تفسير القول السادس

تعجز البشرية عن الكلام أمام أقوال الله عندما تكتشف أن الله قد قام بعملٍ عظيم في عالم الروح، شيء يعجز عنه الإنسان ولا يستطيع أن ينجزه إلا الله ذاته. لهذا السبب، يقدم الله مرة أخرى للبشرية كلمات الرفق. عندما تمتلئ قلوب الناس بالتناقضات، وتتساءل: "إن الله هو الله من دون رحمة أو محبة، لكنه يكرس جهده في إفناء البشرية؛ فلماذا يرينا رحمته؟ هل يمكن أن يكون الله قد غير من طريقته مرة أخرى؟"، في اللحظة التي تبدأ فيها هذا التصور وهذا الفكر يتشكل داخل أذهانهم، فإنهم يقاومونها بكل قوتهم. لكن بعد أن يكون عمل الله قد حقق تقدمًا في مدة زمنية أخرى، ويكون الروح القدس قد قام بعملٍ رائع في الكنيسة، ويكون كل إنسان قد شرع في العمل ليقوم بوظيفته، في ذلك الوقت، تكون كل البشرية قد بدأت تمارس طريقة الله تلك؛ ذلك لأنه ليس بوسع أحد أن يرى نقصًا فيما يقوله الله أو يفعله، أما بالنسبة لما سيفعله الله بعد ذلك بالفعل، فلا يستطيع أحد أن يعرفه أو حتى يخمنه. كما قال الله بفمه: "من بين كل الناس التي تعيش تحت السماء، هل يوجد أحد ليس داخل راحة يدي؟ هل يوجد أحد لا يتصرف بحسب توجيهي؟ لكنني أقدم لكم نصيحة صغيرة: في الأمور التي لا تفهمونها تمامًا، إياكم -أي واحد منكم- أن يتكلم أو يتصرف. ما قلته للتو ليس ليطفئ حماسك، بل ليشجعك على اتباع توجيهات الله في أفعالك. لا تيأس أو تتشكك -تحت أي ظرفٍ من الظروف- بسبب ما قلته عن "النقائص"؛ فغرضي هو في الأساس أن أذكرك بالانتباه إلى كلام الله. عندما يقول الله: "يجب أن تكون في غاية الحساسية في الأمور داخل الروح، ويجب أن تكون منتبهًا بعناية لكلامي. يجب أن تسعى نحو الحالة التي ترى فيها روحي وذاتي الجسمانية، وكلامي وذاتي الجسمانية، كيانًا واحدًا غير مُقسَّم، وذلك حتى تتمكن كل البشرية من إرضائي في وجودي"، فإن البشرية تعجز عن الكلام مرة أخرى عندما تقرأ هذا الكلام. فما رأته أمس كان كلمة تحذير، كان مثالاً لرحمة الله، لكن اليوم تحول الكلام على حين غرة إلى أمورٍ داخل الروح؛ فما معنى هذا؟ لماذا يغير الله أسلوبه في الحديث باستمرار؟ ولماذا يُعَد هذا جميعه كُلاً واحدًا غير قابل للتقسيم؟ هل بالإمكان أنَّ كلام الله يفتقر إلى الواقعية؟ بالتفكير مليًا في هذا الكلام، فإن هذا ما يدركه المرء: عندما يكون روح الله وجسده منفصلين، يكون الجسد جسمًا ماديًا متمتعًا بخصائص أي جسم مادي، أو بعبارة أخرى، يكون ما يسميه الناس جثة تمشي. الجسد المتجسد ينشأ في الروح. إنه تجسُّد الروح، بمعنى أنَّ الكلمة صار جسدًا، أو بعبارة أخرى، أنَّ الله نفسه يعيش داخل الجسد. من هذا يمكن للمرء أن يرى أين يقع الخطأ الفادح في محاولة فصل الروح عن الإنسان. لهذا السبب، يظل الله -حتى وإن دُعي "إنسان"- لا ينتمي إلى الجنس البشري ولا يملك أي خصائص بشرية؛ فهو الإنسان الذي ألبسه الله لنفسه، الإنسان الذي يذكيه الله. داخل الكلام يوجد روح الله المتجسد، وكلام الله مُستعلَن صراحة في الجسد. هذا يوضح أكثر أن الله يحيا في الجسد، وهو إله عملي أكثر، كما يتضح من خلاله أيضًا أن الله موجود؛ ومن ثم، ينهي عصر عصيان البشرية ضد الله. بعد ذلك، بعدما أنتهى الله من إرشاد البشرية إلى الطريق المؤدي إلى معرفته، قام الله بتغيير الموضوع مرة أخرى، وتناول وجهًا آخر للمشكلة.

"لقد دُستُ الكون بقدماي، وسرحتُ ببصري فوق امتداده الشاسع كله، ومشيتُ وسط كل البشر وتذوقتُ نكهات الخبرات البشرية الحلو منها والحامض والمر واللاذع". هذه العبارة، وعلى الرغم من بساطتها، فهي أبعد ما تكون عن سهولة الفهم؛ فرغم أن الموضوع قد تغير، لكنه يظل في جوهره نفس الموضوع: مازال الموضوع تمكين البشرية من معرفة الله في جسد تجسده. لماذا يقول الله إنه تذوق نكهات الخبرات البشرية الحلو منها والحامض والمر واللاذع؟ لماذا يقول إنه مشى وسط كل البشر؟ الله روح، لكنه أيضًا متجسد في صورة إنسان. يستطيع الروح، لكونه غير خاضع لقيود الإنسان، أن يدوس الكون كله وأن يشمل الكون بنظرة كاسحة. يمكن للمرء أن يرى من هذا أن روح الله يملأ الاتساع الكوني وأنه يغطي الأرض من القطب إلى القطب؛ فلا يوجد مكان لم يخططه الله بيده، ولا يوجد مكان لا يحمل آثار خطواته. رغم أن الروح -حال تجسده- وُلِدَ كإنسان، إلا أنه -ولسبب وجوده كروحٍ- لم يتوقف عن الحاجة إلى كل الأشياء التي يحتاجها الإنسان، لكنه -وكإنسانٍ عادي- يأكل طعام ويرتدي ملابس وينام ويسكن مساكن، ويفعل كل شيء يفعله الإنسان العادي. لكنه في ذات الوقت، ونظرًا لاختلاف جوهره الداخلي، ليس نفس الشيء كمثل ما يتحدث عنه المرء عادةً كإنسان. رغم أنه تحمل كل معاناة البشرية، إلا أنه لم يتخل عن الروح لذلك السبب، ورغم أنه حظى ببركة، إلا أنه لم ينس الروح لذلك السبب؛ فالروح والإنسان متحدان في صلة غير منطوق بها، ولا يمكن للاثنين أن ينفصلا، ولم ينفصلا مطلقًا. لأن الإنسان هو تجسد الروح، وهو آتٍ من الروح، وهيئته إنما هي من الروح، لذلك فإن الروح الساكن في الجسد ليس متعاليًا، بمعنى أنه لا يستطيع أن يفعل أشياء خارقة، أو بعبارة أخرى، لا يستطيع هذا الروح أن يترك الجسد المادي، لأنه لو فعل ذلك، لفقد عمل التجسد الذي قام به الله معناه كله. فقط عندما يكون الروح مُمثَّلاً في الجسد المادي تستطيع البشرية أن تعرف الإله العملي ذاته، وحينئذٍ فقط تتحقق مشيئة الله. لم يُشِر الله إلى عمى الإنسان وعدم طاعته إلا بعد أن قدَّم للبشرية الروح والجسد بصورة منفصلة: "لكنَّ الإنسان لم يتعرف علىَّ بحق، ولم يلتفت إليَّ وأنا أمشي خارجًا". من جهة، يقول الله إنه –دون أن يعرف العالم- أخفى ذاته في جسمٍ لحميٍّ ولم يقم بأي شيء فائق للطبيعة ليراه الإنسان، ومن جهة أخرى، يشتكي البشرية لأنها لم تعرفه. لكنَّ ذلك لا ينطوي على أي تناقض. ففي الواقع، إذا استعرضنا ذلك بالتفصيل، ليس من الصعب أن نرى أنه ثمة جانبين لطريقة تحقيق الله لأهدافه. فإذا أجرى الله آيات وعجائب خارقة للطبيعة، لكان ببساطة أنزل بإنسان لعنة الموت بكلمةٍ من فمه، ليموت الإنسان في الحال، دون أن يضطر إلى اجتراح أي أعمال عظيمة، وبهذه الطريقة يقتنع كل بشرٍ. لكنَّ ذلك لن يحقق قصد الله من التجسد. لو كان الله قد فعل هذا، لما تمكنت البشرية مطلقًا بعقلها الواعي من الإيمان بوجوده، وما تمكنت مطلقًا من الإيمان إيمانًا حقيقيًا، بل وكانت لتظن في الشيطان خطأ أنه الله. لكن الأهم من ذلك أن البشرية لم تكن لتعرف فكر الله مطلقًا. أليس هذا أحد الجوانب لمعنى تجسد الله؟ إن لم تتمكن البشرية من معرفة الله، لظل دائمًا إلهًا مبهمًا، إلهًا خارق للطبيعة ومهيمنًا على عالم البشر. ألم نكن حينئذٍ بصدد حالة تسيطر فيها تصورات الإنسان على الإنسان؟ أو لنعد صياغة ذلك بصورة أكثر بساطة، ألم يكن الشيطان، إبليس، هو المهيمن؟ "لماذا أقول إنني أسترد قوتي؟ لماذا أقول إن للتجسد معانٍ كثيرة؟ إن اللحظة التي تجسد فيها الله كانت هي اللحظة التي استرد فيها قوته، وهي أيضًا اللحظة التي ظهر فيها لاهوته مباشرة ليقوم بعمله. خطوة بخطوة، توصل كل بشرٍ إلى معرفة الإله العملي، وبسبب ذلك، قُضي تمامًا على المكانة التي يشغلها الشيطان في قلب الإنسان، بينما تعززت مكانة الله. كان الله الموجود من قبل في عقل الناس يُنظَر إليه على أنه صورة شيطانية، فقد كان إلهًا غير ملموس وغير مرئي، لكن المرء لم يكن يؤمن فقط أنَّ إلهًا كهذا موجود لكنه لم يكن يؤمن أيضًا بأنه قادر على اجتراح أنواع الآيات والعجائب الخارقة كافة وكشف الغوامض بجميع أشكالها، مثل بشاعة الممسوسين من الأرواح الشريرة. هذا وحده يكفي لإثبات أن الله الكائن في أذهان البشر ليس صورة الله لكنه صورة لكائنٍ آخر غير الله. يقول الله إنه يريد أن يحتل مكانًا يشغل 0.1 في المائة من قلب الإنسان، وهذا أعلى مستوى يطلبه من البشرية. هذه العبارة لا تنطوي فقط على جانب ظاهري، لكن ثمة جانب واقعي أيضًا. لو لم يكن قد شُرِحَ بهذه الطريقة، لاعتبرت الناس طلبات الله منهم متدنية جدًا، وكأن الله لا يفهم عنهم إلا القليل. أليست هذه نفسية البشر؟

إذا ما أخذ المرء ما سبق وضمه إلى مثال بطرس أدناه، فسوف يكتشف أن بطرس كان بالفعل الإنسان الذي عرف الله أفضل معرفة، وذلك لأنه تمكن من إهمال الإله المبهم والسعي نحو معرفة الإله العملي. لماذا اهتم الله اهتمامًا خاصًا بتسجيل أن والديه كانا شيطانين قاوما الله؟ يتضح من هذا أن بطرس لم يكن يسعى نحو الله الموجود في قلبه، وأن والديه يمثلان الإله المبهم، وهذا كان قصد الله من ضرب مثال والدي بطرس. الغالبية العظمى من الناس لا تولي هذه الحقيقة اهتمامًا خاصًا، لكن تركز اهتمامها -بدلاً من ذلك- على صلوات بطرس لدرجة أن البعض لا يخلو فمه وذهنه من صلوات بطرس مطلقًا، لكن دون حتى أن يفكر في مضاهاة الإله المبهم بمعرفة بطرس. لماذا انقلب بطرس ضد والديه وسعى إلى معرفة الله؟ لماذا أخذ في اعتباره الدروس المُستفادَة من الذين فشلوا في الماضي ليحث نفسه على بذل جهد أكبر؟ لماذا استوعب إيمان ومحبة كل الذين أحبوا الله على مر العصور؟ لقد أدرك بطرس أن كل شيء إيجابي هو من الله، وأنه يأتي من الله مباشرةً دون أن يمر بأي معالجة يقوم بها الشيطان. بوسع المرء أن يرى من هذا أن الإله الذي عرفه كان الإله العملي وليس إلهًا فائقًا للطبيعة. لماذا يقول الله إن بطرس اهتم اهتمامًا خاصًا باستيعاب إيمان ومحبة كل الذين أحبوا الله على مر العصور؟ بوسع المرء أن يرى من هذا أن السبب الرئيسي وراء فشل الإنسان على مر العصور هو أنه لم يملك شيئًا سوى الإيمان والمحبة، لكنه لم يعرف الإله العملي، ولذلك ظل إيمانه غامضًا. لماذا اكتفى الله بذِكر إيمان أيوب فقط مرات كثيرة دون أن يقول ولو لمرة واحدة إنه عَرِفَ الله، بل ودعاه أقل مرتبةً من بطرس؟ بوسع المرء أن يرى من كلام أيوب: "بِسَمْعِ ٱلْأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَٱلْآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي"، أنه لم يكن يملك سوى الإيمان وحده دون معرفة. إن قراءة عبارة "إن المثال العكسي لوالديه اللذين قاما بدور الشخصية الثانوية ساعده بالأكثر في التعرف على حبي ورحمتي" تثير لدى غالبية الناس أسئلة كثيرة: لماذا أصبح بطرس يعرف الله فقط عندما قورِن بمثال عكسي، وليس مباشرة؟ لماذا يعرف فقط الرحمة والمحبة، ولم يُذكَر سواهما؟ فقط عندما يكتشف المرء عدم واقعية الإله المبهم، حينئذٍ يصبح المرء قادرًا على السعي نحو معرفة الإله العملي. الغرض من هذا القول هو إرشاد الناس إلى محو الإله المبهم من قلوبهم. لو كانت البشرية قد عرفت دائمًا الوجه الحقيقي لله منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، لما ألِفَتْ مطلقًا طرق الشيطان كما يتضح من الحكمة المعروفة: "لا يلاحظ المرء مستوى الأرض إلا عندما يعبر جبلاً"، وهذا يجعل المعنى الذي يقصده الله من التكلم بهذا الكلام واضحًا بما يكفي. لما كان الله يرغب في إرشاد الناس إلى فهمٍ أكثر عمقًا لحقيقة المثال الذي ضربه، فقد سلط الضوء عن قصدٍ على الرحمة والمحبة، ليثبت أن العصر الذي عاش فيه بطرس هو عصر النعمة. وإذا نظرنا إلى ذلك من زاوية أخرى، فإنه يكشف بمزيدٍ من الوضوح الملامح البشعة للشيطان الذي لا هم له سوى الاحتيال على البشرية وإفسادها، وبهذا يفجر رحمة الله ومحبته في تناقض أكثر فجاجة.

كذلك يوضح الله الحقائق المتعلقة بمحاكمة بطرس، ويصف باستفاضة الظروف الفعلية التي جرت فيها حتى يدرك الناس بصورة أفضل الآتي: أن الله ليس لديه رحمة ومحبة فحسب، لكن لديه أيضًا جلال وسخط، وأن أولئك الذين يعيشون في سلام ليسوا بالضرورة يعيشون في وسط بركة الله. ذلك، فإن إخبار الناس عن تجارب بطرس عقب محاكماته يُبيِّن بأكثر وضوح صدق هذه الكلمات التي نطق بها أيوب: "أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ الله، والشر لَا نَقْبَلُ؟" هذا كافٍ ليوضح أن بطرس قد وصل إلى معرفة غير مسبوقة بالله، شيءٌ لم يصل إليه أحدٌ في أي عصرٍ سابق. هذا ما ربحه بطرس عندما استوعب إيمان ومحبة كل الذين أحبوا الله على مر العصور، وأخذ في اعتباره الدروس المُستفادَة من المحاولات الفاشلة في الماضي ليحث نفسه. لهذا السبب، يُطلَق على كل مَنْ يبلغ معرفة حقيقية بالله "ثمرة"، وقد كان بطرس واحدًا منها. بوسع المرء أن يرى في صلوات بطرس إلى الله المعرفة الحقيقية بالله التي ربحها من خلال تجاربه، لكنَّ الخلل الصغير الوحيد هو أنه لم يكن قادرًا على استيعاب إرادة الله استيعابًا كاملاً؛ ولهذا السبب، واستنادًا إلى أساس معرفة الله الذي بلغه بطرس، طلب الله "أن يحتل مكانًا يشغل 0.1 في المائة من قلب الإنسان". بالأخذ في الاعتبار حقيقة أنه حتى بطرس -وهو الرجل الذي عرف الله أفضل معرفة- كان غير قادر على استيعاب إرادة الله بدقة، لا يسعنا إلا أن نخلص إلى أن البشرية ببساطة غير مزودة بعضوٍ لمعرفة الله، لأن الشيطان قد أفسد الإنسان بالفعل إلى هذا الحد، وهذا قاد كل الناس إلى معرفة جوهر البشرية. هذا الشرطان المسبقان، وهما افتقار البشرية إلى عضوٍ لمعرفة الله واختراقها التام من الشيطان، يهيئان الساحة لإظهار قوة الله العظيمة، لأن الله احتل مكانة معينة في قلب البشر، فقط من خلال إنفاق الكلمات ودون الاضطرار حتى إلى القيام بأي نوعٍ من العمل. لماذا يعني الوصول إلى 0.1 في المائة وصولاً إلى تحقيق إرادة الله؟ لشرح ذلك في ضوء حقيقة أن الله لم يمنح الإنسان العضو المذكور: إذا كان بوسع البشرية أن تصل إلى مائة في المائة من المعرفة في ظل غياب هذا العضو، لأصبحت حينئذٍ كل حركة وتصرف من الله كتابًا مفتوحًا للإنسان، ولقام الإنسان -في ظل طبيعته الفطرية- بالعصيان فورًا على الله، ولشرع في مقاومته علانية (بهذه الطريقة سقط الشيطان)؛ لذلك، لم يستخف الله مطلقًا بالإنسان، وذلك لأن الله حلل الإنسان بدقة، ويعرف بوضوحٍ تام كل شيء حتى مقدار الماء الذي يختلط بدمه، فكم بالحري يفهم طبيعة الإنسان الظاهرة؟ لم يرتكب الله خطأ على الإطلاق، بل إنه اختار كلماته بدقة بالغة عندما نطق أقواله؛ ولهذا السبب، فلا تعارض بين حقيقة أن بطرس لم يفهم بدقة إرادة الله وحقيقة أنه أيضًا الإنسان الوحيد الذي عرف الله أفضل معرفة، بل والأكثر من ذلك أنه ليس ثمة علاقة بين الاثنين. لم ينطق الله بمثل بطرس ليجذب انتباه الناس إلى بطرس. لماذا استطاع بطرس أن يبلغ معرفة الله إن لم يكن في استطاعة شخصٍ كأيوب أن يبلغها؟ لماذا يقول الله إنه باستطاعة إنسان أن يبلغها، ثم يرجع ويقول إنها بسبب قوة الله العظيمة؟ هل حقًا أن منحة الإنسانية الفطرية صالحة؟ لا يجد الناس هذه النقطة سهلة الفهم، فلا أحد كان سيعرف معناها الداخلي لو لم أشرحه أنا. الهدف من هذا الكلام أن يُمكِّن الإنسان من الوصول إلى نوع ما من الإدراك يستطيع من خلاله أن يثق في التعاون مع الله. بهذه الطريقة وحدها يستطيع الله أن يعمل بمساعدة جهود الإنسان في التعاون معه. هذا هو الموقف الفعلي في عالم الروح. إنه شيء ليس بوسعك كليًا أن تفهمه. إن التخلص من المكانة التي يحتلها الشيطان في قلب الإنسان، ثم تمكين الله من تملك القلب يُسمَّى صد هجوم الشيطان، وفقط عندما يحدث هذا يمكن القول إن المسيح قد نزل على الأرض، وحينئذٍ فقط يمكن القول بأن ممالك العالم قد أصبحت مملكة المسيح.

ذُكِرَ هنا إن بطرس ظل مثالاً وقدوة للبشرية لآلاف السنين، لكنَّ ذلك لم يكن لمجرد توضيح حقيقة أنه مثال وقدوة، فهذه الكلمات ما هي إلا انعكاس للمنظر الفعلي لحربٍ في عالم الروح. لقد ظلَّ الشيطان طوال هذا الزمان يعمل في الإنسان، على أملٍ باطل، وهو أن يبتلع الإنسانيَّة، وبذلك يدفع الله إلى أن يدمِّر العالم ويفقد شهادته. لكنَّ الله قال: "سوف أخلق أولاً نموذجًا لعلي أستطيع أن أشغل أقل مكانة في قلب الإنسان. في هذه المرحلة، لا ترضيني البشرية ولا تعرفني تمام المعرفة، لكن سوف يصبح الإنسان -بالاعتماد على قوتي العظيمة- قادرًا على الخضوع كليًا لي ويتوقف تمامًا عن التمرد علىَّ، وسوف أستخدم هذا المثال في هزيمة الشيطان، بمعنى أنني سوف أستخدم مكانتي التي تتمثل في 0.1 في المائة في كبح جماح القوى التي ظل الشيطان يمارسها على الإنسان". لذلك ذكر الله اليوم مثل بطرس لعله يخدم البشرية كلها كنموذج يُتَّبَع. يستطيع المرء، إذا جَمَعَ بين هذا وبين الفقرة الافتتاحية، أن يرى حقيقة ما قاله الله عن الموقف الفعلي في عالم الروح: "لم تعد الأشياء كما كانت من قبل، سأعمل أشياءً لم يرها العالم من قبل منذ بدء الخليقة، وسأنطق بكلمات لم يسمعها الإنسان مطلقًا على مر العصور، لأني أطلب أن تصل كل البشرية إلى معرفتي بالجسد". يستطيع المرء أن يرى من هذا أن ما تحدث الله عنه قد بدأه اليوم. ليس بوسع البشر أن ترى الأشياء إلا كما تبدو من الخارج وليس الموقف الفعلي داخل عالم الروح. لهذا السبب، قال الله بأسلوب مباشر وصريح: "هذه خطوات في تدبيري ليس للبشرية أدنى فكرة عنها. حتى عندما أتكلم عنها صراحة، يظل ذهن الإنسان متحيرًا للغاية من أنه يستحيل أن أكلمه عنها بكل تفصيل. وهنا يكمن فقر الإنسان المُدقِع، أليس كذلك؟" توجد داخل هذه الكلمات كلماتٍ غير منطوقة توضح أنه ثمة معركة قد جرت في العالم الروحاني على النحو المُشار إليه آنفًا.

لم تحقق الإشارة إلى قصة بطرس إرادة الله بشكلٍ تام، لذلك طلب الله المطلب التالي بشأن الأحداث التي جرت في حياة بطرس: "في أرجاء الكون والسماء الشاسعة غير المتناهية، ربوات الأشياء من الخلائق وربوات الأشياء على الأرض وربوات الأشياء في السماء، كلها واحدة فواحدة تكرس كل قوتها لأجل المرحلة الأخيرة من عملي. إنكم لا ترغبون بالطبع في أن تظلوا متفرجين دون مشاركة فعلية، مُساقين في كل اتجاهٍ بقوى الشيطان؟" إن مشاهدة معرفة بطرس أنارت البشرية جدًا، لذلك سمح الله بأن ترى البشرية تبعات عدم الخضوع له والجهل به بطريقة متعمدة، بل والأكثر من ذلك، أن يخبر البشرية -مرة أخرى بأكثر تحديدًا- عن الظروف الفعلية للحرب في عالم الروح. بهذه الطريقة وحدها تستطيع البشرية أن تصبح أكثر حذرًا في حماية نفسها من الوقوع في أسر الشيطان، كما أن ذلك يبين بوضح هذه المرة أنهم إن سقطوا، فلن ينالوا خلاصًا من الله مرة أخرى كما نالوه هذه المرة. هذه التحذيرات الكثيرة والانطباعات المتعمقة للبشرية عن كلام الله في مجملها قد جعلت الناس ترجو رحمة الله بأكثر إلحاحًا وتتمسك بكلمات تحذيره بأكثر قوة، حتى تصل إلى هدف الله الرامي إلى خلاص البشرية.

السابق: لا يستطيع الشهادة لله إلا أولئك الذين يعرفون الله

التالي: حول ممارسة الصلاة

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

الله ذاته، الفريد (أ)

سلطان الله (أ) كانت مشاركاتي المتعددة الأخيرة حول عمل الله، وشخصيّة الله، والله نفسه. بعد سماع هذه المشاركات، هل تشعرون أنكم اكتسبتم فهمًا...

حول ممارسة الصلاة

إنكم لا تعيرون اهتمامًا للصلاة في حياتكم اليومية. لقد تجاهل الناس الصلاة دائمًا. كانوا من قبل يقومون في صلواتهم بحركات رتيبة ويعبثون...

الفصل السادس والعشرون

مَنْ التزم في بيتي؟ مَنْ وقف من أجلي؟ مَنْ عانى نيابةً عني؟ مَنْ تعهد بكلمته أمامي؟ مَنْ اتبعني حتى الآن ولم يصر غير مبالٍ بعدُ؟ لماذا كل...

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب