على الرغم من فساد الإنسان، فإنه لا يزال يعيش في ظلّ سيادة سلطان الخالق

2019 أكتوبر 15

ظلّ الشيطان يُفسِد البشريّة منذ آلاف السنين. لقد تسبّب في مقادير لا تُوصف من الشرّ، وضلَّل جيلًا بعد جيلٍ، وارتكب جرائم شنيعة في العالم. أساء للإنسان وضلَّل الإنسان وأغوى الإنسان ليعارض الله وارتكب أعمالًا شريرة أوقعت الاضطراب في خطّة تدبير الله وخربتها مرارًا وتكرارًا. ومع ذلك، فإنه في ظلّ سلطان الله، تستمرّ جميع الأشياء والمخلوقات الحيّة في الالتزام بالقواعد والقوانين التي وضعها الله. وبالمقارنة بسلطان الله، فإن طبيعة الشيطان الشريرة وهياجه في منتهى القبح والاشمئزاز والحقارة والدناءة والضعف. وعلى الرغم من أن الشيطان يتمشّى بين جميع الأشياء التي خلقها الله، فإنه غير قادرٍ على سنّ أيّ تغييرٍ في الناس والأشياء والكائنات التي عينها الله مسبقًا. مرّت عدّة آلافٍ من السنين، وما زالت البشرية تنعم بالنور والهواء اللذين منحها الله إياهما، وما زالت تتنفَّس النفسَ الذي أطلقه الله نفسه، وما زالت تتمتع بالزهور والطيور والأسماك والحشرات التي خلقها الله وتتمتع بجميع ما قدّمه الله؛ ما زال الليل والنهار يتعاقبان باستمرارٍ، وتتناوب الفصول الأربعة كالمعتاد؛ ما زال الإوزّ المُحلّق في السماء يغادر في الشتاء ويعود في الربيع التالي، والأسماك في الماء لا تترك الأنهار والبحيرات – مساكنها – أبدًا؛ حشرات الزيز على الأرض تُغنّي من قلبها خلال أيام الصيف، والصراصير في العشب تُهمهِم بلطفٍ مع هبوب الرياح خلال فصل الخريف؛ تتجمّع الإوز في قطعانٍ بينما تبقى النسور منفردة، وزمَر الأسود تعول نفسها بالصيد، ولا يمكن أن تبتعد الأيائل عن العشب والأزهار... كلّ نوعٍ من الكائنات الحيّة بين جميع الأشياء يغادر ويعود ثم يغادر مرّةً أخرى؛ بحيث يحدث مليون تغييرٍ في طرفة عينٍ، لكن ما لا يتغيّر هو غرائزها وقوانين البقاء. إنها تعيش في ظلّ إمداد الله وتغذيته، ولا أحد يمكنه تغيير غرائزها، ولا أحد يمكنه تدمير قواعد البقاء الخاصة بها. على الرغم من أن الإنسان، الذي يعيش بين جميع الأشياء، قد تعرّض للفساد والتضليل من الشيطان، فإن الإنسان لا يستطيع التخلّي عن الماء الذي خلقه الله، والهواء الذي صنعه الله، وجميع الأشياء التي صنعها الله، وما زال الإنسان يعيش ويتكاثر في هذا الفضاء الذي خلقه الله. إن غرائز الإنسان لم تتغيّر. ما زال الإنسان يعتمد على عينيه للرؤية وعلى أذنيه للسمع وعلى عقله للتفكير وعلى قلبه للفهم وعلى ساقيه وقدميه للمشي وعلى يديه للعمل وهكذا. لم يطرأ تغير على جميع الغرائز التي وهبها الله للإنسان حتّى يتمكّن من قبول تدبير الله، كما أن القدرات التي يتعاون الإنسان من خلالها مع الله لم تتغيّر، فقدرة الإنسان على تتميم واجب كائنٍ مخلوق لم تتغيّر، واحتياجات الإنسان الروحيّة لم تتغيّر، ورغبة الإنسان في إيجاد أصوله لم تتغيّر، وحنين الإنسان لخلاص الخالق لم يتغيّر. هذه هي الظروف الحاليّة للإنسان الذي يعيش في ظلّ سلطان الله، وتحمّل الهلاك الدمويّ الذي تسبّب به الشيطان. وعلى الرغم من تعرّض البشريّة للكثير من تخريب الشيطان، ورغم أنَّها لم تعُد آدم وحواء اللذين خُلقا في البداية، بل صارت بدلًا من ذلك مليئة بالأمور التي تُعادي الله مثل المعرفة والتصورات والمفاهيم، وما إلى ذلك، ومليئة بالشخصيات الشيطانيّة الفاسدة، فإنها في نظر الله، لا تزال هي نفسها البشريّة التي خلقها. لا تزال البشرية تحت سيادة الله وتنظيماته، وما تزال البشرية تعيش ضمن المسار الذي حدّده الله، ولهذا فإن البشريّة التي أفسدها الشيطان، هي في نظر الله مغطاة بالوسخ فحسب، وهي بمعدة صاخبة، وبردود أفعالٍ بطيئة قليلًا، وبذاكرةٍ متدهورة بعض الشيء، وبعمرٍ أكبر قليلًا، هذا كل شيء؛ في حين أن جميع وظائف الإنسان وغرائزه لم تُمَس على الإطلاق. هذه هي البشريّة التي ينوي الله أن يُخلّصها. وهذه البشريّة ليس عليها سوى أن تسمع نداء الخالق، وتسمع صوته، وسوف تتمكن من الوقوف وأن تهرع لتحديد مصدر هذا الصوت. ليس على هذه البشريّة سوى أن ترى هيئة الخالق، وسوف تتجاهل كلّ شيءٍ آخر، وتتخلّى عن كلّ شيءٍ لكي تبذل نفسها لله، وسوف تضع حتى حياتها من أجله. عندما تستوعب البشريّة من قلبها صوت قلب الخالق، سوف ترفض الشيطان وتأتي إلى جانب الخالق، وعندما تغسل البشريّة الأوساخ من أجسادها بالتمام وتتلقى مرّةً أخرى تغذية الخالق وتزويده، سوف تُستعاد ذاكرة البشريّة، وحينئذ ستكون البشريّة قد عادت حقًا إلى سيادة الخالق.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (1)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة