الله ذاته، الفريد (أ)

سلطان الله (أ) الجزء الثاني

في اليوم الرابع تُخلَق مواسم البشريّة وأيامها وسنونها فيما يمارس الله سلطانه مرّةً أخرى

استخدم الخالق كلماته لإنجاز خطّته، وبهذه الطريقة أمضى الأيام الثلاثة الأولى من خطّته. خلال هذه الأيام الثلاثة، لم يكن الله مشغولًا أو مُرهِقًا نفسه؛ ولكن على العكس من ذلك أمضى ثلاثة أيامٍ رائعة من خطّته، وحقّق العمل العظيم المُتمثّل في التحوّل الجذريّ للعالم. ظهر عالمٌ جديد تمامًا أمام عينيه، والصورة الجميلة التي كانت مغلقةً في أفكاره انكشفت أخيرًا قطعةً قطعة في كلام الله. كان ظهور كلّ شيءٍ جديد أشبه بولادة طفلٍ، وسُرّ الخالق بالصورة التي كانت في أفكاره ذات يومٍ ولكنها ظهرت اليوم إلى حيّز الوجود. في هذا الوقت، نال قلبه قسطًا من الرضا، لكن خطّته كانت قد بدأت للتوّ. في غمضة عينٍ وصل يومٌ جديد – وماذا كانت الصفحة التالية في خطّة الخالق؟ ماذا قال؟ وكيف مارس سلطانه؟ وفي الوقت نفسه، ما الأشياء الجديدة التي ظهرت في هذا العالم الجديد؟ بعد إرشاد الخالق، ننظر في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء، وهو يومٌ كان بدايةً جديدة أخرى. كان الخالق يعتبره بالطبع وبلا شكٍّ يومًا رائعًا آخر، ويومًا آخر له أهميّةٌ قصوى للبشريّة اليوم. كان بالطبع يومًا له قيمةٌ لا تُقدّر بثمنٍ. ما مدى روعته، وما مقدار أهميّته، وما مدى قيمته؟ دعونا نستمع أوّلًا إلى الكلمات التي تحدّث بها الخالق...

"وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَتَكُونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلْأَرْضِ" (التكوين 1: 14-15). كان هذا مجهودٌ آخر لسلطان الله الذي أظهرته المخلوقات بعد خلقه لليابسة الجافة والنباتات الموجودة فيها. رأى الله أن مثل هذا العمل كان سهلًا بالقدر نفسه لأن الله يملك مثل هذه القوّة؛ الله صالحٌ صلاح كلمته، وكلمته لا بدّ أن تُنجَز. أمر الله بأن تظهر الأنوار في السماء، وهذه الأنوار لم تُشرِق في السماء وعلى الأرض فحسب، بل كانت أيضًا بمثابة علامات للنهار والليل والفصول والأيام والسنوات. وبهذه الطريقة، فيما كان الله ينطق كلامه كان كلّ عملٍ أراد الله تحقيقه يتحقّق وفقًا لقصد الله وبالطريقة التي عيّنها الله.

الأنوار في السماء مادةٌ في السحاب يمكنها أن تشعّ الضوء ويمكنها أن تضيء السحاب ويمكنها أن تضيء الأرض والبحار. إنها تدور وفقًا للإيقاع والتكرار اللذين قرّرهما الله، وتضيء فترات زمنيّة مختلفة على الأرض، وبهذه الطريقة فإن دورات حركة الأنوار تُحدِث الليل والنهار في الشرق والغرب من الأرض، وليست فقط علامات لليل والنهار ولكنها أيضًا من خلال هذه الدورات المختلفة تُحدّد الأعياد والأيام الخاصة المختلفة للبشريّة. إنها التكملة المثاليّة للفصول الأربعة ورفيقها: الربيع والصيف والخريف والشتاء – التي يُصدِرها الله، والتي تؤدي معها الأنوار في اتّساقٍ دور العلامات المنتظمة والدقيقة للفترات والأيام والسنين القمريّة للبشريّة. على الرغم من أن البشريّة لم تفهم وتواجه انفصال الفترات والأيام والسنين القمريّة التي تُحدِثها الأنوار التي خلقها الله إلّا بعد ظهور الزراعة، فإن الفترات والأيام والسنين القمريّة كما يفهمها الإنسان اليوم بدأت تظهر في الواقع في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء، وكذلك دورات التبادل للربيع والصيف والخريف والشتاء التي يمرّ بها الإنسان بدأت منذ زمنٍ بعيد في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء. وقد مكّنت الأنوارُ التي خلقها الله الإنسانَ من التفريق بانتظامٍ ووضوح بين الليل والنهار، وحساب الأيام، والتتبّع الواضح للفترات والسنوات القمريّة. (كان يوم اكتمال القمر هو اكتمال الشهر، ومن هذا عرف الإنسان أن إضاءة الأنوار بدأت دورةً جديدة؛ وكان يوم عدم اكتمال القمر (الهلال) هو اكتمال نصف شهرٍ، والذي عرف الإنسان من خلاله بداية فترةٍ قمريّة جديدة ويمكن من خلاله استنتاج عدد الأيام والليالي في الفترة القمريّة، وعدد الفترات القمريّة في الفصل، وعدد الفصول في السنة، وكلّها كانت تُعرَض بانتظامٍ). وهكذا تمكّن الإنسان بسهولةٍ من تتبّع الفترات والأيام والسنين القمريّة التي تُميّزها دورات حركة الأنوار. من هذه النقطة فصاعدًا عاشت البشريّة وجميع الأشياء بلا وعيٍ بين التبادل المُنظّم لليل والنهار وتعاقب الفصول بفضل دورات الأنوار. كانت هذه هي أهميّة خلق الخالق للأنوار في اليوم الرابع. وبالمثل، لا تزال أهداف وأهميّة هذا العمل الذي أتمّه الخالق لا تنفصل عن سلطانه وقوّته. وهكذا فإن الأنوار التي صنعها الله والقيمة التي كانت ستُقدّمها للإنسان في وقتٍ قريب معلمًا رئيسيًّا آخر في ممارسة سلطان الخالق.

في هذا العالم الجديد، قبل ظهور البشر، كان الخالق قد أعدّ المساء والصباح والجَلَد واليابسة والبحار والحشائش والأعشاب ومختلف أنواع الأشجار والأنوار والفصول والأيام والسنوات من أجل الحياة الجديدة التي سوف يخلقها عن قريبٍ. تمّ التعبير عن سلطان الخالق وقوّته في كلّ شيءٍ جديد خلقه، كما أن كلماته وإنجازاته وقعت في وقتٍ واحد، دون أدنى تناقض، ودون أدنى فاصلٍ. كان ظهور جميع هذه الأشياء الجديدة وميلادها دليلًا على سلطان الخالق وقوّته: إنه صالحٌ صلاح كلمته، ويتعيّن أن تُنجَزَ كلمته، وأن يدوم ما تمّ إنجازه إلى الأبد. لم تتغيّر هذه الحقيقة مطلقًا: فهكذا كانت في الماضي، وهكذا هي اليوم، وهكذا ستكون إلى الأبد. عندما تنظرون مرّةً أخرى في تلك الكلمات من الكتاب المُقدّس، هل تبدو لكم جديدة؟ هل رأيتم محتوىً جديداً وقمتم باكتشافات جديدة؟ يرجع السبب في ذلك إلى أن أفعال الخالق حرّكت قلوبكم وقادت مسار معرفتكم لسلطانه وقوّته وفتحت الباب أمام فهمكم للخالق، كما أن أعماله وسلطانه وهبا الحياة لهذه الكلمات. وهكذا رأى الإنسان في هذه الكلمات تعبيرًا حقيقيًّا وحيويًّا عن سلطان الخالق وشهد حقًّا تفوّق الخالق ورأى تفرّد سلطان الخالق وقوّته.

يخلق سلطان الخالق وقوّته معجزةً بعد معجزةٍ، ويجذبان انتباه الإنسان فما يكون منه سوى أن ينبهر أيما انبهارٍ بالأفعال المدهشة المتولّدة من ممارسة الخالق سلطانه. كما أن قوّته الهائلة تجلب سرورًا بلا انتهاءٍ فيبقى الإنسان مبتهجًا وفرحًا إذ ينبهر إعجابًا ومهابةً وهتافًا؛ وعلاوة على ذلك، يتأثّر الإنسان بكلّ وضوحٍ ويتولّد فيه الاحترام والإجلال والتعلّق. سلطان الخالق وأعماله لها تأثيرٌ كبير على روح الإنسان، وتُطهّر روح الإنسان، كما أنها تُشبِع روح الإنسان. كلّ فكرةٍ من أفكاره، وكلّ قولٍ من أقواله، وكلّ إعلانٍ عن سلطانه تحفةٌ بين جميع الأشياء، وإنجازٌ عظيم يستحقّ الفهم والمعرفة العميقين من البشريّة المخلوقة. عندما نحسب كلّ مخلوقٍ وُلِدَ من كلام الخالق، تنجذب أرواحنا إلى روعة قوّة الله، ونجد أنفسنا نتبع آثار أقدام الخالق إلى اليوم التالي: اليوم الخامس من خلق الله جميع الأشياء.

دعونا نواصل قراءة الكتاب المُقدّس فقرةً فقرة فيما نلقي نظرةً على المزيد من أعمال الخالق.

في اليوم الخامس، تكشف الحياة بمختلف أشكالها المتنوّعة سلطان الخالق بطرقٍ مختلفة

يقول الكتاب المُقدّس: "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَفِضِ ٱلْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ ٱلْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ". فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلتَّنَانِينَ ٱلْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحيَّةِ ٱلدَّبَّابَةِ ٱلْتِى فَاضَتْ بِهَا ٱلْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ" (التكوين 1: 20-21). يُخبِرنا الكتاب المُقدّس بوضوحٍ أن الله في هذا اليوم صنع مخلوقات المياه وطيور الهواء، أي أنه خلق مختلف الأسماك والطيور وصنّفها حسب نوعها. وبهذه الطريقة أَثْرَت الأرض والسماء والمياه بخليقة الله...

عندما نطق الله كلامه، ظهرت حياةٌ جديدة بشكلٍ مختلف على الفور عند سماع كلام الخالق. ظهرت في العالم تتنافس على مكانتها وتطفر وتمرح فرحًا...الأسماك من جميع الأشكال والأحجام سبحت في المياه، والمحار من جميع الأنواع ظهر من الرمال، والمخلوقات المُصغّرة والمُقشّرة واللافقاريّة نمت بسرعةٍ في أشكالٍ مختلفة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، أو طويلة أو قصيرة. وكذلك بدأت أنواعٌ مختلفة من الأعشاب البحريّة تنمو بسرعةٍ وتتمايل بحسب حركة الحياة المائيّة المختلفة وتتموّج وتعصف بالمياه الراكدة، كما لو كانت تقول لها: حرّكي نفسكِ! أحضري أصدقاءكِ! لأنكِ لن تكوني وحدكِ مرّةً أخرى! منذ اللحظة التي ظهرت فيها الكائنات الحيّة المختلفة التي خلقها الله في الماء، جلبت كلّ حياةٍ جديدة الحيويّةَ إلى المياه التي كانت هادئة لفترةٍ طويلة مُعلِنةً بذلك عصرًا جديدًا...ومن تلك النقطة فصاعدًا، احتضنت إحداها الأخرى، وأقامت معًا في شراكةٍ ولم تتمايز إحداها عن الأخرى. كانت المياه موجودة للمخلوقات التي فيها تُغذّي كلّ حياةٍ تعيش في حضنها، وكلّ حياةٍ وُجِدَتْ من أجل الماء بسبب تغذيّتها. كان كلٌّ منها يمنح الحياة للآخر، وفي الوقت نفسه، يشهد على إعجاز خليقة الخالق وعظمتها، والقوّة الفائقة لسلطان الخالق...

بما أن البحر لم يعد صامتًا، هكذا أيضًا بدأت الحياة تملأ السماء. بدأت الطيور، كبيرها وصغيرها، تطير بالتدريج إلى السماء من الأرض. وعلى خلاف مخلوقات البحر، كانت لها أجنحةٌ وريش يغطي أجسامها الرقيقة الرشيقة. كانت ترفرف بأجنحتها، مُبديةً بفخرٍ وسرور غطاءَها الرائع من الريش ومهامها ومهاراتها الخاصة التي منحها إياها الخالق. كانت تُحلّق في انسيابيّةٍ متنقلةً بمهارةٍ بين السماء والأرض وعبر المراعي والغابات...كانت الطيور صديقةً للهواء، وصديقةً لجميع الأشياء. وكانت في طريقها لتصبح الصلة بين السماء والأرض وناقلًا للرسائل إلى جميع الأشياء...كانت تُغنّي وتتدافع وتجلب المرح والضحك والحيويّة إلى هذا العالم الفارغ...كانت تستخدم غناءها الواضح الشجن، وتستخدم الكلمات في قلوبها لتسبيح الخالق على الحياة الممنوحة لها. كانت ترقص بابتهاجٍ لإظهار كمال خليقة الخالق وإعجازها مُكرّسةً حياتها كلّها للشهادة على سلطان الخالق من خلال الحياة الخاصة التي وهبها إياها...

بغضّ النظر عمّا إذا كانت المخلوقات في الماء أو في السماء، كان هذا العدد الكبير من الكائنات الحيّة بأمر الخالق موجودًا في التكوينات المختلفة للحياة، وبأمر الخالق، تجمّعت معًا وفقًا لأنواعها – وهذا القانون، أي هذه القاعدة، كان غير قابلٍ للتغيير من جانب أيّة مخلوقاتٍ. لم تجرؤ مطلقًا على تجاوز الحدود التي وضعها لها الخالق، ولم تقدر على ذلك. عاشت وتكاثرت حسب تعيين الخالق، والتزمت التزامًا صريحًا بمسار الحياة والقوانين التي وضعها لها الخالق، والتزمت في وعيٍ بأوامره غير المعلنة وبالمراسيم والمبادئ السماوية التي أعطاها لها، وصولًا إلى اليوم. كانت تتجاذب أطراف الحديث مع الخالق بطريقتها الخاصة، وأدركت معنى الخالق، وأطاعت أوامره. لم يتجاوز أحدها سلطان الخالق، كما أن سيادته وإشرافه عليها كان يتمّ في سياق أفكاره؛ لم تصدر أيّة كلماتٍ، ولكن السلطان الذي كان يتسّم به الخالق كان يحكم جميع الأشياء في صمتٍ لم تكن له وظائف لغويّة وكان يختلف عن البشريّة. وممارسة الخالق سلطانه بهذه الطريقة الخاصة دفعت الإنسان لاكتساب معرفة جديدة وتقديم تفسير جديد لسلطان الخالق الفريد. ينبغي أن أخبرك هنا أنه في هذا اليوم الجديد أظهرت ممارسة الخالق سلطانه تفرّد الخالق مرّةً أخرى.

دعونا بعد ذلك نلقي نظرةً على الجملة الأخيرة من هذا المقطع من الكتاب المُقدّس: "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". ما معنى هذا برأيكم؟ مشاعر الله مُتضمّنةٌ في هذه الكلمات. راقب الله جميع الأشياء التي خلقها تظهر إلى الوجود وتثبت بسبب كلامه، وبدأت بالتغيّر تدريجيًّا. في هذا الوقت، هل كان الله راضيًا عن الأشياء المختلفة التي صنعها بكلامه، والأفعال المختلفة التي حقّقها؟ الجواب هو "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". ماذا ترون هنا؟ ما معنى "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"؟ إلى ماذا يرمز هذا؟ هذا يعني أن الله كان يملك القوّة والحكمة لتحقيق ما خطّط له ووضعه، وتحقيق الأهداف التي وضعها لإنجازها. عندما أكمل الله كلّ مهمّةٍ، هل شعر بالندم؟ ما زالت الإجابة قائمة: "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". وهذا يعني أن الله لم يشعر بالندم، ولكنه كان في المقابل راضيًا. ماذا يعني أنه لم يشعر بالندم؟ يعني أن خطّة الله كاملة وأن قوّته وحكمته تامّتان، وأنه بسلطانه وحده يمكن بلوغ هذا الكمال. عندما يُكمِل المرء مهمّةً، هل يمكنه، مثل الله، أن يرى أنها جيّدة؟ هل يمكن لكلّ شيءٍ يعمله الإنسان بلوغ الكمال؟ هل يمكن للإنسان أن يُكمِل شيئًا ما مرّةً واحدة وإلى الأبد؟ تماماً كما يقول الإنسان: "لا يوجد شيءٌ مثاليّ، ولكن هناك ما هو أفضل". لا شيء يعمله الإنسان يبلغ الكمال. عندما رأى الله أن كلّ ما فعله وحقّقه كان حسنًا، وأن كلّ ما صنعه الله قد وضعه كلامه، أي عندما "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"، فإن كلّ ما صنعه اتّخذ شكلًا دائمًا وجرى تصنيفه وفقًا للنوع واتّخذ موضعًا وغرضًا ودورًا ثابتًا مرّةً واحدة وإلى الأبد. وعلاوة على ذلك، فإن دورها بين جميع الأشياء، والرحلة التي يتعيّن عليها أن تأخذها أثناء تدبير الله لجميع الأشياء، كان الله قد سبق وعيّنها بالفعل، وكانت غير قابلةٍ للتغيير. كان هذا هو الناموس السماويّ الذي أعطاه الخالق لجميع الأشياء.

"رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ": هذه الكلمات البسيطة التي لا تحظى بالتقدير وغالبًا ما يكون مصيرها التجاهل، هي كلمات الناموس السماويّ والمرسوم السماويّ الذي يمنحه الله لجميع المخلوقات. إنها تجسيدٌ آخر لسلطان الخالق، وهي تجسيدٌ أكثر عمليّة وعمقًا. لم يستطع الخالق، من خلال كلامه، أن يكسب كلّ ما أراد أن يكسبه ويُحقّق كلّ ما شرع في تحقيقه فحسب، ولكنه استطاع أيضًا أن يحكم بين يديه جميع ما خلقه وأن يسود على جميع الأشياء التي صنعها بموجب سلطانه، وعلاوة على ذلك، كان كلّ شيءٍ منتظمًا وثابتًا. عاشت جميع الأشياء أيضًا وماتت بكلمته، وعلاوة على ذلك، فإنها كانت موجودة بسلطانه في ظلّ الناموس الذي وضعه، ولم يكن هناك استثناءٌ! بدأ هذا الناموس في اللحظة التي "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"، وكان في طريقه ليكون موجودًا ومستمرًّا وعاملًا من أجل خطّة تدبير الله وصولًا إلى اليوم الذي يلغيها فيه الخالق! لم يتضّح السلطان الفريد للخالق في قدرته على خلق جميع الأشياء والأمر بظهور جميع الأشياء إلى حيّز الوجود فحسب، ولكن أيضًا في قدرته على الحكم والسيادة على جميع الأشياء، وإضفاء الحياة والحيويّة على جميع الأشياء، وعلاوة على ذلك، في قدرته على أن يجعل، مرّةً واحدة وإلى الأبد، جميع الأشياء التي سيخلقها بحسب خطّته تظهر وتوجد في العالم الذي صنعه في شكلٍ مثاليّ وبنيةٍ حياتيّة مثاليّة ودور مثاليّ. واتّضح أيضًا في الطريقة التي لا تكون فيها أفكار الخالق خاضعةً لأيّة قيودٍ أو محدودة بالزمان أو المكان أو الجغرافيا. ومثل سلطانه، يجب أن تبقى الهويّة الفريدة للخالق دون تغييرٍ من الأزل وإلى الأبد. يجب أن يكون سلطانه على الدوام تمثيلًا ورمزًا لهويّته الفريدة ويجب أن يظلّ سلطانه موجودًا جنبًا إلى جنبٍ مع هويّته!

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.