الله ذاته، الفريد (ز)

الجزء الرابع

الله مصدر الحياة لجميع الأشياء (أ)

ما هي الغاية من مناقشتنا لهذه الأمور؟ هل هي لكي يستطيع الناس البحث في القوانين الكامنة وراء خلق الله كل الأشياء؟ هل الغاية هي أن تثير اهتمام الناس بعلم الفلك وعلم الجغرافيا؟ (كلا). إذًا، ما هي؟ إنها تهدف لأن يفهم الناس أعمال الله؛ ففي أعمال الله يستطيع الناس التأكد والتحقق من أن الله هو مصدر الحياة لجميع الأشياء. إن كنتَ قادرًا على فهم هذا، عندئذ ستكون قادرًا حقًا على تأكيد مكان الله في قلبك، وعلى إثبات أن الله هو الله ذاته الفريد، خالق السماوات والأرض وجميع الأشياء. إذًا، هل من المفيد لفهمك عن الله أن تعرف قوانين كل الأشياء وأن تعرف أعمال الله؟ (أجل). ما مدى فائدته؟ أولًا، عندما تكون قد فهمت أعمال الله هذه، هل ستظل تهتم بعلم الفلك والجغرافيا؟ هل سيكون لك قلب مرتاب وتشك في أن الله هو خالق جميع الأشياء؟ هل سيظل قلبك قلب باحث وترتاب في أن الله خالق جميع الأشياء؟ (كلا). عندما تكون قد تأكدت من أن الله هو خالق الكون وفهمت بعض قوانين خلقه، فهل ستؤمن حقًا في قلبك أن الله يعول جميع الأشياء؟ (أجل). هل لكلمة "يعول" هنا معنى معين، أم أن استخدامها يشير إلى ظرف خاص؟ عبارة "الله يعول كل الأشياء" لها معنى وحيز واسعان جدًا. إذ إن الله لا يزود الناس فقط باحتياجاتهم اليومية من الطعام والشراب، بل إنه يمدّ البشر بكل شيء يحتاجون إليه، بما في ذلك كل شيء يراه الناس والأشياء وكذلك الأشياء التي لا يمكنهم رؤيتها. إن الله يحفظ ويدبّر ويحكم البيئة المعيشية الضرورية للبشر. بمعنى أيَّما كانت البيئة التي يحتاج إليها البشر لكل سبب فقد أعدّها الله. الله يدبر أيضًا نوعية الهواء ودرجة الحرارة حتى تكونا ملائمتين للبقاء الإنساني. إن القوانين التي تحكم هذه الأشياء لا تحدث من تلقاء نفسها أو على نحو عشوائي، بل هي نتيجة سيادة الله وأعماله. فالله نفسه هو مصدر جميع هذه القوانين، وهو مصدر الحياة لكل الأشياء. هذه حقيقة راسخة ومسلَّمٌ بها سواء كنتَ تؤمن بها أم لا، وسواء كان بإمكانك رؤيتها أم لا، أو كان بوسعك أن تفهمها أم لا.

أعلمُ أن الغالبية العظمى من الناس لا يؤمنون إلا بما قاله الله وفعله ومدون في الكتاب المقدس، وأن الله أعلن أعماله لقلة ضئيلة من الأشخاص وسمح للناس بأن يروا قيمة وجوده. كما سمح لهم بأن يحظوا ببعض الفهم لمكانته، وأكد حقيقة وجوده. لكن كثيرًا من الناس يرون أن حقيقة أن الله خلق كل الأشياء وأنه يدبر جميع الأشياء ويعولها تبدو مبهمة أو غير محددة. مثل هؤلاء الناس يتبنون موقف الارتياب. ومثل هذا النوع من المواقف يجعل الناس يعتقدون باستمرار أن قوانين العالم الطبيعي تشكَّلت من تلقاء نفسها، وأن التغيرات والتحولات والظواهر في الطبيعة، والقوانين التي تحكمها، نشأت من الطبيعة نفسها. إن الناس لا يمكنهم أن يدركوا في قلوبهم كيف خلق الله كل الأشياء وكيف يحكمها، ولا يستطيعون فهم كيف يدبر الله ويعول كل الأشياء. وفي ظل محدودية هذه الفرضية لا يؤمن الناس بأن الله خلق كل الأشياء وبأنه يسود عليها ويعولها، وحتى الذين يؤمنون هم مقيدون في إيمانهم بعصر الناموس وعصر النعمة وعصر الملكوت؛ فهم يؤمنون أن أعمال الله وإعالته للبشرية مقصورة على شعبه المختار فحسب. هذا أمر في الواقع أكره أن أراه، وهو يسبب كثيرًا جدًا من الألم؛ لأنه كما يتمتع البشر بكل ما يأتي به الله، فإنهم في الوقت نفسه ينكرون ما يفعله وكل ما يعطيه إياهم. لا يؤمن الناس إلاّ بأن السماوات والأرض وسائر الأشياء محكومة بقواعدها وقوانينها الطبيعية للبقاء، وأنها بدون أي حاكم يدبرها أو يسود عليها ليعولها ويحفظها. وحتى إن آمنتَ بالله فقد لا تؤمن بأن هذه كلها هي أعماله. في الواقع، هذا أحد أكثر الأمور إغفالًا من جانب كل مؤمن بالله، وكل من يقبل كلمة الله وكل من يتبعه. لذلك فحالما أشرع في مناقشة أمر لا صلة له بالكتاب المقدس أو ما يسمى بالمصطلحات الروحية، يصاب بعض الناس بالملل أو الضجر أو حتى بعدم الارتياح. ويشعرون بأنه لا علاقة له بالأشخاص الروحانيين والأشياء الروحية. ذلك أمر فظيع. عندما يتعلق الأمر بمعرفة أعمال الله، حتى وإن لم نذكر علم الفلك، أو نبحث في علم الجغرافيا أو علم الأحياء، لكن لا بُد أن نفهم سيادة الله على جميع الأشياء، ونعرف عنايته بكل الأشياء، وأنه مصدر جميع الأشياء. هذا درس مهم ولا بد من دراسته واستيعابه. أعتقد أنكم فهمتم كلماتي.

في القصتين اللتين رويتهما، حتى وإن كان محتواهما غير معتاد وتمت روايتهما والتعبير عنهما كما هما بأسلوب خاص إلى حد ما، حاولت أن أستخدم لغة واضحة وأسلوبًا بسيطًا لكي أساعدكم أن تستوعبوا وتتقبلوا أمرًا أكثر عمقًا. كان هذا هدفي الوحيد. أردتكم من خلال هذه القصص والمشاهد الصغيرة التي تصورها أن تروا وتؤمنوا أن الله هو سيد كل الخليقة. الغرض من سرد هاتين القصتين هو إتاحة الفرصة لكم لتروا وتعرفوا أعمال الله غير المحدودة ضمن الحدود المحدودة لقصة ما. وفيما يتعلق بالوقت الذي ستتوصلون فيه إلى هذه النتيجة وتحققونها في داخلكم فيعتمد على خبراتكم الخاصة والمسعى الفردي لكل منكم. إن كنت شخصًا تسعى وراء الحق وتطلب معرفة الله، فإن هذه الأمور ستكون بمثابة ذكرى ثابتة وقوية لك، وسوف تسمح لكم بالتمتع بوعي عميق، وبوضوح في فهمكم، والذي سيقترب تدريجيًا من أعمال الله الفعلية، مع قرب لا بُعدَ فيه ولا ضلال. أما إذا لم تكن شخصًا تسعى إلى معرفة الله، فإن هاتين القصتين التي استمعتم إليهما لا يمكنهما أن يتسببا في أي أذى لكم. فقط اعتبروهما قصتين حقيقيتين.

هل فهمتم أي شيء من هاتين القصتين؟ أولًا، هل هاتان القصتان منفصلتان عن مناقشتنا السالفة حول اهتمام الله بالبشرية؟ هل ثمة صلة حتمية؟ هل حقًا أننا نرى ضمن هاتين القصتين أعمال الله والاعتناء الكامل الذي يوليه لكل شيء في خططه لأجل البشرية؟ هل حقًا أن كل شيء يفعله الله ويفكر فيه موجه نحو وجود البشرية؟ (أجل). أليس فكر الله واهتمامه الحريصان للبشر واضحين جدًا؟ ليس على البشر أن يفعلوا شيئًا؛ فقد أعد الله للناس الهواء، وكل ما عليهم هو أن يتنفسوه. الخضروات والثمار التي يأكلونها متوافرة لهم بسهولة. فمن الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، لكل منطقة مواردها الطبيعية الخاصة بها؛ فقد أعد الله محاصيل إقليمية مختلفة وثمارها وخضرواتها. وفي البيئة الأوسع، جعل الله الأمور جميعًا تعزِّز بعضها بعضًا، وتعتمد على بعضها بعضًا، وتقوِّي بعضها بعضًا، وتواجه بعضها بعضًا وتتعايش معًا. وهذا أسلوبه وقانونه للحفاظ على بقاء جميع الأشياء ووجودها، وبهذه الطريقة استطاعت البشرية أن تنمو في هدوء وسلام في هذه البيئة المعيشية، وأن تتكاثر من جيل إلى جيل، حتى يومنا الحاضر. وبعبارة أخرى، يجعل الله البيئة الطبيعية متوازنة. لو لم يَسُد الله ويسيطر، لما استطاع إنسان حفظ البيئة وإحلال التوازن فيها، حتى مع كونها من خلق الله. في بعض الأماكن لا يوجد هواء، ولا يستطيع البشر البقاء في مثل هذه الأماكن، ولن يسمح لك الله بالذهاب إلى هناك. لذا لا تذهب إلى ما هو أبعد من الحدود المناسبة. وهذا من أجل حماية البشر، حيث توجد أمور غامضة فيها. فكل ركن من أركان البيئة، وطول الأرض وعرضها، وكل كائن حي على الأرض – الأحياء منهم والأموات على السواء – هو من تصور وإعداد الله المسبقين. لماذا هناك حاجة إلى هذا الشيء؟ لماذا ذلك الشيء غير ضروري؟ ما هي الغاية من كون هذا الشيء هنا، ولماذا يجب أن يكون ذلك الشيء هناك؟ لقد فكّر الله بكل هذا مليًّا، ولا حاجة لأن يفكر الناس به. ثمّةَ بعض الناس الحمقى الذين يفكرون دائمًا بتحريك الجبال، ولكن بدلًا من ذلك لماذا لا ينتقلون إلى السهول؟ إن كانت الجبال لا تروقك، فلماذا تعيش بجوارها؟ أليست هذه حماقة؟ ماذا يحدث إن حركت ذلك الجبل؟ سوف تهب أعاصير وموجات ضخمة فتدمر بيوت الناس. أليس ذلك عملًا أحمق؟ بوسع الناس أن يدمروا فحسب. ليس بوسعهم حتى أن يحافظوا على المكان الوحيد الذي يجب عليهم أن يعيشوا فيه، ومع ذلك يريدون أن يعتنوا بكل الأشياء. هذا أمر مستحيل.

يسمح الله للإنسان بإدارة كل الأشياء وممارسة السيادة عليها، ولكن هل يقوم الإنسان بعمل جيد؟ يدمر الإنسان كل ما يستطيع تدميره، ويعجز ببساطة عن الحفاظ على الأشياء كما خلقها الله له في حالتها الأصلية، بل تصرف على العكس من ذلك ودمر خليقة الله. لقد نقل البشر الجبال، واستصلحوا يابسة من البحار، وحولوا السهول إلى صحاري لا يمكن لأحد أن يعيش فيها. ومع ذلك فهناك في الصحراء أنشأ الإنسان صناعات وبنى قواعد نووية مما جعل الدمار يستشري في كل الجهات. لم تعد الأنهار أنهارًا، ولا البحر بقي بحرًا...ما إن أخلَّ البشر بالتوازن في البيئة الطبيعية وقوانينها، أصبح يوم حلول الكارثة بهم وموتهم غير بعيد، بل غدا أمرًا حتميًا. وعندما تحل الكارثة سيعرف البشر القيمة النفيسة لكل شيء خلقه الله لهم ومدى أهميته للبشرية بأسرها. إن عيش الإنسان في بيئة يأتي فيها المطر والرياح في حينها يشبه الحياة في الفردوس. لا يدرك الناس أن هذه بركة، ولكنهم في اللحظة التي يفقدونها جميعًا، سيرون كم أنها كلها نادرة ونفيسة. وما إن تزول، كيف يمكن للمرء استعادتها؟ ماذا بإمكان الناس أن يفعلوا إن كان الله غير راغب في خلقها من جديد؟ هل يوجد ما يمكنكم فعله؟ (لا يمكننا فعل أي شيء). في الواقع ثمة شيء يمكنكم فعله، وهو بسيط جدًا، وعندما أخبركم ما هو ستعرفون على الفور أنه قابل للتحقيق. كيف وجد الإنسان نفسه في حالة وجوده الحالية؟ هل هو بسبب جشع الإنسان وتخريبه؟ إنْ أنهى الإنسان هذا الدمار ألا تُحسِّن بيئته المعيشية نفسها تدريجيًا؟ وإذا لم يفعل الله شيئًا ولم يعد يرغب في فعل أي شيء للبشرية – أي إنه لا يتدخل في الأمر – فإن الحل الأمثل للبشر هو وقف الدمار والسماح لبيئتهم المعيشية بأن تعود إلى حالتها الطبيعية. إنّ وضْعَ حدٍّ لجميع أعمال الدمار يعني التوقف عن سلب الأشياء التي خلقها الله وتخريبها، وسوف يسمح فعل ذلك بتحسن البيئة التي يعيش فيها الإنسان تدريجيًا. أما الإخفاق في ذلك فسوف يفضي إلى بيئة حياتية أكثر قبحًا تتعرض إلى الدمار السريع مع مرور الوقت. هل الحل الذي أقدمه بسيط؟ إنه بسيط وعملي، صحيح؟ بسيط بالفعل، وهو عملي لبعض الناس، ولكن هل هذا عمليٌّ بالنسبة إلى الغالبية العظمى من الناس على وجه البسيطة؟ (ليس كذلك). وبالنسبة إليكم، على أقل تقدير، هل هو عملي؟ (أجل). مِمَّ ينبع قولكم "أجل"؟ هل يمكن القول إنه يأتي من أساس لفهم أعمال الله؟ هل بالإمكان القول إن شرطه هو طاعة سيادة الله وخطته؟ (أجل). ثمة طريقة لتغيير الأمور، ولكن ذلك ليس هو الموضوع الذي نناقشه الآن. إن الله مسؤول عن حياة كل إنسان وهو مسؤول حتى النهاية؛ فالله يعتني بك، وحتى إن مرضت بسبب البيئة التي دمرها الشيطان، أو تأذّيت بالتلوّث، أو تعرضت لانتهاك، فلا يهم ذلك؛ فالله سيعتني بك وسوف يدعك تستمر في العيش. هل تؤمنون بهذا؟ (أجل). إن الله لا يسمح بموت إنسان بسهولة.

هل توصلتم إلى الشعور بأهمية معرفة الله بوصفه مصدر الحياة لجميع الأشياء؟ (أجل، شعرنا بذلك). ما هي المشاعر التي تحسون بها؟ أخبروني. (في الماضي، لم يخطر ببالنا الربط بين الجبال والبحار والبحيرات وأعمال الله. لم نفهم أن هذه الأشياء تتضمن أعمال الله وحكمته في داخلها حتى استمعنا إلى الشركة التي قدمها الله. نرى أنه حتى عندما بدأ الله خلق جميع الأشياء كانت تنطوي جميعًا على مصير وعلى إرادة الله الخيّرة، وجميع الأشياء تعزز بعضها بعضًا وتعتمد على بعضها بعضًا، والبشر هم المستفيد النهائي. ما سمعناه اليوم يتّسم بالجدّة والحداثة، وقد أحسسنا بمدى واقعية أعمال الله. في الواقع وفي حياتنا اليومية وفي مواجهتنا مع جميع الأشياء نشاهد حقًا أن الأمر هو هكذا). لقد شاهدتموها حقًا، أليس كذلك؟ إن عناية الله بالإنسان ليست بدون أساس سليم، فعنايته ليست بضع كلمات قصيرة وحسب. لقد فعل الله الكثير جدًا، وحتى الأشياء التي لا تراها هي جميعًا لمنفعتك. يعيش الإنسان في هذه البيئة، وسط كل تلك الأشياء التي خلقها الله له، حيث يعتمد الناس وجميع الأشياء بعضها على بعض. على سبيل المثال، تطلق النباتات غازات تنقّي الهواء ويتنفس الناس الهواء النقي ويستفيدون منه. لكن بعض النباتات سامّة للناس، غير أن هناك نباتات أخرى تُبطل مفعول النباتات السامة. هذه إحدى الأعاجيب في خليقة الله! لكن دعونا نترك هذا الموضوع الآن؛ فاليوم، ناقشنا بشكل رئيسي التعايش بين الإنسان وبقية الخليقة، والتي بدونها لا يمكن للإنسان العيش. ما أهمية خلق الله لجميع الأشياء؟ إذ لا يستطيع الإنسان العيش بدون بقية الأشياء؛ مثل فكرة أن الإنسان يحتاج إلى الهواء ليعيش، وكيف أنك لو وُضعتَ في فراغ بلا هواء فإنك ستموت في الحال. هذا مبدأ بسيط يوضح أنه لا يمكن للإنسان الوجود بمعزل عن بقية الخليقة. إذًا، أي نوع من المواقف ينبغي أن يتخذها الإنسان نحو الأشياء جميعًا؟ أن يثمّنها ويحميها ويستخدمها بكفاءة، ولا يدمرها ولا يبددها ولا يغيرها حسب هواه؛ لأن جميع الأشياء هي من الله، وهي جميعًا لرعاية البشر. وعلى البشر التعامل معها بضمير حي. ناقشنا اليوم هذين الموضوعين، تفكَّروا فيهما بعناية وتأملوهما مليًّا. في المرة القادمة سوف نناقش بعض الأمور بمزيد من التفصيل. بهذا تنتهي شركتنا لهذا اليوم. إلى اللقاء. (إلى اللقاء).

18 يناير/كانون الثاني 2014

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.