كلمات الله اليومية: معرفة الله | اقتباس 168

2020 نوفمبر 16

القصة (2): جبل عظيم، وجدول صغير، وريح عاتية، وموجة عملاقة

كان هناك جدول صغير تعرّج مجراه يمنة ويسرة حتى وصل أخيرًا إلى سفح جبل عظيم. كان الجبل يسد الطريق أمام الجدول الصغير؛ فتوسل إليه قائلًا بصوته الضعيف النحيل: "أرجو أن تدَعني أمرّ؛ فأنت تقف في طريقي وتمنعني من الاستمرار في الجريان". فسأله الجبل: "إلى أين أنت ذاهب؟" فأجابه الجدول الصغير: "أنا أبحث عن بيتي". قال الجبل: "حسنًا، امضِ قُدُمًا وليكن جريانُك من فوقي!" غير أن الجدول الصغير كان ضعيفًا جدًا وغضًا للغاية، واستحال عليه الجريان من فوق ذلك الجبل الضخم، ولذلك لم يكن أمامه من خيار سوى أن يتابع جريانه إلى سفح الجبل...

هبت ريحٌ عاتيةُ، حاملةً معها الرملَ والغبار إلى حيث كان الجبل منتصبًا، وصرخت الرياح قائلة له: "دعني أمرّ!" فسألها الجبل: "إلى أين أنت ذاهبة؟" فعصفت الريح وأجابت: "أريد أن أذهب إلى الجانب الآخر من الجبل". قال الجبل: "حسنًا، إن استطعتِ اختراقي في الوسط، فيمكنكِ الانطلاق!" عصفت الريح العاتية في كل الجهات، ولكن مهما كان هبوبها عنيفًا لم تتمكن من اختراق الجبل من وسطه. تعبت الريح وتوقفت لتستريح، ثم بدأ في الجانب الآخر من الجبل هبوب نسيم عليل، فأدخل السرور في قلوب الناس هناك. وكان هذا بمثابة التحية التي ألقاها الجبل على الناس...

على الشاطئ كان رذاذ المحيط ينحدر بلطف على الحيد البحري. وفجأة ظهرت موجة عملاقة واتجهت هادرة نحو الجبل. صرخت الموجة العملاقة: "افسح الطريق!" سألها الجبل: "إلى أين أنتِ ذاهبة؟" لم تتوقف الموجة العظيمة، وردت على الجبل قائلة: "إنني أوسّع تخومي وأريد أن أمد ذراعيّ بعيدًا". قال الجبل: "حسنًا، إن استطعتِ عبور قِمّتي فسأفسح الطريق لك". ارتدّت الموجة الضخمة قليلًا ثم اندفعت مرتفعة نحو الجبل، لكنها مهما حاولت وبذلت من جهد فإنها لم تستطع تخطّي قمة الجبل، ولم تستطع سوى التقهقر ببطء عائدة إلى البحر...

تدفقت مياه الجدول الصغير برفق حول سفح الجبل لآلاف السنين. وباتباعه لاتجاهات الجبل، تمكَّن الجدول الصغير من العودة إلى موطنه، حيث انضم إلى نهر، والذي بدوره انضم إلى البحر. في ظل رعاية الجبل، لم يضل الجدول طريقه قط. لقد عزَّز الجدول والجبل بعضهما بعضًا واعتمد بعضهما على بعض، وقوَّى كل منهما الآخر، وواجه أحدهما الآخر، وتعايشا معًا.

لم تغير الريح العاتية خلال آلاف السنين عوائدها بالعواء على الجبل؛ فقد ظلت تأتي كثيرًا "لتزور" الجبل، وشكلت بهبوبها دوامات رملية، وهددت الجبل، غير أنها لم تستطع قط اختراقه من وسطه. لقد اعتمد كل من الريح والجبل بعضهما على بعض وعزَّز بعضهما بعضًا، وقوَّى كل منهما الآخر، وواجه أحدهما الآخر، وتعايشا معًا.

لم تذق الموجة العملاقة أيضًا طعم الراحة لآلاف السنين، وسارت بلا هوادة متقدمة إلى الأمام، موسعة تخومها؛ كانت تزمجر وتندفع مرة تلو المرة نحو الجبل، ومع ذلك لم يتحرك الجبل مقدار أنملة. راقب الجبل البحر، وبهذه الطريقة تكاثرت الأحياء في البحر وازدهرت. لقد اعتمدت كل من الموجة والجبل بعضهما على بعض وعزَّز بعضهما بعضًا، وقوَّى كل منهما الآخر، وواجه كل منهما الآخر، وتعايشا معًا.

انتهت القصة. أولًا، أخبروني عمّا كانت تحكي القصة؟ أولًا، كان هناك جبل، وجدول صغير، وريح عاتية، وموجة عملاقة. ماذا حدث في المقطع الأول مع الجدول الصغير والجبل العظيم؟ لماذا اخترت أن أتحدث عن جبل وجدول؟ (في ظل حماية الجبل، لم يضلَّ الجدول طريقه قط؛ فقد اعتمد كل منهما على الآخر). هل تقولون إن الجبل حمى الجدول الصغير أم أعاقه؟ (حَماهُ). لكن هل أعاقه؟ كان الجبل والجدول يراعيان بعضهما بعضًا، وقد وفر الجبل الحماية للجدول، لكنه أعاقه أيضًا. لقد وفر الجبل الحماية للجدول لكي يتمكن من أن ينضم إلى النهر، ولكنه منعه من التدفق في المكان الخطأ، محدثًا فيضانات ومسببًا كوارث للناس. ألم تكن هذه هي الفكرة التي تدور حولها الفقرة؟ بسبب حماية الجبل للجدول وقيامه بدور الحاجز حمى بيوت الناس. ثم انضم الجدول الصغير إلى النهر عند سفح الجبل، وبعد ذلك صبَّ في البحر، أليس هذا هو القانون الذي يحكم وجود الجدول؟ ما الذي مكَّن الجدول من الانضمام إلى النهر والبحر؟ ألم يكن الجبل؟ لقد اعتمد الجدول على حماية الجبل وعلى عرقلته له. أليست هذه هي الفكرة الرئيسية؟ هل ترى أهمية الجبل للماء في هذا؟ هل لله غاية في صنع الجبال العالية منها والمنخفضة؟ (أجل). هذا مقطع صغير، ومن خلال جدول صغير وجبل كبير فحسب دعونا نرى قيمة ودلالة خلق الله لهذين الشيئين. إنهما يظهران لنا أيضًا حكمته وغرضه في سيادته عليهما. أليس هذا صحيحًا؟

ماذا تناولت الفقرة الثانية من القصة؟ (ريح عاتية والجبل العظيم). هل الرياح أمر جيد؟ (أجل). ليس بالضرورة، فالرياح أحيانًا تكون شديدة القوة إلى درجة أنها تتسبب في كارثة. كيف ستشعر إن اضطررتَ إلى البقاء في الخارج أثناء الرياح العاتية؟ يتوقف الأمر على مدى شدة الرياح، أليس كذلك؟ فإن كانت رياحًا من الدرجة الثالثة أو الرابعة، فستكون محتملة. على أقصى تقدير سيكون من الصعب على المرء أن يُبقي عينيه مفتوحتين. ولكن هل تستطيع تحمُّل الريح إن هبت بشدة كافية وأصبحت إعصارًا؟ لن يكون بإمكانك تحمُّلها. ولذلك فمن الخطأ أن يقول الناس عن الرياح إنها جيدة دومًا، أو سيئة دومًا؛ لأن ذلك يتوقف على مدى قوتها. الآن، ما عمل الجبل هنا؟ أليس عمله هو ترشيح الريح؟ إلام يخفف الجبل الرياح العاتية؟ (إلى نسيم عليل). والآن في البيئة التي يسكنها البشر، هل يختبر الناس رياحًا عاتية أم نسيمًا عليلًا؟ (يختبرون نسيمًا عليلًا). أليست هذه إحدى الغايات من خلق الله للجبال وأحد مقاصده؟ كيف سيكون الحال بالنسبة إلى الناس إن عاشوا في بيئة تحرك فيها الرياح حبات الرمال بشدة بدون وجود أي شيء يحجبها عنهم أو يصفّيها لهم؟ ألن تكون الأرض التي تهب فيها الرياح محملة بالرمل والحصى غير صالحة للمعيشة؟ قد يصيب الحصى الناس، وقد تعمي الرمال عيونهم. قد تجرف الريح الناس فتزلزل أقدامهم أو تحملهم في الجو. وقد تتدمر البيوت وتقع جميع أنواع الكوارث. ومع ذلك، هل لوجود الريح العاتية قيمة؟ قلتُ إنها سيئة ولذا قد يشعر أحد بأنها عديمة القيمة، لكن هل هذا صحيح؟ ألا يكون لها قيمة عندما تتحول إلى نسيم؟ ما الذي يكون الناس في حاجة ماسة إليه عندما يكون الجو رطبًا أو خانقًا؟ إنهم يحتاجون إلى نسمة عليلة لتهب عليهم برفق وتنعشهم وتصفّي رؤوسهم، وتشحذ تفكيرهم، وتصلح وتحسّن حالتهم الذهنية. على سبيل المثال، أنتم الآن جميعًا جالسون في غرفة مع عدد كبير من الأشخاص، والهواء فاسد، فما الذي تشتد حاجتكم إليه؟ (نسيم عليل). الذهاب إلى مكان يكون فيه الهواء مكدَّرًا وملوثًا قد يجعل تفكير الإنسان بطيئًا، ويضعف تدفق الدم لديه، ويقلل من صفاء ذهنه. لكن قليل من حركة الهواء ودورانه يجدد الهواء ويشعر الناس باختلاف في الهواء المنعش. مع أن الجدول الصغير قد يتسبب في كارثة، ومع أن الريح العاتية قد تؤدي إلى كارثة، فما دام الجبل موجودًا فسوف يحوِّل خطرها هذا إلى مصدر نفع للناس، أليس ذلك صحيحًا؟

عمَّ تتحدث الفقرة الثالثة من القصة؟ (الجبل العظيم والموجة العملاقة). الجبل العظيم والموجة العملاقة. توجد هذه الفقرة؛ حيث نشاهد الجبل، ورذاذ أمواج المحيط، وموجة ضخمة. ماذا يمثل الجبل بالنسبة إلى الموجة في هذه الحالة؟ (يمثل حاميًا وحاجزًا). إنه حامٍ وحاجز في آن واحد. بصفته حاميًا، فإنه يحفظ البحر من الاختفاء لكي تتمكن الكائنات التي تعيش فيه من النمو والازدهار. أما بالنسبة إلى كون الجبل حاجزًا، فهو يمنع مياه البحر من الفيضان وإحداث كارثة ومن إيذاء مساكن الناس وتدميرها؛ ولذلك يمكننا القول إن الجبل هو حاجز وحامٍ على حدٍّ سواء.

هذه هي أهمية الترابط بين الجبل العظيم والجدول الصغير، وبين الجبل العظيم والريح العاتية، وبين الجبل العظيم والموجة العملاقة. إنها أهمية تقوية كل منهما للآخر ومواجهة كل منهما الآخر، وتعايشهما معًا. هذه الأشياء التي خلقها الله محكومة في بقائها بقانون وناموس. إذن، ما أعمال الله التي رأيتها في هذه القصة؟ هل ظل الله يتجاهل كل الأشياء منذ أن خلق الكون؟ هل وضع القوانين وصمم الطرق التي تؤدي بها جميع الأشياء وظيفتها حتى يتجاهلها بعد ذلك؟ هل ذلك هو ما حدث؟ (كلا). إذًا، ماذا حدث؟ ما زال الله يضبط الأمور. فهو يضبط الماء والرياح والأمواج؛ ولا يدعها تعيث في الأرض فسادًا ولا يتركها تسبب الأذى أو الخراب للبيوت التي تسكنها الناس، ونتيجة لذلك يستطيع الناس الاستمرار في الحياة والتكاثر والازدهار على الأرض. هذا يعني أن الله قد خطط بالفعل قوانين وجود كل شيء عندما خلقه. وعندما صنع الله كل شيء حرص على أن يكون نافعًا للبشرية، وتحكّم به أيضًا لكيلا يتسبب في اضطراب أو كوارث للبشر. ولولا تدبير الله، ألم تكن المياه لتتدفق بلا ضابط؟ ألم تكن الريح لتعصف بلا هوادة؟ هل تتبع المياه والرياح قوانين؟ لولا تدبير الله لها لما خضعت لأية قوانين، ولزمجرت الرياح وارتفعت مناسيب المياه وتسببت في فيضانات. لو أن الموجة كانت أعلى من الجبل، هل كان البحر سيتمكن من الوجود؟ ما كان سيوجد. ولو لم يكن الجبل بارتفاع الموجة لما وُجد البحر ولفقد الجبل قيمته وأهميته.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (ز)

عرض المزيد

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

اترك رد

مشاركة

إلغاء الأمر