كلمات الله اليومية: معرفة عمل الله | اقتباس 202
تتمثل النتيجة المقصودة من عمل الإخضاع، قبل كل شيء، في وقف تمرد جسد الإنسان؛ وذلك بأن يكتسب عقل الإنسان معرفةً جديدةً بالله، وأن يكون قلبه مطيعًا تمامًا لله، وأن يتطلع الإنسان إلى أن يكون من أجل الله. لا يُعتبر أن الناس قد أُخضعوا عندما يطرأ تغير على طباعهم أو أجسادهم، لكن عندما يتغير تفكير الإنسان ووعيه وإحساسه؛ بمعنى أنه عندما يتغير سلوكك العقلي بالكامل، حينها يكون قد أخضعك الله. عندما تعقد العزم على أن تطيع، وتكون قد تبنّيتَ عقلية جديدة، وعندما تتوقف عن إسقاط أيٍّ من مفاهيمك أو نواياك على كلام الله وعمله، وعندما يستطيع عقلك أن يفكر بشكل طبيعي، بمعنى أنك عندما تستطيع أن تجتهد من أجل الله من كل قلبك، فإنك تكون من نوعية الأشخاص الذين يُخضَعون بالكامل. يعاني العديد من الناس كثيرًا في الدين طوال حياتهم؛ فهم يروّضون أجسادهم ويحملون صلبانهم، حتى إنهم يستمرون في المعاناة والتحمل حتى الرمق الأخير! ويظل بعضهم صائمًا حتى صباح يوم موته؛ فهم يحرمون أنفسهم طيلة حياتهم من الطعام الطيب، والملابس الجميلة، واضعين تركيزهم فقط على المعاناة. إنهم قادرون على إخضاع أجسامهم، وإهمال أجسادهم. إن همّتهم في تحمّل المعاناة جديرة بالثناء، ولكن تفكيرهم ومفاهيمهم وتوجهاتهم العقلية، بل وطبيعتهم القديمة، لم يتم التعامل معها على الإطلاق؛ فهم لا يملكون معرفة حقيقية بأنفسهم، وصورتهم العقلية عن الله هي تلك الصورة التقليدية لإله غامض، وعزمهم على المعاناة من أجل الله ينبع من حماسهم وصفاتهم الإنسانية الطيبة. ومع أنهم يؤمنون بالله، فهم لا يفهمونه ولا يعرفون إرادته، إنما هم يعملون ويعانون فقط بشكل أعمى من أجل الله. فهم لا يُولون أي قيمة على الإطلاق للبصيرة، ويهتمون قليلًا بكيفية التأكد من أن خدمتهم تحقق مشيئة الله، وقلّما يدركون كيف يحققون معرفة بالله. إن الإله الذي يخدمونه ليس الله في صورته المتأصلة، بل هو إله من نتاج خيالاتهم، إله سمعوا به فحسب، أو قرأوا عنه أساطير مكتوبة؛ ثم يستخدمون خيالاتهم الخصبة وتقواهم ليعانوا من أجل الله ويضطلعوا بالعمل الذي يريد الله أن يقوم به. إن خدمتهم ليست متقنة بالمرة، بحيث لا يوجد أحد منهم يستطيع عمليًا أن يخدم حقًّا وفقًا لمشيئة الله. وبغض النظر عن مدى سرورهم بالمعاناة، فإن وجهة نظرهم الأصلية حول الخدمة وصورتهم العقلية عن الله تبقيان دون تغيير؛ لأنهم لم يخضعوا لدينونة الله وتوبيخه وتنقيته وكماله، ولأنه لم يرشدهم أحد مستخدمًا الحق، وحتى إن كانوا يؤمنون بيسوع المخلِّص، لم يرَ أحد منهم المخلِّص قط، فهم لا يعرفونه إلّا من خلال الأساطير والشائعات، ومن ثمَّ فإن خدمتهم لا تعدو كونها خدمة عشوائية بأعين مغلقة مثل إنسان أعمى يخدم أباه. ما الذي يمكن تحقيقه في نهاية المطاف من خلال مثل هذه الخدمة؟ ومَن الذي يوافق عليها؟ من البداية إلى النهاية، لا تتغير خدمتهم أبدًا. إنهم لا يتلقون إلا دروسًا من صنع الإنسان، ولا يبنون خدمتهم إلا على سجيتهم وما يحبونه هم أنفسهم. أي مكافأة يمكن أن يحققها هذا؟ لم يكن حتى بطرس الذي رأى يسوع، يعرف كيف يخدم وفقًا لإرادة الله، ولم يتوصل لمعرفة ذلك إلا في النهاية بعد أن بلغ سن الشيخوخة. ماذا يخبرنا هذا عن هؤلاء الناس العُميان الذين لم يختبروا أقل قدر من التعامل معهم أو التهذيب ولم يكن هناك مَنْ يرشدهم؟ ألا تُشبه خدمة الكثيرين منكم اليوم خدمة هؤلاء العُميان؟ كل أولئك الذين لم يَخضعوا للدينونة، ولم يتم تهذيبهم والتعامل معهم، ولم يتغيروا – أليسوا هم جميعًا مَنْ لم يُخضَعوا بشكلٍ كاملٍ؟ ما فائدة مثل هؤلاء الناس؟ إن لم يؤدِّ تفكيرك ومعرفتك بالحياة ومعرفتك بالله إلى أي تغيير جديد ولم تربح أي شيء في الواقع، فلن تحقق إذًا أي شيء مميز في خدمتك! لا يمكن إخضاعك من دون تبصر ومعرفة جديدة بعمل الله، وستكون طريقتك في اتباع الله حينها مثل أولئك الذين يعانون ويصومون: قليلةَ القيمة! يرجع هذا بالضبط إلى ضآلة الشهادة فيما يفعلونه؛ ولذلك أقول إن خدمتهم غير مجدية! فأولئك الناس يعانون في حياتهم ويقضون وقتهم في السجن، إنهم متسامحون ومحبون ويحملون الصليب دومًا. وهم يتعرضون للسخرية والنبذ من العالم ويختبرون كل الشدائد؛ وعلى الرغم من أنهم مطيعون حتى النهاية، فهم لا يزالون غير خاضعين ولا يستطيعون تقديم أي شهادة بأنهم قد أُخضعوا. لقد عانَوْا كثيرًا، لكنهم في داخلهم لا يعرفون الله على الإطلاق. لم يتم التعامل مع أي من تفكيرهم ومفاهيمهم القديمة، وممارساتهم الدينية، ومعرفتهم وأفكارهم البشرية. لا يوجد لديهم أدنى أثر لمعرفة جديدة، وليس لديهم أدنى قدر من المعرفة الصحيحة أو الدقيقة بالله؛ لقد أساؤوا فهم إرادة الله. هل يمكن أن يكون في هذا خدمة لله؟ مهما كانت معرفتك بالله في الماضي، إن بقيت على حالها اليوم واستمررت في تأسيس معرفتك بالله على مفاهيمك وأفكارك الخاصة بغض النظر عمَّا يفعله الله؛ بمعنى أنك إن كنت لا تملك أي معرفة جديدة وصحيحة بالله وفشلت في معرفة صورة الله وشخصيته الحقيقيتين؛ وظلت معرفتك بالله موجَّهةً بالتفكير العدائي والخرافي، ووليدةَ الخيال والمفاهيم الإنسانية – إذا كان هذا هو الحال، فإنك لم تُخضع بعد. الهدف من كل هذه الكلمات العديدة التي أقولها لك الآن هو أن تجعلك تعرف، وأن تفضي بك هذه المعرفة إلى معرفة دقيقة وأكثر جِدّةً. كما أنها تهدف كذلك إلى محو المفاهيم القديمة والمعرفة القديمة التي في داخلك حتى تتمكن من امتلاك معرفة جديدة. إذا كنت حقًا تأكل وتشرب كلامي، فسوف يؤدي ذلك إلى تغير كبير في معرفتك. ما دمت تأكل وتشرب كلام الله بقلب مطيع، فإن منظورك سيتخذ اتجاهًا معاكسًا. ما دمت قادرًا على قبول التوبيخات المتكررة، فإن عقليتك القديمة ستتغير تدريجيًا، وما دامت عقليتك القديمة قد استُبدلت بها عقلية جديدة تمامًا، فسوف تتغير ممارستك أيضًا وفقًا لذلك. وبهذه الطريقة، ستقترب خدمتك نحو الهدف المنشود أكثر فأكثر، وستكون أكثر قدرة على تلبية إرادة الله. إذا استطعت تغيير حياتك، ومعرفتك بالحياة البشرية، ومفاهيمك العديدة عن الله، فعندئذٍ ستتضاءل طبيعتك تدريجيًا. هذه هي النتيجة، على أقل تقدير، بعد أن يُخضع الله الناس، وهي تمثل التغيير الذي يظهر في الناس. إذا كان كل ما تعرفه في إيمانك بالله هو إخضاع جسدك والمكابدة والمعاناة، بينما أنت غير متيقن إذا كان ما تفعله صحيحًا أم خطأً، فضلًا عن أنك لا تعرف مِن أجل مَنْ تفعل ذلك؛ فكيف سيقودك مثل هذا النوع من الممارسة إلى التغيير؟
– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. الحقيقة الكامنة وراء عمل الإخضاع (3)
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.