤلاء الأشخاص متأثرات بأفكار أمهاتهن وآرائهن، بينما الأخريات تخبرهن أمهاتهن صراحةً بما يجب عليهن فعله، ويتعلم البعض من النموذج الذي تضعه لهن أمهاتهن من خلال تصرفاتهن. باختصار، هذه كلها طرق يُكيَّف بها الناس على يد عائلاتهم.
ترى بعض العائلات أن "البنات يجب أن يتربين كالأطفال الأغنياء، والأولاد يتربون كالأطفال الفقراء". هل سمعت هذا القول؟ (نعم سمعته). ماذا يعني هذا القول؟ إنهم جميعًا أطفال، فلماذا يجب تربية الفتيات كالأطفال الأغنياء، والأولاد كالأطفال الفقراء؟ إنَّ الثقافة التقليدية تقدِّر الذكور بصفة عامة وتعلِّق أهمية أقل على الإناث، فلماذا يبدو أن هذا القول يقدر الفتيات أكثر من الفتيان؟ إذا تَرَبَّتْ الابنة كطفلة غنية، فأي نوع من البنات ستصبح؟ أي نوع من الأشياء ستصبح؟ (شخص مدلل ومتسلط وتحكمي إلى حد ما). شخص عنيد، هش، غير قادر على تحمل أي مشقة، غير قادر على الاهتمام، غير عقلاني، غير معقول، وغير قادر على التمييز بين الخير والشر – ما الذي يمكن أن يصل إليه مثل هذا الشخص؟ هل هذه هي الطريقة الصحيحة لتعليم شخص ما؟ (لا). تربية شخص ما بهذه الطريقة سيدمره. إذا ربيت ابنتك كطفلة غنية، على الرغم من أنها ستنشأ في بيئة عائلية تلبي لها كل احتياجاتها الأساسية، وسيكون لديها القليل من الرقي، فهل ستفهم المبادئ الحقيقية للتصرف؟ إذا لم تفهم، فإن هذا النوع من نهج التربية الأبوية يؤذيها ويضرها، بدلًا من حمايتها. ما دافع الآباء لتربية بناتهم على أساس هذا المبدأ؟ ستكون الابنة التي تُربى بهذه الطريقة راقية ولن تقع بسهولة في حب الرجال الذين يشترون لها فساتين جميلة، أو ينفقون عليها القليل من المال، أو يغدقون عليها هدايا وخدمات تافهة. لذلك، لن يبهرها الرجل العادي. لا بد أن يكون الرجل غنيًا للغاية، ونبيلًا مثاليًا، وراقيًا للغاية، وكائدًا للغاية وماكرًا، وداهية جدًا من أجل كسب قلبها، وإبهارها، ولكي يستحق أن يتزوجها. هل تعتقد أن تزويج ابنتك لشخص كهذا أمر جيد أم سيء؟ إنه بالتأكيد ليس شيئًا جيدًا، أليس كذلك؟ علاوةً على ذلك، إذا ربَّيت ابنتك كطفلة غنية، فإلى جانب أنها ستعرف كيف تستمتع، وترتدي الملابس الأنيقة، وتتناول الطعام الشهي، هل ستكون قادرة على تمييز الناس على حقيقتهم؟ هل سيكون لديها أي مهارات للبقاء على قيد الحياة؟ هل ستكون قادرة على العيش جنبًا إلى جنب مع الآخرين لفترة طويلة؟ ليس بالضرورة. قد تواجه صعوبة في الحفاظ على النظام في حياتها، وفي هذه الحالة، يكون مثل هؤلاء الأشخاص عديمي الجدوى. إنهم مدللون ومتسلطون وتحكميون وعنيدون ووقحون، ومنغمسون في الملذات ومتعجرفون، ولا يتنازلون ويصممون على رأيهم، ولا يعرفون سوى الأكل والشرب والاستمتاع. إلى جانب كل ذلك، لن يكون لديها حتى الحس السليم الأساسي اللازم لتدبر أمورها في الحياة، الأمر الذي سيسبب – على نحو غير ملحوظ – متاعب لبقائها وحياتها العائلية مستقبلًا. ليس شيئًا جيدًا أن يعلِّم الوالدان ابنتهما بهذه الطريقة. لم يعلماها مبادئ التصرف، بل كيفية الاستمتاع بالحياة فحسب. لذا، ألن تضطر إلى تحمل المشقة إذا لم تستطع كسب ما يكفي من المال في المستقبل؟ ألن تجد صعوبة في تدبر أمورها حينئذٍ؟ هل ستكون قادرة على تحمل ذلك؟ ألن تكون هشة متى ما واجهت صعوبات في المستقبل؟ هل سيكون لديها المثابرة اللازمة لمواجهة كل هذه المصاعب؟ لا تراهن على ذلك. عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يستمتعون بالحياة المادية أكثر من اللازم، والذين اعتادوا بشكل مفرط على حياة السهولة والرفاهية، والذين لم يعانوا على الإطلاق، فما هي أكبر مشكلة في إنسانيتهم؟ المشكلة أنهم هشون وليس لديهم الإرادة لتحمل المصاعب، ومثل هؤلاء الناس سيهلكون. لذا، فإن التعليم الذي يتلقاه الأطفال من عائلاتهم، سواء عن طريق الآباء أو من خلال الاتجاهات الاجتماعية، يأتي بالأساس من بين البشر. سواء كانت هذه الأقوال المتنوعة تتشكل في فكرة أو وجهة نظر، أو تصبح بالنسبة للناس طريقة للحياة أو للبقاء، فإنها تجعل الناس ينظرون إلى هذه المشكلات من منظور متطرف ومتحيز ومشوَّه. باختصار، هذه الأقوال التي تأتي من العائلة، تؤثر بدرجة زادت أو قلت، على طريقة نظر الناس إلى الناس والأشياء وطريقة تصرفهم وفعلهم. وبما أن هذه الأشياء تؤثر فيك، فإنها ستؤثر أيضًا في سعيك إلى الحق. لذلك، بغض النظر عما إذا كانت هذه الأقوال والأفكار ووجهات النظر التي تأتي من أبوي المرء نبيلة وشديدة الذكاء، أم تافهة وغبية، فإنه يجب على الجميع إعادة فحصها وإعادة تقييمها وتعلم تمييزها على حقيقتها. إذا بدأتْ في ممارسة تأثير معين عليك، أو سببتْ اضطرابًا في حياتك وفي سعيك إلى الحق، أو جعلت حياتك فوضى كاملة، أو أعاقت طلبك للحق وقبول الحق متى واجهت الناس والأحداث والأشياء، فعليك أن تتخلى عنها فحسب.
هناك أيضا ادعاءات متداولة في المجتمع فيما يتعلق بمفاهيم الذكاء العاطفي ومعدل الذكاء. تشير هذه الادعاءات إلى أن الناس لا يحتاجون إلى معدل ذكاء مرتفع، ولكنهم يحتاجون فقط إلى ذكاء عاطفي مرتفع. معدل الذكاء يتعلق بمستوى قدرات الشخص، في حين أن الذكاء العاطفي يتعلق بالحيل التي يتعامل بها الشخص مع العالم. هذا هو فهمي الأساسي لهذين المصطلحين. ربما يكون معدل ذكائك مرتفعًا جدًا، وأنت أكاديمي حقًا، وواسع المعرفة حقًا، ومهاراتك في التواصل رائعة، وقدرتك على البقاء قوية جدًا، لكن ذكائك العاطفي ليس مرتفعًا، وليس لديك حيل للتعامل مع العالم، أو حتى إذا كنت تمتلك بعض الحيل، فإن وسائلك ليست شديدة التطور. في مثل هذه الحالات، لا تمكِّنك معرفتك ومهاراتك وكفاءتك في مجال متخصص إلا من كسب القليل من المال في المجتمع وكسب سبل العيش الأساسية فحسب. الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي جيدون بشكل خاص في أن يكونوا ماكرين. إنهم يستفيدون من قوى مختلفة في المجتمع، ومن بيئات جغرافية مفيدة أو فرص مواتية، ومعلومات مفيدة لخلق زخم والتلاعب بالأشياء، والمبالغة في شيء غير ملحوظ وجعله شيئًا له تأثير معين في المجتمع أو داخل أحد المجتمعات المحلية، بحيث يصبح الشخص نفسه مشهورًا، وفي النهاية يبرز من بين الحشود ويصبح شخصًا له شهرة ومكانة. يتمتع هذا النوع من الأشخاص بذكاء عاطفي مرتفع وحيل كثيرة. الناس الذين لديهم حيل هم في الأساس ملوك أبالسة ماكرون. يدافع مجتمع اليوم عن الذكاء العاطفي المرتفع، وقد تكيِّف بعض العائلات في كثير من الأحيان أطفالها بهذه الطريقة، وذلك بقول: "إنه لأمر جيد أن يكون لديك معدل ذكاء مرتفع، لكنك تحتاج أيضا إلى أن يكون لديك ذكاء عاطفي مرتفع. أنت في حاجة إليه عند التفاعل مع زملائك في الفصل وأقرانك وأقاربك وأصدقائك. أكثر ما يدافع عنه هذا المجتمع ليس قوتك، بل أن تكون صاحب حيلة، ومعرفة كيفية تقديم نفسك وكيفية الترويج لنفسك، وكيفية الاستفادة من جميع القوى المختلفة والظروف المفيدة في المجتمع وجعلها تعمل لصالحك وتخدمك؛ سواء كنت تفعل ذلك من أجل اغتنام الفرصة لكسب ثروة، أو تفعله لتصبح مشهورًا. هؤلاء الناس هم جميعًا أشخاص يتمتعون بذكاء عاطفي مرتفع". بعض العائلات المعينة أو بعض الآباء ذوي الشهرة والهيبة في المجتمع غالبًا ما يعلمون أطفالهم بهذه الطريقة، بقول: "الرجل ذو الذكاء العاطفي محبوب من الرجال والنساء على حد سواء، في حين أن الرجل الذي ليس لديه ذكاء عاطفي غير محبوب من الجميع. المرأة ذات الذكاء العاطفي سيحبها الكثيرون جدًا من الرجال والنساء، وسيسعى في طلبها العديد من الذكور، في حين أنه إذا لم يكن لدى المرأة ذكاء عاطفي، فلن يسعى في طلبها سوى القليل منهم مهما كانت جميلة". إذا لم يكن لدى الناس الذين يعيشون في مجتمع اليوم أي تمييز لهذه الادعاءات المقدَّمة من عائلاتهم، فسيتأثرون عن غير قصد بهذه الأفكار والآراء، وكثيرًا ما سيقيسون معدل ذكائهم، وعلى وجه الخصوص، غالبًا ما سيقارنون أنفسهم بمعايير معينة لتحديد ما إذا كان لديهم ذكاء عاطفي، وتحديد مدى ارتفاع ذكائهم العاطفي بالفعل. بغض النظر عما إذا كان لديك وعي قوي أو واضح بهذه الأشياء أم لا، فيكفي أن نقول إن التأثيرات التكييفية لعائلتك في هذا الصدد ستكون قد بدأت بالفعل في التأثير عليك. ربما تكون غير ملحوظة، وربما لا تحتل مكانًا بارزًا في أفكارك. ولكن عندما تسمع هذه الأشياء ولا تميزها، فإنها ستكون قد بدأت بالفعل في تكييفك إلى حد ما.
ثمة تأثيرات تكييفية أخرى تأتي من عائلة المرء. على سبيل المثال، غالبًا ما يخبر الآباء أطفالهم: "عندما تكون في صحبة آخرين، فأنت لا تعرف كيف تبدو ذكيًا وتتصرف دائمًا بغباء وجهل. كما يقول المثل: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله". لذلك عندما يتحدث الناس إليك، يجب أن تتعلم الاستماع إلى ما يقولونه، وإلا فسوف ينتهي بك الأمر إلى خيانة الآخرون لك ودفعك لثمن الامتياز! هل يقول بعض الآباء هذا في كثير من الأحيان؟ ما الذي يحاولون قوله حقًا؟ لا تكن شخصًا صادقًا، كن أكثر مكرًا. وهذا يعني، اقرأ دائمًا ما بين سطور ما يقوله الشخص الآخر، واستمع دائمًا إلى المعنى المبطن الذي لا يقوله في كلماته، وتعلم تخمين ما يعنيه الآخرون فعلًا، ثم تبنّ التدابير أو الحيل المقابلة بناء على هذا المعنى غير المعلن. لا تكن سلبيًا، وإلا فسوف ينتهي بك الأمر إلى التعرض للخيانة ودفعك ثمن هذا الامتياز. من منظور والديك، هذه الكلمات كلها حسنة النية، وتهدف إلى حمايتك من الإتيان بأمور حمقاء، أو من خيانة الآخرين لك في هذا المجتمع الشرير، وحمايتك من أن تتعرض للخديعة أو فعل شيء أحمق. لكن هل هذا القول متسق مع الحق؟ (لا، ليس متسقًا معه). لا، ليس متسقًا معه. في بعض الأحيان يتمكن الناس من الاستماع إلى المعاني الخفية فيما يقوله الآخرون. حتى إذا لم تنتبه، فلا يزال بإمكانك الاستماع إلى المعاني الخفية. فماذا ينبغي أن تفعل؟ وفقًا لهذه المقولة التي يقولها لك والداك: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"؛ يجب عليك الحذر من الآخرين واليقظة لهم في جميع الأوقات، وفي الوقت نفسه الذي تحذر فيه منهم، يجب عليك اتخاذ تدابير وقائية قبل أن يؤذوك أو يخدعوك. والأهم من ذلك، يجب أن تضرب أولًا وألا تضع نفسك في موقف سلبي أو معضلة. هل هذا هو الهدف النهائي الذي يريد الآباء تحقيقه من خلال إخبارك بهذه المقولة؟ (نعم). إنه ألا تكون سلبيًا عندما تتفاعل مع الآخرين، سواء كانوا يؤذونك أم لا. يجب أن تأخذ زمام المبادرة بين يديك، وأن تمسك مقبض السكين بيديك، بحيث يتسنى لك أن تحمي نفسك فحسب متى ما أراد شخص ما إيذائك، وليس هذا فحسب، بل يمكنك أيضًا أخذ زمام المبادرة بضربه وإيذائه، وأن تكون أكثر قوة وقسوة منه. هذا في الواقع هو الهدف والمعنى الجذري لكلمات والديك. عند تحليل هذه المقولة بهذه الطريقة، فمن الواضح أنها لا تتفق مع الحق، وأنها غير متسقة تمامًا مع ما قصده الله عندما قال للناس: "كُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ". إن المبادئ والطرق الحكيمة التي يقولها الله للناس هي لمساعدتهم على تمييز مخططات الآخرين الماكرة، وحماية أنفسهم من الوقوع في الغواية والاختلاط بالأشرار، والامتناع عن استخدام الطرق الشريرة للتعامل مع الشر، واستخدام مبادئ الحق عوضًا عن ذلك للتعامل مع أي فعل للشر وأي شخص شرير. في حين أن الطريقة التي يخبر بها الآباء أبناءهم: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"، تتعلق برد الشر بالشر، أي إذا كان الشخص الآخر شريرًا، فينبغي أن تكون أكثر منه شرًا. إذا كانت كلماته تحمل معنى خفيًا، فأنت متفوق عليه ويمكنك إدراك هذا المعنى والتعرف عليه، وفي الوقت نفسه، بناء على هذا المعنى الخفي، يمكنك استخدام الأساليب والحيل المقابلة للتعامل معه، ومواجهته، وقمعه، وجعله يخشاك، ويخضع لك، وجعله يعرف بأنه لا يمكنه التنمر عليك أو العبث معك. هذا ما تعنيه مواجهة الشر بالشر. من الواضح أن طريق الممارسة ومعيار الممارسة اللذين يتم توصيلهما إليك والنتيجة التي يتم تحقيقها من خلال هذا القول ستقودك إلى فعل الشر والانحراف عن الطريق الصحيح. عندما يخبرك والداك أن تتصرف على هذا النحو، فهما لا يطلبان منك أن تكون شخصًا لديه الحق أو شخصًا يخضع للحق، ولا يطلبان منك أن تكون كائنًا مخلوقًا حقيقيًا. إنهما يطلبان منك مواجهة الشر والتغلب عليه باستخدام طرق أكثر شرًا من طرق الشخص الشرير الذي في مواجهتك. هذا ما يقصد والداك أن يقولاه. هل هناك أي والد يقول ما يلي؟ "إذا هاجمك شخص شرير، مارس ضبط النفس. ينبغي أن تتجاهله وتميز حقيقته. أولًا، حدد جوهر الشخص الشرير بداخله، وميزه على حقيقته. ثانيًا، تعرف على الأعمال الشريرة والشخصيات الفاسدة في نفسك التي تشبه ما لديه أو تماثله، ثم اطلب الحق لعلاجها". هل يخبر أي من الآباء أبناءهم بذلك؟ (لا). عندما يخبرك والداك: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله، يجب أن تحذر، وإلا فسوف ينتهي بك الأمر إلى خيانة الآخرين لك ودفع ثمن الامتياز، ويجب أن تتعلم أن تضرب أولًا"، بغض النظر عن مقصد والديك الأصلي في قول هذا، أو التأثير النهائي الذي يتحقق، فإنه يجعلك مرعبًا بدرجة أكبر، وأكثر قوة، وأكثر تسلطًا، وأكثر هيمنة، وأكثر شراسة، بحيث يخاف الأشرار منك ويتجنبونك حتى عندما يرونك، ولا يجرؤون على العبث معك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). لذا، هل يمكن القول إن هدف والديك من إخبارك بهذا القول لا يتمثل في تحويلك إلى شخص لديه حس بالعدالة، أو شخص يمتلك الحق، ولا يتمثل في جعلك شخصًا حكيمًا يكون "حكيمًا كالحيات، وبسيطًا كالحمام"؟ هدفهما هو إخبارك أنه يجب أن تكون شخصًا قويًا في المجتمع، وأن تكون أكثر شرًا من الآخرين، وأن تكون شخصًا يستخدم الشر لحماية نفسه، أليس كذلك؟ (بلى). عندما يخبرك والداك "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"، سواء كان ذلك مقصدهما الأصلي أو التأثير النهائي الذي يتحقق، وسواء أخبرك والداك بمبادئ وأساليب الممارسة للقيام بمثل هذه الأشياء، أو أخبراك عوضًا عن ذلك بأفكارهما ووجهات نظرهما حول مثل هذه الأشياء، من الواضح أن أيًا من هذا لا يتماشى مع الحق، وهو يتعارض مع كلام الله. والداك يجعلانك تصبح شخصًا شريرًا، وليس شخصًا مستقيمًا، ولا شخصًا حكيمًا يتقي الله ويحيد عن الشر. من الواضح أن التعليم والتكييف اللذين يقدمهما لك والداك ليسا شيئين إيجابيين، ولا هما مسارًا صحيحًا. على الرغم من أن والديك قصدا حمايتك، وكان لديهما أفضل المقاصد في القيام بذلك، فإن التأثير الذي حققاه خبيث. إنهما لم يفشلا في حمايتك فحسب، بل وجهاك أيضًا نحو مسار غير صحيح، مما تسبب في فعلك الشر وأن تصبح شخصًا شريرًا. هما لم يفشلا في حمايتك فحسب، بل أضرا بك فعليًا من خلال التسبب في سقوطك في الغواية وعدم البر، والابتعاد عن رعاية الله وحمايته. من وجهة النظر هذه، من المرجح أن تجعلك التأثيرات التكييفية التي تمارسها عائلتك عليك أنانيًا ومنافقًا ومتعطشًا للشهرة والربح والمكانة الاجتماعية، وأن تدمجك على نحو أفضل في اتجاهات الشر، وأن تعطيك حيلًا أكثر تطورًا للتفاعل مع الآخرين، وأن تجعلك – في وجود الآخرين – مراوغًا وشريرًا ومتسلطًا، وتحكميًا، حتى لا يجرؤ أحد على العبث معك أو لمسك. من وجهة نظر والديك، فقد استخدما هذه الأساليب لتكييفك بحيث تكون محميًا في المجتمع، أو، إلى حد ما، بحيث تصبح شخصًا مبجلًا. لكن من منظور الحق، فهما لا يسمحان لك بأن تكون كائنًا مخلوقًا حقيقيًا. إنهما يجعلانك تبتعد عن تعاليم الله والأساليب التي يحذرك بها الله بخصوص الكيفية التي يجب أن تتصرف بها، كما أنهما يجعلانك تبتعد أكثر فأكثر عن الهدف الذي يخبرك الله أن تسعى إليه. أيًا كانت المقاصد الأصلية لوالديك في تكييفك وتعليمك، فإن هذه الأفكار التي كيفاك عليها في النهاية لم تجلب لك سوى الشهرة والربح والفراغ، إضافة إلى جميع الأعمال الشريرة التي عشتها وكشفت عنها، كما أنها أمدتك بمزيد من التأكيد على الجانب العملي لهذه الآثار التكييفية في المجتمع، ولا شيء غير ذلك.
بخصوص هذه الأقوال المستمدة من التكييف الذي تمارسه عائلتك عليك – مثل "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"، فإنك لن تلقي إليها بالًا إذا نظرت إليها بمعزل عن غيرها. ستشعر أن هذه الأقوال شائعة ومنتشرة على نطاق واسع، وأنه ما من مشكلات كبيرة في مثل هذه الأقوال والأفكار والآراء، لكنك إذا قارنتها بالحق واستخدمت الحق في تشريحها بالتفصيل، فسيتضح لك أن ثمة مشكلات كبيرة بالفعل في هذه الأقوال. على سبيل المثال، إذا كان والداك يقولان لك دائمًا: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"، واستخدمت أنت هذا النمط من الوجود بمهارة، فإنك متى ما قابلت أشخاصًا ستظل تتكهن – باستمرار وعلى نحو لا شعوري لا تدركه – بشأن أشياء مثل: "ماذا يقصد بهذا؟ لمَ قال ذلك؟" وبطبيعة الحال، سيكون لديك تخمينات بشأن أفكار الآخرين، وباستمرار ستستمع إلى ما يقولونه وتتفاعل معهم بهذا النمط المعتاد من التفكير، ومن ثمَّ فإنك لن تتأمل الحق، أو كيفية التعايش مع الآخرين، أو ما هي مبادئ التفاعل مع الآخرين، أو مبادئ التواصل معهم، أو كيفية التعامل مع المضامين التي تتعرف عليها في كلام الناس، أو ما الطريقة التي يعلِّم بها الله، أو كيفية تمييز الناس من هذا النوع، أو كيفية التعامل معهم، وغيرها من مبادئ الممارسة التي لم يخبرك بها والداك. ما أخبرك به والداك هو أن تتعلم كيفية التشكيك في أفكار الآخرين، وقد نفذت هذه الطريقة في الممارسة بشكل جيد جدًا؛ فقد وصلت بالفعل إلى درجة إتقانها ولم تعد تستطيع منع نفسك من القيام بها. ولذلك، تتطلب هذه الأمور من الناس أن يهدئوا أنفسهم بشكل منتظم، وأن يفكروا بعناية، ويبذلوا جهدًا في إدراك الأمور. يجب من ناحية ما أن تشرِّح هذه الأمور وتميزها بوضوح؛ ومن ناحية أخرى، متى حدثت هذه الأمور، يجب عليك أن تبذل جهدًا لتغيير طريقة تفكيرك والطريقة التي ترى بها الناس والأشياء. وهذا يعني أنه يجب أن تغير أفكارك وآرائك بشأن التعامل مع مثل هذه الأمور. في المرة القادمة التي تستمع فيها إلى شخص ما وهو يتحدث، وتحاول التكهن بما يقصد قوله حقًا، تخل عن هذه الطريقة في التفكير وفي التعامل مع الناس وفكر مليًا: "ماذا يقصد بقوله هذا؟ إنه لا يتحدث بشكل مباشر ودائمًا ما يراوغ. هذا الشخص مخادع. ما هذا الشيء الذي كان يتحدث عنه؟ ما جوهر هذا الشيء؟ هل يمكنني إدراكه بوضوح؟ إذا كان بإمكاني إدراكه بوضوح، فسأعقد معه شركة مستخدمًا الحجج والآراء التي تتفق مع الحق، وأشرح له الأمر بوضوح، وأجعله يفهم حقيقة هذا الجانب. سأساعده وأصحح أفكاره وآراءه الخاطئة. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ الطريقة التي يتحدث بها مخادعة. لا أريد أن أعرف ما يقصده بذلك، أو السبب في أنه يتحدث بهذه الطريقة الملتوية. لا أريد أن أبذل الجهد والطاقة في محاولة التكهن بما يعنيه حقًا. لا أريد دفع هذا الثمن، ولا أريد فعل أي شيء في هذا الصدد. ينبغي فقط أن أدرك أنه شخص مخادع. لن أنخرط معه في الخداع على الرغم من أنه مخادع. مهما يكن مدى خداعه، فسأكون صريحًا معه، وأقول ما ينبغي قوله، وبصدق تام. فكما قال الرب يسوع: "لِيَكُنْ كَلَامُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لَا لَا" (متى 5: 37). إن مواجهة الخداع بالصدق هو أعلى معايير ممارسة الحق". إذا مارست بهذه الطريقة، فستتخلى عن الطرق التي كيَّفك والداك عليها وعلموك إياها، وستتغير مبادئك في الممارسة أيضًا. حينئذٍ، ستكون شخصًا يسعى إلى الحق. وأيًا كانت جوانب تكييف والديك لك التي تتخلى عنها، متى ما حدثت مجددًا أشياء ذات صلة، فستغير أفكارك وآراءك الخاطئة بشأنها، من خلال اتخاذ كلام الله كأساس واستخدام الحق كمعيار، وتحويلها إلى أفكار وآراء صحيحة وإيجابية تمامًا. أي إنك إذا حكمت على هذا الأمر ونظرت إليه وتعاملت معه باستخدام كلام الله والحق أساسًا لك ومعيارًا للممارسة، فأنت تمارس الحق. وعلى النقيض من ذلك، إذا كنت لا تزال تتبنى الطرق التي علمك إياها والداك – أو الأفكار والآراء التي غرساها فيك – بصفتها المعيار والأساس ومبادئ الممارسة للتعامل مع هذا الأمر، فإن هذه الطريقة في الممارسة ليست ممارسة للحق ولا سعيًا إلى الحق. في النهاية، ما يكسبه الناس من السعي إلى الحق هو تقدير الحق واختباره. إذا لم تسع إلى الحق، فلن تكتسب تقديرًا للحق أو تختبره. ما ستكسبه هو التقدير لهذا القول الذي كيَّفك والداك عليه والاختبار في تطبيقه فحسب. لذا، بينما يتحدث الآخرون عن اختبارهم وتقديرهم لكلام الله، لا يمكنك أن تحمل نفسك على قول أي شيء، إذ ليس لديك ما تقوله. كل ما لديك هو تقدير واختبار عمليين للأفكار والآراء التي كيَّفتك عليها عائلتك. كل ما في الأمر أنك لا تستطيع حمل نفسك على قول أي شيء عنها، وليس لديك أي طريقة لمشاركتها. لذلك، أيًا يكن ما تطَبِّقه، فهو ما ستقدره في نهاية المطاف. إذا كان ما تمارسه هو الحق، فإن ما ستربحه هو تقدير كلام الله والحق واختبارهما. إذا طبقت التعليم والتوجيهات التي أعطاها لك والداك، فإن ما ستقدره هو اختبار تكييف عائلتك والتعليم التقليدي، وما ستكسبه هو الأفكار التي يغرسها الشيطان فيك وإفساد الشيطان لك فحسب. وكلما تعمَّق تقديرك لهذه الأشياء، سيزداد شعورك بأن أفكار الشيطان وآراءه المفسدة مفيدة وعملية، ويتعمق إفساد الشيطان لك. ماذا لو مارست الحق؟ سيكون لديك درجة أكبر من التقدير والاختبار للحق والكلمات والمبادئ التي يخبرك الله بها، وستشعر أن الحق هو الشيء الأكثر قيمة، وأن الله هو مصدر حياة الإنسان، وأن كلام الله هو حياة الناس.
الحواشي:
(أ) لا يشتمل النص الأصلي على عبارة "السياسي المذموم تشين هوي من سلالة سونغ".
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.