العلاقة بين تسليم الله أيُّوب إلى الشيطان وأهداف عمل الله

2019 أكتوبر 15

مع أن معظم الناس يُدرِكون الآن أن أيُّوب كان كاملًا ومستقيمًا، وأنه كان يتّقي الله ويحيد عن الشرّ، إلا أن هذا الاعتراف لا يمنحهم فهمًا أكبر لهدف الله. في الوقت نفسه الذي يحسدون فيه إنسانيّة أيُّوب ومسعاه، يسألون الله السؤال التالي: كان أيُّوب كاملًا ومستقيمًا وكان الناس يحبّونه كثيرًا، فلماذا سلّمه الله إذًا إلى الشيطان وعرّضه لعذاب رهيب؟ لا بدّ أن مثل هذه الأسئلة قابعةٌ في قلوب العديد من الناس، أو بالأحرى هذا الشكّ هو السؤال الذي يشغل قلوب العديد من الناس. وبما أنه أربك كثيرين من الناس، ينبغي علينا طرح هذا السؤال وشرحه شرحًا صحيحًا.

كلّ ما يفعله الله ضروريّ وينطوي على أهميّة استثنائيّة، لأن كلّ ما يفعله في الإنسان يتعلّق بتدبيره وخلاصه للبشريّة. وبطبيعة الحال، فإن العمل الذي أتمّه الله في أيُّوب لا يختلف عن ذلك مع أن أيُّوب كان كاملًا ومستقيمًا في نظر الله. وهذا يعني أنه بغضّ النظر عمّا يفعله الله أو الوسيلة التي يفعل بها ما يفعله، وبغضّ النظر عن الكلفة، ومهما يكن هدفه، فإن الغرض من أفعاله لا يتغيّر. إن هدفه هو أن يُشغِل الإنسان بكلام الله وكذلك بمتطلّبات الله وإرادته؛ أي أن يُشغِل الإنسان بكلّ ما يؤمن الله بأنه إيجابيٌّ وفقًا لخطواته، ممّا يُمكّن الإنسان من فهم قلب الله وإدراك جوهر الله ويسمح للإنسان بطاعة سيادة الله وترتيباته، وبذلك يسمح للإنسان ببلوغ اتّقاء الله والحيدان عن الشرّ – وهذا كله جانبٌ واحد من غرض الله في كلّ ما يفعله. الجانب الآخر هو أن الإنسان يُسلَّم غالبًا إلى الشيطان لأن الشيطان هو شخصية الضد وأداة الخدمة في عمل الله. هذه هي الطريقة التي يستخدمها الله للسماح للناس بأن يروا في غوايات الشيطان وهجماته شرّ الشيطان وقبحه وحقارته، مما يجعل الناس يكرهون الشيطان ويُمكّنهم من معرفة ما هو سلبيٌّ وإدراكه. تسمح لهم هذه العمليّة بتحرير أنفسهم تدريجيًّا من سيطرة الشيطان واتّهاماته وإزعاجاته وهجماته، إلى أن ينتصروا على هجمات الشيطان واتهاماته بفضل كلام الله، ومعرفتهم بالله وطاعتهم إياه، وإيمانهم به واتّقائهم إياه؛ وعندها فقط يكونون قد نجوا تمامًا من نفوذ الشيطان. تعني نجاة الناس أن الشيطان قد انهزم، وتعني أنهم لم يعودوا لقمةً سائغة في فم الشيطان، وأن الشيطان قد تركهم بدلًا من أن يبتلعهم. وهذا يرجع إلى أن هؤلاء الناس مستقيمون، وأناس لديهم إيمانٍ وطاعة واتّقاء لله ولأنهم دائمًا ما يتصارعون مع الشيطان. إنهم يجلبون العار على الشيطان، ويجعلونه جبانًا، ويهزمونه هزيمةً نكراء. إن إيمانهم باتّباع الله وطاعته واتّقائه يهزم الشيطان ويجعله يستسلم لهم تمامًا. الله لا يربح سوى هذه النوعيّة من الناس، وهذا هو الهدف النهائيّ لله من خلاص الإنسان. إذا أراد جميع من يتبعون الله أن يخلصوا وأن يربحهم الله بالكامل، فإنه يتعيّن عليهم أن يواجهوا إغواء الشيطان وهجماته سواء كانت كبيرة أو صغيرة. أولئك الذين يخرجون من هذا الإغواء وهذه الهجمات ويتمكّنون من هزيمة الشيطان بالكامل هم من ينالون الخلاص من الله. وهذا يعني أن أولئك الذين يُخلّصهم الله هم الذين خضعوا لتجارب الله وتعرّضوا لإغواء الشيطان وهجومه عددًا لا يُحصى من المرات. والذين خلّصهم الله يفهمون إرادة الله ومتطلّباته، ويمكنهم الإذعان لسيادة الله وترتيباته، ولا يتخلّون عن طريق اتّقاء الله والحيدان عن الشرّ وسط إغواء الشيطان. أولئك الذين يُخلّصهم الله يملكون الصدق ويتّسمون بطيبة القلب، ويُميّزون بين المحبّة والكراهية، ولديهم حسٌّ بالعدالة وعقلانيّون، ويمكنهم مراعاة الله وتقدير كلّ ما يخصّ الله. هؤلاء الأشخاص لا يُقيّدهم الشيطان أو يتجسّس عليهم أو يشتكي عليهم أو يؤذيهم، ولكنهم أحرارٌ تمامًا إذ قد تحرّروا بالكامل وأُطلق سراحهم. كان أيُّوب رجلًا حرًّا، وهذا يُمثّل بالضبط مغزى تسليم الله إياه إلى الشيطان.

تعرّض أيُّوب لإيذاء الشيطان، لكنه نال أيضًا الحريّة والتحرير الأبديّين ونال حقّ عدم التعرّض مرةً أخرى لفساد الشيطان أو إيذائه أو اتّهاماته، بل أن يعيش بدلًا من ذلك في نور وجه الله حرًّا ودون قيودٍ، وأن يعيش في وسط بركات الله الممنوحة له. لا أحد يمكنه أن يسلب هذا الحقّ أو يُتلِفه أو يستولي عليه. لقد حصل عليه أيُّوب بفضل إيمانه وعزمه، وطاعته لله واتّقائه إياه. لقد دفع أيُّوب ثمن حياته للفوز بالفرح والسعادة على الأرض، وللفوز بالحقّ والاستحقاق، وهذا طبيعيٌّ ومبرَّرٌ تمامًا، ولعبادة الخالق دون تدخّلٍ كمخلوقٍ حقيقيّ لله على الأرض. كان هذا أيضًا أكبر نتيجةٍ للإغواء الذي تعرّض له أيُّوب.

عندما لا يكون الناس قد نالوا الخلاص بعد، غالبًا ما يزعج الشيطان حياتهم ويسيطر عليها؛ أي إنَّ الأشخاص الذين لم يُخلَّصوا بعد هم سجناء الشيطان، ولا يملكون الحريّة، ولم يتركهم الشيطان، وهمغير مؤهلين أو مستحقّين لأن يعبدوا الله، والشيطان يلاحقهم من كثبٍ ويهاجمهم بشراسةٍ. لا يشعر مثل هؤلاء الناس بسعادة تُذكر، وليس لديهم الحقّ في وجود طبيعيّ يُذكر، وإضافة إلى ذلك ليست لديهم كرامة تُذكر. إذا نهضت وتصارعت مع الشيطان، مستخدمًا إيمانك بالله وخضوعك له واتّقاءك إياه باعتبارها الأسلحة التي تخوض بها مع الشيطان معركة حياة أو موت، بحيث تهزم الشيطان هزيمةً نكراء وتجعله يهرب مذعورًا ويصبح جبانًا كلّما رآك – فحينها فقط سيتوقّف تمامًا عن هجماته عليك واتّهاماته ضدّك، وحينئذٍ سوف تُخلَّص وتصبح حرًّا. إذا صمّمت على الانفصال التام عن الشيطان فحسب، لكنك لم تكن مُجهّزًا بالأسلحة لهزيمة الشيطان، فسوف تظلّ في خطرٍ. ومع مرور الوقت، عندما يكون الشيطان قد عذابًا شديدًا حتى إنه لا يبقى فيك شيءٌ من القوّة، لكنك تظل غير قادر على تقديم الشهادة ولم تُحرّر نفسك تمامًا من اتّهامات الشيطان وهجماته ضدّك، فسوف يكون رجاؤك في الخلاص قليلًا. وفي النهاية – أي عند الإعلان عن اختتام عمل الله – إذا كنت ما تزال في قبضة الشيطان غير قادرٍ على تحرير نفسك، فلن يكون لديك أبدًا أي فرصة أو رجاء. وهذا يعني أن مثل هؤلاء الناس سوف يكونون في أسر الشيطان كليًا.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (2)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

خلفيّةٌ عن أيُّوب

بعد أن عرفتم كيف اجتاز أيُّوب التجارب، من المُرجّح أن معظمكم يريدون معرفة المزيد من التفاصيل عن أيُّوب نفسه، وخصوصًا فيما يتعلّق بالسرّ...